.. لمحات من حياتي .. خوف وقهر وتجريد وحب وعلم .. جماعات دينية وفساد قلب وشك وغل وقبض وصمت وتسليم

بسم الله الرحمن الرحيم

.. لمحات من حياتي ..

.. خوف وقهر وتجريد وحب وعلم .. 

.. جماعات دينية وفساد قلب وشك وغل وقبض ..

.. وصمت وتسليم .. 

* لم أكن أتصور يوما أنني سأكتب في هذا الأمر .. ولكن ما سأكتبه الآن هو جزء مما حدث معي فعليا في فترة ما خلال حياتي .. ولكن ما أحببت مشاركتكم إيِّاه في هذا المقال .. ليس من باب الدردشة أو التشويق في الكلام .. ولكن أحسب أن قلبي يوجهني لذلك .. وقد يكون الكتابة في هذا الأمر لسبب أجهله .. وقد يكون لأن شخصا ما قد يساعده هذا الكلام .. لا أعرف .. !!

فقد كنت أكتب في شيئا .. ثم انحرفت الكتابة لشيء آخر .. 

* عموما أرجو أن يكون هذا المقال سببا لخير ما لشخص ما .. وإن كنت أخطأت في سرد ذلك فعلي خطئي ..

* ورجاءا أن لا يضعني أحدا في منزلة الشيخ .. لأني لست بشيخ .. بل صديقا أو أخا أو خادما .. ولكني لست رجل أرتدي عباءة الدين ولست بالتصور الذي قد يضعني فيه البعض .. بل أراني أقل منكم جميعا ولا أستحي أن ذكر ذلك على الملأ فهذه حقيقتي .. ومن رآني علم أني شخص طبيعي جدا وبسيط جدا .. ونادرا ما أتكلم في الدين أصلا .. وسبحان مغير الأحوال ..

نبدأ بسم الله

**********************

..:: البداية ::..

* أحب أن أعرفكم بداية أن علاقتي الدينية .. في الصغر كانت بدون علاقة دينية إلا في شيء واحد فقط .. وهو لا تفعل الحرام ولاتؤذي أحد .. وحاول أهلي معي أن أصلي ولكن هيهات .. فمنذ نشأتي  كانت طبيعتي تتجه إلى الشقاوة المطلقة واللعب طوال اليوم .. ولم أهتم يوما بالتعليم ولا بالدين . بل كنت كلما رأيت طفلا يتعلم في مسجد .. فكنت أقول ما الذي يفعله هذا الطفل .. ؟ فهذا وقت لعب وليس وقت دين !!..

.. سبحان مغير الأحوال ..

* وكنت في مرحلة سنية مبكرة قائدا ومحبوبا من أصحابي .. وكان ذلك في عمر سبعة سنوات .. وكانت لي ميول للإنجراف إلى عالم القوة وليس الجريمة .. لأنتصر من الظالم للمظلوم .. لأني أبغض الظلم جدا جدا ..

* وللوصول إلى القوة فقد صاحبت فترة قصيرة أهل البطالة والسوء لأكتسب منهم القوة والجراءة .. لأن المجتمع البيئي الذي نشأت فيه كان مجتمعا مهتما بالعلم والرقي الإجتماعي .. ولن تكتسب منه إلا قوة العلم والأخلاق .. !!

* نعم كان عمري سبعة سنوات .. وكان أهلي لا يعرفون شيئا عني سوى أنني حمامة السلام .. (ههههه) .. وكنت أسعى لأشرب أعقاب السجائر لأتشبَّه بالكبار .. وأسعى لمعاكسة الفتيات .. حتى أن بعض الجيران أصبحوا يمنعون أبنائهم من مصاحبتي خوفا مني ..!!

* وظل هذا هو حالي .. لعب وشقاوة ومزج بين الطبقة الدونية المتمثلة في أهل السوء .. وبين الطبقة الراقية المتمثلة في أسرتي .. حتي جاء سن العشر سنوات .. وكان تغير الحياة بالكامل .. وأول درجات قهر النفس ..

***********************

..:: مرحلة الإنتقال .. والتجريد الأول ::..

* نظرا لانتقال والدي رحمه الله وتغيير محل عمله من مدينة الى مدينة أخرى .. فأصبحت بين عشية وضحاها بلا أصحاب ولا ناس .. وفي مجتمع مجهول لا أعرف فيه أحدا .. وقد تم تجريدي تماما من كل ما كانت نفسي معلقة به .. وكان ذلك في مرحلة الصف الاول الإعدادي .. !!

* مما سبب لي جنونا داخلي لأني فقدت كل شيء .. ولم أستطع التكيف في المدينة الجديدة .. فكان أهلي يرسلونني إلى المدينة القديمة  في أجازة الصيف لمجالسة أصحابي .. ولكن كان هناك أمرا هاما لذلك .. وهو أن لا أخاف .. لماذا ؟

***************************

..:: الخوف .. وقهر الخوف ::..

لأنه كان مسكننا في المدينة القديمة .. متمثلا في فيلا كبيرة جدا لها ثلاث طوابق .. وإذا حل المساء فالرعب يسود هذه الفيلا خاصة في الطابق السفلي والطابق العلوي .. أما الدور الأوسط فكانت غرف النوم موجودة فيه .. وكان هناك سلم يصل مباشرة للدور الأوسط عند دخول الفيلا ..

* فكان علي أن أقهر الرعب والخوف لأنني سأبيت في هذا المكان الكبير والضخم جدا لوحدي .. فالفيلا كانت مساحتها كمباني فقط حوالي 400 متر مربع خلاف حديقتها وفيها من الغرف كثيرا جدا جدا .. ولم تكن الفيلا ملكا خاص ولكن كمكان مؤجر .. !!

* وارتضيت بذلك .. وقررت قهر الخوف بداخلي بسبب تواجدي لوحدي في هذه الفيلا .. طالما سأقابل أصحابي .. وفي الصف الثالث الأعدادي وكان عمري ثلاثة عشر عاما .. وفي أجازة الصيف التي كنت أقضيها في المدينة القديمة بالكامل وتقريبا لوحدي وبمبلغ من المال كنت أدبر به نفسي ..

* قررت أن أموت الخوف في نفسي بالكامل حول هذا المكان الضخم الذي أسكنه في الصيف .. وقررت أن أدخل في ظلمات الطابق السفلي ووقت ما قبل الفجر .. وفعلا فعلت ذلك .. ولا أستطيع أن أصف لكم قدر الرعب الذي عايشته في هذه اللحظات .. لأني قررت أن أخوضه دون أن أضيء الأنوار .. واكتفيت بضوء خافت كانت يظهر من الدور الأوسط ويطل على الدور السفلي وكأني أسير في ضوء القمر ..

* وبعد أن أتممت مهمتي في الأسفل .. لا أستطيع أن أصف لكم قدر الانتصار الذي نزل بنفسي حين نجحت في كسر الخوف بداخلي ..

وسألت نفسي : لماذا كنت أخاف ؟ وممن كنت أخاف وأنا أعيش وحدي ؟

فقلت : هل من معرفتي بوجود عالم الجن والشياطين .. !!

ولكن قلت في نفسي .. وأي جن أو شيطان هذا يتجرأ ليقتحم منزلي ؟ .. فلأقاتل الخوف حتى ولو واجهت الشيطان نفسه ..

ولكن لن أعيش بالخوف كل يوم مهزوما انتظر شيئا ما قد يحدث ..!!

فمن أجل هذا قررت هزيمة الخوف وعالم الظلام في هذا الوقت .

* ولكن الطابق العلوي أخذ مني كثيرا من الوقت حتى أتخذ القرار لأقتحمه وبالرغم من كون الطابق العلوي به غرفتين فقط والباقي يمثل سطحا مكشوفا بمساحة الفيلا .. إلا أني كنت مدركا بوجود أمر روحاني فيه .. ولكن بعدها بأيام قررت أقتحام الطابق العلوي .. ثم وقف على السطح مكبرا ( الله أكبر) وجسدي كله يرتعش من ظلمات الليل التي كانت تحيط بي .. حتى جاء أذان الفجر .. فشعرت أن الخوف قد زال تماما .

* وكأني أصبحت سلطانا على هذا المكان .. ولا خوف بعد الآن . وكان عمري وقتها ثلاثة عشر عاما ..

***************************

..:: موقف عجيب ::..

كان كثيرا من أصحابي يأتون إلي الفيلا للعب معي .. وفي ذات يوم حدث أمر عجيب ..

* وجدنا قطة في حديقة الفيلا لونها أسود وهي من فصيلة الماو ( القط الفرعوني ) .. وأخذنا نجري ورائها ونطاردها .. حتى دخلت مبنى الفيلا .. فدخلنا ورائها حتى حاصرناها في دولاب بداخل الطابق السفلي للفيلا .. وكنت متقدم مسيرة المطاردة طبعا .. وحينما فتحت وهممت بطرد القطة من الداخل .. فوجدتها قد اختفت .. !!

لم أصدق عيني .. وقلت في نفسي أنها من عالم الجن ..

* وأصبح الأمر صعبا وشاقا علي في المبيت .. لأن عقلي أصبح منشغلا بهذا الأمر .. فالأصحاب سيذهبون لمنازلهم .. وسأظل وحدي في هذا المكان الضخم ..!! وماذا سيحدث بي إن خرجت هذه القطة الجنية وأنا وحدي .. ؟

* فقررت أن أنزل الطابق السفلي مرة أخري لقهر الخوف مرة أخرى .. ولأقطع الشك باليقين أنه لا يوجد أحد .. ولكن هذه المرة كنت كلما دخلت غرفة أضيء الأنوار فيها ..

وظل هذا الموضوع يشغلني لمدة شهر تقريبا وكأنه وسواس يلازمني فترة الليل .. حتى نجحت وتخطيت الأمر ..

* وحتى أظل محافظا على قهر الخوف في نفسي .. فقررت أن أطفيء أنوار الفيلا جميعها أثناء النوم . إلا ضوء خفيف كنت أتركه حتى إذا قمت من النوم يكون دليلا لي للوصول إلى دورة المياة ..!!

ما هذا القلب يا رب ..!!

* وكنت في المرحلة من سن العاشرة قد قطعت علاقتي تماما بأصحاب السوء لأنه لم يعد لها معنى في حياتي بعد ذلك .. وتبقى لي من أصحابي فقط من هم في مثل بيئتي الإجتماعية ..

***************************

..:: انكسار في النفس كبير .. بداية الأنطواء ::...

* في الفترة التي كنت أعيشها في الشتاء في المدينة الجديدة .. حيث أصبحت دراستي هناك .. فخلال هذه الشهور الدراسية .. كنت وحدي بلا أصحاب ولم أستطع تكوين علاقات من خلال مدرستي لأن الأمر كان صعبا جدا .. فقد انتقلت من مدارس خاصة .. إلى مدارس حكومية كان التعامل فيها بما تعجز الكلمات عن وصفه .. !!

* فظروف الأنطواء وظروف الدراسة وظروف المدينة التي لا أعرف فيها أحدا .. تسببت في وجود قهر للنفس على الإبتعاد عن الناس والأنطواء وأصبحت لي غرفة أغلق فيها الباب على نفسي .. بعد أن كنت رفيق الشارع باللعب ليلا ونهارا ..!!

حتى الفترة الصيفية التي كنت أذهب فيها إلى المدينة القديمة .. لم يكن الأمر فيها مثل السابق .. حتى أنني كنت أقابل أصحابي في الفيلا .. بدلا من الخروج .. وكأن النفس اعتادت الأنطواء ..!

* وفي ختام المرحلة الأعداية .. بدأت بتكوين صداقات أخيرا من خلال المدرسة .. ولازلت أعرفهم حتى الآن ..

**************************

..:: لطف إلهي .. وبداية الصلاة ::..

حدث أمر عجيب في ختام امتحانات المرحلة الاعدادية .. واخر يوم بالتحديد وكان يوم امتحان ما يسمى الان (بالدراسات الاجتماعية ) .. وقررت أن أنام قليلا في المساء وأنهض في الفجر واستمر بالمذاكرة حتى وقت الصباح الساعة التاسعة .. وهو قت الامتحان ..

* وقبل أن أنام جاءني شيء في خاطري وقال لي : اقرأ التعليمات المدونة على رقم الجلوس .. فاستغربت جدا من هذا الخاطر .. ولكن قرأت التعليمات .. وكان الذي لفت نظري في هذه  التعليمات أمر واحد وهو .. أن الطالب غير مسموح له أن يدخل لجنة الامتحان بعد مضي عشرة دقائق من بداية الوقت .. أي أنه لن يدخل بعد الساعة التاسعة وعشر دقائق ..!!

* ونمت في هذا الوقت بملابسي كاملة .. ولم أغيرها بملابس النوم ..!!

ثم قمت بضبط الساعة والمنبه على توقيت الثالثة فجرا .. ونمت .. وحدث أمرا غريبا ..

* رأيت في الرؤيا وكأن فارسا أتى بحَرْبَة (رُمح) كبير وغرسه في قلبي .. فقمت من النوم صارخا من شدة الألم .. فإذا بي أجد الشمس مشرقة .. ووالدتي في غرفة أخرى أسمعها تنظف المنزل .. وأصبت بحالة من التشويش اللحظي .. وأقول في نفسي هل انتهيت من الامتحانات .. ؟ واذا لم أكن انتهيت فلماذا لم تأتي أمي لتنهضني من النوم كما كان يحدث كل يوم ؟

وكانت الساعة وقتها الثامنة وخمسون دقيقة ..!!

** ثم أنتبهت إلى أنني لم أذهب إلى الأمتحان الأخير بعد ..

وتذكرت ما قراته قبل أن أنام وأنه لازال لدي وقت مدته قليلة لأذهب إلى مقر لجنة الإمتحان .. ولكن كيف والمسافة بعيدة جدا .. ؟

فقلت : أَذْهَب وأتوكل على الله .. والله يفعل ما يريد ..

* وأصبحت الساعة التاسعة إلا دقيقتين .. حينما نزلت من منزلي وبدأت رحلة الجري بملابسي التي كانت علي .. ووجدت شبشبا .. وانطلقت جريا .. ولم اتوقف لحظة عن الجري وكان مع كل نفس كنت أقول ( يا رب ) .. وكانت المسافة بعيدة .. فكنت أذهبها في الوقت العادي في أكثر من عشرون دقيقة مشيا متوسطا ..

* ولكن الله أراد لي أن أصل في الساعة التاسعة وثماني دقائق .. حتى وصلت للمدرسة .. وكاد قلبي يتوقف من كثرة الجري فلم اتوقف لحظة أثناء الجري ولم أتوقف أيضا لحظة عن قول ( يا رب ) .

* فأدخلوني .. وقاموا بتهدئتي .. وأخذت حوالي عشرة دقائق أخرى ليهدأ قلبي من النَّهَجَان والإضطراب الذي كان به .. ثم جائوني بورقة الإمتحان .. وكان قد مضى على الوقت أكثر من عشرون دقيقة .. والوقت المحدد كان ساعة ونصف ..

* وأكرمني الله وأنهيت الأمتحان في عشرون دقيقة .. وكان أمرا مذهلا أن أجد المعلومات باقية في رأسي .. وكأنها مطبوعة .. وأنهيت الإمتحان قبل جميع الحاضرين من قبلي .. وأثبت في درجة هذا الإمتحان 100% .. أليس أمرا عجيبا .!

* ومن مفارقات القدر .. أنه في نفس اليوم .. كان لنا صاحب قد قام من نومه في الثامنة صباحا .. وبدلا من أن يذهب إلى المدرسة .. فقال سأنام قليلا .. لمدة نصف ساعة أخرى .. حتى نهض في التاسعة والنصف .. وحينما جاء للمدرسة كان الوقت قد فات .. !!

* فسمعت صوتا وكأنه يهمس في نفسي ويقول : ..

هل أبصرت لماذا قرأت بالأمس التعليمات

وهل أبصرت لماذا نمت بملابسك

وهل أبصرت لماذا حجبنا عنك أمك لتظن أنك ذهبت للامتحان

وهل أبصرت من الذي جاءك وطعنك برمح في قلبك .. حتى يذهب عنك غفلة النوم بالكلية

وهل أبصرت أن من كان مدده ( يا رب) .. فلن تحجبه الأسباب ..

فهل علمت أن بقدر الدعاء بالأخلاص يكون الخلاص ..

وقليل من عبادي الشكور ..

** كانت بدايتي مع الصلاة .. بعد الامتحانات قلت يا رب لو نجحت في المرحلة الاعدادية .. سأصلي .. وفعلا قد نجحت وألتزمت بما عاهدت الله ..

******************************

                                  

..:: بداية المرحلة الثانوية ::..

                                  

في نهاية سن الثالثة عشر وحتى نهاية الرابعة عشر .. حدث أمر ما .. وهو أني تعرفت إلى فتاة من المدينة القديمة .. وكنا نراسل بعضنا البعض حينما كنت أذهب إلى المدينة الجديدة .. وكانت علاقة حب قوية .. (فترة مراهقة) ..

* ثم جاءت فترة وانقطعت عن مراسلتي لمدة شهر كامل .. وكان وقتها طريقة المراسلة بالخطابات بصورة أسبوعية .. وأحيانا كانت تتصل بي .. ثم انقطعت لمدة شهر كامل ..

* وقررت أن أنسى حتى لا يقهرني الحب .. وفعلا انشغلت بالعبادة في المسجد وكنت أذهب إلى الصلاة في المسجد وأؤذن للصلاة .. وهكذا .. حتى بعد مرور شهر .. رأيت رؤيا عجيبة ..

***************************

..:: الرؤيا المبشرة والآمرة والقاصمة ::..

فهي مبشرة .. لأن فيها رسول الله

وآمرة .. لأن رسول الله أمرني بالإبتعاد فيها من شخص ما

وقاصمة .. لأنها قصمت الحب في قلبي قصما  

* الرؤيا : ( وجدت نفسي ألعب بالكرة مع قردة سوداء جدا وهي تلعب معي .. وكنا في مدخل عقار كبير .. وأثناء لعبي مع هذه القردة .. وجدت حائطا ينشق في هذا المدخل ويخرج منه نورا قوي جدا جدا ووجدت يدا مقبوضة وأصبع السبابة يتجه إلي (وكأنه أمر).. وصوت يقول : يا خالد ( ابتعد عن هذه القردة السوداء .. أو ابتعد عن هذا الشيطان الأسود .. لا أذكر صراحة ) .. فقلت لما يا رسول الله .. )

.. ثم استيقظت من النوم ..

* فعلمت أن هذه الفتاة ستكلمني يقينا .. وسيكون لي معها قصة أخرى .. لأن الأمر لم ينتهي بعد ..

ولم يمضي سوى ساعات ووجدتها تتصل بي فعلا .. ولكن هذه المرة قد نزع الحب من قلبي انتزاعا .. ويقيني أنها لن يكون منها خيرا أبدا .. بعدما رأيت هذه الرؤيا ..

* وبقيت على اتصال بها فترة من الزمن قليلة .. ثم ما لبث الأمر إلا قليلا وانتهى في منتصف فترة الفصل الثاني الثانوي تقريبا ..

* و كان لهذا العصيان أثر سلبي في نفسيتي ظل ملازم لي حتى عهد قريب ..

***************************

..:: المرحلة الدينية ::..

 حينما تنقسم الى أربعة مراحل في حياتي .. طبعا سنتكلم عنهم باختصار ..

المرحلة الأولى : تحصيل العلم الشرعي

المرحلة الثانية : الشك في الدين .. وقراءة الأديان

المرحلة الثالثة : عقاب ورحمة

المرحلة الرابعة : تائه في الحياة لاختلاطي بالناس .

****************************

..:: المرحلة الأولى : تحصيل العلم الشرعي ::..

** ففي المرحلة الأولى .. تقريبا وقت أن كان عمري 14 عاما بدأت القراءة في الدين بصورة قوية وهذا كان وقت عزلتي عن الناس إلا قليلا .. حتى وصلت لعمر 16 عام .. كنت في هذه الفترة ألتهم المجلدات الكبيرة إلتهاما .. وكنت أنفق مالا كثيرا لأقوم بتحصيل العلم سواء من خلال الكتب المطبوعة أو المخطوطة .. حتى تطاولت نفسي على كل من وجدته يستعرض بعلمه أو يتعالى بما يقرأ ( وكان لهذا عقابا أليما فيما بعد ) .. وما أبريء نفسي فإنها أمارة بالسوء .

* وكان سبب قراءتي في الدين هو حبي للدين .. ولكن انحرف هذا الحب .. بانضمامي لجماعات دينية كثيرة في ذلك الوقت ( بداية التسعينات ) .. وكنت منبهرا بالذقن الطويلة و قراءتهم في الكتب .. وأمورا أخرى .. ( فكم كنت أعمى .. ولكن القدر أراد أن يعلمني ) !!

* والإختلاف الذي كان بيني وبين هذه الجماعات .. هو أنهم كانوا يقرأون لمشايخهم وكأنهم يتعبدون بكلامهم بل وينكرون ما يخالفهم . وكنت أبغض ذلك بغضا شديدا .. خاصة حينما يتكلمون بالسوء على علماء الأزهر .. ولا أنسى أن واحد من هذه الجماعة تطاول وقال أن الشيخ الشعراوي يفسر القرآن خطأ وتكلم عليه بغل وحقد غريب .. !!

* ويحسنون الخطابة وسرعة البديهة وقوة الحفظ .. ومع ذلك لا يعقلون ما يحفظون وكأنهم تشبهوا بحال اليهود .. وكلما تسأل شيخهم عن شيء لا يوافق عليه العقل ولا يطمئن له القلب .. يقول لك : اتق الله يا أخي ولا تسأل عن هذا .. !!

وبعد فترة بدأت أنظر لهذه الجماعة .. بأنهم المنفرين في الدين والذين يحبون المحافظة على السلطة الدينية والشكل الديني  .. اما عن العلم فإما أن تتبعهم وتكون مثلهم وإلا فأنت قد ضللت الطريق وسلكت غير سبيل المسلمين  ..

* ودفعني هذا لمزيد من البحث عن الحكمة الدينية والرغبة عن إجابات عن أسئلتي .. ثم توسعت في المعرفة حتى طالت .. الإنجيل والتوراة ( كان ذلك في مرحلة الشك ) .. والقراءة في المذاهب الأربعة الإسلامية وقليلا في الشيعة .. وقليلا في الثلاث مذاهب المسيحية .. وقليلا من الديانات الهندية ( في مرحلة الشك ) .. مع بعض الكتب الروحانية سواء شيطانية أو غير شيطانية .. وحتى عبادة الشيطان لم أتركها في القراءة .. !!

*****************************

..:: الخروج من الوهم ::..

** ولا أنكر أنني في مرحلة تحصيل العلم الشرعي .. لم يكن هدف القراءة في هذا الوقت .. هو هدف ديني .. بقدر الرغبة في الظهور بمظهر من يعلم .. خاصة وأن المجتمع الديني الخاص بالجماعة التي كنت أجالسها هذا كان ظاهر حالهم ..!! ولكن هذا لا يبرر الخلل النفسي الذي أصابني من ارتباطي بهذه الجماعات التي تزعم أنها جماعات دينية .. بل ويتجراون ويصفون أنفسهم بانهم جماعة سلفية .. !!

- لقد رأيت في نفوس هذه الجماعات أمورا عجيبه منها منفرة .. منها الإستعلاء في نفوسهم على غير من ينتمي إليهم .. وكأني أشم نفوسهم يخرج منها مثل رائحة كريهة .. وأسلوب التكفير واللعن والزجر الديني هو سياستهم للسيطرة على الناس من حولهم ..!!

* فأردت أن أكشفهم أمام نفسي بأسئلة لم يكن يجروء أحدا أن يسألها وكلها في العقيدة وخاصة القدر .. فكانت أجابتهم تبدأ هكذا: تغليط في ملامح الوجه وعبوس ونظرات احتقار .. ثم .. اتق الله . فهذا انحراف .. وقد يؤدي بك إلى الكفر .. يا أخ خالد !!

* حتى كره الأخ خالد اليوم الذي قرأ فيه في الدين .. !! .. فماذا كنت أتوقع أن أجد من مثل هذه القلوب ؟.. ( فأي جحيم ألقيت به نفسي .. وأي لعنة نزلت بي حتى صاحبت هؤلاء ..!! )

* ولاحظت في بعضهم عللا غريبة .. وهي حب المال حبا جما مع البخل الشديد ، وحب الجنس وكثرة الزواج مع البخل في الأنفاق ، والاهتمام بظاهر الدين ، والاهتمام بشدة بقول ( يا شيخ ) .. ويقيسون تدين الإنسان بقدر طول ذقنه أو تقصير جلبابه .. طبعا مع الاهتمام بقولهم الدائم في كل أحاديثهم ( أنا أنا أنا أنا أنا ) ..

وأن كلام وفتاوى أهل نجد (السعودية) هم الصدِّيقون في الأرض لأن الكعبة عندهم ..!! وما عداهم فهم أهل الباطل .. ومن لا ينتمي إليهم من مشايخ الأزهر والشام والعراق .. هم مشايخ مرتشون من أتباع الحكام العرب ..!!

* وأما عن استغلال مظاهرهم الدينية في التجارة وحب النكاح  وتطليق البعض ونكاح غيرهن وهكذا ..، واستعبادهم للنساء ونظرتهم دائما لهن على أنهم من الفئة البشرية الثانية التي لا ترتقي لهم لكونهم ذكور فهم لهم الأفضلية عليهن .. بل أن البعض ينظر لهن بأنها لا تعقل شيئا .. وكأنها بهيمة .. ونسى أن أمه منهن ..!!

* أما عن حديث ( لو أمرت أن يسجد أحدا لأحدا .. لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) .. فَحدَّث ولا حَرَج .. فهو كرباج النساء عند هؤلاء القوم .. 

- هذه النفوس ارتضت أن تعبد نفسها وشهواتها وتستعبد غيرها .. تحت مظلة الدين .. وبخاصة يفعلون هذا مع النساء ..!!

* هذه فترة قصيرة عشتها مع هذه الجماعة .. وتعلمت منها جيدا .. أن لا أثق في أحد يتكلم في الدين .. حتى ولو أقسم أنه على الحق .. !!

- وقررت أن أطبق معهم نظريتي الخاصة وهي (نظرية (3*4) بودعك آخر وداع) .. وهي نظرية ابتدعتها في الفراق بيني وبين أي أحد لا أريد الرجوع إليه .. فالثلاثة أقصد بها طلاق بالثلاثة .. والأربعة أقصد بها أربعة تكبيرات عليهم كأنهم موتى .. 

***************************

::.. وبعد التحرر من هذه الجماعات الدينية ..::

وبعد مضي عامين تقريبا .. مع الجماعات الدينية سن 14-16.. حاولت أمساك لساني عن الكلام في العلم تماما وكأنني جاهل تماما .. وكرهت نفسي وكرهت العلم الذي أوصلني لما أصبحت عليه .. زكرهت أن يقال لي ( يا شيخ ) .. فقد أصبت بنرجسية وعُجب في النفس .. لم أعد أطيقه !!

* حتى تطاولت علي نفسي يوما على أحد أصدقائي وكان يتكلم في الدين .. فأخطأ .. فانتهزت الفرصة وقمت بالإنقضاض عليه بالكلام واتهمته بأنه جاهل ولا يعرف شيئا وأن الصح هو كذا وكذا .. !!

* ثم احتقرت نفسي بعد هذه الواقعة .. فبعد أن اعتذرت لصديقي عن الأسلوب القبيح الذي تعاملت به معه أمام الناس .. فقد وجدت نارا تحرقني بداخلي وكرها لنفسي لا أطيقه ولا أحتمله .. وكانت بداية النهاية لهذه المرحلة الساقطة من حياتي .

.. وكان قهر النفس في هذه المرحلة أمرا صعبا جدا خاصة وأنه جاء في مرحلة الشك ..

*******************************

..:: مرحلة الشك ::..

ونظرا لعدم الإجابة على أسئلتي سواء من المشايخ أو من خلال الكتب والمراجع المتوفره حينئذ .. حول القضاء والقدر والشيطان والإنسان وبعض الامور العقائدية .. فكان مرحلة الشك .. لعدم الإجابة على الأسئلة .. والرد المستفز دائما بقولهم : هيه كده أو افهمها كده !!

* وأصبح العقل حائرا .. فكيف يقال لكتاب الله .. افهمها كده أو هيه كده .. أو أن مجرد السؤال يكون سببا لتكفيرك أو للعنك .. فما هذا الدين ؟

أضف إلى هذا أن النفس محترقه بلهيب العلم وخلل النرجسية الذي أصابها من خلال ارتباطها بالجماعات الدينية ..

فكانت هذه أسباب كفيلة للإلحاد .. ولكن الله سلم .. لأنه يعلم بصدق نيتي في الأصل ..

* فجاء عاما من الشك في الدين في سن 16-17.. لأنني سألت نفسي لماذا ديني هو الحق .. ولماذا ليس المسيحية أو اليهودية .. ولماذا محمد صلى الله عليه وسلم هو الأفضل .. وكان عقلي في هذه المرحلة يتمزق من كثرة الفكر .. مسيحي ويهودي وبوذي وهندوسي .. ومسلم سني وشيعي وما يصاحب ذلك .. فكدت أن أجن .. !!

*************************

..:: الانتقال من سيء إلى أسوء ::..

فكنت أقرأ في البدايات لمشايخ مسلمين يكتبون في الديانات الأخرى .. ولكني قلت لنفسي : وما فائدة ذلك .. فإنهم سيطعنون في الأديان الأخرى .. وهذا أمر بديهي .. !!

* فقررت أن أذهب إلى المكتبات المسيحية لأشتري الكتب من عندهم .. من المنبع مباشرة .. وقرأت وقرأت وقرأت .. وكما توقعت فرق بين ما تقرأه لصاحب النص وبين من ينقل عنه ..!! فالتحيز يدفع دائما إلى تدخل الأهواء ..

* وكنت عهدت على نفسي خلال هذا العام أن أكون إبراهيميا موحدا .. حتى يتبين لي الحق ..

ولا أطيل عليكم .. فقد كان الأمر قد اشتد علي جدا .. وفعلا أردت الخروج من هذه الدوامة ..

* ذات يوما جلست مناجيا وقلت : يارب اهدني لليقين .. وأحسب أنني دعوت بالدعاء الإبراهيمي فقلت ( لأن لم تهدني لأكونن من الضالين ) ؟

* فسمعت بداخلي من يقول :

( إذا أحببت أن تنصف في الفصل .. فتأمل الآتي :

أن كل رسالة سماوية .. لها ثلاث دلالات عليها ..

1- الراسل (الله)

2- الرسول (الأنبياء)

3- موضوع الرسالة (الكتاب المقدس)

* فانظر إلى ما يقال في كل دين عن هؤلاء الثلاثة .. وستعلم اليقين ..)

وبعد أن انتهي الخاطر من داخلي .. ضحكت وقلت آمنت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا ..

لأمور يطول شرحها طبعا كنت فهمت مضمون الخاطر ولم يكن الأمر يحتاج إلى دراسة لأن المواضيع قد قتلت بحثا آنذاك ..

وكان هذا المنهج كافيا للحسم في قضية الشك ..

******************************

..:: بداية النهاية للفترة الماضية ::..

* نسيت أن أقول لكم أن مرحلة الشك كانت في مرحلة الثانوية العامة التي تؤهلك لدخول الجامعة .. !!

ولك أن تعلم أن مذاكرة الثانوية العامة كانت في آخر شهر فقط .. وكان العلم يجمع في عقلي جمعا بطريقة لا تنسي ولا أعرف كيف ..

* عموما بعد أن نجحت في الثانوية وأكرمني الله بمجموع يؤهلني بدخول أي جامعة وفق التصنيف ( شعبة أدبي ) .. وكان حلمي هو دخول الأزهر .. ولم أصدق أن بمجموعي أستطيع دخول فعلا جامعة الأزهر .. وفرحت جدا .. 

ولكن القدر كان له كلاما آخر ..

***************************

..:: غلا وقبضا وضيقا وصمتا وتسليما ::..

* فلم يوافق أبي رحمه الله على الإلتحاق بالأزهر وساندته أسرتي جميعا .. في هذا الرفض .. وأصر أن ادخل كلية تجارة .. ولا أدري ما هو كان المنطق وقتها .. ولكن رضخت لرغبة أهلي .. وكان في هذه اللحظة الإعتزال بصفة شبه كاملة لكل نواحي الحياة .. 

* وشعرت بغضب في قلبي ونارا تحرق رأسي .. من شدة الغل الذي أصابني .. وكاني أريد أن أقتل الجميع .. ولكن لم أنطق بكلمة .. فكل ما توفقت عنده هو أمرين :

الفضل .. والرغبة ..

ففضل أبواي كان دائما علي .. فلماذا لا أستجيب لرغبتهم

والرغبة النفسية عندي في تحقيق حلم الإلتحاق بالأزهر

* وترتب على ذلك حسم الأمر لصالح والداي .. وحتى لا أحتك بالكلام مع أحدا .. دخلت حجرتي وأتيت بقفل وأغلقت علي الباب لأول مرة بالقفل .. وألتزمت الصمت .. وجلست ليالا طويلة أجلس مربعا ومواجها الحائط كالذي يمارس اليوجا .. وتارة أخرى كنت أضرب رأسي في الأرض لأني أشعر بالغل يظهر في صدري ويؤلمني في رأسي .. وظللت على هذا الأمر عاما كاملا .. ورسبت في العام الأول في الجامعة لأني لم أذهب إلى الجامعة هذا العام .. ومن كثرة ما كتمت بداخلي تولد قبضا وضيقا ..  وحسبت أني انكسرت وخسرت كل شيء ..

* وكلما زاد الأمر ضيقا وغلا وغضبا .. زدت قهرا لنفسي بقوة الصمت والتفويض .. حتى لا تظهر غضبها وغلها أبدا على والداي .. 

فسبحان من يحسن التدبير ..

* وظللت أواجه نفسي بالتحرر من الاعجاب بكلمة ( يا شيخ ) .. ومن العلم الفاسد ، ومن العجب والكبر والرياء والاستعلاء .. وكافة الامراض التي أصابتني منذ وقت التعرف على هذه المخلوقات المنتسبة للدين .. إلا من رحم ربي .

* وقد ترتب على قهر النفس فتحا كريما .. على هذه المواجهات النفسية .. والألم النفسي الذي عشته من خلال ارتباطي بكلية التجارة .. والغل الذي كان يخرج من صدري ليحرق عقلي .. ثم احساسي بالضيق والقهر بأني سأرسب في الكلية .. وأن أصدقائي سيتقدمون علي .. وكأن القدر كان يفرض الوحده والتجريد من كل شيء .. لأمر ما كنت أجهله ..

* ولكن صدقا .. أحببت أن أقهر القهر .. الذي أصابني وكان سلاحي الصمت والتفويض هما أدوات القهر .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. وكان عمري وقتئذ قبل سن الثامنة عشر بقليل .. 

فأمدني الله بجلال أقوي من الجلال الذي نزل به علي .. وكان أمر الله قدرا مقدورا .. وإن مع العسر يسرا .

*************************

..:: وإلى لقاء آخر إن كان في العمر بقية ::..

* أردت سرد هذه الأحداث عسى أن ينتفع بها أحدا .. أو تكون له دليلا في شيئا ما .. ولذلك دائما ما أقول لكم .. أنتم جميعا أفضل مني عند الله .. ولا أراني إلا خادما لكم يقينا .. لعلي أريد أن أذلل لكم العلم الذي حرمت منه في فترة ما في حياتي .. أو لعلي أساعد أحدا قد واجهة أحدا من جماعة تتستر بعباءة الدين وقد انكشف له حالها .. !!
أو لعل أحد يفهم من خلال تجربتي أن الدين مجاهدة ومحبة وليس بحثا عن كرامات وأنوار وكأنك تعبد الله على حرف .. !!

* لذلك لا أريد لأحد منكم أن يتوه أبدا .. ولا أن يشك أبدا .. فالأمر ليس بالسهولة التي تتصورها ..

وحتى التعامل مع الأمور الربانية فيما بعد لم يكن أمرا سهلا ..

ولكن الامر الوحيد الذي تثق فيه جيدا .. أن من يقل (يا رب) بإخلاص .. فإن الوجود كله يأتيه بالخلاص .

تحياتي لكم 

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه المقالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أى موضوع من مواضيعة إلا بإذن من صاحب المدونة - ا/ خالد ابوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .