رسالة الغفران ج3 : فِعل الفاحشة لا يُخرجك من جماعة المتقين إن تبت - حال التوبة يدخلك مباشرة لمقام المتقين - معنى الفاحشة – الظلم – ظلم النفس - (حال الغفلة وحال اليقظة وحال المراقبة) - معنى (فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) - معنى (ذكروا الله) - معنى (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) - ما معنى الإصرار على الذنب ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء الثالث)

..:: رسالة الغفران ::..

(البشائر لأهل الكبائر من رب رحيم غافر)

********************

فِعل الفاحشة لا يُخرجك من جماعة المتقين إن تبت ؟

معنى الفاحشة – الظلم – ظلم النفس

حال الغفلة وحال اليقظة وحال المراقبة ؟

معنى (فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم)

معنى (ذكروا الله)

معنى (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)

ما معنى الإصرار على الذنب ؟

* فهرس الموضوع :

:: الفصل الخامس ::

1- أهل التقوى فريقين أم فريق متعدد الأوصاف ؟

2- فعل الفاحشة لا تخرجك من جماعة المتقين إن تبت ؟

3- ما معنى لفظ "الفاحشة" ؟

4- ما هو معنى الظلم ؟ وظلم الإنسان لنفسه ؟

5- معنى (فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) ؟

6- لماذا تم تخصص الفاحشة ببداية الآية ؟

7- ما معنى ذكروا الله ؟

8- ماذا أفاد الشرط في الآية (إذا فعلوا .. ذكروا .. فاستغفروا) ؟!

9- ما معنى (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) ؟

10- حال الغفلة وحال اليقظة وحال المراقبة ؟

:: الفصل السادس ::

11- ماذا أفاد قوله (ومن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)؟

12- معروف أنه غافر الذنوب .. فما فائدة الآية ؟

13- ما معنى (لم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) ؟

14- ما معنى الإصرار على الذنب ؟

15- ما معنى (جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ...) ؟

16- ختام هذا الجزء ؟

******************************

)تمهيد(

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. في هذا الجزء البسيط .. نستكمل رسالتنا حول التعرف على المتقين الذين تم ذكر أوصافهم في سورة آل عمران ..

* هل الذين فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم .. ثم تابوا .. يكونوا من جملة المتقين ؟

هل معنى ذلك أن فعل الكبائر والصغائر لا يسقط عنك مقام التقوى حينما تتوب وترجع إلى الله ..؟!!

هل معنى ذلك أن حال التوبة يدخلك مباشرة لمقام المتقين .. ؟

بسم الله ..

توكلت على الله ..

*********************

* تنبيه هام :

تم وضع خمسة أجزاء بطريق الخطأ في الجزء السابق (الثاني) كان من المفترض أنها في الجزء الثالث .. لأنها كانت تتعلق بآية ( ومن يغفر الذنوب إلا الله) ..

ولم انتبه لذلك إلا حين كتابة هذا الجزء ..

وقد أثبتها كعناوين فقط في هذا الجزء (وقمت بتظليلها باللون الأصفر .. ولمن يريد الرجوع إلى تفاصيلها .. فليرجع للجزء الثاني ...

وآسف على الخطأ ..

* ونستكمل الآن .. تفسير أوصاف المتقين الذين فعلوا فاحشة وتابوا إلى الله ..

*****************************

****************************

..:: الفصل الخامس ::..

*******************

( نتابع تفسير باقي آيات سورة آل عمران )

..:: أهل التقوى فريقين أم فريق متعدد الأوصاف ؟ ::..

(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)

* قلت صاحب الموضوع :

في هذه الآية .. انقسم رأي العلماء هل هم فريقين .. أم فريق واحد تعددت صفاته التي منها التوبة والرجوع إلى الله بعد حدوث خلل في المعاملة بالمعصية سواء كانت كبيرة أم صغيرة .

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

إِنْ كَانَ عَطْفَ فَرِيقٍ آخَرَ، فَهُمْ غَيْرُ الْمُتَّقِينَ الْكَامِلِينَ، بَلْ هُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُتَّقِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ..

وَإِنْ كَانَ عَطْفَ صِفَاتِ ، فَهُوَ تَفْضِيلٌ آخَرُ لِحَالِ الْمُتَّقِينَ بِأَنْ ذَكَرَ أَوَّلًا حَالَ كَمَالِهِمْ ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ حَالَ تَدَارُكِهِمْ نَقَائِصَهُمْ .

التحرير والتنوير ج4 ص92

* قلت صاحب الموضوع :

 سأنقل لكم نموذجين تفسيريين لمن رأى أنهم فريقين من المتقين مختلفين الدرجة .. ولمن رأى أنهم فريق واحد تعددت أوصاف ..

1- من أصحاب القول الأول : انهم فريقين في مقام التقوى :

* قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

وَاعْلَمْ أَنَّ وَجْهَ النَّظْمِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْجَنَّةَ بِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلْمُتَّقِينَ بَيَّنَ أَنَّ الْمُتَّقِينَ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: الَّذِينَ أَقْبَلُوا عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالْإِنْفَاقِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ.

وَثَانِيهُمَا: الَّذِينَ أَذْنَبُوا ثُمَّ تَابُوا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْفِرْقَةَ كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا مُتَّقِيَةً ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُذْنِبَ إِذَا تَابَ عَنِ الذَّنْبِ صَارَ حَالُهُ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ قَطُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَنْزِلَةِ وَالْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ.

* وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى نَدَبَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْغَيْرِ .. وَنَدَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى الْإِحْسَانِ إِلَى النَّفْسِ .. فَإِنَّ الْمُذْنِبَ الْعَاصِيَ إِذَا تَابَ كَانَتْ تِلْكَ التَّوْبَةُ إِحْسَانًا مِنْهُ إِلَى نَفْسِهِ .

التفسير الكبير ج9 ص368

2- من أصحاب القول الثاني : الذين يرون أنهم فريق واحد تعددت أوصافه..

* قال الشيخ بن رجب الحنبلي رحمه الله :

فوصفَ المتقينَ بمعاملةِ الخلقِ بالإحسانِ إليهم بالإنفاق ، وكظم الغيظِ ، والعفوِ عنهم ..

فجمعَ بين وصفِهِم ببذلِ النَّدى واحتمالِ الأذى .. وهذا هو غايةُ حسنِ الخلقِ الذي وصَّى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – ..

ثم وصفَهُم بأنهم: (إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم) ، ولم يصرُّوا عليها .

فدلَّ على أن المتقينَ قد يقَعُ منهم أحيانًا كبائرُ وهي الفواحشُ وصغائرُ وهي ظلمُ النفس ، لكنَّهم لا يصرون عليها ، بل يذكرونَ اللَّهَ عقِبَ وقوعِهَا ، ويستغفرونه ويتوبونَ إليه منها، والتوبةُ : هي تركُ الإصرارِ .

تفسير بن رجب الحنبلي ج1 ص563

* قلت صاحب الموضوع :

وإن كنت لا أميل لترجيح .. إلا أن الرأي الثاني .. عليه كثير من علماء المسلمين .. الذي هو رأي الشيخ الشعراوي وبن رجب الحنبلي وغيرهم من علماء المفسرين رحمهم الله ورضي عنهم ..

*****************************

..:: فعل الفاحشة لا تخرجك من جماعة المتقين إن تبت ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

وتَتَتَابَع أوصاف المتقين: (والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135]

وفي ذلك لون من تطمين المؤمن على أغيار نفسه، وعلى أنه عندما يستجيب مرة لنزغات الشيطان ، فهذه لا تخرجه من حظيرة التقوى .. لأن الله جعل ذلك من أوصاف المتقين .

* فالفاحشة التي تكون من نزغ الشيطان وذكر العباد لله بعدها ، واستغفارهم مع الإصرار على عدم العودة ، لا تخرجهم أبداً عن وصفهم بأنهم متقون . لأن الحق هو الغفور: (وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله) .

تفسير الشعراوي ج3 ص1763

******************************

..:: ما معنى لفظ "الفاحشة" ؟ ::..

* قال الإمام الفيروزآبادي رحمه الله :

والفُحْش والفَحْشَاءُ والفاحشة: ما عظُم قُبْحه من الأَقوال والأَفعال

بصائر ذوي التمييز ج4 ص176

* قال الشيخ حسن الجمل رحمه الله :

الفحش: الزيادة والكثرة، وتجئ من هذا مجاوزة القدر والحد، فَحُشَ - كَكَرُمَ - وفحش فحشا وأفحش إفحاشا ..

والفحشاء والفاحشة: ما يشتد قبحه من الذنوب ، قولا أو فعلا ، وكثيرا ما يراد بالفاحشة الزنا، وجمع الفاحشة فواحش.

الفواحش: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) " 151/الأنعام ".

معجم وتفسير لغوي لكلمات القران ج3 ص245

****************************

..:: ما هو معنى الظلم ؟ وظلم الإنسان لنفسه ؟ ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

الظلم هو الجور والتعدي على حقوق الغير . والظالم هو من أخذ فوق ما يستحقه بغير حق . والظلم يقتضي ظالما ومظلوما . وموضوعا للظلم . فكل حق سواء كان ماديا أو معنويا يعتدي عليه إنسان بدون حق فقد حمل ظلما . حتى الإنسان أنه أحيانا يظلم نفسه. واقرأ قوله تعالى: (والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله) [آل عمران: 135]

* كيف يظلم الإنسان نفسه ؟ قد يظلم الإنسان غيره . ولكنه لا يظلم نفسه أبدا لأنه يريد أن يعطيها كل ما تشتهيه . وهذا هو عين الظلم للنفس . لأنه أعطاها شهوة عاجلة في الدنيا . ربما استمرت ساعات . وحرمها من نعيم أبدي في الآخرة . فكأنه ظلمها بأن أعطاها عذابا أليما في الآخرة مقابل متعة زائلة لا تدوم .. وهناك من يبيع دينه بدنياه .

* ولكن أظلم الناس لنفسه من يبيع دينه بدنيا غيره .. يشهد زورا ليرضي رئيسا. أو يتقرب لمسئول . أو يرتكب جريمة .. إذن قوله تعالى: (فَتَكُونَا مِنَ الظالمين) أي من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله .

تفسير الشعراوي ج1 ص265

***************************

..:: معنى (فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) ::..

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

قال آخرون أن الفاحشة الذنب الكبير ، وظلم النفس الذنب الصغير ، وبعض المفسرين يقول الفاحشة ما يتعدى أذاها إلى غيره ، وظلم النفس ما لَا يتجاوز الأذى نفسه ، ويكون هذا كقوله تعالى: (وَمن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ. . .)، وهذا كله على أن الفاحشة وظلم النفس أمران متغايران .. وبعض العلماء على أنهما وجهان للمعصية، وأن كل معصية كبيرة فيها هذان الوجهان وتكون " أو " بمعنى " الواو "، ويكون المعنى: من يرتكب فاحشة ويظلم نفسه ، ويتذكر ألله عند ارتكابها فيعود إلى ربه يكون من المتقين ؛ وإلى هذا نميل .

زهرة التفاسير ج3 ص1416

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

وقوله ( أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) معطوف على قوله (فَعَلُوا فاحِشَةً) من باب عطف العام على الخاص ، وهذا على تفسير الفاحشة بأنها كبائر الذنوب ، أما ظلم النفس فيتناول كل ذنب سواء أكان صغيرا أم كبيرا .

التفسير الوسيط ج2 ص266

*****************************

..:: لماذا تم تخصص الفاحشة ببداية الآية ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع :

تباينت آراء العلماء حول الفرق بين الفاحشة وظلم النفس .. وقد جمعها الشيخ أبو زهرة رحمه الله .. وأضفت إليه ما ذكره الشيخ طنطاوي .. سابقا كما ذكرته لكم ..

* وعن نفسي اختار الرأي القائل بأن الفاحشة هي ما يتعدى أذاها للغير مثل الغيبة والفتنة وقذف المحصنات والزنا واللواط (لأن الزاني واللائط كلاهما أذى بعضه بتشجيعه على فعل المنكر) ..

وظلم النفس هو ما كان مقصورا عليه فاعلها مثل فعل المنهيات كشرب الخمر وترك الأوامر كفرض الصلاة ..

* لكن لماذا بدأ بذكر الفاحشة .. على وجه الخصوص .. ؟ *

* كان من الممكن أن يذكر الله جملة (ظلموا أنفسهم) .. وسيفهم العلماء كل ما كان فيه ظلما للنفس سواء كان في حق النفسك أو حق غيرك .. ولكنهم كانوا سيختلفون هل هي الكبائر أم الصغائر .. !!

* ومرتكب الفاحشة يكون في أصعب لحظات اضطرابه النفسي بعد ارتكاب هذا الفعل .. فجاء لفظ (الفاحشة) بالبيان الواضح لتسكين هذا الإضطراب .. لما له من واقع نفسي واضح لمرتكب هذا الفعل ..

حيث أن مرتكب هذا الفعل يكون في حاجة لبيان واضح لا يحتمل تأويل (يمكن أو يمكن) .. لأنه يريد في هذه اللحظة تثبيت وبيان قوي ليسكن الإضطراب الذي يعيشه نتيجة هذا الفعل ..

* فجاء القرآن يتخصيص لفظ (الفاحشة) بالذات من دون الخطايا .. لما يصيب النفوس من ضعف ويأس أمام هذه الخطايا .. فتبتعد النفس عن طلب التوبة يأسا منها في غفرانها .. أو إحساسا من النفس بأنها لا تستحق المغفرة نتيجة هذا الفعل القبيح ..

ثم اليأس يجر يأس حتى يبتعد الإنسان عن ربه .. وهذا أمر لا يريده الله لعباده لأنه يحبهم .. !!

* ودليل محبته للعاصي التائب .. هو قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) البقرة222 ..

فالتائب ما هو إلا عاصي وتاب .. ودخل محبة الله بحق هذه الآية ..

* نعود فنقول :

إن الله بدأ بذكر (الفاحشة) .. لتطمئن النفس التي فعلت الفاحشة .. فتسكن من الاضطراب واليأس الذي قد يصيبها من هذا الفعل .. وتعرف أن هناك أمل يتجدد في العلاقة مع الله لا ينقطع أبدا .. !!

* وأيضا ليزداد الذين آمنوا إيمانا ويقينا في رحمة الله .. حيث أنه إذا كانت النفس التي ارتكبت الفاحشة لم يخرجها هذا عن زمرة وجماعة المتقين لما تابوا .. فما هو حال الذي عافاه الله منها ومداوم على الوقوف بين يدي مولاه مستغفرا من ظاهره وباطنه ؟ .. فهذا يدفعهم أكثر وأكثر في التعلق بغفران الله ورضوانه ..

والله أعلم .

* فحينما تقابل إنسان فعل مثلا زنا .. تجده محبط ومنكسر ويشعر وكأن الكون قد ضاق به من سوء فعله .. لأنه سمع من الدعاة والخطباء .. أن فعلها فاحشة وساء سبيلا .. (وسكتوا) .. ولا يكملون باقي كلام الله .. وكأن كلام الله توقف عند الزجر فقط ..!!

* ولكنهم لو قالوا بعد هذا الزجر .. أن هناك باب رحمه لمن تاب .. بل ويصبح من جماعة المتقين .. لكان انفتح للنفس باب رحمه تستطيع أن تدخل منه إلى الله ..!!

* ونسأل الله الهداية والغفران لكل أمة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم ..

**************************

..:: ما معنى (ذكروا الله) ؟ ::..

* قال الشيخ بن رجب الحنبلي رحمه الله :

ومعنى قولِهِ: (ذَكَرُوا اللَّهَ) ، أي: ذكرُوا عظمتَهُ وشدَّةَ بطشِهِ وانتقامِهِ ، وما توعَّد به على المعصيةِ من العقابِ ، فيوجبُ ذلك لهم الرجوعَ في الحالِ والاستغفارَ وتركَ الإصرارِ ، وقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ:

(إِنَّ الذِينَ اتَقَوْا إِذَا مَسَهُمْ طَائِفٌ منَ الشَّيْطَانِ تَذَكَرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) .

* وفي "الصحيحينِ " عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:

"أذْنبَ عبدٌ ذنبًا، فقالَ: ربَ إنّى عملتُ ذنباً فاغفِرْ لي، فقالَ اللَّهُ: علِمَ عبدِي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ، ويأخذُ بالذنب، قد غفرتُ لعبدِي، ثم أذنبَ ذنبا آخرَ - إلى أن قال في الرابعةِ -: فليعملْ ما شاء".

يعني: ما دامَ على هذه الحال كلَّما أذنبَ ذنبًا استغفر منه .

تفسير بن رجب الحنبلي ج1 ص563

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

ومعنى قوله تعالى: (ذَكَرُوا اللَّهَ) أي تذكروا أوامره ونواهيه وتذكروا عظمة الله تعالى وجلاله وقوته .

زهرة التفاسير ج3 ص1416

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

«ذكروا الله» أى تذكروا حقه العظيم ، وعذابه الشديد ، وحسابه العسير للظالمين يوم القيامة .

التفسير الوسيط ج2 ص266

********************************

..:: ماذا أفاد الشرط في الآية (إذا فعلوا .. ذكروا .. فاستغفروا) ؟! ::..

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

* وفي التعبير بقوله : ( إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ) بصيغة الشرط الجواب .. إشعار بوجوب اقتران الجواب بالشرط . أى أن الشخص الذي يدخل في جملة المتقين .. هو الذي يعود إلى ربه تائبا فور وقوع المعصية .. بحيث لا يُسوِّف ولا يُؤَخِّر التوبة حتى إذا حضره الموت ..

قال: إنى تبت الآن .!!

**************************

..:: ما معنى (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) ؟ ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

ومعنى «ذنب» هو مخالفة لتوجيه منهج . فقد جاء أمر من المنهج ولم ينفذ الأمر . وجاء نهي من المنهج فلم يُلتزم به .

تفسير الشعراوي ج3 ص1758

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

«فاستغفروا لذنوبهم» أى طلبوا منه – سبحانه - المغفرة لذنوبهم التي ارتكبوها ، وتابوا إليه توبة صادقة نصوحا.

التفسير الوسيط ج2 ص266

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله:

إن ذكر الله تعالى لابد أن يتبعه لَا محالة الاستغفار والإنابة، ولذا عقبه سبحانه بقوله: (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) فهو ثمرة ملازمة ونتيجة محتمة للذكر.

زهرة التفاسير ج3 ص1416

* قال الشيخ المراغي رحمه الله :

أي والذين إذا فعلوا من القبيح ما يتعدى أثره إلى غيره كالغيبة ونحوها، أو فعلوا ذنبا يكون مقصورا عليهم كشرب الخمر ونحوه-

ذكروا عند ذلك .. وعد الله ووعيده ، وعظمته وجلاله ، فرجعوا إليه تعالى طالبين مغفرته ، راجين رحمته ، علما منهم أنه لا يغفر الذنوب سواه ، فهو الفعال لما يشاء بمقتضى حكمته وعلمه الواسع .

تفسير المراغي ج4 ص73

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَمَعْنَى (ذِكْرِ اللَّهِ) هُنَا .. ذِكْرُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ.

وَالِاسْتِغْفَار: طلب الغفر أَيِ السِّتْرُ لِلذُّنُوبِ ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الذَّنْبِ ..

* وَلَمَّا كَانَ طَلَبُ الصَّفْحِ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ نَدَامَةٍ ، وَنِيَّةِ إِقْلَاعٍ عَنِ الذَّنْبِ ، وَعَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ .. كَانَ الِاسْتِغْفَارُ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ بِمَعْنَى التَّوْبَةِ ..

التحرير والتنوير ج4 ص92

*****************************

..:: حال الغفلة وحال اليقظة وحال المراقبة ::..

* قلت صاحب الموضوع :

لو انتبهنا للآيات ستجد فيها أحوال للسالكين طريق الله أن ينتبهوا إليها .. وهو حال الغفلة .. وحال اليقظة .. وحال المراقبة ..

وطبعا نقصد الغفلة الإيمانية واليقظة الإيمانية .. وليس النوم والصحيان ..!!

فحال الغفلة : (فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) ..

وحال اليقظة : (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) ..

وحال المراقبة : ( ولم يصروا على ما فعلوا ) ..

* وكلمة (ذكروا) : ليس بمعنى قالوا أذكارا ... وإنما بمعنى أنهم انتبهوا إلى قبيح فعلهم مع الله .. وكأنهم كانوا في غفلة لاستيلاء حجاب النفس عليهم .. ثم تيقظوا وانتبهوا إلى هذا الحجاب النفسي الذي أدخلهم في المعصية .. فلما تيقظوا .. راقبوا أنفسهم بعد ذلك حتى لا يقعوا في المحظور مرة اخرى .. فلم يصروا على ما فعلوا ..

والله أعلم ..

*********************

..:: الفصل السادس ::..

***********************

..:: ماذا أفاد قوله (ومن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)؟ ::..

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

والاستفهام في قوله: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) للإنكار والنفي .

أى: لا أحد يقبل توبة التائبين ، ويغفر ذنوب المذنبين ، ويمسح خطايا المخطئين ، إلا الله العلى الكبير «الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، ويتوب الله على من تاب» - كما جاء في الحديث الشريف- .

التفسير الوسيط ج2 ص266

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

وقوله تعالى: (ومن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) فيه بيان إجابة الاستغفار وفِيه بيان أنه لَا مفزع من الله إلا إليه .

زهرة التفاسير ج3 ص1417

* قال الشيخ المراغي رحمه الله :

 (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) جملة جاءت معترضة بين ما قبلها وما بعدها، تصويبا لفعل التائبين، وتطييبا لقلوبهم، وبشارة لهم بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وإعلاء لقدرهم بأنهم علموا أن لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه .

* وأن من كرمه أن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له ، وأن العبد إذا التجأ إليه ، وتنصل عن الذنب بأقصى ما يقدر عليه عفا عنه وتجاوز عن ذنوبه وإن جلّت .. فإن عفوه أجلّ ، وكرمه أعظم ..

* كما أن فيها تحريضا للعباد على التوبة وحثا لهم عليها، وتحذيرا من اليأس والقنوط .

تفسير المراغي ج4 ص73

********************************

..:: معروف أنه غافر الذنوب .. فما فائدة الآية ؟ ::..

( ومن يغفر الذنوب إلا الله ؟ )

* قلت صاحب الموضوع :

الاستفهام يفيد الإختصاص .. أي يفيد حصر هذه المسألة أن تكون بيد الله وحده وأنه لم يمنحها لأحد ليحققها لك .. فإن أردت المغفرة فاذهب إلى الله ..

* ولكن نحن جميعا نعلم ان الغفران بيد الله .. فما فائدة ذكرها .. ؟

لأن أصحاب العقائد الأخرى مثل المسيحية .. يعطون للسلطة الأبوية (صاحب القداسة) .. حق غفران الذنوب للخلق لأنهم ظل الله في الأرض ..!!

* فجاءت هذه الآية حتى توضح .. أن الله لم يمنح سلطة الغفران لمخلوق .. أيا ما كان .. حتى لا يكون لأحد سلطان عليك ولا تتذلل لأحد .. بل أراد لك أن تكون عزيزا بالله .. حتى صرفك عن الخلق لتتوجه إليه حتى تكون منكسرا بين يديه عزيزا به سبحانه .. حيث أن المنكسر بين يدي مولاه هو العزيز بمولاه لأنه يثق به بيقين مطلق لا شك فيه ..

* فلا تذهب لفلان ولا لعلان .. وتتصور أنه سيغفر لك ذنوبك التي فعلتها في حق نفسك مخالفا بها لمولاك ..

فلا وساطة في غفران الذنوب .. بمعنى أن فلان يستطيع ان يغفر لك ذنوبك (كما يحدث في بعض الديانات الأخرى .. كبابا الكنيسة) ..

* بل اذهب لمولاك مباشرة .. وقل : تبت إليك يارب معترفا بذنوبي .. فاقبلني واغفر لي .. يا غفور يارحيم .

والله أعلم .

* الآن أسألكم سؤال : في المجتمع المسلم بكل لغاته وليس العربي فقط .. كيف ينظرون للمرأة الزانية ؟

ينظر المجتمع للمرأة (بصفة خاصة) التي فعلت الزنا .. وكأنها سجدت للشيطان من دون الله .. وأصبحت الساحرة الشريرة .. !!

ولا تجد هذه النظرة للرجل الزاني (لوجود استعلاء السلطة الذكورية) .. لهذا المجتمع الديني المزيف والجاهل بكلام الله ..!!

* وكأن الرجل الزاني لا يعاقب على فعلته .. وباب التوبة من خصوصيات ذكوريته ..!!

وكأن المرأة ملعونة بفعلتها .. وباب التوبة تم حرمانها منه لأنها أنثى ..!!

(راجع ما ذكرناه في هذه الاجزاء (أول) (ثاني) (ثالث) )

* والسبب هو : إخفاء الحقيقة العلمية الدينية .. وهذا الإخفاء غش وخداع لأن فيها تضليل وتحريف في المنهج السماوي .. مثل شاهد الزور الذي يذكر نصف الحقيقة ليميل القاضي للحكم الذي يريده .. فأنصاف الحقائق لم تنفي عنه كونه شاهد زور مخادع .. بالرغم من أن شهادته صدق (نصف الحقيقة) .. ولكنها ناقصة وأدت إلى تغيير الحكم لصالح طرف على آخر .. ولو كان قال الحقيقة كاملة لتغير الحكم تماما .. !!

* قلت لكم ذلك : حتى تعرفوا لماذا قال الله (ومن يغفر الذنوب إلا الله) .. وكأن الله يقول لمرتكب الفاحشة وظالم نفسه .. لا تبالي بما سيقوله عليك الناس .. لأنهم لا يملكون لك شيئا .. ولكن رب الناس بيقولك : تعال إليه وهرحمك .. ولا تبالي بأحد لأنك في معية الأحد ..!!

* فمهما حكم عليك المجتمع بأنك من أهل السوء .. فإن الله حكم لك بالتقوى والمحبة شرط التوبة ودوام الحال مع الله ..

والله أعلم .

 ****************************

*************************

..:: إذا كان غفران الذنوب لله .. فلماذا أثبته للعباد ؟ ::..

راجع الجزء الثاني من رسالة الغفران

****************************

..:: إشارة عن آية (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) ::..

راجع الجزء الثاني من رسالة الغفران

*******************************

..:: لا نيابة في الغفران .. لكن كرامة في الدعاء ::..

راجع الجزء الثاني من رسالة الغفران

*******************************

..:: حتى لا تفهم طلب المغفرة من الغير بالخطأ ::..

راجع الجزء الثاني من رسالة الغفران

****************************

..:: فاصبر بيقين - فاستغفر – وسبح ::..

راجع الجزء الثاني من رسالة الغفران

 ****************************

 ****************************

..:: ما معنى (لم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) ؟ ::..

* قال الشيخ بن عجيبه رحمه الله :

قال قتادة : إياكم والإصرار ، فإنما هلك المصرون الماضون قِدْماً في معاصي الله تعالى ، لم يتوبوا حتى أتاهم الموت .

البحر المديد ج1 ص410

* قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يُصِرُّوا) إِتْمَامٌ لِرُكْنَيِ التَّوْبَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) يُشِيرُ إِلَى النَّدَمِ ، وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يُصِرُّوا) تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ الْإِصْرَارِ، وَهَذَانِ رُكْنَا التَّوْبَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»

التحرير والتنوير ج4 ص93

* قال الشيخ المراغي رحمه الله :

(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي ولم يقيموا على القبيح من غير استغفار ورجوع بالتوبة ،

وقد قال عليه الصلاة والسلام «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار»

يريد صلى الله عليه وسلم أن الصغيرة مع الإصرار كبيرة .

تفسير المراغي ج4 ص73

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

وشرط الاستغفار المجاب ألا يصر المذنب على ذنبه ، ولذا قال تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي لم يصروا على عندهم النية إلى العودة إليه، وقد فعلوه وهم يعلمون أمر الله تعالى فيه ونهيه، ولذلك قال العلماء: (لا توبة مع الإصرار) وإن الاستغفار مع الإصرار ذنب في ذاته

زهرة التفاسير ج3 ص1417

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

وقوله (وَلَمْ يُصِرُّوا) عَلى ما (فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) بيان لشروط الاستغفار المقبول عند الله- تعالى-.

أى أن من صفات المتقين أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ، سارعوا بالتوبة إلى الله- تعالى- ، ولم يصروا على الفعل القبيح الذي فعلوه ، وهم عالمون بقبحه ، بل يندمون على ما فعلوا ، ويستغفرون الله – تعالى - مما فعلوا ، ويتوبون إليه توبة صادقة .

* وقوله (وَلَمْ يُصِرُّوا) معطوف على قوله (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ).

* وقوله (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) جملة حالية من فاعل «يصروا» أى ولم يصروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه .

ومفعول يعلمون محذوف للعلم به أى يعلمون سوء فعلهم ، أو يعلمون أن الله يتوب على من تاب ، أو يعلمون عظم غضب الله على المذنبين الذين يداومون على فعل القبائح دون أن يتوبوا إليه .

التفسير الوسيط ج2 ص266-267

************************

..:: ما معنى الإصرار على الذنب ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع :

الإصرار : معناه المداومة على فعل الذنب بعزيمة ..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

ولننتبه إلى قول الحق: (وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) إذن فالاستغفار ليس أن تردف الذنب بقولك: أستغفر الله . لا . إن على الإنسان أن يردف الذنب بقوله: أستغفر الله وأن يصر على ألا يفعل الذنب أبداً.

* وليس معنى هذا ألا يقع الذنب منك مرة أخرى ؛ إن الذنب قد يقع منك، ولكن ساعة أن تستغفر تصر على عدم العودة، إن الذنب قد يقع، ولكن بشرط ألا يكون بنيّة مٌسبقة، وتقول لنفسك: سأرتكب الذنب، وأستغفر لنفسي بعد ذلك. إنك بهذا تكون كالمستهزئ بربّك، فضلا على أنك قد تصنع الذنب ولا يمهلك الله لتستغفر.

تفسير الشعراوي ج3 ص1760

* قلت صاحب الموضوع :

فالذي يذنب ويتوب بصدق ويعقد العزم على أنه لن يعود .. ولكن بعد فترة (حتى ولو بعد يوم) قد يضعف ويرتكب نفس الذنب فيتوب ويلتزم .. ثم يضعف ويرتكب نفس الذنب .. وهكذا ..

* فهذا ليس مُصِرَّا على المعصية .. لأنه كل مرة يرجو أن تكون آخر مرة ولا عودة لها لندمة على ما فعله .. ولكن بسبب ضعفه فهو يذنب مرة ثانية ..!!

* وحتى اطمئن قلبك لهذا الكلام .. فيكفيك كلام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم .. حيث يقول :

1- (إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه)

2- وفي "الصحيحينِ " عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:

"أذْنبَ عبدٌ ذنبًا، فقالَ: ربَ إنّى عملتُ ذنباً فاغفِرْ لي، فقالَ اللَّهُ: علِمَ عبدِي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ، ويأخذُ بالذنب، قد غفرتُ لعبدِي، ثم أذنبَ ذنبا آخرَ - إلى أن قال في الرابعةِ -: فليعملْ ما شاء".

يعني: ما دامَ على هذه الحال كلَّما أذنبَ ذنبًا استغفر منه.

3- وفي الترمذيِّ من حديث أبي بكرٍ الصدِّيقِ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:

"ما أصرَ من استغْفَرَ ولو عادَ في اليوم سبعِينَ مرة".

4- وخرَّج الحاكمُ من حديثِ عُقبةَ بن عامرٍ أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أحدُنا يذنبُ ، قال: "يُكتبُ عليه"..

قال: ثم يستغفرُ منه ، قال: "يغفرُ له، ويُتابُ عليه" ..

قال: فيعودُ فيذنبُ ، قال: "يكتبُ عليه" ..

قال: ثم يستغفرُ منه ويتوبُ ، قال: "يغفرُ له ، ويتاب عليه، ولا يمَلُّ اللَّهُ حتَّى تملُّوا".

راجع الأحاديث من 2-4 في تفسير بن رجب الحنبلي ج1 ص563

*************************

..:: ما معنى (جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ...) ؟ ::..

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

ثم بين- سبحانه- عاقبة من هذه صفاتهم فقال: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).

أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات السابقة من الإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس.. إلخ (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) تستر ذنوبهم، وتمسح خطاياهم.

التفسير الوسيط ج2 ص267

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

وفي الإشارة إليهم ب(أولئك) الدالة على البعد ، إشعار بعلو منزلتهم في الفضل ، وسمو مكانتهم عند الله- تعالى- .

* وقوله (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) معطوف على (مَغْفِرَةٌ) أى لهم بجانب هذه المغفرة جنات تجرى من تحت أشجارها وثمرها الأنهار .

* وقوله (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة من الضمير المجرور في (جَزاؤُهُمْ) لأنه مفعول به في المعنى ، إذ هو بمعنى أولئك يجزيهم الله- تعالى- جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها.

* فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وعد أصحاب هذه الصفات بأمور ثلاثة:

وعدهم بغفران ذنوبهم وهذا منتهى الأماني والآمال.

ووعدهم بإدخالهم في جناته التي يتوفر لهم فيها وتشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.

ووعدهم بالخلود في تلك الجنات حتى يتم لهم السرور والحبور.

* وقوله- تعالى- (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) تذييل قصد به مدح ما أعد لهم من جزاء، حتى يرغب في تحصيله العقلاء .

والمخصوص بالمدح محذوف أى ونعم أجر العاملين هذا الجزاء الذي وعدهم الله به مغفرة وجنات خالدين فيها.

التفسير الوسيط ج2 ص268

* قال الفخر الرازي رحمه الله :

ثُمَّ قَالَ: (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ..

وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: الْأَمْنُ مِنَ الْعِقَابِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ)

وَالثَّانِي: إِيصَالُ الثواب اليه وهو المراد بقوله: (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) ..

* ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْغُفْرَانُ وَالْجَنَّاتُ يَكُونُ أَجْرًا لِعَمَلِهِمْ وَجَزَاءً عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)

* قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الثَّوَابَ تَفَضُّلٌ مِنَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِجَزَاءٍ على عملهم.

التفسير الكبير ج9 ص368-369

**********************************

..:: ختام هذا الجزء ::..

* ختام لهذا السفر الطويل .. مع ما ذكره الشوكاني من أقوال لبعض الصحابة وللنبي صلى الله عليه وسلم بخصوص هذه الآيات ..

1- أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَتَيْنِ مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَرَأَهُمَا فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ لَهُ: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) الْآيَةَ.

2- وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ إِبْلِيسَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَكَى (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) الْآيَةَ.

3- وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا صَاحَ إِبْلِيسُ بِجُنُودِهِ، وَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، وَدَعَا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، حَتَّى جَاءَتْهُ جُنُودُهُ مِنْ كل برّ وبحر، فقالوا: مالك يَا سَيِّدَنَا ؟ قَالَ: آيَةٌ نَزَلَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا يَضُرُّ بَعْدَهَا أَحَدًا مِنْ بَنِي آدَمَ ذَنْبٌ، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ فَأَخْبَرَهُمْ، قَالُوا: نَفْتَحُ لَهُمْ بَابَ الْأَهْوَاءِ فَلَا يَتُوبُونَ، وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ، وَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، فَرَضِيَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ.

4- وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالْحُمَيْدِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ، وَحَسَّنَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ، وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ السُّنِّيِّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ عِنْدَ ذِكْرِ ذَنْبِهِ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِهِ ذَلِكَ، إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً .. الْآيَةَ» .

فتح القدير ج1 ص438

***********************************

وإلى لقاء آخر في جزء قادم إن شاء الله تعالى ..

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..