رسالة الخاطر في جبر الخواطر - تعريف لجبر الخاطر - الله يجبر بخاطر نبيه - الله يجبر خاطر المؤمن في حياته ومماته وقيامته - الله يأمر النبي بجبر الخواطر - الله يأمر المؤمنين بجبر الخواطر - النبي يحرك المؤمنين لجبر الخواطر - النبي يجبر بالخواطر - عشان ربنا يجبر بخاطرك يبقى اجبر بخاطر الناس من حولك - حسن الختام مع سيد الأنام - قصة النبي والصغير والعصفور ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

( الخاطر في جبر الخواطر )

(المواساة بكل أنواعها هي جبر للخواطر)

* فهرس :

1- ما معنى كلمات "جبر الخواطر" ؟

2- تعريف لجبر الخاطر ؟

3- ما فائدة جبر الخاطر ؟

4- الصدقة أعظم مثال لجبر الخاطر ؟

5- اسم الله " الجبار " ؟

6- هل يوجد من دعاء النبي طلب لجبر الخاطر ؟

:: الفصل الثاني :: نماذج لجبر الخواطر في القرآن والحديث ::

7- أولا - الله يجبر بخاطر نبيه ؟

8- ثانيا - الله يجبر بخاطر المؤمن في حياته ؟

9- ثالثا - الله يجبر بخاطر المؤمن في مماته ؟

10- رابعا - الله يجبر بخاطر المؤمن يوم القيامة ؟

:: الفصل الثالث ::

11- خامسا - الله يأمر النبي بجبر الخواطر ؟

12- سادسا - الله يأمر المؤمنين بجبر الخواطر ؟

13- سابعا - النبي يحرك المؤمنين لجبر الخواطر ؟

14- ثامنا - النبي يجبر بالخواطر ؟

:: الفصل الرابع - والأخير ::

15- اجبر الخواطر .. عشان ربنا يجبر بخاطرك ؟

16- حسن الختام مع سيد الأنام - قصة النبي والصغير والعصفور ؟

 ********************************

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. مع رسالة تحمل موضوع لطيف .. وخفيف .. ويحمل معاني إنسانية جميلة .. وهو خاص بعلاقتنا مع الآخرين .. وهو ما نسميه "جبر الخواطر" .. وأحسب أنه لم يدون مثل هذه الرسالة من قبل .. والله اعلم .

* تعالوا معي نرى هل يوجد شيء في دينا عن علاقة "جبر الخواطر" .. أم كما زعم البعض قولا باطلا : فقال لا يوجد شيء كهذا في الدين ..!!

تعالوا نشوف ..

* وعموما هذا الموضوع كله من وجهة نظري الخاصة .. بما فيه من رؤية استدلالية .. والله أعلم بحقائق كلامه وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم .. 

* وأجمل ما في هذه الرسالة هو كان املاء الخاطر بما لم ينقطع لعدة ساعات حتى بعد فترات الصلاة كان يستمر في الإملاء حتى خرجت بهذا الترتيب .. ولذلك أسميته برسالة الخاطر ..

وأرجو من الله لها القبول .. آمين ..

نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

**********************

..:: ما معنى كلمات "جبر الخاطر" ؟ ::..

أولا : معنى كلمة "جبر" ..

أي أصلح وقوَّم وصحَّحَ .. ومنه جبر الكسور الرقمية أي تقريبها وتصحيحها لتصبح واحد صحيح ..

ثانيا : أنواع الجبر ( الإصلاح والتقويم ) ..

جَبَر الأمر : أصلحه بتقويمه ..

جَبَر العظم : أصلحه من كسر فيه ..

جبره في رزقه : عوضه عن خسارته ..

جَبَر القلب : أي واساه في همومه ..

جَبَر اليتيم والسائل : بالإحسان إليه ..

جَبَر الخاطر : أزال انكساره وأرضاه .. سواء بمشاركته همومه أو قضاء حاجته أو مساعدته بما يصلح به خاطره ..

ثانيا : معنى كلمة "خاطر" ..

* والخاطر : يطلق على القلب والنفس مجازا .. وحقيقته هو ما يدور ويشغل بال الإنسان .. ونظرا لأنه قد يكون خاطر بالهم والضيق والحزن .. فيأتي إنسان آخر فيقطع هذا الخاطر بأمر مفرح أو طيب ليخرج به صاحب الخاطر المهموم إلى حالة طيبة مفرحة .. فيخفف عنه شدة الخاطر عليه ..

* أمثلة لجبر الخاطر :

مثل أن يطيب خاطره بكلمة .. أو نكته .. أو خبر سعيد .. أو يسدد عنه دين .. أو يشاركه في همه بأن يخرج ما بداخله .. أو يعينه على قضاء حاجته .. أو يشتري منه شيئا بسيطا مثل الباعة الجائلين نظرا لضيق حالهم طوال اليوم .. أو يبتسم في وجه الناس تطييبا لهم .. أو يشكر عامل على مجهود ولو بسيط فعله ويقول له " الله ينور عليك" ..

*******************************

..:: تعريف لجبر الخاطر ::..

* يبقى لو أردنا تعريف مصطلح "جبر الخاطر" ..:

نقول : هو تصحيح المكسور في نفس الإنسان بطريق الملاطفة والإحسان إليه ..

أو نقول : أن جبر الخواطر .. هي مِرَاضِيَّة النفوس والقلوب بالتخفيف عما يضايقها ..

******************************

..:: ما فائدة جبر الخاطر ؟ ::..

(المواساة لملاطفة القلوب)

1- جبر الخواطر هي رحمه في قلوب العباد .. وبقدر ما تحمل من الرحمة .. بقدر ما يرحمك الله .. قال صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )

2- هو محاولة إعادة السكينة والسلام الداخلي الذي افتقده هذا الشخص نتيجة الانزعاج والهم الذي نزل به ..!!

3- كما تدين تدان .. يعني كما تفعل يُفعل بك .. فاعمل ليوم تريد فيه من يواسيك ويخفف عنك ..!!

***********************

..:: الصدقة أعظم مثال لجبر الخاطر ::..

* ولو انتبهت : ستجد أن الصدقة في الدين الإسلامي .. جاءت لجبر الخواطر .. ابتداء من الإبتسامة وحتى مشاركة الآخر في نصيب من مالك .. !!

قال النبي ( تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ ، وأمرُكَ بالمعروفِ ونَهيُكَ عنِ المنْكرِ صدقةٌ ، وإرشادُكَ الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالِ لَكَ صدقةٌ ، وبصرُكَ للرَّجلِ الرَّديءِ البصرِ لَكَ صدقةٌ ، وإماطتُكَ الحجرَ والشَّوْكَ والعظمَ عنِ الطَّريقِ لَكَ صدقةٌ ، وإفراغُكَ من دلوِكَ في دلوِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ )

* فما أعظم هذا الدين ..؟!

* حتى أن الله نهى عن صدقة الأذى التي فيها كسر الخواطر .. يقول تعالى ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ) البقرة263 ..

* ولذلك القول المعروف والمسامحة .. أفضل من الصدقة التي تذل بها إنسان على أنك أمتننت عليه ..!!

ولذلك قال النبي ( الكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ )

*******************************

..:: اسم الله " الجبار " ::..

* يشير اسم الجبار .. إلى معنيين في اللغة ..

الأول : الذي يضطر الآخرين لفعل ما يريده قهرا ..

الثاني : الذي يصلح أحوال العباد ..

* قال الإمام البيهقي رحمه الله :

«الْجَبَّارُ» فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ جَبْرِ الْكَسْرِ أَيِ الْمُصْلِحُ لِأَحْوَالِ عِبَادِهِ وَالْجَابِرُ لَهَا وَالْمُخْرِجُ لَهُمْ مِمَّا يَسُوءُهُمْ إِلَى مَا يَسُرُّهُمْ , وَمِمَّا يَضُرُّهُمْ إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ .

الاسماء والصفات للبيهقي ص172

* قال الشيخ بن برجان رحمه الله :

ومحصول "الاسم" في المعهود من معناه هو الاجبار والاضطرار ، وفي الحقيقة رد الاشياء بعد تغيرها إلى حالتها المعهودة ..

من ذلك قولهم للجبار العاتي من الملوك ، وفعله الجبرية والجبروت لأنه أجبر الناس عن مرادهم إلى مراده وحكمه ..

* وقولهم : جبرت العظم فجبر لأن ذلك قهر له ..، والجبارة : ما وضع على الكسر لينجبر ..

* وكذلك قولهم جبرت الرجل إذا أحسنت إليه ، وإذا أصرته من حالة الضر إلى الحالة المثلى ..، وأجبرته إذا اضطررته إلى ما لا يريد .

شرح أسماء الله الحسنى – لابن برجان الاندلسي ج1 ص324.. مختصرا .

*******************************

..:: هل يوجد من دعاء النبي طلب لجبر الخاطر ؟ ::..

* نعم جاء في روايتين في الحديث الصحيح حسب علمي .. وكلا الروايتين ترشد لجبر النقص أي إصلاح ما أفسدته النفس أو مرض به القلب .. وكما قلنا ان النفس والقلب يشيرا إلى (الخاطر) على سبيل المجاز في اللغة ..

* الأولى : ( أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يقولُ بين السَّجدتينِ : اللَّهمَّ اغفِر لي ، واجبُرني ، وعافِني ، وارزُقني ، واهدِني .)

* قلت خالد .. ومعنى : "اجبرني" .. أي أصلح بفضلك ورحمتك النقص الذي قد يحدث مني إلى الكمال الذي هو منك .. حتى يكون مقبولا لديك ..

* وقال بعض شراح الحديث أن معنى "اجبرني" : أي اغنيي .. من معنى جبر المصيبة .. أي رَدَّ عَلَيْكَ مَا ذَهَبَ مِنْكَ وَعَوَّضَكَ ..

* قلت خالد : وهذا المعنى الثاني لا يستقيم مع طلبه بعد ذلك الرزق .. !! فكان المعنى الأول هو المطلوب وهو جبر الخلل والنقص في العلاقة مع الله ..

* وكما هو معلوم فإن النبي يعلمنا الأدب في الدعاء إلى الله (لأنه مغفور له ما تقدم وما تأخر من ذنبه) .. فهو وإن كان حاله الشريف مغفورا له .. إلا أنه دائما يلتزم باب الأدب في المعاملة مع الله .. !!

وذلك حتى يعلِّمَك أنه مهما وصلت في العلاقة مع الله .. فلا تفارق باب الأدب أبدا .. وذلك بأن تدعوه دائما بلسان الإحتياج والإنكسار والإتهام لنفسك .. لأن هذا سبب يدعو لقبول الدعاء .. والله أعلم ..

* الثانية : قال أبو أيوب الأنصاري .. ( ما صلَّيْتُ وراءَ نَبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا سمِعْتُه حينَ ينصرِفُ يقولُ : اللَّهمَّ اغفِرْ لي خطايايَ وذُنوبي كلَّها اللَّهمَّ وانعَشْني واجبُرْني واهدِني لصالحِ الأعمالِ والأخلاقِ إنَّه لا يَهدي لصالحِها ولا يصرِفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ )

قلت خالد : معنى "انعشني" .. أي ارتقي بي من حال النقص إلى مراتب أهل الكمال لأحيا بك ..

* والإنعاش هو : الارتقاء من حال أقل إلى حال أعلى .. مثل غرفة الإنعاش في المستشفيات .. فهي غرفة لمحاولة أعادة الحياة لقلب أضعفه المرض ..!!

* فما بالك بمن أضعفته الذنوب والخطايا .. فمن ينعش قلبك بالتطهير منها إلا إلهك ومولاك ..!!

* وفي هذا الحديث إشارات نبوية مهمة جدا .. لسالكي طريق الله .. حيث أن يرشدك إلى دائما تعتمد على مولاك في كل لحظات حياتك .. سواء كنت قريب أم بعيد في العلاقة .. فاطلب من مولاك ان يرتقي بك .. ولا تعتقد في نفسك الخير .. ولا تعتقد في نفسك أن تقدر تغير من حالك .. ولكن توكل على مولاك واعتمد عليه وارفع إليه الشكوى .. وهو يدبر لك الأمور .. مع الإعتراف الدائم بالنقص والتقصير في محراب الدعاء بين يدي مولاك .. !!

وأن طلبك للرحمة الإلهية والغفران ما هو إلا فضل رحمة من مولاك .. أنت تطلبها منه على استحياء .. حيث كونك لا تستحق بسبب ذنوبك وخطاياك .. ولكن الرجاء لا ينقطع عن رحمته التي وسعت كل شيء حتى ذنوب العباد فيغفرها .. وكأنك تقول دعاء النبي الذي هو : ( اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي )  ..!!

* ألا تعتقد أن غفران الذنوب والخطايا وجبر النقص والخلل .. هو جبر لخواطر (قلوب) العباد ..!!

وإلا فكيف يطيب لك الحياة لو كنت تعلم أنه منتقم .. دون أن تعلم انه رحيم غفور ..!!

* وما أوجد الله رحمته وغفرانه إلا لجبر القلوب المنكسرة بالمعصية .. حتى يرتقي بها من ذل المعصية إلى عز الطاعة ..!!

*****************************

..:: الفصل الثاني ::..

***********************

نماذج لجبر الخواطر

..:: أولا - الله يجبر بخاطر نبيه ::..

1- الله جبر بخاطر نبية .. إذ أنزل عليه كتاب الوحي .. وجعله وسيلة لتحرير الناس من ظلمات الضلال إلى نور الحق ومعرفة الله .. قال تعالى ( الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) إبراهيم1

2- الله يجبر بخاطر النبي وينهاه عن الحسرة على من كفر بالله : ( فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر8 .. أي فلا تُهْلك نفسك حزنًا على كفر هؤلاء الضالين ..

3- الله يجبر بخاطر نبيه يواسيه : (وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آل عمران176 .. أي لا يُدْخِل الحزنَ إلى قلبك -أيها الرسول- بسبب الذين يسارعون في الجحود والضلال .. فلا تهتم بهم ولا تحزن عليهم ..

4- الله يجبر بخاطر نبيه برحلة الإسراء والمعراج ليريه من آياته الكبرى .. بعد ما لاقاه من أذى أهل الطائف - وحزنه على وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها – وفراق عمه أبو طالب .

5- الله يجبر بخاطر نبيه في الصلاة عليه .. جاء في الحديث : ( خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإذا بأبي طلحةَ ، فقام إليه فتلقَّاه ، فقال : بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ ! إنِّي لأرَى السُّرورَ في وجهِك ، قال : أجل إنَّه أتاني جبريلُ آنفًا ، فقال : يا محمَّدُ من صلَّى عليك مرَّةً – أو قال واحدةً – كتب اللهُ له بها عشرَ حسناتٍ ، ومحا عنه بها عشرَ سيِّئاتٍ ، ورفع له بها عشرَ درجاتٍ ، وصلَّت عليه الملائكةُ عشرَ مرَّاتٍ ) .

6- الله يجبر بخاطر نبيه في رجاءه تحويل القبلة .. فاستجاب المولى لرجاءه صلى الله عليه وسلم .. قال تعالى ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) البقرة144

7- الله يجبر بخاطر نبيه في إجابة دعوته بالمغفرة والرحمة في أمته .. ( أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دعا عشيَّةَ عرفةَ لأمَّتِهِ بالمغفرةِ والرَّحمةِ فأَكْثرَ الدُّعاءَ فأجابَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أن قد فعلتُ وغفرتُ لأمَّتِكَ إلَّا من ظلمَ بعضُهُم بعضًا. فقالَ يا ربِّ إنَّكَ أن تغفرَ لظالمٍ وتثيبَ المظلومَ خيرًا من مظلمتِهِ . فلم يَكُن تلكَ العشيَّةَ إلَّا ذا . فلمَّا كانَ الغدَ غداةَ المزدلفةِ فعادَ يدعو لأمَّتِهِ . فما لبِثَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن تبسَّمَ فقالَ بعضُ أصحابِهِ يا رسولَ اللَّهِ بأبي أنتَ وأمِّي ضحِكْتَ في ساعةٍ لم تَكُن تضحَكُ فيها فما أضحَكَكَ أضحَكَ اللَّهُ سنَّكَ قالَ تبسَّمتُ من عدوِّ اللَّهِ إبليسَ حينَ علمَ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد استجابَ لي في أمَّتي وغفرَ للظَّالمِ .. أَهْوى يدعو بالثُّبورِ والويلِ ويحثو التُّرابَ على وجهِهِ ورأسِهِ فتبسَّمتُ ممَّا يصنعُ من جَزعِهِ) حديث حسن لغيره .. لكثرة شواهده

************************

..:: ثانيا - الله يجبر بخاطر المؤمن في حياته ::..

ستجد الله يجبر بخاطر المؤمن في كل لحظات حياته ومماته وقيامته ..!! كيف ذلك ؟

تعالى معي نشوف ..

أولا : جبر بخاطرك في حياتك ..

1- الله جبر خاطرك برسول يعلمك الحكمة ويزكيك وجعله بك رؤوف رحيم .. ليعرفك طريق الحق والنجاة ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة128

( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) البقرة151

2- الله جبر خاطرك بالقرآن حتى لا تضل في طريقك إليه ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) إبراهيم1

3- الله جبر خاطرك بأسماءه .. بأن طمئنك أنه الغفور الرحيم الودود الحنان المنان .. حتى تطمئن نفسه وترجو رحمة الله وغفرانه ووده وحنانيه ومنته وفضله ..!!

وجبر بخاطرك وعرفك على قهره وجبروته .. حتى لا تخاف من قهر قاهر .. لأنه طمأنك فقال لك ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) الأنعام18

فظهر لك بالجمال والجلال .. حتى تعلم أنه وحده له الكمال فلا تخضع لغيره ..

أليس هذا جبر للخاطر يا مؤمن من مولاك ..!!

4- جبر خاطرك تأكيدا بآياته وكلام نبيه .. حيث أخبرك أنه يغفر ذنوبك جميعا مهما أسرفت على نفسك .. وكأن الله يلاطفك ويقول لك هذا ما حكمت به لك .. فلا تقطع عوائد بري إليك بدوام الجحود والعصيان .. فقال لك سبحانه :

 * ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر53

* ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء110

* ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النحل119

* وفي الحديث ( إنَّ عبدًا أصاب ذنبًا ، وربما قال : أذنب ذنبًا ، فقال : ربِّ أذنبتُ ، وربما قال : أصبتُ ، فاغفِرْ لي ، فقال ربُّه : أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به ؟ غفرتُ لعبدي ، ثم مكث ما شاء اللهُ ثم أصاب ذنبًا ، أو أذنب ذنبًا ، فقال : ربِّ أذنبتُ - أو أصبتُ - آخر فاغفِرْه ؟ فقال : أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به ؟ غفرتُ لعبدي ، ثم مكث ما شاء اللهُ ، ثم أذنب ذنبًا ، وربما قال : أصاب ذنبًا ، قال : قال : ربِّ أصبتُ - أو قال : أذنبتُ - آخرَ فاغفِرْه لي ، فقال : أعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنبَ ويأخذُ به ؟ غفرتُ لعبدي ، ثلاثًا ، فليعملْ ما شاء)

وفي رواية ( اعمَلْ ما شِئْتَ فقد غفَرْتُ لك )

5- جبر خاطرك بجعل معصيتك له سيئة واحدة .. وجعل طاعتك له بعشر حسنات .. بل ويضاعف لمن يشاء ..!!

6- الله جبر بخاطرك لما علمك الحكمة .. فقال لك : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد22-23

7- الله جبر بخاطرك لمَّا يحدث لك مكروه نتيجة إيمانك .. مثلما جبر بخاطر المسلمين بعد هزيمة أحد .. فقال لك : ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران139

وعلمك أن تقول ما تُطيِّب به خاطرك وتعلو به في إيمانك : ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) التوبة51

8- الله يجبر بخاطر من فقدوا أهلهم في الحرب : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) آل عمران 169-170

9- الله جعل الملائكة تدعو لنا نوع من جبر الخواطر للإنسان حتى يطمئن فرحا بمدد الله له : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) غافر7

10- الله جبر بخاطرك لما طمأنك أن الرزق بيده وحده لا بيد غيره .. فقال لك ( وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) الذاريات22

11- الله جبر بخاطرك لما أعلمك أن عطاء الشفاء هو ملك له وحده .. فلا تقلق ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) الشعراء80

12- الله جبر بخاطرك حينما أعلمك أن إرادة الضُّر والرحمة فيك .. ما هي إلا بإذن منه سبحانه .. حتى تكون حكيما في فهم مجريات القدر ( إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) الزمر38

13- الله جبر بخاطرك .. لما جبر الأعمال الناقصة منك برحمة منه وفضلا .. بل زادك على عطاءك بعشر أضعافه كرامة منه .. قال تعالى : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) الأنعام160 ..

بل زادك كرامة بالمضاعفة فقال لك ( وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة261

* وفي الحديث : ( النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح ونجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على ذلك )

* فهذا جبر لخاطر العبد بأن أوجد له ما يجبر به نقصه وخلله في علاقته به سبحانه .. رحمة بالعبد ..

***************************

..:: ثالثا - الله يجبر بخاطر المؤمن في مماته ::..

1- الله جبر بخاطر المؤمن حين نزول الموت.. فجبر بخاطره أن أنزل عليه ملائكة حتى لا يخاف ولا يحزن ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت30

2- الله جبر بخاطر المؤمن بعد موته .. فجبره برضاه .. جاء في الحديث : ( إنَّ الإنسانَ إذا قُبضَت روحُهُ فتقولُ الملائِكةُ اخرُجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ اخرُجي راضيةً مرضيًّا عنْكِ )

* وفي حديث آخر :( إذا حُضِرَ المؤمنُ أتتهُ ملائِكَةُ الرَّحمةِ بحريرةٍ بيضاءَ ، فيقولونَ : اخرُجي راضيةً مرضيًّا عنكِ إلى رَوحِ اللَّهِ ، ورَيحانٍ ، وربٍّ غيرِ غضبانَ فتخرجُ كأطيَبِ ريحِ المسكٍ )

* وفي حديث آخر : ( إنَّ العبدَ المؤمنَ إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرةِ نزلَ عليهِ من السَّماءِ ملائكةٌ بيضُ الوجوهِ كأنَّ وجُوهَهُمُ الشَّمسُ ، معهم كفنٌ من أكفانِ الجنَّةِ، وحَنوطٌ من حَنوطِ الجنَّةِ ، حتى يجلسونَ منهُ مدَّ بصرهِ ثُمَّ يجيءُ ملكُ الموتِ حتى يجلسَ عند رأسهِ فيقولُ : أيتها النفسُ الطيبةُ اخْرُجيِ إلى مغفرةٍ من اللهِ ورضوانٍ .. )

3- الله جبر بخاطر المؤمن في برزخه .. جاء في الحديث حين سؤاله : ( يا هذا من ربك ؟ فيقولُ ربيَ اللهُ ، فيقولانِ صدقتَ ثم يقالُ لهُ ما دِينُك ؟ فيقول دينيَ الإسلامُ فيقولانِ صدقتَ ، ثم يقالُ لهُ من نبيك ؟ فيقولُ : محمدٌ رسولُ اللهِ ، فيقولانِ صدقتَ ، ثم يُفْسَحُ لهُ في قبرِهِ مَدَّ بصرِهِ ويأتيهِ رجلٌ حسنُ الوجهِ طيِّبُ الريحِ حسنُ الثيابِ فيقولُ : جزاك اللهُ خيرًا فواللهِ ما علمتُ إن كنت لسريعًا في طاعةِ اللهِ بطيئًا عن معصيةِ اللهِ فيقولُ وأنت جزاك اللهُ خيرًا فمن أنت ؟ فيقولُ : أنا عملك الصالحُ ، ثم يُفْتَحُ لهُ بابٌ إلى الجنةِ فينظرُ إلى مقعدِهِ ومنزلِهِ منها حتى تقومَ الساعةُ ) .

**********************************

..:: رابعا - الله يجبر بخاطر المؤمن يوم القيامة ::..

1- الله جبر بخاطرك بأن جعل يوم القيامة كصلاة ركعتين .. حتى تطمئن ويهدأ روعك وخوفك .. جاء في الحديث ( قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَوْمًا كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمَ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا )

وفي رواية : ( كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ )

وَفي رواية: ( وَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ ).

وفي رواية ( يوم القيامة كقدر ما بين الظهر والعصر )

2- الله جبر بخاطرك بأن جعل لك نصيب من شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم .. جاء في الحديث (وما أروعه من حديث يقشعر منه البدن لسعة رحمة الله .. ومدى حب النبي لخلاص أمته من النار .. ثم انظر لآخر الحديث وقد لا تتوقف عن البكاء يا مؤمن .. ولكن اقرأ الحديث كاملا بالله عليك ..) :

قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يومُ القيامةِ ماجَ النَّاسُ بَعضُهم في بَعضٍ، فيَأتونَ آدمَ فيَقولونَ: اشفَع لَنا إلى ربِّك، فيَقولُ: لَستُ لَها، ولكن عَليكُم بإِبراهيمَ؛ فإنَّه خَليلُ الرَّحمنِ، فيَأتونَ إبراهيمَ، فَيَقولُ: لَستُ لَها، ولكن عَليكُم بِموسَى؛ فإنَّه كَليمُ اللهِ، فيَأتونَ موسَى، فيَقولُ: لَستُ لَها، ولَكن عَليكُم بِعيسى؛ فإنَّه رُوحُ اللهِ وكَلِمتُه، فيَأتونَ عيسَى فيَقولُ: لَستُ لَها، وَلَكن علَيكم بِمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فيَأتونَني، فأَقولُ: أَنا لَها، فأَستأذِنُ عَلى ربِّي فيُؤذَنُ لي، ويُلهِمُني مَحامِدَ أَحمَدُه بِها لا تَحضُرُني الآنَ، فأَحمَدُه بِتلكَ المَحامِدِ، وأَخِرُّ له ساجِدًا، فيُقالُ: يا مُحمَّدُ، ارفَعْ رَأسَك ، وقُلْ يُسمَعْ لكَ ، وسَلْ تُعْطَ ، واشفَعْ تُشفَّعْ ..

فَأقولُ: يا ربِّ، أُمَّتي أُمَّتي ..

فيُقالُ: انطلِقْ فأَخرِجْ مِنها مَن كان في قَلبِه مِثقالُ شَعيرةٍ مِن إيمانٍ، فأَنطلِقُ فأَفعَلُ ..

ثُمَّ أَعودُ فأَحمَدُه بتلكَ المَحامدِ، ثُمَّ أخِرُّ له ساجدًا، فيُقال: يا مُحمَّدُ، ارفَعْ رَأسَك ، وقُل يُسمَعْ لكَ ، وسَلْ تُعطَ، واشفَعْ تُشفَّعْ ..

فأَقولُ: يا ربِّ أُمَّتي أُمَّتي ..

فيُقالُ: انطلِقْ فأَخرِجْ مِنها مَن كان في قَلبِه مِثقالُ ذرَّةٍ أو خَردَلةٍ مِن إيمانٍ ، فأَنطلِقُ فأَفعَلُ ..

ثُمَّ أَعودُ فأَحمَدُه بتلكَ المَحامدِ، ثُمَّ أخِرُّ له ساجِدًا، فيُقال: يا مُحمَّدُ ، ارفَعْ رَأسَك ، وقُل يُسمَعْ لكَ ، وسَلْ تُعطَ ، واشفَعْ تُشفَّعْ ..

فأَقولُ: يا ربِّ أُمَّتي أُمَّتي ..

فيَقولُ: انطَلِقْ فأَخرِجْ مَن كان في قَلبِه أَدنى أَدنى أَدْنى مِثقالِ حبَّةِ خَردلٍ مِن إيمانٍ فأَخرِجْه منَ النَّارِ ، فأَنطلِقُ فأَفعَلُ ..

وَقال: ثُمَّ أَعودُ الرَّابعةَ، فأَحمَدَه بتلكَ المَحامدِ، ثمَّ أخِرُّ له ساجِدًا ..

فيُقالُ: يا مُحمَّدُ، ارفَعْ رَأسَك، وقُل يُسمَعْ، وسلْ تُعطَهْ، واشفَعْ تُشفَّعْ ..

فأَقولُ: يا ربِّ، ائذَنْ لي فيمَن قال: لا إلَه إلَّا اللهُ ..

فيَقولُ : وعِزَّتي وجَلالي، وكِبريائي وعَظَمَتي، لأُخرِجَنَّ مِنها مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ. )

* كيف لا تبكي من آخر هذا الحديث سواء من طلب النبي في المرة الرابعة أو إجابة الله له في المرة الرابعة ..!!

فهل تريد بعد ذلك جبر خواطر يا مؤمن ..!!

3- وجبر بخاطرك لما سمح للمؤمنين والملائكة بالشفاعة فيك .. جاء في الحديث بعد شفاعات المخلوقين الآخرة .. ( يقول اللهُ عزَّ وجلَّ : شفعت الملائكةُ وشفع النَّبيُّون وشفع المؤمنون ولم يبقَ إلَّا أرحمُ الرَّاحمين ، فيقبِضُ قبضةً من النَّارِ ، فيُخرِجُ منها قومًا من النَّارِ لم يعملوا خيرًا قطُّ قد عادوا حِممًا فيُلقيهم في نهرٍ في أفواهِ الجنَّةِ يُقالُ له ( نهرُ الحياةِ ) فيخرجون كما تخرُجُ الحبَّةُ في حَميلِ السَّيلِ ، إلَّا ترَوْنها تكونُ إلى الحجرِ أو إلى الشَّجرِ ما يكونُ إلى الشَّمسِ أُصَيْفرَ وأُخَيْضرَ وما يكونُ منها إلى الظِّلِّ يكونُ أبيضَ فقالوا : يا رسولَ اللهِ ! كأنَّك كنتَ ترعَى بالباديةِ !! ..

قال : فيخرجون كاللُّؤلؤِ في رقابِهم الخواتيمُ ، يعرِفُهم أهلُ الجنَّةِ هؤلاء عُتَقاءُ اللهِ الَّذين أدخلهم اللهُ الجنَّةَ بغيرِ عملٍ عملوه ولا خيرٍ قدَّموه ثمَّ يقولُ ادخلوا الجنَّةَ فما رأيتموه فهو لكم فيقولون : ربَّنا أعطيتَنا مالم تُعطِ أحدًا من العالمين ؟ فيقولُ : لكم عندي أفضلُ من هذا ! فيقولون : يا ربَّنا ! أيُّ شيءٍ أفضلُ من هذا ؟ فيقول : رضاي فلا أسخَطُ عليكم أبدًا..)

* قلت خالد :

* معنى حميل السيل إلى لفظ البادية : أي ينبتون كما ينبت النبات الذي يحمله السيل ويأخذ وقته حتى يجد مستقر عنده فيكتمل نموه فيه .. (والحديث تمثيل لإعادة أجسادهم إلى ما كانت عليه بعد أن تفحمت ..) ..!!

* وإذا كان هذا هو حال من لم يعملوا خيرا أبدا .. قد أنعم عليهم برضاه ولا سخط .. فما بالكم بمن عمل مع الله وسعى في مرضاته ؟!!

وفرق بين من حظى بالرضى بلا عذاب .. ومن حظى بالرضى بعد أن تفحم بالعذاب ..!!

فكل رضا وله مقامه .. !!

* بخصوص شفاعات الآخرة :

نقل النووي قول القاضي عياض حيث قال :

الشَّفَاعَةَ خمسة أقسام :

أولها : مختصة بنبينا صلى الله عليه سلم وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَتَعْجِيلُ الْحِسَابِ ..

الثَّانِيَةُ : فِي إِدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ..

الثَّالِثَةُ : الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيَشْفَعُ فِيهِمْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ..

الرَّابِعَةُ : فِيمَنْ دخل النار مِنَ الْمُذْنِبِينَ فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَلَائِكَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ..

الْخَامِسَةُ : فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا ..

شرح النووي على مسلم ج3 ص35-36 .. مختصرا .

***********************************

:: الفصل الثالث ::

************************

..:: خامسا - الله يأمر النبي بجبر الخواطر ::..

1- الله يأمر النبي بجبر خاطر اليتيم والسائل : ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ) سورة الضحى9-10

2- الله يعاتب نبيه ويرشده لجبر خاطر قلب المؤمن ..

عاتب الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- لأنه أعرض عن الأعمى وقد جاءه يستفيد .. وكان النبي –عليه الصلاة والسلام- منشغلاً بدعوة بعض أكابر قريش ، فأعرض عنه ، فأنزل الله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) سورة عبس1-4 ..

* قال الإمام القرطبي رحمه الله في التفسير:

 قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَا فَعَلَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْغُولٌ بِغَيْرِهِ ، وَأَنَّهُ يَرْجُو إِسْلَامَهُمْ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَاتَبَهُ حَتَّى لَا تَنْكَسِرَ قُلُوبُ أَهْلِ الصُّفَّةِ ..

أَوْ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْفَقِيرَ خَيْرٌ مِنَ الْغَنِيِّ ..

وَكَانَ النَّظَرُ إِلَى الْمُؤْمِنِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَصْلَحَ وَأَوْلَى مِنَ الْأَمْرِ الْآخَرِ .. وَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ طَمَعًا فِي إِيمَانِهِمْ .. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا نَوْعًا مِنَ الْمَصْلَحَةِ ..

* وَقِيلَ: إِنَّمَا قَصَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْلِيفَ الرَّجُلِ، ثِقَةً بِمَا كَانَ فِي قَلْبِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مِنَ الْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ: (إني لأُعْطِي الرجلَ العطاءَ ، وغيرُه أحبُّ إليَّ منه؛ مخافةَ أن يُكَبَّ على وجهِه.) .

تفسير القرطبي ج19 ص213 .. مختصرا .. مع تصحيح لفظ الحديث " إني لأعطي الرجل .... " ..

***********************************

..:: سادسا - الله يأمر المؤمنين بجبر الخواطر ::..

1- جبر الخواطر بإصلاح ذات البين .. أي بين النفوس المتخاصمة .. ( وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) الأنفال1

ومنها جبر خاطر ومِراضِيَّة الأب والأم ، والزوج والزوجة ،  والإبن والإبنة ، والأقارب ..

 2- جبر الخواطر بين النفوس المتخاصمة .. والوصول لطريقة ترضي الأطراف .. قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات10

3- جبر الخواطر بين الأزواج .. هو دليل المودة والرحمة .. قال تعالى : ( وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم21

4- اجبر بخاطر نفسك وتصالح مع مولاك .. بالتوبة والعمل الصالح والإيمان الصادق  .. حتى يجبر الله بخاطرك ويغفر لك .. قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه82 .. 

*****************************

..:: سابعا - النبي يحرك المؤمنين لجبر الخواطر ::..

1- جبر الخواطر أمر واجب بين أهل الإيمان : ( مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم ، مَثلُ الجسدِ . إذا اشتكَى منه عضوٌ ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى )

ولذلك الأنصار جبروا بخاطر المهاجرين لما هاجروا إليهم : ( لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا يا رسول اللهِ ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى خفنا أن يذهبوا بًالأجر كله .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ! ما دعوتم الله لهم ، وأثنيتم بًالأجر عليهم )

2- اجبر بخاطر الصغير والكبير .. وإلا فأنت لست تابع للنبي صلى الله عليه وسلم .. جاء في الحديث ( ليس مِنَّا من لم يرحم صغيرَنا ، و يُوقِّرَ كبيرَنا ) ..

3- عاوز أولادك يجبروا بخاطرك .. يبقى اجبر بخاطرهم بالمساواة بينهم في العطاء والمعاملة .. حتى تجدهم يجبرون بخاطرك .. قال النبي : ( اعدِلوا بين أولادكم في النِّحَلِ "أي العطاء والهبة" ، كما تُحبّون أن يعدِلوا بينكم في البِرِّ و الُّلطفِ )

وقال النبي : ( اعدِلوا بينَ أبنائِكُم اعدِلوا بينَ أبنائِكُم اعدِلوا بينَ أبنائِكُم ) ..

4- جبر الخواطر ينجي من المخاطر .. وصنع المعروف هو جبر لخاطر إنسان .. كما جاء في الحديث : (صنائع المعروف تقي مصارع السوء)

5- جبر الخاطر بين النفوس أفضل من الصلاة والصوم (النوافل) .. جاء في الحديث ( ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى . قال : صلاحُ ذاتِ البَيْنِ ، فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ )

6- وأحب الأعمال إلى الله هي التي فيها جبر للخواطر : ( أَحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، أو تَكشفُ عنه كُربةً ، أو تطرد عنه جوعًا ، أو تقضي عنه دَيْنًا )

*******************************

..:: ثامنا - النبي يجبر بالخواطر ::..

1- النبي نفسه جابر للخواطر .. وإلا فكيف يكون (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة128 ..

2- النبي يجبر بخاطر ابنته :

( وعنِ ابنِ عبَّاسٍ، قال: لَمَّا نَزلَت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} دَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فاطِمَةَ، قال: نُعِيَت إليَّ نَفسي، فبَكَت ، قال: لا تَبْكي ؛ فإنَّك أوَّلُ أَهلي لاحِقٌ بي ، فضَحِكَت )

3- جبر بخاطر زوجاته ..

* فقال في حياة السيدة خديجة مبشرا لها (  يَا خَدِيجَةُ ، إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ جَاءَنِي ، وَاللَّهُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ ، وَيُبَشِّرُكِ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ (لؤلؤ) ، لا صَخَبَ (ازعاج) فِيهِ وَلا نَصَبَ (تعب) " فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : اللَّهُ السَّلامُ ، وَمِنَ اللَّهِ السَّلامُ ، وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلامُ ) .

* وفي موتها ذكرها اعترافا بفضلها عليه ( صدقتنى حين كذبنى الناس وآمنت بى حين كفر بى الناس وواستنى بمالها حين منعنى الناس ورزقنى الله منها الولد )

* وقال للسيدة عائشة ( يا حميراء ) " لشدة بياضها" .. وجبر خاطرها لعدم إنجابها وكناها بكنية أخيها عبد الله فكانت تكنى بأم عبد الله رضى الله عنها، وقال عنها صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء)

* وجبر بخاطر السيدة صفية حينما عايرتها السيدة حفصة كونها ابنة يهودي .. جاء في الحديث ( بلغَ صفيَّةَ أنَّ حفصةَ قالت بنتُ يهودِيٍّ .. فبكت فدخلَ عليها النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وهيَ تبكي فقالَ ما يبكيكِ قالتْ قالتْ لي حفصةُ إنِّي بنتُ يهوديٍّ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وإنَّكِ لابنةُ نَبِيٍّ وإنَّ عمَّكِ لنبيٌّ وإنَّكِ لتحتَ نبيٍّ ففيمَ تفخرُ عليكِ ثمَّ قالَ اتَّقي اللَّهَ يا حفصةُ )

وهي ابنة نبي (من نسل هارون عليه السلام) ويصبح عمها موسى عليه السلام .. وزوجها نبي وهو سيد العالمين صلى الله عليه وسلم .. فأي فخر بعد هذا ..!!

4- النبي يواسي صحابته ويجبر بخاطرهم :

فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: يا جابر: مالي أراك منكسراً، قلت: يا رسول الله: استشهد أبي (قتل يوم أحد وترك عيالاً وديناً ، (أخوات ودين، وليس إلا جابر) ، قال -عليه الصلاة والسلام-: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك ؟

قلت: بلى يا رسول الله ..

قال: ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب ، وأحيا أباك فكلمه كفاحا ، فقال: يا عبدي تمن عليّ أعطك، قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب -عز وجل-: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون)) ..

5- لا تملك أي عمل في الحياة تفعله .. فجبر بخاطرك بهذا الحديث الرائع :

( سألتُ أبا ذرٍّ قلتُ: دلَّني على عملٍ إذا عملَ العبدُ به دخلَ الجنَّةَ؟

قال: سألتُ عن ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ

قال: يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ

قلتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّ مع الإيمانِ عملًا؟

قال: يرضخُ مما رزقَه اللهُ

قلتُ: يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن كان فقيرًا لا يجدُ ما يرضخُ به؟

قال: يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ

قلتُ: يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إن كان عيِيًّا لا يستطيعُ أنْ يأمرَ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ؟

قال: يصنعُ لِأَخرقَ

قلتُ: أرأيتَ إن كان أخرقَ؟

قال: يعينُ مغلوبًا

قلت: أرأيتَ إن كان ضعيفًا لا يستطيعُ أنْ يعينَ مغلوبًا؟

قال: ما تريدُ أنْ يكونَ صاحبُك من خيرٍ يمسِكُ عن أذَى الناسِ

فقلتُ: يا رسولَ اللهِ إذا فعل ذلك دخل الجنَّةَ؟

قال: ما من مسلمٍ يفعلُ خَصلةً من هؤلاء إلا أخذَتْ بيدِه حتى تدخِلَه الجنَّةَ.)

6- جبر بخاطر أمته وأخبرهم أن شفاعته لمن لم يشرك من أمته .. جاء في الحديث "مختصرا" :  ( إنَّه أتاني اللَّيلةَ آتٍ مِن ربِّي فخيَّرني بيْنَ أنْ يدخُلَ نِصفُ أمَّتي الجنَّةَ وبيْنَ الشَّفاعةِ وإنِّي اختَرْتُ الشَّفاعةَ ..

 فقالوا : يا رسولَ اللهِ ننشُدُك اللهَ لَمَا جعَلْتَنا مِن أهلِ شفاعتِك فقال رسولُ اللهِ : ( إنِّي أُشهِدُ مَن حضَر أنَّ شفاعتي لِمَن مات لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا مِن أمَّتي ) ) .

7- جبر بخاطر من لا يملك صدقة يتصدق بها فأرشده قائلا : ( أيُّما رجلٍ مسلمٍ لم تكُنْ له صدقةٌ فليقُلْ في دعائِه : اللهم صلِّ على محمدٍ عبدِكَ ورسولِكَ، وصلِّ على المؤمنينَ والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ، فإنَّها له زكاةٌ ) ..

8- النبي يجبر بخاطر أمته بالدعاء لهم ( أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دعا عشيَّةَ عرفةَ لأمَّتِهِ بالمغفرةِ والرَّحمةِ فأَكْثرَ الدُّعاءَ فأجابَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أن قد فعلتُ وغفرتُ لأمَّتِكَ إلَّا من ظلمَ بعضُهُم بعضًا. فقالَ يا ربِّ إنَّكَ أن تغفرَ لظالمٍ وتثيبَ المظلومَ خيرًا من مظلمتِهِ. فلم يَكُن تلكَ العشيَّةَ إلَّا ذا. فلمَّا كانَ الغدَ غداةَ المزدلفةِ فعادَ يدعو لأمَّتِهِ. فما لبِثَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن تبسَّمَ فقالَ بعضُ أصحابِهِ يا رسولَ اللَّهِ بأبي أنتَ وأمِّي ضحِكْتَ في ساعةٍ لم تَكُن تضحَكُ فيها فما أضحَكَكَ أضحَكَ اللَّهُ سنَّكَ قالَ تبسَّمتُ من عدوِّ اللَّهِ إبليسَ حينَ علمَ أنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد استجابَ لي في أمَّتي وغفرَ للظَّالمِ أَهْوى يدعو بالثُّبورِ والويلِ ويحثو التُّرابَ على وجهِهِ ورأسِهِ فتبسَّمتُ ممَّا يصنعُ من جَزعِهِ) حديث حسن لغيره .. لكثرة شواهده

9- النبي يجبر بخاطر من أفرط في الذنوب وارتكب الكبائر .. جاء في الحديث ( شفاعتي لأهل الكبًائر من أمتي )

***********************************

:: الفصل الرابع - والأخير ::

************************

..:: اجبر الخواطر .. عشان ربنا يجبر بخاطرك ::..

* من الأمور التي تلاحظها في البيوت العربية .. هو انعدام جبر الخاطر .. وكأن دمائنا باتت كالجليد ..!! فالزوجة لا تعترف بفضل الزوج وتقل له مثلا "ربنا يخليك لينا وكتر خيرك" ، والزوج لا يعترف بفضل الزوجة ويقول لها " تسلم أيديكي والله ينور عليكي" .. وكلاهما لا يجبرا بخاطر الأبناء ..!!

* فالإعتراف بالفضل بين الجميع .. هو جبر للخواطر ولذلك قال تعالى ( وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة237

* أما عن تجاهل المجتمع لبعضه البعض .. فحدث ولا حرج ..!!

* وكلما انعدم جبر الخاطر الذي ممكن أن تسميه (اصلاح ذات البين) (المواساة) (التراحم) (المودة) (الإعتراف بالفضل) .. كلما زاد النفور والبعد بين الأطراف .. وأصبحت الحياة مستحيلة .. ولذلك جاء في الحديث أن فساد ذات البين "النفوس" .. هي الحالقة .. أي التي تنهي أي علاقات وروابط اجتماعية ..

* عموما هذه بعض العناصر تركتها لتكون خاتمة الرسالة ..

1- الكلمة الطيبة : جبر خاطر ( عن أنسٍ قال : كنتُ جالسًا عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذ مرَّ رجلٌ فقال رجلٌ مَنِ القومُ : يا رسولَ اللهِ إني لَأُحبُّ هذا الرجلَ قال : هل أَعْلمتَه ذلك ؟ قال : لا .. فقال : قُمْ فأَعلِمْه .. قال فقام إليه .. فقال : يا هذا واللهِ إني لَأُحبُّكَ في اللهِ قال : أَحبَّك الذي أحبَبْتني له )

2- وإذا أردت أن يمحو قسوة قلبك فطيب بخاطر اليتيم وأطعم المسكين .. جاء في الحديث : ( أنَّ رجلًا شكا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قسوةَ قلبِه فقال امسَحْ رأسَ اليتيمِ وأطعِمِ المسكينَ )

5- اجبر بخاطر المحروم والمسكين وواسيهم قدر استطاعتك .. فهذا من صفات المتقين الذين قيل فيهم : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) الذاريات19 – والمحروم هو الذي لا يسأل الناس حياء منه وتعفف ..!!

6- اجبر بخاطر المريض : ( إذا دخلتُمْ على المريضِ فنفِّسوا له في أجَلهِ فإنَّ ذلك لا يردُّ شيئًا ويطيِّبُ نفسَهُ ) .. والتنفيس يعني : تفريج الكرب من نفسه بطرد اليأس من صدره .. فاشرحوا له صدره بطول العمر والصحة والعافية .. والله أعلم .

" البعض حسنه والبعض ضعفه – وعموما الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال "

والدعاء بطول العمر جائز شرعا : ما رواه البخاري في "الأدب المفرد" عن أنس قال: قالت أم سليم - وهي أم أنس-: (خويدمك ألا تدعو له؟ فقال: اللهم أكثر ماله وولده ، وأطل حياته ، واغفر له) .

6- لا تكسر بخاطر أحد طلب منك أمر في استطاعتك .. فإن لم تستطع فأحسن له القول .. فكما تدين تدان .. وكما تفعل يُفعل بك ..

7- لا تنسى أن جبر الخواطر هي رحمه في قلوب العباد .. وبقدر ما تحمل من الرحمة .. بقدر ما يرحمك الله .. قال صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )

8- وعشان ربنا يجبر بخاطرك في علاقتك به ويأخد بإيدك .. فاعمل كما طلب منك ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه82 ..

ومعنى "ثم اهتدى" : يعني استمر على التوبة والإيمان الصادق والعمل الصالح ..

وليس مجرد عمل مع الله شوية أيام أو شهور ومع السلامة باي باي ..!!

9- ولو عاوز الله يجبر خاطرك الرحمة والمغفرة بطريقة أسرع .. بالإضافة لما سبق .. فشارك المؤمنين معاك في دعاءك وقل ..  ( رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) البقرة286..

وأنت في نيتك حقا أنك تدعو الله لنفسك وكل المؤمنين ..

10- ولو عاوز ما تنساش نفسك ولا المؤمنين في دعاءك .. فاجعل دعاءك في سورة الفاتحة ( اهدنا الصراط المستقيم ... إلى آخرها) .. وفي نواياك ان تقصد نفسك والمؤمنين معاك ..

*********************************

..:: حسن الختام مع سيد الأنام ::..

قصة

:: النبي والصغير وفرخ العصفور ::

* قال أنس رضي الله عنه : ( كان رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير - أحسبه قال: كان فطيما -، قال: فكان إذا جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير - طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به ) رواه مسلم .

وفي رواية أحمد ( وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَ ضَاحَكَهُ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ: " مَا بَالُ أَبِي عُمَيْرٍ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَاتَ نُغَيْرُهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: " يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ " .. قَالَ: نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ )

معنى النُّغَيْر : فرخ العصفور ..

* وقد وجدت هذه القصة على النت تم سردها بأسلوب قصصي لطيف (لا أعلم من كتبها بهذا الأسلوب) .. فأوردتها لكم كما تصورها من قصها.. فقال :

* من هو أبا عُمير ؟

إنه طفل صغير جداً لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات.

وهو أخو الصحابي الجليل أنس بن مالك.

في يوم من الأيام زار رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه أنساً في بيته.

فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم طفلاً صغيراً جالساً على الأرض وفي حضنه عصفور صغير مريض، والطفل تنهمر دموعه حزناً على عصفوره.

* فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وحضنه وقال له:

" يا أبا عمير ماذا فعل النُغير؟ " والنُغير هو العصفور الصغير.

فتبسم الطفل الصغير، أتدرون لمَ تبسّم هذا الطفل الصغير؟

لقد تبسم هذا الطفل الصغير لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبه كما يُلقّب الكبار فقال له أبا عمير.

ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله عن عصفوره ولم يسأله أحد عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* وبعد أيام جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي عمير وطرق الباب.

فتح أنس بن مالك الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وتوجه مباشرة إلى أبي عمير الطفل الصغير وسأله بحنان:

" يا أبا عمير ماذا فعل النُغير؟ "

فرمى أبو عمير بنفسه في حضن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ويقول:

- لقد مات النُغير.. لقد مات..

*******************************

.. وكان هذا ختام الرسالة ..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

*************************

وربنا يجبر بخاطرنا بالرحمة والغفران والرضوان ويجبر بخاطرنا برؤية سيدنا النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم يقظة ومناما ..

ويجبر بخاطرنا بخاتمة السعادة أجمعين .. في مَعيَّة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام ..

آمين .. يا رب العالمين .

*****************

..:: مقترحات لكم للقادم إن شاء الله وأنتم تختارون ::..

1- رسالة " الطائف الغيبي" - وأكاذيب الرقاة على القرآن ..

أو

2- رسالة "المغرَّبين المُسَمُّونَ بالزهراويين " - وأكاذيب الروحانيين ..

***********************************

 والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..