الجزء الثاني- القرين فى الحديث - الإنسان بين لمة الملك وكرامة العطاء و بين لمة الشيطان و فتنة الإبتلاء

بسم الله الرحمن الرحيم

القرين فى الحديث الشريف
الجزء الثاني من الفصل الأول

الإنسان بين لمة الملك وكرامة العطاء
و بين لمة الشيطان و فتنة الإبتلاء 

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. زائري وأعضاء المدونة .. في الجزء الثاني من الفصل الأول لموضوع القرين في الحديث الشريف .. وكان الجزء الاول من هنا ( اضغط هنا ) ..

ولكن أريد منك شيئا هاما .. وهو أن لا تجعل لفكرة القرين سيطرة على نفسك .. حتى لا يأخذ هذا اللفظ حيز أكبر مما يستحق .. واعلم أنه في نهاية الأمر أن القرين الشيطاني هو مجرد شيطان .. وعليك أن تقوم بقهره بطاعتك لله .. وإلا سيتولى قهرك بطاعتك لنفسك ..

ونبدأ في الجزء الثاني مباشرة دون أي مقدمة .. مستكملين حديثنا السابق ..

س12 : ما الذي جعل القرين يحضر أو يجيء بوسوسته مع السيدة عائشة رضي الله عنها ؟

نذكركم بالحديث حتى لا ترجعوا للموضوع : (أخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ. فَجَاءَ فَرَأَىَ مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟" فَقُلْتُ: وَمَا لِي لاَ يَغَارُ مِثْلِي عَلَىَ مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟" قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَوَ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟! قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَ كُلّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "نَعَمْ. وَلَكِنْ رَبّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتّىَ أَسْلَمَ". 

تأملات مع الحديث في ثلاث أشياء :

الغيرة : ومحلها النفس

مجيء الشيطان : بالوسوسة

معية الحضور : وتعني ملازمة الشيطان معها كالظل للوسوسة .. ولا يعني أن  بداخلها حصل الحضور

ما الذي حدث ؟

** حدثت غيرة نفسية .. ظهرت نتيجة ظن .. استغلها القرين ليؤثر عليها .. ويوسوس لها أنه قد يكون صلى الله عليه وسلم قد بات عند غيرها هذه الليلة ..

فما حركته النفس .. قد استغله الشيطان .. وأصبح حاضرا يوسوس لها .. ولكن تأمل معي الآتي :

** قال (صلى الله عليه وسلم : أقد جاءك شيطانك ؟  ) .. فهذا يدل على ذهاب أثر الوسوسة عنها رضي الله عنها .. وإلا لقال لها صلى الله عليه وسلم ( أنت شيطانك معك حاضر ) .. ولكنه قالها لها بصيغة الماضي .. وفي هذا دلالة .. على اعتصام السيدة عائشة رضى الله عنها بالله وذهاب الوسواس عنها . {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }الأعراف201

س13: لكن لماذا يحضر الشيطان وقت الغيرة أو الظن .. وهما صفات إنسانية عادية ؟

1- ما تحسبه أنت لا شيء فيه .. هو ما يستخدمه الشيطان ليحاربك به .. فالشيطان يحاربك من خلال طباعك وصفاتك .. كمن تعلم انه سهل ان تستفزه بقليل الكلام .. لآنه عصبي .. فهذه الصفة هي التي جعلتك تستفزه ..

2- وعموما مجيء الشيطان .. ليس لمجرد الظن ولكن بسبب الاسترسال فيه فترة . مما تسبب في حدوث الغيرة .. ثم تراجع الوسواس عنها .. وتبقى فيها أصل الطبيعة الأنثوية .. العادية .. فعادت لتتحقق من ظنها .. وذلك بملامسة شعرة صلى الله عليه وسلم .. لتأكد هل زار أحد من نسائه .. !! ولكن بدون غيرة حينئذ ..

ما أردت توضحيه فيما سبق:

1- النفس هي المحرك الأول لتنشيط الوسوسة الشيطانية

2- أن عند تحريك شهوة أو فكرة نفسية ..فإن الشيطان يحضر ويأتي .. حتى ولو لم يستطع ان يجعلك تنفذها .. فإنه سيشغلك بها

3- أن هذا الحضور والمجيء الشيطاني من خارج الجسم وليس من داخل الجسم

4- إذا كان هذا الحضور الملازم للإنسان في الأصل .. من خارج الجسم .. فهل يظن أحدا أن المجيء لأي شيطان غير القرين الملازم .. سيكون من داخل الجسم .. ؟!!

س14: متى يحضر القرين الشيطاني ..؟

1- وقت الغفلة ..

2- أو وقت الظن .. (سيكون للظن فقط مقالة كبيرة إن شاء الله )

3- أو وقت استحضار شهوة نفسية أو رغبة نفسية .. بصورة خاطئة .

س15: كيف يحضر القرين الشيطاني ؟

يحضر في صوت وسوسة داخلية للإنسان .. ولنعطي مثال على ذلك ..

مثال للشر : يأتي ليوسوس إليك .. بأن يحرك فيك مشاعر الإنتقام من الآخر .. سواء باللسان كالغيبة والنميمة .. أو بالآلة كالضرب باليد أو بحديدة أو غير ذلك ..

وقد يأتيك الشيطان ناصحا أمينا : يقول لك أنت أذنبت ذنبا وكنت تسلك طريق الله .. فكيف لك ان تفعل ذلك .. وكيف ستجرؤ بعد ذلك أن تتقرب إلى الله .. وهكذا .. حتى تصاب باكتئاب وانخفاض في العزيمة .. وتقطع ما كنت مستمر عليه .. في علاقتك مع الله ..!!

- ولو كان الإنسان بصيرا في دينه .. لعلم أن المهم ليس المعصية ولكن المهم هو المجاهدة مرة أخرى بالطاعة .. هكذا تكون عزيمة الرجال .. لا يلتفتون إلى ما فقدوا ولكن يهتمون بما هم عليه الآن .. فلو فعلوا معصية قصدا أو سهوا .. فهم يجعلون من هذه المعصية سببا ودافعا للطاعة مرة أخرى ..

فالذنوب دافع للطاعة .. وليس .. دافع للمعصية .. فانتبه .

** فكن بصيرا وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في وصية لأبي ذر الغفاري وهو كان مسافرا .. فقال النبي له ( اتَّقِ اللهَ حيثما كنتُ ، واتَّبِعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تمْحُها ، وخالقِ النَّاسَ بخُلقٍ حسنٍ )

** وكن بصيرا وتذكر قول الله تعالى ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر53

س16: وكيف نفرق بين قرين الخير وقرين الشر في تأنيبك للمعصية ؟

- إن قرين الخير .. ينبهك على المعصية .. ويحرك في النفس الرغبة في التخلص من الذنب ويرشدك لفعل طاعة .. ثم يتركه ..

- ولكن إذا وجدت تكرارا في داخلك .. بهذا الذنب .. وأصبح يصيبك إحباط .. وإنخفاض عزيمتك في طاعتك لربك .. فاعلم أن قرين السوء قد تدخل في الأمر ..

س17 : وكيف يتدخل قرين الشر في عملك الصالح ؟

- يتدخل الشيطان في الوسوسة إليك لتجعل أعمالك الصالحة على مرأى ومسمع من الخلق .. ليمدحوك عليها ..

فالأصل أنك أردت عملا صالحا .. ولكن تحول العمل بعد ذلك إلى رياء ..!!

س18: ولكن هذا الرياء أصلا لتواجده مع نفس أمارة بالسوء .. فما بال النفوس الصادقين لماذا يسلط عليها قرين الشر ؟

من باب الفتنة .. ألم تقرأ قول الله تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) العنكبوت2

ولو كنت صادقا .. لكنت عاملا بالطاعة بعد المعصية .. وما كانت المعصية لتشغلك .. عن الطاعة .. ولكن لوهن في نفسك .. فقد خضعت لصوت قرين السوء .. وأضعت عزيمتك .. وما ذلك إلا لحضور النفس الإمارة .. وليس هناك احدا كبيرا على الفتنة .. فانتبه للكلام فإنه نفيس .

س19: ما هو وسواس القرين الشيطاني ، وإلهام القرين الملائكي ؟

الرسم لا يحتاج لشرح .. ولكن سواء الوسواس الشيطاني أو الإلهام الملكي .. كلاهما يصب في النفس الإنساني  

يقول صلى الله عليه وسلم ( إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة : فأما لمة الشيطان ، فإيعاد بالشر ، وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك ، فإيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك ، فليعلم أنه من الله ، فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى ، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ : الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء " الآية )

أولا : ما هي معنى اللَمَّة لغويا :؟

المعجم الوسيط :  واللَّمّة : هي الطائف من الجن .. يقال أصابته من الجن لّمّة : أي مس أو شيء قليل ، ويقال للشيطان لّمّة : أي هَمَّة و خَطْرَةٌ في القلب .. " مختصرا .

النهاية في غريب الحديث  : اللَّمَم: طَرَف مِنَ الجُنون يُلَمُّ بِالْإِنْسَانِ: أَيْ يقرُب مِنْهُ وَيَعْتَريه .. اللَّمَّة: الْهَمَّة والخَطْرَة تَقَع فِي الْقَلْبِ، أَرَادَ إلْمَام المَلك أَوِ الشَّيْطَانِ بِهِ والقُرْبَ مِنْهُ، فَما كَانَ مِنْ خَطَرَات الخَيْر، فَهُوَ مِنَ المَلك، وَمَا كَانَ مِن خَطَرَات الشَّرِّ، فَهُوَ مِنَ الشَّيطان .  .. مختصرا ج4ص272

مختار الصحاح : وَاللَّمَمُ أَيْضًا طَرَفٌ مِنَ الْجُنُونِ. وَرَجُلٌ (مَلْمُومٌ) أَيْ بِهِ لَمَمٌ. وَيُقَالُ: أَصَابَتْ فُلَانًا مِنَ الْجِنِّ (لَمَّةٌ) وَهُوَ الْمَسُّ وَهُوَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ. ج1 ص285

غريب الحديث لابن الجوزي : قَالَ ابْن مَسْعُود لمة من الْملك ولمة من الشَّيْطَان أَي قرب ودنو . ج2 ص332

معجم اللغة العربية المعاصرة : طائفٌ من الجنّ، أو مسٌّ منه "أصابته لَمَّة من الجنّ: مَسٌّ أو شيءٌ قليلٌ" .. للشَّيطان لمَّةٌ: أي خطرة في القلب أو دُنُوٌّ. ج3 ص2038

قلت: كاتب المقال : يتبين مما سبق أن المعنى اللغوي لكلمة ( لمَّة ) لا يدل بأي حال من الأحوال على تواجد القرين بداخل الإنسان .. حتى لا يستغفلك أي روحاني بذكر الحديث .. وظن أن معن كلمة اللمة هي تلبس جسد بجسد آخر .

شرح الحديث

( إن للشيطان أي إبليس أو بعض جنده لمة ، واللمة بالفتح من الإلمام ومعناه النزول والقرب والإصابة والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك بابن آدم .. أي بهذا الجنس فالمراد به الإنسان .. وللملك لمة ..

فلمة الشيطان تسمى وسوسة ولمة الملك إلهاما .. فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر كالكفر والفسق والظلم وتكذيب بالحق أي في حق الله أو حق الخلق أو بالأمر الثابت كالتوحيد والنبوة والبعث والقيامة والنار والجنة ..

وأما لمة الملك فإيعاد بالخير كالصلاة والصوم وتصديق بالحق ككتب الله ورسوله ..

وقال الشاه ولي الله الدهلوي: الحاصل أن صورة تأثير الملائكة .. في نشأة الخواطر الأنس والرغبة في الخير ، وتأثير الشياطين .. فيها الوحشة وقلق النفس والرغبة في الشر .

(فمن وجد) أي في نفسه أو أدرك وعرف (ذلك) أي لمة الملك على تأويل الإلمام أو المذكور (فليعلم أنه من الله) أي منة جسيمة ونعمة عظيمة واصلة إليه ونازلة عليه ، إذ أمر الملك بأن يلهمه ، أو فليعلم أنه مما يحبه الله و يرضاه (فليحمد الله) أي على هذه النعمة الجليلة حيث أهَّلَهُ لهداية المَلَك ودلالته على ذلك الخير (ومن وجد الأخرى) أي لَمَّة الشيطان ، ولم يصرح به كراهة لتوالي ذكره على اللسان ، أو استهجاناً لذكره (فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وليخالفه ..)

 مختصرا : من كتاب مرعاة المفاتيح .. للشيخ ملا على القارى ج1\ص333

س20: هل كلمة ( لمَّة ) في الحديث تعني دخول قرين الإنسان بجسده في جسد الإنسان ؟

قلت "كاتب المقال" : أكرر أن كلمة ( لمة ) .. هو لبيان أن إتصال القرين بالإنسان هو إتصال خارجي .. أي من خارج الجسد .. وليس إتصال داخلي .. أي من داخل الجسد ..

بمعنى آخر واضح وصريح .. : أن القرين لا يوجد في داخل جسم الإنسان .. ولا يتلبس به .. كما يزعم البعض .. من دخول القرين بجسمه في جسم الإنسان .. فالحديث يبطل هذا الزعم .. وكذلك حديث السيدة عائشة الذي قبله .. وإلا قلنا أن المس الملائكي أو القرين الملائكي .. هو أيضا داخل بجسمه في جسم الإنسان !!

ويكون السؤال بعد ذلك .. هل يتكون الإنسان من ثلاثة نفوس ( شيطاني وملائكي وإنساني .. فهل قال بذلك أحدا من المسلمين أو حتى الكفار ؟

نعم تجمع النفس الإنسانية بين الصفات الملائكية والشيطانية .. ولكن من حيث فعل الطاعة أو فعل المعصية .. فانتبه .

س21: هل زيادة الإيمان ونقص الإيمان .. بسبب قرين الخير والشر؟

القرناء الروحانيون هم وسائل توجيه .. وليسوا وسائل تمكين .. بمعنى هم يرشدون سواء للخير (قرين الخير) .. أو إلى الشر (قرين الشر) .. ولكن لا يستطيع أيا منهم ان يجبرك على فعل شيء ..

ولكن قد يكونوا سببا .. ولكن المحرك الأول لهم هو نفسك البشرية .. ورغباتها ..

فالإيمان يزيد بالطاعة .. وينقص بالمعصية .. والقرناء مجرد وسائل .. تعين للإرشاد .. الذي قد يؤدي لزيادة الإيمان أو نقصه .

مع مراعاة أن القرناء أيضا من الإنس (خيرا أوشرا) هم سبب في الزيادة والنقصان الإيماني .. ( الكلام عنهم في الفصل الثاني الخاص بالقران )

س22: لماذا تنظر إلى فتنة الإبتلاء الشيطاني .. ولا تنظر إلى كرامة العطاء الرباني ؟

البعض ينظر إلى الأمر ويقول لماذا ابتلانا الله بهذا الإبتلاء .. وقد أجبنا على هذا السؤال في المقال السابق .. وكأنه يعيش في عالم الجنة .. والسؤال في حد ذاته يشير إلى أن هناك ظلم إلهي للإنسان .. وليس من باب السؤال عن الحكمة في خلق القرين ..

ولو تأملت هؤلاء المعترضون .. في أنفسهم .. ستجدهم يعترضون دائما .. وينكرون دائما .. لماذا نمرض .. لماذا نجهل ... لماذا نكره .. لماذا تغضب .. ولماذا خلقنا الله في هذا الشقاء ؟ وهكذا ..

فهذا هو حالهم .. دائما الإنكار والإعتراض على القدر .. ولو كانوا تأدبوا وسعوا بحثا عن الحكمة لكان خيرا لهم ..

فهذا البعض المعترض من الناس .. لماذا لا ينظر إلى كرامة الله الأخرى التي أمده بها .. وهو قرين الخير .. والملائكة الحفظة .. وملائكة الكتبة التي لا يكتبون لك ذنبك فورا ولكن ينتظرون ستة ساعات  .. عسى أن تستغفر وذلك رحمة من ربك .. ؟ .. أتستغرب من ذلك .. فاستمع بقلبك لحبيب الله وهو يقول .. )  إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً )

فلا تقل بعد ذلك لماذا ابتلانا الله بقرين السوء .. ولكن قل : الحمد لله الذي أمدنا بمدده .. واحاطنا بلطفه .. وأكرمنا بغفرانه ..

.. فلا تكن من الجاحدين لعطاء الله ..

وكما قلنا سابقا في إجابة السؤال رقم 10 في الموضوع السابق .. إن لم يكن هناك ابتلاء .. فكيف سيكون هناك ثواب وعقاب .. ودرجات في الجنة ودركات في النار ..

س23: هل يَعِد الشيطان ويزين الأعمال فقط .. أم يجبرك عليها ؟

الآية القرآنية التي جاءت في الحديث السابق توضح الأمر جيدا .. حيث قال تعالى { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268

{ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة169

ويقول تعالى : حكاية عن إبليس { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } الحجر39

فالشيطان يَعِدُ ويُمنًّي ويُزين ويُغري .. وليس له سلطة تحكم في الإنسان بمعنى فرض المعصية عليه وجبره على فعل مخالف لمنهج الله ..  فالشيطان يدعو الإنسان إلى معصية .. والإنسان إما أن يقبل الدعوة أو يرفضها ..  يقول تعالى { قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ } ق27

س24: ما معنى الأمر الشيطاني ( بالسوء والفحشاء ) في الآيات ؟

الأمر لا يعني فرضية فعل على الإنسان .. ولكنه يعني أنه يملي رغباته عليك التي يريدها هو منك أن تفعلها .. وكأنه يأمرك ..

مثال : في وقت الغضب يأتيك خاطر في داخلك .. مثلا يقول : اضرب فلان .. أو انتقم من فلان .. أو قم بأذية فلان .. أو اقهر فلان .. أو افضح فلان .. أو أشبع رغبات نفسك بلا قيود ... وهكذا

فتأمل الألفاظ السابقة .. ستجد فيها أسلوب الأمر ..

س25: هل قد يدعو القرين للطاعة.. استدراجا ومكرا .. كما يدعو للمعصية ؟

نعم .. فقد ذكرنا ذلك سابقا بطريقة أخرى في السؤال رقم (15-16-17) في كيفية الوسوسة .. وأزيدك هنا بيانا ..

لا تنسى أبدا القرين الجني .. هو شيطان .. وهكذا فعل الشيطان من قبل مع سيدنا آدم عليه السلام والسيدة حواء ..

يقول تعالى { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } الأعراف21 ..

في التفسير الميسر (وأقسم الشيطان لآدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته عليهما بالأكل من الشجرة، وهو كاذب في ذلك.)

********************************

إلى هنا ختام الجز الثاني من الفصل الأول من القرين في الحديث الشريف .. خوفا من طول المقال عن المعتاد ..

ونلحقه بجزء ثالث إن شاء الله وأخير .. سنتكلم فيه عن القرين والجاثوم والعقد في النوم والقرين والصلاة .. حتى نكون قد جمعنا أكبر قدر من الأحاديث التي تكلمت أو أشارت إلى القرين ..

 وبعده نبدأ مع القرين في القرآن .. إن شاء الله تعالى .

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه المقالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أى موضوع من مواضيعة إلا بإذن من صاحب المدونة - ا/ خالد ابوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .