ج13: رسالة الرِّفعةِ والمَكانة - أنواع العطاء اللَّدُنِّي في القرآن - من هم المؤمنون المستضعفون القوية نفوسهم بعزة الله - فقدوا الحول والقوة ولم يفقدوا عزتهم بالله - لماذا طلبوا وليا ونصيرا - لماذا قالوا (من لدنك) ولم يقولوا : من عندك - قوة دعاء المؤمن وعظمة استجابة الله - ما الفرق بين النفس المستضعفة والنفس المستغلبة - قوة دعاء المؤمن – وعظمة استجابة الله - أنت تدعو وترجو وهو يدبر ويسخر لك الأسباب - من أساس سلوك الطرق التوسل لله بهذه الآية - هل تريد أن يكون رسول الله وليك ونصيرك .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء الثالث عشر)

( رسالة الرِّفعةِ والمَكانة )

..:: في جواز الأدب مع النبي ب "سيدنا ومولانا" ::..

( اللهم علِّمنا الأدب معك ومع نبيك .. آمين)

* فهرس :

..:: الفصل الثامن والعشرون ::.. الأدلة على جواز قول "مولانا" للنبي ::

1- ( واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً ) ؟

2- من هم المؤمنون المستضعفون القوية نفوسهم بعزة الله ؟

..:: الفصل التاسع والعشرون ::.. ( قلت صاحب الرسالة متسائلا في خاطري !! ) ::

3- ماذا أفادت كلمة ( أخرجنا ) ؟

4- ماذا أفاد التنوين في كلمات (ولياً – نصيراً) ؟

5- لماذا طلبوا وليا ونصيرا .. طالما من معاني الولي هو النصير ؟ فلماذا زادوا كلمة النصير ؟

6- لماذا قالوا (من لدنك) ولم يقولوا : من عندك ؟

7- أنواع العطاء اللَّدُنِّي في القرآن ؟

8- ما الفرق بين النفس المستضعفة ، والنفس المستغلبة ؟

9- قوة دعاء المؤمن – وعظمة استجابة الله ؟

10- يجيبك بقدر حكمته وفق ما يريد .. وليس بقدر دعاءك أنت فيما تريد .. فافهم وكن بصير ؟

11- دروس من دعاء المؤمنين ؟

12- فقدوا الحول والقوة ولم يفقدوا عزتهم بالله .. فلم ينقطعوا عن الدعاء وظلوا يتوسلون لله ثماني سنوات ؟

13- التدبير الإلهي من حيث لا تعلم ؟

14- أنت تدعو وترجو – وهو يدبر ويسخر لك الأسباب ؟

15- من أساس سلوك الطرق التوسل لله بهذه الآية ؟

16- هل تريد أن يكون رسول الله وليك ونصيرك ؟

****************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل معكم رسالة الرفعة والمكانة .. مع البحث في الأدلة عن جواز كلمة "مولانا" للنبي صلى الله عليه وسلم ..

* وأضيف إليكم هنا مفهوم آخر وأبسط .. يبهج القلوب .. من عجيب وجميل ألفاظ القرآن .. مع توضيح شيء أعتقد لم ينتبه له أحد من قبل وهو خاص بالعطاء اللَّدُنِّي في القرآن .. وسيأتي شرح ذلك .. وإن كنت أصبت فمن الله .. وإن كان خلاف ذلك فأسأله الغفران .. آمين ..

* مع شرح لآية تعتبر أحد آيات وأساسيات السلوك في منهجنا أثناء السير إلى الله .. وهو من الأذكار الهامة جدا لقهر النفس والشيطان بالتوسل إلى الله بها .. وهو قوله تعالى ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ) النساء75

* نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

***********************************

..:: الفصل الثامن والعشرون ::..

**********************************

(2)

الدليل الثاني

..:: ( واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً ) ::..

:: مَن هم المؤمنون المستضعفون القوية نفوسهم بعزة الله ؟ ::

* * قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

طبعا الآية فيها دلالة واضحة على أن الرسول كان ولي الذين آمنوا وناصرهم الذي أرسله الله إلى المستضعفين .. وطالما ولي نصير .. فهو مولاهم صلى الله عليه وسلم .. ولا يختلف على ذلك أحد ..

ولذلك قال بعض العلماء أن من أوصاف النبي في القرآن أنه ولي نصير .. بالإشارة لهذه الآية ..

* ولكن أريد أن نتشارك معاني هذه الآية من بدايتها .. مبتعدين قليلا عن موضوع الرسالة .. لأن الآية فيها معاني قوية جدا يجب توضيحها لأصحاب السلوك في طريقهم إلى الله ..

يقول تعالى : ( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء 75 ..

* وأريدك أن تفهم من النص .. أن لا تتخاذل عن نصرة إنسان أو مساعدته أو تأييده أو حتى جبر خاطره .. قدر استطاعتك .. فليس بالضرورة تحارب بالسلاح .. بل ممكن بكلمة تعيد إنسان إلى الحياة .. كما أنه ممكن بكلمة أن تقتل إنسان ..!!

* فكلما وجدت فرصة أن تساعد مؤمن .. فساعد .. لأن مساعدتك له قد يكون فيها نجاة لإيمانه وثباته على الحق .. ولو بكلمة تطيب بها خاطره ..!!

فكما تدين تدان .. أي كما تفعل سيُفعل بك .. !!

* واعلم أنك كلما ساعدت إنسان مؤمن أو أسرة مؤمنة على معونة الحياة .. فهذا تثبيت لإيمانه .. وكنت بذلك وليا له ونصير .. فلا تتأخر عن مساعدة أحد طالما تستطيع .. فإن لم تجد .. فبالدعاء .. فإنه مدد الله في كل زمان ومكان .

* وإذا كنا لا نملك إلا الدعاء لإخواننا المؤمنين المستضعفين في الأرض في كل مكان .. فلن يكون لهم منا إلا أن ندعو لهم ونرجو من الله أن يخرجهم من تحت ظلم الحاكمين عليهم ويدخلهم تحت مظلة رحمته وولايته ونصرته .. إنه على كل شيء قدير .. آمين .

* تعالوا معي نتعلم من علمائنا .. في شرحهم للآية ..

( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء 75 ..

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

 والمعنى: أي شيء جعلكم غير مقاتلين ؟

إن عدم قتالكم لأعدائكم يتنافى مع إيمانكم ، أما الذي يتناسب مع إيمانكم وطاعتكم لله فهو أن تقاتلوا من أجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.

فالآية الكريمة تحريض على الجهاد بأبلغ وجه ، ونفى للاعتذار عنه .

* والمراد بالمستضعفين : الضعفاء من الناس وهم المسلمون الذين بقوا في مكة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، لعدم قدرتهم على الهجرة أو لمنع المشركين إياهم من الخروج .

* وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لهم فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة والمستضعفين من المؤمنين.

* وقوله (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) معطوف على قوله (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي: قاتلوا في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من ظلم المشركين لهم .

وخصهم بالذكر مع أن القتال في سبيل الله يشملهم ، لمزيد العناية بشأنهم ، وللتحريض على القتال بحكم الشرف والمروءة بعد التحريض عليه بحكم الدين والتقرب إلى الله- تعالى- ، لأن مروءة الإنسان الكريم تحمله على نصرة الضعيف ، ومنع الاعتداء عليه.

* وقوله (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) ، بيان لهؤلاء المستضعفين.

أي: قاتلوا - أيها المؤمنون - من أجل إعلاء كلمة الله ونشر دينه ، ومن أجل نصرة المستضعفين من الرجال الذين صدهم المشركون عن الهجرة ، ومن النساء اللائي لا يملكن حولا ولا قوة . ومن الولدان الصغار الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم .

* وفي النص على هؤلاء المستضعفين وخصوصا النساء والولدان ، أقوى تحريض على الجهاد ، وأعظم وسيلة لإثارة الحماس والنخوة من أجل القتال ، لأنهم إذا تركوا هؤلاء المستضعفين أذلاء في أيدى المشركين ، فإنهم سيعيرون بهم ، وهذا ما يأباه كل شريف كريم .

التفسير الوسيط ج3 ص220

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

في هذه الآيات يحُضُّ على القتال بتذكيرهم بشرف ما يجاهدون من أجله ، وهو رضا الله ، وإعلاء كلمة الحق، ويذكرهم بإخوانهم الذين يرهقون بالظلم ، ويعيشون مستضعفين أذلاء ، لَا يجدون وليا يلي أمرهم ، ولا نصيرا ينصرهم ويستنقذهم مما هم فيه من بلاء ..

* ولذلك قال تعالى :

(وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) أي شيء ثبت لكم ، حتى صرتم في حال لَا تقاتلون فيها في طريق الله طريق الحق الصحيح ، والدين الذي لَا شك فيه ، والهداية التي فيها خير الإنسانية في الدنيا ، وحسن المآل في الآخرة ، ولا تقاتلون في سبيل أولئك الذين استضعفوا لعدم وجود من ينصرهم، فضعفوا ، وهانوا على أولئك الظالمين ، وإن لم يهونوا عند الله سبحانه وتعالى ، وعندكم أنتم أهل الحق والإيمان .

* وأولئك المستضعفون الذين أراد المشركون إضعافهم وإذلالهم ، منهم الرجال الذين سلبوا كل حول وقوة ، وصاروا أذلاء ، ومنهم النساء اللائي لَا قدرة لهن بحكم الأنوثة ومنهم الذرية الضعاف .

زهرة التفاسير ج4 ص1761

* ثم يقول رحمه الله :

وإن هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والذرية ليسوا مستسلمين للظلم ، ولكنهم يريدون دفعه ، ويتجهون إلى اللَّه تعالى أن يخرجهم منه ، إذ يقولون كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم:

(رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِم أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) لَا يجدون لهم قوة إلا الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى يطلبون معونته وإمدادهم ، فيقولون مقرين بأن لله وحده حق الربوبية، وبأنه هو الذي يحوطهم ويكلؤهم ، وأنه وحده الذي يملك أمرهم أخرجنا من هذه المدينة الكبيرة ، وهي مكة ، التي يظلمنا أهلها ، والظلم شأن من شئونهم ، ويضرعون إليه سبحانه أن يجعل لهم وليا ينتمون إليه ، وولاية قوية يشعرون تحت سلطانها بالعزة والكرامة ، ويبتعدون عن ولاية الكافرين الظالمة العاتية الباغية ، وأن يجعل لهم من ينصرهم، ويخرجهم من نير أهل الكفر ..

* فهاهنا ثلاثة مطالب متلاحقة لهم توجهوا بها إلى ربهم :

أولها : الإخراج من نير الظلم، وحكم الظالمين .

وثانيها : أن يكونوا تابعين لولاية دولة الله ، وهي الدولة الإسلامية ، فلا يخرجون مشردين لَا دولة تحميهم ، ولا ديار تؤويهم .

وثالثها : أن يكون لهم من الله نصير دائم ينصرهم ، فلا يتمكن الأعداء منهم ..

زهرة التفاسير ج4 ص1764

* قال الإمام  الزمخشري رحمه الله :

والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين ... وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه ، فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولى وناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتولاهم أحسن التولي ، ونصرهم أقوى النصر.

فإن قلت: لم يذكر الولدان ؟

قلت: تسجيلا بإفراط ظلمهم ، حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين ، إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ، ومبغضة لهم، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا، كما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء .

تفسير الكشاف ج 1 ص 534

***********************************

..:: الفصل التاسع والعشرون ::..

( قلت صاحب الرسالة متسائلا في خاطري ..!! )

**********************************

..:: 1- ماذا أفادت كلمة ( أخرجنا ) ؟ ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

كما سبق ووضح لنا أن الآية تتكلم عن قصة جماعة من المؤمنين كانوا بمكة وليس لهم أقارب ذو نفوذ يمكنوهم من الهجرة .. بعد أن هاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ .. فهم ممنوعون من أن يهاجروا ، وظلوا على دينهم ، فصاروا مستضعفين مقهورين من المشركين .

حتى جاءهم الولي النصير هو صلى الله عليه وسلم ..

* وخطر ببالي بعض الأمور أحببت أن  أشاركها معكم ..

1- ماذا أفادت كلمة ( أخرجنا ) ؟

وقفت أمام دعاء المؤمنين متحيرا .. في كلمة (أخرجنا) ..!! فهل المقصود خروج حكمي أم خروج مكاني ؟

أي أخرجنا من حكم ولاية هؤلاء المشركين إلى حكم ولاية المؤمنين ..

أم أخرجنا من المكان الذي يحاصرنا فيه هؤلاء الظالمين .. لنهاجر كما هاجر بعض المؤمنين .. !!

فوجدت أنه لا مانع من جمع النيتين في الدعاء .. وأيهما يكن من عطاء الله في الخروج فهو خير طالما هو خروج القصد من وراءه ابتغاء مرضاة الله .. سواء كان خروج حكمي أو خروج مكاني ..

والله أعلم .

*******************************

..:: 2- ماذا أفاد التنوين في كلمات (ولياً – نصيراً) ؟ ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

وجدت أن التنوين يفيد التعظيم .. وكأنهم يقولون لله .. نحن لا نريد أي ولي وليس أي نصير .. بل نريد وليا موصولا بك ونصيرا موصولا منك .. فنحن نريد نِعمَ الولي ونعم النصير  لأننا نريده من خصوصية عطاءك ..!!

وقد كان هو صلى الله عليه وسلم وليهم ونصيرهم .. صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .

***************************

..:: 3- لماذا طلبوا وليا ونصيرا .. طالما من معاني الولي هو النصير ؟ فلماذا زادوا كلمة النصير ؟ ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

لأن كلمة الولي تحمل معنى المولاة أي القريب المؤيد لهم في منهجهم .. ولكن قد لا يكون منتصرا لهم ..

فقد يكون رؤوف بهم ورحيم وشفوقا بهم .. ولكنه عاجز عن نصرتهم .. لأنه لا يمتلك الأدوات التي تمكنه من قهر الأعداء ..

ولذلك كأنهم طلبوا ولاية الأمان وولاية النصر والغلبة حتى لا يقهروا مرة ثانية ...

*****************************

..:: 4- لماذا قالوا (من لدنك) ولم يقولوا : من عندك ؟ ::..

( أنواع العطاء اللَّدُنِّي في القرآن )

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

كنت كتبت بحثا سابقا في هذه المسألة (الفرق بين (من عندك) ، و (من لدنك) في رسالة المرأة الإنسان الكامل .. بما أكرمني الله به ولم يدون في كتاب تفسير من قبل ..

وأضيف إليكم هنا مفهوم آخر وأبسط .. يبهج القلوب .. من عجيب وجميل ألفاظ القرآن .. مع توضيح شيء أعتقد لم ينتبه له أحد من قبل وهو خاص بالعطاء اللَّدُنِّي في القرآن .. حيث أنه نوعين .. وسيأتي شرح ذلك .. وإن كنت أصبت فمن الله .. وإن كان خلاف ذلك فأسأله الغفران .. آمين .

* نعود فنسأل :

لماذا قالوا (من لدنك) ولم يقولوا : من عندك ؟

وإجابة بسيطة : لأنهم يطلبون شيء مخصوص .. ذو أسباب إلهية خاصة بالإيمان .. لأنهم فقدوا الأسباب تماما ..!!

* وإليك تفصيل ما سبق من مختصر الإجابة :

* فطلب العطاء بقولنا (من عندك) تفيد من عطاء الله أيضا .. ولكن طلب العطاء بقولنا (من لدنك) تفيد عطاء مخصوص .. ليه ؟ ..

لأن الذي يطلب العطاء اللَّدُنِّي قد فقد قانون الأسباب .. ولا حيلة ولا قوة .. !!

* فكلمة (لدن) .. طلب يفوق الأسباب العادية مقاما ومكانة بقدرة على التصرف والعطاء بلا قيود ..

* وحينما يأتي طلب عطاء من الله في القرآن مسبوق بقول ( من لدنك ) .. فاعلم أن ما يتبع ذلك من العطاء اللَّدُنِّي .. فهو عطاء خاص جدا ولا يمنحه غيره وله فيه حكمة بليغة .. ولا يستطيع أن يمنحه لك أحد غير الله فقط ..

* فكل قوانين الأسباب لن تساعدك .. لأن الأمر اللَّدُنِّي يكون من خصوصية عطاء المولى .. الذي هو المتصرف الوحيد في الكون ..!!

* مثال ذلك لنوعي من العطاء اللدني في القرآن :

1- العطاء الوهبي بلا أسباب : الله يهب من لدنه بما هو لا يمنحه لك قانون الأسباب ولا وسيلة لذلك .. ولذلك وصف القرآن أنه عطاء مخصوص لا سبيل غليه إلا من المولى فقط (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً) طه99

2- العطاء الكسبي بأسباب الدعاء : فالله يهب نتيجة الدعاء بما هو مخالف لقانون الأسباب أو تعجز عنه الأسباب .. كما في دعاء سيدنا زكريا (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ) آل عمران38 ، وكما أنام أهل الكهف ثلاثمائة سنة وتسع .. بعد أن طلبوا رحمة من لدنه ( فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ) الكهف10

* نعود فنقول :

* وكأن كلمة (لدن) لِمَا تعجز عن تحصيله بقانون الأسباب .. فلجأت لخالق الأسباب ليدبر لك الأمر بطرقه الخفية التي نجهلها ..

* ولذلك المؤمنون لم يقولوا (من عندك) .. لأنهم فقدوا الأسباب كليا .. فعلموا ان العطاء الإلهي سيكون عطاء خاص وليس بالأسباب العادية لفقدهم الحول والقوة .. ولذلك طلبوه من لدنه .. أي عطاء له مقاما ومكانة يليق به سبحانه  .. وكأنهم طلبوا عطاء ألوهية حقيق بأهل الإيمان وليس مجرد العطاء ..!!

* بل وطلبوا أن يكون العطاء الإلهي المخصوص في قمته أيضا بقولهم (وليا ونصيرا) ..!!

* فطالما هو من لدن الله أي من عند الله مخصوصا لك .. فلا تفكر في الأسباب كيف سيدبرها لك .. فأهم شيء أن يكون هذا الولي الناصر موصول بالله .. ففعل الله لا يعلم أحد كيف يفعله سبحانه .. (ولا يعلم جنود ربك إلا هو) ..!!

ولكن اجتهد في التوسل إلى الله عند فقد الأسباب المعينة لك واطلب من لدنه ما تريد واستمر على توسلك له بلا انقطاع .. وهو سيدبر لك الأمر .. ولك في قصة أهل مكة كرامة وعظه وحكمة .. حيث توسلوا ثمانية سنوات ولم ييأسوا .. وأجابهم بما لم يخطر ببالهم .. وهو التمكين في أرضهم وجعلهم أعزة .. !!

* وتأمل قول المستضعفين في طلبهم من الله ولي ناصر ..!! فقد جعلوا الطلب من مطلق القدرة الإلهية في العطاء .. ولم يخصصوا من هو الولي الناصر .. وكأنهم يطلبون ذلك في ظاهرهم وباطنهم .. !!

* وكأنهم يقولون أنت ولينا وناصرنا .. فأمدنا باطنا بوليا وناصرا في نفوسنا بالصبر والثبات على الحق والإيمان وأيدنا بروح منك ..

وأمدنا في ظاهرنا بأحد خلفاءك الذين يستمدون منك الولاية والنصرة .. ليطهر قريتنا ممن لا يواليك وينصرك .. ويجعل لنا الولاية والنصرة .. إنك على كل شيء قدير ..

والله أعلم .

***************************

..:: ما الفرق بين النفس المؤمنة المستضعفة ، والنفس المستغلبة ؟ ::..

* ما الفرق بين المستضعف المؤمن ، والمستضعف المستغلب على حاله ؟

* المستضعف المؤمن .. هو عزيز بالله وإن قهرته الظروف فهو محافظا على إيمانه .. مرابطا في معية مولاه .. لا ييأس من دعاءه .. لأن عزته في توسله لمولاه ..

* المستضعف المستغلب .. هو الذي يبكي على حاله .. معترضا على ربه .. ويرى نفسه أنه على خير .. وغير مستحق لأي ابتلاء .. لأنه طيب ..!!

* فإذا كان هذا المعترض على ربه في نفسه .. يصف نفسه أنه طيب .. فمن هو الساخط الخبيث النفس ..!!

فدل اعتراضه على ربه .. ومدحه لنفسه .. على أنه إنسان إبليسي النفس .. كما قال إبليس معترضا على ربه مادخا لنفسه على آدم فقال .. (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ..!!

* وهؤلاء المستغلبين أرجو من الله مولاي أن يبصرهم بدعاء المؤمنين وأن يجعلهم أعزة به ..

* وأسأل الله مولاي : أن يصرف عني وأهل المدونة أمثال هؤلاء المستغلبين صرفا لا مرد له أبدا .. طالما هم على استغلابهم يصرون ..!!

********************************

..:: قوة دعاء المؤمن – وعظمة استجابة الله ::..

:: يجيبك بقدر حكمته وفق ما يريد .. وليس بقدر دعاءك أنت فيما تريد .. فافهم ::

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

* ونجد أن الحق سبحانه قد استجاب لنصف الدعاء .. كيف ذلك ؟

فهم طلبوا الخروج من القرية التي أهلها يظلمونهم ويؤذونهم ويشركون بالله (أهل مكه) .. ولم يستجب الله في طلبهم للخروج .. وأن يمدهم في ذلك بمدد يعينهم على ذلك الخروج .. فطلبوا الولي النصير .. !!

ولما طلبوا الولي والنصير .. فقد استجاب الله لهم في ذلك .. ولكن ليس ليخرجهم كما أرادوا .. ولكن ليبقيهم أعزة مكرمين .. !!

فلماذا أجاب نصف الدعاء فقط ؟

1- حتى يعلمنا أن الإيمان يحتاج إلى صبر وثبات وعزيمة .. ومن حكمت عليه الظروف القهرية في شيء لا يستطيع الخلاص منه (حتى لو كانت هذه الظروف "مرض" أو أذى من إنسان له أو شيطان ) .. فليس له إلا الدعاء وسيلة للخلاص والنجاة ..!!

وأن هناك أمور قهرية تحدث للإنسان .. ولكن هناك دائما إيمان بالله أيضا .. فالله الذي أذن فيك بالقهر هو الذي يأذن لك باللطف .. فارجع إليه ..!!

2- ولما أخلصوا في الدعاء ولم ييأسوا من إيمانهم بربهم .. فقد كافئهم بالبقاء في قريتهم والحفاظ على منازلهم وأماكنهم ومكنهم في الأرض وجعلهم أعزة في المكان الذي كانوا فيه مستضعفون من قبل .. حتى يزيدهم يقينا وإيمانا بربهم .. في أنه لم يتركهم .

3- ويُعلِّم كل مؤمن أن وعد الله حق وأنه سميع الدعاء لمن أخلص له في الدعاء .. ولكن في الوقت الذي يريده الله وليس في الوقت الذي تريده أنت ..!!

* فكان منع الاستجابة لهم (في الخروج) كرامة لهم لأنه أراد لهم الاستعلاء في المكان الذي تم إستضعافهم فيه ..

وكان الإستجابة (بالولي النصير) تشريفا آخر لهم .. بأن أرسل إليهم خير أهل الأرض والسماء على الإطلاق .. وهو صلى الله عليه وسلم .. ليكون وليهم ومولاهم وناصرهم ..!!

**********************************

..:: دروس من دعاء المؤمنين ::..

:: فقدوا الحول والقوة .. ولم ينقطعوا عن الدعاء وظلوا يتوسلون لله ثماني سنوات !! ::

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

* وهؤلاء المستضعفون يعطونا درسا في قمة الإيمان .. كيف ذلك ؟

1- فقدوا الأسباب بالكلية (لا حيلة لهم ولا قوة) .. وباتوا مقهورين .. لم يستسلموا للظلم وقهر النفس .. فلم يتوقفوا عن الدعاء ولم ييأسوا في رحمة الله ..!!

وكلما ازدادوا ظلما وقهرا .. كلما ازدادوا دعاء وتوسلا ..

2- مع محاصرتهم بالأذى مع نسائهم وأطفالهم .. لم يشتكوا وإنما توسلوا وتضرعوا .. وجعلوا الدعاء قوتهم في مواجهة قهر نفوسهم .. !!

3- ولم يفقدوا إيمانهم بربهم وقد ظلوا سنوات (ثمانية سنوات) حتى جاء الفتح وجائهم الولي النصير .. !!و

مَن كان هذا الولي النصير ..؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ..!!

* فأي تشريف وأي كرامة طالت هؤلاء المؤمنون .. حتى أثبت القرآن دعائهم في القرآن تشريفا لهم .. وتذكيرا لكل مؤمن بحال هؤلاء ..!!

* وكأن كل من يتقي الله ، ويصبر على الدعاء ولا ييأس من رحمة الله .. يمده الله بالولي النصير ..!!

ولكن متى ؟

في الوقت الذي يريده الله وليس في الوقت الذي تريده أنت ..

فأنت فقط تدعو وترجو .. وهو يدبر لك الأمر كيفما يشاء ووقتما يشاء ..!!

والله أعلم

*******************************

..:: التدبير الإلهي من حيث لا تعلم !! ::..

( أنت تدعو وترجو – وهو يدبر ويسخر لك الأسباب )

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

هذه الآية ترشدك إلى أن تتعلم حكمة كونية .. وتقربك أكثر لتتعرف على الحكمة الإيمانية وطرق تدبير الله .. كيف ذلك ؟

* فأنت لو لاحظت ستجد الآية تشير إلى فعلين ..

الفعل الأول : هو تحريض الله للمؤمنين على القتال

الفعل الثاني : هو توسل المؤمنين بالدعاء

* وكأن توسل المستضعفين من المؤمنين كان سبب في تحريض الله لأهل العزم من المؤمنين .. للقيام بنصرتهم ..!!

* ولذلك لم يكتفي الحق سبحانه .. بالتحريض على القتال لأن مؤمنون مكة هم مستضعفون فقط ..!! لا .. بل قال مستضعفون يتوسلون إلى ربهم يرجون منه وليا ونصيرا .. ولم يضعفوا عن ذلك التوسل طوال ثماني سنوات من الذل والإساءة .. لأنهم كانوا أعزة بالله .. !!

إذن فقد تحقق فيهم صدق الإيمان .. فاستحقوا الولاية والإنتصار لهم ..!!

* ولذلك حينما أنت تدعو بصدق إيمان وإخلاص يقين .. فاعلم أن هناك تدبيرات خفية يدبرها لك الله بطرق أنت لا تعلمها .. وليس لك أن تبحث عن ماهيتها وحقيقتها وكيفية حدوثها .. لأن طرق الله هي جند الله .. (وما يعلم جنود ربك إلا هو) ..

* يبقى ما توجع دماغك بالتفكير في كيفية فعل الله وتدبيره ..!! 

أنت فقط تدعو وترجو .. واترك الأمر لمدبر الامر يدبره كيفما شاء ..

* فهل كان المستضعفون يعلمون بتدبير الله .. أنه يحرض المؤمنين على القتال ؟

وهل كان المقاتلين يعلمون أن أحد أسباب قتالهم دعاء المستضعفين إلى ربهم ..!!

سبحانه له تدبير عجيب في كونه ..

أفلا تبصرون ..!!

************************************

..:: من أساس سلوك الطرق التوسل لله بهذه الآية ..::..
(رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِم أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) 

هل تريد أن يكون رسول الله وليك ونصيرك ؟

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

لذلك كان من لوازم الطريق إلى الله هو التوسل إلى الله بهذه الآية .. في مراحل معينة من الطريق .. حتى يتحرر الإنسان من قيود نفسه ووساوس شيطانه .. فيخرج من ظلمات النفس إلى أنوار التوبة والمحبة والرضا واليقين والاخلاص .. فيكون عبدا لله .. فيستحق من ذلك أن يجعل الله له وليا ونصيرا ..

* فحاول أن تتحرر من أوثان نفسك التي تؤثر فيك مثل الغضب والكراهية والغل والبخل والأنانية والحسد والسخط على حالك .. وغير ذلك .

* وكلما خرجت من قرية نفسك الظالمة لك بالغفلة عن الله .. كلما أشرق نور العبودية في قلبك وظهر فيه تجليات اسم الله الولي النصير .. فيؤيدك بروح منه أي برحمته ولطفه وغفرانه ويكرمك بحبه وحب نبيه في قلبك .. ويؤيدك بالثبات على الايمان ويلقنك الحكمة والبرهان .. ويواليك بالمحبة والنصرة على نفسك والشيطان ..

* وكلما تحررت .. كلما ارتقيت في الرابطة الروحية مع الله والقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ...

* والارتقاء في الرابطة الروحية لا يكون إلا بمحبة قلبية صادقه .. ولن يكون ذلك إلا بالأدب مع الله ورسوله والمؤمنين حقا ..  

وغير ذلك .. فلا تطمع ..

* خاص بأهل السلوك والمحبين :

هل تريد أن يكون رسول الله وليك ونصيرك ؟

كن لله ورسوله وليا ونصيرا .. خاضعا لهما خضوع محبه .. وتطهر من ظلمات نفسك واقهر شيطانك بأن تتعلق بربك .. ولا تفكر في التدبير الإيماني بعقلك .. وأحبه ونبيه بقلبك .. وبقدر المحبة ستبصر حينئذ في قلبك قوله تعالى ( واعلموا أن فيكم رسول الله) ..

* واعلم أنه لن تفارقك روحانيته صلى الله عليه وسلم طالما أنت تتبعه محبه له .. ولن تفارقك ملائكة الله طالما أنت محب لله .. ولن تفارقك روحانية القرآن طالما أنت محب للقرآن ..

* وكلما زادت المحبة .. زادت الرابطة الروحية .. كلما زادت درجات القرب .. وللذين أحسنوا الحسنى وزيادة .

والله أعلم .

***********************************

..:: الفصل الثلاثون ::..

**********************************

يتبع إن شاء الله تعالى

 ***************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..