ج9: رسالة معنى (النبي الأمي) - هل القرآن ينكر العلم الفلكي أم يشجع على تعليمه - هل تقديم الرؤية العينية ينفي العلم الفلكي - هل انتفاء الأمية يسقط حكم الرؤية العينية - ما الذي عليه الجمهور (العلم أم الرؤية) - نظرات في اجتهاد بن تيمية حول حديث (إنا أمة أمية) .

بسم الله الرحمن الرحيم

(الجزء التاسع)

:: رسالة ::

:: حقيقة معنى ( النبي الأمي ) ::

في اللغة والحديث والقرآن العربي

وفي قلب كل عالم تقي .. وعارف ولي

* فهرس :

..:: الفصل السابع عشر ::..

1- مراجعة سريعة في فقه الحديث السابق ؟

2- ما الدليل على أن الحديث خاص بمسألة الهلال فقط ؟

3- هل القرآن ينكر العلم الفلكي أم يشجع على تعليمه ؟

4- هل تقديم الرؤية العينية ينفي العلم الفلكي ؟  

5- هل انتفاء الأمية يسقط حكم الرؤية العينية ؟

6- ما الذي عليه الجمهور (العلم أم الرؤية) ؟

..:: الفصل الثامن عشر ::..

7- نظرات في اجتهاد بن تيمية حول حديث (إنا أمة أمية)  ؟

************************

اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي ..

الطاهر الزكي .. الساكن بقلبه في حضرة مولاه العلي ..

وعلى آله وسلم . 

************************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نستكمل مع بعض .. رسالة حقيقة معنى "النبي الأمي" ..

* في هذا الجزء نناقش مسألة مهمة في الحديث الشريف (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) وهي رؤية الهلال ..

هل الرؤية العينية وحدها تكفي ؟

هل الحساب الفلكي وحده يغني عن رؤية العين ؟

هل كلاهما جائز ؟

أم غير ذلك ..!!

* ثم انتقل لمناقشة لبعض ما ذكره الإمام بن تيمية رحمه الله في كلامه على حديث ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) .. 

* تعالوا نبحث في  الأمر ..

* نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

******************************************

..:: الفصل السابع عشر ::..

************************************

..:: ( مراجعة سريعة في فقه الحديث السابق ) ::..

* قلت : ( خالد صاحب الرسالة ) ..

* يتضح لي من شرح الحديث :

أولا : أن الرسول يقصد مخاطبة أمته وليس العرب فحسب .. ولكم كان غالب أمته حينئذ هم العرب المحيطين به .. وكان أكثرهم أميون في التعليم .

ثانيا : أن علة حكم الرؤية هو للتخفيف والتيسير حيث أنهم لا علم لهم بالحساب الفلكي ولا دراية لهم بما في الكتب .

ثالثا : أن الرسول حسم الأمر في أن عبادة شهر رمضان تعتمد على النظام القمري وليس الشمسي .

رابعا : يتضح من الحديث أن مسألة ( لا نكتب ولا نحسب ) خاص برؤية الهلال فقط دون غيره .. ولذلك جاء في الحديث واضحا ( صُوموا لرؤيتِه وأفطِروا لرؤيتِه ) .. فهذا أمر مباشر مرتبط بالرؤية ..

* فإذا علمت ما سبق .. فهنا تظهر أسئلة قد تخطر على العقل .. أذكرها لكم في ثلاث أسئلة .. فتابع معي ..

*********************************

(1)

..:: ما الدليل على أن الحديث خاص بمسألة الهلال فقط ؟ ::..

* قد يقول قائل : أن جملة (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) .. تفيد الإطلاق العام ولا تخصيص لها .. وبالتالي هي تفيد زمانها التي قيلت فيه .. !!

* قلت لك : لو كان الأمر كذلك فلماذا جاء بعدها توصيف لعدة الشهر ..؟

وما الفائدة التي تعود عليهم حينما يذكرهم بأميتهم البشرية أو التعليمية ؟!!

ولو كان الظن أن الخبر في الحديث مطلق دون تخصيص .. فهذا يجعلنا نفهم أن نفي الكتابة والحساب هو صفة لازمة لنا ويجب العمل بها ..!!

وهذا كلام لم يقل به عالم .. ولا يقول به عاقل ..!!

* فثبت من ذلك أن مقدمة الحديث بصيغة المطلق العام لبيان سبب رفع الحرج والتيسير في مسألة معينة سيذكرها بعد هذه المقدمة .. بدليل نهاية الحديث ( الشهر كذا أو كذا) .. فكانت مقدمة الحديث هو لبيان معرفة حكم شرعي خاص بمسألة معينة .. ترتب على مقدمة الحديث ..

  

* وما سبق بيانه على افتراض لو نظرنا لكلمة الأمية أنها بمعنى الأمية البشرية "التعليمية" ..!!

* قال الشيخ بن تيمية رحمه الله :

النَّفْيَ وَإِنْ كَانَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَكُونُ عَامًّا فَإِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ عُلِمَ بِهِ الْمَقْصُودُ أَخَاصٌّ هُوَ أَمْ عَامٌّ ؟ فَلَمَّا قَرَنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ) وَ (الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ) بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّا لَا نَحْتَاجُ فِي أَمْرِ الْهِلَالِ إلَى كِتَابٍ وَلَا حِسَابٍ إذْ هُوَ تَارَةً كَذَلِكَ وَتَارَةً كَذَلِكَ . وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا هُوَ الرُّؤْيَةُ فَقَطْ .

الفتاوى 25/174

*************************

(2)

..:: هل القرآن ينكر العلم الفلكي أم يشجع على تعليمه ؟ ::..

* الحق أن العلم الفلكي مثبت في القرآن .. وفيه دلالة واضحة على وجوب تعلم العلم الفلكي .. فاقرأ قول الحق سبحانه وتعالى :

1- (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) يونس5 .

هل يوجد أوضح من كلام الله السابق (لتعلموا) ..!!

أفلا تعقلون ..!!

2- وقوله  ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) النحل16

ما فائدة العلامات إن لم تكن وسيلة للتنبيه على رسم الخرائط الجغرافية للأرض .. وكذلك ما فائد الاهتداء بالنجوم هو دليل على رسم خريطة فلكية للسماء لينتفع بها اهل الأرض في رحلاتهم البحرية أو الفضائية او غير ذلك ..!!

أبعد ذلك ننكر العلم والمعرفة في اتخاذها وسيلة لتحديد مواقيت العبادات ..!!

فما يقول بذلك إلا جاهل بلا ريب ..!!

3- وقوله  ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) الرحمن5

فما فائدة تعريفه لنا بأن الشمس والقمر بحسبان .. إلا لو كان لهذا علم ومعرفة أوجدها الحق في الوجود ليقتبس منها الإنسان معرفة تعينه على إدارة شئون حياته ..!!

أبعد ذلك ننكر العلم والمعرفة في اتخاذها وسيلة لتحديد مواقيت العبادات ..!!

* ولكن في مسألة تحديد الهلال بالذات الرؤية العينية مقدمة ثم يزكيها العلم وليس العكس .. لوجود الأمر النبوي بوجوب الرؤية العينية (صوموا لرؤيته) .. !!

**********************************

(3)

..:: هل تقديم الرؤية العينية ينفي العلم الفلكي ؟ ::..

* الحديث كما قلنا :

1- هو خاص بمسألة معينة وهي رؤية الهلال فقط .. ولكن ليس فيه نهيا عن العلم الفلكي والمعرفة الفلكية ..!!

ولكن الرؤية العينية مقدمة في هذه المسألة .. سواء بصريا أو بوسيلة كآلة كالتليسكوب الفلكي .. لأن الأمر النبوي حسم الموضوع (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) .. ولا مجال لمن يتحجج بأن الموضوع مرتبط بأمية التعليم .. لأن الأمر النبوي ما هو إلا وحي إلهي ( وما ينطق عن الهوى ) .. يبقى لازم اتباعه .. !!

* وتقديم الأمر النبوي ليس معناه تجاهل العلم الفلكي .. وإلا كان ذلك مخالف لنصوص القرآن .. ( والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) يونس5 ..

وأيضا ليس معناه أن نأخذ به في هذه المسألة "مسألة الرؤية" .. لأن الأمر النبوي أو الوحي الإلهي أوقف الأمر على الرؤية .. فأصبحت مسألة وقفية لا نتخطاها لغيرها .

* وعمل الأمة في الزمن الحالي يعتمد على العلم في تحديد المواقيت الفلكية للعبادات .. من خلال مواقيت الساعات للصلاة .. !!

فلم يعد أحد يتبين الخيط الأبيض من الأسود حتى يتوقف عن الطعام والشراب ويبدأ صوم اليوم ..!!

ولا ينظر لارتفاع الشمس لمعرفة صلاة الضحى .. ولا ينظرون لغياب الشمس لمعرفة صلاة المغرب .. وهكذا ..!!

فكثير من الأمة الآن ينظر إلى الساعات اليدوية أو الموبايل أو برامج الأذان .. ويعمل عليها .. بل والمؤذنون يعملون على توقيت الحساب الفلكي المسبق تقديره في النتائج التي يتم توزيعها في بداية العام الميلادي كما في مصر .. !!

* وفعل الأمة هو اجماع للأمة على قبول الحساب الفلكي في مواقيت العبادات .. !!

ولكنهم جعلوا مسألة الرؤية لهلال شهر رمضان مقدمة على الحساب الفلكي للأمر النبوي (صوموا لرؤيته) ..!!

* بل العمل على مواقيت الصلاة ومعرفة بداية صوم اليوم بالتوقيت الفلكي قد بات محسوبا بدقة تبلغ درجة من اليقين الذي يطمئن له القلب .. وليس كما كان في عصور سابقة .. !!

* يبقى من ينكر العلم الفلكي في تحديد مواقيت العبادات .. فهو ينكر على نفسه أولا ما يفعله .. لأنه اتخذ من المواقيت سببا لعبادته .. فكيف ينكر الحساب الفلكي ..؟!!

وعليه أن يبطل عمل الساعات وحساباتها الزمنية .. وسيكون بالتالي بلا ريب إنسان قد ضل سواء السبيل ونسب نفسه لجماعة الجاهلين وليس الأميين ..!!

******************************

(4)

..:: هل انتفاء الأمية يسقط حكم الرؤية العينية ؟ ::..

( وما الذي عليه الجمهور ؟ )

* قلت : ( خالد صاحب الرسالة ) ..

1- هذا الحكم بالرؤية لن يسقط .. حتى مع المعرفة الفلكية وانتفاء الأمية .. لأن الأمر واضح في الحديث ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) .. !!

* والرؤية سواء كانت بالعين أو بأجهزة فلكية .. فلا فرق في ذلك .. لأن الأصل هو الرؤية .. والأجهزة ما هي إلا وسائل لتقريب الرؤية العينية .. لا أكثر .

* و قال الإمام بن حجر رحمه الله :

الْمُرَادُ بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَابُ النُّجُومِ وَتَسْيِيرُهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ، فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بِالرُّؤْيَةِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ، وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ ، بَل ظَاهِرُ السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلاً .

فتح الباري 4/127

2- من العلماء من أجاز الحساب من حديث (لا تصُوموا حتى تَرَوا الهلالَ ، ولا تُفْطِروا حتى تَرَوْهُ ، فإنْ غُمَّ عليكم فَاقْدُروا لهُ ) .

ففهم المجيز لاستخدام الحساب أن معنى (فاقدروا له) .. أي استعملوا ما وافق الحساب الفلكي ..

ولكنهم لم يمنعوا الرؤية العينية .. وإنما أجازوا الأخذ بالحساب عندما لا يرى الهلال في آخر شعبان وكان يوجد غيم يمنع رؤية الهلال .

* والمعترضين فهموا من كلمة (فاقدروا له) .. أي أتموا شعبان ثلاثون يوما .. وعلى هذا قول أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ (راجع الموسوعة الكويتية 22/34) .. ويوضح كلامهم ويثبت صحته حديث أبو هريرة (صوموا لرؤيَتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ ، فإنْ غبِّيَ عليكم (أي خفي عليكم) فأكملوا عدةَ شعبانَ ثلاثينَ) .

* وما عليه الجمهور هو الأصوب في فهم حديث (فاقدروا له) .. ولا حجة لمن فهم أن المقصود منه الحساب الفلكي .. 

والله أعلم .

3- قال بعض العلماء .. أن العلة تدور مع معلولها .. فلما انتهت الأمية .. فلا داعي للرؤية .. ونعتمد على الحساب خاصة وأن العلم دقيق ومحكم حاليا ..

* ولكن هذا كلام غير صحيح .. فالحق أن الرؤية أصل في الصيام سواء كانت رؤية عينية أو بآلة فلكية كالتليسكوب .. والرؤية أمر نبوي لا يصح مخالفته وإلا كنا آثمين لتعمد مخالفة كلامه ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ..

فضلا عن أن كل الناس لا تعرف الحساب الفلكي بالرغم من كونهم متعلمين ..!!

فهناك أمية علم (قد يعرف علم ولا يعرف سائر العلوم) ، وهناك أمية معلومة ( فتقد لا تعرف معلومة خاصة بعلمك الذي درسته) ، وهناك أمية تعليم "رسم" ( وهي عدم معرفة قواعد الكتابة والقراءة) ..

فالأمية البشرية لكل إنسان نصيب منها مهما بلغ من علم ..

* والذي يقول بأن الأمية لما ارتفعت عن الأمة فلا حاجة للرؤية .. كأنه يقول أن الحديث يشير إلى رفع الأمية الفلكية على الأمة وكأن الأمة قد أصبحت تعلم علم الفلك ..!!

فهل هذا كلام معقول ..!!

فما علاقة رفع الأمية بتعلم علم الفلك .. كما زعم من زعم .. ؟!

* ولكن نظرا لأن العبادة هي حق لكل مؤمن وحجة عليه في نفس الوقت .. في كل زمان ومكان مع اختلف درجات العلم .. فكانت الرؤية وسيلة لكل مسلم حتى لا تكون له حجة أنه لم يؤدي العبادة لعدم معرفته بما لم يستطع تحصيله ..!!

******************************************

..:: الفصل الثامن عشر ::..

************************************

..:: نظرات في اجتهاد بن تيمية حول حديث (إنا أمة أمية)  ::..

* قلت : ( خالد صاحب الرسالة ) ..

سأكتفي بتعليقين فقط على كلام الشيخ بن تيمية .. مع العلم أنني لا أرى أن الحديث فيه نهي تحريم للعلم الفلكي كما ذهب الشيخ رحمه الله .. !!

* بل الشيخ رحمه الله قد استنبط ذلك اجتهادا منه وهذا حقه .. ولكن الذي ليس من حقه أن يجعل من اجتهاده سببا لتأثيم الآخرين .. حيث يقول ( فَمَنْ كَتَبَ أَوْ حَسَبَ .. لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ . بَلْ يَكُونُ قَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهَا وَالْخُرُوجُ عَنْهَا مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ الْمَذْكُورَانِ مُحَرَّمَيْنِ مَنْهِيًّا عَنْهُمَا . (الفتاوى 25/165) .!!

* لأن التحريم وتأثيم الآخر لا يكون إلا بدليل قطعي .. فما بالك بتفسير ظني لحديث ..!!

وهذا ما جعل الإمام يدخل في وضع سؤال ترتب عليه إجابة لم يوفق فيها (سنذكرها بعد قليل في التعليق الثاني) .. !!

* وكان الأولى للإمام أن يستدل في المسألة بحديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) .. فمخالفة هذا الحديث تعني مخالفة النبي في أمره .. !!

* عموما سأكتفي بتعليقين يستحقا الوقوف عليهما لعل البعض لم ينتبه لما سأذكره ..

* تعليق أول :

وقد تصور الشيخ ابن تيمية سؤال وأجاب عنه :

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إخْبَارًا مَحْضًا أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ ؛ إذْ لَهُمْ طَرِيقٌ آخَرُ غَيْرُهُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ؛ بَلْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ فَإِنَّ الْأُمِّيَّةَ صِفَةُ نَقْصٍ لَيْسَتْ صِفَةَ كَمَالٍ فَصَاحِبُهَا بِأَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمْدُوحًا ؟

قِيلَ : لَا يَجُوزُ هَذَا لِأَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي بَعَثَهُ اللَّهُ إلَيْهَا فِيهِمْ مَنْ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ كَثِيرًا كَمَا كَانَ فِي أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ مَنْ يَحْسُبُ وَقَدْ بُعِثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي فِيهَا مِنْ الْحِسَابِ مَا فِيهَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَامِلُهُ عَلَى الصَّدَقَةِ ابْنُ اللتبية حَاسَبَهُ . وَكَانَ لَهُ كُتَّابٌ عِدَّةٌ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَمُعَاوِيَةَ - يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ وَيَكْتُبُونَ الْعُهُودَ وَيَكْتُبُونَ كُتُبَهُ إلَى النَّاسِ إلَى مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَيْهِ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَرُءُوسِ الطَّوَائِفِ: وَإِلَى عُمَّالِهِ وَوُلَاتِهِ وَسُعَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. الفتاوى (25/166) .

* قلت (خالد) :

الشيخ بن تيميه يحمل هذا الحديث على أنه خبر يحمل نهيا ويحرم من يستخدم الكتاب والحساب في مسألة الهلال .. وهذا رأيه حيث يقول : ( قَوْلَهُ: (إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ) هُوَ خَبَرٌ تَضَمَّنَ نَهْيًا . فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي اتَّبَعَتْهُ هِيَ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ أُمِّيَّةٌ لَا تَكْتُبُ وَلَا تَحْسُبُ. فَمَنْ كَتَبَ أَوْ حَسَبَ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ . (الفتاوى 25/165) ..

* ومعنى قول الشيخ بن تيمية (في هذا الحكم) .. أي في مسألة رؤية الهلال لا نكتب ولا نحسب .. والله أعلم .

* ولكن ما قاله الشيخ ردا على هذا الرأي أو السؤال الذي تصوره معترضا فيه على أن يكون في الحديث نهي .. أيضا قد جانبه فيه التوفيق .. ليه ؟

1- لأن الشيخ في رده حمل الحديث على محمل مطلق الكتابة والحساب .. في حين أن طوال شرحه للحديث كان يذكر في كلامه ما يشير إلى أنه نهي للكتاب والحساب في هذه المسألة (رؤية الهلال) ..!! كما ذكرنا في كلامه منذ قليل حيث قال (فَمَنْ كَتَبَ أَوْ حَسَبَ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ . الفتاوى 25/165) .

* بل وقال كما نقلنا عنه سابقا : ( النَّفْيَ وَإِنْ كَانَ عَلَى إطْلَاقِهِ يَكُونُ عَامًّا فَإِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ عُلِمَ بِهِ الْمَقْصُودُ أَخَاصٌّ هُوَ أَمْ عَامٌّ ؟ فَلَمَّا قَرَنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ) وَ (الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ) بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّا لَا نَحْتَاجُ فِي أَمْرِ الْهِلَالِ إلَى كِتَابٍ وَلَا حِسَابٍ إذْ هُوَ تَارَةً كَذَلِكَ وَتَارَةً كَذَلِكَ . وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا هُوَ الرُّؤْيَةُ فَقَطْ . الفتاوى 25/174)

* والشيخ بذلك يتعارض كلامه مع بعضه البعض !!

فهل هو يقول بمطلق نفي الكتابة والحساب أم يقول بتخصيص هذا النفي لهذه المسألة ؟

2- من ذكرهم الشيخ من الصحابة لا علاقة لهم بعلم الحساب الفلكي ولم يعرف عنهم ذلك .. فما وجه استدلال الشيخ بكونهم يحسبون أو يكتبون ..!!

والحديث الغرض منه توضيح مسألة الهلال .. !!

3- بل أن قاله الإمام مردود عليه بنص الحديث .. لأن الحديث يقول ( إنا امة أمية ) .. وكان موجود بينهم من ذكرهم بن تيمية بأنهم يكتبون ويحسبون ..!!

فلو كان منهم من يعرف هذا الحساب الفلكي حينئذ لعرفه المسلمون .. ولكن منهم من يحسب ويكتب في الأمور العادية دون الفلكية ..!!

4- ولماذا قال النبي بصيغة الجمع ( إنا أمة أمية ) .. جازما بذلك .. وهو يعلم أن منهم من يكتب ويحسب .. إلا لو كان لبيان أن الحاضرين انتفى عنهم العلم الخاص بالمسألة التي سيتكلم عنها ..!!

5- بل والأعجب في الإستدلال .. انه استدل بعامل الصدقة على وجود من يحسب ..!! فهل الحديث يشير لحساب الأرقام أم لحساب النجوم ..؟!!

* فجواب الشيخ بن تيمية على السؤال الذي تسآئله حين قال (فإن قيل : .....) .. هو مردود عليه ويبقى السؤال على أصله .. كما هو .. في أن الحديث ليس فيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ؛ بَلْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ ..!! وأن الحديث ليس فيه نهي للتحريم وإنما مجرد خبر تقريري لوضع قائم يصفه النبي . سيترتب عليه حكم شرعي .. !!

* ولكن السؤال الذي تسآئله الشيخ يكون رده في قول النبي ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .. فدل بذلك على أن العمل بالحساب في هذه المسألة لا يصح .. للأمر النبوي .. والأمر النبوي هو وحي .. وطالما هو وحي فهو أمر توقيفي لا نتجاوزه إلى غيره .. !!

والله أعلم .

* تعليق ثاني :

قال الشيخ بن تيمية : ( فَقَوْلُهُ: (إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ) لَيْسَ هُوَ طَلَبًا فَإِنَّهُمْ أُمِّيُّونَ قَبْلَ الشَّرِيعَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) .. الفتاوى (25/166) ) .

قلت (خالد) :

أعتقد أن الشيخ جانبه التوفيق حينما قال (أميون قبل الشريعة) .. ليه ؟

لوجود حديث عبد الله بن عباس عن النبي أنه قال : ( نحنُ آخِرُ الأمَمِ ، وأوَّلُ مَنْ يُحاسَبُ ، يقالُ : أينَ الأمَّةُ الأُمِّيَّةُ ونبيُّها فنحنُ الآخِرونَ الأوَّلونَ ) صحيح بن ماجه .

فالوصف لازال قائم وملازم للأمة في الآخرة ..؟!!

* وسبب قول الشيخ بن تيمية السابق .. لأنه جعل من نزول الكتاب على الأميين وكونهم ورثوا الكتاب .. بمثابة رفع الأمية عنهم .. كما قال الإمام في الفتاوى (25/167-169) ..

ولكن ليس معنى كونهم أنزل عليهم الكتاب وأورثهم الكتاب .. أن صفة الأمية ارتفعت عنهم .. لأن أمية العلم والمعلومة هي التي ارتفعت عنهم بالكتاب والحكمة .. ولكن أمية الرسم كانت لازالت صفة في أغلبهم .. أما عن أمية الإتباع فلازالت موجودة .. لأننا نتبع النبي الأمي ..!!

* وبنفس المقياس الذي ظنه الشيخ .. فسنقول أن النبي الأمي حينما نزل عليه القرآن .. وعلمه ما لم يعلم .. فقد انتفت بذلك عنه صفة الأمية ..!!

وطبعا هذا كلام لا يصح أن نقول انتفاء الأمية عن النبي لنزول الكتاب عليه ..!!

ولكن نقول أنه ارتقى إلى وصف الأمية النبوية .. مع بقاء الأمية البشرية حتى تظل علامة دالة على صدق رسالته أمام أهل الكتاب .. فيتحقق كامل العلامات فيه .. حال كونه نبي يتلقى من السماء بدون تعليم .

* لماذا كان التعليق على كلام الشيخ ؟

ما نريد قوله في ختام تعليقنا على كلام الإمام .. هو أنه نرجو ممن ينقل عن الإمام بن تيميه في هذه المسألة أو غيرها .. أن يعقل ما ينقله .. بدلا من أن يأخذ كلام بن تيمية وكأنه شرع واجب التعبد به لله .. !! فانتبه .. حتى لا يتهمك الناس في عقلك ..!!

********************************

..:: الفصل التاسع عشر ::..

************************************

(عودة لشرح باقي الأحاديث التي تتعلق بالأمية)

*********************

..:: ما معنى ( أين الأمة الأمية ) ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

************************** 

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..