ج1: رسالة حقيقة معنى ( النبي الأمي ) - هل سيدنا محمد فقط الموصوف بالأمية - ما معنى كلمة (النبي) - ما الفرق بين النبي والرسول - ما معنى كلمة (الأمي) - الغرض من هذه الرسالة .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء الأول)

:: رسالة ::

:: حقيقة معنى ( النبي الأمي ) ::

في اللغة والحديث والقرآن العربي

وفي قلب كل عالم تقي .. وعارف ولي

 

* فهرس :

..:: الفصل الأول ::..

1- مقدمة وتمهيد ؟

2- الغرض من هذه الرسالة ؟

3- ما هي الآيات التي جاءت فيها كلمة الأمي ؟

4- ما هي الأحاديث التي جاءت فيها كلمة الأمي ؟

5- هل سيدنا محمد فقط الموصوف بالأمية ؟

..:: الفصل الثاني ::..

6- ما معنى كلمة (النبي) ؟

7- ما الفرق بين النبي والرسول ؟

8- ما معنى كلمة (الأمي) ؟

************************

..:: مقدمة وتمهيد ::..

********************

اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي

سيد كل رسول ونبي وعالم وتقي وعارف وولي

وعلى آله وسلم 

**************************

..:: أيها السادة الأفاضل ::..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. هذا موضوع طالما أحببت أن اكتب عنه .. ولكن كل شيء بقدر ..!!

وأسأل الله العظيم أن يمدني بمدد من عنده ويوفقني فيه .. حتى أخدم هذه الرسالة كما يحب ربنا ويرضى وتكون سببا للقبول وللشفاعة من حبيبنا سيدنا ومولانا الرسول .. وعسى أن تكون سببا للغفران لكتابها ووالديه وأهل بيته وأحبابه ومحبيه . بل ولكل قارئا لها محب للنبي .. آمين .

* وأحسب أنه لم يدون في رسالة جامعة مثلها من قبل .. تعينك على أن ترتقي بعقلك وقلبك لتفهم معنى وصف الرسول (بالنبي الأمي) .. وتفتح لك بابا جديدا لتتفقه في معنى الأمية للأنبياء والرسل .. !!

* ولكني سأتفق مع السادة العلماء فيما وقفوا عليه من معاني .. بل سأزكيها بلا ريب .. ولكن هذا لا يمنع في أن أتوسع إلى ما هو أبعد من المعنى الذي وقفوا عليه .. وأيضا بما لا يخالف اللغة ولا العقيدة في شيء .. وأسأله سبحانه التوفيق لما يحب ويرضى .. !!

* وعقيدتي فيه صلى الله عليه وسلم أنه نبي لم يكن يقرأ ولا يكتب .. إلا أنه رسول نبي عليم .. وسيد بني آدم في العلم بلا منازع ولا شبيه ولا نظير في الخلق .. لأنه محل لتجليات العليم عليه .. وسنتعرف على هذا بالتفصيل إن شاء الله تعالى ..!!

* تعالوا معي نبحث في حقيقة هذا الأمر .. ونتعرف كيف ننظر لأميته صلى الله عليه وسلم .. وبما يجعلك للمرة الأولى تتذوق معنى جمال كلمة (الأمي) في حق النبي صلى الله عليه وسلم ..

* ثم أُتبع لكم بعد ذلك بما جال في خاطري من تذوق لهذه الكلمة .. وأذكر لكم من كلام العارفين .. ما تبتهج به قلوبكم .. وتنشرح له صدوركم ..

* وصدقوني : في أن مصطلح (النبي الأمي) له مفهوم أعمق وأكبر مما سمعناه في المساجد وقرأناه في الكتب .. بل له معنى أجمل وأرقى تطمئن له القلوب ..!! .. والله ولي التوفيق ..

* مفاجأة وذهول :

وأثناء بحثي في تحقيق الأحاديث .. وجدت أمرا أحزنني جدا في سلسلة الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله .. حيث قد وجدته متهما لجماعة من الأفاضل من أهل العلم بما لا يليق بهم .. بما أصبني بحالة من الذهول والاستغراب .. بل أصابني كلامه (المتكرر عنهم في أماكن مختلفه من سلسلته) .. بحالة ضيق لما وجدته من سوء الحديث عن بعض المجتهدين بأوصاف لا تليق بهم ..!!

* وساقني الفضول فوجدته متابعا لهؤلاء في كذا موضع من أجزاء سلسلته .. بطريق التقليل من شأنهم والإهانة لهم .. ولا أدري ما السبب في هذا الأسلوب الغير لائق ..!!

وما لمسته من أسبابه لا ترتقي لتكون سبب للنيل منهم بما نال ..!!

* ولذلك وجدت أنه من الأمانة رد غيبة أهل العلم .. هؤلاء الذين نال منهم الشيخ الألباني نيلا ..!! بل وأثبت أن الشيخ الألباني كان مخطأ فيما ذهب إليه .. وهم الذين كانوا على صواب ..!!

* وعجبا يصيبك حينما تعرف أنني قد وجدت في تحقيقه لأواخر مؤلفاته على صحيح بن حبان أنه هو أيضا قام بتحسين الحديث ..!!

ولا أدري هل سيتهم نفسه بما اتهم به هؤلاء الأفاضل من قبل في سلسلته أم أنه نسي ما كتب ..؟!!

* حقا لقد أساء الشيخ الألباني لهؤلاء الأفاضل .. واستعلى بالعلم عليهم .. وهذا شيء أصابني بالذهول من الشيخ رحمه الله ..!!

* وما زادني ضيقا .. هو أنني لم أجد أحد من تلامذته رد على الشيخ الألباني فيما نسبه لهؤلاء ولو تلميحا ..!! وكأنه اجماع سكوتي ومباركة لما كتبه ..!!

أو لعل أحد لم ينتبه لذلك .. كما لم انتبه إلا هذه المرة في بحثي لهذه الرسالة .. وحقا أصابتني غُصَّة في بطني كدت أن أتقيأ من هول ما وجدته مكتوبا بالطعن في أهل العلم بهه الطريقة السيئة جدا ..!!

* عموما كان هذا مجرد تمهيد لمقررات  الرسالة وما هو سيكتب فيها إن شاء الله تعالى ..

والله ولي التوفيق ..

* نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

****************************

..:: الغرض من هذه الرسالة ::..

* هذه الرسالة مهمتها الإهتمام بأمرين :

1- الرسالة تهتم : بأن ترتقي بعقلك وقلبك في معرفة الوصف الخاص ب ( النبي الأمي ) صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

فترتفع عن قلبك الحجب المانعة من رؤيته الشريفة ..  وذلك بمحو ما فسد به قلبك من ظنون جاهلية خاصة بهذا المعنى الشريف الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .. حيث نجد البعض قد فهم أن معنى (الأمي) في حق الرسول هو (الجهل) ..!!

وهذا المعنى في ذاته يجعل بينك وبين الرسول حجاب فلا تراه ..!!

* فهذا المعنى الجاهل عن المفهوم الحقيقي لوصف (النبي الأمي) يجعلك تسقط من دائرة المحبين المحبوبين .. إلى دائرة الضالين الجاحدين ..!!

2- الرسالة تهتم : بالرد على كل ملحد سفيه ضال يرى في نفسه الشرف والعلو على النبي .. لمجرد أنه يقرأ ويكتب .. حتى ألحد وأنكر نبوة النبي الأمي .. بل واتهم من يتبع النبي الأمي بأنه سفيه ..!!

لأن هذا المسكين الضال .. فهم أن معنى (النبي الأمي) .. أي الجاهل .. !! وبالتالي معنى أنك تتبع انسان جاهل فأنت جاهل مثله ..!!

* وكلام هذا الملحد يسمو بصاحبه إلى درجة الجهل والتَّدنِّي في فهم اللفظ العربي .. وجهالته التامة بالقرآن .. !!

وهذا القول من الملحد يدل على خسيسة نفسية تدل على فساد قلبه الحاقد والحاسد لمقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .. كما ستعلم لاحقا أن هذا الملحد ما هو إلا ضلالي جاهل سفيه .. نقلا وعقلا .. !!

*****************************

..:: الفصل الأول ::..

*************************

..:: ما هي الآيات التي جاءت فيها كلمة الأمي ؟ ::..

* هناك ستة آيات جاء فيها لفظ (الأمي) :

1- الأولى : ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ) البقرة78

* هذه الآية تتكلم عن عوام اليهود .. وهم فرقة دون الأحبار والعلماء .. وعوام اليهود كانوا أميون لا يعلمون قراءة ولا كتابة .. ويتبعون أحبارهم دون تحقيق ولا تعقُّل لما يقال لهم .. بل يكتفون بما يقال لهم من أوهام وأماني (أكاذيب) .. مثل ( أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة أو أنهم لن يحاسبهم الله على خطاياهم .. أو غير ذلك ) ..

2- الثانية : ( فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران20

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله : المراد بالأميين الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب . (التفسير الوسيط 2/59)

3- الثالثة : ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران75

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله : والمراد بالأميين : العرب، خصوصا من آمن منهم، وسمى العرب بالأميين نسبة إلى الأم ، وذلك لغلبة الأمية عليهم لكأن الواحد منهم قد بقي على الحالة التي ولدتهم عليها أمهاتهم من عدم القراءة والكتابة . (التفسير الوسيط 2/149)

4،5- الرابعة والخامسة : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف157-158

6- السادسة : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) الجمعة2

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله : (الْأُمِّيِّينَ) جمع أمي ، وهو صفة لموصوف محذوف . أي: في الناس أو في القوم الأميين .. والمراد بهم العرب ، لأن معظمهم كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة .

(التفسير الوسيط 14/376)

***********************************

..:: ما هي الأحاديث التي جاءت فيها كلمة الأمي ؟ ::..

* أحاديث قليلة وجدتها في الصحيح والحسن :

قد وقفت على قليل من الأحاديث التي تخدم هذه الرسالة .. نشير إليها لكونها نافعة في بحثنا إن شاء الله .. :

1- عن أنس بن مالك .. قال النبي :( إنَّ لكلِّ نبيٍّ يومَ القيامةِ مِنبرًا من نورٍ .. وإنِّي لعلى أطولِها وأنوَرِها .. فيجيءُ منادٍ يُنادي أين النَّبيُّ الأمِّيُّ ؟ قال : فتقولُ الأنبياءُ كلُّنا نبيٌّ أمِّيٌّ ، فإلى أين أُرسِل ، فيرجِعُ الثَّانيةَ فيقولُ : أين النَّبيُّ الأمِّيُّ العربيُّ ؟ قال : فينزِلُ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يأتيَ بابَ الجنَّةِ فيقرعُه فيقولُ : من ؟ فيقولُ : محمَّدٌ أو أحمدُ ، فيُقالُ : أوَقد أُرسِل إليه ؟ فيقولُ : نعم ، فيُفتَحُ له فيدخُلُ فيتجلَّى له الرَّبُّ تبارك وتعالَى ، ولا يتجلَّى لشيءٍ قَبلَه ، فيخِرُّ للهِ ساجدًا ، ويحمَدُه بمحامِدَ لم يحمَدْه بها أحدٌ ممَّن كان قبلَه ولن يحمدَه بها أحدٌ ممَّن كان بعده ، فيُقالُ له : يا محمَّدُ ارفَعْ رأسَك تكلَّمْ تُسمَعْ واشفَعْ تُشفَّعْ .. فَيَقُولُ : يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَيُقَالُ : أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ ... ) .. أخرجه بن حبان في صحيحه بسند حسن ..

2- عن عقبه بن عمرو (أبو مسعود الأنصاري) .. قال النبي ( أتى رسولَ اللهِ رجلٌ حتى جلس بين يديه ، فقال : يا رسولَ اللهِ : أما السلامُ عليك فقد عرفناهُ ، وأما الصلاةُ فأخْبِرْنا بها كيف نصلي عليك ؟ قال : فصمت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حتى وَدِدْنا أنَّ الرجلَ الذي سألَه ، لم يسألْهُ . ثم قال : إذا صليتم عليَّ فقولوا : اللهمَّ صلِّ على محمدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ ، وعلى آلِ محمدٍ ، كما صليتَ على إبراهيمَ ، وعلى آلِ إبراهيمَ ، وبارك على محمدٍ النبيِّ الأُمِّيِّ ، وعلى آلِ محمدٍ ، كما باركتَ على إبراهيمَ ، وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ ) .. رواه بن حبان في صحيحه بسند حسن .

(ستجد لهذا الحديث مناقشة مطولة .. في ختام البحث)

3-  عن أبي بن كعب : لقِي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جِبريلَ صلَّى الله عليه فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إنِّي بُعِثْتُ إلى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ منهم الغلامُ والجاريةُ والعجوزُ والشَّيخُ الفاني قال : مُرْهم فلْيقرَؤوا القُرآنَ على سبعةِ أحرُفٍ ) .. رواه بن حبان بسند حسن .

4- عن عبد الله بن عمر .. قال النبي : ( إنَّا أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ ، لا نكتبُ ولا نَحْسُبُ ، الشهرُ هكذا وهكذا . يعني مرةً تسعةً وعشرينَ ، ومرةً ثلاثينَ ) .. رواه البخاري .

*********************************

..:: هل سيدنا محمد فقط الموصوف بالأمية ؟ ::..

* قد يكون العنوان غريب .. لأن المشتهر هو أن لفظ الأمية وقفا على الرسول صلى الله عليه وسلم ..!!

هكذا تعلمنا من المشايخ وتعلمنا في المساجد .. وهكذا يتم الترويج لهذا الأمر .. ولكن دون تحقيق من المسألة وكأنها مسلمات على إطلاقها .. !!

* وكلامهم صحيح من ناحية كونه النبي الأمي العربي الموصوف بذلك في الكتب السماوية أو النبوات أو البشارات كدلالة خاصة به .. أو كدلالة على طبيعته البشرية ..!!

* وغير صحيح أنه وحده الموصوف بكونه نبي أمي .. لأن الحديث الحسن الذي رواه بن حبان في صحيحه يرشد لخلاف ذلك .. !!

* فقد جاء في صحيح بن حبان - عن أنس بن مالك .. قال النبي :( إنَّ لكلِّ نبيٍّ يومَ القيامةِ مِنبرًا من نورٍ .. وإنِّي لعلى أطولِها وأنوَرِها .. فيجيءُ منادٍ يُنادي أين النَّبيُّ الأمِّيُّ ؟ قال : فتقولُ الأنبياءُ كلُّنا نبيٌّ أمِّيٌّ ، فإلى أين أُرسِل ، فيرجِعُ الثَّانيةَ فيقولُ : أين النَّبيُّ الأمِّيُّ العربيُّ ؟ قال : فينزِلُ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يأتيَ بابَ الجنَّةِ فيقرعُه فيقولُ : من ؟ فيقولُ : محمَّدٌ أو أحمدُ ، فيُقالُ : أوَقد أُرسِل إليك ؟ فيقولُ : نعم ، فيُفتَحُ له فيدخُلُ فيتجلَّى له الرَّبُّ تبارك وتعالَى ، ولا يتجلَّى لشيءٍ قَبلَه ، فيخِرُّ للهِ ساجدًا ، ويحمَدُه بمحامِدَ لم يحمَدْه بها أحدٌ ممَّن كان قبلَه ولن يحمدَه بها أحدٌ ممَّن كان بعده ، فيُقالُ له : يا محمَّدُ ارفَعْ رأسَك تكلَّمْ تُسمَعْ واشفَعْ تُشفَّعْ .. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي ، فَيُقَالُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ ... ) .. أخرجه بن حبان في صحيحه بسند حسن ..

* ولكن انتبه : لم يكن في الأنبياء من هو (الأمي) ..!! فكل نبي هو "أمي" .. ولكن ليس أحد منهم هو (الأمي) ..!!

فكل الأنبياء أميون .. ولكن لم يحظى أحد منهم بشرف أن يكون (الأمي) .. إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. وسيأتيك تفصيل بديع ذلك .. بعد أن نشرح كلمة "النبي" ، وكلمة " الأمي" .. وما قاله العلماء في ذلك ..

******************************

..:: الفصل الثاني ::..

*************************

..:: ما معنى كلمة (النبي) ؟ ::..

* دعونا نسأل سؤال .. وهو هل كلمة النبي مشتقة من كلمة " النبأ " أم من كلمة " النَّبْوة " ؟

* قال الشيخ  أبو العباس الحلبي  رحمه الله (المتوفي: 756 هـ) :

والنبي قرئ بالهمز وبغير الهمز ؛ فمن همزه جعله من النبأ .

وهو فعيل بمعنى مفعول : لأنه منبأ من جهة الله تعالى ومخبر .

وقيل: بمعنى فاعل : لأنه ينبئ الإنسان بما أوحي إليه .

 عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ ج4 ص135

* وقال رحمه الله في مكان آخر من كتابه :

في لفظ النبي قولان :

أحدهما : أنه من النبأ مهموز ..

والثاني : أنه من نبا ينبو ، أي ارتفع ..

قال بعضهم: هو من النَّبْوَةُ ، أي الرفعة . سمي نبيًا لرفعة محله عن سائر الناس المدلول عليها بقوله: (ورفعناه مكانًا عليًا) مريم57 .

وعن قتادة: ((ما كان رجل بالبصرة أعلم من حميد بن هلال ، غير أن النباوة أضرت به)).

النَّبَاوَةُ والنَّبْوَةُ : الارتفاع .

يقال: له نباوة ونبوة ، أي رفعة وشرف .

وقال غيره: النبي ما ارتفع من الأرض ..

وقيل: على الطرق ..

وسميت رسل الله أنبياء لكونهم طرقًا إلى الله .

عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ ج4 ص139 .. مختصرا .

* قال الإمام الفيروزأبادي رحمه الله (المتوفي: 817هـ) :

النَبَأَ - مُحركةً -: الخَبَر، ونَبَّأَ وأَنْبَأَ: أَخبر ، ومنه اشتق [النبي] .. قال تعالى: (نَبِّيءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم) وعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل ، وقال تعالى: (نَبَّأَنِيَ العليم الخبير) وعلى هذا فهو فعيل بمعنى مفعول.

بصائر ذوي التمييز ج5 ص14

*********************************

..:: ما الفرق بين النبي والرسول ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) :

1- النبي : هو المؤيد من الله بوحي إلهي لإرشاد الناس لتعاليم ربهم وبما يصلح أحوالهم ويرتقي بقلوبهم لنوال رضا ربهم ..

وهو يأت تابعا لرسول سبقه .. ليجدد منهجه ويحي للناس ما نسوه أو ضلوا فيه أو انحرفوا عنه ..

2- والرسول : هو مؤيد من الله بوحي إلهي ومصحوب برسالة سماوية مكتوبة ليتعبد بها الناس لمولاهم ... وتكون منهاجا لهم في حياتهم .

* فكل رسول هو نبي .. ولكن ليس كل نبي هو رسول .. والفرق هو نزول رسالة سماوية على النبي أكسبته مقام الرسولية ..

*****************************

..:: ما معنى كلمة (الأمي) ::..

* قال الشيخ أبو موسى الأصبهاني رحمه الله (المتوفي: 581هـ) :

قَولُه تَعالَى: (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) ..

1- قيل: لأنه على أصل وِلادةِ أُمِّه لم يتعَلَّم الكِتابة ولا القراءة - كما قال الله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ) الآية.. ، وقوله: "إنَّا أُمَّة أُمِّيّة لا نكتُب ولا نَحسُبُ".

2- وقيل : لأَنَّه مَخْصُوص بنُزول أُمِّ الكِتاب عليه ..

3- والثّالث : لأَنَّه من أُمِّ القرى : مَكَّة ..

4- الرَّابع : لأنه رَجَع طاهِراً إلى اللهِ تَعالَى كما وَلدَتْه أُمُّه ..

5- الخَامِس : أَنَّ شَفقَته كشَفَقة الأَمّ على ولدها ..

6- السّادسُ : أَنَّه مَنْسوبٌ إلى الأُمَّة فحُذِف منه التَّاء ، كالنِّسبَة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (السُّنَّة سِنِّى) لكَثْرة ما كان يقول : أُمَّتِى ، أُمَّتِى) ..

 المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث ج1 ص90-91 .. مع التصريف بوضع أرقام لتنبيه العقل لمراد الكاتب .

* قال الإمام الفيروزأبادي رحمه الله :

وقد ورد في القرآن على ثلاثة أَوجهٍ:

الأَوّل : بمعنى العرب . وهم الَّذين لم يكن لهم كتاب من قبل: (هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً) أَي في العرب.

الثاني : بمعنى اليهود . الذين لا يعلمون معنى التَّوراة: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب) .

الثالث : بمعنى النَّبي المصطفي - صلَّى الله عليه وسلَّم - (الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي) .

* قيل: هو منسوب إِلى الأُمّة الذين لم يكتبوا ؛ لكونه على عادتهم ؛ كقولك : عامىّ ؛ لكونه على عادة العامّة .

وقيل : سُمّى بذلك ؛ لأَنَّه لم يكن يكتب ولا يقرأُ من كتاب . وذلك (فضيلة له) ؛ لاستغنائه بحفظه ، واعتماده على ضمان الله منه بقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى) .

وقيل: سمّى لنسبته إِلى أُمّ القرى . والله أَعلم .

بصائر ذوي التمييز ج2 ص159

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

الأُمي : هو الذي لَا يقرأ ولا يكتب نسبة إلى الأمة الأمية التي لَا يسودها العلم .. وكان الأحبار من أهل الكتاب يقولون : (لَيسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ..) ، وقد ينسب الأُمي إلى الأم على اعتبار أنه على أصل ولادة أمه ، فهو لم يزد علما عما ولدته عليه أمه .

زهرة التفاسير ج1 ص281

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

1- والْأُمِّيِّينَ : صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ صِيغَةُ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ ، أَيْ فِي النَّاسِ .

2- الْأُمِّيِّينَ : وَصِيغَة جمع الذُّكُور فِي كَلَامِ الشَّارِعِ تَشْمَلُ النِّسَاءَ بِطَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ الِاصْطِلَاحِيِّ .. أَيْ فِي الْأُمِّيِّينَ وَالْأُمِّيَّاتِ فَإِنَّ أَدِلَّةَ الشَّرِيعَةِ قَائِمَةٌ عَلَى أَنَّهَا تَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ إِلَّا فِي أَحْكَامٍ مَعْلُومَةٍ .

3- وَالْأُمِّيُّونَ : الَّذين لَا يقرؤون الْكِتَابَةَ وَلَا يَكْتُبُونَ ، وَهُوَ جَمْعُ أُمِّيٍّ نِسْبَةً إِلَى الْأُمَّةِ ، يَعْنُونَ بِهَا أُمَّةَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ لَا يَكْتُبُونَ إِلَّا نَادرا ، فَغلبَتْ هَذَا التَّشْبِيهُ فِي الْإِطْلَاقِ عِنْدَ الْعَرَبِ حَتَّى صَارَتْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَا يَكْتُبُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، قَالَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ)

التحرير والتنوير ج28 ص208 .. مع التصريف بوضع الترقيم .

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

وسمى من لا يعرف القراءة والكتابة بالأمي ، لغلبة الأمية عليه ، حتى لكأن حاله بعد تقدمه في السن ، كحاله يوم ولدته أمه في عدم معرفته للقراءة والكتابة .

التفسير الوسيط 14/376

* ما سبق كان كلام السادة العلماء رضوان الله عليهم .. في شرح معنى الأمي .. ولكنه معنى لا يروي لي قلبي .. كما أنه لا يوضح مفهوم معنى قول الأنبياء كما جاء في الحديث (كلنا نبي أمي) ؟

إلا لو قلنا .. أن كل نبي له أمة تابعة له .. وهذا أيضا معنى صحيح لغة .. ولا مانع منه ..

ولكن أرى دائما هناك معنى أرقى واعلى وراء هذا اللفظ الكريم ..

فما هو المعنى المقصود من لفظ (الأمي) .. ؟

تعالوا نبحث في هذا الأمر .. وأضيف رأي ليس مخالف لما ذكره سادتنا رضوان الله عليهم .. وإنما يضيف معنى آخر لمفهوم الأمية النبوية ..

***********************************

..:: الفصل الثالث ::..

*****************************

( قلت صاحب الرسالة )

..:: هذا رأيي الإجتهادي في مفهوم (الأمي) ::..

( المتلقي عن الله حقا وصدقا ويقينا )

* قلت (خالد صاحب الرسالة) :

يتبع إن شاء الله تعالى

********************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..