ج1 ملحق برسالة التحقيق : هل تريد محو الأغيار وطلب القرب والوصال ؟ هل تريد أن تكون من أهل الله في حضرة الله ؟ هل تريد ان تكون من أهل الإفتقار إلى الله ؟ هل تريد المعونة الإلهية ؟ لا تحرم نفسك من طلب كمال النعمة في العمل ؟ هل تعرف ما الفرق بين الشريعة والحقيقة عند العارفين ؟ كيف يطلب المؤمنون الهداية وهم مهتدون ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

:: الجزء الأول ::

 ( ملحق برسالة التحقيق )

" الصراط المستقيم من فاتحة الكتاب الكريم "

**************************

هل تريد محو الأغيار وطلب القرب والوصال ؟
هل تريد ان تكون من أهل الإفتقار إلى الله ؟
هل تريد أن تكون من أهل الله في حضرة الله ؟

هل تريد المعونة الإلهية ؟

لا تحرم نفسك من طلب كمال النعمة في العمل ؟

هل تعرف ما الفرق بين الشريعة والحقيقة عند العارفين ؟

كيف يطلب المؤمنون الهداية وهم مهتدون ؟

* فهرس :

:: الفصل الأول ::

1- كيف يطلب المؤمنون الهداية وهم مهتدون ؟

2- لماذا اختلف العلماء في مفهوم الصراط في الفاتحة ؟

3- تعليق على رأي الإمام الفخر الرازي رحمه الله ؟

4- طلب كمال النعمة من الله ؟

:: الفصل الثاني :: (كلام من القلب)

5- كلام من القلب : قالوا عن الصراط المستقيم ؟

6- إذا أردت المعونة الإلهية فاستمدها بطلب الصراط المستقيم ؟

7- وإياك أن تعتقد في نفسك أو تُحسن الظن بنفسك ؟

8- الصراط المستقيم جامع بين الشريعة والحقيقة ؟

9- وما هي الشريعة والحقيقة عند العارفين ؟

10- الصراط المستقيم .. محو الأغيار طلبا للقرب والوصال ؟

11- الصراط المستقيم .. افتقار إلى الله وإعراض عما سواه ؟ 

12- الصراط المستقيم .. لا يطلبه إلا أهل الأدب في حضرة الله ؟

:: الفصل الثالث ::

13- لماذا قال الصراط ولم يقل الطريق او السبيل ؟

14- لماذا قال (اهدنا الصراط) .. ولم يقل إلى الصراط أو للصراط ؟

15- لماذا قال الصراط ولم يقل صراط أو صراطك ؟

16- خاطر حول اسم "الله" في سورة الفاتحة ؟

*******************************

:: مقدمة ::

.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

* هذه رسالة لطيفة نستكمل بها رسالة التحقيق .. وإن كانت منفردة عنها .. لما فيها من إشارات عرفانية .. خاصة في الفصل الثاني (كلام من القلب) .. مع مسائل متعددة تتعلق بسورة الفاتحة .. 

* وسأذكر فيها مفهوم الصراط المستقيم .. بمعاني جديدة خلاف ما ذكرناه سابقا .. وهو إضافة معنى ومعرفة بالصراط المستقيم .. لأنه سيكون مدخلا لرسالة الطريق إلى الله .. إن شاء الله تعالى ..

* واعلم أن من زل عن صراط الدنيا .. فقد زل عن صراط الاخرة .. وبقدر سقوطك في المعصية وانحرافك عن صراط الدين في الدنيا .. بقدر سقوطك وانحرافك عن صراط الآخرة .. !!

نسأل الله اللطف في القضاء والقدر .. آمين ..

نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

**********************************

..:: مسائل في سورة الفاتحة حول طلب الهداية والصراط ::..

(اهدنا الصراط المستقيم)

************************************

:: الفصل الأول ::

**********************

..:: كيف يطلب المؤمنون الهداية وهم مهتدون ؟ ::..

* قال الإمام الحافظ بن كثير رحمه الله :

فإن قيل: كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها، وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟

فالجواب: أن لا، ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك، فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق.

تفسير بن كثير ج1 ص44

* قال الشيخ عبد الرحمن السلمي رحمه الله :

وقال سهل بن عبد الله : أرشدنا بمعونتك الطريق إليك . قيل أليس قد هداه الصراط المستقيم حتى صلى وسأل فقال : إنما سأل الله زيادة  هدى ، كما قال الله تعالى : ! ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) ! بسؤالهم اهدنا الصراط  المستقيم .

تفسير السلمي ج1 ص41 ..

* قال الشيخ بن عجيبة رحمه الله :

فإن قلتَ: إذا كان العبدُ ذاهباً على هذا المنهاج المستقيم، فكيف يطلب ما هو حاصل؟

فالجواب: أنه طلب التثبيت على ما هو حاصل، والإرشاد إلى ما هو ليس بحاصل، فأهل مقام الإسلام يطلبون الثبات على الإسلام، الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإيمان الذي ليس بحاصل، على طريق الصوفية، الذين يخصون العمل الظاهر بمقام الإسلام، والعمل الباطن بمقام الإيمان، وأهلُ الإيمان يطلبون الثبات على الإيمان الذي هو حاصل، والترقي إلى مقام الإحسان الذي ليس بحاصل، وأهل مقام الإحسان يطلبون الثبات على الإحسان، والترقي إلى مالا نهاية له من كشوفات العرفان وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.

وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بالتثبيت فيما هو حاصل ، والإرشاد فيما ليس بحاصل ..

البحر المديد ج1 ص61

* قلت صاحب الموضوع شارحا كلام الشيخ أبو العباس رحمه الله :

أي ثبتنا على درجة الهداية التي نحن علينا .. وارتقي بنا إلى الدرجة التي تليها فثبتنا عليها .. ثم ارتقي بنا إلى الدرجة التي تليها .. وهكذا ..

والله أعلم .

* قال الإمام القشيري رحمه الله :

والمؤمنون على الهداية في الحال- فمعنى السؤال الاستدامة والاستزادة . والصراط المستقيم الطريق الحق وهو ما عليه أهل التوحيد . ومعنى اهدنا أي مل بنا إليك ، وخذنا لك ، وكن علينا دليلنا ، ويسّر إليك سبيلنا ، وأقم لنا هممنا ، واجمع بك همومنا.

تفسير القشيري ج1 ص49

* قلت صاحب الموضوع شارحا كلام الإمام القشيري رحمه الله :

خذنا من أنفسنا إلى مرادك فينا بالعمل لك .. وكن مستوليا علينا بإرشادك لنا .. ويسر لنا الطريق إليك .. وأدم لنا الهمة في مرضاتك .. واجعل كل ما يشغلنا هو أنت لا غيرك .

والله أعلم .

****************************************

..:: لماذا اختلف العلماء في مفهوم الصراط في الفاتحة ؟ ::..

..:: كيف يكون الصراط هو القرآن والسابقين لم يعلموا بالقرآن ؟ ::..

أغلب كلام العلماء أن المقصود من الصراط ينحصر بين ثلاثة أقوال ( هو القرآن أو النبي أو الإسلام أو كل ما سبق .. (وهذه هي مجمل الأقوال عليها غالب المفسرين رحمهم الله) .. وقد جمعها الشيخ طنطاوي رحمه الله .. فنذكرها منه ..

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

والذي نراه : أن أجمع الأقوال في ذلك أن المراد بالصراط المستقيم ، هو ما جاء به الإسلام من عقائد وآداب وأحكام ، توصل الناس متى اتبعوها إلى سعادة الدنيا والآخرة ، فإن طريق السلام هو الطريق الذي ختم الله به الرسالات السماوية ، وجعل القرآن دستوره الشامل، ووكل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر تبليغه وبيانه.

* وقد ورد في الأحاديث النبوية ما يؤيد هذا القول ، ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن النواس بن سمعان ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، وداع يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال له : ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه ، فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلّم » .

والمراد بقوله- تعالى- (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أى: ثبتنا عليه، واجعلنا من المداومين على السير في سبيله ، فإن العبد مفتقر إلى الله في كل وقت لكي يثبته على الهداية ، ويزيده منها ، ويعينه عليها . وقد أمر سبحانه المؤمنين أن يقولوا: (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).

التفسير الوسيط ج1 ص25

* قلت صاحب الموضوع .. تعليقا على الرأي السابق :

ولكن الإمام الفخر الرازي اعترض على مثل هذا التفسير .. وقال لا يصح ذلك .. لأنه لو كان الصراط هو القرآن أو الشريعة أو غير ذك .. فكيف نطلب مثل صراط الذين أنعمت عليهم .. وهم لم يعرفوا القرآن ولا النبي ؟!!

* قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

قَالَ بَعْضُهُمْ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: الْإِسْلَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقُرْآنُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لأن قَوْلَهُ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بَدَلٌ مِنَ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ التَّقْدِيرُ : اهْدِنَا صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ ..

وَمَنْ تَقَدَّمَنَا مِنَ الْأُمَمِ .. مَا كَانَ لَهُمُ الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ .. !!

وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ اهْدِنَا صِرَاطَ الْمُحِقِّينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْجَنَّةِ ..

التفسير الكبير ج1 ص219

* قلت صاحب الموضوع :

والحقيقة أن كلا الطرفين على حق .. ولكن عموم المفسرين نظروا لكلمة الصراط .. والإمام الفخر الرازي نظر للمُنعم عليهم .. وسأشرح كيف نجمع بين آراء الجميع ..

* ولكن أجيب على اعتراض الإمام الفخر الرازي أولا ..

********************************

..:: تعليق على رأي الإمام الفخر الرازي رحمه الله ::..

* تعليق من صاحب الموضوع على كلام الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

بالرغم من صحة كلام الإمام الرازي رحمه الله .. لكنه نظر في اعتراضه .. للمنعم عليهم دون أن يُحقق ماهية الصراط ..!! حيث لم يشرح في اعتراضه ما هو هذا الصراط سوى بقول "صراط المستحقين" .. ؟!!

تنبيه : على أن الإمام الفخر .. يذكر أن الصراط المستقيم هو القرآن والسنة في مواطن كثيرة من تفسيره .. (ولكنه استشكل عليه الأمر هنا فقط .. وأوضح سبب استشكاله رضي الله عنه .. ومعه فيه شيء من الحق ..!!) ..

* لكن لو تأملنا اعتراض الإمام الفخر .. فسنجد أنه ليس استشكالا .. لماذا ؟

لأنه لو كان اعتراضه على أن الإسلام لم يعرفه السابقين .. فهذا كلام غير منضبط .. ليه ؟

لأن الإسلام هو دين كل زمان ومكان .. فسيدنا نوح قال (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس72 - ، ويخبرنا تعالى عن سيدنا ابراهيم ( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ) الحج78 - ،  وقال تعالى عن بيت آل لوط ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ) الذاريات36 ..

* ولكنه في السابق كان يطرأ على الدين التحريف والتبديل والتغيير عليه بانحراف النفوس واتباع الشهوات لعدم وجود المنهج المحفوظ بحفظ الله (مثل القرآن) .. فيرسل الله للناس من يجدد أمر الدين .. حتى كان النبي الخاتم للإسلام ولا نبي بعده .. وإنما يأتي بعده دعاة إلى هذا الدين القويم ..  ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت33

* إذن فالإسلام دين كل زمان ومكان .. ولكن تم ختام واكتمال هذا الدين برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم .. فكأن الصراط المستقيم بات واضحا في شريعة الإسلام (قرآن وسنة) .. حيث أن ما سبقه قد طاله التحريف والتزييف .. 

* فثبت بذلك أن المقصد من طلب لهداية للصراط هو صراط الله ( قرآن وسنة) أي التحقيق بالإسلام ..!!

لأن الصراط الحق هو صراط الله المرسل به نبي الإسلام .. 

فالقرآن يتحدث عن الصراط المستقيم وقت نزوله .. وليس عما مضى ..!!

* ولكن يتبقى جزئية .. وهي لماذا جعلنا الله نطلب أن يهدينا صراط المُنعم عليهم ( ومنهم السابقين على الإسلام) ؟!!

فكان يكفي أن يقول (اهدنا الصراط المستقيم) .. وكنا سنفهم ؟!!

وذلك لسببين :

الأول : حتى تعلم أن الصراط المستقيم هو منهج الصادقين في كل زمان ومكان .. وأهل الصراط المستقيم كان دينهم الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) آل عمران19 - ، باختلاف شريعتهم ومنهجهم (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) المائدة48 ..

الثاني : أنه يريد أن يجعلك تنتبه لشيء مهم جدا .. فما هو ؟

أن الهداية للصراط .. هي نعمة ، .. وقبول العمل بهذا الصراط هي نعمة أخرى .. فهناك نعمتان في الآيتين (اهدنا الصراط المستقيم) . (صراط الذين أنعمت عليهم) .. نعمة العمل بالمنهج .. ونعمة قبول هذا العمل ..

وإليك البيان والتفصيل ..

*******************************

..:: لا تحرم نفسك من طلب كمال النعمة في العمل ؟ ::..

( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم)

التوفيق للعمل + قبول هذا العمل

* قلت صاحب الموضوع :

وجهة نظري أن الدعاء يشمل طلب نعمتين لا نعمة واحدة ..

فحينما نقول اهدنا : أي ارشدنا ووفقنا إلى العمل بالمنهج وحققنا به ..

وحينما نقول صراط الذين أنعمت عليهم : أي حققنا في عملنا كما حققت هؤلاء بمنهجك بما جعلهم أهلا للقبول لديك .

* فهنا نعمتان :

1- نعمة التوفيق للعمل كما يرضي الله ..

2- ونعمة قبول العمل برحمة الله ..

* فقد تعمل أعمالا طيبة ظاهرها الصراط المستقيم .. ولكن في حقيقتها أنها رياء وعُجب ..!!

* وقد تعمل أعمالا طيبة .. وأنت تبتغي فعلا مرضاة الله بقدر استطاعتك .. ولكن قد لا يقبلها الله .. لوجود النقص فيها لأنك مخلوق ناقص أصلا وبالتالي لن يصل عملك إلى الكمال المطلوب .. ولكن الله يجبرها برحمته فيقبلها منك ..

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ"، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لا، وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ ) .. لماذا شرح النبي هذه الحقيقة ؟

لأنه مهما كنت مجتهدا ومخلصا .. فأنت ناقصا .. وحتى تعمل أعمالا تليق بالكامل سبحانه .. فهو أمر مستحيل تحقيقه .. ولذلك هو سبحانه يجبر النقص والخلل فيك برحمة منه وفضلا ..

* ولذلك نحن نطلب من الله أن نسلك مسلك من أدخلهم في رحمته ، وقَبِل منهم أعمالهم برحمة منه وفضلا ..

* ولذلك نطلب منه نعمتان نعمة التوفيق للعمل بالمنهج ونعمة القبول للعمل كما قبلها ممن سبقنا .. رحمة منه وفضلا ..

والله أعلم .

* ولذلك نجمع الآراء التفسيرية .. فنأخذ من الرأي الغالب في التفسير .. ان الصراط هو (دين الإسلام الخاتم) .. وارزقنا نعمة قبول الإيمان والأعمال كما قبلتها من أهل كل زمان ومكان آمنوا بالله ورسله .. 

* وطالما الحق سبحانه وتعالى قال (اهدنا الصراط المستقيم) .. فهو قد أجمل لك طلب الفضل في اتباع المنهج كله (قرآن وسنة) لأنه لم يعد هناك صراط مستقيم غير صراط النبي الذي هو صراط الله ..

ثم أخبرك أن تطلب منه أن يقبلك قبول المؤمنين في كل زمان ..  (صراط الذين أنعمت عليهم) .. فهو لم يخصص لك الذين أنعم عليهم في أي دين .. فدخل في ذلك كل المؤمنين الذين قبلهم الله برحمته فضله من كل زمان ومكان ..

* وبهذا نستطيع أن نجمع بين كلام المفسرين رضوان الله عليهم من كل الزوايا ..

والله أعلم .

************************************

:: الفصل الثاني ::

**********************

(كلام من نور)

..:: قالوا عن الصراط المستقيم ::..

* قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

وَذَلِكَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُعْرِضًا عَمَّا سِوَى اللَّهِ مُقْبِلًا بِكُلِّيَّةِ قَلْبِهِ وَفِكْرِهِ وَذِكْرِهِ عَلَى اللَّهِ .

التفسير الكبير ج1 ص218

فَالْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي هُوَ الْوَسَطُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي كُلِّ الْأَخْلَاقِ وَفِي كُلِّ الْأَعْمَالِ .

التفسير الكبير ج1 ص218

أَنَّ ذَلِكَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَصَفَهُ بِصِفَتَيْنِ أُولَاهُمَا إِيجَابِيَّةٌ ، وَالْأُخْرَى سَلْبِيَّةٌ ..

أَمَّا الْإِيجَابِيَّةُ فَكَوْنُ ذَلِكَ الصِّرَاطِ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ..

وَأَمَّا السَّلْبِيَّةُ فَهِيَ أَنْ تَكُونَ بِخِلَافِ صِرَاطِ الَّذِينَ فَسَدَتْ قُوَاهُمُ الْعَمَلِيَّةُ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ حَتَّى اسْتَوْجَبُوا غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَبِخِلَافِ صِرَاطِ الَّذِينَ فَسَدَتْ قُوَاهُمُ النَّظَرِيَّةُ حَتَّى ضَلُّوا عَنِ الْعَقَائِدِ الْحَقِّيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْيَقِينِيَّةِ.

التفسير الكبير ج1 ص164

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَالصِّرَاطُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي يَبْلُغُ بِهِ مُدْرِكُهُ إِلَى الْفَوْزِ بِرِضَاءِ اللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَوْزَ هُوَ الَّذِي جَاءَ الْإِسْلَامُ بِطَلَبِهِ.

وَالْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا تَعَارِيجَ ، وَأَحْسَنُ الطُّرُقِ الَّذِي يَكُونُ مُسْتَقِيمًا وَهُوَ الْجَادَّةُ لِأَنَّهُ بِاسْتِقَامَتِهِ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَضِلُّ فِيهِ سَالِكُهُ وَلَا يَتَرَدَّدُ وَلَا يَتَحَيَّرُ.

وَالْمُسْتَقِيمُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْحَقِّ الْبَيِّنِ الَّذِي لَا تَخْلِطُهُ شُبْهَةُ بَاطِلٍ .

التحرير والتنوير ج1 ص191 .. مختصرا

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

الحق سبحانه وتعالى يقول: (اهدنا الصراط المستقيم) ما هو الصراط ؟ . .

إنه الطريق الموصلة الى الغاية .

ولماذا نص على أنه الصراط المستقيم ؟

لأن الله سبحانه وتعالى وضع لنا في منهجه الطريق المستقيم .. وهو أقصر الطرق الى تحقيق الغاية .. فأقصر طريق بين نقطتين هو الطريق المستقيم . ولذلك إذا كنت تقصد مكانا فأقصر طريق تسلكه هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه ولكنه مستقيم تماما ..

* ولذلك فإن الدعاء: (اهدنا الصراط المستقيم) أي الطريق الذي ليس فيه إعوجاج ولو بضعة ملليمترات .. الطريق الذي ليس فيه مخالفة تبعدنا عن طريق الله المستقيم.

* لذلك فإن الانسان المؤمن يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهديه الى أقصر الطرق للوصول الى الغاية .. وما هي الغاية ؟

إنها الجنة والنعيم في الآخرة ..

* ولذلك نقول يا رب اهدنا وأعنا على أن نسلك الطريق المستقيم وهو طريق المنهج ليوصلنا الي الجنة دون أن يكون فيه أي اعوجاج يبعدنا عنها .

ولقد قال الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي . انه اذا قال العبد: (اهدنا الصراط المستقيم) يقول جل جلاله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .

تفسير الشعراوي ج1 ص87 .. مختصرا .

* قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :

فَمَعْنَى " (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) دُلَّنَا دَلَالَةً تَصْحَبُهَا مَعُونَةٌ غَيْبِيَّةٌ مِنْ لَدُنْكَ تَحَفَظُنَا بِهَا مِنَ الضَّلَالِ وَالْخَطَأِ، وَمَا كَانَ هَذَا أَوَّلَ دُعَاءٍ عَلَّمَنَا اللهُ إِيَّاهُ ، إِلَّا لِأَنَّ حَاجَتَنَا إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِنَا إِلَى كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ .

تفسير المنار ج1 ص54

*****************************************

(كلام من القلب) 

..:: إذا أردت المعونة الإلهية فاستمدها بطلب الصراط المستقيم !! ::..

وإياك أن تعتقد في نفسك أو تحسن الظن بنفسك !!

* قال الشيخ اسماعيل حقي النازلي رحمه الله :

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بيان المعونة المطلوبة كأنه قيل كيف أعينك فقالوا (اهدنا الصراط المستقيم) ..

وأيضا ان التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية .. قال في التيسير : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) اظهار التوحيد (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) طلب العون عليه ..

* وقوله (اهْدِنَا) لسؤال الثبات على دينه وهو تحقيق عبادته واستعانته .. وذلك لان الثبات على الهداية أهم الحاجات إذ هو الذي سأله الأنبياء والأولياء كما قال يوسف عليه السلام (توفَّنى مسلما) ، وسحرة فرعون (توفَّنا مسلمين) ، والصحابة (وتوفَّنا مع الأبرار) ..

* وذلك لأنه لا ينبغى أن يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير في المآل كما لابليس وبرصيصا وبلعم بن باعورا ..

* وفي تفسير القاضي : إذا قاله العارف الواصل الى الله .. عَنِىَ به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا وتميط غواشي أبداننا لنستضىء بنور قدسك فنراك بنورك .

روح البيان1/20

*****************************

(كلام من القلب) 

..:: الصراط المستقيم جامع بين الشريعة والحقيقة !! ::..

( وما هي الشريعة والحقيقة عند العارفين ؟)

* قال الشيخ بن عجيبة رحمه الله :

( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )

قلت: الهدايةُ في الأصل : الدلالة بلطف ، ولذلك تُستعمل في الخير، وقوله: (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) على التهكم ، والفعل منه (هَدَى) بالفتح، وأصله أن يُعدى باللام ، أو «إلى» ، فَعْومل هنا معاملة : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) .

* والصراط لغة : الطريق .. مشتق من سَرَط الطعامَ إذا ابتلعه ، فكأنها تبتلع السابلةَ أي المارَّة به ، وَقُلِبَتْ السين صاداً لتطابق الطاء في الإطباق ، وقد تُشَمُّ زاياً لقرب المَخرج ..

و (المستقيم) : الذي لا عوج فيه ، والمراد به طريق الحق المُوصَّلة إلى الله .

يقول الحق جلّ جلاله: معلما لعباده كيف يطلبونه ، وما ينبغي لهم أن يطلبوا .. أي: قُولوا (اهدنا) أي: أَرشِدْنا إلى الطريق المستقيم ، الموصلة إلى حضرة النعيم ..

* والطريقُ المستقيم : هو السيرُ على الشريعة المحمدية في الظاهر ، والتبرِّي من الحول والقوة في الباطن ، أو تقول: هو أن يكون ظاهرُك شريعةً وباطنك حقيقة ، ظاهرك عبودية وباطنك حرية ، الفرق على ظاهرك موجود والجمع في باطنك مشهود ..

وفي الحكم: «متى جَعَلَك في الظاهر ممتثلاً لأمره وفي الباطن مستسلماً لقهره، فقد أعظم المِنَّة عليك» .

* فالصراط المستقيم الذي أمرَنَا الحقُّ بطلبه هو: الجمع بين الشريعة والحقيقة ، والمفهوم من قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، ولذلك وصلَه به ، فكأن الحق- سبحانه- يقول: يا عبادي احمدوني ومجدوني وأفردوني بالقصد وخُصُّوني بالعبادة ، وكونوا في ظاهركم مشتغلين بعبادتي ، وفي باطنكم مستعينين بحولي وقوتي ، أو كونوا في ظاهركم متأدبين بخدمتي ، وفي باطنكم مشاهدين لقدرتي وعظمة ربوبيتي .

* وقال سيدنا علي- كَرَّمَ الله وجهه-: (الصراط المستقيم هنا القرآن) . وقال جابر رضي الله عنه: (هو الإسلام) يعني الحنيفية السمحاء، وقال سهل بن عبد الله: (هو طريق محمد صلى الله عليه وسلّم) . يعني اتباعَ ما جاء به.

* وحاصله ما تقدم من إصلاح الظاهر بالشريعة والباطن بالحقيقة، فهذا هو الطريق المستقيم الذي من سلكه كان من الواصلين المقربين مع النبيين والصدِّيقين.

البحر المديد ج1 ص61-62

***********************************

 (كلام من القلب) 

..:: الصراط المستقيم .. محو الأغيار طلبا للقرب والوصال ::..

* قال الإمام القشيري رحمه الله :

( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )

الهداية الإرشاد ، وأصلها الإمالة ، والمهدىّ من عرف الحق سبحانه ، وآثر رضاه ، وآمن به . والأمر في هذه الآية مضمر فمعناه : اهدنا بنا - والمؤمنون على الهداية في الحال - فمعنى السؤال الاستدامة والاستزادة .

* والصراط المستقيم الطريق الحق وهو ما عليه أهل التوحيد. ومعنى اهدنا أي مل بنا إليك ، وخذنا لك ، وكن علينا دليلنا ، ويسّر إليك سبيلنا ، وأقم لنا هممنا، واجمع بك همومنا .

[فصل] اقطع أسرارنا عن شهود الأغيار، ولوّح في قلوبنا طوالع الأنوار، وأفرد صمودنا إليك عن دنس الآثار ، ورقّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جمع ساحات القرب والوصال .

[فصل] حل بيننا وبين مساكنة الأمثال والأشكال ، بما تلاطفنا به من وجود الوصال ، وتكاشفنا به من شهود الجلال والجمال .

[فصل] أرشدنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات ، ويقع على وجه التوحيد غبار الظنون وحسبان الإعلال .

تفسير القشيري ج1 ص49

* شرح لكلام الإمام القشيري رحمه الله :

اهدنا بنا : «أي مل بنا إليك» .. وهو ما أثبته الإمام بعد ذلك .. على أساس أن من معنى الهداية هو "الميل إلى" ..

ولعل في كتابة الجملة تحريف سهوا من الناسخ وأصلها هو " اهدنا بك " .. والله اعلم .

* الأغيار : هو كل غير الله من الموجودات .. والمقصد هو أن لا نلتفت إلى غير الله مهما حدث .. حتى لا ننشغل بغيره ..

* أفرد صمودنا إليك عن دنس الآثار : أي خلِّي قصدنا إليك من طلب الأغيار .. ومعناه اجعل توجهنا إليك خالصا لوجهك الكريم .. وليس طمعا في العطاءات التي تحجبنا عنك ..

* رقنا عن منازل الطلب والاستدلال : أي سكن قلوبنا وعقولنا وأرواحنا عن التيه في دوام الطلب لك .. واجعلنا مطلوبين لساحات القرب منك .. وذلك بالحضور الدائم بين يديك ..

* حل بيننا وبين مساكنة الأشكال والأمثال : أي باعد بيننا وبين التعلق بالموجودات الظاهرة "الأشكال" والروحية "من عالم المثال" .. وذلك بدوام الوصال بقلوبنا في حضرتك .. وبما تكاشفنا به من شهود تجلي صفات الجلال والجمال .. فتكون مشهودنا على الدوام فلا نلتفت لغيرك ولا ننشغل بسواك ..

* أرشدنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات : ارشدنا بالحق في قلوبنا بصدق التوكل عليك حتى لا نتكل على مجهودنا وآلاتنا ومن وليتهم أمرنا .. فإننا لو فعلنا ذلك نكون قد أسأنا في توحيدنا لك برؤيتنا بوجود فاعل غيرك بسبب إلتفاتنا إلى عالم الأسباب .. دون رؤية الفاعل الحقيقي الذي هو أنت ..!!

والله أعلم بمراد الشيخ .

* قال الإمام القشيري رحمه الله :

* «اهدنا الصراط المستقيم» أي : أزل عنّا ظلمات أحوالنا لنستضىء بأنوار قدسك عن التفيؤ بظلال طلبنا ، وارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك ، فنجدك بك .

[فصل] اهدنا الصراط المستقيم حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان ووساوسه ، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها ..

[فصل] الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل ، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل .

الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد ، ونبهت عليه شواهد التحقيق .

الصراط المستقيم ما درج عليه سلف الأمة ، ونطقت بصوابه دلائل العبرة .

الصراط المستقيم ما باين الحظوظ سالكه ، وفارق الحقوق قاصده .

تفسير القشيري ج1 ص50 ..

* شرح لكلام الإمام القشيري رحمه الله :

* أزل عنّا ظلمات أحوالنا لنستضىء بأنوار قدسك عن التفيؤ بظلال طلبنا : ارفع عنا ظلمة الوجود من قلوبنا حتى نرى بنورك .. بدلا من التخبط في طلبنا لك لقلة معرفتنا وجهلنا بك .. فكيف يدرك الناقص الكامل مهما اجتهد في طلبه ؟

* وارفع عنا ظل جهدنا (ارفع عنا حجاب رؤية أننا نعمل لك) لنستبصر بنجوم جودك (فنرى بفضل نورك علينا ظاهرا وباطنا) ، فنجدك بك ( فنتحقق بحقيقة أنك أنت مرشدنا إليك ودليلنا عليك) .

* دلائل التوحيد : كل ما هو ظاهر

شواهد التحقيق : كل ما هو باطن

* دلائل العَبْرَة : ينتج عن اتباع الصراط وجود الدمع في العين .. نتيجة الخوف والوجل والخشية من الله .. فهذا يدل على صدق اتباعك للصراط .. لظهور آثار الإتباع عليك ..

* باين الحظوظ سالكه : اي السالك للصراط يخالف حظوظ نفسه  الحقوق قاصده : اي القاصد للصراط .. يرد الحقوق لأصحابها عملا وعدلا ..

والله أعلم بمراد الشيخ .

************************************

(كلام من القلب)

:: الصراط المستقيم .. افتقار إلى الله وإعراض عما سواه ::..

* قال الإمام جعفر الصادق رحمه الله ..

1- الصراط المستقيم : هو طريق من القلب إلى الله بالإعراض عما سواه ..

2- من افتقر إلى الله عن جميع ما سواه وليس في سره سوى الله ، فقد هُدي إلى صراط مستقيم .

راجع موسوعة الكسنزان ص178 ، ص 181

* قال الشيخ عبد الرحمن السلمي رحمه الله :

قيل معناه : مِلّ بقلوبنا إليك وأقم بهممنا بين يديك وكن دليلنا منك إليك ؛ حتى لا ينقطع عما بك لك .

حُكي عن أبي عثمان في قوله : (اهدنا الصراط المستقيم) أي : أرشدنا لاستعمال  السنن في أداء فرائضك .

وقيل : (اهدنا الصراط المستقيم) لنستعين بهدايتك على الشيطان ، فإنه قال : ! ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) ! . 

 

وقيل : (اهدنا الصراط المستقيم) وهو الافتقار إليك .. كما قيل لأبي حفص النيسابوري رحمه الله : فإذاً تقدم على ربك ، قال : وما للفقير أن يقدم به على الغنى سوى فقره .

وقال سهل بن عبد الله : أرشدنا بمعونتك الطريق إليك . قيل أليس قد هداه الصراط المستقيم حتى صلى وسأل فقال : إنما سأل الله زيادة  هدى ، كما قال الله تعالى : ! ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) ! بسؤالهم (اهدنا الصراط المستقيم) .

تفسير السلمي ج1 ص41 .. مختصرا

**********************************

(كلام من القلب)

..:: الصراط المستقيم .. لا يطلبه إلا أهل الأدب في حضرة الله ::..

* يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :

" من طلب أن يكون من أهل الأدب مع الأئمة المجتهدين : فليدخل طريق الفقراء بذل وانكسار وتسليم وانقياد كأنه أعمى مقاد ، ويترك الجدال ، وينعزل بباطنه عن الخلق ، ويقوي همته بالتوجه إلى الحق ، ويكثر من سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم في ظلمات الليالي بأن الله يرزقه الأدب والتسليم "

موسوعة الكسنزان ج1 ص141

* يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي :

" علامة العبد الأديب : أن يستمر على الطاعة في باب مولاه ، ولا ينظر إلى شيء سواه لا إلى الجنة ولا إلى النار . فإذا جرد عمله وتوحيده عن الأغراض فقد استقام واتخذ الصراط المستقيم مذهباً "

موسوعة الكسنزان ج1 ص147

* يقول الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي :

" أسلم الطرق : وهو الرضا بمجاري القدرة ، وهو الصراط المستقيم

موسوعة الكسنزان 13/186

******************************

* قلت صاحب الموضوع .. انتبه : 

حيث أن بعض إشارات العارفين ليست تفسير للصراط .. وإنما توصيف لحال سالكي الصراط الذي هو (القرآن والسنة) ..

* فالذي ذكره الإمام جعفر الصادق أو الشعراني أو السلمي أو اسماعيل حقي أو بعض ما قال الإمام القشيري أو بعض ما قاله الشيخ بن عجيبة أوغيرهم من العارفين ممن سبق ذكرهم  ..

كان مقصدهم هو توضيح أو توصيف لحال المريد الصادق الذي يريد سلوك الصراط .. أي الصادق في اتباعة للقرآن والسنة .

* وإنما تفسير الصراط .. قد أوضحناه في بداية الموضوع .. وهو اتباع صراط الله (القرآن وسنة النبي) ..!!

****************************

:: الفصل الثالث ::

**********************

(اهدنا الصراط المستقيم)

..:: لماذا قال الصراط ولم يقل الطريق او السبيل ؟ ::..

* قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

وَإِنَّمَا قَالَ الصِّرَاطَ وَلَمْ يَقُلِ السَّبِيلَ وَلَا الطَّرِيقَ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ وَاحِدًا لِيَكُونَ لَفْظُ الصِّرَاطِ مُذَكِّرًا لِصِرَاطِ جَهَنَّمَ فَيَكُونُ الْإِنْسَانُ عَلَى مَزِيدِ خَوْفٍ وَخَشْيَةٍ.

التفسير الكبير ج1 ص219

* قلت صاحب الموضوع :

طلب منا ان نسأله (الصراط) .. لأن الله أرشدنا إلى أن ندعو طلبا للتحقيق الكلي بالمنهج والتوفيق فيه .. وليس مجرد إرشاد للمنهج أو الإيمان بالمنهج فقط .. بل تحقيقا عمليا ليتطابق مع الإيمان .. ولذلك جاءت كلمة الصراط .. جامعة لكل ألفاظ المسالك التي يتم سلوكها على الصراط ..

* وقد ذكرنا في رسالة سابقة الفرق بين (الطريق والسبيل والصراط) .. وأن هناك سُبل متعددة لله على هذا الصراط .. فأراد الله لك أن تدعوه ليحققك بكل هذه السبل .. ليرتقي بك ويقبلك في معية المنعم عليهم ..

وارجع إلى رسالة التحقيق للمزيد من التفصيل .. فارجع إليها .. 

***************************

..:: لماذا قال (اهدنا الصراط) .. ولم يقل إلى الصراط أو للصراط ؟ ::..

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ) إن هَدَى تتعدى ب "إلى وباللام" كقوله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)، وكقوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ)، وقوله تعالى: (هدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، وقوله تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقرآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ. . .).

ولكن هنا لم يتعلَّق قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) بـ " اللام " ولا بـ " إلى "، ولذلك حكمة بيانية ، وذلك أنها تضمنت معنى الهداية باختيار خير عاقبة ، فتضمنت الهداية معنى الاختيار ، ويكون المعنى اهدنا مختارًا لنا في هدايتك الصراط المستقيم. و " اختار " تتعدى بنفسها من غير أداة جر كما قال: (وَاخْتَارَ موسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا).

زهرة التفاسير ج1 ص68

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَقِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْهِدَايَةِ لِمَنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ لِيَزْدَادَ هُدًى وَمَصْدَرُهُ حِينَئِذٍ الْهِدَايَةُ ..، وَأَمَّا هَدَاهُ إِلَى كَذَا أَوْ لِكَذَا فَيُسْتَعْمَلُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ سَائِرًا فِي الطَّرِيقِ وَمَصْدَرُهُ هُدًى .

التحرير والتنوير ج1 ص187

* يقول الشيخ نجم الدين داية :

" ان الهداية إلى الصراط من المكاسب ، وهداية الصراط من المواهب " .

موسوعة الكسنزان ص112 ج20

* قلت صاحب الموضوع تعليقا على كلام الشيخ نجم الدين :
يقصد ان طلب الإرشاد إلى الصراط يأتي بالبحث والعمل .. ولكن التحقيق بهذا العمل على الصراط فهو لا يكون إلا بهبة من الله .. فألحوا بالدعاء له ليمنحكم ذلك .. ولذلك جعلها المولى خصوصية طلب منه .. حيث أنه لا حيلة في المواهب ..!!
وراجع كلام الإمام الشعراني قبل قليل .. حيث جعل فيما معنى كلامه .. أن التوسل لله طلبا للصراط المستقيم هو من خصوصيات أهل الله .. 
والله أعلم بمراد الشيخ ..

* قلت صاحب الموضوع :
في معرفة الفرق بين اهدنا الصراط .. وحذف (إلى) ؟

لو قال لك " اهدنا الى " .. لفهمت ان الدعاء للتوجيه فقط ..

ولكن حذف حرف "إلى" .. حتى يكون طلبك هو التحقيق بالصراط وليس مجرد التوجيه إليه ..

والله أعلم .

************************************

..:: لماذا قال الصراط ولم يقل صراط أو صراطك ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع :

* قال الصراط بالألف واللام : لشمولية الهداية في كل سبيل يسلكه على الصراط مع مولاه بلا إفراط ولا تفريط .. ظاهرا وباطنا ..

وكأن الله يطلب منا أن يحيطنا بصراط الكمالات ظاهرا وباطنا مثلما أنعم به على الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ..

وفي التعريف لكلمة الصراط إشارة واضحة لوجوب التحقق باتباع النورين (نور القرآن ونور النبي) .. فكلاهما وصف بالصراط في القرآن ..

والله أعلم .

* وفي قولة تعالى ( وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الحج54 .. جاء بلفظ صراط بدون تعريف "الألف واللام" .. لوجود اسم الله مسبقا عليه .. ولأن التنوين يفيد التعظيم والتفخيم من شأن الصراط .. فأغنى عن التعريف .. كأنه يقول يهدي إلى صراط حميدا سويا مستقيما .. لأنه صراط الله ..

* ولم يقل صراط (في الفاتحة) : حتى تطلب دوام النعمة عليك من مولاك في كل سبيل تسلكه معه .. وليس سبيل واحد فقط .. وإنما أنت تطلب دوام المعية مع مولاك في كل لحظاتك حتى لا تغفل عنه أبدا .. فتعيش آمنا في سبل السلام بدوام معيتك مع مولاك .

* ولم يقل صراطك :

حتى لا تظن أن هناك صراط لله غير مستقيم .. فتظن أن غير الصراط المستقيم هو لله أيضا ..!!

والله أعلم .

**********************************

..:: خاطر حول اسم "الله" في سورة الفاتحة ::..

* حينما نجد اسم "الله" في أي آيه .. فهذا يكون إعلام لك واستشعار بحضور الجلال الإلهي في الأمر وهذا أمر في حد ذاته يدعو للخوف والرجاء معا .. لجمعية هذا الإسم لمظاهر الجمال والجلال ..

* وحينما تدعو باسم (الله) .. طالبا منه النصر .. فهذا يعني أنك طلبت القهر على الأعداء واللطف بك .. ولكن لو كنت ظالم في دعاءك فاحذر أن ينقلب عليك !!

* ولذلك في البسملة حينما جاء باسم الله .. أعقبها بالرحمن والرحيم .. حتى تطمئن أن فعله معك بالرحمانية والرحيمية وليس بالقهرية ولا الإنتقامية .. فتهدأ نفسك وتطمئن وتستطيع أن تعمل مع الله .. !!

أي أنه ينظر إليك بعين الجمال والرحمة طالما طلبته بصدق توجه وابتغاء مرضاته ..

* وكأن النفوس تسأل بعد "بسم الله" .. بأي تجلي سيتفضل علينا مولانا (بالجلال أم الجمال) ؟ 

فأجابهم مولاهم مطمئنهم : سأتجلى عليكم بجمالي من فضل اسمي (الرحمن الرحيم) .. فاحمدوني على هذه النعمة واعلموا أني رب العالمين ....

وطالما صفتي هي الربوبية فهذا معناه أني أرزق المؤمن والكافر والمطيع والجاحد وما تعلمون وما لا تعلمون .. فلا تقولوا لماذا يرزق الكافر ؟!! .. لأن الربوبية تقتضي رزق جميع الخلق ..

والله أعلم .

************************************

:: الفصل الرابع ::

**********************

..:: صراط المنعم عليهم ::

يتبع إن شاء الله تعالى

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..