الجزء الثالث : هل التحصين بالدعوات القرآنية والنبوية يمنع من حدوث السحر او تسليط الشياطين على الانسان ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثالث

هل التحصين بالدعوات القرآنية والنبوية .. 

يمنع من حدوث السحر او تسليط الشياطين على الانسان ؟

بداية ..  رجاءا الرجوع الى الجزء الثانى من هنا ..اضغط هنا

والجزء الاول من هنا ..اضغط هنا

نذكر بما كتبناه سابقا فى الجزئين السابقين .. ما ملخصه .. أن لا.. تعتقد أن قراءة التحصينات تمنع أذى السحرة عنك .. لا

وإلا لما كان هناك سحر للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سحر موسى عليه السلام .. ولما كان تم تسليط الشيطان على ايوب وعيسى عليهما السلام .. ولما نزل ادم من الجنة ..

تذكر ان الاذى الروحانى يشمل كل الامراض النفسية .. لأنه لو لم يكن هناك امراض نفسية وقلبية .. فلن يكون هناك أذى روحانى .. مثل السحر والمس والخواطر الشيطانية والوساوس 

إلا إذا كان هذا الاذى من باب التسليط .. مثل ما حدث مع الانبياء والرسل .. فانتبه لهذا الكلام ..

الأدلة على أن التحصينات هى دعوات لحفظ عقيدة الانسان وحفظ قلبه من الانحراف الى الباطل .. وليست تمنع الاذى الروحانى من الوصول للانسان ..

أولا : الدليل العقلى

على أن التحصينات ليست مانعة للتسليط الروحانى

ولكنها مانعة من التمكين الشيطاني بالإضلال والإغواء

الدليل الأول : السحر من جملة الابتلاءات التى يصيب الله بها العبد .. 

فالسحر مثله مثل المرض العضوي تماما .. فكلاهما ابتلاء .. فليس معنى انك مؤمن .. فإنك لا تصاب بالمرض .. أليس كذلك ؟

الدليل الثانى : هل يوجد انسان لا يصاب بهم أو غم أو حزن ؟

طبعا  لا .. فمثل هذه الامراض النفسية .. هى فى ذاتها مؤثرات روحانية .. لأنها تفسد عليه مزاجه الطبيعى وتخرجه عن حد الاعتدال .. وتكون سببا في جلب الشياطين إليه لأنه يكون في حالة ضعف في هذا الوقت .. بسبب غفلته لانشغاله بهمومه ..

الدليل الثالث : هل يوجد انسان لا يخالطه الشك أحيانا فى مواقف معينة

طبعا لا .. والشك طبيعه انسانية يتغذى عليها الشياطين .. إن خرج الامر عن الحد المسموح به وهو سوء الظن .. 

والتحصينات لم تمنع الشك من الظهور فى طبيعة الانسان

الدليل الرابع : لو كانت التحصينات تمنع الاذى الروحانى مطلقا .. لكانت منعته عن الانبياء والرسل !!

الدليل الخامس : لو كانت التحصينات تمنع من الاذى الروحانى  مطلقا .. فما الذى سيجاهده الانسان فى نفسه ؟

الدليل السادس : هل يوجد انسان لا يصاب بالحسد ؟ طبعا لا .. ولكن التحصينات كانت سببا في لطف الله به بدلا من أن يصاب من كل حاسد او يصاب بمصيبة بسبب حسد .. ولكن التحصين يكون سببا في اللطف الإلهي .. وليس سببا في المنع مطلقا .

الدليل السابع :  ظهور وتسليط الشيطان على سيدنا عيسى للاختبار والامتحان .. وهى قصة معروفة .. 

فإذا لم يكن هذا تسليط .. فلماذا اتى الشيطان بذاته لسيدنا عيسى واخذ يطرح عليه الاسئلة .. ؟

اذن النبوة والرسالة لا تمنع من التسليط .. ولكن طهارة القلب ومعية الله وحفظة والتمسك بالله هى التى تمنع من وصول الشيطان الى مبتغاه ..

انتبه جيدا : فرق بين تسليط الشيطان .. وبين سلطان الشيطان .. فالتسليط هو ارسال الشيطان إليك وليس بالضرورة أن يسمح الله له بأذيتك .. اما السلطان فهو تمكين الشيطان منك بالأذى فعلا .. فانتبه ..!!

*** تذكر اننا قلنا ان التحصينات .. جميعها يفيد القلب .. وتحرسه من إغواء الشيطان وتضليله .. 

وكل ما نذكره هو ان لا تعتقد ان التحصين يمنع وصول الاذى الروحانى إليك بصورة مطلقة وللأبد .. لا .. لأن الاذى قد يصل إليك اختبارا لك .. ولكن الله يحفظ قلبك عليك فلا يسمح للشيطان ان يضلك .. وهذه هى فائدة التحصينات والاذكار ..

بمعنى آخر : هو فى الغالب تحصين معنوى ومصحوب أيضا بلطف إلهي في ظاهرك .. والتحصين المعنوي بمعنى بث الايمان فى النفس والثبات على الحق .. وعدم الاستجابة الى الوساوس الشيطانية .. فهذه هى فائدة التحصينات  

بمعنى آخر : التحصين لا يسمح للشيطان ان يتسلط على قلب العبد ولا ان يجعله يشك فى عقيدته فى الله ونبيه وقرآنه ..

أما ان يصيبه الشيطان بأذى فى بعض بدنه أو ما شابه .. فهذا أمر جائز جدا .. لأنه من جملة أمواج البلاء التى يرفع الله بها درجات العبد ..

نعود للأدلة ..

* .. ثانيا : الأدلة الشرعية .. *

.. من الكتاب والسنة ..

الدليل الاول : فى قصة سيدنا أيوب وتسليط الشيطان عليه .. { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ص41 

الدليل الثانى : قصة سيدنا موسي واصابته بسحر التخيل  { قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } طه66

الدليل الثالث : تسليط الشياطين على الانسان بالوسوسة والإيحاء والتزيين .. والايات كثيرة .. منها 

 *{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ }الأعراف20 

*{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة268 

*( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6} )

حتى الإنس لا يستطيعون أذى بعضهم البعض إلا ظاهرا فقط .. أما فى العقيدة فلا .. واقرأ قوله تعالى :

*{ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } آل عمران111 

فالإيمان والاذكار لم تمنع حضور الشياطين .. ولكن منعت تأثيرهم فى القلب .. فانتبه

الدليل من السنة :

* يكفينا محاولة التأثير بسحر التخيل الذى قام به اليهود للنبي صلى الله عله وسلم 

************************

.. هكذا كان الصحابة والتابعون ..

جميع الابتلاءات التى واجهت الصحابة والتابعين وغيرهم .. ولم يزيدهم الامر الا ايمانا وتثبيتا .. لماذا ؟

لأنهم ذاكرون الله فى قلوبهم دائما  وبأفعالهم .. واقرأ قوله تعالى  .. وتأمل :

{ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } الأحزاب22

 { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } الفتح4

{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } آل عمران173

فالذى يفعله الذكر عموما هو التثبيث الايمانى والعقائدى فى القلب ..

* .. وهذه هى خصوصية الذكر وفائدته الحقيقية .. *

تأمل قول ربنا تبارك وتعالى :

قال تعالى ( {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الأنفال2

ويقول تعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )

أيوجد بعد كلام الله .. أى تعليق ؟!!

فالذكر تحصين معنوى فى الاساس للقلب .. وزيادة فى الايمان وحضور هيبه الله فى القلب .. والطمأنينة فى القلب ..

*******************************

خلاصة : ما أردت قوله فى المقالات الثلاثة .. هو أن تفهم المقصد الحقيقى من كلام النبي  والقرآن .. فيستقيم عقلك بين ما تفعل وما يحدث .. فلا تصاب بالشك في نفسك .

وبالتالي لا يحدث فيك صراع نفسي بين ما يخبرك به البعض من أن التحصين هو لمنع الشيطان مطلقا عنك .. وما شابه هذا الكلام .. لا .. هذا خطأ .. والمعلومة الخاطئة تسبب لك صراع نفسي واضطراب ايماني كبير وشك ..!! فانتبه 

ختاما .. التحصين هو تحصين قلبي لتثبيت الإيمان واليقين حتى تطمئن القلوب بالله .. وكذلك التحصين يمنع وصول الشيطان إليك بالضرر وليس مطلقا .. لأن تسليطه جزء من اختبار الله لنا .. كما يقول تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبا21.

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..