هل يستمر السحر والمس الشيطاني في رمضان ..؟ وكيف نفهم حينئذ تصفيد الشياطين في رمضان ؟ وما المقصود بتصفيد الشياطين ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل يستمر السحر والمس الشيطاني في رمضان ؟

وكيف نفهم حينئذ تصفيد الشياطين في رمضان ؟ 

وما المقصود بتصفيد الشياطين ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. السادة الكرام أهلا ومرحبا بكم .. وكل عام وأنتم بخير وربنا يبلغنا رمضان وهو راضي عنا .. ويخرجنا منه وهو راضي عنا .. آمين .

في موضوع هو في أساسه شبهة روحانية .. عند كثير من الناس .. حيث أنه يصطدمون بين ما يحدث في الواقع .. وبين الحديث الشريف الخاص بتصفيد الشياطين في رمضان ..

- حتى أنك تجد البعض يزداد عليه الألم في رمضان .. أو محاولات التحرش الروحاني للبعض .. ويقف العقل حائرا بين ما يحدث في الواقع وبين ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث .. !!

- ولكن إن تأملت الموضوع جيدا ستجد أنه لا يوجد تناقض بأي حال من الأحوال .. وإليكم البيان والتوضيح في هذا الأمر .. والله المستعان .

** تنبيه .. أذكر لكم جزء الحديث الخاص بموضوعنا ( تصفيد الشياطين ) وليس شرح الحديث بأكمله .. ولذلك ذكرت الروايات الخاصة بهذا الجزء وليس بكل الحديث ..

** سيكون عملي في هذا البحث مبتدأ بكلام السادة العلماء .. ثم بعد ذلك أذكر لكم الموضوع مشروحا إن شاء الله تعالى .. مع أي توضيح قد يستوجب الأمر ذلك ..

 ..:: الحديث الذي تكلم عن تصفيد الشياطين ::..

الحديث : (إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ) صحيح مسلم.

- وفي رواية بلفظ (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) صحيح البخاري.

#- وفي روايات أخرى:

** رواية أخرى بلفظ : (صُفّدت الشياطين و مردة الجنّ) رواه الترمذي وحسنه الألباني .. 

- وانتبه في هذه الرواية إلى وجود حرف العطف (و) .

** رواية أخرى بلفظ : (صُفّدت الشياطين مردة الجنّ) رواه بن خزيمة وحسنه الألباني .

- وانتبه في هذه الرواية إلى عدم حرف العطف (و) .

***********************

س1: ما المقصود بفتح أباب الجنة وغلق أبواب النار ؟

شرح : ( وَقَوْلُهُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ ) :

الإحتمال الأول : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى بَرَكَةِ الشَّهْرِ وَمَا يُرْجَى لِلْعَامِلِ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ

الإحتمال الثاني : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كَثْرَةَ الثَّوَابِ عَلَى صِيَامِ الشَّهْرِ وَقِيَامِهِ وَأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْجَنَّةِ كَمَا يُقَالُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ قَدْ فُتِّحَتْ لَكُمْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَكُمْ فِعْلٌ تَدْخُلُونَهَا بِهِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الْغُفْرَانِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْ الذُّنُوبِ. )

كتاب المنتقى لشرح الموطأ .. ج2 ص75 .. مع بعض التصرف بوضع كلمات .. الاحتمال الاول والاحتمال الثاني .. للتوضيح .

***********************

س2: ما المقصود بتصفيد الشياطين ؟

شرح : ( وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَي شددت وأوثقت بالأغلال وَفِي رِوَايَة وسلسلت وَهُوَ بِمَعْنَاهُ .. وَلَا يُنَافِيهِ وُقُوع الْمعاصِي .. إِذْ يَكْفِي فِي وجود الْمعاصِي شرارة النَّفس وخباثتها .. وَلَا يلْزم ان تكون كل مَعْصِيّة بِوَاسِطَة شَيْطَان والا لَكَانَ لكل شَيْطَان شَيْطَان ويتسلسل .. وَأَيْضًا مَعْلُوم أَنه مَا سبق إِبْلِيس شَيْطَان آخر فمعصيته مَا كَانَت الا من قبل نَفسه وَالله تَعَالَى أعلم .

من حاشية السندي على سنن النسائي ج4 ص 126    

***********************

س3: كيف نرى الشرور والمعاصي في رمضان والشياطين مصفدة ؟

( قال القرطبي : فَإِن قيل فنرى الشرور والمعاصي تقع فِي رَمَضَان كثيرا فَلَو كَانَت الشَّيَاطِين مصفدة مَا وَقع شَرّ ..

فَالْجَوَاب من أوجه :

أَحدهمَا : إِنَّمَا يغل عَن الصائمين صوما حوفظ على شُرُوطه وروعيت آدابه أما مَا لم يحافظ عَلَيْهِ فَلَا يغل عَن فَاعله الشَّيْطَان

الثَّانِي : لَو سلم أَنَّهَا مصفدة عَن كل صَائِم فَلَا يلْزم أَلا يَقع شَرّ لِأَن لوُقُوع الشَّرّ أسبابا أُخْرَى غير الشَّيَاطِين وَهِي النُّفُوس الخبيثة والعادات الرَّكِيكَة وَالشَّيَاطِين الإنسية

الثَّالِث : أَن المُرَاد غَالب الشَّيَاطِين والمردة مِنْهُم وَأما غَيرهم فقد لَا يصفد وَالْمرَاد تقليل الشرور وَذَلِكَ مَوْجُود فِي رَمَضَان فَإِن وُقُوع الشرور وَالْفَوَاحِش فِيهِ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيره من الشُّهُور )

شرح السيوطي على مسلم ج3 ص183 ، .. كتاب تنوير الحوالك بشرح موطا مالك .. نقلا عن القرطبي .. ج1 ص 228

شرح : ( وَقَوْلُهُ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ ) :

عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ : أَنَّهَا تُصَفَّدُ حَقِيقَةً فَتَمْتَنِعُ مِنْ بَعْضِ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تُطِيقُهَا إلَّا مَعَ الِانْطِلَاقِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ تَصَرُّفِهَا جُمْلَةً ؛ لِأَنَّ الْمُصَفَّدَ هُوَ الْمَغْلُولُ الْيَدِ إلَى الْعُنُقِ يَتَصَرَّفُ بِالْكَلَامِ وَالرَّأْيِ وَكَثِيرٍ مِنْ السَّعْيِ.

وَيَحْتَمِلُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ لِبَرَكَتِهِ وَثَوَابِ الْأَعْمَالِ فِيهِ وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ تَكُونُ الشَّيَاطِينُ فِيهِ كَالْمُصَفَّدَةِ ؛ لِأَنَّ سَعْيَهَا لَا يُؤَثِّرُ وَإِغْوَاءَهَا لَا يَضُرُّ  .. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ .

** وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ صِنْفًا مِنْ الشَّيَاطِينِ يُمْنَعُونَ التَّصَرُّفَ جُمْلَةً ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .)

كتاب المنتقى لشرح الموطأ .. ج2 ص75

شرح : ( وقيل المراد من الشياطين مسترق السمع منهم فإنهم كانوا منعوا زمن نزل القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ .

وقال ابن العربي : لا يتعين في المعاصي والمخالفة أن تكون من وسوسة الشيطان إذ يكون من النفس وشهواتها . )

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج 6 ص401 .. باختصار

 *****************************

هذا هو مجمل كلام سادتنا العلماء رضوان الله عليهم مفسري الأحاديث .. جزاهم الله خيرا عن أمة الإسلام .. وقد انتقيت لكم ما يدور حول الحديث من كلام .. وكان ذلك من عدة مصادر .. ولكن وضعت لكم المجمل الكامل إن شاء الله تعالى  ..

والآن مع تلخيص ما سبق ليسهل على بعض الناس الفهم .. ثم ندخل إلى بعض المسائل الروحانية في الموضوع ..

ملخص ما قاله العلماء فيما سبق

فمن تكلم على المعنى الحقيقي للحديث .. فقد ذكر ثلاثة أوجه .. سنناقش هذه الآراء ..

( قلت : صاحب المقال : ) :

1- الوجه الأول : أنه خاص باسترقاق السمع من السماء .. فالشياطين تصفد في هذا الشهر الكريم .. بمزيد من العناية والحفظ .. لأنه الشهر الذي كان ينزل فيه القرآن .

وهذا قول بعيد جدا .. لأن السماء محفوظة في كل الأحوال من بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. وليست بانتظار الشهر الكريم حتى يكون هناك مزيد من الحفظ على خبر السماء .. فضلا عن أن الحديث يتكلم عن شهر رمضان بصورة عامة في كل الأزمان وليس خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم .

2- الوجه الثاني : أن هذا الحديث خاص بكل بتقييد كل الشياطين .. ومن الناس من قال :

** أنه تصفيد جزئي للأيدي والأرجل .. مع ترك الوسوسة لهم . لأن تقييد اليد والأرجل لا يمنع اللسان من القيد ..

وهذا أيضا رأي أراه بعيدا .. لأنه أثبت الوسوسة التي هي في الأصل مرتع الشياطين ومفتاح عملهم مع الإنسان .. !! .. فما فائدة قول النبي حينئذ ..!!

إلا إن كان يقصد ان الشياطين تتسلط بطرق أخرى كالمس الشيطاني وغيره .. فهذا أيضا أمر يبطله الواقع الذي نعيشه .. فلا يزالون يؤذون الإنسان حتى في رمضان .. ولم يمسك أحدا أيديهم ولا أرجلهم .

** وهناك من قال أنه تصفيد كلي : بمعنى أن الشياطين تصفد جميعا حتى في الوسوسة .. وهو قول مردود أيضا .. لأن الله يقول  (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الزخرف36 .. فالذين غفلوا عن القرآن أو عن التواصل بالله وهم ذاكرن له فإن هذا يسبب له تسليط من الشياطين عليه لأنه في حالة غفلة ولا حصن له من الشيطان .. وكذلك قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) مريم83 .. أي أن الشياطين تغويهم وتحرضهم على المعاصي والكفر تحريضا .. 

- وكذلك وهناك قرين الإنسان الموكل به .. والشيطان الذي يوسوس له في الصلاة .. وغير ذلك .. 

- وماذا سيفعل الشيطان في الدول الغير مسلمة .. هل سيأخذ أجازة في رمضان ؟ بكل تأكيد .. لا .

- وعبادة الشيطان لا تتوقف عبادته في سائر بلاد غير المسلمين .. ويكفي أن تدخل على مواقع عبادة الشيطان على النت وتعرف ذلك بنفسك .. !!

- فلا يوجد تصفيد كلي كما ظن البعض .. والأمور الشيطانية لا تتوقف عند شهر رمضان بصورة كلية .. ولكن بصورة جزئية بقدر حال العبد مع الله في رمضان .. والله اعلم .

3- الوجة الثالث : وهو أفضل الرأيين السابقين .. ويتوافق مع روايات الحديث ويجمع بينها .. فهو يستند إلى ان المقصود بالشياطين هم مردة الجن من الشياطين .. وليس كل الشياطين .. أي أنه نوع واحد فقط من الشياطين يتم تصفيده .. في رمضان ..

** أما عن الجمع بين روايتين ( الشياطين ومردة الجن ) ، ( الشياطين مردة الجن ) .. بزيادة حف العطف أو حذفه .. فقد جمع بينهما الشيخ المباركفوري فقال : عند شرح ( فيه مردة الشياطين ) يفهم من هذا الحديث إن المقيدين هم المردة فقط ، فيكون عطف المردة على الشياطين في الحديث المتقدم عطف تفسير وبيان ، ويحتمل أن يكون تقييد عامة الشياطين بغير الأغلال .. والله أعلم )

راجع مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج 6 ص415

** وهذا في رأيي هذا الوجة الثالث .. وجه له معنى ويتفق جمعا بين الروايات **

هذا فيما يتعلق بالمعنى الحقيقي للحديث ..

** أما في المعنى المجازي للحديث .. ففيه وجه واحد فقط ..**

هذا الوجه المجازي : هو أنه تكثر طاعة العبد في رمضان .. وبالتالي يضعف الشيطان من مقدرته على إفساد الإنسان .. كما يفعل في الأيام العادية .. لأن الحديث يفترض أن العبد تنشط همته في هذا الشهر المبارك .. لينال الثواب الأعظم ..

وأعتقد أن الشيطان ليس في حاجه إلى تواجده .. فالنفوس البشرية قد افسدت رمضان بدون شيطان أصلا ..!! ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وعموما هذا الرأي له وجاهته أيضا .. فهو يتفق مع الحديث الآتي (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، « وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ إنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»

فتأمل أن الإنسان يترك ما يرغب طلبا لله .. فما ظنك بشخص طلب الله تاركا وراءه رغباته .. هل تعتقد أن هذا شخص سيلاحقه شيطان ؟

** وجه مجازي آخر ( قلت : صاحب المقال : ) : وقد يكون تصفيد الشياطين ناتج عن انتشار الملائكة في هذا الشهر بكثافة .. فيمتنعوا الشياطين عن الانتشار خوفا من أن يصيبهم مكروه من الملائكة .. فكان تجنبهم للإنتشار كانهم مصفدين في أماكنهم .. 

** والذي أميل إليه هو الجمع بين الرأي القائل (بحبس مردة الشياطين ) ، والرأي القائل ( بأن في هذا الشهر تكثر الطاعات فيعجز الشيطان عن ممارسة أعماله ) ..

فالمردة يتم حبسهم .. والعمل الصالح يحبس الشياطين عن عملهم بالوساوس وغير ذلك بقدر همتك مع الله .

*************************

س4: هل هناك تناقض بين الحديث والواقع العملي ؟

لا تناقض لسبب وجيه جدا .. فالحديث يتكلم عن الشياطين أو جزء محدد منهم .. وليس عن مطلق عالم الجن .. ولذلك ليس بمستغرب أن ترى من بهم أذى روحاني كالمس .. لايزال ملازم لهم في رمضان .. أمر طبيعي .. لأنه لا علاقة له بالحديث ..

- أما عن الاسحار فهي تعمل لأنها من تكليف الإنسان .. وليس من فعل الشيطان نفسه .. فانتبه لهذه المعلومة جيدا .

***********************

س5: ولكن ما الحكمة من تصفيد الشياطين في رمضان .. ؟

( قلت : صاحب المقال : ) : قد يكون لزيادة الحافز لدى الإنسان في مزيد من العمل والإجتهاد في الطاعة ..

فتصفيد الشياطين .. حتى يستطيع الإنسان أن يقوى إيمانه بربه ويرفع مقامه في علاقته بربه .. فيخرج من رمضان وقد كثرت حسناته .. ووجد نظرة الرضا من رب العالمين عليه .. ومن نزلت عليه نظرة الرضا من الله .. فكيف يتبعه شيطان ؟!!

فمن كان مسلط عليه قبل رمضان .. بات مكسور الشوكة بعد رمضان .. لأرتقاء العبد في علاقته مع الله .ويدخل في معية قوله تعالى: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) الحجر42.

.. وقد ذكر الشيخ المباركفوري وجها لهذا التصفيد : فقال : ( فائدة التصفيد فض جموحه وكسر شوكته وتسكين نائرته ولو لم يكن الأمر على ذلك لم يكن لإستظهارة بالأعوان والجنود معنى ) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج 6 ص401

( قلت : صاحب المقال : ) : أن الرأي الذي ذكره الشيخ المباركفوري كتعليل للتصفيد .. رأي أراه غريب .. لسبب بسيط وهو أن الحفظ الإلهي لن ينتظر .. شهر رمضان لكسر شوكة الشيطان ..؟!!

***********************

س6: وإن كان المقصود بالشياطين هم المردة منهم .. فما وجه الإفادة في توضيح أن المردة يتم حبسهم .. ؟

( قلت : صاحب المقال : ) أرى وجهين آخرين لفهم تصفيد مردة الشياطين في هذا الشهر الكريم :..

1- الوجه الأول .. الإرتقاء إيمانيا : وكأن الحديث أتى بذكر تصفيد مردة الشياطين .. لكون الإنسان من كثرة ما سيحصل عليه نتيجة عبادته لله .. أقوى وأشد من أن يغلبه شيطان مارد .. فبقوة الإيمان التي ستزيد فيه وبكثرة الحسنات التي سيمن الله بها عليه .. سيرقيه لمرتبة يعجز أن يطولك فيها أي شيطان مارد مهما بلغت قوته الروحانية .. لوجودك في المعية الربانية .

2- الوجه الثاني .. وقف التسليط الروحاني : وهو وجه روحاني يميل للناحية الروحانية .. وهو خاص بوقف التسليط الروحاني ..  فالمارد من الجن .. هو العاتي الشديد القوة .. الذي بلغ القوة في جنسه .. والشيطان المارد لا يتصرف بذاته في أذى الإنسان .. ولأن السحرة يستخدمون الشياطين في القيام بأعمال السحر التي تتطلب تكليف شيطان ليقوم بالتنفيذ ..

وفي هذه الحالة يكون تعريف الحديث بالتصفيد : هو لإظهار عدم المقدرة على قيام السحرة باستخدام هذه النوعية من الشياطين في أذية الإنسان .. أو من هو أدنى منها في الرتبة الشيطانية .

- ففي هذا إشارة إلى تعطيل الملكات الروحانية .. لدي كثيرين .. من السحرة والروحانيين عموما .. لأن السحر غالبا يستدعي استخدام شيطان إبليسي كوسيط .. ولكن الشياطين لا يستجيبون روحانيا في رمضان لانتشار الملائكة بكثرة تنزلها .. وذلك لتشحن عزيمتك مع الله بالعبادة .. حتى إذا خرجت من شهر رمضان كنت محصنا بإذن الله ..

والله أعلم .. بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم .

***********************

..:: نظرات في الحديث الشريف حول كلمة ( شياطين ) ::..

( قلت : صاحب المقال : ) : كلمة شياطين توحي بأن الأمر خاص بهذه الفئة فقط .. أي الجنس الإبليسي .. وليس كل جن شيطان .. فقد يكون هناك جن مسلم عاصي .. فهو لا يدخل في هذا الحديث .. وقد يكون جني مسلم مارد ولكنه لا يدخل في هذا الحديث لآنه خاص بالمارد الشيطاني ..

والجن المسيحي واليهودي .. لا يدخل في هذا الحديث .. لأنه جن كتابي .. وليس شيطاني .. ( فنحن نسميه شيطان مجازا لمخالفتة عقيدتنا )  .. ولكنه في العالم الروحاني والإنسي ليس بشيطان .. فمنهم الصالح والطالح أيضا ..

فأنت لا تنظر إلى المسيحي الإنسي على أنه شيطان .. بل كافر لمخالفة عقيدتك .. ولكن هذا لا يمنع أن منهم صالحون صلاح دنيويا .. ومنهم غير ذلك .. والمسلمون كذلك منهم الصالح والطالح ..

- وما يتم التسليط به روحانيا إنما غالبا يكون مما سبق من هذه الطوائف .. دون طائفة الجن الشيطاني .

*****************************

..:: هل يحدث السحر في رمضان ؟ ::..

- قد يحدث السحر في رمضان .. وإن كان ذلك سيستهلك قدر كبير من عزيمة الساحر وأذى بدني له بسبب الإرهاق الذي سيصيبه بسبب كثرة انتشار الملائكة .. 

- ولكن يجوز ذلك لأن فعل السحر من تكليف إنسان وليس من الشيطان نفسه .. فكان هذا السحر من عمل الإنسان وليس من عمل الشيطان لأنه لولا هذا الإنسان ما كان هذا السحر ..

- فانتبه لهذه المعلومة النفيسة وهي من فضل الله وقد أكرمني بفهمها .. فاغتنمها .

- والله أعلم.

******************************

..:: المعالجين بالجن ورمضان ::..

( قلت : صاحب المقال : ) : تكلمت قديما عن هذا الأمر في مواضيع الرقاة ورمضان .. ولكن نعيد بعض الكلام بصورة أخرى ..

فكثير من الروحانيين لا يعالجون في رمضان .. تحت حجة أن الجن الذي معهم .. يذهب للإعتكاف في المسجد النبوي أو الحرم المكي ..!!

حسنا أيها المعالج .. فلماذا لا تذهب معتمدا على الله ومتوكلا عليه .. ومتوسلا بكلام الله .. لتساعد الناس والملائكة سيحضرون معك لأنك تقرأ القرآن .. وبقدر نيتك وهمتك سيكون مددك ..؟!!

ما منعك ذهابك إلا لأن شياطينك قد رحلوا عنك .. وانت بانتظار عودتهم .. اما كونك تقول .. أنهم في الحرم وفى الاعتكاف .. فعفوا سيدي أنت مخدوع بهذا الوهم .. لأن الجن الصالح يعلم علم يقين أن مساعدة مخلوق خير من الإعتكاف .. ولذلك أقول لك أنت موهوم .. 

وكل من انطفأت قدراته الروحانية في رمضان .. فروحانيته أصلها شيطان .

ثم ما علاقة الجن بالعلاج حتى تنتظره أن يأتيك ..؟!! ألا يكفيك أن تقول يارب أعني أم انك اعتدت أن تقول يا جن ساعدني ؟!!

- فيا لك من نفس لم تتوكل على ربها ..!!

***********************

..:: أما عن المعالج الراقي الغير مستعين بجن ::..

( قلت : صاحب المقال : ) : فقد يذهب بعض المعالجين إلى حالة في رمضان .. ويحدث حضور .. ويظهر أنه جن مسيحي أو يهودي .. أو حتى مسلم .. فالجميع عموما يسمى جن معتدي في كل الاحوال .. طالما اعتدى على إنسان .. فلا يفرق أن تميز بين كونه مسلما أو غير مسلم .. فالكل معتدى .

- وقد يظهر شيطان نتيجة سحر أيضا .. فهذا لأنه مكلف من إنسان وليس من فعل الشيطان نفسه .. أي أن الفاعل إنسان في الحقيقة .. فانتبه ..!! 

***********************

س7: لماذا يحضر هذا الجني في رمضان بالرغم من تصفيد الشياطين ؟ ..

( قلت : صاحب المقال : ) : هذا لأنك لم تستوعب الحديث جيدا .. فلو استوعبت أنه لطائفة واحدة من الشياطين .. لفهمت أن باقي الطوائف لا يسري عليها هذا الكلام النبوي .. ولفهمت أن الأعراض الخاصة بالسحر أو المس الروحاني .. يبطأ عملها فقط .. بسبب الحضور الملائكي الزائد في رمضان .. فكأن طاقتهم تضعف .. ولكن لا يبتعدون عن الإنسان .. فالجن المسلم المعتدي والمسيحي واليهودي .. لا يدخل في التصفيد .. 

- والجن الشيطاني المكلف بسحر .. هذا لا يدخل ضمن التصفيد لأنه ليس من فعل نفسه وإنما من فعل وتكليف إنسان آخر .. فسلطة هذا الشيطان مستمدة من إنسان وليس من نفسه ..

والله أعلم .

***********************

..:: هناك تصور غريب عند البعض في مفهوم حضور الملائكة ::..

البعض يتصور أن الملائكة إذا حضرت .. فإن الجن والشياطين يرحلون .. !!

- وهذا تصور خاطيء .. فليس بالضرورة أن يحدث ذلك .. وإلا فلماذا يوجد القرينين مع الإنسان (قرين الملك وقرين الشيطان) ؟!! ولكن نتيجة أعمالك ينشط قرين وينطفيء الآخر ..

- وقد يظل وجود تسليط من الشيطان نتيجة أعمال سيئتة متكررة منك كالغيبة .. فيكون ملازمة الشيطان لك كعقاب .. أو قد يكون هناك ابتلاء رباني لك أراد الله أن يرفع به مقامك لو صبرت عليه .. وبالتالي فحضور الملائكة في الحالات السابقة لا يجعلها تتدخل في هذا التسليط.. 

- ولكن في حال الابتلاء فيكون وجودهم يُحدث حالة من الهدوء للنفس ويدعون لك ويرجون لك الخير .. وهذا سبب في تعجيل رفع البلاء عنك .. 

فالملائكة نعم تحضر لسماع القران وكذلك نادرا يحضر بعض الجن الصالح إن صادف مرورهم .. واستأذنوا من الملائكة الحاضرة في المجالسة .. ولكنهم جميعا لا يفعلون شيئا للشخص المسحور او الممسوس .. لماذا ؟

لأنه ليس من قدرك أن ينحل عنك السحر الأن .. ولكن ينتج عن هذه المجالسة الروحانية .. بعض المعاني اللطيفة في النفس .. سواء علم رباني .. أو خواطر طيبة خاصة بمعاني قرآنية أو حديثية .. أو نزول سكينة عليك .. أو يدعون لك برفع البلاء .. وهكذا ..

ولكنهم لن يطردوا العفريت من حولك .. ويمنعوه عنك  .. !!

فهذه ليست مهمتهم .. يا سيدي .. إلا لو كان معهم إذن من الله فقط !!

وهناك أذكار .. إذا قرأتها كانت لك حماية ووقاية .. مثل آية الكرسي والمعوذتين وبعض الأذكار النبوية مثل ( أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) ، ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم )

فهذه يحضر معها مددها الخاص بالحماية .. وانفعالها معك بكرامتها بالتحصين لك .. يكون بقدر أعمالك مع الله وصدق توجهك إلى الله .. فلا يمكن أن تكون مصرا على ترك طاعة الله أو مصرا على معصية كالغيبة مثلا وتجد مدد هذه الدعوات يظهر نتيجته معك .. فكيف تجد مدد التحصين حينئذ كما ترجو ..!!

- ولكن من الممكن أن تكون غارقا في العصيان .. ولكن في لحظة دعاءك كنت حاضر القلب جدا مع الله وتدعوه دعاء المتعلق بربه مخلصا له ويقينا فيه .. 

 فهذه تكون نفحة ربانية من الله قد جائتك من ربك .. وسيترتب عليها إجابة من الله باغاثتك .. والله يرزق من يشاء بغير حساب .

كما قال الله تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) يونس22-23.

- ولكن لا تنسى فضل الله عليك .. وأكمل في إخلاصك لله ولا تعود إلى ما كنت عليه ..

**************************

ختاما

نقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهذا ما يحدث فعلا في رمضان .. فمردة الشياطين تصفد .. ولكن سائر عوالم الجن .. لا .

ولا أدري لماذا حالة الإنكار من المشايخ ان يكون هناك مشكلة روحانية مع شخص في رمضان .. ؟!! .. بأن يرددوا أن الشياطين تصفد .. في حين تظل بعض الحالات تتلوى من الألم في رمضان بدون سبب عضوي .. ويقولوا لك .. أن هذه تخيلات نفسية ..!!

فهل كل ذلك بسبب أنهم يخافون أن يكون هذا فعل شيطاني .. فيكون الحديث أصبح غير صادق .. ويصبحون في حالة تعارض مع الأحاديث حينئذ ؟!! أم ماذا ؟

- وهذا فكر خاطيء من المشايخ في التوجيه .. وعليهم تصحيح أفكارهم .. لأن كلامهم هذا يتعارض مع الواقع الذي يعيشه بعض الناس في رمضان .. من مس أو سحر .. وبالتالي يترتب على كلامك الغير موفق .. أنكم تشككون الناس في دينهم ويقولون كيف الحديث يقول بذلك في حين يحدث مس وسحر ؟!!

- أما عن قول بعض المشايخ: أفهم الموضوع أنه هوه كده !!

فهذا يدل على أنك لا تفهم ..!

فكان يكفيك ان تقول الله أعلم ..

تحياتي لكم

-  اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم

*************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..