معنى الكشف فى القرآن والسنة .. ومفهوم العارفين للكشف ورفع الحجاب .. بين الغفلة والمنزلة المباركة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

معنى الكشف فى القرآن والسنة .. ومفهوم العارفين للكشف ورفع الحجاب .. بين الغفلة والمنزلة المباركة ؟

- السادة الكرام .. مرحبا بكم فى الجزء السابع من مواضيع الكشف .. وبدأنا في نهايات مواضيع الكشف .. وعموما ختام المواضيع سيكون من القرآن والسنة والسيرة وبعض التجارب الشخصية (من الناحية القلبية) .. حتى نكون قد أحطنا الموضوع عقليا وروحانيا و دينيا .. بما لا يستطيع روحاني كاذب من أن يحشر عبادته للجن وغوايته للناس .. بالدين الإسلامي الحنيف .. بأي حال من الاحوال .. طبعا مع التنوية على شيء مهم وهو أنه يوجد روحانيون صادقون .. ولكن الكاذبون في الواقع أصبحوا كثيرون .. حتى بات نادرا أن تجد منهم صادقا ..!!

أعتذار للسادة القراء :

- فى آخر المقال ذكرت كلام للامام القشيري خاص بأهل الشهود والمكاشفات وقد شرحته قدر المستطاع وهو صعب الى حد ما .. ولكن ذكرته لتعرف بعض الأحوال الحقيقية للصوفي الحق .. ولعل البعض يتذوق شيء من معانيه .. وحتى يتبين لك إلى أى مدي يكذب الروحانيين ومزوري التصوف على المنتديات .. وإلى أي مدى ليس لهم علاقة بالتصوف ولا بالكشف ولا بالروحانيات الدينية تماما ..

نعود فنقول :

ما المقصود بالكشف في القرآن الكريم ؟

يأتي لفظ الكشف .. في القرآن الكريم .. على معنيين

- الأول: بمعنى .. إزالة الشيء .. وإذهابه .. ورفعه وصرفه .. عن الناس .. ومن ذلك قوله تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ)   17:الأنعام  .. وغالب القرآن في هذا المعنى ..

- الثاني: بمعنى إظهار الشيء .. وجاءت في قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا) " 44:النمل

** وفى كتاب معجم وتفسير لغوي لكلمات القران قال:

- يقال كشف عنه الهم : أزاله ، وكشف عن الشئ : أظهره .

معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن ج 4 ص 64 باختصار

** ويظهر من المعنيين السابقين .. أن المعنى الكشفي فى القرآن .. لا علاقة له بما يتحدث عنه الناس .. ولكن من أين جاء الروحانيون بزعمهم .. أن الكشف هو رؤية الجن وتواجد علاقة مع العالم الآخر ؟

من خلال آية .. وحديث .. فما هي الآية وما هو الحديث ؟

- الآية هي ما قاله تعالى: (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ق22.

- والحديث هو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ) .. (وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]) صحيح مسلم.

 

** وأصل الإلتباس فى فهم النص الشرعي .. هو أن كثير من الروحانيين الفاسدين والمنحرفين عن الحق .. قد أخذوا من كلام العارفين .. فيما يتعلق بالكشف ورفع الحجاب .. كعنوان لكلامهم .. ونصبوا من أنفسهم عارفين وأولياء .. وأخذوا يرددون أسماء بعض العارفين .. حتى يلتبس على الناس أنهم من أتباع هؤلاء العارفين ..

- وهناك من ينتسب للصوفية وما هو من الصوفية في شيء ..!! بل ممن تلاعب الجن بعقولهم وسلبت الشياطين كرامة عبوديتهم لله .. وانحرفوا عن التصوف لأن نفوسهم سولت لهم أمر الولاية .. فاتبعوا شيطان أنفسهم .. وأوهموا الناس أن معهم عهدا من مشايخ الطرق وإذنا فى قراءة أوراد السادة العارفين .. وانهم بلغوا ما بلغوا من مقامات الكشف .. ويتطاول البعض فيزعم أنه يعرف ما في اللوح المحفوظ من قدر الله .. ولهم نواب يتشكلون بأشكالهم فيصلون الصلاة الشرعية بالنيابة عنهم .. لأن كثير من لا يصلون فى الغالب ..!!

- فكان العقاب للجميع (للروحاني الضال أو الصوفي المنحرف) من جنس العمل .. طلبوا الله بغير ما طلب الله منهم .. فسلط الله الغيرية عليهم من جنس ما طلبوا .. حيث طلبوا الشهرة والظهور بسلطان الولاية على الناس .. فأرسل الله عليهم الشياطين تؤزهم أزرا .. ويمدونهم غيا .. ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ..

*************************

 :: ماذا ظن الروحاني الفاسد .. بكلام العارفين ؟ ::

- لعل البعض منهم لما سمع .. مناجاة العارفين مع الله .. وكلامهم في رفع الحجاب والكشف القلبي .. فظنوا أن هؤلاء السادة العارفين يقصدون برفع الحجاب والكشف القلبي .. هو عالم الجن أو حتى عالم الملائكة .. !!

- وهذا ظن فاسد وضال .. ولا يقول به إلا جاهل أو منحرف عن الحق ..!! 

- فكيف يكون العارف بالله هو عارفا ثم يطلب غير الله ..؟!! فإذا كان هذا هو حال العارف أن يطلب غير الله .. فما هو حال الجاهل الغافل عن الله .. ؟!!

**********************

:: فماذا قصد العارفون عن رفع الحجاب والكشف القلبي .. ؟ ::

#- فيما يتعلق بالآية (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ق22.

* تفسير الآية نقلا من التفسير الميسر: 

- لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الإنسان .. فكشفنا عنك غطاءك الذي غطَّى قلبك .. فزالت الغفلة عنك .. فبصرك اليوم فيما تشهد قوي شديد .

*********************************

:: تأمل معي جيدا في الآية السابقة .. ففيها أمرين ::

- الأول : دوام الغفلة ..

- الثاني : كشف الغطاء ..

* فالسادة العارفون .. 

1- حينما يتحدثون عن الغفلة .. فهي دائما عن غفلة القلب عن الإتصاف بأوصاف العبودية في ميادين الربوبية ..

2- وكشف الغطاء .. هو رفع الحجوب لمجالسة حضرة علام الغيوب .. والإستشعار الدائم بمعية المحبوب ..

- وليس الأمر فيه جن ولا عفاريت ولا ملائكة .. ولا حتى خيالات ..

وحينما يتوسلون إلى الله بهذه الآية  السابقة .. فكأنهم يقولون بلسان الحال : (اللهم إني في غفلة عما تحب .. فاصرف عني ما لا تحب .. حتى أكون لك كما تحب) ..

- وبعض العوام من المؤمنين .. يستخدمون هذه الآية .. كوسيلة من أجل الإستبصار والإستخبار للإرشاد إلى شيء ما .. ومعرفة شيء ما ..

- ولكن السؤال المهم لمن يتوسل بهذه الآية:

- ماذا تطلب وترجو من وراء التوسل بكلام الله في كشف الحجاب ؟

1- هل بغرض أن يكشف عنك الله من حجاب الغيب ما ترى به من العوالم العوالم الغيبية كالجن ... طمعا فيهم ليقال عنك أنك الشخص الذي لديه ملكات روحانية جبارة .. ؟

2- أم بغرض أن يكشف عنك حجاب الغفلة عن قلبك ويجعلك من أهل معيته موصوفا بكونك عبدا شكورا ..؟

- فأي غطاء تريد أن يكشفه الله عنك .. حجاب الجن أم حجاب الغفلة القلبية ؟

- ولكن انتبه: فإن أردت رفع حجاب الستر عن عام الجن فقد طلبت الإستمتاع بما هو حرام عليك .. لأنك طلبت الإستمتاع بالجن .. ويقول تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) الأنعام128.

- بل وتكون استخدمت كلام الله للوصول به إلى معصية هو منعك ونهاك عنها ..!! فيا لها من مصيبة ..!!

- فانتبه أخي المؤمن من تضليل الروحانيين .. وتلاعبهم بكلام الله في تحضير الجن .. وهذا من أكبر الاكاذيب عندهم ..!! 

- فالقرآن لا يحضر جن ولا شيطان .. ولكن من استخدم القرآن في غير ما أراده الله .. فسينقلب الأمر عليه وسيكون عقابه بإحاطته بالشياطين بكل تأكيد .. لأن حماية الله ارتفعت عن هذا الشخص لحظة أن اختار أن يستخدم كلام الله في معصية الله أو طلب غير الله ..

 

******************************

:: انتبه أخي الحبيب لهذا الكلام جيدا ::

 - أنه لا يوجد أحدا يستطيع أن يفتح لك كشفا أو يغلق لك كشفا ..، أو يمنحك أو يمنع عنك روحانية طيبة ..، أو يسلط عليك أو يعوذك من روحانية خبيثة .. لأن المانع والمعطي والباسط والقابض والنافع والضار هو الله .. فضلا عنه أنه لا أسباب لك مع العالم الغيبي .. إلا بطلب المعونة من الله في طلب خير أو منع شر ..

- وكيف يستطيع أن يعطيك ما سلبه الله منك .. بل وكيف يكاشفك بما حجبه الله عنك .. وكيف يُرقِّيك بطاعة وأنت معاصيك مستولية عليك .. بل وكيف يغلق لك أحدا كشفا .. كان الله هو مانحه لك ؟!

*********************************

:: أما عن الحديث النبوي .. وكشف الحجاب ؟ ::

الحديث جاء فيه: (إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ) .. (وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]) صحيح مسلم.

- تأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم .. في كرامة المؤمنين المقربين .. هم من يكشف عنهم الحجاب في الجنة فينظرون إلى الله بلا كيف .. وهى أعلى كرامات المشاهدات والمكاشفات ..

- وفى هذا إشارة .. إلى أن كشف الحجاب إنما يكون عن طهارة قلبية ومتابعات نبوية .. والتزامات قرآنية .. للوصول إلى مقام العبودية .

- وفى هذا إشارة .. إلى أن كشف الحجاب يبقيك بالله مع الله ويحجبك عمن غيره فلا تنظر ولا ترجو سواه ..

- وكذلك الحال في عالم الدنيا قد يكرمك الله برؤيته .. إلا أنه لا نظر إلى الله إلا بعين القلب .. وقد تحدث هذه الرؤية في عالم المرائي ..

-  أما في الآخرة فبعينك الظاهرة وبعينك الباطنة (عين القلب) .. أكرمنا الله وإياكم بكرامته فى الدارين .. آمين

** وخلاصة الكلام .. أحببتك أن تعرف أخي المؤمن .. كيف قامت مجموعة من الضلالية من ينسبون أنفسهم لعالم الروحانيات أو ينسبون أنفسهم بالكذب للتصوف .. بتحريف المعاني النبوية والقرآنية .. لتخدم أهوائهم .. وكيف أصبح الكشف القلبي هو الإستماع للجن .. وأصبح كشف الحجاب هو رؤية الجن .

- وكيف قاموا بتحويل حال الانسان من كونه باحثا عن معية الله .. إلى كونه باحثا عن معية الجن والشياطين .. !!

***********************

:: الذكر والغفلة .. ومكاشفة القلوب عند العارفين ::

- قال تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) الأعراف205 .

- سئل الشيخ سهل التسترى أسئلة حول هذه الآيه :

- ما حقيقة الذكر؟ 

- قال: تحقيق العلم بأن الله تعالى مشاهدك ، وتراه بقلبك قريباً منك ، وتستحي منه ثم تؤثره على نفسك في أحوالك كلها ، ثم قال: ليس من ادعى الذكر فهو ذاكر.

- فقيل له ما معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الدنيا ملعون ما فيها إلاَّ ذكر الله تعالى» ؟

- قوله: «ذكر الله» هاهنا الزهد عن الحرام ، وهو أن يستقبله حرام .. فيذكر الله تعالى، ويعلم أنه مطلع عليه ، فيجتنب ذلك الحرام .

- وقوله:(وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) قال سهل: حقاً أقول لكم ولا باطل .. يقيناً ولا شك: ما من أحد ذهب منه نفس واحد في غير ذكر الله إلاَّ وهو غافل عن الله عزَّ وجلَّ .

، والله سبحانه وتعالى أعلم. ) 

تفسير التستري ج1 ص70 .. باختصار

 

#- قلت (خالد صاحب الموضوع) .. في تخريج الحديث السابق في كلام الشيخ سهل التستري:

- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدُّنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلَّا ذِكرُ اللَّهِ) رواه بن ماجه والترمذي .. وقال الترمذي حسن غريب ..، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ..، وقال الأرنؤوط في تخريج رياض الصالحين:إسناده حسن وله شاهد يتقوى به.

 

*****************************

:: الغفلة فى الدنيا .. والغفلة عن الدنيا ::

- قال تعالى :(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) سورة الأنبياء1.

- يقول الامام القشيري في تفسيره: 

- «فِي غَفْلَةٍ» يقال الغفلة على قسمين: 

- غافل عن حسابه باستغراقه في دنياه وهواه 

- وغافل عن حسابه لاستهلاكه في مولاه .

- فالغفلة الأولى : سمة الهجر.

- والغفلة الثانية : صفة الوصل.

- فالأولون لا يستفيقون من غفلتهم إلا من سكرة الموت، وهؤلاء لا يرجعون عن غيبتهم أبد الأبد لفنائهم فى وجود الحق تعالى .

القشيري ج2 ص 491

# قلت (خالد صاحب الموضوع) .. في شرح كلام القشيري: 

- أن هناك غفلة عن الله .. وهي صفة البعد عن الله ، وهناك غفلة عن الدنيا .. وهي صفة القرب والإتصال بالله ..

*****************************

:: المنزلة المباركة ::

- قال تعالى :(وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) سورة المؤمنون 29.

- يقول الإمام القشيري في تفسيره: 

- (الإنزال المبارك أن يكون بالله ولله ، وعلى شهود الله من غير غفلة عن الله ، ولا مخالفا لأمر الله .. ويقال الإنزال المبارك الاستيعاب بشهود الوصف عنك، ثم الاستغراق باستيلاء سلطان القرب عليك، ثم الاستهلاك بإحداق أنوار التجلّى حتى لا تبقى عين ولا أثر .. فإذا تمّ هذا ودام هذا فهو نزول بساحات الحقيقة مبارك لأنك بلا أنت .. بكليتك من غير بقية أو أثر عنك) 

تفسير القشيري ص2 ج 576

::  قلت خالد صاحب الموضوع .. في شرح كلام القشيري :

- انتبه : إلى أن الإمام القشيري ذكر مقامين فى تفسير المنزلة المباركة .. مقام أهل الإيمان .. ومقام أهل الشهود والإحسان .. وإليك البيان:

1- مقام أهل الإيمان

- قوله (الإنزال المبارك أن يكون بالله ولله): المنزلة المباركة والكرامة الربانية هي أن يكون طلب العبد بالله .. بما يحبه الله ويرضى به عن العبد .. وليس بشهوة نفسية ليدرك بها حظوظ نفسه من منازل الولاية .. و تكون لله بالإخلاص فى القول والفعل .. وصدق الإفتقار إلى الله ..

- قوله (وعلى شهود الله من غير غفلة عن الله): بالحضور القلبي بين يدي الله .. غير مشغولا بسواه

- قوله (ولا مخالفا لأمر الله): وليس مخالفا فى ذلك شرعا أبدا ..بأن يزعم أحدا ان له حال مع الله ولا يصلي ولا يصوم .. فكيف يكون ذلك ؟

2- مقام أهل الشهود والإحسان

- قوله (ويقال الإنزال المبارك الاستيعاب بشهود الوصف عنك): ويقال بطريقة أهل الشهود والتحقيق .. أن المنزلة المباركة والكرامة الربانية هي أن تتحقق بالإيمان والإحسان بما تسقط به عنك أوصاف بشريتك ونفسك لتبقى بالله .. لا بنفسك ..

- قوله (ثم الاستغراق باستيلاء سلطان القرب عليك): فإذا حدثت لك جذبة محبة منه وأصبحت من المقربين .. أصبحت مستغرقا في في التذوق من تجلياته جل جلاله ..

- قوله (ثم الاستهلاك بإحداق أنوار التجلّى حتى لا تبقى عين ولا أثر) : ثم يرتقي بحالك إليه حتى تنطمس كليتك البشرية فى أنوار التجلي الرباني عليك .. حتى تفنى عن بشريتك وأوصافك الدنية ..

- قوله (فإذا تمّ هذا ودام هذا فهو نزول بساحات الحقيقة مبارك لأنك بلا أنت): فإذا انمحت أوصافك الذميمة وأصبحت كليتك ناطقا بالله ظاهرا وباطنا .. كنت سمعه الذي تسمع به .. وبصره الذي تبصر به .. ويده التي يبطش بها .. فتكون بالله في كل حالك .. عبدا ربانيا .. وهذه المنزلة المباركة .. لأنك تكون محوت نفسك بدوام ظهور ذكر الله في نفسك ..  فلا يبقى فيك أثر لعلو شهوة .. او لظهور غفلة .

- والله أعلم بمراد الشيخ القشيري رحمه الله ..

***************************

 :: ختاما .. أقول لكم ::

** هل عرفت الآن أن كلام العارفين .. لا علاقة له بكلام الروحانيين ومزوري التصوف .. ؟

** هل عرفت أن رفع الحجاب ما هو إلا رفع حجاب الغفلة .. بدوام الحضور بين يدي الله بالقلب ؟

** هل عرفت أن المشاهدات والمكاشفات .. عند العارفين .. هي مشاهدات ومكاشفات قلبية .. تظهر نتيجة لمحو الصفات النفسية الذميمة .. ومحو التعلق بالأغيار من القلب .. حتى لا يبقى القلب متعلقا بغير مولاه ..؟.

** هل عرفت أن المنزلة المباركة .. ليست فى اتصالك بعوالم الكون .. وإنما المنزلة المباركة هي البقاء في معية الله من خلال مجاهدة نفسك والإرتقاء بصفاتك القلبية ؟

*************************

:: من فضلك .. رجاءا ::

- من فضلك .. كن مع الله ولا تكن مع غيره .. ولا ترجو سواه .. ودائما يكن في قلبك رجاء وهو .. أن يخرجك من ذل المعصية إلى عز الطاعة .. وأن يرزقك عز الدنيا والآخرة .. عز الدنيا بالإيمان والمعرفة .. وعز الآخرة باللقاء والمشاهدة ..

**************************

:: وقفة مع آية .. ودعاء ::

- بعد الإنتهاء من الكتابة المقال جرى فى خاطري آيه مع هذا الدعاء فأحببت مشاركتكم إياه .. 

- قال تعالى عن دعاء المؤمنين المستضعفين أنهم قالوا: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) النساء75.

- فاللهم إني أسألك ان تخرجني من قرية النفس الظالمة بشهوات الحس .. واجعل لي من لدنك وليا ونصيرا .. بالكتاب والسنة ..

وصلى اللهم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم

مع التنبيه: أن هذا ليس تفسيرا للآية نهائيا .. وإنما مجرد دعاء وفهما من الآية عن طريق التلميح والإشارة .. 

******************************

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسائل العلمية مصدرهامدونة الروحانيات فى الاسلام -   ومؤلفها / الأستاذ خالد أبوعوف - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات  ..