ج1 رسالة التحقيق في الفرق بين (السبيل والصراط والطريق ) - الفرق بين الهداية الربانية والهداية الإلهية - ما معنى السبيل في القرآن - غير المسلم وعلاقته بغير الله - من هم اهل الفترة - هل أبواي النبي في النار أم الجنة - رأي دار الأفتاء في هذه المسألة ..

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء الأول)

رسالة التحقيق

في الفرق بين

(السبيل والصراط والطريق)

* الفهرس :

:: الفصل الأول ::

1- الفروق اللغوية لكلمات "الطريق والصراط والسبيل"  ؟

2- " هذا هو اجتهادي في التفرقة بين " السبيل – الصراط – الطريق ؟

:: الفصل الثاني ::

3- أنواع الهداية في القرآن ؟

4- هداية ربانية - (هداية كونية ، دعوية)  ؟

5- هداية إلهية - (هداية إيمانية ، تحقيقية "إحسانية") ؟

:: الفصل الثالث ::

6- أولا : ما هو معنى ( السبيل ) ؟

:: الفصل الرابع ::

7- غير المسلم وعلاقته بسبيل الله ؟

8- من هم أهل الفترة ؟

9- نجاة أبواي النبي من النار ؟

10- رأي دار الإفتاء في نجاة والداي النبي من النار ؟

*******************************

 :: مقدمة ::

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

* مرحبا بكم في رسالة جديدة .. ومهمة جدا .. ستفيدك كثيرا في فهم القرآن بصورة جميلة وبخلاف ما كنت تقراه من قبل .. وكأنك تتذوق فهم جديد لكلام الله .. يضف إليك جمالا وذوقا قلبيا .. وفهما إدراكيا لجمال ودقة تعبير الآيات القرآنية ..

* وهذه الرسالة .. أي رسالة التحقيق .. هي مقدمة لرسالة " التعريف بكلام أهل الله في الطريق إلى الله " والتي ستكون قائمة على سؤال واحد .. هذا السؤال هو : ما هو معنى الطريق إلى الله ؟!  وما علاقته بمشايخ التربية ؟ مع توضيح مصطلحات ومفاهيم يذكرها أهل الله يستوجب توضيحها في حينه إن شاء الله تعالى ..!!

* وانتبه لهذه الرسالة جيدا  .. لأنها مرتبطة بمعنى الطريق إلى الله .. ومرتبطة بمشايخ الطريق والتربية ... فانتبه لها جيدا .. وكما قلت لك هي مقدمة لما هو آت إن شاء الله تعالى ..

* وسبب كتابة رسالة التحقيق .. هو أنه لم يكن يخطر ببالي من قبل توضيح الفرق بين (السبيل والصراط والطريق) .. حيث كنت أظن أن الجميع بمعنى طريق .. وهو كذلك .. ولكن انتبه عقلي لسؤال .. وهو طالما الجميع بمعنى طريق فلماذا تنوعت الألفاظ ؟ إلا لو كانت هناك دلالات مميزة لكل لفظ ؟!!

* والذي زاد من حيرتي .. حينما توقفت بين (الصراط المستقيم) ، ( طريق مستقيم) .. فما الفرق بينهما .. ولماذا لم يصف السبيل بالمستقيم .. وغير ذلك من أسئلة ؟!!

* وقد اجتهدت قصارى جهدي في المسألة .. وأحسب أنه لم يدون أحد من السابقين في هذه المسألة من قبل .. وأرجو من الله التوفيق والسداد .. وأن يجعل هذه الرسالة خالصة لوجهه الكريم .. وباب نور جديد لفهم دقة كلام الله بحلاوة وجمال تزيد القلب إيمان وهدى ويقينا بأن القرآن كلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطل أبدا ..

نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

*****************************************

..:: الفصل الأول ::..

**********************************

..:: الفروق اللغوية لكلمات "الطريق والصراط والسبيل"  ::..

* لقد استوقفني أثناء الكتابة عن طريق الله .. أمر مهم .. ولم أكن منتبها له من قبل .. وهو ما الفرق بين المصطلحات القرآنية الثلاثة .. ( الطريق - الصراط - السبيل ) ..

* وقد ظللت أبحث طويلا وأجمع بين الآيات القرآنية التي قد حوت الألفاظ الثلاثة .. ولكن لم أجد في خلال بحثي في المصادر التفسيرية أو البلاغية أو اللغوية .. ما يضع حدا فارقا بين هذه الألفاظ الثلاثة .. حيث أن السادة المفسرين يذكرون هذه الألفاظ وكأنها مترادفات لكلمة الطريق ..!!

* ومعهم حق في ذلك طبعا .. ولكن ما كنت أبحث عنه هو إذا كان المعنى هو الطريق .. فلماذا جاء بكلمة "سبيل" وكلمة "صراط" ؟!!

* وكل الذي وجدته كان تفرقة لغوية بين الألفاظ الثلاثة .. قد ذكرها إمامين من أئمة اللغة .. ولم تشبع عقلي ولا روحي .. حيث ظلت الأسئلة في رأسي كما هي ..!!

* وعموما أذكر لكم ما تحصلت من أقوال العلماء :

1- الشيخ العلامة أبو البقاء الحنفي رحمه الله :

(أَن الطَّرِيق هُوَ كل مَا يطرقه طَارق ، مُعْتَادا كَانَ أَو غير مُعْتَاد) ..

والسبيل من الطّرق مَا هُوَ مُعْتَاد السلوك ..

والصراط من السَّبِيل مَا لَا التواء فِيهِ وَلَا اعوجاج ، بل يكون على سَبِيل الْقَصْد فَهُوَ أخص مِنْهَا و (السَّبِيل) فِي (وعَلى الله قصد السَّبِيل) اسْم جنس لقَوْله: (وَمِنْهَا جَائِر) (وأنفقوا فِي سَبِيل الله) أَي: الْجِهَاد وكل مَا أَمر الله بِهِ من الْخَيْر، واستعماله فِي الْجِهَاد أَكثر

والسبيل أَيْضا: الْحجَّة: (وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا) )

الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية ص513

2- قال الشيخ أبو هلال العسكري رحمه الله :

* الفرق بين الصراط والطريق والسبيل:

أن الصراط هو الطريق السهل قال الشاعر:

خشونا أرضهم بالخيل حتى * تركناهم أذل من الصراط ..

وهو من الذل خلاف الصعوبة وليس من الذل خلاف العز ..

والطريق لا يقتضي السهولة ..

والسبيل إسم يقع على ما يقع عليه الطريق وعلى ما لا يقع عليه الطريق تقول سبيل الله وطريق الله وتقول سبيلك أن تفعل كذا ولا تقول طريقك أن تفعل به ويراد به سبيل ما يقصده فيضاف إلى القاصد ويراد به القصد وهو كالمحبة في بابه والطريق كالارادة .

* الفرق بين السبيل والطريق  : قد يفرق بينهما بأن السبيل أغلب وقوعا في الخير، ولا يكاد اسم الطريق يراد به الخير إلا مقترنا بوصف أو إضافة تخلصه لذلك.

كقوله تعالى: " يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم "

معجم الفروق اللغوية ص313

* قلت صاحب الموضوع :

هذا أقصى ما وصلت له من الفروق اللغوية .. بين الكلمات الثلاثة .. والتي لم تجيب عن سؤالي .. لماذا جاء القرآن بلفظ ( الصراط المستقيم ) ( طريق مستقيم ) .. ولماذا لم يقل عن السبيل أنه مستقيم ..؟!! ولماذا لا نقول في الفاتحة "اهدنا الطريق أو السبيل المستقيم ؟!!

وإذا كان كلمتي السبيل والصراط تعني كلمة طريق .. فما فائدة اختلاف الألفاظ في أماكنها في القرآن ..!!

***************************************

" هذا اجتهادي في التفرقة بين "

..:: السبيل – الصراط – الطريق ::..

*  قلت صاحب الموضوع :

حاولت أن أتدبر الآيات التي جمعت الألفاظ الثلاثة .. حتى ترائي لي فرق مميز بين الثلاثة ألفاظ .. وهو خلاصة البحث في المسألة ..

وهي اختلافات جمعتها في ألفاظ ثلاثة .. وهي خلاصة كل ما هو آت في الفصول القادمة ..

1- السبيل : هداية إرشاد إلى .. طريق الله

2- الطريق : هداية تمكين من .. الإيمان بالله

3- الصراط : هداية تحقيق ب .. الإيمان بالله ..

* إذن يجمعهم ألفاظ ثلاثة : (إرشاد إلى - تمكين من - تحقيق ب)

* ومثال ما سبق تجده في ما فعله الجن حيث كشفوا عن الأحوال الثلاثة ..

 في هداية الإرشاد وهداية التمكين من الإيمان وهداية التحقيق بالله .. قال الجن ( يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ - فَآمَنَّا بِهِ - وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ) الجن2 .

* وعموما سأذكر تفصيل ما توصلت إليه من نتيجة .. من خلال آيات الله .. ولكن أولا أذكر لك أنواع الهدايات في القرآن .. من خلال اجتهادي في هذا البحث المتواضع ..

*****************************************

..:: الفصل الثاني ::..

**********************************

..:: طُرُق الهِداية في القرآن ::..

كثير من العلماء فصَّل في أنواع الهداية المذكورة بالقرآن الكريم .. ولكن غالب العلماء كما تبين لي قد اكتفى بتقسيمها لنوعين فقط .. وهي هداية دلالة وهداية عناية .. أو دلالة إرشاد وهداية توفيق .. أو هداية دلالية وهداية تمكيِنيَّة .. وغير ذلك .. مما هو بمعنى واحد وهو الإرشاد لطريق الله أو التوفيق للإيمان بالله .. والجميع كان صائبا فيما قال .. أحسبهم كذلك إن شاء الله تعالى .

* ولكن أحب مشاركتكم اجتهادي في المسألة .. حيث يمكن تقسيم طرق الهداية في القرآن إلى طريقين .. (هداية ربانية) .. و(هداية إلهية) .. وكل طريق ينقسم إلى سبيلين للهداية ..

* فالهداية الربانية تشمل (هداية كونية وهداية دعوية أو إرشادية )

* والهداية الإلهية تشمل ( هداية إيمانية وهداية تحقيقية أو اتِّبَاعِيَّة )

* وسبب هذا التقسيم حتى تفهم مراد الله من كلامه حينما تقرأه فيكون أسهل على الاستيعاب إن شاء الله تعالى .. خاصة وأنني أحب الطريقة العقلية المنهجية .. ولا أحب العشوائيات في الكلام ..!!

وعموما هذا ما ترائى لي من فَهم كلام الله ..

* وإليك تفصيل ما سبق بيانه ..

********************************

..:: أولا : ( هداية ربانية ) .. لعموم الخلق ::..

1- ( هداية كونية )

وهي ما يصلح للإنسان وغير الإنسان من مقومات الحياة ... ومعرفة ما هو صالح له وغير صالح له .. كل مخلوق على حسب مقوماته الحياتية .. وهذا المراد من قوله تعالى: (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) طه 50 ، وقوله تعالى: (الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) الأعلى3 ..

فالشمس والقمر والهواء والماء والطعام .. فالعطاء للجميع من إنس وجن وحيوان وطير ونبات .. فالجميع ينتفع من عطاياه الكونية لأنه رب الجميع القائم على تربيتهم ورعايتهم حتى ولو جحدوا (الإنس والجن) ..

* فمن هداية الربوبية لخلقه مثل قوله تعالى للنحل : ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) النحل68 ، وقوله تعالى للأرض : ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها ) الزلزلة5 ..

* ومن هدايات الإنسان بما أعطاه من العقل والمعرفة والقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ : ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) الإنسان3 .. أي عرّفناه وبينا له ذلك ، بما منحناه من ملكات إدراكية مثل العقل والسمع ليتبين الحقائق .. فإما شاكرا بالاهتداء .. وإما كفورا جاحدا بالإعراض عنه ..

* وقال تعالى :(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) البلد10  .. والنجدين هما طريقي الخير والشر .. فقد أعطينا الإنسان التمييز بين كل خير وشر يتعلق بالدنيا ، وبين كل خير وشر يتعلق بالدين .. حتى يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ في أموره الدنيوية والمعيشية .. وبين الدين الحق والدين الباطل ..

2- ( هداية الدعوة والدلالة والإرشاد إلى الإيمان )

وهذه الهداية الربانية قد تكون من خلال الأنبياء والرسل والصالحون .. المتبعون في ذلك منهج الله وتعاليمه السماوية ..

* وهداية الدعوة والإرشاد في القرآن قد تنسب إلى الله عز وجل :

كقوله تعالى ( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) الأحزاب4 ..

( وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ ) الشورى46 ..

( وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) البقرة221 ..

(وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يونس25 .

* وقد تنسب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم :

كقوله تعالى :( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) الفرقان57 ..

( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ) يوسف 108 ..

( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) النحل 125 ..

( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى52 ..

* وقد تنسب إلى الأنبياء والرسل عموما :

كما قال تعالى عن إبراهيم واسحق ويعقوب ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) الأنبياء73 ..

( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) الرعد7 ..

* وقد تنسب هداية الإرشاد إلى القرآن :

كما قال الله تعالى: ( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) الإسراء9 ..

( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) المزمل19 ..

( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ) الجن 1-2 ..

* وقد تنسب هداية الإرشاد والدعوة إلى المؤمنين :

كقوله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) غافر38 ..

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران104 .

******************************

..:: ثانيا : (الهداية الإلهية) .. للمؤمنين فقط ::..

1- ( هداية التوفيق للإيمان )

ومنه قوله تعالى : ( وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف43

وقوله تعالى : ( يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ) الجن2

وقوله تعالى : ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ ) آل عمران193

وقوله تعالى ( اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ) الحجرات17

2- ( هداية التحقيق بهذا الإيمان .. "هداية الإتِّبَاع" ) ..

ومنها قوله تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) الحج24 .. وهذه الآية تجمع بين هداية التوفيق وهداية التحقيق ..

وقوله تعالى : ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المائدة16 .. وهذه الآية أيضا جمعت بين هداية التوفيق وهداية التحقيق ..

وقوله تعالى : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام122 .. .. وهذه الآية أيضا جمعت بين هداية التوفيق وهداية التحقيق ..

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ ) محمد 17 .

وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ ) يونس 9 .

وقوله تعالى : (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) التغابن 11

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الحديد28

* وهداية التحقيق بالإيمان يأتي لها ثمرة ونتيجة ملموسة ومحسوسة .. فقد قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) العنكبوت 69 ..

* وهذه السبل أي الخاصة بقوله تعالى : (لنهدينهم سبلنا) هي المعنية بقوله تعالى : ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المائدة16 ..

وبقوله تعالى (وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) الأنعام122 ..

وبقوله تعالى (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) ..

* وفي الآخرة تكون هذه الهداية نور إلى جنات النعيم كقوله تعالى : ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) الحديد12

وكقوله تعالى : (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم8

* ما سبق كان مدخلا مهما للتعريف بالمصطلحات القرآنية (السبيل والطريق والصراط) .. لأن كل واحد منهم مرتبط بالهداية المناسبة له ..

*****************************************

..:: الفصل الثالث ::..

**********************************

..:: ما هو معنى ( السبيل ) ؟ ::..

 كلمة السبيل لها معان عديدة في القرآن ..

* فيقول الشيخ  حسن الجمل رحمه الله :

السبيل: الطريق الواضح السهل .

وتطلق السبيل علي الطريق الحسي ، وعلي الطريق المعنوي بمعني الوسيلة ،  وعلي طرق الهداية والخير ، أو طرق الضلالة والشر.

وابن السبيل: المسافر الذي لا مال له يكفيه للوصل إلي ما يقصد.

وفلان عليه السبيل أي عليه التعدي والحجة . وجمع سبيل سُبُل .

معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن ج2 ص286

* قلت صاحب الموضوع  

من معانيها في القرآن .. 

1- تأتي بمعنى الطريق الحسي ..) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ) العنكبوت 29 .

2- وتأتي بمعنى الحجة والبيان والغلبة .. ( وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا(  النساء141 .

3- وتأتي بمعنى المسافر إلى مكان غريب فيه .. ( قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) البقرة215 .

4- وتأتي بمعنى الدلالة والإرشاد إلى ما فيه الخير ليفعله وما فيه الشر ليجتنبه .. ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) الإنسان3 .

5- وتأتي بمعنى اتباع فعل منهجي مخصوص لمن استقام على الصراط مثل الجهاد بالإنفاق وبذل النفس ..  )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) الحجرات15 .

6- وتأتي بمعنى الدلالة والإرشاد إلى الله والإيمان به .. ( وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) الأحزاب4 ..، ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل125 .

* ولكن ما يهمنا هنا هو السبيل المؤدي للإيمان أو للكفر ..

* وتنتبه لشيء مهم جدا .. وهو أن كلمة السبيل .. قد يأتي بعدها كلمة "ضل" في الإرشاد الخاطيء إلى طريق الله .. وهي كلمة لا تأتي مع "صراط" ، ولا  "طريق" .. لأن كلمة سبيل كما قلنا ما هي إلا دلالة إرشادية للطريق ..

* ومثال ذلك : علامات الطريق الإرشادية التي ترشدك في سفرك ( يمين - شمال - متبقي كذا كيلومتر على قرب الوصول ) وهكذا علامات إرشادية ..

* فإذا كانت إرشاداتك مضللة .. فالنتيجة هي أيضا مضلله ..!!

كما أرشد الحق النصارى بعدم اتباع اليهود في خطواتهم (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ) المائدة77

* وانتبه للآية السابقة .. وستجد أن من ضمن أسباب الإنحراف عن الإرشاد السليم هو اتباع الأهواء التي تحجب الحقائق عن القلوب .. مثلما أرشد الحق سبحانه سيدنا داوود عليه السلام فقال له :  (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) ص26 ..

* وعموما حال أصحاب الأهواء لا يختلف عن حال التعصب للفكرة النفسية المتوارثة عند المشركين ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) المائدة104 .. !!

* وإذا تتبعنا الآيات الخاصة بكلمة "سبيل" .. سنجدها تشير بدقة إلى معنى "الإرشاد إلى .." ..

وتأمل معي بعض الآيات .. التي تدل على المعنى السابق بيانه ..

1- ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) الإنسان3

2-  سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) الأعراف146

3-  ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيداً ) النساء167

4- ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ) الفرقان17

5- ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) العنكبوت38

6- ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ ) النساء44

7- ( بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الرعد33

8- ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) غافر38

9- ( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ) هود19

10– ( وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ) النمل24

***************

11- ( فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) المائدة12

12- ( وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) البقرة108

* في الآية رقم 11 ، 12 .. ترشدك إلى أن من عرف كيف يتبع الدلالات الإرشادية للوصول إلى الإيمان .. وأراد الرجوع ... وكأنه عاد منقلبا على رأسه عكس اتجاه إشارات الطريق التي عرف أنها الإتجاه الصحيح لمولاه الحق ..!!

ولذلك وصفه الحق بأنه ضل السبيل .. لأنه رجع عكس الإرشادات الإلهية والنبوية التي تم توجيهه إليها ..

*****************************************

..:: الفصل الرابع ::..

**********************************

..:: غير المسلم وعلاقته بسبيل الله ::..

* ولذلك يقول بعض العلماء .. أن الغير مسلم يجب أن يتم إرشاده أولا إلى سبيل الله لإقامة الحجة عليه .. ثم يختار إما الطريق الحق أو يرجع لما هو عليه .. فإن لم يتم الإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة والتعريف بالدين لغير المسلم على أكمل وجه .. فهؤلاء سيدخلون اختبار الآخرة مع أهل الفترة .. أو أنهم سيكونوا في حكم المشيئة الإلهية .. 

* حيث أن أهل الفترة : وهم من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة ، ولم تقام عليهم الحجة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين .. ومثل الذين كانوا في فترة زمنية بين زمن سيدنا عيسى وسيدنا محمد في الجزيرة العربية ولم يأتهم ما يعلمهم دين الحق .. ولذلك يقول الحق سبحانه (لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) يس6 .. (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) القصص46 .. (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) السجدة3 .

* فكذلك الغير مسلم .. إذا لم يتم انذارهم وتبشيرهم بالله بالحكمة والموعظة الحسنة ولا يكون فظا ولا غليظا .. فحالهم مثل حال أهل الفترة الذين لم يأتيهم نبي ولا رسول .. حيث أنهم لم تصلهم الدعوة ليؤمنوا أو يكفروا ..!!

* حيث أنه ليس من العدل الإلهي أن يخلق قوما ويدخلهم النار بلا حجة عليهم وهو القائل ( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء15 ..

* فلابد من هداية دلالة وإرشاد للشخص .. فإن اهتدي وقَبِل الإيمان .. فهذا ينفع به نفسه لأنه سيخلصها من النار .. وإن ارتضى بما هو عليه فهذا شأنه .. وكل إنسان يحمل آثامه .. ولا يعذب الله أحد إلا بعد إقامة الحجج وإنزال الكتب وإرسال الرسل ..

* قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :

أَنَّ الَّذِينَ حُرِمُوا هِدَايَةَ الدِّينِ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُؤَاخَذُوا فِي الْآخِرَةِ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ . وَهَذَا هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِمْ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) (17: 15)

تفسير المنار ج1 ص58

* قال الشيخ المراغي رحمه الله .. في تفسير (الضالين) من سورة الفاتحة :

* والضالون هم الذين لم يعرفوا الحق ، أو لم يعرفوه على الوجه الصحيح ، وهؤلاء هم الذين لم تبلغهم رسالة ، أو بلغتهم على وجه لم يستبن لهم فيه الحق ..

فهم تائهون في عماية لا يهتدون معها إلى مطلوب ، تعترضهم الشبهات التي تلبس الحق بالباطل ، والصواب بالخطأ إن لم يضلّوا في شئون الدنيا ضلوا في شئون الحياة الأخرى ، فمن حُرِمَ هدى الدين ظهر أثر الاضطراب في أحواله المعيشية وحلت به الرزايا ، والذين جاءوا على فترة من الرسل لا يكلّفون بشريعة ، ولا يعذبون في الآخرة لقوله تعالى: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) . وهذا رأى جمهرة العلماء .

تفسير المراغي ج1 ص37

# نعود فنقول : هل الدعوة للإسلام صحيحة ؟ :

ولو نظرنا لواقعنا .. فهل غير المسلم أو حتى المسلم .. يتم إرشاده بمقتضى هذه الآية ؟ ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل125

* وتأمل كلمة السبيل في الآية .. جاءت لتوضح أن المسألة مسألة إرشاد ودلالة وبيان وإحسان في المعاملة .. !!

* عموما ما يهمنا في بحثنا هنا .. أن كلمة السبيل هي بيان إرشادي لطريق الإيمان ..

******************************

 ..:: أهل الفترة وعلاقتهم بوالداي النبي ..!! ::..

* قلنا أن أهل الفترة : هم من عاش في زمن لم يأتهم فيه رسول ، أو كانوا في مكان لم تصلهم فيه الدعوة ، ولم تقام عليهم الحجة – ومن في حكمهم – كأطفال المشركين .. ومثل الذين كانوا في فترة زمنية بين زمن سيدنا عيسى وسيدنا محمد في الجزيرة العربية ولم يأتهم ما يعلمهم دين الحق .. ولذلك يقول الحق سبحانه ( لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) يس6 .. (لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) القصص 46 .. ( لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) السجدة 3

* وبسبب هذه الآيات السابق كان الكلام عن أهل الفترة ما هو مصيرهم .. وما هو مصير والداي النبي صلى الله عليه وسلم .. وانقسموا على ذلك لثلاثة آراء .. 

1- أوقف علماء كثيرون رأيهم في والداي النبي هل هما في النار أم لا .. وتركوا ذلك للمشيئة الإلهية أدبا مع رسول الله .. خاصة وأن النصوص لا تؤيدهم بصورة يقينية ..!!

2- وهناك من أجزم بنجاة والداي رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا لرسول الله .. حيث أن النص القرآني يؤيد كلامهم بيقين ..!!

3- وهناك من العلماء من قال أنهما من أهل النار .. وقد أخذ كلام هؤلاء العلماء .. طائفة مؤذية وسليطة اللسان تهوى أن تقول بكل وقاحة وقلة أدب أن والداي النبي كفار .. وليته يقول (ليسا بمؤمنين) أو (لم تسبق لهما العناية الإلهية بالإيمان) أدبا مع النبي .. حتى لا يحزنوه وبالتالي يكونوا قد أذوه .. (وإن كان هؤلاء طبعهم في الحياة سلوك الأذى) ..!!

* بل تجد هذا المُخرف المؤذي الموصوف بالداعية "الداعية المؤذي للنبي" .. يقف على منابر جماعة السوء بصوت جهوري في مسجد ضرار .. وكأنه يشمت بذلك شماته بالغة وهو مستمتع بهذا التكفير لأبواي الرسول ..!!

* ويا ليته يقول بأقوال العلماء في المسألة ليكون إنسان أمين في نقل العلم .. وليختار هو ما يميل إليه بقلبه وليترك للمؤمنين ما يميلوا إليه وتطمئن إليه قلوبهم ..  ولكنه أبى إلا أن يكون غليلا حاقدا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشمت في والديه ويحجب كلام العلماء في المسألة ..

* وأقول عنه أنه غليل وحاقد على النبي وشامت في والداي النبي .. لأن دليل الشماته والغل والحقد هو حجب كلام العلماء في المسألة عن المؤمنين وتسييسهم لما يراه هو وعصابته (جماعته) ..!!

ولو كان إنسان أمين ولا يخون أمانة العلم "كما هو المعتاد من هذه الجماعة المؤذية" .. لكان ذكر المسألة بكل تفاصيلها .. ولكنه أبى إلا الحقد والتعصب لجماعته الحاقدة على رسول الله وأبويه الشريفين الطاهرين ..!!

* هذا وكثير من علماء الشريعة .. على أن والداي النبي من أهل الجنة بلا ريب .. وفي هذا الشأن أسهب السيوطي وانتصر انتصارا بالغا لهذا الرأي .. 

* وعلى هذا الرأي أُقر بقلبي وعقلي إليه .. وهذه شهادتي في والداي سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..!!

* وعموما على هذا الرأي كان التوجيه في دار الإفتاء المصرية ..

****************************

..:: رأي دار الأفتاء المصرية في أبواي النبي ::..

# " أنقل لكم فقط ختام الفتوى دون التحقيق الخاص بها ووضعت لكم رابط لها لمن يريد مزيد من التحقيق " .. حيث تقول في فتواها  :

* " والقولُ بنَجَاة والِدَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو ما عليه الأزهر الشريف وعلماؤه عبر العصور مع اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم ومشاربهم، وهو ما عليه دار الإفتاء المصرية :

* قال شيخُ الإسلام البُرهانُ إبراهيمُ الباجوري في "شَرح جَوهرة التوحيد" (1/ 83-84): [إذا عَلِمْتَ أنَّ أهل الفَترة ناجُون على الراجِح عَلِمْتَ أنَّ أبَوَيه صلى الله عليه وآله وسلم ناجِيَان لكَونِهِما مِن أهل الفَترة، بل جميعُ آبائه صلى الله عليه وآله وسلم وأُمَّهَاتِه ناجُون ومَحكُومٌ بإيمانهم، لم يَدخُلْهُم كُفرٌ، ولا رِجسٌ، ولا عَيبٌ، ولا شيءٌ مِمَّا كان عليه الجاهليةُ بأدِلَّةٍ نَقلِيَّةٍ؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لم أَزَل أَنْتَقِلُ مِن الأَصلاب الطاهِرَات إلى الأرحام الزاكِيَات»، وغير ذلك من الأحاديث البالغة مَبلَغ التَّوَاتُر] اهـ.

* وقد صدرت بذلك فتوى فضيلة مفتي الديار المصرية الأسبق العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، والتي قال في آخرها في حكم مَن زعم أن أبوَي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- ليسا مِن أهل الإيمان: "قد أخطأ خطأً بيِّنًا؛ يأثم ويدخل به فيمن آذى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولكن لا يُحكَم عليه بالكفر؛ لأن المسألة ليست من ضروريات الدِّين التي يجب على المكلَّف تفصيلها. هذا هو الحق الذي تقتضيه النصوص وعليه المحققون من العلماء". اهـ.

* ونصيحتنا للشباب المنتسبين للدعوة إلى الله أن يتقوا الله في الأمة ولا يبالغوا في إطلاق الأحكام قبل الفهم والبحث ، وإن ضاقت بهم ملكاتهم العقلية والعلمية فقد وصف لهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الدواء مِن هذا المرض فقال: ((إنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ))، فعليهم سؤال أهل العلم بدلا مِن إيقاع أنفسهم في اللعن والخروج من رحمة الله بالتعدي على جناب الحبيب -صلى الله عليه وآله وسلم- ..

* فقد ذكر السُّهَيلِي والنفراوي أن القاضي أبا بكر ابن العربي أحد أئمة المالكية سُئِل عن رجل قال: إنّ أبا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في النار ؟

 فأجاب بأن مَن قال ذلك فهو ملعون؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. [الأحزاب: 57]. قال: "ولا أذًى أعظم مِن أن يقال عن أبيه إنه في النار". اهـ.

* وقال العلامة الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الماتع "خاتم النبيين" (1/ 119، ط. دار الفكر العربي): وخلاصة القول،  وهو ما انتهينا إليه بعد مراجعة الأخبار في هذه المسألة : أن أبوي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في فترة ، وأنهما كانا قريبين إلى الهدى، وإلى الأخلاق الكريمة التي جاء به شرع ابنهما من بعد، وأنهما كانا على فترة من الرسل ، ونعتقد أنه بمراجعة النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة لا يمكن أن يكونا في النار ، فأمه المجاهدة الصبور ، الحفية بولدها لا تمسها النار ؛ لأنه لا دليل على استحقاقها ، بل الدليل قام على وجوب الثناء عليها هي وزوجها الذبيح الطاهر .

وما انتهينا إلى هذا بحكم محبتنا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإن كنا نرجوها ونتمناها ، ولكن بحكم العقل والمنطق والقانون الخلقي المستقيم، والأدلة الشرعية القويمة، ومقاصد الشريعة وغاياتها] اهـ.

* فالحذرَ الحذرَ من إطلاق اللسان بغير الأدب مع الوالدين الكريمين لرسول الله صلى الله عليه وعليه وآله وسلم في هذه المسألة ، فإن وصفهما عليهما السلام بالكفر انتقاص لهما ، وانتقاصهما هو من الأذى البليغ وسوء الأدب مع الجناب الأجل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..

* ولَمَّا ذَكَرَ العلَّامة الآلوسي في تفسيره "روح المعاني" (10/ 135، ط. دار الكتب العلمية) -عند قوله تعالى ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾"الشعراء: ٢١٩"- أنَّ القولَ بإيمانِ أبَوَيه صلى الله عليه وآله وسلم قَولُ كَثيرٍ مِن أَجِلَّةِ أهل السُّنَّة، قال: [وأنا أَخشَى الكُفرَ على مَن يَقولُ فيهما رضي الله عنهما، على رَغمِ أَنفِ القَارِي وأَضْرَابِه بِضِدِّ ذلك] اهـ.

* فقد قال العلامة ابن عابدين في "حاشيته" عن هذه المسألة: "وبالجملة -كما قال بعض المحققين-: إنه لا ينبغي ذكر هذه المسألة إلا مع مزيد مِن الأدب، وليست مِن المسائل التي يضرُّ جهلها أو يُسأل عنها في القبر أو في الموقف، فحِفظ اللسان عن التَّكَلُّم فيها إلا بخير أولى وأسلم".

* فلْيَتَّق اللهَ أولئك الجهلة الخائضون في هذه المَسائل وأمثالها بِهَوًى وجَهل وسوء أدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع افتقادهم لعلوم الآلة وفهم النصوص الشرعية ؛ داعين فيها لأقوالٍ شاذة مرذولة لم يقبلها علماء المسلمين ولا أئمتهم عبر القرون، ولْيَخْشَوْا أن تصيبهم لَعنَةُ الله جل جلاله بما يروجونه من الآراءٍ المهملةٍ المستهجَنة المستوجِبةٍ لإيذَاء حبيب الرحمن وسيد الأكوان محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

مختصرا عن / دار الإفتاء المصرية – رقم الفتوى 3991 بتاريخ 19/11/2014 - فتوى أبواي النبي في الجنة / مختصرا .. ولمراجعة التحقيق العلمي للفتوى اضغط على هذا الرابط

* قلت صاحب الموضوع :

تعليقا على ما جاء عن الإمام الألوسي "في الفتوى" .. حيث قال "على رَغمِ أَنفِ القَارِي" .. وهو يشير إلى العالم الجليل ملا علي القاري .. 

ولكن الإمام الألوسي لم يصل لعلمه أن الشيخ القاري قد تراجع عن كلامه في حق أبواي النبي صلى الله عليه وسلم .. 

كما نجده في شرحه لكتاب الشفاء للقاضي عیاض ، الذي انتھى منه سنة 1011 ھ ، أي قبل وفاته بثلاث سنوات . فقد جاء فیه :

( هذا وأبو طالب لم يصح اسلامه .. وأما اسلام أبويه ففيه أقوال .. والأصح اسلامهما على ما اتفق عليه الأجلة من الأمة كما بينه السيوطي في رسائله الثلاث المؤلفة ) .

شرح الشفا طبعة دار الكتب العلمية ج1 ص605 – وطبعة استنابول1316هجرية (1/601) .

* ثم قال في موطن آخر عن احياء والدي النبي : ( وأما ما ذكروا من احيائه عليه الصلاة والسلام أبويه فالأصح أنه وقع على ما عليه الجمهور الثقات كما قال السيوطي في رسائله الثلاث المؤلفات )

شرح الشفا طبعة دار الكتب العلمية ج1 ص651 – طبعة استنابول1316هجرية (1/648) .

* وهذا رابط لتحميل كتب السيوطي في تحقيق مسألة نجاة والدي النبي صلى الله عليه وسلم وهي ستة كتيبات صغيرة الحجم .. تم وضعهم في ملف واحد مضغوط ..

* هذا لم يكن موضوعنا " وهو تفرع عن البحث ".. وقد ذكرته لكم بسبب الكلام على أهل الفترة .. فالشيء بالشيء يُذكر .. (وكل إنسان يختار من رأي العلماء ما يميل إليه قلبه بما يتفق مع الحجة والدليل) ولكن كن مؤدبا مع النبي ووالديه الطاهرين .. 

* نعود مرة أخرى .. فتستكمل بحثنا حول كلمة ( سبيل ) .. 

*******************************

..:: الفصل الخامس ::..

**********************************

..:: أنواع السبيل في القرآن ::..

يتبع الجزء القادم إن شاء الله تعالى

********************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..