حكمة الصيام في فقه العارفين .. سببا للولادة الثانية للإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم

:: حكمة الصيام في فقه العارفين ::

- سببا للولادة الثانية للإنسان -

- أهلا ومرحبا بكم ساداتي الأفاضل .. في موضوع جديد نتكلم فيه عن الصيام في الشريعة الإسلامية .. مسترشدين فيه بفقه العارفين .. ومدى فهم كل من العلماء حول الصيام لله رب العالمين .. مع توضيح الإشارات العرفانية التي أشاروا إليها ..

- وطبعا موضوع الصيام يأخذ حيز كبير في الكلام سواء من خلال السنة أو القرآن .. ولكن سأحاول أن أركز فقط على ماهية الصيام أو حقيقته .. مبتعدا تفاصيلة الشرعية ..

- وبمعنى أدق .. أذكر لكم ما هو غذاء للقلوب .. إن شاء الله تعالى ..  

- وليعذرني الجميع على التأخير في رفع الموضوعات .. فصدقوني لو قلت لكم .. أن ترتيب الموضوع وتنسيقه ووضع عناوين وأسئلة .. ووضع رسومات أو شروحات .. أو جمع المادة العلمية .. وتلوين الألفاظ .. فهذا كله يأخذ وقت كبير جدا .. خاصة وأن أغلب  كتب العارفين .. تكون مجرد طلاسم لفظية يصعب فهمها على الكثيرين .. بل ويفهمها الكثيرين خطأ أيضا .. وأن كثير منها يحتاج إلى تذوق قلبي معين .. ولذلك أنتقي منها ما هو قريب للفهم وللقلب والله المستعان .

* في هذا الجزء سنتكلم فقط عن مفهوم الصيام في فقه العارفين .. مع توضيح لفهم بعض المصطلحات حتى تكون على بينة مما تقرأ ..

- ومن فضلك حاول قراءة الموضوع أكثر من مرة حتى تستوعبه جيدا ..

- ولكن نصيحتي لك .. قم بتجزأته واقرأه على مراحل .. خلال اليوم حتي يسهل عليك استيعابه .. وحاول أن تتذوق كلام العارفين قدر استطاعتك .. كأنه يلمس قلبك .. أو تحسه بمشاعرك ..

**********************

..:: ماذا أعني بكلمة العارفين ؟ ::..

- أكرر عليكم أن معنى كلمة العارفين في المقال .. هو كل من تذوق معاني الصيام القلبية الجميلة .. التي يرتقي بها الإنسان من وحل الغفلة إلى سماء المحبة الربانية ..

- فالعارفون كلمة ليست حكرا على طائفة أو مذهب بعينه .. بل هي خاصة بكل من تذوق معاني الإيمان.

**********************

..:: بداية: ما هو الصيام ؟ ::..

* قال صاحب كتاب الفقه الواضح:

- الصوم في اللغة: مطلق الإمساك عن الشيء .. قال تعالى حاكيا عن مريم (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) مريم26.

- وأما تعريفه شرعا: هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس .. بنية التقرب إلى الله

الفقه الواضح ج1 ص529

**********************

..:: الفرق بين الصيام والصوم ؟ ::..

* قال صاحب كتاب الفقه الواضح:

- الصيام مصدر صام كالقيام مصدر قام ، وهو في اللغة: الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال ، فيقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام ومنه قوله- تعالى- مخبرا عن مريم: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) مريم26 ..، أي: سكوتا عن الكلام . 

التفسير الوسيط ج1 ص379

**********************

..:: الصيام في القرآن والسنة ::..

* قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة183.

- وقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..) البقرة 185.

* وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) صحيح البخاري.

- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصِّيامُ والقرآنُ يَشفعانِ لِلعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ الصِّيامُ: أَيْ ربِّ، منَعْتُه الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ، فشفِّعْني فيه، ويقولُ القرآنُ: منَعْتُه النَّومَ باللَّيلِ، فشفِّعْني فيه، قال: فيَشفَعانِ) رواه الطبراني وأحمد .. وصححه السيوطي والهيثمي .. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح .. وذكره الألباني في صحيح الجامع وصحيح الترغيب.. وقال الأرنؤوط في تخريج سير النبلاء: إسناده قوي.

******************************

..:: أقسام الصيام الشرعية ؟ ::..

- وإليكم رسمة توضيحيه لما سبق لعلها تساعد على مزيد من الفهم

* قال صاحب كتاب الفقه الواضح :

- ينقسم الصيام إلى صوم مفروض وصوم مسنون أو مستحب ، وصوم مكروه وصوم حرام

1- فالصوم المفروض: هو شهر رمضان المعظم ، أو صوم أوجبه المرء على نفسه بالنذر.

2- وأما الصوم المسنون أو المستحب: فهو ما سوى شهر رمضان من سائر أيام السنة مثل  الست من شوال ، يوم عرفة ، يوم عاشوراء ، الأثنين والخميس ، ثلاثة أيام من كل شهر، صوم شعبان ، الصوم لكسر الشهوة.

3- وأما الصوم المحرم: فهو صيام يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وأيام التشريق ( الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة ).

4- والصوم المكروه: هو صوم يوم الشك – وهو اليوم الثلاثون من شعبان ، وصوم يوم الجمعة بمفرده ، صيام يوم السبت بمفرده ، وصيام المرأة وزوجها حاضر ، وصوم الضيف بغير إذن المضيف ، ووصال الصوم .

راجع كتاب الفقه الواضح ج1 ص 530 وما بعدها ..

** ونكتفي إلى هنا بما ذكرناه شرعا .. وإليك تفاصيله عند العارفين الذين تذوقوا معاني الصيام ..

****************************

..:: الصيام عند السادة العارفين ::..

ونبدأ بكلام سيد العارفين صلى الله عليه وسلم

1- (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) صحيح البخاري.
 
2- (ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ) صحيح بن ماجه.
 
3- (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ) صحيح البخاري.
 
4- (ليس الصِّيامُ من الأكلِ والشُّربِ إنَّما الصِّيامُ من اللّغوِ والرَّفثِ فإن سابَّك أحدٌ أو جهِل عليك فقلْ إنِّي صائمٌ إنِّي صائمٌ) رواه بن خزيمة .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب وصحيح الجامع.
 
5- (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فلا يَرْفُثْ ولَا يَجْهلْ .. وإنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ .. وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِن رِيحِ المِسْكِ. يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِي الصِّيَامُ لِي، وأَنَا أجْزِي به والحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا) صحيح البخاري.
 
6- (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِئَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ) صحيح مسلم.

7- (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي) صحيح مسلم.

8- (والذي نَفْسي بيَدِهِ؛ لَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عِندَ اللهِ مِن ريحِ المِسكِ؛ يَذَرُ طَعامَهُ وشَرابَهُ وشَهوَتَهُ مِن أجْلي، فالصِّيامُ لي، وأنا أجزي به، كُلُّ حَسَنةٍ بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبعِ مِئةِ ضِعفٍ، إلَّا الصِّيامَ؛ فهو لي، وأنا أجزي به) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

- وعلى هذه الاحاديث كانت إشارات العارفين وخلاصة كلامهم مستمدة من كلامه صلى الله عليه وسلم .

******************************

.. الإشارة في فهم حكمة الصيام عند العارفين ..

..:: الصيام ربع الإيمان ::..

* ذكر الإمام أبي حامد الغزالي في كتاب أسرار الصوم ما يلي:

- ( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أعظم عَلَى عِبَادِهِ الْمِنَّةَ بِمَا دَفَعَ عَنْهُمْ كَيْدَ الشيطان وفنه ورد أمله وَخَيَّبَ ظَنَّهُ إِذْ جَعَلَ الصَّوْمَ حِصْنًا لِأَوْلِيَائِهِ وجنة وفتح لهم به أبواب الجنة وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة .. والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليماً كثيراً

- أما بعد فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ) وبمقتضى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الصَّبْرُ نِصْفُ الإيمان) .

- ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم (كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) ..، وقد قال الله تَعَالَى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر10 .. ، والصوم نصف الصبر ..

- فقد جاوز ثوابه قَانُونَ التَّقْدِيرِ وَالْحِسَابِ وَنَاهِيكَ فِي مَعْرِفَةِ فَضْلِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به ... )

احياء علوم الدين ج1 ص 273.

- قلت (خالد صاحب الموضوع) في تخريج الأحاديث السابقة:

1- (الصيامُ نصفُ الصبرِ) ضعيف بن ماجه.

2- (الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ) رواه البيهقي في الشعب .. من قول عبد الله بن مسعود .. وهو حديث حسن موقوف وليس حديث نبوي.. ، والحديث الذي تم روايته عن النبي هو غير صحيح وقد رواه البيهقي أيضا في شعب الإيمان وقال: تَفَرَّدَ بِهِ يَعْقُوبُ، عَنِ الْمَخْزُومِيِّ، وَالْمَحْفُوظُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ .

3- حديث (كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

- والحديث بكامله هكذا .. (والذي نَفْسي بيَدِهِ؛ لَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عِندَ اللهِ مِن ريحِ المِسكِ؛ يَذَرُ طَعامَهُ وشَرابَهُ وشَهوَتَهُ مِن أجْلي، فالصِّيامُ لي، وأنا أجزي به .. كُلُّ حَسَنةٍ بعَشْرِ أمثالِها إلى سَبعِ مِئةِ ضِعفٍ، إلَّا الصِّيامَ؛ فهو لي، وأنا أجزي به.) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

*********************************

..:: الصيام وسيلة قهرية للنفس و للشيطان ::..

ومفتاح الملكوت الإلهي لقلب الإنسان

وباب العبادة

يقول الإمام جعفر الصادق :

« لكل شيء باب وباب العبادة : الصوم ، وإنما كان الصوم مخصوصاً بهذه الخواص لأمرين :

أحدهما : أنه يرجع إلى كف وهو عمل سري لا يطلع عليه غير الله تعالى …

والثاني : أنه قهر لعدو الله ، فإن الشيطان هو العدو ولن يقوى الشيطان إلا بواسطة الشهوات ، والجوع يكسر جميع الشهوات التي هي آلة الشيطان »

موسوعة الكسنزان ص471 باب الصاد

ثم يذكر الغزالي رحمه الله أن الصيام له شرف وخصوصية ويرجع هذا الأمر لمعنيين (وأعتقد أنه اقتبسهما من قول الإمام جعفر الصادق السابق ذكره .. ولكنه شرحهما قليلا .. فقال :

- (أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّوْمَ كَفٌّ وَتَرْكٌ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ سِرٌّ لَيْسَ فِيهِ عمل يشاهد .. ، وجميع أعمال الطَّاعَاتِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ وَمَرْأًى ..، وَالصَّوْمُ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ عَمَلٌ فِي الْبَاطِنِ بِالصَّبْرِ الْمُجَرَّدِ

- وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَهْرٌ لِعَدُوِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ وَسِيلَةَ الشَّيْطَانِ لعنة الله الشهوات وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع) .

فلما كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان وسداً لمسالكه وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل .. ، ففي قمع عدو الله نصرة لله سُبْحَانَهُ وَنَاصِرُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْقُوفٌ عَلَى النُّصْرَةِ له قال الله تَعَالَى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد7 ..

فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ولذلك قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) العنكبوت69..، وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد11 ..، وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم ..

فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوباً عن لقائه .

وقال صلى الله عليه وسلم (لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات) .. فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ الصَّوْمُ بَابَ الْعِبَادَةِ وَصَارَ جُنَّةً .أ.هـ.

 احياء علوم الدين ج1 ص 274 .. باختصار .

 

- قلت (خالد صحاب الموضوع) في تخريج (فضيقوا مجاريه بالجوع):

1- (إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ) صحيح البخاري.

- ولكن هذه الرواية بهذا الشكل: (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع) .. هذا الرواية فيه زيادة ليست من الحديث وهو قوله (فضيقوا مجاريه بالجوع) فهي ليست من الحديث وهي زيادة باطلة كما قال الأرنؤوط في تخريج أبي داود .. وقال الألباني في حقيقة الصيام عن حديث (الشيطان يجري مجرى الدم): صحيح مخرج في الصحيحين لكن بدون هذه الزيادة "فضيقوا..." ولا أعلم لها أصلا في شيء من كتب السنة.

2- حديث: (لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات) .. هذه الرواية ليست بهذا اللفظ ولم اجدها في أي من كتب الحديث بهذا اللفظ .. وإنما موجودة عند مسند الإمام أحمد بهذا اللفظ عند عودة النبي من عالم الملكوت في رحلة المعراج: (فَلَمَّا نَزَلْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، نَظَرْتُ أَسْفَلَ مِنِّي فَإِذَا أَنَا بِرَهْجٍ وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّيَاطِينُ يُحَرِّفُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ، أَنْ لَا يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَوْا الْعَجَائِبَ) رواه أحمد وبن أبي شيبة .. وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف.

- وفي طبعات أخرى لمسند الإمام أحمد جائت الرواية فيها بلفظ (يحومون) بدلا من (يحرفون) ..

- معنى (رهج): أي غبار ..

- معنى (يحرفون): أي يصرفون أعينهم عن التدبر في عجائب الملكوت ..

***************************

..:: الصيام أمانة ::..

 - وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الصَّوْم أَمَانَة فَلْيحْفَظ أحدكُم أَمَانَته) ..  ولما تلا قوله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء85 .. وضع يده على سمعه وبصره فقال السمع أمانة والبصر أمانة .. ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم فليقل إني صائم أي إني أودعت لساني لأحفظه .. فكيف أطلقه بجوابك ؟ .. فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهراً وباطنا .

 احياء علوم الدين ج1 ص 236

- قلت (خالد صحاب الموضوع) في تخريج (الصوم أمانة):

- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الصَّوْم أَمَانَة فَلْيحْفَظ أحدكُم أَمَانَته) قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود في حديث والأمانة في الصوم وإسناده حسن.

 

********************************

..:: الصيام إشارة إلى حالتي القبض والبسط ::..

- من الإشارات التي جالت بخاطري (خالد صاحب الموضوع): 

- عن حالة الصوم "الإمساك عن شهوتي البطن والفرج" ، وحالة الإفطار ..

- فكأن الصيام يمثل حالة قبض عن الدنيا وأهلها، والإفطار حالة بسط مع الدنيا وأهلها ..

- وكأن الله يريدك أن تكون :

مقبوضا عن الخلق والأغيار ..، وتكون مبسوطا معهم بقدر الحاجة والإضطرار .

- والله أعلم .

*****************************

..:: الصوم تحرر من العبودية للشهوات ::..

* يقول الإمام الشعراني رحمه الله:

- ( فرض الله تعالى الصوم على عباده كسرا للشهوات وقطعا لأسباب الإسترقاق والتعبد للأشياء ..، فإنهم لو داوموا على أغراضهم لاسترقتهم الأشياء واستعبدتهم ، وقطعتهم عن ربهم كل القطع ..والصوم يقطع أسباب التعبد لغير الله ، ويورث الحرية من الرق للشهوات والمشتهيات .

- لأن المراد من الإنسان أن يكون مالكا للأشياء وخليفة فيها .. لا أن تكون مالكة له .. لأنه خليفة الله في ملكه .. فإذا استغرق في أغراضه وملكته .. فقد قلب الحكمة .. وصير الفاعل مفعولا ، والأعلى أسفل ..

- وقد علم الله أن "رمضان" يغني في قطع ذلك كله إذا صامه الصائمون كما ينبغي أن يصام .. ومن زاد .. زاد في حريته .. ما لم يخرج إلى ضرر بالنفس أو العقل .

- أن فطام النفس من حب الدنيا والمنهيات .. هو الصوم الحقيقي لمن لاحت له انوار اليقين بالله عز وجل والدار الآخرة ..

- فصام لرؤيته وذلك مدة الحياة الدنيا ، وأفطر عند الله لرؤيته .. وذلك يوم عيده عند خروجه من الحياة الدنيا إلى الآخرة ..)

الفتح المبين للشعراني ص36-47 .. باختصار

*****************************

..:: الصيام وقاية وحصن حصين ::..

* يقول الإمام أبي حامد الغزالي:

- ( أَعْظَمَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمِنَّةَ بِمَا دَفَعَ عَنْهُمْ كَيْدَ الشَّيْطَانِ وَخَيَّبَ ظَنَّهُ ، إِذْ جَعَلَ الصَّوْمَ حِصْنًا لِأَوْلِيَائِهِ وَجُنَّةً ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ) قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزُّمَرِ: 10]

احياء علوم الدين ج1 ص59

* قلت (خالد صاحب الموضوع) .. تعليقا على الحديث السابق: 
- (الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف ..، وروي بلفظ: (الصيامُ نصفُ الصبرِ) رواه بن ماجه .. وذكره الألباني في ضعيف بن ماجه .

*****************************

..:: الصوم عبادة كونية ::..

* يقول الإمام الشعراني رحمه الله:

- واعلم أن الصوم عام في الموجودات كلها .. فإن الصوم من معانية .. إمساك جميع الموجودات وتقييدها عن الخروج عن وظائفها التي قيدت بها .. فإذا نظرت إلى الموجودات كلها وجدت كل واحد منها قد لزم ما قيد به وأمر به (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) آل عمران83.

- فصوم العالم: ضبطه نفسه وإمساكه ذاته بانحيازه إلى بارئه سبحانه وتعالى .. خضوعا لحكم الأمر .. طوعا أوكرها .. والإنقباض عن أن يسترقه شيء غير الله تعالى  .. وهذا إذا نظرته بحقيقة النظر وجدته عاما في جميع جواهر العالم كله ؟؟ كونا وشرعا وحالا ومقالا إلا الثقلين .. فإنهم خالفوه شرعا وكونا ..

الفتح المبين للشعراني ص 39 .. باختصار

*****************************

..:: لماذا كان هناك عتقاء من النار في رمضان ؟ ::..

* يقول الإمام الشعراني رحمه الله:

ورد في الاخبار الصحيحة : (أن الله تعالى في كل رمضان عتقاء من النار) .. لإنقطاعهم عن أسباب الهوى التي استرقت الخلق .. إلا من شاء الله .. والله غفور رحيم .)

الفتح المبين للشعراني ص49

* شرح (خالد صاحب الموضوع) :  

- لعل الإمام الشعراني رحمه الله يقصد الحديث: (إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ) صحيح بن ماجه.

- قوله (استرقت الخلق) : أي جعلوا من الإنسان رقيقا لهم .. أي عبيدا لهم ... بمعنى أن الهوى والشهوات استعبدت الخلق ..

*****************************

..:: الصيام يعود بالإنسان لأصل خلقته ::..

* يقول الشيخ إسماعيل حقي النازلي رحمه الله :

الإشارة : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) هي اشارة الى ان أجزاء وجود الإنسان من الجسمانية والروحانية قبل التركيب كانت صائمة عن المشارب كلها فلما تعلق الروح بالقالب صارت أجزاء القالب مستدعية للحظوظ الحيوانية والروحانية ، بقوة إمداد الروح بالقالب صارت اجزاء القالب مستدعية للحظوظ الحيوانية والحيوانية فالآن كتب عليهم الصيام وهم مركبون كما كتب على الذين من قبلكم من المفردات ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) من مشارب المركبات وتصومون فيها مع حصول استعداد الشراب ليفطروا عن مشارب يشرب بها عباد الله إذ أسقاهم ربهم شرابا طهورا فيطهركم طهورية هذا الشراب من دنس استدعاء الحظوظ الحيوانية والروحانية كما قال (ولكن يريد ليطهركم) فلما أفل كوكب استدعاء الحظوظ طلعت شمس استدعاء اللقاء من مطلع الالتقاء فحينئذ يتحقق انجاز ما وعد سيد الأنبياء بقوله (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) صحيح مسلم.

ثم اخبر عن كمال لطفه مع العباد بتقليل الاعداد في قوله (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) والأشارة فيها هو أن صومكم في أيام قلائل معدودة متناهية وثمرات صومكم في أيام غير معدودة ولا متناهية ..).

روح البيان ج1 ص291

*****************************

..:: مثل الصائم كالتائب ::..

* قال الشيخ أبو طالب المكي رحمه الله:

( ومثل الصائم مثل التوبة لأن الصبر من أوصافها وإنما كانت التوبة مكفرة لما سلف من السيئات لأجل أنه صبر عما سلف من سئ العادات ثم اعتقد ترك العود إلى مثل ما سلف بصيانة جوراحه التي كانت طرائق المكروهات، كذلك كان الصيام جنة من النار وفضيلة من درجات الأبرار، إذا صبر عليه الصائم فحفظ جوارحه فيه من المآثم فإذا أمرحها في الآثام كان كالتائب المتردد الناقض للميثاق لم تكن توبته نصوحاً ولا كان صوم هذا صالحاً وصحيحاً .

قوت القلوب ج1 ص136

*****************************

..:: الصيام سبب للكشف الرباني وفهم الحكمة الإلهية ::..

* قال الشيخ بن عجيبة الحسني رحمه الله :

- (الإشارة: (كُتب عليكم الصيام) عن الحظوظ والشهوات ، كما كتب على مَن سلك الطريق قبلكم من العارفين الثقات ، في أيام المجاهدة والرياضات ، حتى تنزلوا بساحة حضرة المشاهدات ، لعلكم تتقون شهود الكائنات ، ويكشف لكم عن أسرار الذات ..

- فمن كان فيما سلف من أيام عمره مريضاً بحب الهوى ، أو على سفر في طلب الدنيا ، فليبادِرْ إلى تلافِي ما ضاع في أيام أُخر ، وعلى الأقوياء الذين يُطيقون هذا الصيام ، إطعام الضعفاء من قُوت اليقين ومعرفة رب العالمين . فمَنْ تطوع خيراً بإرشاد العباد إلى ما يُقوِّي يقينهم ، ويرفع هممهم فهو خير له .

- وأَنْ تَدُوموا أيها الأقوياء على صومكم عن شهود السَّوَى ، وعن مخالطة الحس بعد التمكين ، فهو خير لكم وأسلم ، إن كنتم تعلمون ما في مخالطة الحس من تفريق القلب وتوهين الهمم ، إذ في وقت هذا الصيام يتحقق وحي الفهم والإلهام ، وتترادف الأنوار وسواطعُ العرفان ..

- فمن شهد هذا فَلْيَدُمْ على صيامه ، ومن لم يَقْدِر عليه فَلْيَبْكِ على نفسه في تضييع أيامه . )

البحر المديد ج1 ص213

#- شرح (خالد صاحب الموضوع): 

- المقصود من أسرار الذات: هو فهم الحكمة الإلهية الكونية .. وليس المقصود المعرفة الذاتية للذات الإلهية .. فهذا أمر لا يعرفه أحدا مطلقا .. ولا سبيل إلى ذلك .. فانتبه لكلام العارفين .

*****************************

..:: الصيام ينتج عنه الولادة الثانية للإنسان ::..

* قال الشيخ إسماعيل حقي رحمه الله :

- (والصوم سبب للولوج في ملكوت السموات وواسطة الخروج عن رحم مضايق الجسمانيات المعبر عنه بالنشأة الثانية كما أشير اليه بقول عيسى عليه السلام (لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين) بل مجاهدة الصوم رابطة مشاهدة اللقاء وإليه يشير الحديث القدسي ( الصوم لي وأنا أجزى) يعنى انا جزاؤه لا حورى ولا قصورى .. ، ولهذا علق سبحانه نيل سعادة الرؤية بالجوع حيث قال في مخاطبة عيسى عليه السلام (تجوع تراني)

- وانما أضيف الصوم الى الله في (الصوم لي) لأنه لا رياء فيه بل سر لا يعلمه الا الله وإنما يكون الله سبحانه جزاء صومه إذا أمسك قلبه وسره وروحه عما سواه تعالى وهو الصوم الحقيقي عند الخواص).

روح البيان ج1 ص291

* قال بن القيم رحمه الله:

- (فلا بد من الولادة مرتين كما قال المسيح للحواريين: إِنكم لن تلجوا ملكوت السماءِ حتى تولدوا مرتين . ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم أَباً للمؤمنين كما في قراءَة أُبِى: (النبى أَولى بالمؤمنين من أَنفسهم وهو أَب لهم)، ولهذا تفرع على هذه الأبوة أَن جعلت أَزواجه أُمهاتهم ، فإن أَرواحهم وقلوبهم ولدت به ولادة أُخرى غير ولادة الأُمهات ، فإِنه أَخرج أَرواحهم وقلوبهم من ظلمات الجهل والضلال والغى إِلى نور العلم والإِيمان وفضاءِ المعرفة والتوحيد ، فشاهدت حقائق أُخر وأُموراً لم يكن لها بها شعور قبله ، قال تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ) [إبراهيم: 1] ، وقال: (هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ) [الجمعة: 2] وقال: (لَقَدْ مَنّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ) [آل عمران: 164] .

طريق الهجرتين ج1 ص16

* (قلت: خالد صاحب الموضوع): 

- من الآيات السابقة ندرك أن الولادة الثانية عند المسلمين هي باتباع صلى الله عليه وسلم .. اتباع كامل .. إذا أردت أن تحصل على ولادتك الثانية الصافية النقية الطاهرة من الضلال والإنحراف .. وهي الارتقاء القلبي والروحي في علاقتك مع الله .. فعليك بمحمد صلى الله عليه وسلم .

* (قلت: خالد صاحب الموضوع): 

- والصيام الحقيقي العرفاني هو الذي يصاحبه مجاهدة للنفس وتذلل إلى الله وفقر إلى الله وغنى بالله .. وبدون هذه العوامل فلن يكشف لك عن حقيقتك إيمانك في علاقتك بالله والمجتمع .. إلا إن اتبعت سيد العارفين سيدنا ومولانا رسول الله .. فبالصيام تتفتح مسامع القلب .. وتنكشف أنوار الإيمان .. ويتطهر به باطنك وظاهرك .. ويستقيم حالك في سائر العبادات .. لأنه من وأعظم وسائل القرب وباب رئيسي في كسر شهوة النفس وخضوعها لله .. 

- جعلني الله وإياكم ممن يصومون لله ظاهرا وباطنا كما يحب ربنا ويرضى به عنا .. آمين يارب العالمين.

* (قلت: خالد صاحب الموضوع): 

- والإشارة للولادة الثانية: يأتي مفهومها في الدين الإسلامي من خلال ولادة القلب أي إعادة تنشيطه وإنعاشه .. التوبة إلى الله ..، والرجوع إليه ..، والإلتزام بما طلبه منك .. مع مداومة ذكره وشكره وحسن عبادته بالإخلاص له والتوكل عليه والرضا به واليقين فيه .. فهذه هي ولادة الإنسان مرة ثانية .. ليه ؟

- لأنها تنقلك من حال غفلة .. إلى حال يقظة .. وتغيرك من حال معصية إلى حال طاعة .. وتنقلك من نفس امارة بالسوء إلى نفس لوامة ومطمئنة .. 

- ولذلك يقول تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) الأنعام122.

- (من التفسير الميسر): أومن كان ميتًا في الضلالة هالكا حائرا، فأحيينا قلبه بالإيمان، وهديناه له، ووفقناه لاتباع رسله، فأصبح يعيش في أنوار الهداية، كمن مثله في الجهالات والأهواء والضلالات المتفرقة، لا يهتدي إلى منقذ ولا مخلص له مما هو فيه؟ لا يستويان.

- ويقول تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران31.

- فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو في ذاته ولادة ثانية للمؤمن .. لأن باتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم يكون قد قام بتنشيط البوابة السماوية في قلبه .. وفتح بينه وبين السماء علاقة .. لأن الله يحبه بسبب اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم .. بل ويغفر له ذنوبه ويرحمه بالإحسان إليه بمزيد كرامة منه وفضلا ..

 

#- فالولادة الثانية .. أو الحياة الحقيقية هي حياة الإيمان .. وهي مرحلة الصحوة واليقظة والقرب من الله .. بعد مرحلة الغفلة والبعد عن الله .. وترتقي من غلبة النفس الأمارة بالسوء إلى غلبة النفس المطمئنة بمعية الله سبحانه وتعالى .. ويرتفع عنك حجاب الغفلة .. فترى الحقائق التي كانت غائبة عنك بسبب بعدك عن الله ..

- وخلاصة القول .. أن الولادة الثانية من خلال العمل مع الله واتباع النبي صلى الله عليه وسلم ..

- ولكن انتبه:

- هذه الولادة الثانية عليك أن تطلبها وتسعى إليها .. ولكن ليس بنفسك .. وإنما بالله .. أي تطلبها من الله وتجتهد في ذلك .. فإنه لا حول ولا قوة إلى الله  

- واعلم أن اختيار طريق الله .. معناه أنك ستجاهد نفسك إلى آخر يوم في حياتك حتى تستقيم بالطاعة مع الله ولا تنحرف بك عن طريق الحق .. 

- وأحد أدوات مجاهدة النفس تكون بالصيام .. لأن فيه نوعا من قهر النفس وقهر شهوتها وسطوتها .. 

- ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم :  

- (مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ) صحيح البخاري.

- قوله (الباءة): أي من كانت لديه المقدرة على الزواج بالوطء ومستلزماته ومسئولياته ..  

- قوله (وجاء): أي مانع لشهوة الجنس ومضعف لها .

- وقال صلى الله عليه وسلم: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) صحيح البخاري .. 

- قوله (جُنَّةٌ): أي وقاية وحصن من غلبة شهوات النفس على الإنسان .

  

- فيظهر مما سبق أنه فكلما سكنت شهوات النفس .. كلما انكسرت النفس وخفت مطالبها .. وأصبح الإنسان أقوى في السيطرة عليها .. وأنشط في البعد عن المعاصي .. وأقوى في الدعاء إلى الله في طلب المعونة منه في أن يهديه ويمده بمدده ليثبته على طاعته .. وكأن الإنسان يحاول أن يفرغ قلبه من كل تعلق بغير الله .. وهو ما يسميه العارفون بالأغيار .. 

- ومعنى كلمة الأغيار .. هي كل غير الله .. يعنى تفرغ قلبك من التعلق بكل ما هو في الحياة .. فلا يبقى تعلق في قلبك إلا بالله تعالى .. 

*****************************

..:: الصيام و الصمدانية ::..

- الشيخ عبد الكريم الجيلي : « الصوم : هو إشارة إلى الامتناع عن استعمال المقتضيات البشرية ، ليتصف بصفات الصمدية ».

- الشيخ السراج الطوسي : الصوم : هو التخلق بالصمدية .

- الشيخ عبد الوهاب الشعراني : « الصوم : هو صفة صمدانية مطهرة من الشوائب النفسانية والشيطانية »

موسوعة الكسنزان ..

* (شرح : قلت خالد صاحب الموضوع): 

- مقصود الآراء الخاص بصفة الصمدانية .. هو أن العبد حينما يكون صائما .. فهو يكون كأنه غير محتاج إلى الموجودات .. فكأن العبد تخلق بصفة الله (الصمد) .. طبعا مع الفارق في أن هذا عبد سيجوع ويأكل .. وهذا رب غني عن العالمين .. فانتبه لكلام العارفين .

* وفي كتاب علم القلوب : 

- ( وقال أبو سعيد الخراز : الصوم في اللغة هو الإمساك عن الطعام والشراب دون غيرهما .. ، والله عز وجل ثناؤه لا يُطعم ولا ينبغي له ان يُطعم .. فإذا أمسك الإنسان عن الطعام والشراب.. فقد صار موصوفا بضرب من الصمدية .. فقال جل وعز : ( الصوم لي ) .. أي نعت من نعوتي وأنا أجزي به أكثر مما يأمله الصائمون مني .

- ويرى سيدي عبد العزيز الدباغ : أنه لما كان إنزال آدم من الجنة إلى الأرض بسبب الأكل من الشجرة ، وكان الأكل هو سبب كل معصية .. فهو يتخم الإنسان ..

- فيقيده عن العبادة ويثير النزعات الخبيثة ، ويدفع إلى السرقة والغش والخداع والنفاق ..، ومع كثرته يكثر إحتمال النجاسة في الثوب والجسد ..

- لذلك جعل الله أعظم القربات الصوم .. لأنه ترك أساس المعصية وسد لبابها ..، ومن هنا كان الصوم خالصا لله تعالى .. فإذا أداه العبد بظاهره وباطنه .. استحق الجزاء الأوفى .

علم القلوب لأبو طالب المكي ص 226 .. والتعليق الخاص بهذا الفصل

*****************************

..:: غاية الصوم ::..

- يقول الباحث محمد غازي عرابي :

« غاية الصوم الجوهرية : إحداث شق كزلزلة في قلب العبد ليلتفت إلى خالقه ويتفكر في سماء الروح وأرض البدن »

- يقول الإمام جعفر الصادق :

« الصوم يميت مراد النفس وشهوة الطبع ، وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح وعمارة الظاهر والباطن ، والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء ، وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وجل الإلتجاء إلى الله ، وسبب انكسار الهمة وتخفيف السيئات وتضعيف الحسنات ، وفيه من الفوائد ما لا يحصى »

- ويقول الحكيم الترمذي : « الصوم : ثمرته تطهر النفس »

موسوعة الكسنزان باب الصاد ص 469

- ( قال ابن القيم : الصَّوْمُ ، فَإِنَّهُ يَكْسِرُ سُورَةَ النَّفْسِ السَّبْعِيَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ ، وَيُذِلُّهَا )

مدارج السالكين ج1 ص307

*****************************

..:: جوامع لكلام السادة العارفين حول الصيام ::..

من موسوعة الكسنزان باب الصاد .. ص468 وما بعدها

- الشيخ الحكيم الترمذي : « الصيام : هو كف النفس عن الشهوات ساعات من عمرك ، بياض يومك ، ثم تعود إليها »

- الشيخ فارس البغدادي : « الصوم : هو الغيبة عن رؤية الخلق برؤية الحق  »

- الشيخ أبو طالب المكي : « الصوم : هو مفتاح الزهد في الدنيا ، وباب العبادة للمولى ، لأنه منع النفس عن ملاذها وشهواتها من الطعام والشراب » ، ويقول : « الصوم : هو ذكر الله وهو سر » .

- الشيخ أحمد الرفاعي الكبير : « الصوم : هو صون الجوارح وصون القلب عن كل مناف للحق »

- الشيخ نجم الدين الكبرى : « الصيام : هو الإمساك عن ملاحظة الأغيار ، وطلب الاختيار ، والركون إلى غير الملك الجبار »

- الشيخ أحمد بن علوية المستغانمي : « الصوم في شرع القوم : هو الإمساك عما سوى محبوبهم »

- الباحث محمد غازي عرابي : « الصوم : هو فطم النفس عن شهواتها ، وهي حاجة ملحة لخروج النفس من قمقمها المادي بمعنى كسرها إياه لا بمعنى المفارقة . والصوم عماد الدين بعد الصلاة ، هو توأمها ورديفها الثاني . فمن دون الصوم لا يمكن للعبد أن يتفكر في ما اعتاده في حياته من عادات ثابتة »

- يقول الإمام علي بن أبي طالب : « فرض الله الصيام ابتلاءً لإخلاص الخلق » 

- الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي : « قال بعضهم : الصائم : هو الممسك عن كل ما لا يرضاه الله تعالى »

*****************************

[ من مكاشفات الصوفية ] :

في أفضل الصوم عند الله تعالى

- يقول الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله : « قلت : [ يا رب ] أي صوم أفضل عندك ؟

قال : الصوم الذي ليس [ فيه ] سوائي والصائم عنه غائب »

[ من حكايات الصوفية ] :

- لما احتضرت السيدة نفيسة وهي صائمة ألزموها الفطر .

فقالت : واعجباه لي منذ ثلاثين سنة أسأل الله أن ألقاه وأنا صائمة أفأفطر الآن ، هذا لا يكون . ثم أنشدت تقول :

اصرفوا عني طبيـبي        ودعوني وحبيــــبي

زاد شوقـي  إليــــــه        وغرامي ونحيــــبي

ثم ابتدأت بسورة الأنعام فلما وصلت إلى قوله تعالى : لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ  رَبِّهِمْ ... خرج السر الإلهي »

موسوعة الكسنزان باب الصاد ص 473 .. باختصار

*****************************

:: ختاما ::

أذكر لكم ملخص ما قاله السادة سابقا .. من خلال الحكم العطائية .. حيث يقول سيدي ابن عطاء الله السكندري في حكمه : ( كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته ، أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته ، أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ،  أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته )

أسأل الله أن اكون قد أحسنت اليكم كما يرضي الله ورسوله .. ولم أقصر في شيء والله يعلم .. سائلا المولى أن يتقبله خالصا لوجهه الكريم وسببا في محبة في نبيه الكريم .. وأن يعينني على الجزء الثاني إن شاء الله تعالى ..

وهو يتكلم عن أقسام الصيام عند العارفين .. ودرجات الصائمين عند العارفين ..

*****************************

.. اعتذار للجميع ..

قد لا يساعدني الوقت في الرد على التعليقات .. نظرا للإنشغال .. فرجاء إلتماس العذر لي عند عدم الرد في التعليقات ..

.. و رجاء من الجميع ..

لا تخرج من قراءة الموضوع حتى تشارك أخوتك في التعليق .. حتى ولو بكلمة ..

فجمال الموضوع يكتمل بتعليقاتكم .. فاكتب قصة أو معلومة أو حكمة .. لعلها تكون لك صدقة جارية لك ..

وشكرا للجميع

تحياتي لكم

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسائل العلمية مصدرهامدونة الروحانيات فى الاسلام -   ومؤلفها / الأستاذ خالد أبوعوف - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات  ..