الطهارة بين فقه العبارة وفقة الإشارة .. ظاهرا وباطنا .. وعلاقة الطهارة بالذكر و الرياضة الروحية والعطاء الرباني والإلهي .. من هم العارفون بالله - المدخل لفقه العارفين

بسم الله الرحمن الرحيم

..:: الجزء الأول ::..

مقدمة ومدخل إلى فقه الطهارة عند العارفين

الطهارة بين فقه العبارة وفقة الإشارة .. ظاهرا وباطنا .. وعلاقة الطهارة بالذكر و الرياضة الروحية والعطاء الرباني والإلهي .. مدخلا لفقه العارفين

- سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. أهلا بكم ساداتي .. في مقال جديد خاص بفقه العارفين .. يعتبر مقدمة ومدخلا لفهم الطهارة .. وهو يعتبر الأساس للسائر أو السالك في طريق الله .. وبدون هذا الأساس .. فلن ينصلح لك الحال أبدا .. ولن يحدث لك إرتقاءات إيمانية بأي حال من الأحوال ..

- ونقصد بالأساس هو الطهارة الجامعة بين فقه الظاهر والباطن كما ستعلم ..

- إن الطهارة فى الدين الإسلامى تمثل الباب الأعظم للدخول إلى معية الخالق عز وجل .. وإذا نظرنا إليها بعمق سنجد أنها ليست طهارة جسمية فحسب بل أنها طهارة قلبية وروحية سامية .. للوقوف بين يدي رب العالمين طاهرا .. وتلقاه في الآخرة مطهرا .. ومن المقربين إن شاء الله تعالى ..

** انتبه لأمر هام .. حينما نقول:

1- فقه العبارة : فنقصد به فقه الظاهر ..

2- وحينما نقول فقه الباطن : فنقصد به فقه تزكية القلوب ..

3- وحينما نقول فقه الإشارة : فنقصد به الحكمة المستنبطة ممن أكرمه الله بالعمل مع الله ظاهرا وباطنا .. حتى أورثه الله علم مالم يعلم ..

** المقال طويل .. فاقرأه على عدة أيام .. أو بتمهل .. حتى تستوعب .. وأعلم أنه ثقيلا قليلا لوجود مداخلات فقهية شرعية .. وقد حاولت أخففها لكم قدر المستطاع .. خاصة وأننا في المقدمة .. وشئنا أم أبينا فطهارة الظاهر سيبنى عليها فقه العارفين كما كان حالنا في فقه الصيام عن العارفين إن كنتم تذكرون هذه المقالات .. 

وتذكر أن طهارة الظاهر وطهارة الباطن أنت مسئولا عنهما أمام الله .. 

نبدأ بسم الله .. 

******************************

.:: من هم العارفون بالله ؟ ::..

- لا تنسى أخي الحبيب .. أن معنى كلمة العارفين .. هو كل من تذوق المعاني القلبية الجميلة من نصوص الشريعة .. وهي معاني يتذوقها القلب ويحسها ويشعر بها .. وتكون كمعنى إضافي لما يحمله اللفظ من معاني ظاهرة .. 

- فالعارفون بالله .. كلمة ليست حكرا على طائفة أو مذهب بعينه .. بل هي خاصة بكل من تذوق معاني الإيمان وصلح قلبه مع الله .. وظهر ذلك من خلال إشاراته أو تذوقاته لفهم النصوص الشرعية .

*******************************

..:: حال العلماء في كتابتهم الفقهية ::..

- هناك من غلب على كلامه وكتاباته الوقوف مع النص الشرعي .. وهناك من غلب عليه الكتابة في أمراض القلوب وطهارتها وكيفية ذلك .. ولكن كلهم من رسول الله ملتمس من سنته النبوية الشريفة  .. وكل من يخالف فهو مردود عليه ..

** فقوم تفننوا فى تصنيف الفقه الحسى المدرك للحواس والمعروف للعامه .. والكتب التى اهتمت بالجانب الحسى للفقه اهتمت بالقواعد الاصوليه والعقلية الحاكمة لاستنباط الأحكام الشرعية ولقمع الأهواء من أن تعبث بالشريعة ..

** وقوم تخصصوا فى الاشارة القلبية والروحية لهذا الفقه الحسى ..

وتصانيف هؤلاء لم تظهر إلا بعد رسوخ قواعد الفقة الحسى وتدوينها .. حتى تكون القواعد الاصولية حاكمة على اى خواطر واشارات قلبية قد تكون مخالفة للشريعه ..

- والفقه الاشارى هو فهم ذوقي في القلب زائد على المعنى المتبادر الى الذهن .. لانه ليس فهما عقليا فحسب ولكن قلبيا ايضا ..

* فحينما نتكلم عن أهل العرفان .. فنقصد بذلك أهل الإشارة .. أي من تذوق بقلبه معاني إضافية تشير إلى استنباط معنى قلبي من خلال اللفظ الشرعي ..

* ولكن لا تنسى أن العارفين هم علماء شريعة أو من جالسوا علماء الشريعة حتى وإن لم يرتقوا لمرتبة العالم بالشريعة .. فالجميع يجمعهم وصف إنسان مؤمن محب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

- فالتذوق القلبي لجميع الخلق . شرط تواجد طهارة قلبية مع علم شرعي مكتسب ..

* واعلم أن الإشارة القلبية لا تتعارض مع ظاهر النص أبدا .. بل تكون كمعنى تتذوقه القلوب من ظاهر النص الشرعي .. وإذا تعارضت الإشارة القلبية مع ظاهر النص المفهوم لغة .. فاعلم إنها إشارة باطلة ووسوسة ..

* بخصوص مقياس صحة الكشف عن العارفين: 

- يروى عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي .. أنه قال: أنه يكشف له عن أمور .. فلا يقبلها إلا بشاهدي عدل (الكتاب والسنة) أو أحدهما .. 

******************************

..:: الإشارات القلبية .. وعلاقتها بالبصيرة والحكمة ::..

* الإشارة القلبية : هى نوع من البصيرة والحكمة  .. تدل على فهم زائد على المعنى اللفظى للكلمة المراده .. ولكن لا نقول أنه المعنى المراد فقط .. ولكن المعنى الإشاري يأتي بعد المعني اللفظي .. وليس العكس ..

- والفهم الإشارى لا تبنى عليه أحكام فقهية من حرام أو حلال أو مكروه ..

* والفهم الإشارى : هو نتاج حكمة وبصيرة صادرة من ذو قلب سليم .. للفظ العربي المستخدم فى النص .. وفقه العبارة (الظاهر) هو فهم للفظ العربى كما هو معروف ومدون فى كتب اللغة .

* ولنضرب لذلك مثلا من كتاب الله تعالى ( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) المائدة6

- فلفظ الجنابة هنا يشير ظاهرا الى .. الحدث الاكبر الذى يتطلب الغسل

- ولفظ الجنابة يشير باطنا الى .. من كان فى غفلة عن الحق و بعيدا عن طريق الله عز وجل .. فمن كان صفته كذلك (الغفلة) كان أحق بالطهارة القلبية من باب أولى ..

** مثال آخر .. قوله عز وجل (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) الإنسان21

- لفظ الشراب الطهور يشير ظاهرا الى الشراب المادى .. و أن المشروب طاهر فى ذاته مطهر لغيره

- ولفظ الشراب الطهور يشير باطنا .. الى الشراب العرفانى و المعرفة الربانية اللدنية التى تطهر الانسان فى باطنه او المسماه بالحقيقة .. كما ستعرف بعد قليل ..

- وكلمة (سقاهم) .. تدل على أنها من الله خالصة لعباده .. أى أنها يجب ان تكون طاهرة و مطهرة ..

***************************

..:: س: هل الإشارة الفقهية .. علم يدرس ؟ ::..

- الإشارة ليست علم يدرس .. و إنما هى نفحات ربانية تورث .. من الله للعبد المطيع العامل بالكتاب والسنة .. ذو قلب سليم .. لأنها واردات إلهية إلى القلوب من حضرة علام الغيوب .. 

- وتختلف الأذواق الإشارية باختلاف مقام العبد عند الله .. ولذلك لم يُعتمد عليها في حكم شرعي .. ولكن هذه الإشارات تذكر لتضيف روحا لأصحاب القلوب .. ولتكون سببا لمزيد من التزكية للعبد ليصل إلى ما وصل إليه هؤلاء .. ولكنها ليست يُبنى عليها حكم شرعي أبدا ..

********************************

..:: الإشارة وعلوم الدين ::..

- قد يعتقد كثيرين حتى ممن يقرأون في التصوف أن العارفين اقتصر حالهم فقط في الإشارة الفقهية للقرآن أو الحديث .. وهذا خطأ .. فالعارفون قد دونوا من إشاراتهم القلبية في السيرة النبوية والعقيدة واللغة العربية .. وإن كان نادرا من قاموا بالتدوين .. لأن منهم كانوا العلماء الشرعيين الصوفيين .. مثل أبي حامد الغزالي وعبد القادر الجيلاني وأبو القاسم القشيري .. وغيرهم كثيرين .. ممن لم يختلف على تصوفهم أحد من علماء المسلمين ..

** والعارف ينظر للوجود على أنه رسائل إلهية على المرء أن يفهمها .. فلكل ظاهر عندهم دائما ما تكون حقيقة أخرى منتظرة لأصحاب القلوب .. يظهرها لهم الله كلما استقرت قلوبهم في معية مولاهم .

** فمثلا في اللغة العربية .. ولها إشارات جليلة وعالية جدا فيما يتعلق بعلم النحو .. فللعارفين في هذا العلم مشارب رائعة .. فكل علم يتعلمونه فهم يبصرون فيه رسائل الله ..

- فمثلا :

- تجد فى اللغة العربية علامات للإعراب وهى الفتحة والضمة والكسرة والسكون

- والإشارة في هذه العلامات يشير الى .. مثلا ما قاله الإمام العارف بالله أبى حامد الغزالى فى كتابه منهاج العارفين .. حيث قال رحمه الله:

- (و إعراب القلوب على أربعة أنواع : رفع ، و فتح ، و خفض ، و وقف .

- فرفع القلب : في ذكر الله

- فتح القلب : في الرضاء عن الله تعالى

- خفض القلب : في الاشتغال بغير الله تعالى

- وقف القلب : في الغفلة عن الله تعالى .

- فعلامة الرفع ثلاثة أشياء : وجود الموافقة ، و فقد المخالفة ، و دوام الشوق .

- علامة الفتح ثلاثة أشياء : التوكل ، و الصدق ، و اليقين ، و - علامة الخفض ثلاثة أشياء : العجب ، و الرياء ، و الحرص و هو مرعاة الدنيا

- علامة الوقف ثلاثة أشياء : زوال حلاوة الطاعة ، و عدم مرارة المعصية ، و التباس الحلال  )

* فهذا هو تذوق الإمام أبي حامد لعلم النحو . وهناك الإمام القشيري له تذوقات أخرى ، وغيرهم ..

**************************

..:: لماذا اختفت المعرفة الذوقية والحكمة المكتوبة في كتب أهل الله ؟ ::.. 

- الحكمة والمعرفة والإشارات القلبية في دين المسلمين .. هو تراث ديني جميل قد اختفى وذلك لأسباب :

1- غياب فقه الإشارة والحكمة الفقهية (فقه الباطن) .. من ألسنة بعض الفقهاء ودعوتهم .. فما بالكم بالعوام !!

2- ولإحجام العلماء الآخرين عن الكلام أو الكتابة في هذه الإشارات حتى لا يشذ عن عموم الفقهاء ..!!

3- خوف بعض العلماء ممن قد يعتقده البعض فيه من حيث كونه  يكتب في المعرفة ليقال عنه عارفا بالله .. وتبدأ الإتهامات ..  

4- بعض الطوائف التكفيرية التي لها تحكم سياسي .. ظهر لها رغبة قوية في طمس علوم القلوب وإظهار الدين بمظهر الشدة والقسوة وأن الله شديد العقاب وسيحرقهم بالنار.. ويعملون على تقديس مشايخهم وكأن الله أنزل عليهم الوحي ..!!

- ويدفعون في ذلك أموالا لا حصر لها في طمس معالم المعرفة والحكمة الذوقية القلبية .. وكل من يتكلم بقلب صوفي أو يشير إلى إشارة قلبية أو حكمة معرفية .. فهو إما كافر أو قبوري أو ملعون أو فاسق أو بدعي أو ظالم لنفسه على أحسن ظن .. !!

- وحسابهم عند ربهم هو المجازي لهم ..!!

* نسأل الله العلي العظيم أن يُنعم .. ويَتفضل بمدد كرمه وجوده في إحياء ما طمسته هذه الأيادي الدينية .. حتى يرى المسلمين أروع ما كتبه المسلمين على الإطلاق في دينهم .. وكأنهم لم يقرأوا في الفقه الإسلامي من قبل ..

- صدقوني .. بغير الحكمة والمعرفة الذوقية فلا روح في الدين ..  وإن شاء الله .. ستقرأون كلاما هو حقيقة من روائع قلوب فقهاء وعلماء وحكماء المسلمين على مر العصور .. إن شاء الله تعالى .

*****************************

..:: الفقه الإسلامي بين الظاهر والباطن وفقه الإشارة القلبية ::..

:: ماذا نقصد بفقه الظاهر ؟ ::

- هو الجزء الخاص بعلاقة الإنسان بربة ( فقه العبادات) من حيث كيفية أداء العبادات ظاهرا كما فعلها صلى الله عليه وسلم .. ، وعلاقة الإنسان بالمجتمع (فقه المعاملات).

:: وماذا نقصد بفقه الباطن ؟ ::

- هو فقه صلاح القلوب الواجب تحصيله مع فقه الظاهر .. لأنه بدونه تنقص صلاة الإنسان كثيرا ولا يستطيع أن يتذوق معاني العبادات مع الله لوجود حجاب الغفلة والذنوب التي طغت عليه .. 

 :: وماذا نقصد بفقه الإشارات ؟ ::

- هو فقه تذوقي لمعاني النصوص الشرعية .. تأتي في صورة خواطر مرتبطة بفهم النص الشرعي .. وتظهر آثار هذا الفقه بعد الجمع بين طهارة الظاهر والباطن .. ولكن على سبيل الإشارة وليس على سبيل الحكم الشرعي .. مجرد إشارات ذوقية قلبية .. ولكنها لا تتعارض مع ظاهر مفهوم اللفظ .. بل تبنى على ظاهر مفهوم اللفظ ..

********************************

..:: ما الدليل على وجوب تحصيل فقه تزكية الباطن (القلوب) ؟ ::..

- يقول تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الأعراف33

- ولذلك يقول تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) الأعلى14.. أي قد فاز من طهر نفسه من الشرك والكفر والمعاصي والصفات المذمومة الساكنة فيها حتى يأتي الله بقلب سليم .

* إذن هناك فواحش باطنية وهى الصفات الباطنية فى القلب كالكبر والرياء والنفاق .. ، .. (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الأعراف96  .. والايمان والتقوى من أعمال القلوب .

** ما أريد قوله .. أن أعمال القلوب هي محل نظر الله وعليها القبول وعدم قبول الأعمال .. ويجب أن تصلح ظاهرك وباطنك .. حتى تصح إشارتك ويقينك وإيمانك ..

****************************

..:: ما سبب الإهتمام بفقه الظاهر دون جمعه بفقه الإشارة ؟ ::..

- الفقه الإسلامي يسير بين جنبات ظاهر الإنسان وباطنة .. ولكن هناك سبب أحجم علماء الظاهر من أن يجمعوا فقه الإشارة مع فقه العبارة (الظاهر) ..

** فحينما تشتري كتابا فقهيا .. فلن تجده يتكلم إلا من حيث الظاهر فقط .. لأن هذا هو الذي له حكم شرعي بظاهر النص ويخدم ظاهر حال العبد مع الله ويخدم معاملات الأفراد بعضهم ببعض ..

** وأما فقه الإشارة .. فلا يبنى عليه حكم شرعي .. فلذلك لا يتم ذكره في كتب الفقه العامة .. وحتى لا يختلط على ذهن العامة أن هذا فقه الحلال والحرام ، وحتى لا يفتح الباب على مصرعيه لكل إنسان ويقول أنه جاءت لدى خواطر تقول أن هذا حلال وذاك حرام .. وهكذا حتى منعت كتب الفقة الشرعي .. إدراج إشارات أهل المعرفة .. لأن الحكم الشرعي هو المقصود الأول من النص .. 

- وإن كانت لا تخلو بعض كتب الفقه المذهبي من بعض الإشارات أو الحكم .. خاصة لأصحاب المذهب الحنفي لأنهم يميلون للجانب العقلي في فهم النص الشرعي ..، ويتفكرون في مقاصد العبادة ولا يحبسون أنفسهم في ظاهر اللفظ .. فالعبرة ليست بالألفاظ والمباني وإنما بالمقاصد والمعاني .

* ولذلك جعل الفقهاء العلم المتعلق بعلاج وطهارة القلوب .. علم مستقل بنفسه .. وأطلقوا عليها اسم (علم السلوك والتزكية أو التصوف الإسلامي) .. للتمييز بين ما تستقيم به الأبدان في العبادة (فقه الظاهر) .. وبين ما تستقيم به القلوب في العبادة (فقه الباطن) ..

 * عموما .. نظرا لأن الفقه اعتزل الإشارات القلبية .. وإن كنت أرى أن له الحق في ذلك .. ولكن ترتب على ذلك فقد التذوق القلبي والحكمة التي يشير إليها النص الشرعي .. وظل الأمر هكذا حتى أصبح النص الشرعي جسدا بلا روح .. وأصبحنا نتعامل مع قوالب شرعية وتفسيرات جامدة .. لا تشبع قلب الإنسان المؤمن ..

* فقد أصبحنا نتعبد بحركات لا معنى لها وبنصوص وكأنها لا روح فيها .. فسقط منا الإحساس بمعاني الإيمان في غالب الوقت ..!!

* حتى وصل الأمر بنا .. إذا استفسرت عن حكمة شرعية أو ما وجه الحكمة في قول النبي كذا أوكذا .. يقال لك : هيه كده .. ولا تسأل أكثر من ذلك فهذا من وسوسة الشيطان ..!!!!!

# ثم تجد المشايخ يتعجبون ويتسائلون قائلين: لماذا ابتعد الناس عن الدين ..؟!!

- ما هذا السؤال العجيب منهم ..؟ 

- وماذا يتوقعون إذا كان كل سؤال عن الحكمة والمعرفة عن الحكم الشرعي أو تفسير آية .. يقال لهم: هيه كده ؟!!

*******************************

..:: لماذا الطهارة ؟ ::..

- الطهارة هي مظهر الظاهر والباطن  للإنسان .. ولا يرتقي الإنسان بإيمانه إلا بقدر طهارته .. ظاهرا وباطنا .. لأنه يترتب عليها القبول الرباني للعبد والسماح له بالوقوف بين يديه سبحانه .. ومجالسة المولى والبقاء في معيته .

- وكلها ارتقيت في طهارتك الباطنية مع الله .. كلما صح إسراءك إلى الله أي صح سيرك إلى الله .. وصح معراج إلى الله أي صح ارتقاءك القلبي والروحي بمشاهدة الحقائق لأنك ترى بعين قلبك .. .. بما لا يسمح للوهم ولا الخيال ولا الشيطان أن يتلاعب بك ..

- وبقدر طهارتك .. ستكون كرامتك ..!!

*******************************

..:: ولكن أي كرامة ربانية تلك التي نتكلم عنها .. ؟ ::..

- نتكلم عن كرامة المقربين .. وهي المكوث بمظهر العبودية الصادقة بين يدي رب العالمين .. فتظهر عليك كرامة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة5 .. ويا لها من كرامة إن كنتم تتدبرون كلام الله ..!!

- فإذا أكرمك الله بالعبودية له سبحانه .. وحجب عنك غيره .. فقد طهرك فعلا من الغيرية .. التي هي كل موجود سوى الله ..

****************************

:: الفصل الثاني ::

****************************

..:: أقسام الطهارة عند العلماء ::..

* أقسام الطهارة:

# تنقسم الطهارة إلى قسمين:

1- طهارة الظاهر: وتكون بالوضوء أو الغسل بالماء، وطهارة الثوب والبدن والمكان من النجاسة.

2- طهارة الباطن: وتكون بطهارة القلب من الكفر والشرك، والكبر والعجب، والكذب والحسد، والنفاق والرياء ونحو ذلك من الصفات السيئة، وامتلاؤه بالصفات الحسنة كالإيمان والتوحيد، والصدق والإخلاص، واليقين والتوكل ونحو ذلك .

موسوعة الفقة الإسلامي ج2 ص321

** ويقول صاحب كتاب الفقه الواضح: 

- الطهارة من الأمور المهمة التى تعبدنا الله بها .. إذ جعلها شرطا فى صحة كثير من العبادات ولها فى الإسلام المنزلة السامية .. فهى من الإيمان بمنزلة النصف من الكل ...

- عن أبى مالك الأشعرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الطهور شطر الإيمان) رواه مسلم ..، وفى رواية لأحمد (الطهارة نصف الإيمان) .. والروايتان بمعنى واحد.

- فالطُّهور- بضم الطاء – أو الطهارة هو: 

- رفع الحدث والخبث ..

- والمراد بالطهور فى هذا الحديث .. معناه الواسع الذى يشمل الطهارتين الحسية والمعنوية .. إذ الايمان عقيدة وعمل .

- والعقيدة محلها القلب .. ولكى تستقر فى القلب ويسطع نورها لابد أن يكون القلب طاهرا .. أى خاليا من كل ما يعكر صفوه ويكدر جلوته .. والتخلية مقدمة على التحلية .. كما يقولون .

- والعمل متعلق بالجوارح والجوارح مأمورة بأشيآء يجب فعلها ومنهية عن أشياء يجب تركها ..

- أى أن هناك طاعات وهناك معاصى .. ففعل الطاعات تحلية ، وترك المعاصي تخلية .

فعلى العبد أولا أن يخلي جوارحه من المعاصي .. فإذا ما طهر جوارحه فقد حاز نصف الإيمان فى بابه.

الفقه الواضح ج1 ص28 وما بعدها

*****************************

..:: النجاسة و الطهارة في الدين الإسلامي ::..

- الطهارة نسعى لتحقيقها بسبب نجاسة حدثت .. ولكن هذه النجاسة منها:

1- ما هو مدرك للعقل فيسمى نجاسة حقيقية (تسمى الخَبث) مثل البول والغائط .. 

- وطهارة الخبث: معناها إزالة ما تعلق بالثوب والمكان والبدن وغيره من النجاسات .. ويكون بثلاث طرق (غسل، ومسح، ونضح).

2- ومنها ما يسمى بنجاسة حُكمية (تسمى الحَدَث) .. وهذه النجاسة قد حكم بها الشرع ولا مجال للعقل فيه .. وتسمى " الحدث " بذلك الإسم .. لأن الشخص يكون قد أحدث فعلا أي ظهر منه فعل .. ترتب عليه حكم من الشرع بفقده للطهارة الشرعية .. 

- والحدث قسمين : هناك حدث أصغر وحدث أكبر .. 

أ- والحدث الأصغر: من الْبَوْل وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ .. وطهارته تكون بالوضوء .. أو عند تعذر الماء فبما ينوب عنه (التيمم).

ب- والحدث الأكبر: من الجنابة والحيض والنُّفاس .. وطهارته تكون بالإغتسال لكامل الجسم بالماء الطاهر .. أو عند تعذر الماء فبما ينوب عنه (التيمم).

 .. فقد حكم عليه الشرع بأنه لازال نجس فلا يستطيع أداء العبادات (مثل الصلاة أو مناسك الحج) .. إلا بنية الغسل الشرعي الذي تؤدي به العبادات مثل الصلاة .. وهو تعميم الماء الطاهر على كامل الجسم .

تنبيه هام : (استحمام فقط بدون نية للطهارة الشرعية .. فأنت غير طاهر شرعا حتى ولو كنت مغتسلا نظيفا في الظاهر) ..!!

- وفرق بين النظافة والطهارة في الدين .. فالنظافة حاجة فطرية للإنسان .. ولكن الطهارة أمر تعبدي واجب لله رب العالمين .. يجب فيه السمع والطاعة حتى وإن لم تدرك عقولنا ذلك ..

- فإذا اغتسل انسان بالماء بسبب احتلام أو مجامعته لزوجته .. بدون أن تكون ( نيتة ) بهذا الاستحمام هو الطهارة الشرعية .. فكأنه لم يغتسل .. ولا يجوز له صلاة ..

# ونُذكِّر بمعنى الغسل والوضوء :

- فالغسل: هو تعميم كل الجسد بالماء .. فلا تترك جزء من الجسد إلا وتعممه بالماء .. 

- الوضوء: هو طهارة مائية لأعضاء مخصوصة ..

راجع فيما سبق .. الفقه الواضح ص 28-29 ، الموسوعة الفقهية الميسرة ، الفقه الإسلامي وأدلته ، موسوعة الفقه الإسلامي ،  وغير ذلك من كتب الفقه الإسلامي ..

# ملاحظات لتعريف بعض المفاهيم المذكورة فيما سبق:

1- الْمَذْيُ: وهو ماءٌ أبيض لَزج رقيق ، يخرج بلا دَفْق عند الملاعبة أو تذكُّر الجماع أو إِرادته، وقد لا يحسُّ الإِنسان بخروجه، وهي من النجاسات التي يشقُّ الاحتراز عنها ، فخُفِّف تطهيرُه ، ولا غُسل على من يصيبه ذلك؛ بل عليه الوضوء ، ويغسل ذكَره وخصيتيه قبل ذلك ، ويأخذ كفّاً من ماء ، وينضح بها ثوبه . 

2- الْوَدْيُ : البَلَل اللَّزِج الذي يخرج من الذكر بعد البول" مباشرة ، وهو لا يوجب الغُسل.

راجع التعريفات في الموسوعة الفقهية الميسرة   ج1 ص 28

3- أما عن المَنيِّ ..

- قال ابن قُدامة -رحمه الله-: "فخروج المنيِّ الدافق بشهوة يوجب الغسل من الرجل والمرأة في يقظة أو في نوم، وهو قول عامَّة الفقهاء، قال التِّرمذي، ولا نعلم فيه خلافاً".

- ومنيُّ الرجل غليظ أبيض، أمَّا منيُّ المرأة؛ فرقيق أصفر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر ... "

راجع الموسوعة الفقهية الميسرة   ج1 ص 174

*********************************

..:: ملخص ما سبق ::..

- هو أنه يوجد أقسام للطهارة وللنجاسة .. ظاهرة وباطنة:

1- فالطهارة الظاهرة تكون للجسد ، والباطنة تكون بزكاة القلب بالإيمان والرضا واليقين والإخلاص والمحبة والسكينة  وخلوه من الأحقاد والكبر وغير ذلك.

2- والنجاسة الظاهرة تكون للجسد ، والباطنة تكون لتلوث القلب بالكفر والعجب والكبر وغير ذلك ..

- وعلى الإنسان أن يتطهر من نجاساته الظاهرة والباطنة .. حتى يتصل بربه .. وينال المحبة الإلهية لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة222.

- وبالرغم من كلامنا عن الظاهر والباطن .. ولكن للعارفين .. تذوقات قلبية أخرى في فهم الطهارة والنجاسة .. نذكرها في محلها إن شاء الله تعالى .. ولكن نهتم أولا بالإجابة على بعض الاسئلة التي قد تخطر على البال فيما يتعلق بظاهر الشرع وباطنة ..

****************************

..:: لماذا كانت الشريعة مهتمة بالظاهر أولا قبل الباطن ؟ ::..

1- لأنها محل العمل الظاهر للناس والتي عليه يقوم الأحكام .. خلافا للباطن الذي لا يعلمه إلا الله ..

- فإذا رأيت إنسانا يتوضأ للصلاة .. فأنت تحكم عليه بصحة خطوات الصلاة .. ولكنك لا تستطيع أن تحكم عليه باطنيا بأنه غير خاشعا أو أنه فاسد الباطن .. فالأمر لله ..

فالشريعة تهتم بالظاهر .. والله مطلع على الضمائر والسرائر ..

2- وكذلك لما كانت المادية هي الصفة السائدة على أغلب الناس .. فقد جعل الله لأهل المادة ما تأنس به أنفسهم .. من كونهم تطهروا ولامسوا ذلك الأمر بعمل قاموا به ..

3- وكذلك جعل الطهارة ظاهرة .. لأنها الخطوة الأولى للوصول إلى باطن الطهارة .. حتى يكون الإنسان تحرر من ماديته وأصبح يستشعر بلطيف المعاني من روحه المتصلة بربه في كل وقت ..

4- حتى لا تأتي فرقة مثل الفرق الباطنية (الإسماعيلية وغيرها) وتزعم أن باطن الشريعة وباطن التفسير هو المقصود الإلهي وأن الله يتحد بالإنسان ويتكلم على لسانه ليزعم أنه يتلقى تعاليم الإله من خلال روح الإله التي حلَّت فيه .. !! (وتظهر عقيدة الحلول والإتحاد وبعدها تناسخ الأرواح) .. !!

*****************************

..:: ما هي علاقة الظاهر بالباطن ؟ ::..

- أثبتت الشريعة أن الفلاح والفوز برضا الله وجنة النعيم إنما يكون بقدر ما يحمل القلب من صلاح فيه وسلامته من كل ما لا يرضي الله .. قدر المستطاع ..

- يقول تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء89.  

- ويقول صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ) صحيح مسلم.

- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) صحيح مسلم.

- ويقول تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون2  ..

والخشوع هو عمل قلبي .. يستوجب نفي الغيرية عن القلب وقت الوقوف بين يدي المولى سبحانه وتعالى ..

# وينقص من الصلاة بقدر نقصان حضورك بالقلب مع مولاك .. بمعنى أنه تظل تنقص درجاتك في الصلاة بقدر قلة خشوعك .. حتى أن البعض لا يدرك ماذا فعل في الصلاة إلا عندما يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يمينا ويسارا .. ولا يذكر ماذا فعل أثناء الصلاة ..!!

# ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العبدَ لَيُصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتَبُ له منها إلَّا عُشْرُها، تُسعُها، ثُمُنُها، سُبُعُها، سُدُسُها، خُمُسُها، رُبُعُها، ثُلُثُها، نِصْفُها) صحيح أبي داود.

***************************

:: هل تصبح الصلاة صفرا .. لمن لم يكن خاشعا ؟ ::

- (طبعا على افتراض أنها ليس فيها رياء ولم يبطل فيها الوضوء) ..

- فالإجابة على هذا السؤال: هو أن الصلاة لا تكون صفرا .. لماذا ؟!!

- لأن معنى أن الصلاة صفر .. أي غير مقبول منها شيئا .. وهذا ما لا أظنه .. لسببين:

- الأول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل بهذا في الحديث..

  

- الثاني: لأن هناك طهارة مادية أو ظاهرة لازالت في حصيلة صلاتك .. وهو الوضوء الذي قمت به للصلاة .. فلازال يزكيك عند مولاك .. ولذلك لا تنقطع الصلاة بفقد الخشوع .. لوجود طهارة تؤيدك بالوقوف في حضرة مولاك .. وإلا لكانت الصلاة قد بطلت .. ولكن هذا لم يقل به أحد .. 

- فإذا كانت الطهارة تغفر لك بعض الذنوب وتطهرك من بعض الخطايا .. فبالتأكيد يكون لها مدد لك لحضورك في الصلاة .. وإلا ما كانت سببا في إقامة الصلاة بها .. 

- ويكفيك أن تعرف أن الوضوء يجعلك تقف في الصلاة وأنت طاهر .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صَلاةُ أحَدِكُمْ في جَماعَةٍ، تَزِيدُ علَى صَلاتِهِ في سُوقِهِ وبَيْتِهِ بِضْعًا وعِشْرِينَ دَرَجَةً؛ وذلكَ بأنَّهُ إذا تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ .. ثُمَّ أتَى المَسْجِدَ لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلاةَ، لا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَّلاةُ - لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رُفِعَ بها دَرَجَةً، أوْ حُطَّتْ عنْه بها خَطِيئَةٌ .. والمَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دامَ في مُصَلَّاهُ الَّذي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عليه، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، ما لَمْ يُؤْذِ فِيهِ) صحيح البخاري.

- قوله (الملائكة تصلي): أي تدعو.

- قوله (ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ): أي يفسد به وضوءه .

- قوله (ما لَمْ يُؤْذِ فِيهِ): ما يسبب به أذى لأي شخص .

****************************

..:: من كرامات الوضوء ::..

1- ودليل الوضوء يغفر الذنوب ويمحو الخطايا .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تَوضَّأَ العبدُ المؤمِنُ فتَمضْمَضَ خَرجتِ الخَطايا من فِيه (أي فمه) ، فإذا اسْتنْثَر خَرجَتِ الخَطايا من أنْفِه ، فإذا غَسَلَ وجْهَهُ خَرَجَتِ الخَطايا من وجْهِهِ ، حتى تَخْرُجَ من تحتِ أشْفارِ عَينَيْهِ ، فإذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الخطايا من يديه ، حتى تَخْرُجَ من تحتِ أظْفارِ يَدَيْهِ فإذا مَسَحَ بِرأسِه خَرَجَتِ الخَطايا من رأْسِهِ حتى تَخْرُجَ من أُذُنَيْهِ ، فإذا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الخَطايا من رِجَلَيْهِ حتى تَخْرُجَ من تَحتِ أظْفارِ رِجْلَيْهِ .. ثُم كان مَشْيُهُ إلى المسْجِدِ وصلاتُه له نافِلَةً) صحيح النسائي.

- ويقول صلى الله عليه وسلم: (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ) صحيح مسلم.

- قوله (الرِّباطُ): يكون صاحِبها في مَنزِلةُ مَنْ يُرابِط في سبيلِ الله تعالى.

2- الوضوء لرفع الدرجات ودعاء الملائكة: (صَلاةُ أحَدِكُمْ في جَماعَةٍ، تَزِيدُ علَى صَلاتِهِ في سُوقِهِ وبَيْتِهِ بِضْعًا وعِشْرِينَ دَرَجَةً؛ وذلكَ بأنَّهُ إذا تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ .. ثُمَّ أتَى المَسْجِدَ لا يُرِيدُ إلَّا الصَّلاةَ، لا يَنْهَزُهُ إلَّا الصَّلاةُ - لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلَّا رُفِعَ بها دَرَجَةً، أوْ حُطَّتْ عنْه بها خَطِيئَةٌ .. والمَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دامَ في مُصَلَّاهُ الَّذي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عليه، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، ما لَمْ يُؤْذِ فِيهِ) صحيح البخاري.

- قوله (الملائكة تصلي): أي تدعو.

- قوله (ما لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ): أي يفسد به وضوءه .

- قوله (ما لَمْ يُؤْذِ فِيهِ): ما يسبب به أذى لأي شخص .

3- الوضوء وفتح أبواب الجنة الثمانية: (ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُحسِنُ الوضوءَ ثمَّ يقولُ حينَ يفرُغُ من وضوئهِ أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ إلَّا فُتحَتْ لهُ أبوابُ الجنَّةِ الثَّمانيةُ يدخلُ من أيِّها شاءَ) صحيح أبي داود.

4- الوضوء دليل الإيمان: (سدِّدوا وقارِبوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ ولا يُحافِظُ على الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ) رواه بن حبان .. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد حسن..

** فالذي يتأمل في الأحاديث السابقة لسيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم .. سيفهم أن للوضوء الظاهري كرامة خاصة .. هي في نفسها شفاعة للعبد تعينه على الوقوف بين يدي رب العالمين ..

 ******************************

..:: سيدنا بلال والوضوء ::..

** ولذلك كان سيدنا بلال رضي الله عنه يديم الوضوء وكلما توضأ صلى ركعتين .. لماذا ؟ .. حتى يكون دائما حاضر بين يدي مولاه طاهرا في كل أوقاته .. فلا يحب أن يذكر الله إلا على طهارة ..

ولعل كان هذا الدافع من سيدنا بلال .. هو قوله صلى الله عليه وسلم .. (سدِّدوا وقارِبوا واعلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ ولا يُحافِظُ على الوضوءِ إلَّا مؤمنٌ) رواه بن حبان .. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد حسن..

- ومن كثرة محافظة سيدنا بلال على على الوضوء .. حتى سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت نَعْلَيِّ بلال في الجنة  .. كما جاء في الحديث : (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لِبِلَالٍ: عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ يا بلَالُ حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ، فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ) صحيح البخاري.

- قوله (بأرجى عمل): بعمل من أعمال التطوع الذي ترجو من وراءه كرامة الله لك أن يثيبك عليك ..

- قوله (سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ): سمعت حركة نعليك التي تسير بها في الدنيا .. سمعت مثلها لك تسير في الجنة .. 

- فإذا كانت هذه هي طهارة الظاهر وكرامة طهارة الظاهر .. فما ظنك بطهارة الباطن وكرامة طهارة الباطن .. ؟!!

***********************

..:: علاقة الجسد والروح والقلب .. بالطهارة ::..

- عمل القلب مع الله مهم جدا لقبول الأعمال عند رب العالمين .. إذن الطهارة يجب أن تكون قلبية وتكون حسية .. وكلاهما مطلوب فرضا.

- والانسان هو نَفْسٌ مجموعة من إلتقاء الروح بالجسد ... ولكن طهارة الجسد .. لا قيمة لها بدون طهارة القلب .. فكم من طاهر في جسده وقلبه أسود ..!!

* فالقلب هو محل نظر الله ومحل قبول الأعمال .. وبقدر صفائه ونقائه .. بقدر ما ستعرف حالك أمام مولاك في الآخرة .. يقول تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء89  ..

- فكما أن الجسد لا يستطيع أن يعيش بدون الغذاء الذى يمنحه طاقة العمل والسعى فى الحياة الدنيا .. كذلك القلب هو لا يستطيع أن يعيش بدون معرفة وحب لله حتى تشرق روحه على مرآة قلبه من حقائق تجليات الحي القيوم . 

***************************

..:: الشريعة بين الجمال والجلال الإلهي ::..

- واعلم أن الشريعة تحتوى مظهر جلالي وجمالي .. فتجد فيها الرحمة الإلهية (الجمال) وتجد فيها العقاب (الجلال) .. ،  وكذلك معانيها تحتوى مظهر جمالى وجلالي .. ومن جمع بينهما كملت معرفته بالله وشريعته ..

*****************************

..:: ما علاقة الطهارة الشرعية بالرياضة الروحية أو المجاهدات النفسية  ؟ ::..

- تكلمنا عن الرياضة سابقا في مقال خاص .. ولكن نذكر هنا نُبذة .. لمناسبة الموضوع وارتباطه به .. مع مزيد مما لم نوضحه سابقا ..

- فالرياضة .. هي بذل الجهد .. وهو لفظ يقال في الأصل لأصحاب المجاهدات النفسية .. وتدل الشريعة عليه بلفظ المجاهدة .. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت69

* فالرياضة الإسلامية أو المجاهدة: هي ترويض النفس على الخضوع للمطالب الإلهية .. طلبا لرضا رب العالمين ..

- بمعنى أخر .. هى المجاهدة فى ترويض النفس على أداء الطاعات ومداومة العمل من الله ... للوصول للقلب السليم .. طمعا في  رضا رب العالمين ..

* وفي الحديث إشارة لمعنى الرياضة أو المجاهدة.. حيث يقول صلى الله عليه وسلم : (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ) صحيح مسلم.

- فإسباغ وإتمام الوضوء ، وكثرة السعي للمساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة .. فقد أسماها صلى الله عليه وسلم .. بالرباط الذى هو مجاهدة النفس في أداء طاعة الله .. والذي هو الرياضة .. أي ترويض النفس على الخضوع للمطالب الإلهية ..

** س: ما هى أنواع الرياضة .. ؟

1- الرياضة الظاهرة .. هى العمل بأحكام الشريعة في الظاهر بإظهار العبادات وحسن المعاملات .

2- الرياضة الباطنة .. هى للقيام العمل بأحكام الشريعة في الباطن .. فتطهر وتخلِّي القلب من التعلق المذموم بالأشياء الدنيوية .. وتطهره من الأحقاد والكبر والعُجب والرياء .. وتحلِّي قلبك بصفات كالإخلاص لله والتوكل عليه ودوام التوبة إليه والرضا بما قسمه الله لك .. وأن تؤمن بأن الله فعالا لما يريد في الوقت الذي يريد .. وتتيقن أن ما أصابك ما كان ليخطأك  وما أخطأك ما كان ليصيبك .

- ومن مجموع الرياضة الظاهرة والباطنة .. ومن مجموع الأثنين يظهر في خاطر المؤمن بما يسمى بالإشارات القلبيه والمعانى الروحية .. وإلا فكيف تظهر وتلوح هذه الإشارات إلا لمن طهر قلبه .. ؟!!

* س: ما هى ثمرة الرياضة أو المجاهدة ؟

- (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) العنكبوت69 .. إذن الهداية مؤكدة لمن جاهد طلبا لله سبحانه .. ولكن بشروطها التى أهم ما فيها صدق التوجه الى الله و دوام الاقبال عليه ، والإخلاص فى القول والفعل والعمل ما استطعت ...

- إذن الحكمة من الطهارة الظاهرة ... إنما هي بداية الإتصال بالطهارة الباطنة .. لتحقيق الوصول الى القلب السليم ... وهذا نهايه سعى العبد المؤمن لبلوغه درجة من الكمال الإيماني .... وهنا يطلق عليه النفس المطمئنة ... والعودة إلى بارئها راضية مرضية ... والله أعلم .

* س: فما الذي يفعله الروحانيين من الرياضات بالعزائم والآيات والسور .. ويقولون نحن نتريض بالذكر ؟

ج : إن دل فإنما يدل على عدم فهم وجهالة .. لأن التريض يكون لقهر النفس وهو يسمى في مصطلح القوم .. بالتخلية من كل ما لا يرضي الله .. ويصاحب ذلك التحلية بكل ما يرضي الله ..

* والذي يقول هو يتريض بالذكر . نسأله أنت تتريض به لماذا ؟

- فإن كان من باب جلاء القلوب من صدأ الغفلة .. فنسأل الله له الثبات.

- وإن كان طلبا لروحانية جن وما شابه ذلك أو طلبا لشهوة الشهرة بين الناس بأنه صاحب كرامة ..!!

- فنقول له : أنت طلبت غير الله .. فكيف سترى فضل الله ؟!

- فمن الذي تخدعة بهذا الفعل .. ألا تعلم أن الله يعلم ما في نواياك ؟!! بكل تأكيد يعلم .. فلا تستخدم ذكر الله إلا لعبودية الله كما يحب ويرضى به عنك .. 

- ( راجع المقال السابق - ففيه تفصيل لهذه الجزئية)

* وحتى يستقيم حالك مع مولاك .. فاجعل عملك لله مخلصا له الدين .. ولا ترجو إلا رضوان الله وغفرانه .. يقول تعالى (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الكهف110.

 *************************

..:: ختاما لهذا الجزء ::..

#- كان هذا مدخلا مهما لتوضيح بعض المفاهيم .. فيما سنتكلم عنه مع توضيح الفروق بين الظاهر والباطن .. وإشارات العارفين ..

#- وكما أخبرتك أخي الحبيب .. سنهتم في الأجزاء القادمة بفقة الإشارة للمعاني الذوقية القلبية لما تحتويه بعض النصوص الشرعية لمعاني الطهارة .. 

- ولا تنسى أن فقه الإشارة للمعاني القلبية أو الذوقية .. إنما هو احد ثلاث فروع كلمتك عنهم .. وأعيدهم عليك حتى لا تنسى:

1- أما فقه الظاهر (فقه ظاهر العبادات والمعاملات) .. فلها كتب الفقه العامة مثل فقه السنة أو الفقه الواضح أو غيرها .. 

2- وأما فقه الباطن (فقه إصلاح القلوب) .. فلها كتب التزكية والسلوك والتصوف الإسلامي ..  

3- وأما فقه العارفين (وهو الفقه الإشاري) .. فهو ما سنتكلم عنه هنا إن شاء الله تعالى .. مع قليل من فقه الباطن كلما تيسر لنا ذلك ..

* ويجب أن تعرف أن عبادة الله لا يتأتي من ورائها جن وعفاريت .. وأن الذكر هو وسيلة لطهارة القلوب والإرتقاء بحال القلب من حال الغفلة عن الله إلى حال اليقظة بالله .. 

* والذي يقول لك أن كثرة الذكر يتأتي من ورائها جن وعفاريت .. فهو إما جاهل .. وإما ضال .. وإما مضل ..

- لأنه ببساطة شديدة .. لو كان هذا هو حال الذاكرين لله .. فما هو حال الغافلين عن الله ؟!!

- وماذا نقول حينئذ عن غير المسلمين الذين تأتيهم روحانيات صالحة وطيبة من الجن .. !! فهل كانوا يذكرون أيضا بالأسماء وسور القرآن ؟ 

- كفانا سخافات عقلية وكذب على القرآن الذي هو كلام الله ..!!

* فيا من تطلب غير الله .. آن الأوان لتتطهر بالذكر وليس لتختلق أكاذيب عن الذكر .. !! 

- ولنجعل مطامعنا في غفران الله ورضوانه .. فالأنفاس قليلة ويوم القيامة قريب .. فلنعمل لهذا اليوم .. (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الكهف110.

********************************

- ونبدأ مقالنا القادم (الجزء الثاني) .. إن شاء الله .. بعلاقات الطهارة بالعبادات .. ( علاقة الطهارة بالتوبة ، وعلاقة الطهارة بالصدقة ) .. من خلال فقه العارفين وإشاراتهم .. إن شاء الله تعالى ..

تحياتي لكم .. وآسف للاطالة ..

*********************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسائل العلمية مصدرهامدونة الروحانيات فى الاسلام -   ومؤلفها / الأستاذ خالد أبوعوف - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات  ..