ج4: رسالة معنى (النبي الأمي) - هل كان النبي غير مؤمن كما نفهم من آية القرآن - هل كان أهل مكة أميين أم جهلاء - لماذا وصف الله الكافر بأنه أقل من البهائم - وما الإشارة في سجود الملائكة لآدم - أمية النبي وعلاقتها بحسد اليهود - ما الفرق بين الأمي والجاهل .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء الرابع)

:: رسالة ::

:: حقيقة معنى ( النبي الأمي ) ::

في اللغة والحديث والقرآن العربي

وفي قلب كل عالم تقي .. وعارف ولي

* فهرس :

..:: الفصل السادس ::..
1- ماذا قال علماؤنا في وصف أمية النبي ؟

..:: الفصل السابع ::..

1- ما الفرق بين الأمي والجاهل ؟

2- الأمية البشرية .. هي أمية فطرة وإدراك وجهل ؟

3- هل كان أهل مكة أميين أم جهلاء ؟

4- لماذا وصف الله الكافر بأنه أقل من البهائم ؟

5- وما الإشارة في سجود الملائكة لآدم ؟

..:: الفصل الثامن ::..

6- أمية النبي وعلاقتها بحسد اليهود ؟
7- مسألة :هل كان النبي غير مؤمن كما نفهم من آية القرآن ؟

************************

اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي ..

دليل الحائرين  إلى روضات الكريم ..

بكرامة قوله ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ..

وعلى آله وسلم .

**************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل مع بعض .. رسالة حقيقة معنى "النبي الأمي" .. مع بعض الإشارات اللطيفة .

* وهنا نتكلم عن مفهوم الأمية البشرية .. وماذا قال علماؤنا رحمهم الله في مفهوم هذه الأمية .. وما الفرق بين الأمي والجاهل .. مع التوضيح لبعض المسائل البسيطة التي ستجد فيها نفع إن شاء الله ..

* نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

*************************

..:: الفصل السادس ::..

****************************

..:: ماذا قال علماؤنا في مفهوم أمية النبي ؟ ::..

:: بمعنى أنه لا يقرأ ولا يكتب ..!! ::

انتبه : فعلماؤنا يتكلمون عن أمية النبي البشرية .. حيث أنهم يدافعون عن بشريته وليس عن نبوته .. ثم يربطونها بشرف النبوة ..

* قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله في قوله تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) الأعراف157  :

الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: كَوْنُهُ أُمِّيًّا . قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْأُمِّيَّ الَّذِي هُوَ عَلَى صِفَةِ أُمَّةِ الْعَرَبِ .

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: « إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ »

فَالْعَرَبُ أَكْثَرُهُمْ مَا كَانُوا يَكْتُبُونَ وَلَا يَقْرَءُونَ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ كَذَلِكَ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ أُمِّيًّا .

* قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ وَكَوْنُهُ أُمِّيًّا بِهَذَا التَّفْسِيرِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مُعْجِزَاتِهِ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّه تَعَالَى مَنْظُومًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلِ أَلْفَاظِهِ وَلَا تَغْيِيرِ كَلِمَاتِهِ وَالْخَطِيبُ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا ارْتَجَلَ خُطْبَةً ثُمَّ أَعَادَهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُزِيدَ فِيهَا وَأَنْ يُنْقِصَ عَنْهَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أَنَّهُ مَا كَانَ يَكْتُبُ وَمَا كَانَ يَقْرَأُ يَتْلُو كِتَابَ اللَّه مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا تَغْيِيرٍ. فَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الْأَعْلَى: 6]

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُ الْخَطَّ وَالْقِرَاءَةَ لَصَارَ مُتَّهَمًا فِي أَنَّهُ رُبَّمَا طَالَعَ كُتُبَ الْأَوَّلِينَ فَحَصَّلَ هَذِهِ الْعُلُومَ مِنْ تِلْكَ الْمُطَالَعَةِ فَلَمَّا أَتَى بِهَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ وَلَا مُطَالَعَةٍ، كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَهَذَا هُوَ المراد من قوله: (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 48]

الثَّالِثُ: أَنَّ تَعَلُّمَ الْخَطِّ شَيْءٌ سَهْلٌ فَإِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ ذَكَاءً وَفِطْنَةً يَتَعَلَّمُونَ الْخَطَّ بِأَدْنَى سَعْيٍ، فَعَدَمُ تَعَلُّمِهِ يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانٍ عَظِيمٍ فِي الْفَهْمِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى آتَاهُ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ وَأَعْطَاهُ مِنَ الْعُلُومِ وَالْحَقَائِقِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، وَمَعَ تِلْكَ الْقُوَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ جَعَلَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّمِ الْخَطَّ الَّذِي يَسْهُلُ تَعَلُّمُهُ عَلَى أَقَلِّ الْخَلْقِ عَقْلًا وَفَهْمًا، فَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ جَارِيًا مَجْرَى الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَجَارٍ مَجْرَى الْمُعْجِزَاتِ.

التفسير الكبير ج15 ص380

* وقال الفخر الرازي في موطن آخر :

الْمُعْجِزَاتُ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي ذَاتِهِ الْمُبَارَكَةِ، وَأَجَلُّهَا وَأَشْرَفُهَا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا أُمِّيًّا لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْ أُسْتَاذٍ، وَلَمْ يُطَالِعْ كِتَابًا، وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مُجَالَسَةُ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ مَا كَانَتْ مَكَّةُ بَلْدَةَ الْعُلَمَاءِ، وَمَا غَابَ رَسُولُ اللَّه عَنْ مَكَّةَ غَيْبَةً طَوِيلَةً يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي مُدَّةِ تِلْكَ الْغَيْبَةِ تَعَلَّمَ الْعُلُومَ الْكَثِيرَةَ، ثُمَّ إِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالتَّحْقِيقِ وَأَظْهَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى عُلُومِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، فَكَانَ ظُهُورُ هَذِهِ الْعُلُومِ الْعَظِيمَةِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا أُمِّيًّا لَمْ يَلْقَ أُسْتَاذًا وَلَمْ يُطَالِعْ كِتَابًا مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ).

التفسير الكبير ج15 ص385

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَالْأُمِّيُّ: الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ، قِيلَ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ أَيْ هُوَ أَشْبَهُ بِأُمِّهِ مِنْهُ بِأَبِيهِ ، لِأَنَّ النِّسَاءَ فِي الْعَرَبِ مَا كُنَّ يَعْرِفْنَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ ، وَمَا تَعَلَّمْنَهَا إِلَّا فِي الْإِسْلَامِ ، فَصَارَ تَعَلُّمُ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ مِنْ شِعَارِ الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ .

أَمَّا الرِّجَالُ فَفِيهِمْ مَنْ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ.

وَقِيلَ : مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمَّةِ أَيِ الَّذِي حَالُهُ حَالُ مُعْظَمِ الْأُمَّةِ ، أَيِ الْأُمَّةِ الْمَعْهُودَةِ عِنْدَهُمْ وَهِيَ الْعَرَبِيَّةُ ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُمُ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ إِلَّا النَّادِرُ مِنْهُمْ ، وَلِذَلِكَ يَصِفُهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالْأُمِّيِّينَ ، لِمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) فِي آلِ عِمْرَانَ [75] .

وَالْأُمِّيَّةُ : وَصْفٌ خَصَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ رسله مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِتْمَامًا لِلْإِعْجَازِ الْعِلْمِيِّ الْعَقْلِيِّ الَّذِي أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ، فَجَعَلَ الْأُمِّيَّةَ وَصْفًا ذَاتِيًّا لَهُ، لِيُتِمَّ بِهَا وَصْفَهُ الذَّاتِيَّ وَهُوَ الرِّسَالَةُ، لِيُظْهِرَ أَنَّ كَمَالَهُ النَّفْسَانِيَّ كَمَالٌ لَدُنِّيٌّ إِلَهِيٌّ، لَا وَاسِطَةَ فِيهِ لِلْأَسْبَابِ الْمُتَعَارَفَةِ لِلْكِمَالَاتِ، وَبِذَلِكَ كَانَتِ الْأُمِّيَّةُ وَصْفَ كَمَالِ فِيهِ، مَعَ أَنَّهَا فِي غَيْرِهِ وَصْفُ نُقْصَانٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَسَدَادِ الْعَقْلِ مَا لَا يَحْتِمَلُ الْخَطَأَ فِي كُلِّ نَوَاحِي مَعْرِفَةِ الْكِمَالَاتِ الْحَقِّ، وَكَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ عِلْمِهِ، وَبَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ، مَا هُوَ أَعْظُمُ مِمَّا حَصَلَ لِلْمُتَعَلِّمِينَ، صَارَتْ أُمِّيَّتُهُ آيَةً عَلَى كَوْنِ مَا حَصَلَ لَهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ فَيُوضَاتٍ إِلَهِيَّةٍ.

التحرير والتنوير ج9 ص133 .. مختصرا

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

وقد وصف الله- تعالى- رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بأوصاف كريمة تدعو العاقل المنصف إلى اتباعه والإيمان به.

الوصف الأول: أنه رسول الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.

الوصف الثاني: أنه نبي أوحى الله إليه بشريعة عامة كاملة باقية إلى يوم الدين.

الوصف الثالث: أنه أمي ما قرأ ولا كتب ولا جلس إلى معلم ولا أخذ علمه عن أحد ولكن الله- تعالى- أوحى إليه بالقرآن الكريم عن طريق جبريل- عليه السلام-، وأفاض عليه من لدنه علوما نافعة ومبادئ توضح ما أنزله عليه من القرآن الكريم، فسبق بذلك الفلاسفة والمشرعين والمؤرخين وأرباب العلوم الكونية والطبيعية، فأميته مع هذه العلوم التي يصلح عليها أمر الدنيا والآخرة، أوضح دليل على أن ما يقوله إنما هو بوحي من الله إليه.

قال تعالى: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) «الشورى52» .

وقال- سبحانه- (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) «العنكبوت48» .

التفسير الوسيط ج5 ص391

ويقول طنطاوي رحمه الله :

وفي وصفه صلّى الله عليه وسلّم بالأمية مرة ثانية ، إشارة إلى كمال علمه، لأنه مع عدم مطالعته للكتاب، أو مصاحبته لمعلم. فتح الله له أبواب العلم، وعلمه ما لم يكن يعلم من سائر العلوم التي تعلمها الناس عنه، وصاروا بها أئمة العلماء وقادة المفكرين، فأكرم بها من أمية تضاءل بجانبها علم العلماء في كل زمان ومكان.

التفسير الوسيط ج5 ص396

* قال الشيخ عبد الرحمن السلمي رحمه الله :

قال ابن عطاء : الأمي : من لا يعلم من الدنيا شيئا ولا في الآخرة إلا ما علمه ربه ، حالته مع  الله حالة واحدة وهو الطهارة بالافتقار إليه والاستغناء عما سواه .

تفسير السلمي ج1 ص246

* قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره : الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبع سنته ولزم طريقته لان طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه وعلى المقتفين اثره والمتابعين سنته .

روح البيان ج3 ص257

*****************************

..:: الفصل السابع ::..

****************************

..:: ما الفرق بين الإنسان الأمي والجاهل ؟ ::..

* الإنسان الأُمِّي : هو الذي يكون كما ولدته أمه .. ولذلك يقولون على مَن لا يقرأ ولا يكتب .. أنه أمي .. أي كما ولدته أمه .

* فلفظ ( الأُمِّي ) : يقال لمن يظل على أصله كما ولدته أمه .. ولم يتلقى العلم بطريق الرسم (الكتابة والقراءة) ..

* الجاهل : هو الذي قد يكون يقرأ ويكتب وقد لا يكون كذلك .. إلا أنه يزيد عليه وصف يميزه .. وهو الفكرة الخاطئة أو الإعتقاد الخاطيء ..

* ويقال لغير المسلم أنه جاهل ضال : لأنه تبدلت فطرته السليمة بمعتقدات وأفكار خاطئة واستمر عليها بعد علمه بالعلم الصحيح ..

كما قال سيدنا هود ( قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) الأحقاف23

* مما سبق نختصره في الآتي :

1- فمن حيث تلقي العلم .. يكون أمي أو غير أمي .

2- ومن حيث صحة العلم .. يكون جاهل أو غير جاهل .

*********************************

..:: الأمية البشرية .. هي أمية فطرة وإدراك وجهل ::..

* قلنا سابقا .. أن أمية الشيء هي أصله الذي ينتسب إليه ..

وقد تكلمنا عن أن للنبي أمية نبوية .. وأمية بشرية ..

* والأمية البشرية هي قد تكون أمية فطرة أو أمية إدراك أو أمية جهل .. يعني إيه الكلام ده ؟

الإدراك هو التمييز بين الصواب والخطأ والفهم الصحيح للمسألة  .. سواء قلبيا أو عقليا .. ونقص الإدراك يأتي من ناحيتين :

* - أُمِّيَّة العلم : (عاجز عن تحصيل العلم لأنه لا يعلم القراءة والكتابة) .. فكان على أصل ولادته بأمه ..

* - وأُمِّيَّة المعلومة : (عاجز عن اتخاذ قرار لفقده العلم في ذلك) .. فكان على أصل ولادته لأمه أيضا ..

2- أمية الفطرة (أمية عقيدة) : وهي أنه لا يوجد عنده عقيدة خاطئة عن وجود رب للكون واحد أحد .. فهو على أصل فطرته .. التوحيد ..

3- أمية الجاهل .. هو الذي يعلم أمور خاطئة ويعتقدها ويدافع عنها بالرغم من صحة ما وصله من صحيح الواقع .. ولكنه قرر أن ينسب نفسه لما هو ضال ومنحرف وغير صحيح .. ولذلك هو جاهل .

****************************************

..:: هل كان أهل مكة أميين أم جهلاء ؟ ::..

* وقد يسأل أحد سؤال : ولكن القرآن وصف أهل مكة بالأميين .. ولم يصفهم بالجهلاء بالرغم من كونهم كانوا يعبدون الأصنام ؟

أقول لك : وصفهم بأمية الرسم والعلم (أمية الإدراك) وليس بأمية الجهل .. ولذلك قال في حقهم ( لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) يس6  ..

* فنقص العلم والمعلومة أوقفهم عند درجة الأمية .. أي أوقفهم عند أمية الإدراك ..

ولكن حينما يعلم الإنسان العلم الحق والمعلومة الصحيحة .. ثم يجحد وينكر .. فأن الله ينزلهم إلى مرتبة الجهل .. كما قال النبي لقومه لما جحدوا التوحيد : ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ) الزمر64 .. هود عليه السلام ( وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) الأحقاف23 .

* يبقى الإنسان الذي يظل على جهالته بعد العلم الصحيح والمعلومة الصحيحة .. يستحق أن ينزل لمرتبة الجهلاء .. بل وقد ينزل لمرتبة البهائم لكونه كان معه الإدراك العقلي والعلم الصحيح فجحده وأنكره ليستمر على فساد طبعه ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف179  ..!!

*********************************

..:: لماذا وصف الله الكافر بأنه أقل من البهائم ؟ ::..

( وما الإشارة في سجود الملائكة لآدم ؟ )

* وقد يسأل سائل : لماذا قال تعالى في منكري التوحيد ورسالة النبي .. ( بل هم أضل ) .. أي أقل من البهائم في الإدراك والتمييز العقلي .. ؟

قلت لك : حتى يبين لك أن البهائم تعلم ما ينفعها فتتبعه وتعلم ما يضرها فتبتعد عنه .. ولكن الإنسان قد علم ما ينفعه ويصلحه ومع ذلك أصر على مخالفته ما فيه مصلحته ومنفعته .. فكان أقل من البهائم في الإدراك ..!!

* ولذلك الإنسان لو أطاع ربه واجتهد في ذلك ليتطهر ويزكي نفسه .. فقد يرتقي لمنزلة أعلى من الملائكة عند الله .. ويؤيدك بالملائكة ..

وسجود الملائكة لآدم .. ما هو إلا إشارة أن إلى ان الإنسان الطاهر في قلبه وروحه وعقله .. سيكون مؤيدا بملائكة الله .. وسيكون مؤيدا بها من الله .

ولكن لما الإنسان يغفل ويبتعد عن طريق الله فإنه ينزل عن درجة البهيمية .. !!

فانتبه ..

******************************

..:: الفصل الثامن ::..

***************************

..:: أمية النبي وعلاقتها بحسد اليهود ..! ::..

* كما قلنا سابقا أن المرتين التي جاء فيها لفظ (الأمي) في القرآن .. جاء في حالة وصف لكلمة النبي ..!! ولم تأتي كلمة (الأمي) منفردة !!!

فكلمة (النبي) هي في حد ذاتها مانعة أن تجعله أميا ..!!

* فكيف لرجل يأتيه خبر السماء ويكون أميا ؟!!

* وكيف يصف أمته بأنها أمة أمية .. كما جاء في الحديث ؟ وكيف سينادي علينا يوم القيامة بأننا أمة أمية ؟ في حين أن كثير من أمة النبي الآن تقرأ وتكتب ..!! (نحنُ آخرُ الأممِ ، وأوَّلُ مَن يُحاسَبُ ، يقالُ: أينَ الأُمَّةُ الأمِّيَّةُ ، ونبيُّها فنَحنُ الآخرونَ الأوَّلونَ) ..

فكيف يفتخر بأن أمته أميه ؟ وكيف يصفها بالأمية ونحن نقرأ ونكتب ؟

* إذن الأمية في حق (النبي الأمي) ليست أمية قراءة وكتابة .. لأنها أمية تلقي من الله .. أي يأخذ نبوته من مصدرها الأصل وهو الله ..

ولو كانت أمية قراءة وكتابة .. فلماذا حسد اليهود النبي صلى الله عليه وسلم ..؟!

أيحسدونه على أنه لا يقرأ ولا يكتب ..!!

* وإنما طعن اليهود في أمية النبي ليس لكون لا يقرأ ولا يكتب .. لا .. أنتم فهمتم خطأ .. لأنهم يعرفون أن المتلقي عن مولاه لا يخطيء أبدا ..

وإنما كان سبب حسرتهم .. أن النبوة انقطعت عنهم لأنه الأمي الخاتم ولا نبوة بعده ..!!

ولذلك وصفهم الحق بقوله ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة109 ،  ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) النساء54 ..

********************************

(مسألة : عن أمية الفطرة)

..:: هل كان النبي غير مؤمن كما نفهم من آية القرآن ::..

* بخصوص أمية الفطرة فمعناها .. أن النبي كان على فطرته التي فطره الله عليها وهو اعترافه قلبيا بوجود إله خالق واحد رب للكون كله .. ولذلك لم يسجد لصنم ولم يتقرب لصنم ..

يقول تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم30 ..

وفطرة الله هي المشار إليها حين أخذ الله الناس من ظهر بني آدم وسألهم .. حيث قال تعالى ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) الْأَعْرَافِ172 .. فَقَالُوا: (بَلَى شهدنا) ..

ولعل تبديل خلقة الله هو المشار إليه في الحديث ( ما من مولودٍ إلا يولَدُ على الفَطرَةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه أو يُمَجِّسانِه ) ..

والله أعلم .

* ولكن قد يتساءل العقل فيقول : هل هناك تناقض مع قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى52 ..؟

* قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله :

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الرُّسُلُ كَانُوا قَبْلَ الْوَحْيِ عَلَى الْكُفْرِ ..

وَذَكَرُوا فِي الْجَوَابِ وُجُوهًا :

الْأَوَّلُ: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ أَيِ الْقُرْآنُ وَلَا الْإِيمانُ أَيِ الصَّلَاةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ .

الثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَمَنْ أَهْلُ الْإِيمَانِ، يعني مَنِ الَّذِي يُؤْمِنُ، وَمَنِ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ .

الثَّالِثُ: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ حِينَ كُنْتَ طِفْلًا فِي الْمَهْدِ .

الرَّابِعُ: الْإِيمَانُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِقْرَارِ بِجَمِيعِ مَا كَلَّفَ الله تعالى به، وإنه قَبْلَ النُّبُوَّةِ مَا كَانَ عَارِفًا بِجَمِيعِ تَكَالِيفِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ إِنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِاللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ .

الْخَامِسُ: صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهَا مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِمَحْضِ دَلَائِلِ الْعَقْلِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا بِالدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ. فَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي لَمْ تَكُنْ مَعْرِفَتُهُ حَاصِلَةً قَبْلَ النُّبُوَّةِ .

مفاتيح الغيب ج27 ص114-115

* قلت (خالد صاحب الرسالة) :

القول الأول والرابع في كلام الفخر الرازي هو ما أميل إليهما .. لأن الله لم يقل ما الإيمان ولا الكتاب .. ولكنه بدأ بنفي معرفته بالكتاب أولا مضيفا الإيمان لهذا النفي بعده  .. 

فدل ذلك على أن الإيمان مجمل التعاليم الدينية التكليفية المطلوبة فعلها المذكورة في الكتاب ..

وكأن الله سبحانه يقول : ما كنت تعرف ما هو القرآن كلام الله ولا التعاليم الإيمانية المودعة فيه والتي يجب اتباعها لتصل بها إلى معرفتي ومرضاتي .. 

أو قد يكون المقصود بالإيمان هو الصلاة بهيئتها المعروفة الآن على وجه الخصوص ..!! 

والله أعلم .

  

********************************

..:: الفصل السابع ::..

(نتحدث فيه عن مفهوم أمية الرسم)

*********************************

..:: ما الفرق بين سيدنا محمد النبي والبشري ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

******************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..