الغول والسعالي وأم الصبيان .. بين الإقرار والإنكار .. دينيا وروحانيا .

بسم الله الرحمن الرحيم

.. الغول والسَّعَالي وأم الصبيان ..

بين الإقرار والإنكار .. دينيا وروحانيا 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. السادة الكرام .. أهلا ومرحبا بكم في الجزء المتمم للموضوع السابق .. والذي به نكون قد ختمنا موضوع العقد الروحاني .. الذي كان متعلق بالجزء الرابع من مواضيع القرين .

وأعلم أنه ليس بالموضوع المهم .. أن يكتب فيه مقالة طويلة كهذه .. ولكن لعل أن يكون لأحد منها استفادة .. خاصة بالسؤال رقم 62 .. فأعتقد أنها معلومة نفيسة جدا ..

وكنا قد ذكرنا وأثبتنا في المقال السابق ( اضغط هنا ) أن الشيطان لا يسحر للإنسان .. ولكن يحلو لبعض الروحانيين العبث بالحديث النبوي وفق أهوائهم .. ولذلك كان من الضروري كتابة هذا المقال .. 

والحمد لله أظن لم يسبق لأحد أن تحقق من هذا الأمر بمثل البيان الذي ستجده في المقال .. والله أعلم. 

- وقد تتبعت الأحاديث قدر استطاعتي .. وبذلت الجهد عسى أن يرضى عنا الله تبارك وتعالي .. وننال محبة نبيه صلى الله عليه وسلم ؟

- وسبب كتابة هذا المقال هو أنى .. وجدت رغبة جامحة على الإنترنت .. لأثبات الغول والسعالي .. وأبو رجل مسلوخة .. هههههه .. حتى رأيت أن البعض كتب أن السلعوة (الحيوان الهجين من الكلب والثعلب) هو الغول ..!!!! وأعتقد أن الأخير لا حاجة للتعليق عليه .. ويكفي أنه لم يفرق بين لفظ (سعلوة) ولفظ (سلعوة) .!!

وسأكتب المقال على ثلاثة أجزاء .. الغول ، السعالي ، أم الصبيان .. وهو ما أتى ذكرهم من خلال كتب الحديث .

 *********************

.. فلنبدأ المشوار ..

س61: قال بعض الروحانيون .. أن الجن يسحر للإنسان مباشرة .. بدليل قوله صلى الله عليه وسلم .. («إِذَا تَغَوَّلت الغِيلَان فَبَادِروا بالأَذان» ، وبدليل حديث آخر «لَا صَفَر وَلَا غُول وَلَكِنَّ السَّعَالِي» ، وبدليل حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ «كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوة فَكَانَتِ الغُول تَجيء فتأخُذ» ، « الغيلان سحرة الجن » ..  ؟

** بداية : ما الذي يتصوره بعض جماعة الروحانيين ؟

( قلت : صاحب المقال : ) يتصورون أن الجن الساحر يجلس ويستخدم طلاسم ولوازم يسحر ويعقد بها للإنسان .. مثل أعمالا سحرية لوقف الحال وتدمير حياته .. و بمنتهى الوقاحة ليقنعوا الطرف الآخر .. فيستدلون باحاديث لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .. ليأكلون أموال الناس بالباطل .. !

ولا أنكر أن ينقل أحدا حديثا نبويا بحسن الظن ولا يعرف درجة صحته .. ولكن ما أنكره هو أنهم يفسرونه على وفق مرادهم وأهوائهم .. مع أن الحديث لم يقصد المعنى الذي زعموه .. حتى أن ما قالوه لم يصل إلى مرتبة فهم العرب في الجاهلية .. حول أسطورة الغول ..!! .. وكأنهم تفوقوا على عصر الجاهلية .. !!

لكن هل هذا فعلا ما قصده الحديث النبوي .. أو ظهر من كلام المفسرين أو المحدثين .. لنرى ذلك .

ما سبق هي جملة الأحاديث التي يتغنى بها بعض الروحانيين في المنتديات .. وطبعا كما تعلمون أنه يكفيهم أن يقولوا جاء في الحديث .. حتى يثبتوا للآخر صدق كلامهم .. ليثبتوا أن الجن تسحر للإنسان .. وتدمر حياته .. فيصدق الانسان العادي هذا الكلام ويتم تدمير حياته بهذا المعلومات المغلوطة والضالة ..

*****************************

الجزء الأول : الغول

أولا : مفهوم الغول في الجاهلية عند العرب :

( قَالَ الْجَزَرِيُّ : الْغُولُ أَحَدُ الْغِيلَانِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغُولَ فِي الْفَلَاةِ تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ فتتغول تغولا أي تتلون تَلَوُّنًا فِي صُوَرٍ شَتَّى وَتَغُولُهُمْ أَيْ تُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وَتُهْلِكُهُمْ فَنَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَلَهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ لَا غُولَ وَلَا صَفَرَ وَقِيلَ قَوْلُهُ لَا غُولَ لَيْسَ نَفْيًا لِعَيْنِ الْغُولِ وَوُجُودِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إِبْطَالُ زَعْمِ الْعَرَبِ فِي تَلَوُّنِهِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهِ )

تحفة الاحوذي ج8 ص149

ثانيا : مفهوم السعالي عند العرب ..

وَالسَّعَالِي : سَحَرَةُ الْجِنِّ

عون المعبود بحاشية ابن القيم ج10 ص292

( قلت صاحب المقال : ) قد أعرضت عن ذكر كلام يتعلق بنوعية الغول أو السعلاة .. من حيث كونهم أنثى أو ذكر .. وإن كان أكثر أهل اللغة اختلفوا في نوع الغول .. إلا أنهم يكادوا يكونوا قد أجمعوا على أن السعلاة .. ساحرة عجوز شمطاء .. وكانوا يضربون المثل بالمرأة الإنسية بذيئة اللسان .. ويشبهونها بالسعالي ..!!

عموما رأيت أن ذكر ذلك من الهراء الذي لا فائدة من ورائه .. وقد أضاع من وقتي الكثير بحثا في كتب اللغة والغريب .. ولكن ليطمئن قلبي حينما أكتب لكم معلومة .. !!

..:: مناقشة كلام الروحانيين وما استدلوا به ::..

1- حديث ( الغيلان سحرة الجن ) ، ( إِذَا تَغَوَّلت الغِيلَان فَبَادِروا بالأَذان ) .. كلاهما حديث منقطع السند .. بمعنى أنهما حديث ضعيف .. فلا حاجة للكلام عليه .. وكأنهما غير موجودين ..

2- أما عن حيث (لَا صَفَر وَلَا غُول وَلَكِنَّ السَّعَالِي) .. حديث ضعيف منقطع قد روي مرسلا عن الحسن بن علي بن أبي طالب .

3- أما ما ذكره الحافظ بن حجر في الفتح : ( إن الغيلان ذكروا عند عمر فقال : إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها ، ولكن لهم سحرة كسحرتكم ، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا ) ( قال ابن حجر : أخرجه ابن أبي شيبة باسناد صحيح - 6 / 344

( قلت : صاحب المقال ) : في مقولة سيدنا عمر .. كلاهما ليس فيهما أثبات للغيلان .. بل نفي صفة الغيلان التي تكلم فيها من كانوا حوله .. وما أثبته رضي الله عنه فقط هو أن للجن سحره .. 

4- أما عن حديث أبي أيوب الأنصاري ( كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوة فَكَانَتِ الغُول تَجيء فتأخُذ ) .. فيوجد حديث آخر مثله لأبي أسيد الساعدي ( وَكَانَت الغول تخَالفه إِلَى مشْربَته فتسرق تمره وتفسده عَلَيْهِ ، فَشَكا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِذا قَالَ تِلْكَ الغول: يَا أَبَا أسيد ..... إلى آخر الحديث  ) .. وإن كان حديث أبي أسيد  في بعض رجاله ضعف .. ولكن قصة أبي أيوب .. تحكي مثل قصته تماما .. ولذلك يختارها الشراح في اثبات وجود الغول .. لأن رواية أبي أيوب لها طرق متعددة أتت منها الرواية ولكن أيضا كل هذه الطرق ضعيفة ولم يصح منها شيئا ..!!  

** وهذه هي الرواية كاملة لأبي أيوب الأنصاري ( أَنه كَانَت لَهُ سهوة فِيهَا تمر ، فَكَانَت تَجِيء فتأخذ مِنْهُ الغول ، قَالَ: فَشَكا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إذهب فَإِذا رَأَيْتهَا فَقل: بِسم الله ، أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فَأَخذهَا فَحَلَفت أَن لَا تعود ، فأرسلها فجَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟ قَالَ : حَلَفت أَن لَا تعود ، فَقَالَ : كذبت وَهِي معاودة للكذب . قَالَ: فَأَخذهَا مرّة أُخْرَى فَحَلَفت أَن لَا تعود ، فأرسلها ، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟ قَالَ: حَلَفت أَن لَا تعود. فَقَالَ: كذبت وَهِي معاودة للكذب ، فَأَخذهَا فَقَالَ: مَا أَنا بتاركك حَتَّى أذهب بك إِلَى النَّبِي ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فَقَالَت: إِنِّي ذاكرة لَك شَيْئا ، آيَة الْكُرْسِيّ اقرأها فِي بَيْتك فَلَا يقربك شَيْطَان وَلَا غَيره ، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، فَقَالَ: مَا فعل أسيرك ؟ فَأخْبرهُ بِمَا قَالَت . قَالَ: صدقت وَهِي كذوب ) حديث ضعيف.

** معنى كلمة سهوة : مكان يحتفظ فيه بالتمر مثل خزينة أو رف ..

ماذا نفهم مما سبق

أن الصحيح في الأحاديث المتعلقة بالغول .. هما حديثين

** الأول : وهو الحديث الصحيح والموجود في كتب الصحاح .. وبإجماع المسلمين هو حديث (لا عدوى ولا صفَرَ ولا غوْلَ) وحديث آخر (لا عدْوَى ، ولا طِيَرَةَ ، ولا هامَةَ ، ولا صفَرَ ، ولا غُولَ )

( وهذا الحديث ينفي صراحة الغول .. )

** الثاني : وهو حديث ضعيف .. المروي عن أبي أيوب الأنصاري ( كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوة فَكَانَتِ الغُول تَجيء فتأخُذ ... إلى آخر الحديث )

( وهذا الحديث يثبت وجود الغول .. )

س: ما الذي قالوه العلماء جمعا بين الأحاديث ؟

قال المحدثين : في شرح الحديث ..

قال الإمام الطحاوي : بعد أن أورد الحديثين وقال قد يقول قائل هناك تضاد .. فقال ( لَيْسَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللهِ عَلَى التَّضَادِّ إذْ كَانَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغُولُ قَدْ كَانَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ , ثُمَّ رَفَعَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَذَلِكَ أَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا ، وَفِيمَا أَشْبَهَهُ مَا وُجِدَ السَّبِيلُ إلَى ذَلِكَ )

شرح مشكل الآثار ج2 ص256

وقد علق الإمام الطيبي : على مقولة الأمام الطحاوي السابقة ( رفعه الله عن عباده ) ... فقال : (هذا ليس ببعيد ؛ لأنه يحتمل أنه من خصائص بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ونظيره منع الشياطين من استراق السمع بالشهاب الثاقب .)

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن) ج9 ص 2981

س: ما الذي قاله العلماء في شرح الأحاديث السابقة ؟

شرح : (لَا غُولَ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْوَاوِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : الْغُولُ أَحَدُ الْغِيلَانِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الغول في الفلاء تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ فَتَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا أَيْ تَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا فِي صُوَرٍ شَتَّى وَتَغُولُهُمْ أَيْ تُضِلُّهُمْ عَنِ الطريق وتهلكهم فنفاه النبي وَأَبْطَلَهُ .

وَقِيلَ قَوْلُهُ ( لَا غُولَ ) لَيْسَ نَفْيًا لِعَيْنِ الْغُولِ وَوُجُودِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إِبْطَالُ زَعْمِ الْعَرَبِ فِي تَلَوُّنِهِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ ( لَا غُولَ ) أَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُضِلَّ أَحَدًا .. وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ ( لَا غُولَ وَلَكِنِ السَّعَالِي ) .. وَالسَّعَالِي : سَحَرَةُ الْجِنِّ .. أَيْ .. وَلَكِنْ فِي الْجِنِّ سَحَرَةُ تَلْبِيسٍ وَتَخْيِيلٍ .. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ ( إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَبَادِرُوا بِالْأَذَانِ ) أَيْ ادْفَعُوا شَرَّهَا بِذِكْرِ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِنَفْيِهَا ..عَدَمُهَا .. وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ ( كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوَةٍ فَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ ) .

عون المعبود بحاشية ابن القيم ج10 ص292 ..، شرح النووي على مسلم ج14 ص217

وهذا الشرح السابق يكاد يتفق عليه جميع شراح الحديث .. وكأنه يكاد ينقلونه باللفظ الواحد .. !!

 ** فالذي نفى الوجود الغيلان .. لم يستطع الرد على سائر الروايات التي أثبتت وجود الغيلان .. ولكنه اكتفى بأن يقول : لعل هذا الغول كان يعترض الناس ولكنه لم يعد كذلك كرامة للنبي .. وبناءا على ذلك يتم تحميل حديث أبي أيوب الأنصاري وأبو أسيد .. بأن الحديثين كانا قبل نفي النبي لوجود الغول .

** والذي أثبت وجود الغيلان .. فقد أنكر لها صفة القتل وإضلال الطرق أو حتى التعرض بالأذى .. من مفهوم الحديث .

** كلام المفسرين عن الغول من خلال القرآن الكريم ..؟

تأمل معي قوله تعالى ( قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) ) سورة الأنعام ..

** ما علاقة الغول بهذه الآية ؟ ... تابع معي ..

شرح لمعنى الإستهواء: ( قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ: ذَهَبَتْ بِهَوَاهُ وَعَقْلِهِ، وَقِيلَ: اسْتَهَامَتْهُ وَحَيَّرَتْهُ . وَقِيلَ: زَيَّنَتْ لَهُ هَوَاهُ)

تفسير المنار ج7 ص437 . باختصار

شرح : ( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ بِهَيْئَةٍ مُتَخَيَّلَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ فِي أَحْوَالِ الْمَمْسُوسِينَ.

وَالْعَرَبُ يَقُولُونَ: اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ، إِذَا اخْتَطَفَتِ الْجِنُّ عَقْلَهُ فَسَيَّرَتْهُ كَمَا تُرِيدُ. )

تفسير التحرير والتنوير ج7 ص301 باختصار شديد .

** شرح بديع جدا للشعراوي : (.. «استهوته» أي طلبت هويَّه أو هواه أي ميل نفسه إلى اتباع الهَوَى، وحين تستهوي الشياطين الإنسان فهي تريد أن تجتذبه إلى ناحية هواه، وتوقظ الهوى في النفس، وبذلك تدعوه ليَهْوِي. والحق يقول: {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ الطير أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31] .

وحين يخرّ عبد من السماء، إما أن تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وحين تأتي إلى الهَوَى والهُوِىّ فاعلم أن الهوى يجذبك إلى ما يضرك ، ولذلك لا تسلم منه إلا أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الحق، ولكن إن اتبعت هواك فلا بد أن يؤدي بك إلى الهُوِيّ: {كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حَيْرَانَ} [الأنعام: 71] .)

تفسير الشعراوي ج6 ص3720

شرح : ( اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ أي استغوته وزينت هواه ودعته إليه، والعرب تقول: استهوته الشياطين، لمن اختطف الجن عقله فسيرته كما تريد دون أن يعرف له وجهة في الأرض.

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أتريدون منا أن نعود إلى الكفر بعد أن نجانا الله منه فيكون مثلنا كمثل الذي ذهبت به مردة الشياطين فألقته في صحراء مقفرة وتركته تائها ضالا عن الطريق القويم ولا يدرى ماذا يصنع وله أصحاب يدعونه إلى الطريق المستقيم قائلين له: ائتنا لكي تنجو من الهلاك ولكنه لحيرته وضلاله لا يجيبهم ولا يأتيهم.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : «إن مثل من يكفر بالله بعد إيمانه كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم ويقولون: ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم، فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعو إلى الطريق، والطريق هو الإسلام ) .

التفسير الوسيط لطنطاوي ج5 ص101

ولكن أين المشكلة في آية القرآن ؟

المشكلة ليست في الآية .. ولكن في كلام المفسرين .. حيث أن بعض كتب التفسير ذكرت أن معنى استهوته الشياطين .. أن هذا مثال لمن يخطفه الغول ويضل به عن الطريق .. !!

ولا أدري ما علاقة الغول بهذا الكلام القرآني .. ؟

وسبب كلامي هذا .. أن البعض حينما يقرأ هذا الكلام سيقول .. أن القرآن قد أثبت وجود الغول ..!!

علما بأن معنى استهوته الشياطين في لغة العرب .. كما سبق بيانه .. هو غلبت على عقله أو استولت عليه .. أو بمعنى أوضح قامت بمسه حتى أصبح تائها في الارض لا يدري بحاله .. ، أو بمعنى زينت له هواه وسيطرت عليه من خلال ما يهواه . حتى لم يعد يبصر الحق أبدا ..

من أين أتت فكرة الغول في بعض التفاسير ؟

** عموما وجدت في التفاسير أن وراء فكرة الغول عند هذه الآية .. كلام ينسب لسيدنا بن عباس رضي الله عنه .. وبعد ان ذكر تفسير الآية .. أخذ يشبه حال الضال بمن خطفه الغول .. وهذا نص كلامه (وقوله: " كالذي استهوته الشياطين في الأرض" ، وهم "الغيلان" يدعونه باسمه واسم أبيه واسم جده، فيتبعها ، فيرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في الهلكة ، وربما أكلته أو تلقيه في مضلّة من الأرض يهلك فيها عطشًا . فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تُعبد من دون الله عز وجل ..)

تفسير الطبري ج11 ص452 .. وغيره من التفاسير .. وهذا سند باطل ولم يصح عن ابن عباس

.. مشاهدات الغول من بعض الصحابة ..

وممن احتج بوجود الغول .. استدل بقصص عن سيدنا عمر .. مثل

1- قال القزويني : ( رأى الغول جماعة من الصحابة ، منهم : عمر بن الخطاب ، حين سافر إلى الشام قبل الإسلام ، فضربها بالسيف ) ( عجائب المخلوقات – 2 / 176 – 177 ، ونقله عنه الدميري في " حياة الحيوان الكبرى" - 2 / 196 ) ، ( والمسعودي في مروج الذهب - 2 / 169 ) .

2- قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( إن الغيلان ذكروا عند عمر فقال : إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها ، ولكن لهم سحرة كسحرتكم ، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا ) ( قال ابن حجر : أخرجه ابن أبي شيبة باسناد صحيح - 6 / 344

( قلت : صاحب المقال : ) : هذه الروايات لا يحتج بها في إثبات عقيدة .. ولكن عموما .. كيف يذكر الغيلان .. عند عمر .. ولم يقل أنه اعترضه الغول في أحدى سفرياته ..؟!

** فالرواية الأولى .. باطلة لعدم اتفاقها مع الرواية الثانية ..

** أما عن الرواية الثانية .. فلم يقر سيدنا عمر بقدرات الغول .. بل لم يأتي بذكره أصلا .. ولكنه قال أن في عالم الجن سحره .. قد يتلونون .. بالتعرض لكم .. فإن شاهدتم ذلك فأذنوا ..

وما يقصده سيدنا عمر هو ظهور الخيالات المختلفة والمتعددة .. مثلما يحدث لبعض الناس الذين يصابون بسحر موكل فيه ساحر من الجن .. فيبدأون برؤية خيالات مثل أحصنة أو ماعز أو كلاب أو قطط .. تسير فى المنزل .. فهذا هو مقصد سيدنا عمر بن الخطاب ..

فهو يقر حقيقة روحانية .. موجودة فعلا ..

.. ولإثبات صحة كلامي .. إليك هذه الواقعة ..

( قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ مَالِكٌ: اسْتُعْمِلَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَلَى مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ لَا يَزَالُ يُصَابُ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْجِنِّ فَلَمَّا وَلِيَهُمْ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَأَمَرَهُمْ بِالْأَذَانِ وَأَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِهِ فَفَعَلُوا فَارْتَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى الْيَوْمَ ) .. قَالَ مَالِكٌ: أَعْجَبَنِي ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ .

شرح الزرقاني على الموطأ ج1 ص276

س 62: لماذا يهرب الشيطان عند الأذان ولا يهرب من الصلاة وفيها قراءة القرآن ويأتي ليوسوس له ؟

إنما ينفر عن التأذين لئلا يشهد لابن آدم بشهادة التوحيد لقوله عليه السلام: (لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة)

شرح صحيح البخاري لابن بطال ج2 ص234 باختصار

*************************

الجزء الثاني : السَّعَالِي

في هذه الفقرة لا نتحدث عنها من خلال الدين ولكن كمعلومة روحانية فقط كان العرب يتداولونها ولها شاهد في العالم الروحاني .. أما الدين فليس له شأن بها .

** السَّعَالِي : جمع سِعْلاة .. وقيل هم سحرة الجن كما ذكرنا سابقا .. وقيل أن السعالي تظهر في الخرابات أو الصحاري أو الأماكن المنقطعة أو عند الأماكن المنعزلة في شواطيء البحر .. ففي مثل هذه الأماكن قد تعترضك السعالي .. لتلعب بعقلك وتصور له التصورات وقد تدفعك إلى الهلاك ..

- ولكن النبي قال (لا غول) .. والسعالي من الغيلان .. فلا وجود لها .

**************************

ختاما : الجزء الثالث

.. أم الصبيان ..

- أكذوبة جديدة من جهالات بعض الروحانيين .. حينما يذهبون إلى طفل مريض يكثر الصراخ مثلا .. أو جسد بلا حراك .. فيبدأون بكذبة جديدة .. وهي أن أم الصبيان أتت للطفل .. وأصابته بمس يؤثر على عقلة أو مخه .. !!

- ويستدلون بمنتهى الوقاحة مرة أخرى على كلامهم .. بحديث موضوع أي مكذوب .. فيقولون جاء في الحديث ( مَن وُلد لهُ ولدٌ ، فأذَّن في أذنِه اليُمنَى ، و أقام في أذنِه اليسرَى ، لم تَضرُّه أمُّ الصبيانِ ) رواه أبو يعلى .. وفي إسناده يحي بن العلاء ومروان بن سالم وكلاهما متهم بالوضع ..!! وقال الألباني أن الحديث موضوع .. وفي العموم لم يصححه أحد من أهل الحديث فيما قرأت من كتب أهل العلم ..!!

( قلت صاحب المقال : ) ومعروف في القصص الشعبية أن أم الصبيان .. نوع من الغيلان .. وهي سيدة عجوز بشعة المنظر تأتي لتخطف الأولاد .. أو تصرخ فيهم فتصيبهم بالصرع أو الجنون .. والبعض يطلق عليها اسم أُمِّنَا الغولة ..

- عموما الأمر لا يحتمل كلام كثير .. لأن الحديث موضوع .. وعلى أحسن الأحوال فهو في أدنى درجات الضعيف .. الذي لا يعمل به بأي حال من الأحوال . فانتبه .

*******************

في نهاية الأمر .. أنت مرهون بعقيدتك ..

أنت باختيارك .. إما أن تكون مع صلى الله عليه وسلم وتقول (لا غول) .. أو تظل تعيش في فكرة أن الجن عملوا ليك عمل ومحتفظين به في جبل الظلمات .. أو في بحر التوهان ؟! ..  

س63: ما السبب في ترويج أساطير الجن بهذه الطرق المخيفة ؟

حتى يبث الخوف في قلبك .. فيسهل على الجن أن يخترقك .. ويسيطر عليك .. من خلال خوفك وتصوراتك .. فانتبه .. ولا تقل مثل هذا الكلام لأولادك .. بل قم بتربيتهم .. على أن للإنسان قوة وقدرة تفوق قوة وقدرة الجن .. بما يمتلك من قدرات وملكات لم يمنحها الله لغيرة لأنه من روح الله .. وإلا فلماذا كانت فيهم الرسالات والكتب السماوية .. فافهم لماذا قال تعالى ( نفخت فيه من روحي ) ( مالك ألا تسجد لما خلقت بيدي ) ؟ 

- انتبه .. أكرمك الله .

س64: هل من الممكن أن يعترضك جنا متشكلا ؟

لا يمتنع أن يعترضك جنا متشكلا .. كما جاء في رواية ضعيفة عن ابن مسعود قال: ( لقي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن ، فصارعه فصرعه الإنس ، فقال له الجني: عاودني ، فعاوده ، فصرعه الإنسي ، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شحيباً، كأن ذريعتيك ذريعتا كلب. فكذلك أنتم معاشر الجن – أو أنت منهم كذلك -؟ قال: لا والله إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثالثة، فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، فعاوده، فصرعه فقال: هات علمني، قال: هل تقرأ آية الكرسي؟ قال نعم، قال: إنك لن تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار، لا يدخله حتى يصبح، قال رجل من القوم: يا أبا عبد الرحمن من ذاك الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال فعبس عبد الله وأقبل عليه وقال: من يكون هو إلا عمر رضي الله عنه ) رواه الدارمي والطبراني في الكبير .. قلت خالد صاحب الرسالة: الحديث ضعيف لأن عامر الشعبي لم يسمع من عبد الله بن مسعود ..!! وقال محقق مسند الدارمي الشيخ حسين الداراني: رجاله ثقات ولكن عامرا الشعبي قال الحاكم والدارقطني وأبو حاتم: " لم يسمع من ابن مسعود.

*******************

هذا هو ختام البحث .. وأرجو من الله القبول .. 

تحياتي لكم ..

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه المقالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أى موضوع من مواضيعة إلا بإذن من صاحب المدونة - ا/ خالد ابوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .