الخوف الروحاني والسلطان الشيطاني .. بين الحقيقة الشرعية والأوهام النفسية .. والمدد القرآني لا يأتي إلا باستقامة حال وطهارة قلب مع الله .. هكذا تعلمت من عزلتي

بسم الله الرحمن الرحيم

الخوف الروحاني والسلطان الشيطاني

بين الحقيقة الشرعية والأوهام النفسية

لتحميل الكتاب .. آخر الموضوع 

* فهرس الموضوع :

:: الجزء الأول ::

الكيد الشيطاني وأخطاء المعالجين

1- لماذا يفشل الإنسان في مواجهة الجن والشيطان ؟

2- من أخطاء المعالجين والمصابين

3- هل الله يدافع عن الذين ءامنوا ؟

4- هل كيد الشيطان كان ضعيفا ؟

5- ما هو معنى الكيد الشيطاني ؟ والغاية من مقاتلة الشيطان ؟

6- لماذا تعيش ذليل وأنت الأعلى ؟

7- التحصين بالقرآن لا يتم .. بغير استقامة وطهارة قلب مع الله ؟

8- لماذا كان الكيد الشيطاني موصوفا بالضعف ؟

9- خلل في العلاقة مع الله .. تمنع المدد والعطاء القرآني ؟

10- نقرأ كثيرا ولا يحدث تأثير على الشيطان ؟ نُقسِمُ على ذلك ؟

11- هكذا تعلمت من عزلتي ؟

*****************************

:: الجزء الثاني ::

علاقة الذنوب بسلطان وتسليط الشيطان

12- هل للشيطان سلطان على الإنسان ؟

13- الإكراه على فعل الذنوب أو ترك فريضة الصلاة ؟

14- سلطان الحجة والإقناع .. وسلطان القهر والإتباع ؟

15- سلطان الولاية والغواية .. لمن ضل عن الإيمان والهداية ؟

16- سلطان الهداية .. الإيمان والإخلاص والتوكيل الإلهي ؟

17- على مَنْ يتسلّط الشيطان ؟

18- كيف نفرق بين وسوسة النفس .. ووسوسة الشيطان ؟

19- الذنوب تجعل للشيطان سبيل على الإنسان ؟

20- ماذا عن السيئات التي فعلتها قبل توبتك ؟

21- فرق بين التوبة وبين المغفرة .. مفاهيم خاطئة ؟

**************************

:: الجزء الثالث ::

من أنواع التسليطات الشيطانية

22- سلطان الشيطان بالإستفزاز والجَلب والمشاركة ؟

23- التسليط بالإستفزاز ؟

24- التسليط بالجَلْبَة ؟

25- التسليط بالمشاركة ؟

26- ما الحكمة من إعطاء الشيطان سلطان الإغواء ؟

27- التسليط بالتسويل والإملاء ؟

***************************

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته التعامل مع العالم الآخر .. وهو خاص بالمصاب روحانيا .. ويتأذى من رؤية هذا العالم يقظة أو مناما .. ويصاب بحالة من الخوف لما ينتظره من المجهول الذي يراه أو يشعر به ..

وسأحاول أن أكون مختصرا فيه قدر المستطاع .. ولكن مع ضرورة الفهم عن حقيقة قدرات الشيطان على الإنسان كما وصفها القرآن .. حتى تعرف أنه لا يساوي شيئا على وجه الحقيقة .. وإنما نحن من نصنع بأنفسنا التوهمات التي تجعل من الشيطان كيان له شأن .. !!

* ثم ننتقل إلى معرفة بعض أخطاء المعالجين أو المصابين روحانيا .. خاصة فيما يتعلق بالخوف الروحاني ..

* ثم نوضح كيف أن الذنوب لها دور كبير في التسليط الشيطاني على الإنسان .. وقد تكون السبب الأكبر في دمار إنسان ..

* ثم ننتقل إلى التعريف بالسلطان أو التسليط الشيطاني على الإنسان .. موضحين بعض طرق التسليط كما وصفها القرآن الكريم ..

نبدأ بسم الله

توكلت على الله

************************************

..:: هل الله يدافع عن الذين ءامنوا ؟ ::..

( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) الحج38

الجميع ينتظر المدد الإلهي يهبط عليه من السماء .. ليدافع عنه .. ولكن .. !!

بلا عمل ولا إيمان ولا يقين في الله .. فقط مجرد أن يقرأ بلسانه القرآن أو يحرك عضلات جسمه ليصلي  .. فسيأتي المدد ..!!

هذا اسمه الوهم النفسي . وليس عبادة لله !!

وكأن المدد الإلهي في خدمتنا ويتحرك معنا تبعا لهوانا .. وكأننا نقول : يارب : أنت ترى أننا نعبدك .. فحق وواجب عليك المدد !! ..

فَمَنْ الذي أوجب هذا الحق على الله ؟.. ومنذ متى وأصبح للمخلوق حقا على الخالق ؟

فهل هذا هو الإيمان الذي ندين به لله ..؟!

أن نتمنى على الله الأماني بلا عمل إيماني مع الله ؟!!

* وحينما قال لك الحق سبحانه : ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) يونس103 ، .. ( فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) الروم47

فهذا الحق يكون .. للمؤمنين حقا بالله .. العاملين بكتابه والمتبعين لسنة نبيه .. وليس لجماعة المهرجين الذين يتصنعون الإيمان ظاهرا .. وفي باطنهم ناقمون على قضاء الله وقدره .. ولا نحكم على أحد .. ولا نزكي أحد .. ولكن كل واحد فينا يعلم حقيقة نفسه وماذا يفعل مع الله .. فهو أعلم بمن أصلح وبمن أفسد !!

* وحينما يقول لك الله : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) الحج38 .. أي الذي يعملون بمنهج القرآن ويتبعون الرسول الكريم .. ويسعون لطهارة قلوبهم دائما في حضرة مولاهم .. أي بين يدي الله في كل وقت ..

فإذا تفاعل قلبك بذلك الإيمان .. جاءك المدد بالدفاع عنك .. ولكن كما يريده الله وليس كما تريده أنت .. وإليك قصة ليظهر لك المقصود :

****************************

..:: أبو بكر الصديق تدافع عنه الملائكة ::..

* سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه تدافع عنه الملائكة : فقد خرج أحمد ( عن أبي هريرة قال : أنَّ رجلًا شتَم أبا بكرٍ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جالسٌ .. فجعلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يعْجبُ ويبتسمُ .. فلما أكثر .. ردَّ عليه بعضَ قولِه .. فغضِبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقام .. فلحقَه أبو بكرٍ فقال : يا رسولَ اللهِ كان يشتِمُني وأنت جالسٌ فلما رددتُ عليه بعضَ قولِه غضِبتَ وقمتَ .. قال: إنه كان معك ملَكٌ يَرُدُّ عنك فلما رددتَ عليه بعضَ قولهِ وقع الشَّيطانُ .. فلم أكن لأقعدَ مع الشَّيطانِ ..) .

* شرح لبعض ألفاظ الحديث : " معنى يعجب ويبتسم : أي يتعجب من شتم الرجل أبا بكر بحضرته صلى الله عليه وسلم ويبتسم لكونه رأى المَلَك يَرُدّ عن أبي بكر فلما أكثر الرجل (رد عليه أبو بكر بعض قوله) .  

ومعنى وقع الشيطان : أي حضر الشيطان مكان الملك "

شرح مسند أحمد للساعاتي ج19 ص82

* فالمَلَك كان موجودا يدافع عن أبو بكر بالدعاء له وتثبيته ..لم يكن أبو بكر يرى هذا المَلك .. بل ولم يعرف أنه موجود إلا من خلال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم .. !!

فهل معنى عدم معرفة بوجود المدد .. يجعلك تظن أنه غير موجود ..؟ !! لا .. أنت تفهم المدد الإلهي بصورة خاطئة تماما ..!!

* ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) المدثر31 – فأنت لا تعلم كيف سيأتيك المدد الإلهي .. فقد يكون مَلك .. وقد يكون إنسان .. وقد يكون حيوان .. وقد يكون جن .. وقد تكون فكرة .. وقد يكون عزيمة .. وقد يكون رضا داخلي .. وقد يكون مال .. وقد يكون صحة .. وقد يكون مرض .. وقد يكون توبة .. وووووووو .. 

**************************

..:: هل كيد الشيطان كان ضعيفا ؟ ::..

قال تعالى : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا  ) النساء76

* لماذا قال الحق أن كيد الشيطان كان ضعيفا ؟ .. ولم يقل أن الشيطان كان ضعيفا ؟ لماذا اختار صفة الكيد دون أن يوصف نفسه بالضعف ؟

لأن أي نفس في الوجود تتوقف قوتها على استمدادها .. فالذي يستمد من نفسه .. هو يستمد من النفس الأمارة بالسوء .. ولذلك لما كان الشيطان يستمد خداعة ووسوسته من نفسه الأمارة بالسوء .. كان الكيد غير مُحكم وغير موفق .. لأنه استمد من جنس ضال .. وهو النفس ..

* ولما ظهر أن الكيد الشيطاني ضعيفا .. تبين مدى ضعف نفس الشيطانية بالتبعية .. فالصفة تتبع الموصوف ...

فكأن الحق سبحانه يقول .. أن من هذه هي صفته .. فمن باب أولى أن تفهم أن نفسه ضعيفه جدا .. ويظهر لك من ذلك أن كُلِّيَّة الشيطان ضعيفة ظاهرا وباطنا .. فتعامل معه على هذا الأساس ..

* أما من يتعامل مع الله ويستمد من الله .. فهذا هو القوي .. لأن استمداده من القوي الغالب الذي لا يُقهر .. فهل أنتم تعقلون ؟

والله أعلم .

* ولذلك كل من يمارس رياضات الطاقة الروحية ويقول أنه يستمد من الطبيعة .. أو الطاقة الكونية .. فقد ضل ضلالا مبينا .. وانحرف بنفسه الأمارة بالسوء .. ليستمد ممن لا حول له ولا قوة (الطبيعة) .. معتقدا فيها بجلب النفع ودفع الضر ..!! .. ولذلك يقول الحق سبحانه في أمثال هذه المخلوقات الأمارة بالسوء  ( قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً ) مريم75

تأمل الآية السابقة .. فإن فيها معاني نفيسة جدا جدا ..

* لماذا كان الكيد الشيطاني موصوفا بالضعف ؟

لأنه لا سلطان له على الإنسان .. إلا بالوسوسة .. من حيث التزيين والإغواء لفعل المعصية .. هذا من الناحية الإيمانية .. ولكن قد يكون له سلطان بالضرر مثل الحسد أو التَّخبط نتيجة المس أو تكليف بالأذى نتيجة السحر ..

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :

* شرح :( والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا : اعرفوا أن هذا الشيطان ضعيف جداً، فهو لا يملك قوة أن يرغمك فإذا أغواك تستطيع أن تقول له : لن أفعل .. ولا يستطيع أن يأتي لقلبك ويقول لك : لا بد أن تفعل ويحملك على الفعل قهرا عنك . فليس عنده حجة يقنعك بها لتفعل ، فهو ضعيف .. فلماذا تطيعونه إذن ؟ .

إنكم تطيعونه من غفلتكم وحبكم للشهوة ، والشيطان لا يقهر قلبكم ، ولا يقهر قالبكم . بل يكتفي أن يشير لكم !! .

ولذلك سيقول الشيطان في حجته يوم القيامة على الخلق: ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي ) [إبراهيم: 22] .

أي لم يكن لي عليكم سلطان : لا سلطان قدرة أرغمكم على فعلكم بالقالب ، ولا سلطان حجة أرغمكم على أن تفعلوا بالقلب ، أي أنتم المخطئون وليس لي شأن ، إذن فكيد الشيطان ضعيف )

تفسير الشعراوي ج4 ص2422

***************************

..:: ما هو معنى الكيد الشيطاني ؟ والغاية من مقاتلة الشيطان ؟ ::..

يقول تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا  ) النساء76

* شرح : ( و «الكيد» - كما نعرف - هو: محاولة إفساد الحال بالاحتيال ، فهناك من يفسد الحال لكن ليس بحيلة ، وهناك من يريد أن يفسدها بحيث إذا أمسكت به يقول لك: لم أفعل شيئاً ؛ لأنه يفعل الخطأ في الخفاء .

ويفسد الحال بالاحتيال . والكيد لا يقبل عليه إلا الضعيف .

إن القوي هو من يواجه من يكيد له ، فالذي يدسّ السّم لإنسان آخر في القهوة - مثلاً - هو من يرتكب عملاً لإفساد الحال باحتيال ؛ لأنه لا يقدر أن يواجه ، أما القوى فهو يتأبى على فعل ذلك ..

* وحتى الذي يقتل واحداً ولو مواجهة نقول له : أنت خائف ، أنت أثبت بجرأتك على قتله أنك لا تطيق حياته ، لكن الرجولة والشجاعة تقتضي أن تقول: أبقيه وأنا أمامه لأرى ماذا يقدر أن يفعل .

* إذن فكيد الشيطان جاء ضعيفاً لأنه لا يملك قوة يقهر بها قالباً ، ولا يملك حجة يقهر بها قلباً ليقنعك ، فهو يشير لك باحتيال وأنت تأتيه : ولا يحتال إلا الضعيف . وكلما كان ضعيفاً كان كيده أكثر .

تفسير الشعراوي ج4 ص2423

* شرح آخر : ( والمراد بكيد الشيطان : تدبيره ووسوسته لأتباعه بالاعتداء على المؤمنين وتأليب الناس عليهم.

قال الفخر الرازي: " الكيد ": السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه ، يقال: كاده يكيده إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه . وفائدة إدخال كانَ في قوله كانَ ضَعِيفاً للتأكيد لضعف كيده ، يعنى أنه منذ كان ، كان موصوفا بالضعف والذلة ).

التفسير الوسيط لطنطاوي ج3 ص221

* شرح : ( ساق- سبحانه- لونا آخر من تحريضهم على الجهاد وهو تحديد الهدف الذي يقاتل من أجله كل فريق فقال: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ، فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً .. أى أنتم- أيها المؤمنون- إذا قاتلتم فإنما تقاتلون وغايتكم إعلاء كلمة الله ، ونصرة الحق الذي جاء به رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم.

أما أعداؤكم الكافرون فإنهم يقاتلون من أجل طاعة الشيطان الذي يأمرهم بكل بغى وطغيان .

* وإذا كان هذا حالكم وحالهم فعليكم- أيها المؤمنون- أن تقاتلوا أولياء الشيطان بكل قوة وصدق عزيمة ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ) أي إن كيد الشيطان وتدبيره كان ضعيفا ، لأن الشيطان ينصر أولياءه ، والله- تعالى- ينصر أولياءه ، ولا شك أن نصرة الله- تعالى- لأوليائه أقوى وأشد من نصرة الشيطان لأوليائه .

* فقوله- تعالى- ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .. كلام مستأنف سيق لتشجيع المؤمنين وترغيبهم في الجهاد ببيان الغاية والهدف الذي يعمل من أجله كل فريق ، وبيان أن المؤمنين ستكون عاقبتهم النصر والظفر لأن الله وليهم وناصرهم .

* والفاء في قوله ( فَقاتِلُوا ) : إذا كانت تلك غايتكم أيها المؤمنون وتلك هي غاية أعدائكم فقاتلوهم بدون خوف أو وجل منهم لأن الله معكم بنصره وتأييده ، أما هم فالشيطان معهم بضعفه وفجوره . )

التفسير الوسيط لطنطاوي ج3 ص220.. باختصار

* شرح :( إذا كان الكافرون الذين الغاية من قتالهم نصرة الشيطان يقدمون على القتال، فأولى بالمؤمنين الذين الغاية من قتالهم نصرة الحق أن ينفروا خفافا وثقالا للجهاد في سبيل الله ، ثم بشرتهم في النهاية بأن العاقبة لهم ، لأن الكافرين يستندون إلى كيد الشيطان الضعيف الباطل ، أما المؤمنون فيأوون إلى جناب الله الذي لا يخذل من اعتصم به، ولا يخيب من التجأ إليه.)

التفسير الوسيط لطنطاوي ج3 ص221

***********************

:: من أخطاء المعالجين والمصابين ::

..:: لماذا يفشل الإنسان في مواجهة الجن والشيطان ؟ ::..

:: التحصين بالقرآن لا يتم .. بغير استقامة وطهارة قلب مع الله ::

طالما أنت تتوسل بكلمات الله وتستعيذ بها .. فهذا يتطلب منك أن تكون مؤمنا بيقين .. فأين إيمانك ؟

فلا تقل لي أنك مؤمن .. وتعلو صوتك بشهادة التوحيد .. لا .. هذا يسمى إسلام وليس إيمان .. لأن الإيمان هو المنهج العملي مع الله لصدق إسلامك ..

* فهل أخذت بالأسباب التي تجعل كلمات الله تنفعل معك وتستجيب لك .. ؟ وأهم هذه الأسباب هو الطهارة القلبية بالرضا واليقين والتوكل والإخلاص والتوبة .. مع الطهارة القلبية من الغل والكراهية العُجب والكبر والرياء والنظر بعين الإحتقار والنقص للغير .. وما شابه ..

فهل أنت فعلت وأخذت بالأسباب التي طلبها الله منك .. حتى ينفعل لك بركة القرآن ويمنحك عطاؤه ؟

* فكل من يطلب العلاج أو يذهب لعلاج أحد .. فكلاهما مطالب بتزكية نفسه أولا .. وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه .. أليس كذلك ؟!

* لو تأملت الآية السابقة التي ذكرناها .. لعلمت أمرا مهما لا ينتبه له كثير من الناس .. وهو " ما هي غايتك من مقاتلة الشيطان " ؟

فكثير من الناس تقاتل من أجل نفسها .. وليس من أجل الإنتصار لله .!! وكيف لا يكون ذلك وهو القاهر فوق عباده ، والغالب على أمره ، والمؤيد بنصره لمن يشاء .. !!

*****************************

..:: خلل في العلاقة مع الله .. تمنع المدد القرآني ::..

1- فلما كان غاية الإنسان من المقاتلة هي النجاة بنفسه لنفسه .. وليس بربه منتصرا لربه .. فقد تأخر عنه المدد الإلهي ..

هذا طبعا بخلاف العوامل الأخرى التي تمنع المدد الإلهي مثل أكل حقوق العباد ، والخوض في أعراضهم بالقيل والقال .. ومثل التقصير في حق الله والغفلة عنه بهجر تعاليم الدين .

ولكننا هنا نتكلم عن جزئية مهمة .. وهي مقاتلة الشيطان .. لا تكون إلا بالله وتكون غايتك هي الله ..

فأنت تقاتل الشيطان حتى تنتصر لله وليس لنفسك .!! لتكون كلمة الله هي العُليا وتكون كلمة الشيطان هي السُّفلى .. وليس مجرد أنك تقرأ كلمات قرآنية تنتظر منها أن تأتيك بالمدد الإلهي .. دون أن يكون لك إيمان بالله ، ورضا بالله ، وتوكل على الله ، وإخلاص طلبا لرضوان الله ، ويقين في قدرة الله ، وحُسن ظن بالله .

* فكل من يقرأ القرآن ليتحصن به من الشيطان .. فقد استعاذ بكلمات الله التي لا يجاوزهن برا ولا فاجر .. ولكن هل كانت استعاذته لإظهار أن كلمة الله هي العُليا .. أم لمجرد فقط أنه يريد صرف الأذى عنه ؟!!

فالغاية مهمة جدا حينما تريد مقاتلة الشيطان .. لأنه بقدر النوايا تُمنح العطايا ..!!

* يجب أن تكون مقاتلتك للشيطان .. بالله ولله .. فبالله أي أن وسيلتك (كلمات الله) .. ولله .. أي تكون غايتك ( الإنتصار لله وليس لنفسك ) .. وإلا سيحرمك المدد القرآني .. فانتبه لهذا الكلام جيدا . فإنه نفيس .

2- من الخلل في العلاج .. هو أن تظن أن للشيطان سلطة تمكين .. مثل من يتصور بقدرة الشيطان في الاستيلاء على الانسان بذاتيته .. وكأنه أصبح ضارا بذاته الملعونة ؟!!

ولا عجب في ذلك .. فالمعالجين .. الذين يروجون لمثل هذا الكلام سيسألون أمام الله يوم القيامة عما يقولونه للناس ..!!

3- من الخلل في العلاج .. هو أن تظن أن الشيطان له قوة !! .. فكيف تظن ذلك .. والقوي المتين سبحانه يقول : ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) ؟

ثم تأتي أنت وتجعل للشيطان قوة ذاتيه وغلبة وسلطان قهر على الإنسان !! .. فكيف تنتظر مدد من الله أو عون أو نصرة !! وأنت فاقد الإيمان بالله .. وأصبحت مؤمنا بقدرة الشيطان عليك ؟!!

ألم تقرأ قوله تعالى : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) غافر51

4- أما عن الحديث عن الانتصار بالنفس للنفس عند المعالجين .. فحَدِّث ولا حَرَج !!.. فالمعالج يذهب وكأنه بلطجي .. ويظل يستعلي بنفسه ويقول : أنا سأفعل وسأفعل وسأفعل وسأقتل الجن وووووو .. (يكذب على نفسه وعلى الناس) .. وكفى به سقوطا أمام نفسه وأمام ربه .. أن كلامه لا يخلو من كلمة : أنا .. !!

******************************

..:: لماذا تعيش ذليل وأنت الأعلى ؟ ::..

يقول تعالى : ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) محمد35

لماذا أيها المعالج أو المصاب .. تعلن خوفك من الشيطان وأنت الأعلى بالله .. بل وأنت في معية الله .. ولن ينقصكم الله ثواب أعمالكم ..

لماذا ترجو الجن أيها المعالج وتتحايل عليه لكي يرحل بأذاه عن المصاب روحانيا .. ؟

لماذا تعتقدون أن المعتدي عليك سيأتي منه خيرا .. ؟

فلو كان يُرجى منه خيرا .. لرحل بأذاه عن هذا الشخص فور ابتداء القراءة ..

طالما قد اعتدى .. فقد خرج عن دائرة المحبة الإلهية .. أي سقط من عين محبة الله " إلا إن تاب وأصلح " .. (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة87 .. فما ستظن في مخلوق معتدي ظالما مؤذيا ..؟

إلا أنه من أولياء الشيطان ووجب قتاله .. ( فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) النساء76

* أما من يقول .. أنه ينصحهم عسى أن يدخلوا الإسلام .. !! وأنه واجب دعوتهم .. !!

فعفوا أخي الفاضل .. من الذي أوجب دعوتهم على الإنس ؟ أليس في الجن مسلمون واجب عليهم دعوة إخوانهم من الجن ؟ أم أنت استوفيت حق الإنس في دعوة الله حتى تبحث عن عالم الجن لتدعوهم إلى الهدى ؟!!

ما هذه الخدع النفسية التي نعيشها ..!!

عفوا أخي الفاضل :

ألم يسمع هذا الجني عن الإسلام وهو في عالمه ؟

ألم يسمع عن الإسلام في مجالس العلم الإنسي ؟

فهل كان في حاجة ليؤذي إنسان ويعتدي عليه ويفسد عليه حياته .. حتى تقول نعرض عليه الإسلام ؟!!

ففي أي كتاب وفي أي دين قيل مثل هذا الكلام .. وهل كان هذا فعل النبي في العلاجات الروحانية ؟!!

* أم أنك أيها المعالج تريد أن تضم هذا الشيطان المعتدي إلى مجموعة "جند الرب الخاصة بك " .. ؟!!

لا تخدع نفسك وتعيش في إطار الداعية .. وأنت أبعد ما يكون في عالم الواقع عن الإسلام .. وأهله ..

فالجن داعون في عالمهم ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) الأحقاف31

*********************************

..:: نقرأ كثيرا ولا يحدث تأثير على الشيطان ؟ نُقسِمُ على ذلك ؟ ::..

والبعض يتسائل : نقرأ كثيرا ولا يحدث شيء ؟ ويُقْسِمُونَ على ذلك ؟ نعم أنتم صادقون فيما قلتم .. ولا نشك في كلامكم !!.. ولكنكم أسأتم وأخطأتم التعامل مع الله ..!!

فأنتم لم تتعلموا الإيمان كما تعلم الصحابة وأهل الله المقربين .. فأصبحتم تتعاملون مع القرآن وكأنه الفانوس السحري .. فإذا قمت بقراءة الآية القرآنية فسيحضر الملاك الذي سيصرف عنك الشيطان ؟!!

* وهذا كلام صحيح .. في ظاهره .. ولكن أنت لم تفهم أن كلام الله "طاهر" ، والملائكة أرواح "طاهرة" .. فكيف سينفعل الكلام الطاهر ويحضر معك الأرواح الطاهرة .. وأنت ملوث بأوحال النفس والذنوب التي ترتكبها في حق الخلق .. فهذه أمور حجبت عنك رفع الدعاء لله ؟!!

* ثم يأتي البعض ويقرأون كلمات الله على سبيل الانتصار للنفس أو للشهوة النفسية ( كما يفعل بعض المعالجين ) أو على سبيل التجربة ( كما يفعل بعض المصابين ) ..

فكيف تتوهم بعد ذلك ولو للحظة أن القرآن سيمدك بمدده ؟!!

فأنت تقول بلسانك : يا ألله ..

وفي داخلك تقول بلسان حالك : أخاف منك يا شيطان ؟!!

فكيف يعقل ذلك ؟!!

* ويريد الشيطان منك أن تنطق بمثل هذا الكلام التالي : ( أنك تقرأ القرآن ولا يحدث معك تغيير ولا ينصرف عنك الشيطان ) .. لماذا ؟

لأن هذه هي وظيفته .. واقرأ معي قوله تعالى : ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) الفرقان29 .

يريد الشيطان أن يوهمك بأن الذكر لا يفعل معك شيئا .. ويصرفك عن كلام الله .. وتشتكي بأن القرآن لا ينفعل معك بعطاءه .. فتيأس من رحمة الله وتسيء الظن بالله .. حتى يدفعك لتلجأ للروحاني الملعون بلعنة الشيطان .. فتستعين به ليزيدك ضلالا وإضلالا .. وكان الشيطان للإنسان متخلي عن الإنسان تاركه محسورا في ظلماته .. أفلا تعقلون ؟!

* الشيطان لا يقوى إلا إذا كان الإنسان متذبذب في العلاقة مع الله ..

****************************

..:: هكذا تَعَلَّمْتُ من عزلتي .. كن مؤمنا بالله ::..

* لطالما كنت متعلما من عزلتي .. وطالما كان أساس العلم هو الإيمان بالله والتعلق به .. وهذه أمور ضاعت في هذا الزمان .. مع الإنحراف الروحاني البغيض الذي نعيشه .. وكأن العالم الروحاني هو قوة ذاتية تمنح الإنسان ما لا يملكه رب العالمين ..!!

للأسف يتعلمون العلم الضار ولا يتعلمون العلم النافع .. يتعلمون علم الغافلين ولا يتعلمون علم المقربين .. فصدق عليهم قوله تعالى : ( وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) البقرة102

* هذه بعض القواعد التي تعلمتها أثناء عزلتي وتواترت علي كخواطر روحية ..

1- بقدر عملك سيكون من الله مددك ..

2- وبقدر يقينك سيكون من الله تمكينك ..

3- وبقدر إخلاصك سيكون من الله خلاصك ..

4- وبقدر رضاك سيكون من الله هُداك ..

5- وبقدر توكلك سيكون من الأغيار تَطَهُّرَك ..

6- وبقدر التفويض سيكون من الله اللطف والتأييد ..

7- وبقدر صدق النوايا تُمنح العطايا .. والعاقبة للمتقين ..

****************************

:: الجزء الثاني ::

علاقة الذنوب بسلطان وتسليط الشيطان

****************************

(1)

..:: هل للشيطان سلطان على الإنسان ؟ ::..

حتى يجبره على فعل الذنوب أو ترك فريضة الصلاة ؟

سلطان الحجة والإقناع .. وسلطان القهر والإتباع

* كثيرا ما يتصل بي بعض الناس .. وكالعادة يجعلون من الشيطان وسيلة ليبرهنوا انقطاعهم عن العبادة وخاصة فريضة الصلاة ..!!

ولا أدري هل يكذبون على أنفسهم .. لدرجة أنهم بكلامهم هذا قد حكموا على أنفسهم أنهم يتبعون خطوات الشيطان فعلا .. لأنهم جعلوا للشيطان عليهم سبيلا .. واقرأ معي قوله تعالى : (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل 100 .

فهؤلاء بكلامهم هذا اعترفوا أنهم موالين لجناب الشيطان لأنهم خضعوا لوسوسته لهم .. من حيث أنهم لا يستطيعون الصلاة بسبب العفريت الشيطاني الذي جاء نتيجة السحر ..!!

ونبين لهم هنا فساد كلامهم .. ومدى خطيئتهم في حق أنفسهم .. !!

* سلطان بمعنى الدليل والبرهان والحجة والإقناع : ( وكلمة (السلطان) مأخوذة من السَّليط ، وهو الزيت الذي كانوا يُوقِدون به السُّرج والمصابيح قبل اكتشاف الكهرباء ، فكانوا يضعون هذا الزيت في إناء مغلق مثل السلطانية يخرج منه فتيلة ، وعندما توقد تمتصّ من هذا الزيت وتُضيء؛ ولذلك سُمِّيتْ الحجة سُلْطاناً ؛ لأنها تنير لصاحبها وَجْه الحق . )

تفسير الشعراوي ج13 ص8205

* والسلطان بمعنى القهر : ( مأخوذة من مادة « السين واللام والطاء » ونقول : فلان تسلط على فلان ، أي أرغمه بقدرته عليه . ويقولون : فلان سليط اللسان ، أي قادر أن يسب ، إذن فالسلطة هي : القهر ، والقوة التي ترغم على الفعل .. ، وفي المعنويات هي الحجة والبرهان .. )

تفسير الشعراوي ج3 ص1817

* شرح : ( ما معنى : ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ) ؟

السلطان أي القوة التي تقنع الإنسان بعمل فعل ما ، وهو :

إما أن يكون سلطان الحجة : فيقنعك بفعلٍ ما فتفعله ..

وإما أن يكون سلطان القوة : فيرغمك أن تفعل ..

السلطان - إذن – نوعان : سلطان حجة ،  وسلطان قوة ..

* والفرق بين سلطان الحجة وسلطان القوة القاهرة على الفعل .. هو :

أن سلطان الحجة يقنعك أن تفعل وأنت مقتنع ..

أما سلطان القوة القاهرة فهو لا يُقنع الإنسان ، ولكنه يُرغم الإنسان على فعل ما ، ولذلك فالشيطان يعلن لأتباعه يوم القيامة : لم يكن لي سلطان عليكم، لا حجة عندي لأقنعكم بعمل المعاصي ، ولا عندي قوة ترغمكم على الفعل ، لكنكم أنتم كنتم على حرف إتيان المعاصي ودعوتكم فاستجبتم لي .

تفسير الشعراوي ج3 ص1390

* شرح : ( والسلطان كما نعرف نوعان:

النوع الأول : هو أن يقهر الشيطانُ الإنسانَ، والشيطان لا قدرة له على ذلك .

والنوع الثاني : هو أن يقنع الشيطان الإنسان بأن يفعل ذلك الخطأ.

ما الفرق بين الإقناع والقهر في هذا المجال ؟

إن القهر : هو أن يجبر الشيطان الإنسان على أن يفعل شيئا لا يريده الإنسان .

أما الإقناع : فهو أن يزين الشيطان الأمر للإنسان فيفعله الإنسان بالاختيار ويعلن الشيطان يوم القيامة: لم يكن لي سلطان أقهرك به أيها الإنسان حتى تعصي الله، لقد زينت لك المعصية أيها الإنسان فاستجبت لي ) .

تفسير الشعراوي ج3 ص1655

* شرح : ( والمؤمنون دائما ذوو سلطان من الله ؛ لأنهم إن انتصروا ماديا فذلك سلطان القهر ، وإن انهزموا ماديا فعندهم سلطان الحق والدليل ؛ ولذلك قلنا سابقا : إن إبليس يأتي يوم القيامة ويقول: ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ ) [إبراهيم: 22]

وقلنا إن السلطان نوعان : إما قوة تقهرنا على أن نفعل المعصية، وإما برهان ودليل يجعلنا نفعل المعصية.

والفرق بين القوة القاهرة وبين سلطان الدليل هو :

أن القوة القاهرة : تجعلك تفعل وأنت مرغم غير راض عن الفعل .

أما سلطان الدليل : فيقنعك بأن تفعل ؛ فتكون قد فعلت برضاك .

فمرة يأتي السلطان بمعنى: قوة تقهرك على أن تفعل الفعل وأنت مرغم ..، إنما قوة الدليل تقنعك أن تفعل ..

فيأتي الشيطان ليقر على نفسه في الآخرة ويقول: ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ) أي ليس معي قوة تقهركم على المعصية وليس معي دليل يقنعكم حتى تفعلوا المعصية ، لا هذا ولا ذاك ، فما الحكاية إذن ؟

قال: ( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي ) . أي إنكم أطعتموني واستجبتم لدعوتي بلا سلطان قوة أقهركم به على شيء، ولا سلطان دليل أقنعكم به.)

تفسير الشعراوي ج3 ص1817

*******************************

(2)

..:: سلطان الولاية والغواية .. لمن ضل عن الإيمان والهداية ::..

* قلت صاحب المقال : لم يمنع الحق أن يكون للشيطان سلطان بدليل القرآن .. بدليل : (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل 100 .. ولكن أي سلطان هذا ؟

ولكن الشيطان له سلطان الغواية والإضلال .. على الذين يتبعون شهوات أنفسهم والذين تأمرهم نفوسهم بالسوء .. واقرأ معي قوله تعالى : (  إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) الحجر42 .

وهذا يظهر جليا وواضحا في قوله تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) الأعراف175

فحينما أتاه الله الهداية بآياته .. جحدتها ورماها وراء ظهره .. واتبع شهوات نفسه .. فتسلط عليه الشيطان .. ليكون من الضالين الخاسرين دنياهم وآخرتهم ..

* ف الولاية الشيطانية على النفس الإنسانية لا تكون إلا على الذين لا يؤمنون .. سواء المنكرون الجاحدون .. أو الذين لا يعملون بمنهج الله كما طلب منهم مع شهادة التوحيد .. يقول تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) الأعراف27

*******************************

(3)

..:: سلطان الهداية .. الإيمان والإخلاص والتوكيل الإلهي ::..

* ولكن سلطان الغواية ليس على المخلصين لرب العالمين بالقيام بأداء العبودية .. واستقامة الحال مع الله .. واقرأ معي قوله تعالى : ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين ) ص82-83 ..

بل الحق سبحانه يُنعِم بسلطان الهداية على المخلصين : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت30 ، ويقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) الأحقاف13

* ويوضح الله هذه المسألة جيدا في القرآن .. حيث أن العباد المخلصين قد جعلوا وكيلهم رب العالمين .. وكفى به معينا ونصيرا .. فيقول تبارك وتعالى : ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) الاسراء 65

* شرح للآية : ( الوكيل هو المؤيِّد ، وهو الناصر ، تقول: وكلت فلاناً . أي: وثقت به ليؤدي لي كل ما أريد ، فإنْ كان في البشر مَنْ تثق به ، وتأتمنه على مصالحك ، فما بالك إنْ كان وكيلك هو الله عَزَّ وَجَلَّ ؟ لا شكَّ إنْ كان وكيلك الله فهو كافيك ومؤيّدك وناصرك ، فلا يُحوجِك لغيره سبحانه .

تفسير الشعراوي ج13 ص8670

* ويقول تعالى : ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل 99-100

شرح : ( يُوضّح الحق تبارك وتعالى أن تسلّط الشيطان لا يقع على مَنْ آمن به رباً ، ولجأ إليه واعتصم به ، وما دُمْت آمنتَ بالله فأنت في مَعيّته وحِفْظه ، ولا يستطيع الشيطان وهو مخلوق لله تعالى أنْ يتسلط عليك أو يغلبك .

إذن: الحصن الذي يقينا كيْدَ الشيطان هو الإيمان بالله والتوكّل عليه سبحانه .

تفسير الشعراوي ج13 ص8206 ..

***************************

(4)

..:: على مَنْ يتسلّط الشيطان ؟ ::..

* يقول الشيخ الشعراوي :

( فعلى مَنْ إذن يتسلّط الشيطان ؟

يُوضِّح الحق تبارك وتعالى الجانب المقابل ، فيقول: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ..) .

معنى يتولونه : أي يتخذونه وَليّاً يطيعون أمره ، ويخضعون لوسوسته ، ويتبعون خطواته : ( الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) [النحل: 100] .

أي: مشركون بالله ، أو يكون المعنى : وهُمْ به أي بسببه أشركوا ؛ لأنه أصبح له أوامر ونواه وهم يطيعونه ، وهذه هي العبادة بعينها ، فكأنهم عبدوه من دون الله بما قدّموه من طاعته في أمره ونَهْيه .

وقد سَمَّى الله طريقة الشيطان في الإضلال والغواية (وَسْوسةً)، والوسوسة في الحقيقة هي صَوْت الحُليّ حينما يتحرك في أيدي النساء ، فيُحدِث صوتاً رقيقاً فيه جاذبية وإغراء تهيج له النفس ، وكذلك الشيطان يدخل إليك عن طريق الإغراء والتزيين ، فإذا ما هاجتْ عليك نفسُك وحدّثتْك بالمعصية تركك لها، فعند هذه النقطة تنتهي مُهمته .

* ولكن ، هل النفس لا تفعل المعصية إلا بوسوسة الشيطان ؟

قالوا: لا، فالنفس والمراد هنا النفس الأمّارة بالسوء قد تفعل المعصية من نفسها دون وسوسة من الشيطان ، وقد يُوسْوِسُ الشيطان لها، وينزغها نَزغاً ويُؤلِّبها، ويُزِّين لها معصية ما كانت على بالها ) .

تفسير الشعراوي ج13 ص8206 .. باختصار

***************************

(5)

..:: كيف نفرق بين وسوسة النفس .. ووسوسة الشيطان ؟ ::..

* يقول الشيخ الشعراوي : ( فكيف إذن يُفرّق بين هاتين المعصيتين ؟

النفس حينما ترغب في معصية أو شهوة تراها تقف عند معصية بعينها لا تتزحزح عنها، وإذا قاومتَ نفسك، وحاولتَ صَرْفها عن هذه الشهوة ألحَّتْ عليك بها، وطلبتها بعينها، فشهوة النفس إذن ثابتة؛ لأنها تشتهي شيئاً واحداً تُلح عليه.

ولكن حينما يُوسوِسُ الشيطان لك بشهوة فوجد منك مقاومة وقدرة على مجابهته صرف نظرك إلى أخرى؛ لأنه يريدك عاصياً بأيِّ شكل من الأشكال، فتراه يُزيِّن لك معصية أخرى وأخرى، إلى أنْ ينال منك ما يريد .

* كذلك يجب أن نعلم أن الشيطان دقيق في تخطيطه ، وهذا من مداخله وتلبيسه الذي يدعونا إلى الحذر من هذا اللعين . فالشيطان لا حاجة له في أن يذهب إلى الخمارات مثلاً، فقد كفاه أهلُها مشقة الوَسْوسة ، ووفّروا عليه المجهود ، هؤلاء هم أولياؤه وأحبابه ومُريحوه بما هم عليه من معصية الله ، ولكنه في حاجة إلى أن يكون في المساجد ليُفسِد على أهل الطاعة طاعتهم .

* وقد أوضح هذه القضية وفطن إليها الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان ، وكان مشهوراً بالفِطْنة ، وعلى دراية بمداخل الشيطان وتلبيسه ، وكل هذا جعل له باعاً طويلاً في الإفتاء ، وقد عرض عليه أحدهم هذه المسألة:

قال: يا إمام كان لديّ مال دفنته في مكان كذا، وجعلتُ عليه علامة، فجاء السَّيْل وطمس هذه العلامة، فلم أَهتدِ إليه، فماذا أفعل؟

فتبسَّم أبو حنيفة وقال: يا بُني ليس في هذا علم، ففي أيّ باب من أبواب الفقه سيجد أبو حنيفة هذه القضية؟! ولكني سأحتال لك.

وفعلاً تفتقتْ قريحة الإمام عن هذه الحيلة التي تدل على عِلْمه وفقهه ، قال له : إذا جئتَ في الليل فتوضّأ، وقُمْ بين يدي ربّك مُتهجِّداً. وفي الصباح أخبرني خبرك.

وفي صلاة الفجر قابله الرجل مُبتسِماً. يقول: لقد وجدتُ المال ..

فقال: كيف؟

قال الرجل: حينما وقفتُ بين يديْ ربي في الصلاة تذكرت المكان وذهبتُ فوجدت مالي ..

فضحك الإمام وقال: والله لقد علمت أن الشيطان لن يدعَك تُتِم ليلتك مع ربك.

تفسير الشعراوي ج13 ص8206 .. باختصار

****************************

 (6)

..:: الذنوب تجعل للشيطان سبيل على الإنسان ::..

يقول تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) آل عمران155

تأمل كلام الله .. واضح وصريح .. فقد كان سبب عصيانهم أوامر النبي في معركة "أُحُد" .. بسبب أنهم كانت لهم ذنوب هي التي جعلت الشيطان يوسوس لهم بترك موقعهم في القتال .. ( إلا 12 رجلا فقط ثبتوا على مكانهم ) ..

فالذنوب جعلت للشيطان مدخلا لهؤلاء الجنود .. فترتب على هذا ذنب أكبر وهو عصيان النبي بترك موقع القتال ..

فهل فهمتم الآن .. ماذا تفعل الذنوب بالإنسان .. ؟

* تأملوا جيدا كلمات الله وألفاظ القرآن .. فالله يشرح لنا بدقة كيف يسقطنا الشيطان في المعاصي .. وذلك من خلال المعاصي التي ارتكبناها ولم نتب عنها أو م نكفر عنها .. فبسبب هذه الذنوب فالشيطان يتسلط علينا ليغوينا .. فهل نحن منتهون ؟!!

يارب عفوك وغفرانك .. آمين

* وأبسط شيء يقنعك بأن الذنوب حجاب في العلاقه مع الله .. هو ما ستفهمه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

يقول صلى الله عليه وسلم : ( الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟ ) رواه مسلم

ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) أي بسبب الذنب الذي يفعله ..

* وتأمل قوله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) المائدة27

وتأمل قول النبي : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا )

فإذا أردت أن يستجيب الله لك ويمدك بمدد القرآن .. فاجعل عملك طيبا يحبه الله حتى يَقْبلَك الله .. واجعل قلبك من أهل التقوى .. حتى يتقبلك الله .. هكذا تكون عرفت كيف تتعامل مع الله  .

* فهل تعقل الآن ؟.. أنك لو قرأت قرآن وصليت ليل نهار .. وأنت لا تعمل بمنهج القرآن وتحافظ على حق الخلق والخالق .. فلن يكون لك من الله مدد .. لأن الله لن يتقبل منك لأنك لست من المتقين ..!!

* وقد تكلمنا أكثر من مرة سابقا عن مس الذنوب الذي يحدث للإنسان .. ولا حاجة لإعادته هنا مرة أخرى .. والمعالجين كثير منهم في عتمه من الفهم عن الله .. ولا علم لهم بذلك .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..!!

ويقولون نقرأ ولا يحدث شيء !! ..

فكيف سيحدث شيء والمصاب في أوحال المعصية يسبح .. أو المعالج في شهوات استكباره ينطح .. أو أن رفع البلاء لم يأتي به الإذن ويُمْنَح ؟!! أفلا تعقلون !

***********************

..:: فرق بين التوبة وبين المغفرة .. أوهام مسلم ؟ ::..

كثير من الناس يختلط عليها الفهم بين التوبة والمغفرة .. مما يسبب لهم فجوة في العلاقة مع الله .. كيف ذلك ؟

فالبعض يظن أنه لو تاب إلى الله .. فهو يكون انصلح حاله ..!!

لا أنت مخطأ .. لماذا ؟

لأن التوبة فعل العبد مع الله .. والمغفرة فعل الله للعبد .. فكيف تخلط هذا بذاك .. وافهم الآتي :

بتوبتك إلى الله .. تكون أوقفت عدَّاد السيئات الذي كان يحسب عليك .. كلما عصيت الله بأفعالك الغير طيبة ..

مثلا : كنت تفعل ذنب معين مثل (ممارسة العادة السرية) .. وقد بلغ عدد السيئات بسبب هذا الفعل . إلى ألف سيئة . ثم توقفت عن هذا الفعل وقلت تبت إلى الله ورجعت إلى طاعة الله بعدم فعل هذا الأمر مرة أخرى ..

والتوبة والتوقف عن الفعل المُحَرَّم هو شيء حميد ويحبه الله .. ولكن ماذا عن الألف سيئة التي كُتِبَت في صحيفة أعمالك قبل أن تتوب ؟

( ماذا عن السيئات التي فعلتها قبل توبتك ؟ كيف ستقوم بمحوها !! )

يقول تعالى : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود114

فمن الغباء أن يتصور الإنسان أن بمجرد إعلان التوبة .. يظن أن اللي فات مات .. وعفا الله عما سلف !!.. بدون استغفار وعمل صالح وإيمان صادق .. ثم يستمر على ذلك حتى مماته ..

* فمن يظن أنه بمجرد أنه تاب فقط .. سيغفر الله له ما سبق من ذنوب .. لا .. أنت متوهم ومخطأ تماما .. ومن يقل لك ذلك فقد غشك وخدعك في دينك .. لأن التوبة جزء من منظومة كاملة في التواصل مع الله .. والتوبة هي أول خطوة ..

* تأمل قوله تعالى : ( فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) المائدة39

واقرأ معي قوله تعالى حتى تفهم كيف يحدث الغفران .. : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه82

فكلام الله واضح : ( توبة + إيمان صادق بأن تعمل بالمنهج القرآني وأتباع النبي + عمل صالح في الأرض + الاستمرار والمداومة على ما سبق) = ستجد مغفرة الله .

فالمغفرة لمستحقيها .. وليس للمهرجين ولا للمتوهمين ..

* نعم .. قد تخطيء مرة أخرى .. ولكن كلما رجعت إلى الله فارجع بالتوبة والإيمان والعمل الصالح واستمر على ذلك قدر استطاعتك ..

ثم تخطيء مرة أخرى .. فارجع إلى الله كما سبق ..

* وهكذا .. دائما .. يكون هناك عمل مع الله كلما أردنا التوبة .. وليس مجرد أن نقول أننا توقفنا عن فعل المعصية فقط دون عمل صالح والابتعاد عن القيل والقال والخوض في أعراض الناس ..!!

***************************

:: الجزء الثالث ::

من أنواع التسليطات الشيطانية

********************************

..:: سلطان الشيطان بالإستفزاز والجَلب والمشاركة ::..

يقول تعالى عمن غفل عن الله واتبع هواه وشيطانه .. أن الشيطان معه سلطان أو تصريح بالتسليط على هذا الغافل بالإستفزاز والجَلَبَة والمُشاركة في الأموال والأولاد .. قال تعالى : ( قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُوراً . وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) الاسراء 63-65

* شرح : ( قال الشيخ الجَّمل : [ أمر الله - تعالى- إبليس بأوامر خمسة، القصد بها: التهديد والاستدراج، لا التكليف، لأنها كلها معاص، والله لا يأمر بها ] .

وهذه الأوامر الخمسة هي : اذهب ، واستفزز ، وأجلب ، وشاركهم ، وعدهم .)

التفسير الوسيط لطنطاوي ج8 ص389

*****************************

:: التسليط بالإستفزاز ::

* شرح : (وقوله: ( واستفزز ) ، من الاستفزاز ، بمعنى الاستخفاف والإزعاج، يقال: استفز فلان فلانا إذا استخف به ، وخدعه ، وأوقعه فيما أراده منه . ويقال: فلان استفزه الخوف ، إذا أزعجه. )

التفسير الوسيط لطنطاوي ج8 ص389

* شرح : ( فقوله تعالى : ( واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) [الإسراء: 64] ..

هذا كما تستنهض ولدك الذي تكاسل ، وتقول له : " فِزّ " يعني انهض ، وقُمْ من الأرض التي تلازمها كأنها مُمسكة بك ، وكما في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا فِي سَبِيلِ الله اثاقلتم إِلَى الأرض ) [التوبة: 38]

فتقول للمتثاقل عن القيام : ( فِزّ ) أي : قُمْ وخِفّ للحركة والقيام بإذعان . فالمعنى : استفزز مَنِ استطعت واستخفّهم واخدعهم ( بِصَوْتِكَ ) بوسوستك أو بصوتك الشرير، سواء أكان هذا الصوت من جنودك من الأبالسة أمثالك ، أو من جنودك من شياطين الإنس الذين يعاونوك ويساندونك ).

تفسير الشعراوي ج14 ص8664

* شرح : ( قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاسْتَفْزِزْ) أَيِ اسْتَزِلَّ وَاسْتَخِفَّ. وَأَصْلُهُ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ تَفَزَّزَ الثَّوْبُ إِذَا انْقَطَعَ . وَالْمَعْنَى : اسْتَزِلَّهُ بِقَطْعِكَ إِيَّاهُ عَنِ الْحَقِّ . واستفزه الخوف أي استخفه . وقعد مستفزا أَيْ غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ .

" وَاسْتَفْزِزْ": أَمْرُ تَعْجِيزٍ، أَيْ أَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى إِضْلَالِ أَحَدٍ ، وَلَيْسَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ سُلْطَانٌ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ .

قوله تعالى: (بِصَوْتِكَ) وَصَوْتُهُ كُلُّ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. مُجَاهِدٌ: الْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ وَاللَّهْوُ. وَقِيلَ:" بِصَوْتِكَ" بِوَسْوَسَتِكَ.)

تفسير القرطبي ج10 ص288

* شرح : (وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: ( واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم بصوتك) قَالَ: صَوته كل دَاع دَعَا إِلَى مَعْصِيّة الله (وأجلب عَلَيْهِم بخيلك) قَالَ: كل رَاكب فِي مَعْصِيّة الله (وشاركهم فِي الْأَمْوَال) قَالَ: كل مَال فِي مَعْصِيّة الله (وَالْأَوْلَاد) قَالَ: مَا قتلوا من أَوْلَادهم وَأتوا فيهم الْحَرَام .)

الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج5 ص312

***************************

:: التسليط بالجَلْبَة ::

* شرح : ( ثم يقول تعالى: ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) [الإسراء: 64]

"أجْلَبَ عليهم": صاح به ، وأجلبَ على الجواد: صاح به راكبه ليسرع .

و"الجَلْبة" هي : الصوت المزعج الشديد ، وما أشبه الجَلْبة بما نسمعه من صوت جنود الصاعقة مثلاً أثناء الهجوم ، أو من أبطال الكاراتيه .

وهذه الأصوات مقصودة لإرهاب الخصم وإزعاجه ، وأيضاً لأن هذه الصيحات تأخذ شيئاً من انتباه الخصم ، فيضعف تدبيره لحركة مضادة، فيسهل عليك التغلّب عليه .

* وقوله تعالى : ( بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) [ الإسراء: 64 ]

أي: صَوِّتْ وصِحْ بهم راكباً الخيل لتفزعهم ، والعرب تطلق الخيل وتريد بها الفرسان ، كما في الحديث النبوي الشريف: « يا خيل الله اركبي » .

* وما أشبه هذا بما كنا نُسمِّيهم : سلاح الفرسان (وَرَجِلِكَ) من قولهم: جاء راجلاً . يعني: ماشياً على رِجْلَيْه و (رَجِل) يعني على سبيل الاستمرار ، وكأن هذا عمله وديدنه ، فهي تدل على الصفة الملازمة ، تقول : فلانٌ رَجْل أي : دائماً يسير مُترجّلاً . مثل: حاذر وحَذِرْ، وهؤلاء يمثلون الآن «سلاح المشاة» .

تفسير الشعراوي ج14 ص8664

* شرح : ( وقوله: ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ) ..

أصل الإجلاب : الصياح بصوت مسموع.

يقال: أجلب فلان على فرسه وجلب عليه ، إذا صاح به ليستحثه على السرعة في المشي .

قال الآلوسى : [ قوله ( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ ) أى: صح عليهم من الجلبة وهي الصياح . قاله الفراء وأبو عبيدة .

وقال الزجاج: أجلب على العدو: جمع عليه الخيل .

وقال ابن السكيت: جلب عليه : أعان عليه .

وقال ابن الأعرابى : أجلب على الرجل، إذا توعده الشر، وجمع عليه الجمع .

ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لأصحابه: «يا خيل الله اركبي» .

والرجل- بكسر الجيم- بمعنى راجل- كحذر بمعنى حاذر- هو الذي يمشى رَجِلا ، أي غير راكب ... » «تفسير الآلوسى ج 15 ص 111] .

* والمعنى : قال الله- تعالى- لإبليس: اذهب أيها اللعين مذءوما مدحورا. فإن جهنم هي الجزاء المعد لك ولأتباعك من ذرية آدم ، وافعل ما شئت معهم من الاستفزاز والخداع والإزعاج ولهو الحديث وأجلب عليهم ما تستطيع جلبه من مكايد، وما تقدر عليه من وسائل، كأن تناديهم بصوتك ووسوستك إلى المعاصي ، وكأن تحشد جنودك على اختلاف أنواعهم لحربهم وإغوائهم وصدهم عن الطريق المستقيم .

* قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى استفزاز إبليس بصوته ، وإجلابه بخيله ورجله ؟

قلت : هو كلام وارد مورد التمثيل شبهت حاله في تسلطه على من يغويه ، بمغوار أوقع على قوم ، فصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم ، ويقلقهم عن مراكزهم ، وأجلب عليهم بجنده ، من خيالة ورجالة حتى استأصلهم .

وقيل: بصوته ، أي: بدعائه إلى الشر .

وبخيله ورجله : أي كل راكب وماش من أهل العبث. وقيل: يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال» .

* وعلى أية حال ، فالجملة الكريمة تصوير بديع ، لعداوة إبليس لآدم وذريته ، وأنه معهم في معركة دائمة، يستعمل فيها كل وسائل شروره ، ليشغلهم عن طاعة ربهم ، وليصرفهم عن الصراط المستقيم ، ولكنه لن يستطيع أن يصل إلى شيء من أغراضه الفاسدة ، ما داموا معتصمين بدين ربهم - عز وجل - )

التفسير الوسيط لطنطاوي ج8 ص389

* شرح : ( قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) أَصْلُ الْإِجْلَابِ السَّوْقُ بِجَلَبَةٍ مِنَ السَّائِقِ ، يُقَالُ: أَجْلَبَ إِجْلَابًا . وَالْجَلَبُ وَالْجَلَبَةُ : الْأَصْوَاتُ ، تَقُولُ مِنْهُ : جَلَّبُوا بِالتَّشْدِيدِ . وَجَلَبَ الشَّيْءَ يَجْلِبُهُ وَيَجْلُبُهُ جَلْبًا وَجَلَبًا . وَجَلَبْتُ الشَّيْءَ إِلَى نَفْسِي وَاجْتَلَبْتُهُ بِمَعْنًى . وَأَجْلَبَ على العدو إجلابا ، أي جمع عليهم . فالمعنى : أَجْمِعْ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مكايدك .

وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : يُرِيدُ كُلَّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ : إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرَجِلًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ . فَمَا كَانَ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ يُقَاتِلُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ خَيْلِ إِبْلِيسٍ وَرِجَالَتِهِ .

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ خَيْلٍ سَارَتْ في معصية الله ، وكل رجل مشى فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَكُلُّ مَالٍ أُصِيبَ مِنْ حَرَامٍ ، وَكُلُّ وَلَدِ بَغِيَّةٍ فَهُوَ لِلشَّيْطَانِ .

وَ( الرَّجْلُ ) جَمْعُ رَاجِلٍ ، مِثْلُ صَحْبٍ وَصَاحِبٍ . وَقَرَأَ حَفْصٌ" وَرَجِلِكَ" بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُمَا لُغَتَانِ ، يُقَالُ: رَجِلٌ وَرَجْلٌ بِمَعْنَى رَاجِلٍ . وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ "وَرِجِالِكَ" عَلَى الْجَمْعِ .

تفسير القرطبي ج10 ص288

***************************

:: التسليط بالمشاركة ::

* شرح : ( ثم يقول تعالى : ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال ) [الإسراء: 64] فكيف يشاركهم أموالهم ؟

بأن يُزيِّن لهم المال الحرام ، فيكتسبوا من الحرام وينفقوا في الحرام (والأولاد) المفروض في الأولاد طهارة الأنساب ، فدَوْر الشيطان أنْ يُفْسِدَ على الناس أنسابهم ، ويُزيِّن لهم الزنا ، فيأتون بأولاد من الحرام . أو: يُزيِّن لهم تهويد الأولاد ، أو تنصيرهم ، أو يُغريهم بقتْلِ الأولاد مخافةَ الفقر أو غيره ، هذا من مشاركة الشيطان في الأولاد .

تفسير الشعراوي ج14 ص8664

* شرح : ( قوله تعالى : (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) أَيِ اجْعَلْ لِنَفْسِكَ شَرِكَةً فِي ذَلِكَ . فَشَرِكَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ إِنْفَاقُهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ .

وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي أَصَابُوهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.

ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ. وَقَالَهُ قَتَادَةُ.

الضَّحَّاكُ: مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ.

( وَالْأَوْلَادُ ) قيل: هم أولاد الزنى ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ.

وَعَنْهُ أَيْضًا: هُوَ مَا قَتَلُوا مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَتَوْا فِيهِمْ مِنَ الْجَرَائِمِ.

وَعَنْهُ أَيْضًا: هُوَ تَسْمِيَتُهُمْ عَبْدَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ الْعُزَّى وَعَبْدَ اللَّاتِ وَعَبْدَ الشَّمْسِ وَنَحْوَهُ.

وَقِيلَ: هُوَ صِبْغَةُ أَوْلَادِهِمْ فِي الْكُفْرِ حَتَّى هَوَّدُوهُمْ وَنَصَّرُوهُمْ، كَصُنْعِ النَّصَارَى بِأَوْلَادِهِمْ بِالْغَمْسِ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ.

ورُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُسَمِّ انْطَوَى الْجَانُّ عَلَى إِحْلِيلِهِ فَجَامَعَ مَعَهُ .

وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ فِيكُمْ مُغَرِّبِينَ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْمُغَرِّبُونَ؟ قَالَ:" الَّذِينَ يَشْتَرِكُ فِيهِمُ الْجِنُّ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي (نَوَادِرِ الْأُصُولِ) .)

 تفسير القرطبي ج10 ص288 .. باختصار

* شرح : ( وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُبَيِّنَةِ بَعْضَ مُشَارَكَتِهِ لَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ، مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ» .

وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ» انْتَهَى.

فَاجْتِيَالُ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَتَحْرِيمُهَا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ (فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) وَضُرُّهَا لَهُمْ لَوْ تَرَكُوا التَّسْمِيَةَ (فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي) كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مُشَارَكَتِهِمْ فِيهِمْ .

وَقَوْلُهُ: «فَاجْتَالَتْهُمْ» أَصْلُهُ افْتَعَلَ مِنَ الْجَوَلَانِ ; أَيِ اسْتَخَفَّتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَجَالُوا مَعَهُمْ فِي الضَّلَالِ . يُقَالُ: جَالَ وَاجْتَالَ: إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ الْجَوَلَانُ فِي الْحَرْبِ، وَاجْتَالَ الشَّيْءَ: إِذَا ذَهَبَ بِهِ وَسَاقَهُ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. )

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ج3 ص168

****************************

..:: ما الحكمة من إعطاء الشيطان سلطان الإغواء ؟ ::..

يقول تبارك وتعالى : ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) سبأ21

فكل من يَضْجَر من محاربة الشيطان ويمل ويتضايق وييأس من أنه لا قدرة على صرف الشيطان وأنه قوي وأوقف حياته .. ومثل هذه الخزعبلات التي نعيشها في أوطننا العربية .. فليعلم أنه دخل في جملة من صدَّق إبليس عليهم ظنه .. لأنهم من أصحاب النفس الأمارة بالسوء وليس من المؤمنين الصادقين .. وقد افتضح أمره وكشف مكنون سره أمام الناس أنه إنسان مُدَّعي لا يعمل مع الله .. بقدر ما هو يشكو من الشيطان ..!!

* أنت غير صادق الإيمان .. ومتشكك في القرآن ومدى قوته وتأثيره على الشيطان ، وتظل تنتقل من شيخ لشيخ وتندب حظك .. وتُجرب من سورة لأخرى .. وتتعامل مع العبادات على سبيل التجربة .. والتجربة شك والشك يفسد العمل ..!! ..

* أنت تعبد الله على حرف .. تريد العطاء القرآني فقط .. دون أن تعمل حتى تستحق ما تريد أخذه .. أنت إنسان أناني حتى في تعاملك مع الله .. فكيف ينصلح حالك ..؟!!

* فلا تنسى ذلك .. ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد11

* وإذا أردت العطاء بالمدد القرآني .. فعليك العمل بالمنهج الرباني ..

* وختام المسألة في قوله تعالى : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) المائدة27

* يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ) المؤمنون : 51 ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) البقرة : 172 ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟ ) رواه مسلم .

***********************

..:: التسليط بالتسويل والإملاء ::..

* ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ) محمد25

* ما معنى التَّسْوِيل ؟

( السُّول : الحاجة الَّتي تحرص عليها النَّفس، قال تعالى: ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا موسى ) .

والتَّسويل : تزيين النَّفْس لما تحرص عليه، وتصوير القبيح منه بصورة الحَسَن، {الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ} . وقيل: السُّول في معنى الأُمنيّة ، غير أَنَّ الأُمنيّة فيما قُدّرَ ، والسول فيما طُلِب )

بصائر ذوي التمييز ج3 ص282

* (سولت له نفسه كذا تسويلا : زينته وحببته إليه ليفعله أو يقوله . وسوَّل له كذا : زينه وحببه إليه ليفعله .

سوَّل: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ) "25/محمد" .

معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن . ج2 ص358

* ( وَالتَّسْوِيلُ : تَسْهِيلُ الْأَمْرِ الَّذِي يُسْتَشْعَرُ مِنْهُ صُعُوبَةٌ أَوْ ضُرٌّ وَتَزْيِينُ مَا لَيْسَ بِحَسَنٍ.

وَالْإِمْلَاءُ : الْمَدُّ وَالتَّمْدِيدُ فِي الزَّمَانِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِبْقَاءِ عَلَى الشَّيْءِ كَثِيرًا، أَيْ أَرَاهُمُ الِارْتِدَادَ حَسَنًا دَائِمًا كَمَا حَكَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلى [طه: 120] ، أَيْ أَنَّ ارْتِدَادَهُمْ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ .)

التحرير والتنوير ج26 ص116

* شرح : ( وقوله : ( الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ ) جملة من مبتدأ وخبر، وهي خبر إن في قوله- سبحانه-: ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا ).

وقوله: ( سَوَّلَ ) من التَّسوِيل : بمعنى التزيين والتسهيل . يقال: سوَّلَت لفلان نفسه هذا الفعل ، أي: زيَّنَته وحسَّنَته له ، وصَوَّرَته له في صورة الشيء الحسن مع أنه قبيح.

وقوله: ( وَأَمْلى ) من الإملاء وهو الإبقاء  .. "ملاوة من الدهر" ، أي: زمنا منه أي:

الشيطان زين لهؤلاء المنافقين سوء أعمالهم ، ومد لهم في الأمانى الباطلة ، والآمال الفاسدة ، وأسباب الغواية والضلال ) .

التفسير الوسيط ج13 ص241

* شرح : ( أَيْ زَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَحَسَّنَهُ وَ ( أَمْلى لَهُمْ ) أَيْ غَرَّهُمْ وَخَدَعَهُمْ )

بن كثير ج7 ص296

* شرح : ( ( الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ ) أَيْ: زَيَّنَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ وَسَهَّلَ لَهُمُ الْوُقُوعَ فِيهَا ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ ، وَمَعْنَى ( وَأَمْلى لَهُمْ ) أَنَّ الشَّيْطَانَ مَدَّ لَهُمْ فِي الْأَمَلِ وَوَعَدَهُمْ طُولَ الْعُمْرِ ، وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي أَمْلَى لَهُمْ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ ) .

فتح القدير ج5 ص47

* شرح : ( وقوله تعالى : ( الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ ) ، الجملة: خبر «إن» أي: الشيطان زيَّن لهم ذلك ، أو: سهَّل لهم ركوب العظائم ، من: السّول ، وهو الاسترخاء ، أي: أَرْخى العنانَ لهم ، حتى جرَّهم إلى مراده ، ( وَأَمْلى لَهُمْ ) ومدَّ لهم في الآمال والأماني ..

وقرأ البصري: «وأُمْليَ» بالبناء للمفعول ، أي: أملهوا ومُدَّ في عُمرهم ) .

البحر المديد ج5 ص374

*****************************

..:: ختاما ::..

كان هذا الموضوع لتوضيح معاني هامة جدا .. عليك أن تفهمها جيدا حتى تعرف كيف تتعامل مع عدوك .. ومع ربك ..

وأن العداء مع إبليس ليس بسبب مس وسحر وما شابه .. ولكن عليك أن تعرف الأدوات التي يستخدمها في التسليط  حتى تعرف عدوك .. وأيضا تعرف لماذا أعطى الله له هذا السلطان .. أو هذا التسليط .. حتى تفهم شيئا عن دينك .. بدلا من مجرد قشور سطحية لا تغنيك شيئا ..

وطبعا ما ذكرته هنا هو شيء قليل جدا من أدوات السلطان الشيطاني .. أو التسليطات الشيطانية .. فإنها تبلغ أكثر مما ذكرنا بكثير .. ويوجد بعض التسليطات التي لها فرعيات كثيرة جدا ولكن نتركها حتى يأتي وقتها .. لأن الكتابة في الروحانيات بطريقة شرعية تأخذ الكثير من الوقت ..

تحياتي لكم .

************************************

لتحميل الكتاب من قسم الكتب .. ( اضغط هنا )

*****************************

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه المقالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أى موضوع من مواضيعة إلا بإذن من صاحب المدونة - ا/ خالد ابوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي . ولا يحق لأحد النسخ أو الطباعة إلا بإذن من صاحب المدونة الأستاذ / خالد أبوعوف