البيان الإلهي الجليل لأنوار وظلمات " الصاحب والخليل " - في القرآن والسنة - أثر الصحبة الطيبة والسيئة على الإنسان ؟ وعلاقة ذلك بروحانية الإنسان .. ؟ وما هو مفهوم الروحانيات في الإسلام ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

( الجزء الأول )

..:: البيان الإلهي الجليل ::..

لأنوار وظلمات " الصاحب والخليل "

( في القرآن والسنة )

:: أثر الصحبة الطيبة والسيئة على روحانية الإنسان ؟ ::

:: وما هو مفهوم الروحانيات في اللإسلام ؟ ::

* فهرس الموضوع :

1- ما هي علاقة الصحبة بالروحانيات .. وكلام مهم جدا لازم تفهمه جيدا عن مفهوم روحانية الإنسان ؟

2- ما هي الروحانيات في الإسلام ؟

3- اعمل ليوم .. يكن صاحبك فيه هو الإيمان ؟

4- مفاهيم عن الخير والشر عند الناس ؟

5- مفهوم الصحبة الحسنة والصحبة السيئة ؟

6- معنى كلمة الصاحب في القرآن ؟

7- معنى الخليل في القرآن ؟

8- التوصية بالإحسان إلى الصاحب ؟

9- الصحبة الطيبة والسيئة في القرآن ؟

10- أولا : الصحبة الطيبة في القرآن الكريم ؟

11- يريدون وجه الله ولا يريدون غير الله .. ؟

12- تأملات في قوله "واصبر نفسك" .. وتلاعب النفس بالذاكرين ؟

13- من علامات أهل الإيمان الصادقين .. مَن ترجو صُحبَتَهم

14- الفرق بين قوله في المؤمنين ( بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) ، وقوله في المنافقين ( بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) ؟

15- نماذج من الصحبة الطيبة في القرآن ؟

16- اعمل ليوم .. يكن صاحبك فيه هو الإيمان ؟

17- نماذج من الصحبة الطيبة في القرآن ؟

18- ثانيا : الصحبة السيئة في القرآن الكريم ؟

19- من قصص القرآن للصحبة السيئة ؟

20- مَثَل قرآني يوضح قيمة الصحبة الطيبة وحقيقة النفس الأمارة بالسوء ؟

21- الفرق بين الجن والشيطان .. وقيمة اتباع المنهج السماوي ؟

************************************

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. استكمالا لما بدأناه من مفهوم الذنوب وعلاقتها بالإنسان .. وأنها الاساس غالبا وليس دائما للإبتلاء الروحاني .. فأحب أن أختم لكم هنا بخاتمة قد لا يلتفت إليها البعض .. وهو أن الصحبة الطيبة أو السيئة لها أثر كبير في وصول مدد الله إلى العبد .. سواء مدد من اللطف نتيجة بركات الصُّحبَة الطيبة أو مدد من القهر نتيجة الصُّحبَة السيئة .. وهذا ما سنعرفه من خلال المقال ..

* فلا تستهين بذنوب من يرافقك .. ولا تغفل عن أنوار من يناصحك .. ففي كلا منهما مددا أنت لا تدرك مداه ..

* فكن مع الله ورافق أهله الأبرار .. وأشهر علامات الأبرار ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) المؤمنون: 60 .. أي يعطون ما أعطوا من الصدقة والأعمال الصالحة وقلوبهم خائفة أن لا تقبل منهم .. فهذا وصف عزيز جدا أن تجده في هذا الزمان .

* تعالوا نرى ماذا تفعله الصحبة الطيبة والسيئة بالفرد والجماعة .. وكيف تحدَّث القرآن والسنة عن مفهوم الصحبة الطيبة والسيئة ... في بحث وتحقيق وافي .. محاولا استقصاء ما يمكن من خلال الشريعة .. إن شاء الله تعالى .. مع ذكر مباحث مهمة جدا .. خاصة في الجزء الأخير منها ..

نبدأ بسم الله

توكلت على الله

 *********************************

* سؤال : ما هي علاقة الصُّحبَة بالروحانيات ؟

وكلام مهم جدا لازم تفهمه جيدا

لا تغفل عن صاحب السوء فهو المحرك للنفس الأمارة بالسوء .. وهو السبب في تسليط قرين السوء عليك .. خاصة لو كان صاحب السوء هو إنسان روحاني .. فهو سيكون عليك لعنة تطاردك حتى تتخلص منه .. ولكي تتخلص منه .. عليك أن تتخلص من قرينك السء الذي سلطه عليك .. ولكي تتخلص من قرينك السوء الذي سلطه عليك صاحبك الروحاني السوء .. فعليك أن تصفي وتزكي نفسك الأمارة بالسوء من الذنوب وترجع إلى مولاك وتخالف هواك .. فإن فعلت ذلك .. سخر لك من الصاحب الطيب الذي يحرك فيك القرين الطيب الذي يحرك فيك همة العمل بالطاعات وينبهك على الغفلات ..

* فانظر إلى أهمية الصاحب السوء والصاحب المؤمن .. ستجده أمر مهم جدا .. فالإنسان يسير على شاكلة من يصاحبه .. !!

* إذا لم تفهم ما سبق .. فأنت لن تفهم هذا الموضوع جيدا .. لأنه مرتبط بقوة بالأمور الروحانية الخاصة بالإنسان .. لأن الرفيق السوء سواء كان روحاني أو غير روحاني .. كلاهما .. يؤثر بروحانيته الفاسدة عليك .. لأن كلاهما يتسلط قرينة السوء عليك .. مما يؤذي قرينك بشدة .. فتبدأ في الإنهيار ..

وأول الإنهيار هو التراجع عن العبادة .. ثم همدان .. ثم خمول كامل ونوم .. ثم ضيق في العبادات .. إلى آخره ..

* فافهم العلم جيدا .. وإذا لم تعلم القوة الروحية من التعاليم الإسلامية وعلاقتها بروحانية الإنسان .. فلا سبيل لك لتعلم العلم الروحاني أبدا الذي هو جزء من دينك .. واعلم أن الدين الإسلامي يملك من القوة الروحية والروحانية ما لا يمنحه الله لأحد في العالمين ولكن أكثر الناس لا يعقلون سوى الجن والعفاريت ..!!

* أريدك أن تتأمل جزء في المقال هام جدا .. تحت عنوان " اعمل ليوم يكن صاحبك فيه هو الإيمان " .. فهو نفيس جدا على صغير ما فيه ..

 ******************************

..:: ما هي الروحانيات في الإسلام ؟ ::..

* انتبه لو سمحت جيدا لهذا الكلام : روحانية الإنسان هي القوة التي تعمل في الإنسان بالخير والشر .. وبالتال تؤثر في نفس الإنسان . وهاتين القوتين هما قرين الخير وقرين الشر .. وبقدر تزكية النفس سيتحرك فيك قرين الخير ويبدأ مدد اللطف لك بالتثبيت "إلا إن انحرفت" وسيكون فلاحك مع الله .. وبقدر انحطاط نفسك بالبعد عن الله سيتحرك فيك قرين الشر ويبدأ مدد القهر الإلهي لك بالإضلال (حتى تتوب) وسيكون خسرانك في علاقتك بالله .. ولذلك في هذه المدونة الروحانيات في الإسلام .. لأنها تجمع لك العلم الروحاني الكلي الذي يذهب بك إلى الله .. وليس مجرد جن وعفاريت .. وإنما علاقات قلبية وتزكية نفس وارتقاء حال ..

* وبقدر تزكية النفس تبدأ روحانيات القلب الإنساني ترتقي مع مولاها التي هي روح الإيمان والرضا واليقين والتوكل والتوبة والإخلاص وغير ذلك من الصفات حتى تصل بالتزكية إلى مقام النفس المطمئنة .. والقلب السليم .. فتسمع نداء قوله تعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر:27-30

* فروحانيات المسلم هي ارتقاء بالقلب بالمعاني والصفات الزَّكِيَّة .. عن طريق تزكية النفس ظاهرا وباطنا بالشريعة مع الحق والخلق .. وذلك بقهر قرين السوء .. وبمحاربة شياطين الإنس والجن .. يقظة ومناما "أي في حال الكشف الروحاني" ..

فهل عقلت الآن ما هي الروحانيات في الإسلام ؟

ولذلك كان من الضروري كتابة مواضيع قسم الصفاء الباطني وفقه العارفين .. وبدون ذلك سيكون فاتك الكثير في فهم الحقيقة الروحية للإنسان المسلم .

* نعود للموضوع .. "الصحبة الطيبة والسيئة " ..

*********************************

..:: مفاهيم عن الخير والشر عند الناس ::..

..:: مفهوم الصحبة الحسنة والصحبة السيئة ::..

قبل البدء في الكلام عن الصحبة فعلينا ابتداء أن نحدد مفهوم الصحبة أو المرافق لك في حياتك .. لماذا ؟

لأن هناك صحبة في الخير وصحبة في الشر .. ولكن صحبة الخير وصحبة الشر تختلف باختلاف الثقافة والبيئة والمجتمع .. وبالتأكيد تتوقف على العقيدة أيضا ..

فمثلا نماذج عن صحبة الخير في معتقد البعض :

* فمثلا أهل الفن السينمائي المستبيح لعرض المشاهد الجنسية .. تجد فيهم انحراف طبيعي يتعاملون معه وكأنه أمر اعتيادي مثل القبلات الحميمية في الأفلام أو غير ذلك من مشاهد فاضحة عند الأسوياء ولكن عندهم هذا الأمر خير وليس شر .. وإذا أحدهم قبل زوجة الآخر فلا مانع .. فهي قبلة على سبيل الترحاب والمودة وليست قبلة فيها مشاعر وأحاسيس ..!!

* وعند بعض الغرب أن يكون لديك فتاة ترافقك أو شاب يرافق فتاة .. ويتجالسا في غرفة النوم أو شقة بالإيجار و يتشاركان فيها الأجر ولا مانع من الاشتراك في العلاقة الحميمة طالما الأمر يتم عن تراضي ومحبة !!.. فلا مانع .. فأنت حر ما لم تضر .. والأمر خير ما لم يترتب عليه ضرر للآخر ..!!

* وعند بعض المجتمع الغربي .. فأنت إنسان فاقد الأهلية العقلية لأنك لا تقبل من الآخر أن يتزوج من رجل مثله أو امرأة تتزوج من امرأة مثلها .. ( لواط وسُحاق ) ..

* وعند ممارسي الطاقة الروحية الزائفة .. فأنت إنسان فاقد الأهلية العقلية .. لأنك لا تقبل فكرة السلام الديني الموحد على مستوى الأديان .. لأنك لا تقول أن الجميع على حق ( سواء من يعبد البقرة أو من يعبد الله ) ..!!

* وأنت إنسان فاقد الأهلية العقلية إذا لم تقبل أن الطاقة الروحية هي علم .. علينا أن نأخذه من عبيد البقر والقرد هانومان .. لأنك عليك أن تأخذ العلم من أي شخص .. ( وكأن الدين الهندوسي أصبح علم يدرس ) ..!!

* فإذا لم تقبل ما سبق فأنت من أهل الصحبة السيئة وأنت شخص منحرف على وفق عقيدة هؤلاء .. !!

ولذلك قلت لكم في البداية .. ما هو مقياس الصحبة الصالحة أو السيئة .. أو ما هو الخط المستقيم الذي إن سرت عليه وجدت الصاحب المستقيم ..

تعالوا معنا نتعلم ذلك من القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ..

*****************************

..:: معنى كلمة الصاحب في القرآن ::..

* شرح : ( بصيرة فى الأصحاب )

وقد ورد في التنزيل على خمسة أَوجهٍ:

الأَوّل: بمعنى الجنسيّة: ( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) ، و ( مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ ) أَى بالذى هو من جنسكم.

الثّانى: بمعنى حقيقة الصّحبة: ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ ) يعنى أَبا بكر فى الغار.

الثَّالث: بمعنى: (السّكون والفراغة) ( إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) أَى ساكنيها ومنه ( وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار ) ، ( لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة أَصْحَابُ الجنة ) أَىْ سُكَّانهما.

الرّابع: بمعنى المرافقة والموافقة ( أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم ) .

الخامس: بمعنى التصرّف والاستيلاءِ: ( وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً ) أَى الموكِّلين بها المتصرّفين فيها.

* والأَصل فيه أَنَّ الصَّاحب: هو الملازم .. إِنساناً كان ، أَو حيواناً، أَو مكاناً، أَو زماناً.

* ولا فرق بين أَن يكون مصاحبتُه بالبدن - وهو الأَصل والأَكثر – أَو بالعناية والهمّة .

* ولا يقال (في العرف إِلا لمن كثر ملازمته ويقال) لمالك الشئِ: هو صاحبه .

* وقد يضاف الصّاحب إِلى مَسُوسِهِ ؛ نحو صاحب الجيش ، وإِلى سائسه ، نحو صاحب الأَمير.

* والمصاحبة والاصطحاب أَبلغ من الاجتماع ؛ لأَنَّ المصاحبة تقتضى طول لُبْثه . وكلّ اصطحاب اجتماع ، وليس كلّ اجتماع اصطحاباً.

والإِصحاب للشئ : الانقياد له . وأَصله أَن يصير له صاحبا .

* ويقال: أَصْحَب فلان : إِذا كبِرَ ابنُه ، فصار صاحبَه ، وأَصحب فلان فلاناً: جعله صاحباً له ؛ قال تعالى: ( وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ ) أَى لا يكون لهم من جهتنا ما يَصْحبهم : من سكينة ، ورَوْح ، وتوفيق ، ونحو ذلك ممّا يُصْحِبه أَولياءَه . )

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ج2 ص148

********************************

..:: معنى الخليل في القرآن ::..

* قال الإمام الزجاج رحمه الله : معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه أحبه محبة كاملة ليس فيها نقص ولا خلل.

* وقال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله : إنما سمي خليلاً لأن محبة الله تخللت في جميع قواه فصار بحيث لا يرى إلا الله ولا يتحرك إلا لله ولا يسكن إلا لله ولا يمشي إلا لله ولا يسمع إلا بالله فكان نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية وتخلل فيها وغاص في جواهرها ووغل في ماهيتها.

* وقيل للصداقة خلة .. لأن كل واحد منهما يسد خلل صاحبه في المودة والحاجة إليه .

* قلت خالد ابوعوف :

الخليل : من خلى قلبه من غير مولاه .. فأصبح متعلقا بمولاه ظاهرا وباطنا يقظة ومناما .. غير ملتفتا الى غيره ..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

* شرح : ( الكلمة مأخوذة من " الخاء ولام ولام " .، و الخَل « - بفتح الخاء - هو الطريق في الرمل، وهو ما نسميه في عرفنا " مدقاً " ، وعادة يكون ضيقاً . وحينما يسير فيه اثنان فهما يتكاتفان إن كان بينهما ودّ عالٍ ، وإن لم يكن بينهما ودّ فواحد يمشي خلف الآخر . ولذلك سموا الاثنين الذين يسيران متكاتفين " خليل " فكلاهما متخلل في الآخر أي متداخل فيه . والخليل أيضاً هو من يسد خلل صاحبه .

* والخليل هو الذي يتحد ويتوافق مع صديقه في الخلال والصفات والأخلاق . أو هو من يتخلل إليه الإنسان في مساتره ، ويتخلل هو أيضاً في مساتر الإنسان . والإنسان قد يستقبل واحداً من أصحابه في أي مكان سواء في الصالون أو في غرفة المكتب أو في غرفة النوم . لكن هناك من لا يستقبله إلا في الصالون أو في غرفة المكتب .

( واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) أي اصطفاه الحق اصطفاءً خاصاً، والحب قد يُشارَك فيه، فهو سبحانه يحب واحداً وآخر وثالثاً ورابعاً وكل المؤمنين، فهو القائل:

( إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين )  البقرة: 222

وسبحانه القائل: ( فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )  آل عمران: 76

وهو يعلمنا: ( والله يُحِبُّ الصابرين )  آل عمران: 146

ويقول لنا: ( والله يُحِبُّ المحسنين )  آل عمران: 148

ويقول أيضاً: ( إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين )  الممتحنة: 8

* لكنه اصطفى إبراهيم خليلاً ، أي لا مشاركة لأحد في مكانته ، أما الحب فيعم ، ولكن الخلَّة لا مشاركة فيها . ولذلك نرى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يخرج إلى قومه قائلاً : « أما بعد أيها الناس فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا وإن صاحبكم خليل الله تعالى ( يعني نفسه ) » .

تفسير الشعراوي ج5 ص2671

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :  ( والخليل في كلام العرب : هو الصاحب الملازم الذي لا يخفى عليه شيء من أمور صاحبه.

مشتق من الخلة وهي صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار.

قال الآلوسى : والخليل مشتق من الخلة- بضم الخاء- وهي إما من الخلال- بكسر الخاء- فإنها مودة تتخلل النفس وتخالطها مخالطة معنوية. فالخليل من بلغت مودته هذه المرتبة .

وإما من الخلل على معنى أن كلا من الخليلين يصلح خلل الآخر . وإما من الخل- بالفتح- وهو الطريق في الرمل ، لأنهما يتوافقان على طريقة . وإما من الخلة- بفتح الخاء- بمعنى الخصلة لأنهما يتوافقان في الخصال والأخلاق . وأطلق الخليل على إبراهيم ، لأن محبة الله تعالى، قد تخللت نفسه وخالطتها مخالطة تامة ، أو لتخلقه بأخلاق الله تعالى ) .

التفسير الوسيط لطنطاوي ج3 ص323

* ملحوظة : هناك حديث غير صحيح يتداوله بعض من يحبون النبي ولكن بطريق خطأ وأكثرهم ممن ينتمي لأهل التصوف .. وهو حديث ( اتخذ اللهُ إبراهيمَ خليلًا ، وموسى نَجِيًّا ، واتخذني حبيبًا ، ثم قال : وعِزَّتِي و جلالي ، لَأُوثِرَنَّ حبيبي ، على خليلي ونَجِيِّي ) ..

* ولكن الصحيح هو ما قاله الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز ( الخُلَّة الَّتي انفرد بها الخليلان إِبراهيم ومحمّد عليهما السّلام كما صحّ عن النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم " إِنَّ الله تعالى اتَّخذني خليلاً كما اتَّخذ ابراهيم خليلاً " ، وقال صلى الله عليه وسلَّم " لو كُنت متَّخذاً خليلاً غير ربِّى لاتخذت أَبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم " .. والحديثان فى الصّحيحين ، وهما يبطلان قول من قال : الخُلَّة لإِبراهيم والمحبّة لمحمّد عليهما السّلام فإِبراهيم خليله ومحمّد حبيبه . )

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ج2 ص558 .. مختصرا في كلامه عن الخلة .

******************************

..:: التوصية بالإحسان إلى الصاحب ::..

 ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ) النساء36

* شرح مفردات الآية : (( وَبِذِي الْقُرْبَى ): ذي القربى ، صاحب القرابة من قِبَلِ الأَب أَو الأم .

( وَالْيَتَامَى ): جمع يتيم، وهو الصغير الذي مات أَبوه، ويستمر يتمه إلى البلوغ .

( وَالْمَسَاكِينِ ): جمع مسكين، وهو من يقل كسبه عن الوفاءِ بحاجته. فيشمل الفقير .

( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ) : وهو الذي قرب جواره، أو من له مع الجوار قرب أَو اتصال بنسب .

( وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) : أي الذي بعد جواره، أو الجار الذي لا قرابة له.

( وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ) : وهو الرفيق في أَمر حسن، كتعليم وصناعة وسفر .. إلخ .

وقيل: الزوجة .

( وَابْنِ السَّبِيلِ ) : وهو الغريب الذي سافر فانقطع عن بلده وماله.

( مُخْتَالًا فَخُورًا ) المختال : هو المتكبر المعجب نفسه. المتعالي على غيره .، والفخور: الذي يزعم لنفسه الفضل على من عداه .

* ويشرح التفسير الوسيط معنى (الجار والصاحب) فيقول : ({ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ }:

أي: وأَحسنوا إلى الجار الذي قرب مكانا أَو دينا أو نسبا. وإلى الجار البعيد مكانا أو دينا أَو نسبا.

ومدى بُعد المكان، إلى أربعين جارا من كل جانب.

* ومما ورد في أَنواع الجيران . ما رواه البزار بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الجِيرانُ ثَلاثةٌ: جَارٌ لَهُ حَق وَاحِدٌ، وَهُوَ أدْنى الجِيرانِ حَقًّا. وجارٌ لَهُ حَقَّانِ. وَجارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ. وهُو أفْضَلُ الْجِيرَانِ حقًّا.

فأَما الجارُ الذي له حَقُّ واحدٌ، فجارٌ مُشرِكٌ لا رَحِمَ له: له حَقُّ الجِوَارِ.

وأما الجارُ الذي له حَقانِ ، فجار مسلمٌ: له حقُّ الإسلام وحقُّ الجِوارِ .

وأما الذي له ثلاثةُ حُقُوقٍ ، فجارٌ مُسلم ذُو رَحِمٍ : لَهُ حقُّ الجِوارِ، وحق الإسلامِ ، وحَقُّ الرَّحِمَ".

وقد أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجار، فقاق: " ما زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجَارِ حتى ظَنَنْتُ أَنه سَيُوَرِّثُهُ "، رواه أَحمد والشيخان.

( وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ):

أي: وأَحسنوا إلى الصاحب بالجنب. وهو الرفيق مطلقا. كالجليس في الحضر، والرَّفيق في السفر، والزوجة.

وبذلك يتم التعاون وتصفو النفوس. )

من التفسير الوسيط لمجمع البحوث .. مختصرا ج2 ص812

* فالصاحب قد أوصى به القرآن وصاية خاصة تجعلنا نهتم به في حياتنا .. وكأنه أحد أركان الحياة التي إن فقدناها .. فقد فقدنا مددا كبيرا من الله .. وأكرم الصحبة هي صحبة أهل العلم والفضل .

وانتبه في تفسير الآية .. إلى أن معنى الصحبة يشمل المعنى الواسع سواء في العمل أو السفر أو غير ذلك مما يطلق عليه اسم صاحب أو مرافق .. فالإحسان صفة واجبة على المسلم وقت الصحبة .. وأفضل الإحسان أن يدلك إنسان على الله ..

* ولو تأملت الآية ستجد أنها جمعت جميع الأنواع التي تشتمل على الصحبة بصفة عامة .. فكل ما ذكرته الآية .. هو مرافقون لك في الحياة سواء كانوا قريبا أو بعيدا .. ولكن الآية خصصت حقوق بذاتها بالرغم من مشاركة الجميع لمفهوم الصحبة .. حتى لا تنسى حقا أو حتى لا يطغى حق على حق آخر .. فالإحسان واجب للجميع .. والله أعلم .

* فالصحبة تقتضي عليك أمرين ..

الأول : أن تُحسن اختيار من تصاحبه .

والثاني : أن تُحسن إليه .

*********************************

..:: الصحبة الطيبة والسيئة في القرآن ::..

.. أولا : الصحبة الطيبة في القرآن الكريم ..

هي التي تعينك على نفسك وتعينك في الوصول لربك .. وترقي قلبك بعزيمة الإخلاص والتوكل واليقين في الله ثم الرضا بما آت من الله كما يحب الله ..

يقول تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) الكهف:28

* تأملات "من المؤلف" في قوله تعالى :

* " واصبر نفسك " : لفظ الصبر معناه "حبس النفس على ما تكره" .. فهو يدل على أن النفس تكره مداومة فعل التوجه إلى الله وكأنه ليس من طبعها الانقطاع مع الله بالعبادة .. فالنفس لا ترغب في هذا الفعل وهو مداومة العبودية مع الله بملازمة الذكر والدعاء والصلاة بل تحتاج لصبر أي حبس وتربية قهرية للنفس وتقويم لها على هذا الفعل .. لعدم اعتياد النفس على الإلتجاء إلى الله بمداومة العبادة .. ومن أهم علامات التقويم هو الصحبة الطيبة التي تعينك على ذلك .

وكذلك فيه دلالة على أن ملازمة الصحبة المؤمنة .. ليس من طباع النفس .. فالأمر أيضا يحتاج لصبر مع هذه الصحبة وإلا ستنفرك النفس من هذه الصحبة لأنها تريد الإنطلاق في الحياة بعيد عن أي قيود منهجية .. فاصبر مع أهل الله واصبر مع ذكر الله ومداومة العبودية لله .. وإلا فستذهب بك النفس إلى أهل الغفلة .

* فالذين يَمِلٍّون الذِّكر و يتأفأفون ( أي يقولون أف )  من كثرة ذكر الله .. ويتحججون بانقطاعهم وتوقفهم عن الذكر بحجة أنهم لا يرون الخشوع في الذكر !! ..

ولا أدري كيف يشعرون بالخشوع وهم كانوا في معزل دائم عن الذكر ؟!! فأقصى أحلامهم أن يقولوا "سبحان الله " 100 مرة !..

* فيجب عليهم الصبر على مداومة الذكر كثيرا ومداومة العبودية لأن النفس ترفض الإلتزام ومداومة العبودية مع الله .. حتى تتطهر قلوبهم من صدأ الغفلة .. ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ) الأنفال45 ، ( وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً ) الشعراء227 ، ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الأحزاب35 ..

* تأملات "من المؤلف" في قوله تعالى "يدعون ربهم" : تشير إلى أنهم لا يدعون جن ولا عفاريت ولا أحياء ولا أموات .. !!

وكيف يدعونه ربهم ؟

بدوام الاستقامة وكمال العبودية مع الله كما يريد الله بتحقيق " إياك نعبد وإياك نستعين " ..

وما هو حالهم في عبادتهم ؟

الإخلاص في عبادتهم لله .. هذا هو حالهم .. ولذلك يقول تعالى " يريدون وجهه " ..

* ( أكاذيب نفسية : ) : ولذلك كنت أقول لكم من طلب غير الله بكلام الله وجد غير الله .. لأنهم دعوا غير الله ( طلبوا الجن والروحانيات ) بكلام الله .. منحرفين عن وجه الله والإخلاص في العبادة .. بل يريدون حظوظ أنفسهم بالكذب على أنفسهم برياضة الآيات والأسماء طلبا للجن والروحانيات حتى يخدعوا أنفسهم أنهم يتعبدون .. وعجبا كيف يتعبدون ويطلبون غير الله ؟! .. فأين الإخلاص لله رب العالمين . ، فهؤلاء عبيد أنفسهم وهواهم .. غافلون عن ذكر الله في الحقيقة حتى وإن كانوا يذكرون بألسنتهم ..!!

* تأمل معي الآتي في سبب نزول الآية ومعانيها .. حتى تفهم ما أردتك أن تفهمه .. وتعلم أن هناك من يطلب الله حقا وصدقا .. وهناك من يطلب غير الله باطلا وكذبا .

* شرح الآية : ( ساقت السورة الكريمة لونا من الأدب السامي ، والتوجيه العالي ، حيث بَيَّنَت أن أولى الناس بالرعاية والمجالسة هم المؤمنون الصادقون ، وأَمَرَت النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر نفسه معهم، فقال- تعالى-: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) ..

* وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أنها نزلت في أشراف قريش ، حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده ، ولا يجالسهم مع ضعفاء أصحابه كبلال وعمار وابن مسعود . وليفرد أولئك بمجلس على حدة ، فنهاه الله- تعالى- عن ذلك.. وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء الفقراء فقال:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) .

و( الغداة ) : أول النهار. و( العشى ) . آخره .

* والمعنى : عليك- أيها الرسول الكريم- أن تحبس نفسك وتعودها على مجالسة أصحابك ( الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ) أي: يعبدونه ويتقربون إليه بشتى أنواع القربات ، في الصباح والمساء ، ويداومون على ذلك ، دون أن يريدوا شيئا من وراء هذه العبادة ، سوى رضا الله- تعالى- عنهم ورحمته بهم .

* وفي تخصيص الغداة والعشى بالذكر: إشعار بفضل العبادة فيهما : لأنهما محل الغفلة و الاشتغال بالأمور الدنيوية غالبا .

* ويصح أن يكون ذكر هذين الوقتين المقصود به مداومة العبادة. وإلى هذا المعنى أشار الآلوسى بقوله: قوله: ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ) أي : يعبدونه دائما . وشاع استعمال مثل هذه العبارة للدوام . وهي نظير قولهم : ضرب زيد الظهر والبطن . يريدون به ضرب جميع البدن .

* وقوله: ( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) مدح لهم بالإخلاص والبعد عن الرياء والمباهاة .. فهم لا يتقربون إلى الله- تعالى- بالطاعات من أجل دنيا يصيبونها. أو من أجل إرضاء الناس .

وإنما هم يبتغون بعبادتهم رضا الله- تعالى- وحده ، لا شيئا آخر من حظوظ الدنيا .

* وقوله- سبحانه- ( وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ).. نهى له صلى الله عليه وسلم- عن الغفلة عنهم ، بعد أمره بحبس نفسه عليهم .

والفعل ( تَعْدُ ) بمعنى تصرف .. يقال عداه عن الأمر عدوا إذا صرفه عنه وشغله.

أى: احبس نفسك مع هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه- سبحانه- ولا تصرف عيناك النظر عنهم ، وتتجاوزهم إلى غيرهم من الأغنياء ، طمعا في إسلامهم .

* فالمراد بإرادة الحياة الدنيا الحرص على مجالسة أهل الغنى والجاه حبا في إيمانهم.

وجملة ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) في موضع الحال من الضمير المضاف إليه في قوله (عَيْناكَ) ، وإنما ساغ ذلك لأن المضاف هنا جزء من المضاف إليه .

* وقوله- تعالى- ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) نهى آخر مؤكد لما قبله من حبس نفسه صلى الله عليه وسلم على هؤلاء المؤمنين الفقراء ، وعدم صرف نظره عنهم إلى غيرهم من المتغطرسين الأغنياء .

* و( الفُرُط ) - بضم الفاء والراء-: مجاوزة الحد ، ونبذ الحق والصواب ، واتباع الباطل والضلال . أى: ولا تطع- أيها الرسول الكريم- في تنحية المؤمنين الفقراء عن مجلسك أقوال أولئك الغافلين عن طاعتنا وعبادتنا لاستحواذ الشيطان عليها ، والذين اتبعوا أهواءهم فآثروا الغي على الرشد . والذين كان أمرهم .

( فرطا ) أى: مخالفا للحق، ومجاوزا للصواب، ومؤديا للضياع والخسران .

* قال ابن جرير- بعد أن ذكر جملة من الأقوال في معنى قوله- تعالى-: فُرُطاً:

[ وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه : ضياعا وهلاكا . من قولهم : أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا، إذا أسرف فيه . وتجاوز قدره .

وكذلك قوله: ( وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) معناه : وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر واحتقار أهل الإيمان سرفا قد تجاوز حده، فضيع بذلك الحق وهلك ]  .

* فالآية الكريمة تسوق للناس توجيها حكيما في بيان القيم الحقيقية للناس وهي أنها تتمثل في الإيمان والتقوى، لا في الغنى والجاه .

فالمؤمن الصادق في إيمانه ، الكريم في أخلاقه .. هو الذي يحرص على مخالطة أهل الإيمان والتقوى . ولا يمنعه فقرهم من مجالستهم ومصاحبتهم ومؤانستهم والتواضع لهم ، والتقدم إليهم بما يسرهم ويشرح صدورهم .

* ولقد ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذا الخلق الكريم ، روى الشيخان عن سهل بن سعد الساعدي قال: ( مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشرف الناس ، هذا والله حرىّ إن خطب أن يزوج، وإن شفع أن يشفع . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرّ رجل آخر: فقال له صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا» ؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين هذا والله حرى إن خطب أن لا يزوج، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا»  .

التفسير الوسيط لطنطاوي ج8 ص508 وما بعدها .. باختصار في كلام الألوسي

*******************************

..:: من علامات أهل الإيمان الصادقين .. مَن ترجو صُحبَتَهم ::..

* من صفات أهل الإيمان الصادقين الذين عليك مصاحبتهم .. كما جاء في قوله تعالى :

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة: 71

* شرح : ( والمؤْمنون والمؤْمنات بعضهم محب لبعض ، يجمعهم الإِيمان وحسن الصحبة والتناصر ، ويتولى بعضهم بعضًا بما يعود عليه بصلاح الحال في الدنيا والآخرة ، ومن مظاهر ولاية بعضهم لبعض أَنهم يأْمرون بما عرف من الشرع والطبع السليم أَنه حَسَنٌ مباح، وينهون عما عرف من الشرع والطبع السليم أَنه مُنْكَر وقبيح ، ويؤَدون الصلاة قويمة سليمة مستوفية الشروط والأَركان ، ويعطون الزكاة لمستحقيها ، ويطيعون الله ورسوله بامتثال أَوامره واجتناب نواهيه .

( أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ ): أَي أُولئك الموصوفون بتلك الفضائل العظيمة سيفيض الله عليهم من آثار رحمته ما به ينصرهم على أَعدائهم ، ويؤيدهم في كفاحهم وجميع أَحوالهم، ويسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة .

* ( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . أَي إِنَّ الله غالب قوى لا يمتنع عليه شيء، فهو قادر على إِعزاز أَوليائه وقهر أَعدائه . ( حَكِيمٌ ): يضع كل شيء في موضعه بحكمة بالغة، فينعم على المؤْمنين بسعادة الأُولى والآخرة ويعاقب الكافرين والمنافقين بخسران الدارين. )

التفسير الوسيط لمجمع البحوث ج3 ص1732

:: [ الفرق بين قوله في المؤمنين ( بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) ، وقوله في المنافقين ( بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) ؟ ] ::

* شرح : ( قال الإمام ابن كثير: لما ذكر- سبحانه- صفات المنافقين الذميمة، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فقال: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) .. أي: يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الحديث الصحيح: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » . وفي الصحيح- أيضا-: « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر » .

* وقال- سبحانه- هنا ( بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) بينما قال في المنافقين ( بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) ؟

للإشعار بأن المؤمنين في تناصرهم وتعاضدهم وتراحمهم مدفوعون بدافع العقيدة الدينية التي ألفت بين قلوبهم ، وجعلتهم أشبه ما يكونون بالجسد الواحد ، أما المنافقون فلا توجد بينهم هذه الروابط السامية ، وإنما الذي يوجد بينهم هو التقليد واتباع الهوى، والسير وراء العصبية الممقوتة ، فهم لا ولاية بينهم ، وإنما الذي بينهم هو التقليد وكراهية ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم .

* وقوله ( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) .. بيان للآثار التي تترتب على تلك الولاية الخالصة ، وتفصيل للصفات الحسنة التي تحلى بها المؤمنون والمؤمنات .

أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين جمعتهم العقيدة الدينية على التناصر والتراحم .. من صفاتهم أنهم ( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) أى يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإسلام الحنيف.

وقوله: ( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) أى: يؤدونها في أوقاتها بإخلاص وخشوع..

وقوله: ( وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) أي: يعطونها لمستحقيها بدون منّ أو أذى..

وقوله: ( وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) أي: في سائر الأحوال بدون ملل أو انقطاع أو تكاسل..

وقوله: ( أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) بيان للجزاء الطيب الذي ادَّخَرَهُ الله - تعالى- لهم.

أي: أولئك المؤمنون والمؤمنات المتصفون بتلك الصفات السامية، سيرحمهم الله- تعالى- برحمته الواسعة، إنه- سبحانه- «عزيز» لا يعجزه شيء «حكيم» في كل أفعاله وتصرفاته.

* قال صاحب الكشاف: [ والسين هنا مفيدة لوجود الرحمة ، فهي تؤكد الوعد ، كما تؤكد الوعيد كما في قولك: سأنتقم منك يوما، تعنى أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك، ونحوه: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا " ] )

التفسير الوسيط لطنطاوي ج6 ص349

* يقول تعالى في صفات الصحبة المؤمنة .. ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) المائدة51

* شرح التفسير الميسر : ( إن الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ، وهاجروا إلى دار الإسلام ، أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربهم ، وجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس ، والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم ، وواسوهم بأموالهم ، ونصروا دين الله ، أولئك بعضهم نصراء بعض )

*******************************

..:: نماذج من الصحبة الطيبة في القرآن ::..

1- أصحاب الكهف : واقرأ معي قوله تعالى في حديثه عن أصحاب الكهف : ( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ) الكهف:10 ..

ثم يقول الحق عنهم واصفا حالهم مع الله وعلى أي أساس كانت صحبتهم .. فيقول تعالى : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً . هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً . وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً ) الكهف: 13-16 .

تأمل معي كلام الفتية الذين توجهوا به إلى الله .. ( رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ) ..

لم يقولوا : يا جن ساعدنا .. لم يقولوا : يا أي مخلوق ساعدنا .. فالإغاثة تكون من الله وبالله .. وكيف يدعون من دونه من لا يملك لهم نفعا ولا ضرا .. فأين إيمانهم إن كانت بدايتهم التوكل على الغير و الإعتقاد في الغير بالنفع والضر ؟!!

بل طلبوا رحمة الله وأن يجعل لهم ثباتا على أمر دينهم .. فكان جزاء إخلاصهم .. أن سخر لهم الجبل مأوى لهم وحجابا وستارا عن أعين قومهم ..

فكل من يعتزل و يهاجر إلى مولاه متوكلا عليه مخلصا بقلبه  .. سيجعل له المولى كهف الرعاية والحماية من الأغيار ..

* ما أريد قوله لكم .. تأملوا ما قالته الصحبة الطيبة .. من تذكير بالله وتوكل على الله وإخلاص في التوجه لله .. وعزيمة في البقاء مع الله مهما كانت العواقب من قومهم ..

لقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. فصدقهم الله وعده .

2- مصاحبة سيدنا أبي بكر الصديق لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حيث يقول تبارك وتعالى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة40 ..

فقد نال سيدنا أبي بكر شرف الصحبة النبوية .. فهل نحن كذلك نريد الهجرة إلى الله بالمنهج النبوي حتى ننال شرف المحبة النبوية ..!!

ربنا يوعدنا ويعيننا .. آمين .

3- مصاحبة سيدنا اسماعيل لسيدنا ابراهيم في بناء البيت الحرام : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) البقرة127

4- مصاحبة يوسف للمساجين : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) يوسف39

5- صاحب الجنتين الذي نسي فضل الله عليه .. وكيف كان صاحبه المؤمن يذكره بالله ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) الكهف34

6- مصاحبة سيدنا موسى لسيدنا الخضر : ( قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً ) الكهف76

7- مصاحبة الابن الصالح لوالدية في غير الشرك بالله : ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان15

8- مصاحبة أهل الإيمان لأنبيائهم في هجراتهم .

*********************************

..:: اعمل ليوم .. يكن صاحبك فيه هو الإيمان ::..

* انتبه : هناك من يصاحبه روح الإيمان فقط في مواقف الابتلاء والشدة .. مثل سيدنا يوسف مع امرأة العزيز .. ومثل موقف مؤمن آل فرعون أمام فرعون وحاشيته .. ومثل موقف سيدنا موسى حينما نجا من فرعون فخرج في الصحراء تلقاء مدين .. ومثل موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما خرج من الطائف مجروحا .. ومثل أم موسى حينما ألقت بابنها في النيل .. ومثل موقف سيدنا ابراهيم في ذبح ابنه اسماعيل ...

وغير ذلك كثير في القرآن ..

* من أين أتيت بأن للإيمان روح .. أين دليلك ؟!

يقول صلى الله عليه وسلم : ( إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان ، كان عليه كالظلة ، فإذا انقطع رجع إليه الإيمان )

* وما الذي يثبت أن الظلة هي روح ؟

جاء في الحديث : ( أنَّ أُسيدَ بنَ حُضيرٍ لما قرأ سورةَ الكهفِ تَنزَّلَتِ الملائكةُ لسماعِها كالظُّلَّةِ فيها السُّرُجُ )

فالأرواح تكون كالظلة تظل الإنسان أو تلازمه ..

فانتبه لهذا الكلام فإنه نفيس ..!

فاعمل مع الله حتى إذا أتت لحظة الابتلاء منفردا .. ان تكون لها بالإيمان مستعدا ..

********************************

(2)

..:: ثانيا : الصحبة السيئة في القرآن الكريم ::..

اكتفي هنا بذكر بعض الآيات والنماذج التي أشار إيها القرآن .. ففي هذا الكفاية .. لمن أراد الوقاية ..

يقول تعالى موضحا خطورة مصاحبة أهل السوء ..

( الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ  ( الزخرف:67 

* ومن الآيات التي تشير لأنواع الصحبة السيئة في القرآن :

1- مصاحبة المنافقون ومناصرتهم على أهل الإيمان : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) التوبة67

2- مصاحبة الكافرون ومناصرتهم على أهل الإيمان : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) الأنفال73

3- مصاحبة أهل الكتاب ومناصرتهم على أهل الإيمان : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) الأنفال72

4- مصاحبة الظالمين ومناصرتهم على أهل الإيمان : ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) الجاثية19

***********************************

..:: من قصص القرآن للصحبة السيئة ::..

هناك قصص كثيرة .. ولكن اكتفي بما هو واضح الدلالة .. وسأذكر لكم موضعين من القرآن يوضحان أهمية الصحبة .. وكيف أنها قد تؤدي إلى خسران دنياك وآخرتك .. فسأذكر لكم موضعين يدلان على قصة واحدة .. ولكن كلا الموضعين يوضح رؤية خلاف الأخرى ولذلك عرضت عليكم الموضعين .. خاصة ما جاء في سورة الفرقان ..

 

1- ( الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ  ( الزخرف:67 ..

شرح : ({الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ} أي: الأصدقاء يوم القيامة جمع خليل وهو الصديق الصميم الذي تخللت المحبة قلبه .

* الآية تذكر حالًا من أحوال القيامة ، وقد نزلت في أُمية بن خلف الجمحى وعقبة بن أبي معيط كانا خليلين وكان عقبة يجالس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت قريش : قد صبأ عقبة بن أبي معيط فقال له أمية : وجهى من وجهك حرام إن لقيت محمدًا ولم تتفل في وجهه، ففعل عقبة ذلك ، فقتله النبي يوم بدر ، وقتل أمية في المعركة : حكاه النقاش .

والمعنى : المتحابون في الأمور الدنيوية لغير الله يعادى بعضهم بعضًا يوم القيامة لانقطاع علائق المحبة والتواد التي كانت تربط بينهم ، لظهور كونها أسبابًا للعذاب ، قال ابن كثير: كل خلة وصداقة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة {إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فإن صداقتهم لما كانت في الله فإنها تبقى على حالها في الدنيا ، وتزداد في الآخرة قوة لما يراه كل منهم من آثارها من الثواب ورفع الدرجات.)

من التفسير الوسيط مجمع البحوث ج9 ص829

2- ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً . لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي )  الفرقان:27- 29

شرح : ({وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}: عض اليدين والأنامل كناية عن شدة الغيظ؛ لأن عض اليدين يحدث غالبا عندها.

{اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}: أَي سببا وصلة تصلني به، أَو طريقا إلى الجنة.

{يَا وَيْلَتَى}: كلمة جزع وتحسُّر، تستعمل عند وقوع الداهية العظيمة والخطب الجسيمِ.

{لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}: فلانا وفلانة بغير (ال) كناية عن الإِنسان، والفلان والفلانة بالأَلف واللام كناية عن الحيوانات كما قال الراغب. وخليلا: صديقًا، والجمع: أَخلاءُ.

{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} : أَي أَن الشيطان مبالغ في ترك نصرة الإِنسان وإعانته.

:: ( التفسير ) ::

* { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا }

قيل: إن (ال) في الظالم للعهد، ويراد به هنا: عقبة بن أَبي معيط، ويراد بفلان المذكور في الآية التالية: أُبى بن خَلف.

* قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: كان عقبة بن أَبي معيط قد هم بالدخول في الإِسلام فمنعه منه أبيّ بن خلف وكانا صديقين، وقد قتلهما النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل عقبة يوم بدر صبرا، وطعن أَبيّ بن خَلف في المبارزة يوم أُحد فرجع إلى مكة ومات وقد ذكر ذلك القشيرى والثعلبى سببا في نزول الآيتين.

* والظاهر: أَن ال الظالم للجنس، فيعم كل ظالم ، ويدخل فيه عقبة بن أَبي معيط دخولا أَوليا ، وأَن فلانا : كناية عن كل خليل ظالم من شياطين الإِنس والجن، وعموم اللفظ لا ينافيه خصوص السبب .

والمعنى: أَن كل ظالم فارق الصراط المستقيم ، وأَعرض عما جاءَ به الرسول من الحق البيِّن الذي لا مرية فيه فإنه يندم يوم القيامة حيث لا ينفعه الندم، ويعض على يديه ، ويطبق أَسنانه على أَنامله حزنًا وألمًا شأْن المَغِيظ المُحْنَقِ.

* {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} : في الدنيا باتباع أَوامره ، واجتناب نواهيه ، وبذل كل جهد في نصرة الدين دفاعًا عنه ، وحفاظًا على أَهله ، حتى يكون ذلك العمل طريقًا إلى الجنة، وجملة {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي .. } إلخ في مَوضع الحال من الظالم ، أو مستأْنفة بيانا لما قبلها .

و (ال) في الرسول للجنس فيعم كل رسول، أَو المعهود: فيكون المراد به رسول هذه الأُمة محمدا - صلوات الله عليه وسلامه -.

* {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}:

ينادى الظالم في موقفه اليائس الحزين: ويْلَتهُ - أي -: هلاكه، تعبيرا عن حزنه وحسرته، وهي كلمة تقال عند وقوع الداهية العظيمة، والخطب الجسيم، فكأَنه يقول: احضرى يا هلكتى فهذا أَوانك.

* ثم يقول: {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}: ليُبْرز بهذا التمنى ندمه، مع نوع من التعلل والاعتذار بإلصاق جنايته على نفسه بغيره، الذي عَبّر عنه بفلان مريدًا به الشيطان، أَو كل من أَضله في الدنيا، أي: ليتنى لم أَتَّخذ في الدنيا كائنا من كان صديقًا أَتَّبعه وأَثق به، وأَسلك سبيله، سبيل الكفر والطغيان التي قادتنى إلى مهاوى الهلاك والخسران.

* { لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }:

تعليل لتمنيه السابق ، وتوضيح لتعلله ، وتصديره بلام القسم ، للمبالغة في بيان خطئه ، وإظهار حسرته وندمه ، لأَنه استمع إِليه في إضلاله عن الحق الذي جاءَه به رسوله.

أَي: والله لقد أَضلنى من اتخذته في الدنيا خليلا ؛ عن القرآن والإيمان به، بعد إذ جاءني به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

* {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}: أَي أَنه مبالغ خذلان الإِنسان، حيث يُواليه حتى يؤَدي به إلى الهلاك، بما يزيِّن له من سوءٍ وقبح، ثم يترك نصرته ومعاونته ودفع الضرر عنه وقت الحاجة إليه.، وقد كان هذا الإِنسان يظن فيه الظهير والنصير.

* وجملة {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} مقررة لمضمون ما قبلها، إِما من جهته تعالى، وتمام الكلام على هذا عند قوله: {بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} وإما من تمام كلام الظالم ، على أنه سمى خليله شيطانا بعد وصفه بالإِضلال الذي هو أَخص أَوصاف الشيطانية ، فيشمل كل مضل صد عن سبيل الله وكان مُطاعا في المعصية أَو أَراد به إبليس بخاصة .

* ووصفه بالخِذلان يشعر بأَنه كان يَعِده في الدنيا، ويُمنِّيه بأَن ينصره في الآخرة، ويؤَازره، ثم تبرأَ منه، وتخلى عند نزول العذاب، وحلول البلاء، كما قال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} .

التفسير الوسيط مجمع البحوث ج7 ص1508

3- من الصحبة السيئة التي ذكرها القرآن : "تحالف أصحاف الشر .. فتعاطى فعقر !!" : 

فمن القصص القرآني الذي يدلنا على الصحبة السيئة .. قوم سيدنا صالح الذين تآمروا على قتل الناقة ونادوا مَن صاحبهم على فجورهم : ( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ) القمر29 .

معنى فتعاطى : أي أخذ السيف ، ومعنى فعقر : أي فذبح الناقة .

4- وكذلك كل قصص المتآمرين على الأنبياء والرسل في القرآن .. فهي صحابة فاسدة اجتمعت على إخماد نور الحق .. ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون ..

********************************

..:: القرآن يضرب المثل للصحبة الطيبة وأصحاب الأهواء ::..

( قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام71

* معاني:

{ وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا }: ونرجع إلى الوراءِ بالعودة إلى الشرك .

{ اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ }: ذهبت بهواه وعقله .

* شرح : (أَي: أَن مثلنا في الإعراض عن الهُدَى والتخبط في الضلال كمثل الذي ذهبت الشياطين بهواه وعقله: وأَضلته عن سواءِ السبيل الموصل إِلى المقصد السديد: فأَمسى حيرانَ: لا يدرى كيف ينجو من المهالك. ويصلُ إِلى غايته؟! له رفاقٌ لم يستجيبوا إلى استهواء الشياطين، بل ثبتوا على الطريق المستقيم الهادي إلى الخير، وجعلوا يدعونه إليه، يقولون له: ائتنا لتسلم من متاهات الأَرض التي ضللت فيها؟!.)

التفسير الوسيط مجمع البحوث ج3 ص1271

* شرح : (ساق القرآن صورة مؤثرة دقيقة للضلالة والحيرة التي تناسب من يشرك بعد التوحيد فقال: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا.

اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ أى استغوته وزينت هواه ودعته إليه، والعرب تقول: استهوته الشياطين، لمن اختطف الجن عقله فسيرته كما تريد دون أن يعرف له وجهة في الأرض.

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أتريدون منا أن نعود إلى الكفر بعد أن نجانا الله منه فيكون مثلنا كمثل الذي ذهبت به مردة الشياطين فألقته في صحراء مقفرة وتركته تائها ضالا عن الطريق القويم ولا يدرى ماذا يصنع وله أصحاب يدعونه إلى الطريق المستقيم قائلين له: ائتنا لكي تنجو من الهلاك ولكنه لحيرته وضلاله لا يجيبهم ولا يأتيهم.

* قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: «إن مثل من يكفر بالله بعد إيمانه كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم ويقولون: ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم، فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعو إلى الطريق، والطريق هو الإسلام»

التفسير الوسيط لطنطاوي ج5 ص105

* شرح رائع مع الشيخ الشعراوي للآية السابقة مع توضيح حقيقة اتباع المنهج السماوي والفرق بين الجن والشيطان :

( وهذا حديث المؤمنين الذي يرفضون أن يعودوا إلى عبادة غير الله لأنهم آمنوا وساروا في طريق الهدى، وليس من المنطق أن يرتدوا على أعقابهم وأن ينقلبوا خاسرين .

* ( كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض ) كلمة «شيطان» مقصود بها عاصي الجن . والجن جنس مقابل للإنس ، وما دام في الإنس طائعون وعاصون فكذلك في الجن طائعون وعاصون .

والحق قال: ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن فقالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يهدي إِلَى الرشد فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً ) الجن:1-2

* إذن فمن الجن من هو مؤمن . ومن الجن من هو عاصٍ . والعاصي من الجن يُسمى شيطاناً . وإياك أن تنكر أيها المسلم وجود الشيطان لأنك لا تراه ، لأن الشيطان من المخلوقات التي ذكرها الله من عالم الغيب ، وحجة وجودها هو تصديقك لمن قال عنها .

* ( قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ على أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله )  الأنعام: 71  .

جاء هذا التصور في صورة استفهام . إنّ الحق طلب من رسوله أن يقوله ، فكأن الصورة : أن قوماً هداهم الله إلى الحق فدُعُوا إلى أن يعبدوا غير الله ويدعوا ما لا ينفع ولا يضر ، فيردوا على أعقابهم ، أي بعد الهداية ، وهذه هي صورة الحيرة والتردد؛ لأنهم كانوا على هدى ، ثم دُعُوا إلى أن يعبدوا من دون الله ما لا ينفع ولا يضر . وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا صورة لهذه الحيرة ، ولهذا التردد ، فقال: {كالذي استهوته الشياطين} .

* و «استهوته» من مادة «استفعل» وتأتي دائماً للطلب؛ كقولنا «استفهم» .

أي طلب الفهم ، و «استخرج» . أي طلب الإخراج للشيء، «فاستهوته» طلبت هُوِيَّة . أي جعلته يتقبّل ما تريد واستولت عليه دون أن يكون لديه أي دليل أو حجة على صحة ما تدعوه إليه بأن صار عجينة تشكله الشياطين كما تشاء ..

* وترده مادة «الهاء والواو والياء» لمعانٍ :

إن مُدَّت .. فهي الهواء الذي نتنفسه ، وما به أصل الحياة .

وإن قُصِرَت، فإنها هي الهَوَى وهو ميل النفس إلى شيء، أو تكون هُويًّا أي سقوطاً.

إذن فالمادة تأتي إما للهواء إن كانت ممدودة، وإن كانت بالقصر فهي من الهَوَى أو من الهُوِىّ ..

كأن تقول: «هَوَى، يَهْوِي؛ هُوِيّاً» أي سقط من علوٍّ إلى أسفل، وهَوِىَ، يَهْوَى، هَوّى. أي أحبَّ .

* وهكذا نعرف أن «استهوته» أي طلبت هويَّه أو هواه أي ميل نفسه إلى اتباع الهَوَى ، وحين تستهوي الشياطين الإنسان فهي تريد أن تجتذبه إلى ناحية هواه ، وتوقظ الهوى في النفس ، وبذلك تدعوه ليَهْوِي . والحق يقول: ( وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ الطير أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) الحج: 31 .

* وحين يخرّ عبد من السماء ، إما أن تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ، وحين تأتي إلى الهَوَى والهُوِىّ فاعلم أن الهوى يجذبك إلى ما يضرك ، ولذلك لا تسلم منه إلا أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الحق ، ولكن إن اتبعت هواك فلا بد أن يؤدي بك إلى الهُوِيّ: {كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حَيْرَانَ} [الأنعام: 71] .

* وما هي الحَيْرة ؟ هي التردد بين أمر ومقابله . وعرفنا من قبل أن الحَيْرة في هذه الآية جاءت لمن اهتدى وسار خطوة للمنهج ثم رُدَّ على أعقابه ورجع ، ولكن له أصحاب يدعونه إلى الهدى، فهو بين شيطان يستهويه، وأصحاب يدعونه للمنهج؛ لذلك يكون حيران: بين هاوية ونجاة .

والشيء الذي يهوي لا استقرار له، وحين نرى - على سبيل المثال - حجراً يهوي للأرض نجده يدور ، ولا اتجاه له . وهذه صورة معبرة ، ويأتي له القول الفصل: ( قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى )  الأنعام: 71  .

* فَمَن يتبع إذن ؟ إنه يتبع الذين يدعونه إلى منهج الحق سبحانه وتعالى ؛ لأن الهدى هو المنهج والطريق الموصل للغاية ، والصنعة لا تضع غاية لنفسها ، بل الذي يضع الغاية هو من صنعها ، وسبق أن قلت: إنّ التليفزيون لا يقول لنا غايته ، ولا يعرف كيف يصون نفسه ، بل يضع ذلك مَنْ صنعه ، وكذلك الإنسان عليه أن يأخذ غايته مِمَّن خلقه ، والذي يفسد الدنيا أن الله خلق ، لكن الناس أرادوا أن يضعوا لأنفسهم قانون الصيانة ، لذلك نقول : إن علينا أن نأخذ قانون الصيانة ممن خلقنا ، وهدى الله هو هدى الحق .

* وجاءت «الهدى» هنا لتعطينا يقيناً إيمانياً في إله واحد ، وحين توجد عقيدتنا في إله واحد ، لا تختلف أهواؤنا أبداً ؛ لأنه هو الذي يضع لنا القانون ، وساعة يضع لنا القانون ويكون كلٌّ مِنِّا خاضعا لقانونه ، لا يذل أحد منا لأحد آخر ؛ فأنا وأنت عبيد لإله واحد ، ولا غضاضة عليك ولا غضاضة عليّ . وحين يُريد البشر أن يسير الناس على أفكارهم فإن صاحب الفكر يريد أن يُذِل الآخرين له ويأخذهم على منهجه وعلى مبدئه ، وهو في الحقيقة ليس أفضل منهم ، ولذلك تجد الهداية الحقة حين نخضع جميعاً لإله واحد ، ويتساند المجتمع ويتعاضد ولا يتعاند ، ويتوجه الهوى إلى محبة منهج الله. ( وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض )  المؤمنون: 71  .

ولهذا جاء الدين؛ لأن الشرع لا يقرر شيئاً ضد الإنسان.)

تفسير الشعراوي ج6 ص3719 وما بعدها .. باختصار .

******************************

:: الجزء الثاني ::

..:: الصحبة الطيبة والسيئة في الحديث الشريف ::..

الحديث الشريف يتكلم عن الصحبة الطيبة والسيئة بصورة أوسع وأكثر شرحا ..

يُتبع إن شاء الله تعالى الموضوع القادم ..

تحياتي لكم ..

 **********************************

والله أعلم 

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه المقالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أى موضوع من مواضيعة إلا بإذن من صاحب المدونة - ا/ خالد ابوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي . ولا يحق لأحد النسخ أو الطباعة إلا بإذن من صاحب المدونة الأستاذ / خالد أبوعوف