ج12: رسالة معنى (النبي الأمي) - نظرات في معنى كلمة (يتلو) - ما هو مفهوم الآية القرآنية - ما الذي أفادته كلمة (يتلو) - ما الفرق بين (كما أرسلنا فيكم) وقوله (إنا أرسلنا إليكم) - لماذا قال تعالى (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) ثم قال تعالى (وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ والحكمة) - ماذا أفاد تأخير وتقديم كلمة التزكية في آيات سورة البقرة

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء الثاني عشر)

:: رسالة ::

:: حقيقة معنى ( النبي الأمي ) ::

في اللغة والحديث والقرآن العربي

وفي قلب كل عالم تقي .. وعارف ولي

* فهرس :

..:: الفصل الثالث والعشرون ::..

1- سؤال على ما سبق : شبهة قديمة يروج لها بعض منكري الحديث ؟

2- نظرات في معنى كلمة (يتلو) .. (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) ؟

3- ما معنى كلمة يتلو ؟

4- ما المقصود من تلاوة الآية القرآنية ؟

5- لماذا جاءت كلمة (يتلو) بالفعل المضارع ؟

6- ما الذي أفادته كلمة (يتلو) ؟

..:: الفصل الرابع والعشرون ::..

7- لماذا خص في الكلام بإظهار لفظ (آياتنا) ؟

8- ما الفرق بين (كما أرسلنا فيكم) .. وقوله (إنا أرسلنا إليكم) ؟

9- ما وجه ترتيب الآيات في آية البقرة 129 : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) ؟

10- ما وجه ترتيب الآيات في آية البقرة 151 : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) ؟

11- لماذا قال تعالى (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) ثم قال تعالى (وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ والحكمة) ؟

12- ماذا أفاد تأخير وتقديم كلمة التزكية في آيات سورة البقرة ؟

************************

اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي ..

الهادي إلى الله .. لمن طلب غفرانه ورضاه ..

وعلى آله وسلم .

**************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل مع بعض .. رسالة حقيقة معنى "النبي الأمي" ..

* في هذا الجزء نستكمل بعض الأسئلة التي كنا نبحث فيها من خلال بعض آيات كتاب الله .. لنزداد علم من ورائها ونتعرف على معان جديدة في كلام الله .. 

* نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

***********************************

:: سؤال على ما سبق ::

..:: ( شبهة قديمة يروج لها بعض منكري الحديث ) ::..

* قد يقول قائل : ما فائدة الأحاديث .. والقرآن يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) الإنعام38 ..، وقوله تعالى سبحانه: (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) النحل89 ؟

* قلت (خالد صاحب الرسالة) .. 

1- الذي استدللت به هو استدلال ناقص .. ولو جمعت بين آيات القرآن لتبين لك الحق كاملا .. فالقرآن أيضا قال ( وأطيعوا الرسول ) النور56 ، ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) الأعراف158 ، ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى52 ، ( وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) البقرة151 ، ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر7 ..

فلماذا أخذت بآية وتركت آيات ..!!

2- حينما قال لك تعالى (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) الإنعام38 ..، (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) النحل89 .. هو دليل على احتواءه وبيانه لمراده منك .. وهذا المراد منه قوله (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) النور56 ..، ومنه (فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف158 ..

وطالما أنت أقررت أن القرآن لم يفرط في شيء ووضح لك طريق الإيمان .. فبالتالي أنت تكون أقررت أنه طلب منك اتباع الرسول وإلا فأنت عاص وغير مؤمن ..!!

فكيف تتبع الرسول بغير حديث دال على كلامه وأفعاله وارشاداته ..؟!

3- ومن الذي يعلِّم الكتاب بنص القرآن أيضا ؟

هو الرسول بدليل قوله تعالى ( وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) .. يبقى لا يصح أن ننكر حديث رسول الله ونبطل عمله .. بدون دليل على إنكاره وإبطاله .. مثل أن يكون حديث موضوع ومكذوب على النبي أو حديث ضعيف لا يصح الاستدلال به حكميا أو عقائديا ..!!

فما عدا ذلك .. فلا يصح رد الحديث وإلا كنت عاصيا لله والرسول طالما ثبت صحة الحديث ..

4- يقول تعالى : ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) إبراهيم1

فالكتاب أنزله الله .. ولكن من الذي يخرج الناس من ظلمات الباطل لنور الحق بإذن ربهم ؟

هو الرسول .. الذي سيرشد إلى ذلك لتوضيح الكتاب ..!!

فكيف بعد ذلك تنكر الأخذ والعمل بحديث الرسول طالما صحيحا ..؟!!

فثبت مما سبق حجية حديث الرسول رغم أنف الجاحدين بنص القرآن الذي بين وأظهر لنا ذلك .

*******************************

..:: الفصل الثالث والعشرون ::..

*****************************

:: نظرات في معنى كلمة (يتلو) ::

( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ) البقرة129

( يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ ) البقرة151 

******************************

..:: 1- ما معنى كلمة يتلو ؟ ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

وكلمة ( يَتْلُو ) يعني يقرأ لأن الكلمة تتلو الكلمة ، فالذي يقرأ أي ينطق كلمة بعد كلمة ، كلمة تالية بعد أخرى

تفسير الشعراوي 3/1854

**************************

..:: 2- ما المقصود من تلاوة الآيات ؟ ::..

* قال الشيخ القاسمي رحمه الله :

معنى تلاوته إياها عليهم أنه كان يذكرهم بها، ويدعوهم إليها، ويحملهم على الإيمان بها.

تفسير القاسمي ج1 ص400

******************************

..:: 3- لماذا جاءت بالفعل المضارع ؟ ::..

* قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

1- عبر ب (يتلو) البقرة129 - لِأَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ مُسْتَمِرٌّ وَقِرَاءَةُ النَّبِيءِ لَهُ مُتَوَالِيَةٌ وَفِي كُلِّ قِرَاءَةٍ يَحْصُلُ عِلْمٌ بِالْمُعْجِزَةِ لِلسَّامِعِينَ.(التحرير والتنوير ج2 ص49)

2-  وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْله: (يَتْلُوا) البقرة151 - لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ تَتَكَرَّرُ تِلَاوَتُهُ . (التحرير والتنوير ج1 ص723)

*****************************

..:: 4- ما الذي أفادته كلمة (يتلو) ؟ ::..

* قال الإمام الألوسي رحمه الله  (المتوفى: 1270هـ) :

وهذا الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) صفة رسولا ، وفيه إشارة إلى طريق إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام لأن تلاوة الأمي الآيات الخارجة عن طوق البشر باعتبار بلاغتها واشتمالها على الأخبار بالمغيبات والمصالح التي ينتظم بها أمر المعاد والمعاش أقوى دليل على نبوته .

تفسير روح المعاني ج1 ص417

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

لفظ (يتلو) : يفيد دوام تلقين هذا الوحي (القرآن) في الصدور .. ولذلك انتقل هذا الوصف من النبي إلى صحابته بالإتباع للنبي .. وهكذا سيظل كذلك إلى يوم القيامة .. ولذلك يقول تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) فاطر29 .. والله أعلم .

*****************************

..:: 5- لماذا قال (يتلو عليكم آياتنا) طالما قال بعدها (يعلمكم الكتاب) ؟ ::..

* قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَقَوله: (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) أَيْ يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ الْقُرْآنَ وَسَمَّاهُ أَوَّلًا آيَاتٍ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ كُلِّ كَلَامٍ مِنْهُ مُعْجِزَةً .. وَسَمَّاهُ ثَانِيًا كِتَابًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ كِتَابَ شَرِيعَةٍ .

التحرير والتنوير ج2 ص49

******************************

..:: الفصل الرابع والعشرون ::..

*****************************

(نظرات في بعض ألفاظ آية سورة البقرة 129 ، 151)

..:: 6- لماذا خص في الكلام بإظهار لفظ (آياتنا) ؟ ::..

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله :

{يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} وكلمة «الآيات» - كما نعرف - تستعمل للأمور العجيبة؛ اللافتة للنظر، تقول مثلا: فلان آية في الحس. أي حسْنُه لافت للنظر ..

وتقول: فلان آية في الذكاء، صحيح أن هناك أذكياء كثيرين، لكنه آية في الذكاء .. أي أن هذا الإنسان أمره عجيب في الذكاء ..

إذن فكلمة «آية» معناها: الأمر العجيب، وهو الذي يقف الإنسان عنده وقفة طويلة ليتأمل في عجائبه.

* والآيات نوعان:

آيات منظورة في الكون مثل قول الحق: {وَمِنْ آيَاتِهِ الليل والنهار والشمس والقمر لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ واسجدوا لِلَّهِ الذي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]

وكل ظواهر الكون تعتبر أشياء عجيبة.

والنوع الثاني : هو آيات القرآن مثل قوله الحق: {وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 101]

* إذن فالآيات هي الأمور العجيبة وهي قسمان: منظور ومقروء ..

المنظور: كل الكون ، والمقروء: هو القرآن، فالقرآن يفسر آيات الكون ، وآيات الكون تفسر آيات القرآن ، والرسول جاء يتلو آيات القرآن ، وكانت عجيبة عليهم ، لكن الآيات الأخرى التي في الكون يشاهدونها ويرونها ، لقد جاء الرسول بآيات مقروءة ليلفت الناس إلى الآيات المنظورة ، وبتلك الآيات المنظورة يكون العجب من دقة خلق الكون ؛ فينتهي الإنسان إلى الإيمان بِمَن خلق هذا الكون .

* إن الحق يقول عن الرسول: {يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} والمسألة ليست أنه يتلو الآيات ليعجبوا منها فحسب .. لا ..

فالرسول له مهمة إيمانية تلفت كل سامع للقرآن إلى من خلق ذلك الكون الجميل البديع الذي فيه الآيات العجيبة .

تفسير الشعراوي ج3 ص1854-1855

*********************************

..:: 7- ما الفرق بين  (كما أرسلنا فيكم) .. وقوله (إنا أرسلنا إليكم) ؟ ::..

1- قال تعالى : ( كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ) البقرة151

2- وقال تعالى ( إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ ) المزمل15

* قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ عَلَى عُمُوم الْمُؤمنِينَ من العرب وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِ: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) آل عمرَان164 .. أَيْ جِنْسِهِمُ الْإِنْسَانِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ آنَسُ لَهُمْ مِمَّا لَوْ كَانَ رَسُولُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ تَعَالَى: وَلِذَلِكَ عُلِّقَ بِفِعْلِ (أَرْسَلْنا) حَرْفُ (فِي) وَلَمْ يُعَلَّقْ بِهِ حَرْفُ (إِلَى) كَمَا فِي قَوْلِهِ: (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ) [المزمل:15] ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَقَامُ احْتِجَاجٍ وَهَذَا مَقَامُ امْتِنَانٍ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ مَا بِهِ تَمَامُ الْمِنَّةِ وَهِيَ أَنْ جَعَلَ رَسُولَهُمْ فِيهِمْ وَمِنْهُمْ ، أَيْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي قَوْمِهِمْ وَهُوَ عَرَبِيٌّ مِثْلُهُمْ ..

* وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ هُمُ الْعَرَبُ أَيِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَالْأُمَّةُ الْعَرَبِيَّةُ يَوْمَئِذٍ تَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَدْنَانِيُّونَ وَالْقَحْطَانِيُّونَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْأَحْلَافِ وَالْمَوَالِي مِثْلِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَبِلَالٍ الْحَبَشِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الْإِسْرَائِيلِيِّ، إِذْ نِعْمَةُ الرِّسَالَةِ فِي الْإِبْلَاغِ وَالْإِفْهَامِ، فَالرَّسُولُ يُكَلِّمُهُمْ بِلِسَانِهِمْ فَيَفْهَمُونَ جَمِيعَ مَقَاصِدِهِ، وَيُدْرِكُونَ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ، وَيَفُوزُونَ بِمَزِيَّةِ نَقْلِ هَذَا الدِّينِ إِلَى الْأُمَمِ، وَهَذِهِ الْمَزِيَّةُ يَنَالُهَا كل من تعلّم اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ كَغَالِبِ الْأُمَمِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَبِذَلِكَ كَانَ تَبْلِيغُ الْإِسْلَامِ بِوَاسِطَةِ أُمَّةٍ كَامِلَةٍ فَيَكُونُ نَقْلُهُ مُتَوَاتِرًا، وَيَسْهُلُ انْتِشَارُهُ سَرِيعًا.

التحرير والتنوير ج2 ص48-49

*************************************

..:: 8- ما وجه ترتيب الآيات في آية البقرة 129 : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) ؟ ::..

* قال الشيخ القاسمي رحمه الله :

قال الراغب: إن قيل ما وجه الترتيب في الآية؟ قيل: أما الآيات فهي الآيات الدالة على معجز النبي صلّى الله عليه وسلّم. وذكر التلاوة لما كان أعظم دلالة نبوته متعلقا بالقرآن.

* وأما الترتيب ، فلأن أول منزلة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ادعاء النبوة ، الإتيان بالآيات الدالة على نبوته ، ثم بعده تعليمهم الكتاب ، أي تعريفهم حقائقه لا ألفاظه فقط ، ثم بتعليمهم الكتاب يوصلهم إلى إفادة الحكمة، وهي أشرف منزلة العلم ، ولهذا قال (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة: 269] ثم بالتدرج في الحكمة يصير الإنسان مزكى أي مطهّرا مستصلحا لمجاورة الله عز وجل . انتهى .

تفسير القاسمي ج1 ص400

*********************************

..:: 9- ما وجه ترتيب الآيات في آية البقرة 151 : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) ؟ ::..

* قال الإمام الألوسي رحمه الله  (المتوفى: 1270هـ) :

وهذا الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) صفة رسولا .. وفيه إشارة إلى طريق إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام لأن تلاوة الأمي الآيات الخارجة عن طوق البشر باعتبار بلاغتها واشتمالها على الأخبار بالمغيبات والمصالح التي ينتظم بها أمر المعاد والمعاش أقوى دليل على نبوته .

* (وَيُزَكِّيكُمْ) أي يطهركم من الشرك وهي صفة أخرى للرسول وأتى بها عقب التلاوة لأن التطهير عن ذلك ناشيء عن إظهار المعجزة لمن أراد الله تعالى توفيقه .

* (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) صفة إثر صفة وأخرت لأن تعليم الْكِتابَ وتفهيم ما انطوى عليه من الحكمة الإلهية والأسرار الربانية إنما يكون بعد التخلي عن دنس الشرك ونجس الشك بالاتباع ، وأما قبل ذلك فالكفر حجاب .

تفسير روح المعاني ج1 ص417

************************************

..:: 10- لماذا قال تعالى (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ  ) ثم قال تعالى (وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ والحكمة) ؟ ::..

1- قال تعالى : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) البقرة129

2- وقال تعالى : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) البقرة151 ..

ستجد في الآيتين السابقتين تقديم وتأخير في كلمة التزكية .. ففي دعاء سيدنا ابراهيم كان تأخير كلمة يزكيهم بعد الكتاب والحكمة .. وفي آية أخرى بعدها كان تقديم التزكية على الكتاب والحكمة .. فما الحكمة في تأخير التزكية مرة وتقديمها مرة أخرى؟

* قال الشيخ اسماعيل حقي النازلي رحمه الله (المتوفى: 1127هـ):

واعلم ان العمل بالقرآن متفرع على معرفة معناه .. وهو (أي معناه) متفرع على معرفة ألفاظه .. والتزكية غاية أخيرة لأنها متفرعة على العمل .. لكنها قدمت في الذكر نظرا الى تقدمها في التصور ..

روح البيان ج1 ص255

* قال الشيخ بن عجيبة رحمه الله (المتوفى: 1224هـ):

 وقدم هنا التزكية على التعليم ، باعتبار القصد لأن القصد من الإرسال والتعليم هو التطهير ..

وأخره في دعوة إبراهيم باعتبار الفعل ، لأن الإرسال والتعليم مقدم على التطهير ..

وأعاد العامل في قوله: (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) إيذاناً بأنه جنس آخر شرفاً له .

البحر المديد ج1 ص183

* قال الإمام الألوسي رحمه الله  (المتوفى: 1270هـ) :

(وَيُزَكِّيكُمْ) أي يطهركم من الشرك وهي صفة أخرى للرسول وأتى بها عقب التلاوة لأن التطهير عن ذلك ناشيء عن إظهار المعجزة لمن أراد الله تعالى توفيقه .

(وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) صفة إثر صفة وأخرت لأن تعليم الْكِتابَ وتفهيم ما انطوى عليه من الحكمة الإلهية والأسرار الربانية إنما يكون بعد التخلي عن دنس الشرك ونجس الشك بالاتباع ، وأما قبل ذلك فالكفر حجاب .

تفسير روح المعاني ج1 ص417

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ) :

وَقُدِّمَتْ جُمْلَةُ: (وَيُزَكِّيكُمْ) عَلَى جُمْلَةِ: (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) هُنَا عَكْسُ مَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ فِي حِكَايَةِ قَول إِبْرَاهِيم: ( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ) الْبَقَرَة: 129 ..

لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَا لِلِامْتِنَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَدَّمَ فِيهَا مَا يُفِيدُ مَعْنَى الْمَنْفَعَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ تِلَاوَةِ الْآيَاتِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ مَنْفَعَةُ تَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمُ اهْتِمَامًا بِهَا .

وَبَعْثًا لَهَا بِالْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ وَسَائِلِهَا وَتَعْجِيلًا لِلْبِشَارَةِ بِهَا .

فَأَمَّا فِي دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ فَقَدْ رُتِّبَتِ الْجُمَلُ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِ حُصُولِ مَا تَضَمَّنَتْهُ فِي الْخَارِجِ ، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ التَّخَالُفِ مِنَ التَّفَنُّنِ.

التحرير والتنوير ج2 ص49-50

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1- ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) البقرة129

هنا قدم العلم وأخر التزكية .. لأنه لا تزكية صحيحة بغير علم صحيح .. وهذا توجيه إلى أن من يريد التزكية فعليه بالعلم الحق أولا .. حتى يتزكى حقا .. لأنه لو زكت القلوب كانت أقوى في استقبال العلم والعمل بمنهج السماء ..

2- ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) البقرة151

هنا بعد تحقيقهم بالإيمان وحدوث المقصد من العلم الإلهي (الكتاب والحكمة) .. وهو التزكية القلبية والعقلية والروحية (التزكية الباطنية) .. فهي إنما تمت من إيمانهم بالكتاب الذي يتلى عليهم ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) .. بل ولازالوا في محل تلقي العلم السماوي .. لأن الفعل المضارع (يتلو – يعلمكم – يزكيكم) .. يدل على أنهم لازالوا في محل ارتقاءات .. !!

ولكن لما زكت نفوسهم بالإيمان قدمها ليرشدنا إلى أن هذا هو المقصد من وراء العلم الإلهي والحكمة النبوية .. وأنه مهما زكت نفسك فأنك ستظل في محل التعليم من العلم الإلهي والحكمة النبوية .. مهما بلغت في مقام التزكية ..!!

وكلما زكت القلوب كانت أقوى في معرفة العلم الإلهي والحكمة النبوية وفهم مقاصد الدين والفقه فيه ..

والله أعلم .

*************************************

..:: 11- ماذا أفاد تأخير وتقديم كلمة التزكية في آيات سورة البقرة ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* ما ترشدنا إليه الآيتين في سورة البقرة عن التزكية  :

باختصار : لا تزكية بدون علم ولا عمل ..!!

* وإليك التفصيل :
1- التزكية هي مقصد الكتاب والحكمة .. فمن لم يزكو حاله ظاهرا وباطنا .. ويتغير إلى الأفضل إيمانيا .. فهو لم يفقه شيئا من الكتاب والسنة ..!!

2- وحتى تزكو إيمانيا (قلبا وعقلا وروحا) لابد من تحصيل العلم من الكتاب والسنة .. ثم تعمل بما تعلمته .. وإلا فأنت لم تفعل شيئا إلا أنك جعلت مزيد من الحجة عليك لأنك علمت ولم تعمل ..!!

3- الفعل المضارع في كلمات (يعلمهم – يزكيهم) .. حتى تفهم أن كلام الله وحكمة نبيه طلبا لتزكية النفس ابتغاء مرضاة الله .. هي مصادر عطاء متجددة لكل مؤمن يطلب في حاضره وزمنه أن يزكو بنفسه طلبا لله ..

4- التزكية في الإسلام .. هي مأخوذة من الكتاب والسنة .. وطالما هي من كلام الله واتباع رسوله .. فهي ابتغاء مرضاة الله ورجاء في عفوه وغفرانه .. وليس تزكية للنفس من أجل الحصول على كرامات خاصة .. فافهم الفرق بين تزكية الإسلام وتزكية غير اهل الإسلام ... !!

5- قد تتشابه الأسباب في قهر النفس بين أصحاب الديانات جميعا .. ولكنها تختلف في الوسائل والمقاصد ..

فوسيلة التزكية عند المسلم هي الكتاب والسنة .. ومقصده هو طلب رضا الله وهدايته وعفوه وغفرانه ورحمته .. فافهم .!!

6- لا تعتقد أن التزكية هي شطارة منك .. لا .. لأن التزكية بدايتها ووسطها ونهايتها مفتاحها هو (لا حول ولا قوة إلا بالله) .. ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر15 .. فمن يفقد الإفتقار إلى مولاه .. فقد عبد هواه .. ولذلك العاقبة للمتقين المفتقرين إلى الله في كل أحوالهم ..!!

7- ومن سلك واتبع طريق الله بصدق الإفتقار وجد فضل الله محيط به بتزكيته له .. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور21 ..

فهي ليست شطارة منك ولا كثرة علم ولا مجهود زائد .. وإنما هو صدق عمل مع الله .. يتبعه فضل من الله عليك .. ولذلك لا يصح منك الفرار إلا بصدق الإفتقار .. أي لا يصح أن تعمل بقوله (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) الزمر50 .. بدون أن تعمل بقوله (وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى . إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ) الليل20-19

8- معنى أن الرسول يزكي المؤمنين .. أي يطهرهم من جهل الشرك إلى كرامة التوحيد ، ويخلصهم من عيوب النفس الأمارة بالسوء .. وذلك بأن يرشدهم إلى الأسباب التي تطهرهم من الضلال والإنحراف والشرك والمعاصي وقهر النفس الأمارة بالسوء بجهادها ..!!

ولكن ما الحكمة من وراء ذلك ؟

ليجعلهم أنوار تستمد من الحق حتى تكون دليلا إلى الحق بالحق  ..

والله أعلم .

********************************

..:: الفصل الخامس والعشرون ::..

*******************************

..:: ما معنى (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى 

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..