الجزء التاسع ( زمن أولياء الجن ) - الرسول يتوسل إلى الله (أنت ولينا ومولانا) - ما سر توسل النبي بدعاءه (اللهم) (ربي) (إلهي) - مناجاة للمولى مع العارفين - ما هو الفرار إلى الله - لذلك قال النبي (أرحنا بها يا بلال) - هل يتم جلب الرزق بالعبادة - حتى لا تسقط في علاقتك مع الله - ارتمي بأحضان رحمته فهو الحنان المنان - الشكوى من الله - الشكوى إلى الله - لا تربط العطاء المادي الدنيوي بعبادتك مع الله - لمحات من حياتي - حوار مع النفوس - (جلب الرزق بالعبادة) - أخطاء في الإرشاد الإيماني - الدَّاعِيَة والشيخ وخطأ في توجيه الناس لطريق الله .

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء التاسع

 ( زمن أولياء الجن )

 رسالة في شبهات الرقاة والروحانيين خدَّام الجن

( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً )

( الإستعاذة بين أولياء الله  وأولياء الجن )

 الرسول يتوسل إلى الله  (أنت ولينا ومولانا)

ما سر توسل النبي بدعاءه (اللهم) (ربي) (إلهي) ؟

مناجاة للمولى .. مع العارفين

دليلك على أنه مولاك .. هو الفرار منه إليه

لذلك قال النبي (أرحنا بها يا بلال)

لماذا تقول : أنت بتعمل فيَّه ليه كده يارب ؟ 

لا تربط العطاء المادي الدنيوي بعبادتك مع الله

حتى لا تسقط في علاقتك مع الله

ارتمي بأحضان رحمته فهو الحنان المنان

هل يتم جلب الرزق بالعبادة ؟

* فهرس الموضوع :

:: الفصل الرابع والعشرون ::

1- الرسول يتوسل إلى الله بأسماء الله - الولي المولى ؟

2- لماذا دعا النبي في الحديث مرة بقوله (اللهم) ، ومرة أخرى بقوله (ربي) ؟

:: الفصل الخامس والعشرون ::

3- ما سر توسل النبي بدعاءه (اللهم) (ربي) (إلهي) ؟

:: الفصل السادس والعشرون ::

4- مناجاة للمولى .. مع العارفين ؟

5- دعاء أويس القرني - حزب المغني - حزب الوسيلة ؟

:: الفصل السابع والعشرون ::

6- ففروا إلى الله ؟

7- دليلك على أنه مولاك .. هو الفرار منه إليه ؟

8- من صحّ فراره إلى الله صحّ قراره مع الله ؟

9- كيف تفر إلى الله ؟ وكيف تجالس مولاك ؟

10- حينما تجالس مولاك فتأدب معه ؟

11- كيف تجعل نفسك تجالس مولاك بمنتهى الرضا ؟

12- ارتمي بأحضان رحمته فهو الحنان المنان ؟

13- لذلك قال النبي (أرحنا بها يا بلال) ؟

14- لا تسقط هكذا .. بعد معرفتك بالله أنه مولاك ؟

15- أنت بتعمل فيَّه ليه كده يارب ؟ 

16- هوه أنا كنت عملت إيه في دنيتي عشان تعمل فيه كده ؟

:: الفصل الثامن والعشرون ::

17- انتبه :: هذه فكرة تسقطك في علاقتك بمولاك ؟

18- لا تربط العطاء المادي الدنيوي بعبادتك مع الله ؟

19- الشكوى من الله - الشكوى إلى الله ؟

20- قصة مع شخص ؟

21- أخطاء في الإرشاد الإيماني ؟

22- الدَّاعِيَة والشيخ .. وتوجيه الناس لطريق الله ؟

23- هل العبودية لا تمنحك خصوصية عطاء ؟

24- هل دائما هناك عطاءات مادية تحدث من وراء العبادة ؟

25- لمحات من حياتي : حوار مع النفوس - (جلب الرزق بالعبادة) ؟

 ***************************

..:: مقدمة ::..

(هذا الجزء محتاج تركيز جدا)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. في موضوع جديد خاص بزمن أولياء الجن .. نتكلم فيه عن اسمي (الولي والمولى) مع سيدنا ومولانا رسول الله .. وهو يتوسل لربه بهذين الإسمين الشريفين .. طلبا للإرتقاء بتزكية نفسه وطهارتها ..

فأين نحن من رسول الله ..؟!!

* ثم انتقل بك لمستوى آخر .. وهو أن التعلق بالمولى يستوجب عليك أن تفر إليه .. خوفا من أن يكون عقاب .. أو طلبا للِّطف في القضاء .. حيث أن فرارك إليه هو دليل على استقامة قلبك بصحيح الإيمان مع الله مولاك ..

* ثم انتقل بك بكيفيه هذا الفرار وكيفية مجالسة مولاك والشكوى إليه .. حتى تستقيم عبوديتك لله .

* ثم أرشدك لخطأ يقع فيه الكثيرين في العلاقة مع الله وقد يسقطهم إيمانيا .. وهو أنهم يربطون علاقتهم مع الله بجلب الرزق ..!! وهذا خطأ كبير في العلاقة مع الله .. وللأسف ينتهج هذا المنهج كثير من الدعاة والمشايخ .. دون وضع ضوابط لهذا الأمر .. مما يؤدي لانهيار في العلاقة مع الله مع كثيرين بسبب الإرشاد الناقص للمعلومة الدينية .. وكأنه يحبب الناس بذلك في العبادة .. في حين أنه يصرفهم عن مولاهم ..!!   

* ولذلك لما عجز بعض الناس من عطاء عبادة الله .. فلجئوا إلى من يشبع رغباتهم ويقضي حوائجهم .. فلجئوا إلى خدمة الجن واتخذوه وليا من دون الله .. فأصبحوا أولياء الجن .. وشاركهم في ذلك من يذهبون إليهم لمعرفة الكشف والعلاج بنصرة الجن وغير ذلك .. فضلوا وأضلوا .. وساءت أحوالهم ..وأفسدوا في دينهم واخترعوا أكذوبة الخدام حتى يجعلوا أنفسهم متصرفين فيما لله فيه حق التصريف .. وهو الإعاذة من الشيطان .. !!

* بسم الله ..

* توكلت على الله ..

*****************************

..:: الفصل الرابع والعشرون ::..

************************

:: الرسول يتوسل إلى الله بأسماء الله ::

:: (الرب الولي المولى) ::

..:: أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا ::..

( لو أردت تطهير نفسك – فاسأل من هو وليُّها ومولاها )

1- الحديث الأول : وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ .. اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا .. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَاب لَهَا )

2- الحديث الثاني : عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا فَقَدَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَضْجَعِهِ فَلَمَسَتْهُ بِيَدِهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ يَقُولُ: ( رَبِّ أَعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا .. زَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا .. أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا)

* قلت صاحب الموضوع :

الأمر الذي يلفتك في الحديث هو أنك تتأمل كيف كان النبي يدعو ويطلب من وليه ومولاه .. أن يخلصه من نفسه وأن يزكيها بما يحب ويرضى .. فهل أنت ستتبع النبي وتطلب من وليك ومولاك ذلك الطلب ؟!!

فإذا كنت تريد محبة الله لك وغفران ذنوبك فاتبع سيدنا النبي وتوسل إلى الله وقل (أنت ولينا ومولانا) ..

يقول تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران 31 ..

* سؤال خطر ببالي :

لماذا دعا النبي في الحديث مرة بقوله (اللهم) ، ومرة أخرى بقوله (ربي) ؟

* قلت : حينما قال قال (اللهم) فهو يتوسل إلى الله بكل صفات الكمال إلى الله تعظيما للجناب الإلهي .. أي تعظيما للذات الإلهية .. فكانه يقول يا من هو موصوف بكل كمال .. أنعِم وتفضل عليَّ من فضل عطاءك "بكذا وكذا وكذا "

* وحينما قال (رب) .. وتوسل لربه باسم (الرب) .. استعطافا منه لربه أن ينعم عليه بالتربية الصحيحة حتى يكون دائما في معية الله غير غافلا عنه أبدا في أي لحظة من اللحظات ..

* وهذا الدعاء إشارة إلى أن تزكية النفس وتطهيرها هي أصل العلاقة مع الله لمن أراد دوام الحال مع مولاه .. وطلب النجاه .

* نعود لشرح الأحاديث :

* قال الشيخ الشوكاني رحمه الله :

قَوْلُهُ (أَعْطِ نَفْسِي تَقْوَاهَا) أَيْ اجْعَلْهَا مُتَّقِيَةً سَامِعَةً مُطِيعَةً. قَوْلُهُ: (زَكِّهَا) أَيْ اجْعَلْهَا زَاكِيَةً بِمَا تَفَضَّلْت بِهِ عَلَيْهَا مِنْ التَّقْوَى وَخِصَالِ الْخَيْرِ. قَوْلُهُ: (أَنْتَ وَلِيُّهَا) أَيْ مُتَوَلِّي أُمُورِهَا (وَمَوْلَاهَا) : أَيْ مَالِكُهَا . وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ .

نيل الأوطار ج2 ص344

* قال الشيخ نور الدين القاري رحمه الله :

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ) أَيْ: عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَدَمِ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ (وَالْكَسَلِ) أَيِ: التَّثَاقُلِ عَنِ الْخَيْرِ (وَالْجُبْنِ) أَيْ: عَدَمِ الْإِقْدَامِ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ (وَالْبُخْلِ) أَيِ: الْإِمْسَاكِ عَنْ صَرْفِ الْمَالِ فِي مَرْضَاةِ الْمَوْلَى (وَالْهَرَمِ) أَيِ: الْخَرْقُ أَرْذَلَ الْعُمُرِ كَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا (وَعَذَابِ الْقَبْرِ) مِنَ الضِّيقِ وَالظُّلْمَةِ وَالْوَحْشَةِ وَضَرْبِ الْمِقْمَعَةِ وَلَدْغِ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَأَمْثَالِهَا، أَوْ مِمَّا يُوجِبُ عَذَابَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ وَعَدَمِ التَّطْهِيرِ وَنَحْوِهَا ..

(اللَّهُمَّ آتِ) أَيْ: أَعْطِ (نَفْسِي تَقْوَاهَا) أَيْ: صِيَانَتَهَا عَنِ الْمَحْظُورَاتِ ..

قَالَ الطِّيبِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ تُفَسَّرَ التَّقْوَى بِمَا يُقَابِلُ الْفُجُورَ فِي قَوْلِهِ " فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " وَهِيَ الِاحْتِرَازُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْهَوَى وَارْتِكَابِ الْفُجُورِ وَالْفَوَاحِشِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ كَالتَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ لِلْآيَةِ فَدَلَّ قَوْلُهُ (آتِ) عَلَى أَنَّ الْإِلْهَامَ فِي الْآيَةِ هُوَ خَلْقُ الدَّاعِيَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الِاجْتِنَابِ عَنِ الْمَذْكُورَاتِ وَقَوْلُهُ: (وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا) دَلَّ عَلَى أَنَّ إِسْنَادَ التَّزْكِيَةِ إِلَى النَّفْسِ فِي الْآيَةِ هُوَ نِسْبَةُ الْكَسْبِ إِلَى الْعَبْدِ لَا خَلْقُ الْفِعْلِ لَهُ كَمَا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ .. لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ كَسْبِ الْعَبْدِ وَخَلْقِ الْقُدْرَةِ فِيهِ ..

* (أَنْتَ وَلِيُّهَا) أَيْ: نَاصِرُهَا هَذَا رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ (آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا) كَأَنَّهُ يَقُولُ انْصُرْهَا عَلَى فِعْلِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِرِضَاهُ عَنْهَا لِأَنَّكَ نَاصِرُهَا (وَمَوْلَاهَا) هَذَا رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ (زَكِّهَا) يَعْنِي : طَهِّرْهَا بِتَأْدِيبِكَ إِيَّاهَا كَمَا يُؤَدِّبُ الْمَوْلَى عَبِيدَهُ ..

* وَقَالَ الطِّيبِيُّ: (أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا) اسْتِئْنَافٌ عَلَى بَيَانِ الْمُوجِبِ وَأَنَّ إِيتَاءَ التَّقْوَى وَتَحْصِيلَ التَّزْكِيَةِ فِيهَا إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ هُوَ مُتَوَلِّي أُمُورَهَا وَمَالِكُهَا ..

* فَالتَّزْكِيَةُ : إِنْ حُمِلَتْ عَلَى تَطْهِيرِ النَّفْسِ عَنِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّقْوَى مَظَاهِرَ مَا كَانَ مُكَمَّنًا فِي الْبَاطِنِ ..

وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْإِنْمَاءِ وَالْإِعْلَاءِ بِالتَّقْوَى كَانَتْ تَحْلِيَةً بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِأَنَّ الْمُتَّقِيَ - شَرْعًا - مَنِ اجْتَنَبَ النَّوَاهِيَ وَأَتَى بِالْأَوَامِرِ ..

* وَعَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ : تَقْوَى الْبَدَنِ الْكَفُّ عَمَّا لَا يُتَيَقَّنُ حِلُّهُ ، وَتَقْوَى الْقَلْبِ عَمَّا سِوَى اللَّهِ فِي الدَّارَيْنِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ ..

* (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ) .

قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ عِلْمٍ لَا أَعْمَلُ بِهِ وَلَا أُعَلِّمُ النَّاسَ .. وَلَا يُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ .. أَوْ عِلْمٍ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدِّينِ أَوْ لَا يَرِدُ فِي تَعَلُّمِهِ إِذْنٌ شَرْعِيٌّ ..

* (وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ) أَيْ: لَا يَسْكُنُ وَلَا يَطْمَئِنُّ بِذِكْرِ اللَّهِ (وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ) بِمَا آتَاهَا اللَّهُ وَلَا تَقْنَعُ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ وَلَا تَفْتُرُ عَنْ جَمْعِ الْمَالِ لِمَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ، أَوْ مِنْ نَفْسٍ تَأْكُلُ كَثِيرًا ..

* قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ حَرِيصَةٍ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَتَحْصِيلِ الْمَنَاصِبِ ..

* (وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا) ..

قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ فِي (لَهَا) عَائِدٌ إِلَى الدَّعْوَةِ وَاللَّامٌ زَائِدَةٌ وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ: وَدَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ اهـ.

* وَفِي رِوَايَةٍ (وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ) ، وَفِي أُخْرَى (وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ) .. وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ السَّجْعَ إِذَا كَانَ عَلَى وَفْقِ الطَّبْعِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَلَا مَنْعَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج4 ص1707 .. مختصرا.

* قال الشيخ المباركفوري رحمه الله :

(اللهم آت) أمر من الإيتاء، أي: أعط (نفسي تقواها) ، أي: صيانتها عن المحظورات وقيل: أي: ارزقها الاحتراز عما يضرها ويهلكها في الآخرة.

* وقوله (وزكها) ، أي: وطهرها من الذنوب ونقها من العيوب واجعلها زاكية كاملة في الإيمان .

* (أنت خير من زكاها) دل على أن إسناد التزكية إلى من في الآية هو نسبة الكسب إلى العبد لا خلق الفعل له كما زعمت المعتزلة لأن الخيرية تقتضي المشاركة بين كسب العبد وخلق القدرة فيه .

* وقال النووي: معنى ((زكها)) طهرها، ولفظة (خير) ليست للتفضيل بل معناه لا مزكي لها إلا أنت كما قال: (أنت وليها) أي: المتصرف فيها ومصلحها ومزينها، وقيل: ناصرها، وهذا راجع إلى قوله: ((آت نفسي تقواها)) كأنه يقول: انصرها على فعل ما يكون سببًا لرضاك عنها لأنك ناصرها (ومولاها) أي: ناصرها وعاصمها. وقيل: عطف تفسيري، وقيل: هذا راجع إلى قوله: ((زكاها)) يعني طهرها بتأديبك إياها كما يؤدب المولى عبده .

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المفاتيح ج8 ص220 .. مختصرا

*****************************

..:: الفصل الخامس والعشرون ::..

************************

..:: ما سر توسل النبي بدعاءه (اللهم) (ربي) (إلهي) ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع "متسائلا" :

ما سر توسل النبي بدعاءه (اللهم) (ربي) (إلهي) ؟

* قلت صاحب الموضوع "مجيبا" :

# أولا :

حينما يدعو النبي ويتوسل في دعاءه بقوله (اللهم) أو (ربي) أو (إلهي) مثل قوله (أنت إلهي لا إله إلا أنت ) .. فهذا كله دليل على دوام يقظة العبودية في قلب النبي .. وكمال معرفته بالله .. فافهم ..

# ثانيا :

* حينما يتوسل بقوله (اللهم) أي يا ألله .. فهو من باب تعظيم الذات الإلهية وإثبات الكمال لها وقدرتها على العطاء المطلق بلا حدود ..

* وحينما يتوسل بقوله (إلهي) .. فهو من باب تعظيم الجلال الإلهي وإثبات الألوهية لله .. حيث لا إله حق غيره في الوجود . (ولذلك يعقب الدعاء بإلهي شهادة التوحيد) .

* وحينما يتوسل بقوله (رب) .. فهو طلبا من مولاه أن يتجلي عليه من حضرة جماله .. أي يواجهه بصفات الجمال دون الجلال .. أي ينظر إليه بنظرة رحمه وعفو وغفران وأن يجعله مقبول العمل مهما كان فيه تقصير .. (وهذا سر كثرة دعاء النبي بقوله "ربي") ..

* لأنه لو قال "إلهي" .. فلا تقبل العزة الإلهية عملا به خلل ونقص (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ) فاطر45 .. فضلا عن أننا جميعا نستحق سطوة العقاب الإلهي للتقصير والنقص في حق الله .. لولا تجليه علينا بربوبيته الرحيمة بنا .

* ولكن استعطافنا لله بربوبيته طلبا للغفران والعفو والرحمة .. يستنزل الرحمات التي تطفيء الغضب الإلهي .. حيث أنه قال (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) بما في ذلك أخطائنا .. أي إذا دخلت أخطائنا في باب رحمته فلن يكون لها وجود ..

* ولذلك تجد غالب دعاء القرآن (ربنا) .. طلبا للرحمة الإلهية حتى تسعنا ويدخلنا فيها .. وينظر إلينا في مطالبنا بالرغم من ذنوبنا ومعاصينا ..

* الخلاصة .. في توسل النبي بهذه الأسماء :

1- اللهم : أي (يا ألله) وهو استفتاح للدعاء اعترافا بكمال قدرة الله على العطاء بجلب المنافع ودفع المضار ..

2- إلهي : إعترافا بكونه الإله الحق الذي لا إله غيره .. لا يأتي إلا مصاحبا بالتوحيد ..

3- الرب : إعتراف بربوبية الله على خلقه .. ويتوسل به طلبا من مولاه أن يواجهه وينظر إليه بعفوه ورحمته وغفرانه ورضاه .. وأن يمده بفضله وإن لم يكن مستحق لذلك لكثرة معاصية وذنوبه ..

* وكأنه يقول لمولاه : إذا كانت ربوبيتك لا تمنع العطاء عن الكافر لأنك رب العالمين .. بل قد تغفر للمشرك الجاحد حين إيمانه (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) .. فمن باب أولى أن تمنح عطاءك للمؤمن العاصي فهو أحق بهذا العطاء (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ..

والله أعلم.

* ملحوظة : جميع الخواطر والتعليقات الخاصة بصاحب الموضوع مثل ما تم ذكره في فصول (الولي والمولى والرب والإله ) .. التي ذكرتها لكم هي محل اجتهادي .. حيث لم أجد لها تخصيص فيما توفر عندي أو حين دراستي .. فأحببت ان أدلو باجتهادي عسى أن يكون ذو قيمة ينتفع بها البعض .. فإن أصبت فمن الله .. وإن أخطات فمن شر نفسي .. ولا حول ولا قوة إلا بالله  ..

*****************************

..:: الفصل السادس والعشرون ::..

************************

..:: مناجاة للمولى .. مع العارفين ::..

سأذكر لكم حزب شريف ودعاء لطيف وتوسل جليل القدر .. منسوب لإمام التابعين وخيرهم .. وهو سيدي الشيخ أويس القرني اليمني .. الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة .. وقال لهم أنه مجاب الدعاء ..

* فقد روى مسلم بسنده عن أسير بن جابر قال :

كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم : " أفيكم أويس بن عامر؟ " حتى أتى على أويس فقال: " أنت أويس بن عامر؟ " قال: "نعم" ..

قال: "من مراد ثم من قرن؟" قال: "نعم" ..

قال: "فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟" قال: "نعم" ..

قال: "لك والدة؟" قال: "نعم"

قال: "سمعت رسول الله يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره ؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ..

 " فاستغفر لي" .. فاستغفر له .......)

* وقد جرى العرف بتسمية هذا الحزب في الكتب الصوفية بحزب (المغني) .. أي الذي يغنيك به عن غيره .. فلا تحتاج لغيره كونه مولاك ..

والبعض يسميه (حزب الوسيلة) .. لأنه يتوسل به إلى الله ..

* ولكني أحب تسمية هذا الدعاء .. بحزب (الافتقار إلى المولى) لمناسبته لألفاظه ومعناه .. حيث أن الناس حينما تقرأ كلمة (المغني) فهي تظن أنه سيفتح لها أبواب الرزق والطعام والشراب .. ولكنه في الحقيقة يفتح أبواب القلب ..

* عموما أريدك أن تنظر كيف يتعامل العارفين بالله والصادقين مع مولاهم الملك الحق المبين ..

فانظر كيف طلب الاستعانة والتوكل والتعلق بالله .. وكيف يتذلل لمولاه .. وكيف يعترف بخطاياه لمولاه ولا يستكبر .. وهو سيد التابعين وإمام الواصلين .. والمجاب الدعاء بشهادة الرسول له .. !!

* ثم يأتي بعض الناس ولازالوا يجعلون من الجن مولاهم ..!!

(نطلب من الله لهم الهداية) ..!!

*****************************

" دعاء أويس القرني "

(حزب المغني أو حزب الوسيلة)

أو

:: حزب الإفتقار إلى المولى ::

**********

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمِن الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ بِكَ اسْتَعَنْتُ فَأَعِنيِّ ..

وَبِكَ اسْتَغْنَيْتُ فَأَغْنِنيِ ..

وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ فَاكْفِني ..

يَا كَافيِ اكْفِنيِ المُهِمَّاتِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ..

يَا رَحمَنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا ..

إِنيِّ عَبْدُكَ بِبَابِكَ .. ذَلِيلُكَ بِبَابِكَ .. أَسِيرُكَ بِبَابِكَ .. مِسْكِينُكَ بِبَابِكَ ..

ضَعيْفُكَ بِبَابِكَ يَا رَبَّ العَالمِينَ ..

الطَّالِحُ بِبَابِكَ يَا غِيَاثَ المُسْتَغِيثِينَ ..

مَهْمُومُكَ بِبَابِكَ يَا كَاشِفَ كَرْبِ المَكْرُوبِينَ ..

وأَنَا عَاصِيكَ يَا طَالِبَ المُسْتَغْفِرِينَ ..

المُقِرُّ بِبَابِكَ يَا غَافِراً لِلْمُذْنِبِينَ ..

المُعْتَرِفُ بِبَابِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمِينَ ..

الخَاطِئُ بِبَابِكَ يَا رَبَّ العَالمِينَ ..

الظَّالمُ بِبَابِكَ ..

البَائِسُ الخَاشِعُ بِبَابِكَ ..

ارْحمَنيِ يَا مَوْلاَيَ ..

إِلهِي أَنتَ الغَافِرُ وَأَنَا المُسِيءُ وَهَلْ يَرْحَمُ المُسِيءَ إِلاَّ الغَافِرُ .. مَوْلاَيَ مَوْلاَيَ .

إِلهِي أَنتَ الرَّبُّ وَأَنَا العَبْدُ وَهَلْ يَرْحَمُ العَبْدَ إِلاَّ الرَّبُّ .. مَوْلاَيَ مَوْلاَيَ .

إِلهِي أَنتَ المَالِكُ وَأَنَا المَمْلُوكَ وَهَلْ يَرْحَمُ المَمْلُوكَ إِلاَّ المَالِكُ .. مَوْلاَيَ مَوْلاَيَ .

إِلهِي أَنتَ ألقَوَّيُ وَأنَا الْضَعِيفُ وَهَل يَرحَمُ ألْضَعِيفَ إلاَ الْقَوَّىُ .. مَوْلَايَ مَوْلَايَ .

إِلهِي أَنتَ العَزِيزُ وَأَنَا الذَّلِيلُ وَهَلْ يَرْحَمُ الذَّلِيلَ إِلاَّ العَزِيزُ .. مَوْلاَيَ مَوْلاَيَ .

إِلَهِي أَنتَ الكَرِيمُ وَأَنَا اللئِيمُ وَهَلْ يَرْحَمُ اللَّئِيمَ إِلاَّ الكَرِيمُ .. مَوْلاَيَ مَوْلاَيَ .

إِلهِي أَنتَ الرَّازِقُ وَأَنَا المَرْزُوقُ وَهَلْ يَرْحَمُ المَرْزُوقَ إِلاَّ الرَّازِقُ .. مَوْلاَيَ مَوْلاَيَ .

* إِلهِي أَنَا الضَّعِيفُ وَأَنَا الذَّلِيلُ أَنَا الحَقِيرُ ../.. وأَنتَ العَلِيُّ . أَنتَ العَفُوُّ . أَنتَ الغَفُورُ .. أَنتَ الغَفَّارُ . أَنتَ الحَنَّانُ . أَنتَ المَنَّانُ ../.. أَنَا المُذْنِبُ . أَنَا الخَائِفُ . أَنَا الضَّعِيفُ .

* إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ فيِ ظُلْمَةِ القَبْرِ وَضِيقِهِ ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ عِنْدَ سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَهَيْبَتِهِمَا ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ عِنْدَ وَحْشَةِ القَبرِ وَشِدَّتِهِ ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ ( فيِ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خمَسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ ( يَوْمَ يُنْفَخُ فيِ الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فيِ السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فيِ الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ ) ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ يَوْمَ ( زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالهَا ) ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ ( يَوْمَ تَشَّقَّقُ السَّمَاءُ بِالغَمَامِ ) ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلّ لِلْكُتُبِ ) ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ ) ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ ( يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنيِ كُنْتُ تُرَاباً ) ..

إِلهِي الأَمَانَ الأَمَانَ " يَوْمَ يُنَادَي مِنْ بُطْنَانِ العَرْشِ أَيْنَ العَاصُونَ وَأَينَ المُذْنِبُونَ وَأَينَ الخَاسِرُونَ ، هَلُمُّوا إِلىَ الحِسَابِ " ..

* وَأَنتَ تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلاَنِيَتيِ .. فَاقْبَلْ مَعْذِرَتيِ يَا إِلهِي ..

* آهٍ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَالعِصْيَانِ .. آهٍ مِنْ كَثْرَةِ الظُّلْمِ وَالجَفَاءِ .. آهٍ مِنْ النَفْسِ المَطْرُودِ .. آهٍ مِنْ النَفْسِ المَطْبُوعِ بالهَوَى مِنَ الهَوَى .. !!

* أَغِثْنيِ يَا غِياث المستغيثين .. أَغِثْنيِ عِنْدَ تَغَيِّرُ حَاليِ ( اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ المُذْنِبُ المُجْرِمُ المُخْطِئُ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ يَا مجُيرُ "ثلاثاً " ) ..

* اللَّهُمَّ إِنْ تَرْحمْنيِ فَأَنتَ أَهْلٌ .. وَإِنْ تُعَذِّبْنيِ فَأَنَا أَهْلٌ .. يَا أَهْلَ التَّقْوَى ، وَيَا أَهْلَ المَغْفِرَةِ ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحمِينَ ، وَيَا خَيْرَ النَّاصِرِينَ ، وَيَا خَيرْ الغَافِرِينَ ..

* حَسْبِيَ اللهُ وَحْدَهُ .. بِرَحمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمِينَ * وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا محُمَّدٍ وَآلهِ وَسَلَّمَ .. وَعَلَى جمِيعِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَآلهِمْ وَصَحْبِهِمْ وَالتَّابِعِينَ ، وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ بِرَحمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحمِينَ يَا رَبَّ العَالمِينَ آمين .

*****************************

..:: الفصل السابع والعشرون ::..

************************

..:: دليلك على أنه مولاك .. هو الفرار منه إليه ::..

..:: ] ففروا إلى الله [ الذاريات50 ::..

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

ففروا إلى الله من معصيته إلى طاعته ، ومن كفره إلى شكره، ومن السيئات إلى الحسنات.

قال الإمام الرازي ما ملخصه : وفي هذا التعبير لطائف لأنه ينيء عن سرعة الإهلاك، كأنه يقول : الإهلاك والعذاب أسرع وأقرب، من أن يحتمل الحال الإبطاء في الرجوع.

فافزعوا سريعا إلى الله- تعالى- وفروا إلى طاعته، فإنه لا مهرب منه « تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 655» .

التفسير الوسيط ج14 ص27

* قال الشيخ المراغي رحمه الله :

(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) أي فالجئوا إلى الله واعتمدوا عليه فى جميع أموركم ، واتبعوا أوامره ، واعملوا على طاعته

تفسير المراغي ج27 ص10

* قال الشيخ سهل التستري رحمه الله :

يعني ففروا مما سوى الله إلى الله ، وفروا من المعصية إلى الطاعة ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن عذابه إلى رحمته ، ومن سخطه إلى رضوانه .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أعوذ بك منك» ، فهذا أيضاً باب منه عظيم .

تفسير التستري ص154

* قال الشخ بن عربي رحمه الله :

(ففروا إلى الله) أي: انقطعوا إليه واستضيئوا بنوره واستمدوا من فيضه في محاربة النفس والشيطان ، وتخلصوا إليه من عدوانهما وطغيانهما ولا تلتفتوا إلى غيره ولا تثبتوا لما سواه وجودا وتأثيرا فيستولي عليكم الشيطان ويسول عليكم طاعته وعبادته ، ولا تجعلوا معه بهوى النفس معبودا كالنفس وما تهواه فتشركوا وتحتجبوا به عنه فتهلكوا .

تفسير بن عربي ج2 ص288

* قال الإمام القشيري رحمه الله :

أي فارجعوا إلى الله ..

والإنسان بإحدى حالتين :

إمّا حالة رغبة في شىء .. أو حالة رهبة من شىء ..

أو حال رجاء .. أو حال خوف ..

أو حال جلب نفع أو رفع ضرّ ..

وفي الحالتين ينبغى أن يكون فراره إلى الله فإنّ النافع والضارّ هو الله .

* ويقال : من صحّ فراره إلى الله صحّ قراره مع الله .

ويقال : يجب على العبد أن يفرّ من الجهل إلى العلم ، ومن الهوى إلى التّقى ، ومن الشّكّ إلى اليقين ، ومن الشيطان إلى الله.

ويقال: يجب على العبد أن يفرّ من فعله - الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته .. ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته ، ومن نفسه- حيث قال: «وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» إلى نفسه حيث قال : «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ» .

لطائف الإشارات ج3 ص469

* قلت صاحب الموضوع "شرحا" على كلام الإمام القشيري رحمه الله :

فمقصد القشيري رحمه الله من آخر كلامه هو ..

* ( يجب على العبد أن يفرّ من فعله ..... ) .. أي فعل العبد هو بلاء له لما فيه من هوى النفس .. فليعتصم بالله حتى يكفيه أمور ..

* ( ومن وصفه الذي هو سخطه ..... ) .. أي فعل العبد موصوف الغضب وعدم الرضا بما يحدث معه .. فليعتصم بالله ويرضى بقضاءه وقدره حتى يدخله في رحمته ..

* (ومن نفسه- حيث قال : يحذركم الله نفسه) .. أي تبتعد من صفات فعل الله الجلالية التي قد يتجلى بها عقابا لإساءتك الأدب معه .. ولا يكون ذلك إلا بالفرار من المعصية إلى الطاعة .. فإن فعلت ذلك فقد فررت إلى الله .. وإن لم تفعل فقد دخلت فيما حذرك الله منه ..

والله أعلم .

*********************************

..:: قلت صاحب الموضوع تعليقا على الآية ::..

::(ففروا إلى الله)::

* قلت صاحب الموضوع :

* الفرار : هو الهروب بكل ما فيك من قوة من مكان إلى آخر .. أو بذل الوسع والطاقة في الهروب من مكان لآخر .. حتى تنجو من شيء ما تحسب أنه سيؤذيك ..

* فإذا كان الأمر كذلك .. فلفظ "الفرار" .. يرشدك به المولى بأنه عليك بذل ما في وسعك وطاقتك .. للهروب من غضب الله وعقابه إلى مغفرته ورضوانه .. وذلك بفعل الطاعات وهجر المنكرات .. ودوام الطرق على بابه لأنه مولاك .. حتى يتولاك .. قبل أن يأت يوم الهلاك .. يوم لا ينفع الظالمين فيه معذرتهم ..!!

(والله اعلم) ..

* فالتعلق بالمولى يستوجب عليك أن تفر إليه .. خوفا من أن يكون عقاب فتسأله راجيا رفع البلواء .. أو يكون ابتلاء فتسأله راجيا اللطف في القضاء .. حيث أن فرارك إليه هو دليل على استقامة قلبك بصحيح الإيمان مع الله مولاك ..

* واعلم أن  : مجالسة مولاك والشكوى إليه .. هو حال شريف يدل على استقامة عبوديتك لله .. ويكفيك دعاء النبي أنيسا لك ودليلا على صدق ما قلته لك .. حيث يناجي النبي ربه فيقول (اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَ قوَّتي ، وقلَّةَ حيلَتي، وَهَواني علَى النَّاسِ .. أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ ، وأنتَ ربِّي .. إلى من تَكِلُني ؟ .. إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري .. إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي ، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي .. أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ .. أو أن ينزلَ بي سخطُكَ .. لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى .. ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ .)

* قلت صاحب الموضوع (ما جال بخاطري) :

* «فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ» .. أي اهربوا وافزعوا من غضب الله إلى رحمة الله .. فمن أراد الخلاص فعليه بالإخلاص ..

* ففروا من مشاكلكم .. إلى من قدَّرها عليكم .. حتى ينعم عليكم باللطف منه في القضاء والقدر ..

* فروا إلى القدير الذي بيده التدبير .. حتى يخرجكم من ظلمات النفس وشواغل الحس .. إلى نور القلب والعقل والروح .. فيذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا .. قبل أن يأتيكم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من جاء ربه بقلب سليم ..

والله أعلم .

*************************

..:: كيف تفر إلى الله ؟ وكيف تجالس مولاك ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع :

ابدأ بأن تجالس مولاك .. وشاركه في أحوالك وبُثَّ إليه شكواك ..

* ثم هو يرتقي بك بعد ذلك بقدر إخلاصك وصدقك وتوجهك إليه بدوام طَرْقِ بابه دون ملل ودون يأس ودون انتظار لشيء منه .. بل أنت تعلم أن عطاءه في الوقت الذي يريد وليس في الوقت الذي تريد .. وأنت عبد .. تعمل فقط بين يدي مولاك .. وهو يجود عليك كيفما شاء ووقتما شاء وأينما شاء .. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

* وحينما تجالس مولاك فتأدب معه :

أي تعلم أن تتأدب معه .. كما تأدب معه نبيك صلى الله عليه وسلم .. وكأنك تدعو وتقول : ( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ) .. وأسألك العفو منك .. فعافيتك أوسع لي من ذنوبي وأخطائي مهما كانت .. لأن رحمتك وسعت كل شيء .. أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه .. أشهدك أنك وليي ومولاي ولا حول ولا قوة لي إلا بك .. فجُد بالوصل منك يا مولاي .. وارزقني هُداي .. ولا تشقني بمعصيتك .. وادفع عني شر ما قضيت .. بخير ما هو منك لمن واليت .. فأنت وليي ومولاي .. ولك العتبى حتى ترضى ..

*************************

:: كيف تجعل نفسك تجالس مولاك .. بمنتهى الرضا ؟ ::

* قلت صاحب الموضوع استكمالا لما سبق :

كلما هاجت عليك مشاكل الحياة .. فاذهب لمولاك .. وكأنه هو المكان الوحيد الآمن في الكون الذي تستطيع أن تكشف فيه أسرارك وتتكلم براحتك دون قيود .. ويكفي أنه يعلم بحالك .. فلا تستحي أن تكشف له أخطاءك .. بل اعترف له عسى أن يطهرك منها ..

* ودائما اجعل نظرك لله .. وارفع وجهك للسماء مناجيا له بقلبك .. وقل له : يا مولاي أنت عالم بحالي فأغثني من نفسي وشيطاني وأعدائي .. مولاي مولاي ..

* فلجوئك لمولاك .. هو مثل المكان الذي تذهب لترتاح فيه .. مثل البحر الواسع والحديقة الخضراء والصحراء الهادئة .. التي تجلس فيها مع نفسك وحيدا وتنعم بالهدوء .

* فهكذا اجعل حالك مع مولاك .. كلما صادفتك المشاكل وضاق بك الحال .. فاجعل مولاك هو ملجأك ومنجاك .. بأن تذهب إليه وترتمي بأحضان رحمته .. فهو الحنان المنان ..

********************************

..:: لذلك قال (أرحنا بها يا بلال) ::..

* قلت صاحب الموضوع استكمالا لما سبق :

* ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال رضي الله عنه .. في وقت الصلاة (أرحنا بها يا بلال) ..

ليه سيدنا النبي قال كده ؟

لأن الصلاة هي الوقت والقِبلة هي المكان الذي يذهب ويتوجه فيه لملاقاة مولاه فيشكوا له مصاعب الحياة  ويرجو منه عفوه وسكينته ورضاه ..، فيشعر في الصلاة بأحضان رحمته سبحانه لأنه حنان ومنان ..

* وكأن لسان حال النبي يرشدك في مقولته لبلال .. فيقول لك : لا أبالي بمصاعب الوجود .. لتعلق قلبي بالملك الحق المعبود .. مولاي مولاي .. فهل ستتبعني ؟!

******************************

..:: لا تسقط هكذا .. بعد معرفتك بالله أنه مولاك ! ::..

* قلت صاحب الموضوع استكمالا لما سبق :

فإن عرفت ما سبق بيانه لك .. فلا تكن كالساقط من نظر الله الذي يقول مُتَبَجِّحَا على مولاه ( أنت بتعمل فيَّه ليه كده يارب ؟ .. هوه أنا كنت عملت إيه في دنيتي عشان تعمل فيه كده ؟ .. دا أنا لو كافر لم يكن حدث معي هذا ؟ ليه بتعمل فيه كده ؟) ..

* فهذا لسان شخص ينطق بكلام إبليس .. ليرضي نفسه الخبيث وشيطانه الخسيس .. حال كونه اتهم مولاه بخذلانه .. والمولى بريء منه ومن كلامه .. فاتهامه لمولاه قد حرمه عفوه وغفرانه .. وسكينته ورضوانه ..

إلا إن تاب .. فالله يحب التوابون .. والله غفور رحيم ..!!

*****************************

..:: الفصل الثامن والعشرون ::..

************************

:: انتبه ::

..:: هذه فكرة تسقطك في علاقتك بمولاك !! ::..

(لا تربط العطاء المادي الدنيوي بعبادتك مع الله)

* قلت صاحب الموضوع :

* توجد مشكلة عند كثير من الناس .. أنهم يربطون عطاء الدنيا المادي (الرزق) بالعبادة لله .. وهذه خطيئه في فهم العلاقة مع الله .. !!

لأن الله لم يعدك بالدنيا .. وإنما وعدك بعطاء الآخرة .. فالدنيا للمؤمن والكافر .. ولو كانت تسوى شيئا عن الله ما كان سقى الكافر منها شربة ماء ..!!

* ولذلك عليك أن تتعامل مع مصائب الحياة .. أنها من أحداث الحياة وإن كان قد قدرها الله لك .. ولكن حلها يكون بالأخذ بالأسباب مع الإستعانة من الله في قلبك حتى يصدق توكلك عليه ..

* فأنت حينما يسرقك أحد .. تذهب للشرطة للبلاغ عن السرقة .. ولا تذهب للشرطة وتتهم الله لهم بأنه قدر لك ذلك ؟!!

فلماذا حينما يؤذيك أحد .. أو تحدث لك مسشكلة .. تقول : ليه يارب عملت فيه كده ؟

* لماذا تشكو الله .. ولا تشكو من السبب المباشر لأذيتك وضررك ..؟!! .. وتظل تشكو من الله .. بدلا من أن تشكو إلى الله ..!!

والشكوى من الله : اعتراض يؤدي إلى سخط المولى ..

والشكوى إلى الله : عبودية تؤدي لنزول اللطف بك ..

* ولكن دائما النفوس التي تشكو من الله .. دائما تذكرك بقوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الحج11

* فبدلا من أن تشكو من الله وتقول كلام غير مقبول .. والذي يسقط عنك الإيمان حينما تشكو من مولاك وتعترض على قضاءه وقدره .. فكن مؤدبا وارجع الفعل لفاعله الأقرب إليك .. فمثلا :

قل : أنه حدث معي أذى في عملي أو من شخص ما .. وأرجو من الله أن يرد لي حقي وينصرني عليه ..!!

أو تقول : أن ظروف البلد تمنع من ايجاد وظيف وعمل .. وأرجو من الله تيسير حالي ..

أليس هذا هو الأنسب .. بدلا من اتهام الله ..!!

* قصة مع شخص : جائني شخص في مرة .. وقال دعوت فلم يستجب .. وقرفت من موضوع العبادة كله ؟!!

فقلت له : وهل لما كفرت تغير حالك ؟

قال : لا

فقلت له : يبقى المشكلة ليست في العبادة ولا في المعبود .. وإنما في نفسك أنت .. وجحودك لله قد شهد عليك ببراءة الله .. بدليل بقاء حالك كما هو عليه .. وهذا يزيدنا إيمانا له وتسليما .. أنه عدل ولا يظلم أحدا .

فاستغفر ورجع لربه .. والحمد لله رب العالمين ..

* فأخرج من عقلك فكرة .. أنك لمَّا تعبد الله .. فهو سيعطيك "رزق" .. لا .. لأن العبودية علاقة بلا شرط .. وإنما هو يمنحك فضلا منه وليس وجوبا وفرضا عليه .. وأخبرك أن العطاء الحق سيكون في دار الحق ليس في الدنيا إلا بقدر ما قدره لك ..!!

* فلو تحررت من ربط فكرة العبادة بالعطاء الدنيوي "رزق" .. سيرتاح قلبك .. ولن تشكو مولاك أبدا .. ولن تقول له : أنت ليه لم تكرمني في الدنيا .. !!

لأنك أصبحت تعلم أن العطاء الحق هو في الآخرة .. والدنيا دار ابتلاء وليس دار عطاء .

******************************

..:: أخطاء في الإرشاد الإيماني !! ::..

..:: الدَّاعِيَة والشيخ .. وتوجيه الناس لطريق الله ::..

* قلت صاحب الموضوع استكمالا لما سبق :

الداعية أو الشيخ الذي يقول للناس .. صلي عشان ربنا يكرمك .. !! فهذا كلام في ظاهره صواب ويحمل بين ألفاظة إيهام الشخص بوجوب العطاء في الدنيا لو عبد المؤمن ربه .. !!

* ولكن لنسأل هذا الداعية أو الشيخ :

وماذا يحدث للشخص لو صلى وصام ولم يتغير حاله ؟

وماذا يحدث لنفس هذا الشخص لو رأي البلاء يزيد عليه حينما تقرب لله ؟

وماذا سيحدث لهذا الشخص لو رأي الكافر يتقدم عليه في الحياة ؟

ماذا ستقول له يا داعية ؟

* إذن : توجيهك خاطيء لأنه معلومة ناقصة .. جعلت من الشخص يعبد الله على حرف .. (وجه العطاء فقط) .. وهذا انحراف في الدعوة والتوجيه والتربية ..!!

* فصحح كلامك وتوجيهك .. ووضح بأن المؤمن بين ابتلاء وارتقاء .. وبين سراء وضراء .. وبين خوف ورجاء ..

وليس عبادة .. طمعا في الدنيا ؟!!

فما هذه العبادة ؟!!

* فلو كان الأمر كذلك .. لعبده كل الخلق .. حتى الملحد .. !! طالما أن هذه العبادة تحقق رغبات النفس وطموحتها ..!!

* ولكنه سبحانه .. هو يعطي في الدنيا بقدر معلوم .. لأنها دنيا المؤمن والكافر .. منحها ببركة ربوبيته للجميع .. لكن في الآخرة فعطاء من واسع كرمه وفضله للمؤمن ..

* ولكن انتبه : هل معنى ذلك أن العبودية لا تمنحك خصوصية عطاء ؟

*******************************

..:: هل العبودية لا تمنحك خصوصية عطاء ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع استكمالا لما سبق :

ليس معنى كلامي أن العبودية لله لا تمنحك خصوصية عطاء .. بل ترتقي بحالك مع مولاك .. فتسمع الحق (الحقائق – من الكتاب والسنة – ومن قلوب الخلق) بالحق (بخصوصية إلهية) للحق (طلبا لرضا الله – ومساعدة الخلق) ، وتبصر الحق بالحق للحق ، وتعطي الحق بالحق للحق ، وتسعى بالحق إلى الحق .. وتكون ممدود من الله ومؤيدا منه ..  ويكفيك أنك تكون دخلت فلك محبته .. فهذه كرامة لوحدها لأنها كرامة الكرامات .. ففي الحديث القدسي : ( إنَّ اللهَ قال : من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه) ..

* فتأمل خصوصية عطاءات الله لك .. ولكنها عطاءات قائمة على الإيمان الصادق والوفاء بحق العبودية في محراب العبودية لله بصدق ..

* والعبودية تمنحك خصوصية كرامات وعطاءات معنوية مثل (الإيمان والسكينة والرضا واليقين والمحبة والبركة .. ووو ) .. حيث لا يمنحها للكافر ..

* وكرامات الصحابة والعارفين .. أكثر من أن تُحصى ..

* فخصوصية العطاء للمؤمن موجودة ولا ننكرها .. ولكن لمن ؟

للمؤمن الصادق الذي يؤمن بحسن الظن بمولاه .. وأنه لن يضيعه .. فهل أنت كذلك ؟

* وأيضا العبودية قد تمنحك أيضا رزق مادي في كافة أنواع الحياة .. لمن أردا الله له ذلك من فضل ربوبيته .. بشرط الإيمان الصادق ودوام الإستقامة والدوام على الإستغفار بصدق التوجه إلى الله بالندم .. وإليك الدليل : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الْأَعْرَافِ96 ، (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ) نُوحٍ10- 12 ، (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً) الْجِنِّ16 ، ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ) هود52 .. ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ) المائدة66

* ملاحظة : ستلاحظ شيء أنه في العطاءات الدنيوية يأت في الآيات باسم (الرب) .. حتى تعلم أنه عطاء ربوبية يعطيه لك ويعطيه لغيرك .. ولكن عطاء الألوهية لا يعطيه إلا للمؤمن ..

* لكن هل دائما عطاءات الربوبية المادية تحدث من وراء العبادة ؟

********************************

..:: لمحات من حياتي : حوار مع النفوس ::..

(جلب الرزق بالعبادة)

..:: هل دائما هناك عطاءات مادية تحدث من وراء العبادة ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع استكمالا لما سبق :

لا .. وإلا كان الرسل والأنبياء والصالحين في كل زمان ومكان هم أغنى الناس ..!!

وبنفس هذا المنطق .. لقلنا أيضا أن الكافر الغني .. هو من أشد الناس إيمانا بالله .. !!

فثبت بذلك أن العطاء المادي ليس بالضرورة يحدث نتيجة عبادة .. لأنه عطاء ربوبية .. وليس عطاء ألوهية ..

* والذي يبحث عن ربط العبادة بالعطاء المادي (جلب الرزق بالعبادة) .. فأمره عجيب ..!! لأن العبادة قد تكون سبب للعطاء .. وقد تكون سبب أيضا للابتلاء .. ؟

فلماذا ربط العبادة بالعطاء دون الابتلاء ..!!

إلا إن كان من الذين يعبدون الله على حرف !!

* وفي هذه المسألة يحتج ويجادل البعض ..  بالآيات السابقة .. حول عطاء الله .. نتيجة العبادة .. وظل يجادل بأن الاستغفار وسيلة لمدد السماء ويفتح أبواب الرزق الدنيوي .... بدليل قوله تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم أنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) ..

* فقلت ردا عليه :

أولا : لو كان الأمر كما توهمت .. أن الأمر يتوقف على الاستغفار خصوصا أو العبادة عموما في جلب الرزق المادي .. فأنت بالتأكيد مخطأ .. لماذا ؟

لأن هناك مجتمعات كافرة وأمدها الله بذلك .. فهل معنى ذلك أنهم كانوا مستغفرين ؟

بل أن سيد العالمين وأصحابه فُتحت لهم الدنيا بعد حين من الدهر .. فهل هذا كان يدل على عدم إيمانهم ..!!

* وإنما كان كلام سيدنا نوح وهود لقومهم .. بأن الإيمان بالله الحق سيفتح لهم عطاءات ربوبية جزاء إيمانهم بالألوهية .. وترك عبادة الأصنام .. وكان ذلك وحيا من الله بهذه المكافأه في ذلك الحين .. ولم يقل سبحانه أنه سيمنع عنهم اختباراته وابتلاءاته .. مش كده ولا إيه ..؟!!

* ولو أردت المزيد لقلت لك .. ان الآيات تتحدث عن مجتمعات تطبق منهج الله وليس عن أفراد .. ويشهد لذلك قوله تعالى ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ) المائدة66

ثانيا : لماذا أخذت فقط ما تهواه ويحلو لك وتركت باقي كلام الله ..!!

ألم يقل لك الله أيضا : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  ) البقرة155 ، ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) محمد31 ، ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء35 ..

* فلماذا قلت على الكلام الأول صدق الله .. وعلى الكلام الثاني لم تأتي بذكره .. وكأنه غير موجود ؟؟!!

* ولماذا لم تأتي بأن مصائب الحياة تحدث بما كسبت يداك ..!!

( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى30

( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) الحج10

( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ) الروم36

( وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ ) الشورى48

* ففرق بين عبودية الحرف (على وجه الخير فقط) .. فهذا هو حال الخاسر في الحياة لقوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الحج11 .. !!

* وفرق بين من يعبد الله في السراء والضراء (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )آل عمران134

* إذن : فالذي قال لك سيمنحك لو عبدته .. قال لك أيضا سيبتليك .. وأمرك أيضا أن تعبده في السراء والضراء .. فهل أنت فعلت ؟!!

* فقبل أن تقول : أين الله ولماذا تركني ؟

فقل : أين أنت من الله ولماذا هجرته ؟

ثالثا : أنت تحتج بعطاء الاستغفار .. وهذا حق .. ولكن هل وفيت الله حقه من الاستغفار ؟

لماذا توقفت فقط على الاستغفار ولم تفهم أن هذا الاستغفار هو وسيلة من وسائل الإيمان ودوام حال الإستقامة مع الله ..؟!!

ألم يقل تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الْأَعْرَافِ96 .. فهذا هو الحكم العام لجميع الناس .. للذين يبحثون عن عطاءات الربوبية .. الإيمان والتقوى ..

* فهل أنت فعلت ما طلبه منك وداومت عليه .. لأن لفظ (آمنوا واتقوا) يدل على دوام الاستمرار منهم لهذه الصفات .. ؟

فلمَّا ثبت أنك لم تقم بحق العبودية .. فلماذا تبحث عن عطاءات الربوبية ..؟!

ختاما : باختصار .. هل أنت مؤمنا حقا ومستغفرا حقا كما طلبه منك قولا وفعلا .. أم أنت مجرد لسان يتحرك مع الشفاه فقط ..؟!!

* وغالبا ينتهى الحوار .. ولا تجد ردا .. فلا تعلم هل هذا عن رضى بقبول الحوار أم قلة أدب في الحوار  .. ؟!! .. الله أعلم ..

* تحليل لما سبق : وكأنه يعبد الله ليجد ما يشتهي ويحقق له رغباته الخاصة .. وحقيقة الأمر هي أنه مختبيء وراء آيات يريد أن يكتسب من خلالها ما يشتهي ويحب .. ولكنه لو سأل نفسه سؤالا بسيطا لكان اطمئن قلبه .. وهو :

لماذا سيد المستغفرين وأصحابة والتابعين .. كانوا بسطاء ؟!! وهم سادة الإيمان في وقتهم ؟!

والإجابة ببساطة : لأنهم عاهدوا الله ورسوله على الآخرة وليس على الدنيا .. ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة111 .. !

* أعود فأقول لكم :

* فالإستغفار وسيلة إلى الله .. والصدقة وسيلة .. والصلاة وسيلة .. والحج وسيلة .. والزكاة وسيلة .. وكل العبادات وسيلة .. ولكن وسيلة تحملك إلى دار البقاء (الآخرة)  وليس لدار الفناء (الدنيا) .. فافهم ..

* والعطاءات المادية التي يرجوها الناس من وراء العبادة ستجدها في الأخرة .. لأن الآخرة هي الحياة العظمى ((وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )العنكبوت64 ..

* ولكن في الدنيا ابحث عن رضا الله وعفوه وغفرانه وهدايته .. وقد يُنعم عليك بخصوصية العطاء الإلهي .. كما ذكرتها لك (حينما تدخل محبه الله) .. ولا تبحث عن عمومية العطاء الرباني .. لأنه يمنحه للمؤمن والكافر ..

* وأفق من غيبوبة ربط العبادة بالعطاء المادي " وجلب الرزق بالعبادة " .. حتى يستقيم حالك مع مولاك .. وارضى بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس .. حتى لا تفسد عبادتك مع مولاك .. وتسقط في إيمانك ..!!

******************************

..:: الفصل التاسع والعشرون ::..

************************

..:: الولايات في القرآن ::..

(وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الحج78

* قلت صاحب الموضوع :

قلنا أن الولي .. بمعنى القريب منك .. وهذا القريب قد يكون حقا وقد يكون باطلا ..

يتبع الجزء القادم إن شاء الله

وقد يتعذر الرد على الأسئلة نظرا لظروف سفري للقاهرة

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..