بركة القرآن .. هل القرآن يشفي من الأمراض العضوية ( الجسدية ) ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل القرآن يشفي من الأمراض العضوية (الجسدية) ؟

 .. ماذا نقصد ببركة القران ؟

هو عطاء الله الزائد عن  المقدر له .. أو الزيادة النورانية التي يمنحها القرآن للموقنين حقا بالله ..  بمعنى انك تقرأ القران فتاخذ حسنات بكل حرف تقرأه .. وغيرك يقرأ القران  بيقين فينفعل معه القران ويرزقه الله من حيث لا يعلم .. فهذه خصوصية عطاء ..  وهذه الخصوصية تسمى بالبركة 

نعود فنقول :

ظهر فى عصرنا .. كما ظهر فى عصور سابقة .. وكما سيظهر فى عصور لاحقة .. من ينكر العلاج القرآني للأمراض العضوية .. ومن هؤلاء مشايخ .. ومنهم علماء أطباء يروجون لعلمانيتهم ..

ولكن عموما السبب فى ذكر هذه المقال هو ظهور الملحدين فى عصرنا بصورة غير مسبوقة ويرتدون عباءة الدين لتشكيك الناس فى دينهم .. وبدأوا بالتطاول على كل شيء فى الدين .. فمن اجل هذا نكتب هذا المقال .. دفعا للشبهات .. وتنبيها للغافلين .. وتقوية لأهل الإيمان 

  .. 

فماذا قال هؤلاء .. وماذا قال هؤلاء ؟

بداية .. يجب على الجميع أن يفهم أن العلماء جميعا لم ينكروا تعاطي الدواء أو المركبات الدوائية .. ولكن الاختلاف فى بركة القرآن بالشفاء العضوي .. فانتبهوا جيدا .. لهذه النقطة .

انقسموا على رأيين :

الرأي الأول : أن القران شفاء لما فى الصدور

الرأي الثاني : أن القران شفاء لما فى الصدور والأجسام 

أصحاب الرأي الأول : قالوا .. أنه لم يأت فى القران كيفيات لعلاج الأمراض العضوية .. وكذلك فى الحديث حث النبي على استخدام الأعشاب للعلاج .. وإلا لقال عليكم بالقران فى كل داء واكتفى بذلك .. وهذا لم يحدث .. بل قال عليكم بالشفائين العسل والقران .. فجمع بذلك بين العلاج الرباني النفسي و الروحي .. والعلاج العضوي .. وفرق بينهما فى الاختصاص  .

أصحاب الرأي الثاني : قالوا .. أن القران علاج لكل داء نزل من السماء .. لأن الله يقول ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ) الإسراء82 .. والشفاء لا تخصيص له في الاية حتى يزعم احد انه شفاء عن الجهالة .. بل هو امر مطلق على العموم .

* فالأمر يتوقف على اليقين فى الله ومقدار قربك من الله .. 

ومع هذا لا يمنعون الأخذ بالأسباب وهى الأدوية العلاجية ..

ولكنهم يهتمون بنقطة واحدة وهى أن بركة القران فى كل شيئ .. وليس فى شيئ مخصص مثل الهداية القلبية او علاج المشكلات النفسية مثلا ..

ونناقش آراء الطرفين .. ونرجح ما نراه حقا ؟

تذكروا : أنه ذكرنا أن الاختلاف بين العلماء فى بركة القران .. على الشفاء العضوي .. والجميع لا يمنعون طلب الشفاء بالأدوية الطبية .. 

مناقشة أصحاب الرأي الأول :

أنتم أثبتم بآيات وأحاديث على صدق كلامكم .. ولا نختلف معكم فى هذه النقطة أن القران شفاء لما فى الصدور .. وان الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد الى العلاج الطبي بالاعشاب .. ولكن 

1- هل مفهوم شفاء لما فى الصدور عندكم .. هو الامراض النفسية فقط .. ؟!! من قال ذلك ؟

فانتبهوا يا سادة .. فالله تعالى قال ( فى الصدور ) .. ولم يخصص داء معين .. بل الأمر مطلق .. فلماذا خصصتموه بالامراض النفسية ؟

2- الحديث الذي ذكرتموه  عن بن مسعود مرفوعا للنبي(عليكم بالشفائين العسل والقرآن) رواه بن ماجه والحاكم .. وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي .. ولكن الحقيقة أن سند الحديث ضعيف مرفوعا .. وقد اشار لذلك البيهقي والوادعي وغيرهما ..

 

- ولكن الصحيح هو الحديث الموقوف على الصحابي بن مسعود بنفس اللفظ .. أي من كلام عبد الله بن مسعود أنه قال: (عليكم بالشفائين العسل والقرآن) وقد رواه أبو نعيم في الطب النبوي بسند صحيح موقوفا .. 

- وفي رواية عن بن مسعود بلفظ: (إنما الشِّفاء في شيئَينِ: العسلُ شفاءٌ للناسِ ، والقرآنُ شفاءٌ لما في الصُّدور) رواه البيهقي في السنن الكبرى .. وهو ليس حديث نبوي وإنما هو من قول الصحابي بن مسعود رضي الله عنه.

- وعموما .. هذا لا يدل على على أن المقصود من الصدور هو الامراض النفسية فقط كما ذكرنا .. ولا يدل على أن العسل فيه شفاء لكل الأمراض كما يفهم من قول بن مسعود  !!

- لأن الأية تقول في العسل أن ( فيه شفاء للناس ) .. أى فى بعض العسل منه شفاء للناس .. فليس كل أنواع العسل وليس علاج لكل الأمراض 

#- والنبي صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا إلى أغلب العلاجات التى تنفع مع كثير من الامراض .. وليس هذين العلاجين فقط لكل مرض فى الدنيا .. 

- بدليل .. أنه قال: (إنَّ في الحَبَّةِ السَّوْداءِ شِفاءً مِن كُلِّ داءٍ، إلَّا السَّامَ) صحيح مسلم .. والسام هو الموت .

- فهل معنى ذلك أن الحبة السوداء تشفي بذاتها من كل داء .. أم أنه من الممكن ان تدخل كمركب كيمائي من عدة وصفات طبية وتساعد فى العلاج ؟ 

وكذلك الحال فى احاديث كثيرة ..

#- فيجب أن نفهم يا سادة كلام مولانا رسول الله .. قدر المستطاع .. حتى نجمع بين النصوص الشرعية .. 

- وليس الاعتقاد في العلوم المادية .. يجعل البعض ينكر القدرات والكرامات الربانية .. 

3-  واذا كان الإنكار فى بركة القران .. فلماذا تدعون ربكم ليشفيكم .. أليس الدعاء علاج رباني .. تطلبون استخدامه فى العلاج العضوي ؟

من منكم لم يدخل عمليات ويدعو قبلها بأن ينجيه الله .. ومن منكم يظن أن الدواء له مفعول إلا بإذن الله .. ؟ أليس الدعاء  أدوية ربانية .. فلماذا تنكرون التوسل بالآيات أن يكون وحده علاج للداء ؟ .. فالتوسل بالآيات هو دعاء إلى الله بكلامه .. فلماذا أنتم منكرون ؟

4-  السنة وفعل النبي شاهدا عليكم وليس لكم  ..

- ففي الحديث عن محمد بن حاطب قال: (وَقَعَتِ القِدرُ على يدي، فاحترَقَتْ يدي، فانطلَقَ بي أبي إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان يَتفُلُ فيها، ويقولُ: أذهِبِ البَأسَ، ربَّ النَّاسِ، -وأحسَبُه قال:- واشْفِه، إنَّكَ أنت الشَّافي) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح .. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ..

* ( أنَّ رجُلَينِ أقبلَا يلتَمِسانِ لأنفسِهِما الشِّفاءَ من البَولِ ، فانطُلِقَ بهِما إلى أبي الدَّرداءِ ، فقالَ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ : ربُّنا الَّذي في السَّماءِ تقدَّسَ اسمُك ، أمرُك في السَّماءِ والأرضِ ، كما رَحمتُك في السَّماءِ اجعَلْ رحمتَك في الأرضِ ، اغفِرْ لنا حوبَنَا وخطايَانَا ، أنت ربُّ الطَّيِّبينَ أنزِلْ رحمةً مِن رحمتِك علَى هذا الوجَعِ .. فقالاها فبَرِئا ) رواه الحاكم وصححه .. وفيه ضعف في إسناده ولكن له شواهد تشهد له ذكرها محققو المسند (39/381) .. من شواهده ما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم 1035-1036.. عَن طَلق بن حبيب عَن أَبِيه: (أَنه كَانَ بِهِ الْأسر فَانْطَلق إِلَى الْمَدِينَة وَالشَّام يطْلب من يداويه فلقي رجلا فَقَالَ الا أعملك كَلِمَات سَمِعتهنَّ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَبنَا الله الَّذِي فِي السَّمَاء تقدَّس اسْمك أَمرك فِي السَّمَاء وَالْأَرْض كَمَا رحمتك فِي السَّمَاء اجْعَل رحمتك فِي الأَرْض اغْفِر لنا حوبنا وخطايانا أَنْت ربّ الطيبين أنزل رَحْمَة من رحمتك وشفاء من شفائك على هَذَا الوجع .. فَيبرأ) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة بسند مختلف عليه.

- فالأحاديث السابقة .. تظهر أمراض عضوية مثل الحرق واحتباس البول .. وتم العلاج فيهما بالدعاء الى الله .. ولم يتم اخذ اعشاب طبية ولا عسل ولا حبة سوداء .. بل ببركة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر60.

 

#- وهناك القصة المشهورة عن سيدي جعفر الصادق .. عندما أصابته غرغرينا فى قدمه .. وطلب من الاطباء قطعها أثناء الصلاة .. ولم يشعر بشيئ .. وغير ذلك كثير ولكن يتطلب يقين مع الله

5- القران الكريم .. يقول  ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) فصلت44 .. 

- فهل نكذب القران من أجل حضراتكم .. لوجود قصور قلبي وشك في بركة القرآن ؟!!

* ولكن نعم نساندكم الرأي .. فى الأخذ بالأسباب والعمل على ايجاد الدواء النافع للناس .. لأن العلاج سواء رباني او عضوي .. فكله من فضل الله على الناس .. فلا نترك هذا وأيضا لا نترك ذاك .. فكل ميسر لما خلق له ..

مناقشة أصحاب الرأي الثاني

لا ينبغي أبدا أن نصرف الناس الى العلاج الرباني بالقران ونتشدد به .. ونترك العلاج العضوي الذى هو أيضا من عطاء الله .. 

نعم أنتم لم تنكرون العلاج العضوي .. ولكن تتشددون فى العلاج الروحاني .. وأنتم تعلمون أن له خصائص إنسانية لتتفاعل معه بركة القران .. وتتلخص فى التقوى واليقين .. وليس كل الناس لديهم هذه الخصائص .. 

الجمع بين الآراء

لماذا ننظر الى العلاج الرباني والعضوي على انهما منفصلين عن بعضهما ؟

وكأن العلاج العضوي من صنع الانسان والعلاج الروحاني من صنع الله !!

ولو تاملنا الحقيقة .. سنجد أن كلاهما من عطاء الله تعالى .. 

فلماذا التفرقة من الأساس مادام المنعم والمعطي واحد .. وهو الله تعالى 

أرى أن نجمع بين هؤلاء وهؤلاء .. بلا افراط ولا تفريط  ..

فاجمع بين العلاج الروحاني والعضوي لأن الجميع من عطاء وفضل الله  فاحرص على أن تجمع بين الفضل كله .. ولكن هناك شرط واحد فى كل الاحوال

وهو أن تتوكل على الله .. ولا تظن أن الدواء سيشفيك أو أن الآيات ستشفيك ..

ولكن اجعل ظنك دائما بأن الله هو من سيشفيك

فالدواء والآيات وسائل ربانية من الله لخلقه

فلا تنسى المنعم وتنشغل بالنعم

وبقدر إخلاصك يكون خلاصك

والله يقول الحق وهو يهدى السبيل

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه المقالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أى موضوع من مواضيعة إلا بإذن من صاحب المدونة - ا/ خالد ابوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .