حوارات مع النصارى حول كرامات النبي وكلام القرآن .. مسلم مسيحي يهودي مَن سيدخل الجنة ومَن سيدخل النار ؟ .. انشقاق القمر هل رآه أحد ؟.. السيدة عائشة رضي الله عنها وحادثة الإفك ؟.. ألوهية عيسى عليه السلام هل أقرها القرآن ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

.. الفصل الحادي عشر .. 

من طهارة التوحيد .. في فقه العارفين

***************

.. حوارات مع النصارى حول كرامات النبي وكلام القرآن ..

.. مسلم مسيحي يهودي .. مَن سيدخل الجنة ومَن سيدخل النار ؟ ..

.. انشقاق القمر هل رآه أحد  ؟ .. 

.. السيدة عائشة رضي الله عنها وحادثة الإفك ؟ ..

.. ألوهية عيسى عليه السلام هل أَقرَّها القرآن ؟ ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. ساداتي الأفاضل .. مع ختام الحوارات الخاصة بالإلحاد عن المنهج الإسلامي .. نختمها بثلاث مناقشات حدثت ولكن هذه المرة مع أهل الكتاب .. منهم محاورتين ومناظرة ..

فالمحاورة الأولى .. مع الشيخ محمد عبده المجدد الإسلامي المعروف وأول من تولى شئون الإفتاء بالأزهر الشريف ..

والمحاورة الثانية مع المفسر الفخر الرازي صاحب تفسير مفاتيح الغيب .. وهو مشهور عن التعريف ..

والمناظرة كانت مع القاضي الفقيه أبو بكر الباقلاني .. وهو فقيه عصره وكان حاد الذكاء جدا .. وحاضر الذهن والقلب ..

وقد اتعبتني هذه المناظرة جدا في تحصيل أجزائها ثم إعادة ترتيبها وشرح الغامض فيها .. والحمد لله .. أظن أنها أصبحت واضحة المعالم بهذا الشكل الذي تم الترتيب عليه ..

** ولهذه المناقشات واقع طيب في النفس جدا لما فيهما من معرفة وحُسن استنباط .. وكيف يكون الله مؤيدا عبده المتصل به دائما .. وأظرف المحاورات هي التي حدثت مع الشيخ محمد عبده .. بعيدا عن القيل والقال .. حيث أنها تتكلم بلسان الواقع أمام الحضور الإلهي .. ماذا لو كان محمد صادقا ؟!!

** ونكون بهذه المناقشات قد وصلنا لختام الحوارات والمناظرات في فقه طهارة التوحيد .. وليس ختاما لفقه الطهارة عند العارفين .. الذي لم نتكلم عنه حتى الآن .. !! ..

** ملحوظة : قمت بحذف شيء من مناظرة الإمام الفخر الرازي .. تتعلق بنقطة فلسفية .. لن يفهمها الكثير .. فقلت لا داعي لها .. خاصة وأنها لن تعود بالفهم للناس .. !!

 ومن أراد أن يقرأها فسيجدها على النت متاحة .. ولكن لا يضيع وقته لأنه يحتاج لفهم قواعد فلسفية أو قراءة جيدة لعلم الكلام .. !!

نبدأ الموضوع

بسم الله توكلت على الله ..

 *****************************

.. حوارات مع النصارى حول كرامات النبي وكلام القرآن ..

(1)

..:: الشيخ محمد عبده ومحاورة أهل الكتاب ::..

هذه مناظرة سمعتها ( صاحب المقال ) من أحد المشايخ أثناء تلقي العلم منهم .. وقد رواها عن واقعة حدثت مع الشيخ محمد عبده رحمه الله ..

.. سُأل الشيخ محمد عبده من أهل الكتاب في أحدى سفرياته .. 

** حيث قالوا له : لماذا دينك هو الحق ؟

فقال الإمام : الإنسان حينما يموت ويذهب إلى الله لسؤاله ما كان دينك ونبيك وكتابك .. ؟

فلو كان موسى حقا .. فأنا مؤمن بموسى والتوراة

ولو كان  عيسى حقا .. فأنا مؤمن بعيسى والإنجيل

ولو كان محمد حقا .. فأنا مؤمن بمحمد والقرآن ..

ولكن ماذا لو كان محمد حقا .. فماذا ستقولون لرب العالمين ؟!!

فبهتوا ..

*******************************

(2)

..:: مناظرة القاضي أبي بكر الباقلاني كاملة في مجلس ملك الروم ::..

وجه عضد الدولة في بعض سفراته ، إلى ملك الروم الأعظم ، القاضي أبا بكر ابن الطيب ، واختصه بذلك ، ليظهر رفعة الإسلام ، ويَغُضُّ من النصرانية .

قال ملك الروم للقاضي : قد أخبرنا صاحبكم " الخليفة عضد الدولة" فِي كتبه : إنك لسان المسلمين والمناظر عنهم ، وأنا أشتهي أن أعرف ذلك وأسمعه منك ، كما ذكروه عنك.

فلما كان يوما صنع فيه الملك مائدة طعام .. وبعد الانتهاء .. سأل القاضي أبو بكر أسئلة .. منها ..

..:: المجلس الأول ::..

قال : هذا الذي تدعونه فِي معجزات نبيّكم من انشقاق القمر ، كيف هو عندكم؟

قلت : هو صحيح عندنا ، وانشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى رأى الناس ذلك . وإنما رآه الحضور ، ومن اتفق نظره إليه فِي تلك الحال .

فقال الملك : وكيف لم يره جميع الناس؟

قلت : لأن الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لشقوقه وحضوره .

فقال الملك : وهذا القمر بينكم وبينه نسبة وقرابة ؟  لأي شيء لم تعرفه الروم وغيرها من سائر الناس ، وإنما رأيتموه أنتم خاصة ؟

قلت : فهذه المائدة بينكم وبينها نسبة ؟ وأنتم رأيتموها دون اليهود ، والمجوس والبراهمة ، وأهل الإلحاد ، وخاصة يونان جيرانكم ، فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن ، وأنتم رأيتموها دون غيركم .

فتحيّر الملك وقال بكلامه "بلغته ما معناه" : سبحان الله .. وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلمني . وقال : نحن لا نطيقه . لأن صاحبه "الخليفة عضد الدولة" قال : ما فِي مملكتي مثله ، ولا للمسلمين فِي عصره مثله .

** جاؤوا برجل كالذئب أشقر الشعر مسبله ، فقعد ، وحُكِيَت له المسألة ..

فقال القسيس : الذي قاله المسلم لازم ، هو الحق لا أعرف له جواباً إلا ما ذكره .

فقلت له : أتقول إن الكسوف إذا كان ، يراه جميع أهل الأرض أم يراه أهل الإقليم الذي بمحاذاته ؟

قال القسيس : لا يراه إلا من كان فِي محاذاته .

قلت : فما أنكرت من انشقاق القمر ، إذا كان فِي ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية ، ومن تأهب للنظر له ؟ فأما من أعرض عنه ، وكان فِي الأمكنة التي لا يرى القمر منها فلا يراه . فقال : هو كما قلت . ما يدفعك عنه دافع .

قال القسيس : وإنما الكلام فِي الرواة الذين نقلوه . وأما الطعن فِي غير هذا الوجه ، فليس بصحيح .

فقال الملك : وكيف يطعن فِي النقلة ؟

فقال القسيس : شبه هذا من الآيات ، إذا صح ، وجب أن ينقله الجم الغفير ، إلى الجم الغفير ، حتى يتصل بنا العلم الضروري به ، ولو كان كذلك ، لوقع إلينا العلم الضروري به . فلما لم يقع لنا العلم الضروري به ، دلّ أن الخبر مفتعل باطل .

فالتفت الملك إليّ وقال لي : إجابة القسيس .

قلت : يلزمه فِي نزول المائدة ، ما يلزمني فِي انشقاق القمر ، ويقال له لو كان نزول المائدة صحيحاً ، لوجب أن ينقله العدد الكثير ، فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا ثنوي "الثنوية هم من يعتقدون بتعدد الإلهة" إلا ويعلم هذا بالضرورة . ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة ، دلّ أن الخبر كذب . فبهت النصراني والملك ، ومن ضمه المجلس .

وانفض المجلس على هذا يديه . ثم رفع رأسه ، ونصب ظهره . ثم أدار وجهه إلى الملك حينئذ ، فعجب من فطنته ، ووقعت له الهيبة فِي قلبه .

..:: المجلس الثاني ::..

قال القاضي : ثم سألني الملك فِي مجلس ثانٍ ..

فقال الملك : ما تقولون فِي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام؟

 قلت : روح الله ، وكلمته ، وعبده ، ونبيه ، ورسوله . كمثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له : كن فيكون . وتلوت عليه النص .

فقال الملك : يا مسلم تقولون : المسيح عبد

فقلت : نعم ، كذا نقول ، وبه ندين .

قال : ولا تقولون إنه ابن الله ؟

قلت : معاذ الله ، ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ . عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) المؤمنون91-92 ..

إنكم لتقولون قولاً عظيماً . فإذا جعلتم المسيح ابن الله ، فمن أبوه وأخوه وجده وعم وخاله . وعددت عليه الأقارب ، فتحيّر ..

وقال : يا مسلم ، العبد يخلق ، ويحيي ويميت ويبرئ الأكمه والأبرص ؟

قلت : لا يقدر العبد على ذلك وإنما ذلك كله من فعل الله عز وجلّ .

قال : وكيف يكون المسيح عبداً لله وخلقاً من خلقه ، وقد أتى بهذه الآيات ، وفعل ذلك كله ؟

قلت : معاذ الله ما أحيى المسيح الموتى ولا أبرأ الأكمه والأبرص . فتحيّر وقلّ صبره ..

وقال : يا مسلم ، تنكر هذا مع اشتهاره فِي الخلق ، وأخذ الناس له بالقبول ؟

فقلت : ما قال أحد من أهل الفقه والمعرفة ، إن الأنبياء عليهم السلام ، يفعلون المعجزات من ذاتهم . وإنما هو شيء يفعله الله تعالى على أيديهم ، تصديقاً لهم ، يجري مجرى الشهادة .

فقال : قد حضر عندي جماعة من أولاد نبيّكم ، وأهل دينكم المشهورين فيكم ، وقالوا ، إن ذلك فِي كتابكم .

فقلت : أيها الملك ، فِي كتابنا أن ذلك كله بإذن الله ، وتلوت عليه منصوص القرآن فِي المسيح : (بإذن الله) ، وقلت : إنما فعل ذلك كله بإذن الله وحده لا شريك له ، لا من ذات المسيح ..

ولو كان المسيح يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص من ذاته .. لجاز أن يقال : موسى ، فلق البحر ، وأخرج يده بيضاء من غير سوء من ذاته .

وليست معجزات الأنبياء عليهم السلام من ذاتهم وأفعالهم ، دون إرادة الخالق . فلما لم يجز هذا ، لم يجز أن تسند المعجزات التي ظهرت على يد المسيح إليه .

فقال الملك : وسائر الأنبياء كلهم من آدم ، إلى من بعده كانوا يتضرّعون للمسيح ، حتى يفعل ما يطلبون .

قلت : أوَفي لسان اليهود عَظْم "مَنَعَهُم من الكلام" ، حتى لا يقدرون أن يقولوا إن المسيح كان يتضرّع إلى موسى ؟!!

وكل صاحب نبي "ما منعهم أن" يقولوا : إن المسيح كان يتضرع إلى نبيه ، فلا فرق بين الموضعين فِي الدعوى . "أي كلا المسألتين باطل"

..:: المجلس الثالث ::..

قال القاضي رحمه الله : ثم تكلمنا فِي مجلس ثالث ..

فقلت له : لماذا أتحد اللاهوت "الإله" بالناسوت "بالجسد الإنساني" ؟

قال : أراد أن ينجي الناس من الهلاك .

قلت له : هل درى "عَلِمَ" بأنه يقتل ويصلب ويُفعل به كذا ولن يؤمن به اليهود ؟

فإن قلت إنه لا يدري ما أراد اليهود به ، بطل أن يكون إلهاً . وإذا بطل أن يكون إلهاً ، بطل أن يكون ابناً ..

وإن قلت قد درى "عَلِمَ" ودخل فِي هذا الأمر على بصيرة ، فليس بحكيم ، لأن الحكمة تمنع من التعرض للبلاء . فبهت .

وكان آخر مجلس كان لي معه .

الحاوي في تفسير القرآن .. ج149 ص 115 .. مع التصريف و توضيح الغامض وقد وضعته بين علامتي تنصيص وخط أسفل الكلمة ومعناها " .... "

*********************************

..:: تكملة المناظرة مع الْقَاضِي أَبَا بكر بن الباقلاني ::..

كان الْخليفة الملقب بعضد الدولة كَانَ قد بعث الْقَاضِي أَبَا بكر بن الباقلاني فِي رِسَالَة إِلَى ملك الرّوم :

قيل إِنَّه دخل إِلَيْهِ يَوْمًا فَرَأى عِنْده بعض مطارنته ورهبانيته فَقَالَ لَهُ "القاضي" مستهزئا بِهِ "بالراهب" كَيفَ أَنْت وَكَيف الْأَهْل وَالْأَوْلَاد فتعجب الرُّومِي مِنْهُ وَقَالَ لَهُ : ذُكر من أرسلك فِي كتاب الرسَالَة إِنَّك لِسَان الْأمة ومتقدم على عُلَمَاء الْملَّة .. أما علمت أنَا ننزه هَؤُلَاءِ عَن الْأَهْل وَالْأَوْلَاد ( لأنهم يرون أن رهبانهم لهم الرفعة والقداسة التي تمنعهم من أن يكون لهم زوجة ولا ولد !! ) ..

فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بكر : أَنْتُم لَا تنزهون اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن الْأَهْل وَالْأَوْلَاد وتنزهونهم "رهبانكم" .. فَكَانَ هَؤُلَاءِ عنْدكُمْ أقدس وَأجل وَأَعْلَى من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ..!!

.. ما بين الأقواس ومظلل وأسفله خط .. هو شرح للغامض من الكلام ..

 **********************************

..:: عن السيدة عائشة وحادثة الإفك ::..

** وروي : أَن طاغية الرّوم قَالَ لَهُ وَقصد توبيخه " القاضي أبو بكر الباقلاني " ..

فقال طاغية الروم : أَخْبَرنِي عَن قصَّة عَائِشَة زوج نَبِيكُم .. وَمَا قيل فِيهَا ..؟

فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي أَبُو بكر : هما اثْنَتَانِ قيل فيهمَا مَا قيل .. زوج نبينَا وَمَرْيَم بنت عمرَان .. فَأَما زوج نبينَا فَلم تَلد .. وَأما مَرْيَم فَجَاءَت بِولد تحمله على كتفها .. وكل قد برأها اللَّه مِمَّا رميت بِهِ .. فَانْقَطع الطاغية .

( يريد أن يشير القاضي أبو بكر رحمه الله .. لملك الروم .. أيهما أحق بالطعن فيه .. من جاءت بولد تحمله بلا زوج .. أم من ليس معها ولد ؟ ) .. فبهت الذي كفر ..!

.. ما بين الأقواس ومظلل وأسفله خط .. هو شرح للغامض من الكلام ..

****************************

(3)

..:: مناظرة بين فخر الدين الرازي وبين عالم نصراني ::..

قال الإمام الفخر الرازي :

اتفق أني حين كنت بخوارزم ( منطقة بخراسان غرب أوزباكستان ) ، أُخبٍرتُ أنه جاء نصراني يدعي التحقيق والتعمق في مذهبهم ، فذهبت إليه وشرعنا في الحديث ..

* وقال لي : ما الدليل على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ؟

فقلت له : كما نقل إلينا ظهور الخوارق على يد موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام، نقل إلينا ظهور الخوارق على يد محمد صلى الله عليه وسلم ..  فإن رددنا التواتر أو قبلناه لكن قلنا : إن المعجزة لا تدل على الصدق ، فحينئذ بطلت نبوّة سائر الأنبياء عليهم السلام ..

وإن اعترفنا بصحة التواتر ، واعترفنا بدلالة المعجزة على الصدق .. ثم إنهما حاصلان في حق محمد .. وجب الاعتراف قطعًا بنبوّة محمد عليه السلام ضرورة أن عند الاستواء في الدليل لابد من الاستواء في حصول المدلول.

* فقال النصراني : أنا لا أقول في عيسى عليه السلام أنه كان نبيًا .. بل أقول أنه كان إلها ؟

فقلت له : الكلام في النبوّة لابد وأن يكون مسبوقًا بمعرفة الإله وهذا الذي تقوله باطل ويدل عليه أن الإله عبارة عن موجود واجب الوجود لذاته .. يجب أن لا يكون جسمًا ولا متحيزًا ولا عرضًا ..!!

وعيسى عبارة عن هذا الشخص البشري الجسماني الذي وجد بعد أن كان معدومًا ، وقُتل بعد أن كان حيًا على قولكم ..

وكان طفلًا أولًا ، ثم صار مترعرعًا ، ثم صار شابًا ، وكان يأكل ويشرب ويحدث وينام ويستيقظ ، وقد تقرر في بداهة العقول أن المحدث لا يكون قديمًا والمحتاج لا يكون غنيًا والممكن لا يكون واجبًا والمتغير لا يكون دائمًا .

* والوجه الثاني : في إبطال هذه المقالة أنكم تعترفون بأن اليهود أخذوه وصلبوه وتركوه حيًا على الخشبة ، وقد مزقوا ضلعه ، وأنه كان يحتال في الهرب منهم ، وفي الاختفاء عنهم ، وحين عاملوه بتلك المعاملات أظهر الجزع الشديد ..!!

فإن كان إلها أو كان الإله حالًا فيه أو كان جزءًا من الإله حالًا فيه .. فلم لم يدفعهم عن نفسه ؟ ولم لم يهلكهم بالكلية ؟ وأي حاجة به إلى إظهار الجزع منهم والاحتيال في الفرار منهم !

وبالله أنني لأتعجب جدًا ! إن العاقل كيف يليق به أن يقول هذا القول ويعتقد صحته ، فتكاد أن تكون بديهة العقل شاهدة بفساده .

* والوجه الثالث : وهو أنه : إما أن يقال بأن الإله هو هذا الشخص الجسماني المشاهد ، أو يقال حل الإله بكليته فيه ، أو حل بعض الإله وجزء منه فيه ..

والأقسام الثلاثة باطلة :

أما الأول : فلأن إله العالم لو كان هو ذلك الجسم ، فحين قتله اليهود كان ذلك قولًا بأن اليهود قتلوا إله العالم ، فكيف بقي العالم بعد ذلك من غير إله !

ثم إن أشد الناس ذلًا ودناءة اليهود ، فالإله الذي تقتله اليهود إله في غاية العجز !

وأما الثاني : وهو أن الإله بكليته حل في هذا الجسم ، فهو أيضا فاسد ، لأن الإله لم يكن جسمًا ولا عرضًا امتنع حلوله في الجسم ، وإن كان جسمًا ، فحينئذ يكون حلوله في جسم آخر عبارة عن اختلاط أجزاءه بأجزاء ذلك الجسم ، وذلك يوجب وقوع التفرق في أجزاء ذلك الإله ، وإن كان عرضًا كان محتاجًا إلى المحل ، وكان الإله محتاجًا إلى غيره ، وكل ذلك سخف .

وأما الثالث : وهو أنه حل فيه بعض من أبعاض الإله ، وجزء من أجزائه ، فذلك أيضا محال لأن ذلك الجزء إن كان معتبرًا في الإلهية ، فعند انفصاله عن الإله ، وجب أن لا يبقى الإله إلها ، وإن لم يكن معتبر في تحقق الإلهية ، لم يكن جزأ من الإله ، فثبت فساد هذه الأقسام ، فكان قول النصارى باطلًا .

* الوجه الرابع : في بطلان قول النصارى ما ثبت بالتواتر أن عيسى عليه السلام كان عظيم الرغبة في العبادة والطاعة لله تعالى ، ولو كان إلها لاستحال ذلك ، لأن الإله لا يعبد نفسه ..

 فهذه وجوه في غاية الجلاء والظهور، دالة على فساد قولهم .

** ثم قلت للنصراني : وما الذي دلك على كونه إلها ؟

** فقال النصراني : الذي دل عليه ظهور العجائب عليه من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وذلك لا يمكن حصوله إلا بقدرة الإله تعالى ؟

* الوجه الخامس : أن قلب العصا حية ، أبعد في العقل من إعادة الميت حيًا ، لأن المشاكلة بين بدن الحي وبدن الميت أكثر من المشاكلة بين الخشبة وبين بدن الثعبان ..

فإذا لم يوجب قلب العصا حية كون موسى إلها ولا ابنًا للإله ، فبأن لا يدل إحياء الموتى على الإلهية كان ذلك أولى ، وعند هذا انقطع النصراني ولم يبق له كلام .. والله أعلم .

*******************************

 والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..