طهارة التوحيد من إسقاط الفرض واستباحة الذنوب وعبودية الغير .. ما هي معية الله ؟ من هم أولياء الله الصالحين ؟ ما هي بعض ولايات المعية الخاصة ؟ وما هو حسن الظن بالله ؟ وكيف يذكرك الله في نفسه ؟ .. ومفهوم الرابطة والإتصال الروحاني .. في فقه العارفين ..

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثالث من الجزء الثاني

..:: طهارة التوحيد ::..

 .. من إسقاط الفرض واستباحة الذنوب وعبودية الغير ..

.. ما هي معية الله ؟ وما هو حسن الظن بالله ؟ ..

.. ومن هم أولياء الله في القرآن والحديث القدسي ..

.. ومفهوم الرابطة والإتصال الروحاني .. في فقه العارفين ..

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. السادة أعضاء المدونة الأفاضل .. في فصل جديد وهو الفصل الثالث من الجزء الثاني المتعلق بطهارة التوحيد من أي أفعال تفسد هذا التوحيد في القلب .. ولكننا نناقش في هذا الفصل .. بعض القضايا التي أصبحنا نعيشها .. ونسمعها .. وأصبحت وكأنها أمر مُسلَّم به .. وأن هذه حقائق علينا أن نتعامل معها وكأنها يقينية ولا تحتمل الشك ..

- وإذا كمان من الغريب استقبال العقول لهذه الأفكار المغلوطة أحيانا والمنحرفة أحيانا أخرى  .. فمن الأغرب هو عدم استنكار القلوب لهذا الأفكار المغلوطة أو المنحرفة..!!

* سنناقش ستة قضايا صوفية .. ولكن نناقش في هذا المقال ثلاث قضايا فقط .. ويتبع بعد ذلك القضايا الأخرى إن شاء الله تعالى .. وهذا مجمل ما سنناقشه ..

1- إسقاط الفرض.

2- إسقاط الذنوب.

3- الرابطة الروحية.

- وقد قسمت هذا الموضوع على فصلين .. والله المستعان .

*****************************

:: الفصل الأول للموضوع ::

*****************************

:: ما المقصود في كلامي بمصطلح (متمصوف) و (متمسلف) ؟ ::

 

- ويقصد بهما .. متصنع منهج التصوف .. ومتصنع مَنهج السلفية.

- فحينما أقول كلمة (متمصوف): فأعنى بها من انحرف عن منهج أهل الحق في تزكية القلب وصفاءه .. وهو المفتعل والمتصنع لنفسه وصف صوفي وما هو بصوفي .. وإنما قد يكون روحاني غلبه شيطانه (وهذا كثير).. ويسلك في ذلك مسالك لجذب الآخرين بكلمات منها النفخات والمدد والفتح والأنوار والأسرار والبركات والكرامات والمكاشفات والمشاهدات .. وغير ذلك من كلام يثير الفضول في نفسية السامع حتى يهوى أن يكون من أصحاب الكرامة .. ويقوم هذا المتمصوف  بتأويل هذه المصطلحات تأويلا فاسدا ومضللا حتى يكون سببا في انحراف "المريد لله" بقلبه عن الله ويصبح عبيد كرامات ..!! 

- وحينما أقول (متمسلف) : فأعني به من انحرف عن منهج السلف .. وهو المفتعل لنفسه وصف سلفي وما هو بسلفي .. وإنما هو شخص غلب عليه الجهل الديني وبات تابعا لطائفة لها أفكار خاطئة أو مضللة ولهذه الطائفة  رغبة في المحافظة على سلطتها الدينية فيتبعون منهج المخالفة للآخرين بأحكام خاصة بهم .. ووسيلة هذا المتمسلف في الإنكار على الغير هي التكفير والتبديع واللعن والسب والشتم .. وأيضا يشترك معهم المتمصوف الجاهل للفهم الخاطيء للاتصال القلبي .

* من فضلك أخي الحبيب .. كن مسلما عاقلا يفكر فيما يسمعه أو يتلقاه من معلومات .. غير جاهل ولا تابع بدون تحقيق أو استفهام لما تقرأه أو تسمعه أو تشاهده .. لأن المسلم مطالب بذلك .. فانتبه لذلك .

* رجاء تأمل المقال بهدوء تام .. لأن فيه معاني جديدة جدا على المدونة .. فأعد القراءة كذا مرة .. أو قم بتقصيم قرائته على أجزاء لأن الموضوع طويل .. ربنا يجعل فيه علم نافع لكم بإذن الله تعالى .. ويجعله عملا مقبولا .. آمين يارب العالمين .

******************************

..:: ما علاقة المخالفات الشرعية بالتوحيد في قلب المؤمن ::..

- العلاقة ببساطة .. أن كل ما خالف العمل بلا إله إلا الله .. فقد أفسد عليك علاقتك بالله وأفسد عليك توحيدك في العمل بما يقتضيه التوحيد من حق يجب عمله لله .. والذي نقصده بإفساد التوحيد هو انحرافك عن المطلوب منك بهذا التوحيد .. وهو أن تكون كما يحب الله وليس كما تكون أنت وأهواءك الخاصة التي تجعل منها دين للناس ..!!

- فإفساد التوحيد من حيث ترك العمل به .. وليس من حيث كونها عقيدة في قلبك ..!! فانتبه .

- فنجد مثلا أن بعض المشايخ المتمصوفين .. يرشدون الناس للذهاب إلى أضرحة الأولياء .. ويقولون لهم: اطلب من سيدنا الحسين يقضي لك حاجتك ..!!

- ويقولون أن هذه الأضرحة هي باب إلى الله .. أي وسيلة إلى الله !!

#- قلت (خالد صاحب الموضوع):

- يا مؤمنين .. إذا كانت هذه الأضرحة باب إلى الله .. فأين الدعاء الذي هو باب الله والذي تدخل منه بلا واسطة حينما تدعوه ؟!!

- أين التوجيه إلى الله للطلب منه ؟!! 

- ثم نقول: وماذا لو لم يكن الضريح موجود .. فماذا يفعل المؤمن حينئذ ؟!! هل يسافر إلى بلد فيها ضريح ليطلب الدعم من عالم الأرواح ؟!! طيب ما يطلبه من أي مكان طالما هو عالم أرواح ليه يروح للضريح من أساسه ؟!!

- أهذا هو توجيه المؤمنين إلى الله ؟!! أم دعوة إلى الإعتقاد في ساكني الأضرحة ؟!!

#- قلت (خالد صاحب الموضوع):

#- نعم لا أمانع زيارة من نحسبهم على خير والدعاء لهم .. سواء لهم ضريح أو مجرد شاهد .. بل ولا أمانع زيارة كل المؤمنين والدعاء لهم .. كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل البقيع ..

#- ولا أنكر أن يكون هناك محادثة روحية قد تحدث لمن لهم خاصية في ذلك (ولا ينكر ذلك إلا أعمى القلب أو بليد العقل أو جاهل) .. ولكن هذه المحادثة قد تحدث عن جذبة وغلبة حال وبدون قصد .. ويكون الحال شبيها بحال النائم .. وحال النائم لا معترض عليه في أحواله لو كانوا يعقل من يعترض .!!

# ولا أنكر أن محبة أهل البيت هي باب من أبواب القرب إلى الله (بسبب محبتهم) .. حيث أن هذه المحبة لها كرامة خاصة عند رب العالمين وعند النبي صلى الله عليه وسلم .. ويكفي أنه أوصانا بذلك .. حيث قال صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ وعترتي أهل بيتِي) صحيح الترمذي.

#- ولكن أن يصل الأمر أن نجعل خصوصية كرامة لبعض الأضرحة .. ونوجه المؤمنين إليهم كسبب في إجابة الدعاء .. فهذا توجيه مقبوح عقلا وشرعا وسلوكا ..!! 

* وما سبق بيانه .. يجعلنا نتكلم عن معية الله وكيف تدخل معية الله .. ومن هم أولياء الله الصالحين .

*********************************

..:: ما هي معية الله ؟ ::..

#- جاءت كلمة المعيَّة من كلمة (مع) ، ومعناها المصاحبة ، أو الملازمة أو التواجد أو الحضور باجتماع شيئين .. وهي بذلك تعني مقاربة الشيء للشيء .. ولا تعني اتحاد أو امتزاج أو حلول شيئين .. كحلول الماء بالجسد.
 
#- ومعيَّة الله .. هو من يدخلك فيها .. وهذه المعية قد نكون عامة وقد تكون خاصة ..
 
- وجاء لفظ المعية في القرآن على قسمين:
- أولا: معيَّة عامة: وهي معية ولاية عامة شاملة ومحيطة يدخل فيها كل الخلق .. وتشمل إحاطة الموجودات بعلمه وقدرته وسمعه وبصره وحكمته وتدبيره وعدله ولطفه العام .. وهي المعية الناتجة آثارها عن قيوميته سبحانه وتعالى.
- كما في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الحديد4.

- وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) المجادلة7.
 
- ثانيا: معيَّة خاصة: وهي معية ولاية خاصة محيطة بعباده الصالحين .. وهي معية الولاية بالحفظ والنصر والتأييد والتوفيق والمحبة واللطف (أي التدبير الخفي) .. بما فيه من خصوصية ولاية وعناية ليست في الولاية العامة ..
 
- كما في قوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة40.

- قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) الأنفال19-20.

- وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة153.

- ويقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل128.

- وكما قال تعالي في الحديث القدسي: (أَنا مَعَ عبدي إذا هوَ ذَكَرَني وتحرَّكت بي شفتاهُ) صحيح بن ماجه.

- وكما يقول تعالى في الحديث القدسي: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) صحيح البخاري.
 

******************************

..:: كيف تصل إلى هذه المعية الخاصة ؟! ::..

 
1- الوصول لمعية الله .. تكون من خلال طاعة الله ورسوله ..
 
2- وتصل لطاعة الله ورسوله من خلال مجاهدة نفسك لتحقيق طاعة الله ورسوله .. حتى يدخلك في معية أهل الولاية الخاصة .. ولذلك يقول تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء69..
 
3- ومن وسائل مجاهدة النفس لتحقيق طاعة الله ورسوله وتكسبك معية الله الخاصة:
1- ذكر الله: كما قال تعالي في الحديث القدسي: (أَنا مَعَ عبدي إذا هوَ ذَكَرَني وتحرَّكت بي شفتاهُ) صحيح بن ماجه.
- وذكر الله يشمل ما فيه الإحسان بالمعاملات أو الإحسان بالعبادات .. أو الإحسان بجريان ما طلبه منك على لسانك أو قلبك أو كلاهما .. سواء بالدعاء له أو تمجيده وتعظيمه وتسبيحه وتكبيره وتهليله وتقديسه .. سواء كان ذكرا باللسان فقط أو القلب فقط .. أو باللسان والقلب معا وهو الأكمل .
2- الصبر: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة153.
3- التقوى والإحسان: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل128.. وهذا يكسبك طهارة الباطن بتخليته بالتقوى وتحليته بالإحسان .

************************

..:: ما هي بعض ولايات المعية الخاصة ؟ ::..

:: وما هو حسن الظن بالله ؟ ::

:: وكيف يذكرك الله في نفسه ؟ ::

 
- سبق وذكرنا أن المعية الخاصة هي درجة من درجات الولاية الخاصة بالمؤمنين ..
 
#- فمن ولايات المعية الخاصة .. معية الحفظ والهداية والوكالة والتفويض واللطف:
1- معية الهداية لاعتصامك بالله:
- قوله تعالى لمن يعتصم بالله: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) آل عمران101.
 
2- معية الحفظ لاعتصامك بالله:
- قوله تعالى لمن يتعلق بالله: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) النحل 99-100..، ولذلك قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) الإسراء65..
 
3- معية الفضل لتوكيلك الله في تدبير أمرك لكفايتك به:
- قوله تعالى عن قول المؤمنين لما أخافهم الناس من الكفار: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آل عمرات173-174.
 
4- معية الحفظ والوقاية لتفويض أمرك لله رضا بما يجري به القدر عليك:
- قوله تعالى عن مؤمن آل فرعون: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) غافر44-45.

5- معية اللطف لحسن الظن بالله:
- وكما يقول تعالى في الحديث القدسي: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) صحيح البخاري.

- قوله (باعا): هو مد الذراعين وهما مفتوحين إضافة للصدر.

- قوله (هرولة): أي مسرعا في المشي.

 
#- أولا: ما هو حسن الظن بالله ؟

- هو توقع الجميل من الله .. ويحدث بأن تؤمن بكل صفات الله التي وصف بها نفسه .. متحققا بها ولا يشك فيها ..
 
- فمن كان محسنا ظنه بالله في حال الرجاء والخوف .. وجد الله محسنا إليه بالفضل واللطف .
 
- يحسن ظنه بربه: بأنه يقبل توبته، وأنه يعفو عنه ويغفر له، ويرضى عنه، ولكن بشرط أن يجتهد في أسباب تحقيق ما يرضي الله .. ولو بالقليل من العمل .. ولكن أثبت حالك مع الله .
 
#- ومن قصص حسن الظن بالله: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة118.

* تفسير الآية:
-  الثَّلاَثَةُ هُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِي، وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوك، وَاعْتَرَفُوا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْذَارٌ..

- فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (قُومُوا حَتَّى يَقْضِي اللهُ فِي أَمْرِكُمْ) .. وأَمْر الرَّسُولُ النَّاسَ أَنْ لاَ يُكَلِّمُوهُمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ عَلَى رَحْبِهَا وَسَعَتِهَا، وَضَاقَتْ أَنْفُسُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لِمَا كَانُوا يَشْعُرُونَ بِهِ مِنْ ضِيقِ صُدُورِهِمْ بِامْتِلاَئِهَا بِالهَمِّ وَالغَمِّ، وَلَبِثُوا فِي ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَفِيهَا التَّوْبَةُ عَلَيهِمْ. (من أيسر التفاسير لأسعد حومد ص1354)

- فلما كانت توبتهم خالصة، وندمهم شديدا؛ حتى شعروا بأن الأرض قد ضاقت عليهم على رحبها وسعتها، وضاقت عليهم نفوسهم هما وحزنا، وعلموا أنه لا ملجأ من غضب اللَّه إلا باستغفاره والرجوع إليه. (نقلا من تفسير المنتخب ص281).

 
- فقبل توبتهم ليظلوا على توبتهم إليه والرجوع إلى العمل بما يرضيه .. والله أعلم .
 
2- ومن علامات حسن الظن بالله نجدها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن .. إن أمره كله خير ـ وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ـ إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له) صحيح مسلم.
 
- ثانيا: أما عن قوله (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي):
1- فمن ذكرني في نفسه بالتعظيم .. ذكرته في نفسي بالتكريم .. ومن ذكرني في نفسه بأنني التواب ذكرته في نفسي بأنه من الأحباب .. ومن ذكرني في نفسه بمحو ياء الأنانية .. أثبته في نفسي بأنه من أهل ياء الخصوصية .. فبي يسمع وبي يبصر وبي يتكلم وبي يبطش وبي يسعى .. لأنني سأكون سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله .. فحاله كله بي وإليَّ .. أي حاله كله قائم بطاعاتي إلى مرضاتي.

- والله أعلم. 

***************************

..:: من هم أولياء الله الصالحين ؟ ::..

 
- يخبرنا رب العالمين عن أولياء الله الصالحين فيقول جل شأنه: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) يونس62-64.
 
- يبقى نفهم أن ولي الله .. هو الذي آمن متحققا من إيمانه عاملا به .. وكان من المواظبين على فعل التقوى لا ينقطع عنهم في كل أحوالهم .
 
- وكما يقول تعالى في الحديث القدسي: (إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ) صحيح البخاري.
 
- معنى الحديث: أن العبد إذا أخلص في العلاقة مع الله حتى غلبته المحبة فزاد بفعل النوافل على المفروض عليه حبا لله .. فكان جزاء الإحسان هو الإحسان .. فيتجلى الله عليه بعصمة جوارحه من المعاصي وتصير أفعاله كلها لله عز وجل .. وتتبدل أوصافه من مراد نفسه إلى مراد ربه ..

- فلا يسمع إلا بما أمر الله به في سماعه ، ولا يبصر إلا بما أمر الله به في إبصاره ؛ ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل، فيكون سعيه في الأرض إلى ما أحب الله وأراده الله منه ..

- وكأنه أصبح مسيرا بإرادة الله إلى ما يحب الله .. تكريما له على دوام إحسانه إلى مولاه في السر والعلن .

- خاطرة: في قوله (فإذا أحببته): كأنه يريد أن يقول .. فإذا أحببته لأنه أحبني حتى غلبه حبه لي فلم يعد يفعل إلا ما يرضيني فقط .

#- س: ما فائدة قوله (حتى أحبه) في حين أنه يحبه فعلا بدليل أنه يفعل ما افترضه عليه وهذا يستوجب محبة الله لأن العبد فعل ما يحبه الله بالفعل ؟!!

- قلت لك: المقصود هو المحبة الخاصة التي جعلها لمن أخلص له ظاهرا وباطنا في حبه لله .. وذلك إشارة على استيلاء المحبة الإلهية على العبد المؤمن حتى جعلت كليته (ظاهرا وباطنا) خادما لله مطيعا له  .. كأنه معصوم من الخطيئة .

- والله أعلم .

 *****************************

..:: مسألة على الحديث السابق: كيف يتردد الله في فعل شيء وهو العليم بعواقب الأمور ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الموضوع):
- التردد ليس تردد جهالة بعواقب الأمور فيمن يقضي نحبه .. وإنما هو مظهر محبة ورأفة أراد ظهوره لمن أحبه ..
 
- فالولي لله .. يرضى بقضاء الله ويحبه ولو كان فيه مسائته .. والله لحبه لوليه يحب حبه له ويكره مسائته ..
 
- فكان الحال كالطبيب الذي له ولد يريد عمل جراحة له فلما حان وقت الجراحة يفكر في نفسه قليلا ليس لأنه مترددا في فعل الجراحة له .. وإنما شفقة عليه مما قد يصيبه من ألم في هذه الجراحة ..
- والله أعلم.

**************************

فإذا عرفت أخي الحبيب .. من هم أهل المعية ومواصفاتهم .. ومن هم أهل الولاية ومواصفاتهم .. فهذا أوان الدخول إلى المسائل التي نريد أن نتكلم عنها .. فاقرأ ما سبق بتدبر شديد .. قبل قرائة المسائل التالية .

*****************************

:: الفصل الثاني للموضوع ::

****************************

..:: مناقشة المسائل الصوفية المُحَرَّفة ::..

** أيها السادة سأخوض معكم ثلاثة مسائل .. ونناقشها مناقشة علمية وعقلية .. لبعض أوهام من انتبسوا للتصوف زورا وليسوا من أهله وحرفوا فيه ليتناسب ويتكيف مع أهوائهم ..

- فلنناقش بعض أكاذيب وضلالات من هم متمصوفين - ولا علاقة لهم بالتصوف إلا كستارة أتخذوها ليستتروا ورائها وينشروا منها انحرافاتهم الشرعية .. حيث قد نسبوا إلى الإسلام ما خالفوا به شهادة التوحيد .. فأفسدوا ما أفسدوه .. وأمرهم إلى الله ..

**********************************

- المسألة الأولى -

..:: إسقاط الفرض ::..

.. الشيطان وتطميع النفس بأوهام الولاية ..

* أصل قاعدة الإسقاط عند الصوفية هي: إسقاط الأحداث والأغيار من قلب العبد .. حتى يكون فارغا لمولاه .. 

- ولكن المتمصوفة استخدموا هذا الإسقاط .. لإسقاط الفرض عن أنفسهم ..

..:: فكيف حدث هذا الإنحراف ؟ ::..

- يتعرض كثير من السالكين في حالة حدوث كشف الروحاني .. يعترضهم عالم الجن الشيطاني ليسقطوهم في الطريق .. وقد يغلب عليهم  في عالم الكشف ظهورهم صراحة اللون الأزرق الغامق أو الموف .. ولهم ألوان أخرى كالأحمر والأسود .. وأحيانا يتزين باللون الأخضر والأبيض والأصفر للتضليل .. 

#- فماذا تفعل هذه الطائفة الجنِّيَّة الشيطانية .. ؟

.. يجعلون منك ولي الأولياء والقطب الغوث وسلطان العارفين ..!! كيف ؟

1- تأتي للمتعبد .. في صورة أنوار ومشايخ صالحون ..

ويبدأون بمدحه على ما هو عليه من إيمان .. وأنه صاحب كرامة ومكانة وعلى درجة ولاية .. ويستمرون يشحنون نفسه على ذلك فترة .. ثم يبدأون بعد ذلك في إثبات محبة الله له من خلال إصابة الآخر بالأذى .. فإذا أذاه أحد .. فيذهب الشياطين للقصاص منه .. ثم يعودون للعابد ويوحون إليه أن الله قد اقتص لك .. لأنك وليُّه الخاص .. وأنت من أحبابه ...

2- ثم قد يفتحون له كشفا سماعي .. لأخباره بأحوال الناس ..

- ويبدأ التواصل السمعي في بدايته بطنين أو زنَّة قرب الأذن .. تشبه الهمهمة أو الوسوسة الغير مفهومة .. حتى يعرفوا هل يوجد استعداد فضولي لهذا الشخص في التواصل أم لا .. فإن انتبه لهذا الطنين والزن واعتقد انه تواصل مع العالم الآخر وفرح به .. فإنه يكون قد أعطاهم الإذن في فتح الكشف السمعي ..

3- ثم قد يتحول لكشفا بصريا ليدرك مشاهد وصورا ..

- ويبدأ معه في هيئة فلاشات ضوئية وتزيد مع مرور الوقت .. ثم تصبح خيلات .. ثم تصبح وكأن هذه الخيالات تتحدث معك .. ثم يفتحون لك مشاهدة ما ترغب في مشاهدته .. طالما أنت سمحت بذلك وقرحت به .. وهذا يعتبر إعطاء الإذن لهم في فتح هذا الكشف ..

4- ثم يجعلونه بعد ذلك يعتقد أن هذا هو كشف العارفين الواصلين ..

- وأنك من أهل الكشف الكبار .. وأنك من أهل الديوان .. وأنك حبيب الحضرة الإلهية .. وأن لك مقعد صدق عند مليك مقتدر .. وأن الحضرة الإلهية تغير عليك وتقتص لكل من يفكر في أذاك .. وهكذا ..!!

5- ثم بعد ذلك بفترة تأتي المصيبة الكبرى ..

- وهي أن الله قد أسقط عنك الفرض فلا تتعب نفسك بعد الآن أبدا .. فقط استريح من تعب الدنيا .. ونحن نرزقك بخيرها .. لأننا ملائكة الله معك ..

6- وقد يجعلونه يظن في نفسه أنه قد وصل لمرحلة الصِّدِّيقيَّة الكبرى .. مثل السيدة مريم الصديقة .. أو على درجة أبي بكر الصديق ..!!

- وفي الحقيقة هذا الشخص لو انتبه إلى أنه يعبد الله طلبا للشهرة والرياء .. ما كان وجد صدى لهذه الشياطين في نفسه .. 

- ولكن كثير من الناس في أوحال الكرامة يحسبون أنهم مكرمون .. وفي حقيقة الأمر هم من عين المعية ساقطون ..!!

- ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

****************************

..:: أولياء متوهمون .. شيخهم الشيطان ::..

#- ولذلك قال العارفين وأهل العلم .. أن من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان .. ؟ لماذا ؟

- لأنه يعترضك في الشريعة لجهلك بها .. ويفسد عليك عبادتك

ويأتيك في الخيال الكشفي .. ويجعلك تظن أنك من الأولياء لأنك ترى وتبصر ما لا يبصره الآخرون .. !!

- فو لم يكن لك شيخا يحذرك من هذه الأمور الشيطانية .. فلا تلومن إلا نفسك ... فيجب العلم والمعرفة بالله .. وإلا ستكون من الخاسرين .. بقدر ما أسقطت من شهادة التوحيد في قلبك بتركك ما هو مستحق لله فعله .. !!

#- يقول تعالى (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج32 .. فهل من تعظيم الشعائر القيام بها والمواظبة عليها .. أم إسقاطها وتركها ؟!!

- فلما عرفنا من هؤلاء إسقاطهم فرض الصلاة .. فقد علمنا منهم إنعدام تقوى الله في قلوبهم .. لعدم تعظيم شعائر الله في قلوبهم ..

وأيضا يقال للمنقطع عن الصلاة أوالزكاة أو أي فرض .. هو انقطاع لأسباب التقوى من قلبك .. ولكن الإستقامة في الفروض .. تجعلك تكون من أهل ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) .. وتدخلك معية وولاية الله الخاصة .

******************************

..:: الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيطان ::..

#- قصة تروى بالسند المتصل عن الشيخ الجيلاني :

- كان في خلوة مع مريديه وخرج منها عائدين الى منازلهم .. فظهر لهم في الأفق نور غطى السماء .. وسمعوا منه صوتا قويا كأنه رعدا .. يقول : يا عبد القادر قد غفرنا لك ما تقد وما تأخر من ذنبك .. ورفعنا عنك صلاة الفرض .. فلا تتعب نفسك بعد الآن ..

- فقال الشيخ الجيلاني : اخسأ يا لعين ..!!

- فانطفأ النور وظهر جسم شخص أسود يطير في السماء ضئيل الحجم .. يقول الشيطان للشيخ الجيلاني : لقد ضللت بهذه الحيلة مائة ألف عابد يا عبد القادر .. وما عصمك مني إلا معرفتك بالله ..

:: وحينما أنتهي المشهد سأله مريدوه : كيف عرفت أنه إبليس .. ؟ ::

- فقال الشيخ : لأنه لو كان هناك احدا أحق برفع الصلاة عنه لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولقد شدد عليها عند حضور وفاته فقال ( الصلاة الصلاة ) .. فكيف يوصي بالصلاة .. ويرفعها الله من بعده عن عبد تابع للنبي ..؟

#- طبعا ما ذكره الشيخ الجيلاني رضوان الله عليه هو بعض مما ينكشف به الخدعة الشيطانية .. وإلا فالأمر أوسع من ذلك .. حيث أن التجلي الإلهي الذاتي لا يظهر أبدا إلا من وراء حجاب .. وما عدا ذلك فهو محالا عقلا ونقلا ..

#- فالعقل يرفض هذا الظهور .. لأنه سيقول أن ما يراه هو جسم مخلوق .. لأن العين الجارحة المخلوقة لا تدرك إلا المخلوق .. فطالما العين أصبحت قادرة على رؤية ما يسمى بالإله .. إذن فهو ليس الخالق يقينا .. لأن العين المجردة تدرك المخلوق فقط ..!!

#- وأما نقلا .. فلأنه لم يرد نص شرعي تجلى فيه الإله لأحد عن طريق الكشف العيني البصري (أقصد تجلي ذاتي أي ظهور ذات الله في الوجود لأحد) فهذا التجلي الذاتي في عقيدة الهندوس والباطنية الإسماعيلية الشيعية وأمثالهم .. من أصحاب عقيدة الحلول والإتحاد وتناسخ الأرواح ..  وليس من عقيدة المسلمين الموحدين .. فانتبه .

#- وما حدث لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به .. وهو الوصول لسدرة المنتهى .. وهو ما لم يحدث لمخلوق أبدا سوى للنبي صلى الله عليه وسلم .. وكان من وراء حجاب .. وأوحي إلى عبده ما أوحى من البينات ..  وعند هذه النقطة يتوقف الكلام .

#- مع التنبيه على نقطة هامة للتذكرة: وهي أن المشاهد التي رأها صلى الله عليه وسلم كانت مشاهد حسية .. وليست خياليه لأنها رحلة تمت بالنَّفس المحمدي كاملا .. أي بالروح والجسد .. فالإدراك كان كاملا .. وأيضا لم يحدث هذا لمخلوق على وجه الأرض .. 

- أقول هذا لك أخي الحبيب .. حتى لا يخدعك أحد من جماعة ممارسي الطاقة الروحانية .. فيكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم بأن حادثة الإسراء والمعراج ما هي إلا مجرد إسقاط نجمي ترتب عليه خروج روح من الجسد .. مثله مثل أي هندوسي أو بوذي أو مسيحي أو يهودي أو مسلم يفعل ذلك ولديه هذه الخاصية ..!! 

- فما أكذبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وما أجرأهم عليه أن يشبهوه بأصحاب العقائد الأخرى ..!! أو ساووا أنفسهم به صلى الله عليه وسلم ..!! فما أقبح هذه النفوس  وما أشد ظلماتها ..!!

**************************

..:: التوحيد والعبودية وإسقاط الفرض ::..

- معرفة الله واليقين به .. هو ما أكرم الله به الشيخ الجيلاني بتثبيته في المشهد الذي حكيناه سابقا .. لأنه يدرك أن التوحيد يعني الإلتزام بالعبودية في حق المعبود .. وليس إسقاطها .. !! لماذا ؟

** لأن إسقاط العبودية معناه إسقاط التوحيد .. لأنه نقض العهد مع الله ورسوله .. في حقيقة الأمر .. يقول تعالى (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) الرعد25 ..

#-  وهل يسمى إسقاط الفرض عن النفس .. إلا نقضا لعهد الله ؟ 

****************************

- المسألة الثانية -

..:: التوحيد وإسقاط الذنوب ::..

#- الأصل: أن القاعدة عند أهل الله .. أن من سبقت له العناية وجبت له الهداية وصاحبته الولاية .. ولكن بشرط التوبه والثبات على الطاعة ظاهرا وباطنا قدر المستطاع .. مع بقاء القلب مخلصا راضيا متوكلا موقنا في مولاه .. فعندها يتولاه الله بالهداية والتوفيق للعمل الصالح .. 

- فهذا كان الأصل ..

- ولكنه تم تحريفه: إلى أن المعصية لا تهم إطلاقا طالما الله يحبك .. بدليل الأنوار التي أراها والملوك النورانية التي تجالسني .. وخدام السور والآيات التي تأتي وتستشيرني .. فضلا عن أنني من أهل الديوان .. وقد يرتقي البعض بغرور الشياطين المحيطة به ويعتقد في نفسه أنه قطب الأولياء .. !!

- نعود فنقول: أن من الكوارث التي نعيشها في الحياة من خلال بعض المتمصوفة .. بجوار مقولة إسقاط الفرض السابق الكلام عنه ..

- أيضا يضيفون جريمة إسقاط الذنوب من باب المحبة مهما فعل الإنسان .. ويستدلون على ذلك بأمور ..

1- من الحاجات اللي هتلاقي الناس دي بتستدل بها .. هي قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الأعراف156 .. ويقولوا: طالما رحمة الله وسعت كل شيء فهي بكل تأكيد شملت العاصي والمطيع .. وطالما الأمر كذلك فالمعصية مهما بلغت ومهما تكررت فهي في رحمة الله لأنها شيء من الأشياء ..!!

2- حديث: (إذا أحبَّ اللهُ عبدًا لمْ يضرَّهُ ذنبٌ) رواه القشيري في الرسالة ورواه الديلمي في الفردوس .. وقال الألباني في الضعيفة : حديث ضعيف.

3- حديث: (وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا، فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ؛ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) صحيح البخاري.

4- مقولة صوفيه : من سبقت له العناية لم تضره الجناية.

5- مقولة صوفية : من سبقت له العناية فقد وجبت له الولاية.

6- رواية عن أبي الحسن الشاذلي- رضي الله عنه- قال: يبلغ الولي مبلغا يقال له: أصحبناك السلامة ، وأسقطنا عنك الملامة ، فاصنع ما شئت .

** : والإجابة على ما سبق الإستدلال به : **

#- قلت (خالد صاحب الموضوع):

1- أما عن آية (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) .. فلا يخفى أن ما قالوه عن هذه الآية إنما هو كذب في تفسير كلام الله .. ليه ؟

- لأن من استدل بالآية .. اجتزأ منها ما يريد أن ينتصر به لهواه .. حتى أنه أخفى شرط تحقيق الرحمة في الآية التي فعلا تمحي الذنوب .. ولكن كيف ؟!! بالإيمان والتقوى والعمل مع الله .. وإليك كلام الله حتى تفهم ما أقوله لك .. حيث قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف156.

- فهذا المستبيح لفعل المعصية .. حذف شروط تحقيق الرحمة الإلهية .. أي حذف كل هذا الكلام (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ..!!

- فيا مؤمن انتبه مما يفعله هؤلاء الناس وكن على حذر منهم .. حتى لا يضيع إيمانك وتضيع حياتك في أوحال المعصية ..!!

 

2- أما عن الحديث الذي استدلوا به فهو حديث ضعيف ومقطوع الإسناد وليس بحجة ..

- فضلا عن أنكم ذكرتم جزء الحديث فقط ولم تذكروا الجزء الباقي وهو (التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له .. وإذا أحبَّ اللهُ عبدًا لم يضرَّهُ ذنبٌ ) .. والجزء الأول من الحديث صحيح وهو (التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له) رواه بن ماجه والطبراني .. وحسنه الألباني في تخريج بن ماجه .

- وإذا كان الكلام على فرضية او احتمالية وجود صحة للحديث من طرف آخر لا أعلمه .. فيكون أن التوبة هي مناط العمل لإسقاط الذنوب وهو ما يتوافق مع القرآن .. يقول تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) الفرقان70

** ويكون الجزء الآخر من الحديث .. إذا أحب الله عبدا وفقه للعمل الصالح والتوبة بما لن يضره ذنب قد ارتكبه أو يحجبه عن رحمة ربه .. لأنه مداوم على الطاعة .. فالمحبة تستوجب العمل مع الله واتباع النبي صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران31 ..

#- فكيف ستصيب الذنوب عبدا وتضره بعد التوبة .. وقد استولت عليه محبة الله ورسوله .. ؟!! أفلا تعقلون يا ناس ..!!

- ولذلك جاء في الحديث (على افتراض له طريق صحيح) (إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب) ..

#- ولما تبين فساد قولكم في استنتاجكم واستشهادكم بالحديث .. فقد انكشف بطلان ما تحاججتم به .. وبما هو مخالف للشرع والعقل على حد سواء ..

3- أما الحديث الذي يتعلق بأهل بدر ..

- فهل أنتم من أهل بدر حتى يندرج فيكم هذا الحكم .. هذا على افتراض ظاهر الحديث ..؟!!

- فإني اختلف في فهمه ( من وجهة نظري ) .. لأني أفهمه أن الله يكرم أهل بدر بأنه يجازيهم بالقليل من الأعمال .. بمزيد من الغفران من باب الكرامة لما فعلوه في ذلك اليوم من إخلاص وصدق توجه إلى الله ..

- فهذا فهمي للحديث وأعلم أنه مخالف لما اتفق عليه غالب شراح الحديث بأخذه على ظاهره ..

- ولكن حتى لو أخذناه على ظاهره .. فالسؤال هل أنت من أهل بدر .. لأن الحديث هو خصيصة وكرامة لأهل بدر فقط ؟

فهل أنت منهم ؟

4- المقولات الصوفية .. ليست حكما شرعيا للاستدلال به ..

- فهذه الأقوال الصوفية ليست حكما للإستدلال بها شرعا على ما يجب وما لا يجب .. ولكن هذه المقولات لها توضيح خلاف ما تعفنت به عقولكم من الفهم المغلوط من هوى متبع فيكم ..

- فمن سبقت له العناية وجبت له الولاية .. فهذا حق .. لأن الله سيوفقه للعمل بلا إله إلا الله محمد رسول الله .. فيكون من أهل لا إله إلا الله وهذا يدخله معيَّة العناية الله .. ومن كان في معية الله فقد تولاه الله برحمته وهدايته ..

5- أما المقولة الاخرى " من سبقت له العناية فلا تهمه الجناية " ..

- فهذا حق أيضا .. لأن من سبقت له الحسنى من الله فهو من المبعدون من عذاب الله .. لأنه يوفقهم لما يحب ويرضى .. حتى يقابلوه وهو منعم عليهم بالغفران والرضوان ..

- فالعناية هي التوبة و التوفيق والهداية والقيام بالأعمال الصالحة .. فمن رزقه الله ذلك فذنوبة السابقه لا تهم لأنه أصبح يفعل من الصالحات ما يستوجب به رحمت الله .. شرط أن يختم له في حضن العناية الإلهية

6- مقولة أبي الحسن الشاذلي : يبلغ الولي مبلغا يقال له: "أصحبناك السلامة ، وأسقطنا عنك الملامة ، فاصنع ما شئت" ..

- فمعنى (أصحبناك السلامة): .. فهو معنى لقوله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) يونس62.

- وإشارة لقوله (حتى أحبه) .. كما في الحديث القدسي . 

- ومعنى (أسقطنا عنك الملامة): .. إشارة لقوله في الحديث القدسي: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها).

- ومعنى (فاصنع ما شئت): .. إشارة لقوله في الحديث القدسي: (وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) ..

- فليس معناه إباحة الذنوب .. فالتخيير لا يكون على المحرمات وإنما على الجائزات .. فالمعنى افعل ما شئت من الصالحات تكن مقبولا بإذن الله .. وإذا صنعت ذنبا وتبت عنه فمقبول إن شاء الله مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح : (أنَّ رجُلًا أذنَب ذنبًا فقال : أيْ ربِّ أذنَبْتُ ذنبًا - أو قال : عمِلْتُ عمَلًا - فاغفِرْ لي فقال تبارَك وتعالى : عبدي عمِل ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يغفِرُ الذَّنبَ ويأخُذُ به قد غفَرْتُ لعبدي ثمَّ أذنَب ذنبًا آخَرَ - أو قال : عمِل ذنبًا آخَرَ - قال : ربِّ إنِّي عمِلْتُ ذنبًا فاغفِرْ لي فقال تبارَك وتعالى : علِم عبدي أنَّ له ربًّا يغفِرُ الذَّنبَ ويأخُذُ به قد غفَرْتُ لعبدي ثمَّ عمِل ذنبًا آخَرَ أو أذنَب ذنبًا آخَرَ فقال : ربِّ إنِّي عمِلْتُ ذنبًا فاغفِرْ لي فقال اللهُ تبارَك وتعالى : علِم عبدي أنَّ له ربًّا يغفِرُ الذَّنبَ ويأخُذُ به أُشهِدُكم أنِّي قد غفَرْتُ لعبدي فلْيعمَلْ ما شاء )

- فطالما توافر الاعتراف بالذنب وتجديد التوبة.. سيجد الله توابا غفورا ..

- فهذا هو مفهوم كلام العارفين .. قد شرحناه تفصيلا وافيا كافيا بإذن الله .. فانتبه لما بلغك من العلم .

6- هل المحبة تأتي بمخالفة المحبوب .. أم بطاعته ؟

- فلما ثبت أن المحبة لا تأتي إلا بالطاعة وصدق الإتباع .. كما قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) .. فقد علم بالضرورة فساد ما قمتم بتأويله .. وفساد ما تأولتوه نقلا عن المشايخ .. وما ورد في الحديث ..

7- وختاما .. أيضا دليل آخر قوله تعالى :

(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) المائدة18 .. فسبب انتفاء المحبة وتعرض اليهود والنصارى للعقاب .. هو الذنوب .. فمن أذنب في حق الله وأسقط فرضه .. واتبع هواه .. فقد حق عليه العقاب .

#- ومما سبق يتبين لك فساد من زعم أن الذنوب لا تهم مهما فعلت .. لأن الله أرسل إليك ملائكة تخبرك بأنك محبوب عند الله ..!!

****************************

- المسألة الثالثة -

..::  إثبات الغيرية في القلب ::..

فمرة أسقطوا الفرض ومرة أسقطوا الذنب وهذه المرة أثبتوا فيها الغيرية مع الله .. ولا أدري من أين جاءوا بتصوفهم هذا ..؟

- فنجد البعض قد جعلوا من الشيخ واسطة بين العبد وربه .. ولو غضب عليك الشيخ .. فأنت مغضوب عليك .. ولو رضي عنك الشيخ فأنت مرضي عنك .. !!

- فأي مؤمن يستوعب عقله هذه التخاريف .. وما هذه الأمراض القلبية .. التي تختلج صدور هؤلاء .. ؟ حتى يجعلون رضى الله من رضا المشايخ ..!! وكأن هذه المشايخ هي رسول الله صلى الله عليه وسلم ..!!

- نعم .. لو كان الشيخ وليا لله وأنت عاديته .. فقد يصيبك ضرر من الله .. للحديث القدسي: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب) صحيح البخاري .. 

- وقوله (آذنته): أي أعلنت عليه الحرب .. جزاء اعتداءه على أولياء الله .

- ولكن هذا في حالة الإعتداء على الشيخ .. بل وليس المشايخ فقط .. بل كل إنسان ستعتدي عليه .. سيعاقبك الله لأن الله يقول: (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة190 ..، ويقول تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) الشورى40 .. ولكن الله يقتص لأولياءه وأحبابه لأنهم خاصته .. والمحارب لهم فهو محارب لله .. فهذا ليس اعتداء على الشيخ وإنما في الحقيقة هو اعتداء على الله .. لأن هذه المشايخ هم الذين يؤيدون الله في أرضه وخلفاءه في نشر الدين وتعليمه ...

- ولكن نجد أن البعض يقوم بتحريف مقولة على غير مقصود أهل الله .. وهي : (من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان) .. فيقومون بالترويج لهذه المقولة على أنها استسلام وخضوع كامل للشيخ .. حتى تصاب بالنفحات والبركات .. !!

- فهذا هو الإنحراف الكبير في الفهم .. لأن هذه المقولة قيلت خاصة في أصحاب الكشف والخواطر التي قد يفتن فيها المؤمن .. وفي عموم ما قد يشعر به الشيخ من فتنة قلبية بالعُجب والرياء في قلب المريد .. فيأتي دور الشيخ بالتوجيه والتنبيه للمؤمن أن ينتبه لما يصيبه ..

 

- ويمكنك أن تفهم هذه المقولة بأسلوب آخرهكذا:

- من لم يكن له شيخ يعينه على الحق بمدد الحق من الكتاب والسنة فهو على الباطل بمدد الباطل مفارقا للكتاب والسنة..

*****************************

..:: الرابطة الروحية ::..

- الأصل : هو وجود محبة بين الشيخ والمريد .. يترتب عليها أحاسيس مشتركة بين الطرفين في حالة تفعيل خاصية روحانية في كلا الطرفين أو أحدهما .. وهذه الأحاسيس المشتركة تسمى رابطة روحانية .

- والمشايخ أصحاب المدد الروحاني والهمة العالية يمكن أن يساعدك على نفسك من خلال طريقين :

- الأول : يمنع عنك بما أعطاه الله من موهبة .. تسلط نفسك الأمارة بالسوء بالإرشاد والتوجيه.

- الثاني : ويمنع عنك بإذن الله .. أذي الجن والروحانيات المؤذية من أن يعترضوك روحانيا .. لتكمل طريقك خاصة في معراجك الروحي بلا ضرر ..

#- ولكن في النهاية هذه المشايخ لا يملكون لك نفعا ولا ضرا .. لسبب مهم جدا .. أن قلبك هو المقياس في اتصال هذه الرابطة الروحية ..

- فلو قلبك غير معلق بالله .. فكيف سيمدك الله بمدد شيخك ؟!! .. فمدد المشايخ من جند الله الخفي .. وما يعلم جند الله إلا الله .

** فهل تظن أن يمد الله قلبا منكرا أو جاحدا أو متوهما أو طامعا .. هيهات هيهات !!

# ثم حديث انحراف في فهم الرابطة الروحانية: فقال بعض المتمصوفين ان الرابطة الروحانية تمنحك أن الشيخ هو الواسطة إلى الله ..!!

- وللجواب على ما سبق: فهل هذا معناه بدون الشيخ سيمنعني الله من الإتصال به ؟

- سبحانك هذا بهتان عظيم ..!!

#- واعلم أخي الحبيب أن من أعظم الروابط الروحانية على الإطلاق .. هي رابطة قلبك بالقرآن الكريم .. وحب النبي صلى الله عليه وسلم .

#-  فقد يصيب الروح القرآني قلب العبد فيشعل فيه فتيل طاقة الطاعة ويطفيء فيه فتيل طاقة المعصية .. وقد يشتعل فتيل الصلاة على النبي في قلب المؤمن فيكفيه الله أمره ويغفر له ذنبه كما جاء في الحديث (تُكْفَى هَمَّكَ ، ويُغفرَ لَكَ ذنبُكَ) صحيح الترمذي.

** قصة للرابطة الروحانية بين المؤمن والقرآن: 

- يروى أن أحد العارفين كان في بدايته لص منازل .. فذهب إلى منزل في الفجر وسرقة .. وعندما خرج فمر على مسجد وكان صوت القارئ جيد جدا .. وكان يقرأ ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد16

فرمي اللص ما كان في يده .. وقال " آن الأوان يارب آن الأوان يارب "

** ماذا حدث مع هذا اللص ؟ .. الذي أصبح بعد ذلك من أكابر العارفين فيما بعد واسمه الفضيل بن عياض ( وهو خلاف القاضي الفضيل بن عياض الفقيه المشهور) .. ولماذا أصبح من العارفين ؟

لأنه تاب وعمل بلا إله إلا الله حتى آخر يوم في حياته .. وقام برد الحقوق لأصحابها في حياته ..

** والروح القرآني قد ارتبط بقلبه .. حتى اشتعل فتيل المحبة .. وانطفأ فتيل الغفلة .. وما الله يريد ظلما للعباد ..

*******************************

:: س: ما فائدة استحضار صورة الشيخ أو مجالسته معي أثناء الذكر ؟ ::

 - يقال أنه من المهم أن تستحضر صورة الشيخ أثناء الذكر .. فكيف ذلك .. ولماذا ؟!! 

- هو أنك تتصور مجالسة من تأنس بمجالستهم .. بل هم سببا في ذكر الله .. فتصورك لهم هو سبب ووسيلة في رفع همتك وعزيمتك وقت الذكر .. بل وهذا التصور وهذا يكسبك مزيد من الأدب أثناء الذكر لإحساسك بالمؤانسة لمجالستك لمن تحبه ويحبه الله .. كأنك تجالسه فعلا في الواقع ..!!

- فتصور وجودك مع الشيخ .. هو صورة حاجبة للخواطر وللروحانية والخيالات المؤذية والمفسدة عليك حالك .. لأن من محبتك لشيخك تظهر صورته فيك وتغلب أي صور أخرى .. كأنك تجالسه فتلتزم الأدب .. ليس أكثر من ذلك .. حتى إذا استشعرت حضورك بقلبك بين يدي مولاك .. فهذه الصورة تسقط بالكلية .. ولا يتبقى إلا أنت ومولاك فقط .. 

- ولمن ليس له شيخ .. فيمكنه أن يتصور الكعبة أمامه أو أنه جالس في الروضة النبوية بجوار النبي صلى الله عليه وسلم ..

********************************

:: هل أنت تثق في شيخك ؟ ::

- سؤال مهم : هل أنت تثق في شيخك هذا حتى تستحضر وجوده ؟

- لأنه لو هذا الشيخ روحاني وليس رباني .. فقد دمرت حياتك ونفسك وأفسدت عليك حالك .. ولن ينالك إلا الرهق والتعب .. والخيالات والأوهام .. وتعيش في متاهة الملوك والخدام .. وتظل عبدا لغير مولاك حتى آخر أيامك .. جزاءا وفاقا .. ويبقى ذكرك ليس لله وإنما للمحافظة على ما معك من روحانية .. ثم تموت وتجد نفسك يوم القيامة مفلسا !!

** ويا حسرة عبد .. أتعب نفسه بالذكر ليجالس الجن .. ويا سعادة عبدا أتعب نفسه مع الله ليبقى بجوار ربه ..

** لا تنسى أخي الحبيب:

- من طلب الله بذكر الله وعمل بالتوحيد .. وجد الله له حافظا .. ومن طلب غير الله بذكر الله ولم يعمل بالتوحيد .. وجد الشيطان له مرشدا .. ولكل امريء ما نوى .. ولا يظلم ربك أحدا.

** وعلامة المربي الرباني .. هو مساعدتك على حضورك بين يدي مولاك ومخالفة هواك .. ووصلك برسول الله صلى الله عليه وسلم .

***************************

سؤال مهم : ماذا تفعل إن لم تجد الشيخ الذي هو بالله موصول ؟

#- قلت (خالد صاحب الموضوع): 

- إذا لم تجد شيخا تحسبه على خير وتجد في قلبه الرحمة والمحبة وحسن الإتباع لدينه .. فعليك بملازمة الصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم .. حتى تكفى همك ويغفر ذنبك ..

- وتأمل هذا الحديث وأنت تفهم: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا ذَهَبَ ثُلُثا اللَّيلِ قامَ فقالَ : يا أيُّها النَّاسُ اذكُروا اللَّهَ اذكُروا اللَّهَ جاءتِ الرَّاجفةُ تتبعُها الرَّادفةُ جاءَ الموتُ بما فيهِ جاءَ الموتُ بما فيهِ ، قالَ أُبيٌّ : قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ علَيكَ فَكَم أجعلُ لَكَ مِن صلاتي ؟ فقالَ : ما شِئتَ قالَ : قلتُ : الرُّبُعَ ، قالَ : ما شئتَ فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ ، قُلتُ : النِّصفَ ، قالَ : ما شِئتَ ، فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ ، قالَ : قلتُ : فالثُّلُثَيْنِ ، قالَ : ما شِئتَ ، فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ ، قلتُ : أجعلُ لَكَ صلاتي كلَّها قالَ : إذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، ويُغفرَ لَكَ ذنبُكَ) صحيح الترمذي.

- فالتزم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. حتى تصل لأن تكون الصلاة على النبي بعدد أنفاسك .. وكأنك قد جننت بالصلاة على النبي .. وأفضل الصيغ هذه الصيغة الكاملة (اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم) .. ويمكنك أن تبدأ بهذه الصيغة (اللهم صل على محمد) .. ثم ترتقي بعد شهرين مثلا إلى الصيغة الكاملة .. من باب تدريج النفس على الطاعة ..

- أنعم الله عليكم جميعا بالوصل النبوي حتى تسمعوا رد سلامه عليكم .. ولكن تذكر أن هذا يحدث بصدق الإتباع وحب غالب عليك له صلى الله عليه وسلم.

***************************

..:: أخي الحبيب محب الله ورسوله كن متعلقا بالله ومتبعا لرسوله ::..

- اقرأ معي في تفسير سهل التستري وهو أحد الصوفية السلف (المتوفى: 283هـ):

-  حيث يقول عن قوله تعالى : (رَبَّنا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) أي لا تَمِل قلوبنا عن الإيمان بعد إذ هديتنا بهداية منك .. (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) .. لمن رجع إليك بالافتقار والتضرع والمسكنة . 

- ثم قال سهل: ليس للعبد حيلة سوى أن يواظب في جميع عمره على قول: «رب سلم سلم ، الأمان الأمان ، الغوث الغوث».

تفسير سهل التستري ج1 ص47

- ما سبق هو نموذج تفسيري من الصوفية المحبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. وليس من جماعة تنتسب للتصوف زورا لينشروا أهوائهم ..!!

****************************

:: ختاما: أيها السادة ::

- أخي الحبيب .. أحببت أن أضع مثل هذه المسائل .. لأنها قد تعترض السالك في طريق الله .. وقد تحيد به عن طريق الله .. ليسقط في أوحال بعض الطرق المتمصوفة التي لا تتقي الله ..

- انتبهوا من جماعة الروحانيين المتسترون بعباءة التصوف .. أو يختبئون تحت مسمى طريقة صوفية .. ويرشدون الناس للتعلق بالأضرحة .. ويوهمون الناس أنهم تحت عبائتهم يدفعون عنهم السوء .. ويفتحون لهم الأبواب .. وما شابه هذه الأكاذيب .

- توقف عن استقبال الكذب المعسول بصبغة صوفية مزيفة ولا علاقة له بالتصوف .. إنما هو إنحراف ارتضاه بعض من لم يتقي الله في دينه والمؤمنين .. 

- وكن مع الصادقين .. الموحدين .. وقل: اللهم علمني الأدب بلا إله إلا الله محمد رسول الله .. واستعملني بها كما تحب وترضى ..

تحياتي لكم

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسائل العلمية مصدرها مدونة الروحانيات فى الاسلام - ومؤلفها / الأستاذ خالد أبوعوف - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات  ..