ج3: رسالة لا تلتفت عن الله - ما هو التوكل - درجات التوكل في القرآن الكريم - استعمال الظاهر والباطن في التوكل - لا يصح الإلتفات مع التوكل - ما هي التقوى - معاني التقوى في القرآن - منازل التقوى في القرآن - معنى "اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ" - ما هو الإخلاص وابتغاء وجه الله .

بسم الله الرحمن الرحيم

تنبيهات في الطريق إلى الله

حتى لا تسقط نفسيا وتنحرف عن الطريق

(الرسالة الثانية)

لا تلتفت .. عن الله

إذا أردت الوصول لرضوان الله

" الجزء الثالث "

* فهرس :

..:: الفصل الثالث ::..

:: من الصفات القلبية اللازمة لطالب طريق الله ::

1- ما هو التوكل ؟

2- درجات التوكل في القرآن الكريم ؟

3- استعمال الظاهر والباطن في التوكل ؟

4- لا يصح الإلتفات مع التوكل ؟

5- ما هي التقوى ؟

6- معاني التقوى في القرآن ؟

7- منازل التقوى في القرآن ؟

8- معنى قوله تعالى (إِذَا مَا اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ ) ؟

9- ما هو الإخلاص وابتغاء وجه الله ؟

*****************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. مع فصل جديد نكمل فيه الصفات قلبية التي يحتاج إليها طالب الله بحق .. ولا غنى له عنها .. ولا يصح أن يلتفت عنها .. بل يجتهد في تحصيلها قدر استطاعته .. !!

* بسم الله .. توكلت على الله ..

*********************************

..:: الفصل الثالث ::..

******************************

..:: 4- التوكل ::..

4- التوكل : دليل على صدق التفويض في تدبير أمورك إلى الله .. يقول تعالى ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق3 .. أي هو كافيه ما يهمه في حياته ..

* فإذا توكلت على الله في سعيك .. سائلا مولاك ذلك كما كان رسول الله يفعل ويقول .. ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) .. كان لك المعونة والمدد من الله حقا ..

وحسن العبادة يشمل "العبادات والمعاملات" .. لأنك تطلب معاملة الله وليس غيره .

* قال الشيخ الفيروز أبادي رحمه الله  (المتوفى: 817هـ):

التوكل : وهو يقال على وجهين:

يقال توكَّلت لفلان : بمعنى تولَّيت له . يقال: وكَّلته توكيلاً، فتوكَّل لي .

وتوكَّلت عليه : بمعنى اعتمدته .

* وقد أَمر الله تعالى بالتَّوكُّل فى خمسة عشر موضعاً من القرآن:

1- الأَوّل : إِن طلبتم النَّصر والفرج فتوكَّلوا علىّ : (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ) آل عمران160 ، (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) المائدة23 .

2- الثاني : إِذا أَعرضتَ عن أَعدائي فليكن رفيقك التَّوكُّل : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) النساء81 .

3- الثَّالث : إِذا أَعرض عنك الخلْقُ اعْتَمِدْ على التَّوكُّل : (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) التوبة129 .

4- الرابع : إِذا تُلِى القرآن عليك ، أَو تلوته ، فاستَنِدْ على التوكُّل : (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال2 .

5- الخامس : إِذا طلبت الصّلح والإِصلاح بين قومٍ لا تتوسّل إِلى ذلك إِلاَّ بالتَّوكُّل : (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله) الأنفال61 .

6- السّادس : إِذا وصلت قوافل القضاءِ استقبِلْها بالتَّوكُّل : (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة51 .

7- السّابع : إِذا نَصبتِ الأَعداءُ حِبالات المكر ادخُلْ أَنت في أَرض التوكُّل : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ .. فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ) يونس71.

8- الثامن : وإِذا عرفت أَنَّ مرجع الكلّ إِلينا ، وتقدير الكلّ منَّا ، وطِّنْ نفسك على فَرْش التوكُّل : (فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) هود123.

9- التاسع : إِذا علمت أَنى الواحدُ على الحقيقة ، فلا يكن اتِّكالك إِلاَّ علينا : (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) الرعد30 .

10- العاشر : إِذا عرفت أَنَّ هذه الهداية من عندي، لاقِها بالشُّكر، والتَّوكُّل : (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) إبراهيم12 .

11- الحادي عشر : إِذا خشِيت بأْس أَعداءِ الله، والشيطان الغدّار، لا تلتجئ إِلاَّ إِلى بابنا : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) النحل99 .

12- الثاني عشر : إِن أَردتَ أَن أَكون أَنا وكيلك فى كلّ حال، فتمسّك بالتَّوكُّل في كلّ حالٍ : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) النساء81 .

13- الثالث عشر : إِن أَردتَ أَن يكون الفردوس الأَعلى منزلك انزل في مقام التوكُّل : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) العنكبوت59 .

14- الرابع عشر : إِن شئت النزول محلّ المحبّة اقصد أَولاً طريق التوكُّل : (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران159 .

15- الخامس عشر : إِن أَردتَ أَن أَكونَ لكَ، وتكون لي ، فاستقرَّ على تَخْت التوكُّل : ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق3 ، (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) النمل79 ، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) الفرقان58 .

بصائر ذوي التمييز ج2 ص313-315

* قال الشيخ أبو بكر الكلاباذي رحمه الله (المتوفى: 380هـ) :

* أَصْلُ التَّوَكُّلِ السُّكُونُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ سَكَنَ مِنْهُ الِاضْطِرَابُ ، وَسَقَطَ عَنْهُ السُّكُونُ إِلَى الْأَبْوَابِ .

* وَمَنْ صَحَّ تَوَكُّلُهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى فَوَاتِ حَظِّهِ، وَلَا إِلَى إِصَابَتِهِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَوَكَّلَ عَلَى مَا سَبَقَ، وَسَكَنَ إِلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي مَاذَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ .. فَوَاتُ حَظِّهِ، أَوْ إِصَابَتُهُ ..

* فَأَمَّا مَنْ تَوَكَّلَ لِتَحَرُّزٍ مِنْ فَوْتِ مَا عِنْدَهُ أَوْ نَيْلِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ .. فَلَيْسَ بِمُتَوَكِّلٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ ..  

أَلَا يَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا رَزَقَ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّيْرَ لَا تَوَكُّلَ لَهَا، وَلَكِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَى فَوَاتٍ أَوْ نَيْلٍ ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمْ كَذَلِكَ غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ إِلَى الْأَسْبَابِ وَلَا مُتَعَلِّقِينَ بِهَا ، وَلَا مُضْطَرِّينَ فِيمَا تُكِفِّلَ لَكُمْ مِنْ أَرْزَاقِكُمْ لَأَدْرَكْتُمْ مَا قُسِمَ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ حَرْثٍ، وَلَا زَرْعٍ ، وَلَا تَكَلُّفٍ .

بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار ص126 .. مختصرا .

* قلت ( خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على كلام الكلاباذي ..

بالرغم من روعة كلام الإمام الكلاباذي .. إلا أجد نفسي تختلف معه في ختام كلامه حيث قال : ( لَأَدْرَكْتُمْ مَا قُسِمَ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ حَرْثٍ، وَلَا زَرْعٍ ، وَلَا تَكَلُّفٍ) .. وسبب اختلافي معه هو :

1- لأن كلامه هذا أراه هو كلام مخالف لنص القرآن حيث يقول تعالى (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آلَ عِمْرَانَ159 .. والعزيمة تقتضي سعي وليس جلوس بالمنزل ..!!

2- وكذلك كلامه الأخير رحمه الله أيضا أراه مخالف لحديث التوكل الذي استدل به .. لأن الحديث ألفاظه (تغدو) (تروح) .. تدل على السعي في الحياة وليس الجلوس في عششها تنتظر الرزق يأتيها ..!!

والله أعلم .

* قلت ( خالد صاحب الرسالة) ..

التوكل لا يصح إلا بعدم الإلتفات ..!!

* فالتوكل هو الأخذ بالأسباب ظاهرا .. وأنت تستمد مقومات الحياة من الله معتقدا في ذلك أنه سخرها لك ..، مع الأخذ بالأسباب باطنا .. وأنت راضي تماما عما يأتي نتيجة الاخذ بالأسباب الظاهرة ..

* وأقصد بالأسباب الظاهرة هي كل خطوات سعيك في الحياة ، وأقصد بالأسباب الباطنة هي اليقين في الله والإخلاص له والرضا به ودوام الاستغفار مع اتهام نفسك بين يديه .. أي استعمال الصفات القلبية مع الله .

* فيصبح ظاهرك مستعينا بالله ، وباطنا مستعينا بالله .. أي مع الله في كل حركاتك وسكناتك .. ظاهرا وباطنا .. ترى الله في كل حركة وسكون ..

* فإن جمعت بين هذه المعادلة (الظاهر والباطن مشغول بالله) .. فستجد سكينة وسلام داخلي مستمر في علاقتك بالله .. لأنك ستعلم يقينا أنه الفاعل .. (أي الذي يأذن بالتيسير والتعسير ، والضيق والسعة) .. فتظل جالسا في رحابه لا تفارقة .. جامعا في قلبك (إياك نعبد وإياك نستعين) .. لأنك لا ترى سواه فاعلا في الوجود ..!!

فلا تحتاج لغيره ولا تلتفت لسواه ..

* ولذلك ستجد القرآن في باب التوكل .. يخص به من اختصوا مولاهم بالرجوع إليه ظاهرا وباطنا ولم يجدوا لغيره قدرة على الفعل في الجلب والدفع .. فظلوا في معية ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ..

* فلما أدركوا هذه الحقيقة بقلوبهم .. وعاشوا في رحاب ( إياك نعبد وإياك نستعين) .. فقد وجدوا إجابة في احوالهم لدعائهم ( اهدنا الصراط المستقيم) .. فمكنهم مولاهم من صراط النبي والقرآن .. حتى نضح النور من قلوبهم في الدنيا وظل هذا النور موصولا بهم لصراط الآخرة .. حتى اجتازوه .. واجلسهم على مجالس أهل النور .. فلا حساب ولا سؤال .. لماذا كل ذلك ؟

لأنهم جعلوا أسبابهم هي الله (ظاهرا وباطنا) .. أخذوا بأسباب الوجود من تحصيل العلم والمكاسب أنها من الله فحافظوا عليها وعملوا بها لله .. وكانوا في عواقب الأمور راضين بمجريات قضاءه وقدره ..

* فهم موصولون بالله دائما أبدا .. قلوبهم عامره بمولاهم .. فكيف يحرق الله قلبا مناجيا له ناطقا باسمه مشغولا به عمن سواه ..!!

والله أعلم .

* نعود فنقول : أنه يجب أن لا تعصي الله في سعيك حتى تجد مدده موصولا بك .. ولذلك أنت تسعي مجتهدا لتفعيل صفة التقوى فيك .. وذلك حتى يصح توكلك عليه فيتولاك ..

***************************

..:: 5- التقوى ::..

5- التقوي : دليل على مجاهدتك لنفسك في منعها ووقايتها من مخالفة الله .. ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) التوبة109

* قال الشيخ الفيروز أبادي رحمه الله :

التقوى: وهو جعل الشيء في وقاية ممّا يُخاف منه.

* وصار التَّقوى - في عرف الشَّرع - حفظ النَّفس عمّا يُؤثم. وذلك يتجنَّب المحظور. و [يتم] ذلك بترك كثير من المباحات، كما في الحديث "الحَلال بيّن والحرام بيّن ، ومَنْ رتَع حول الحِمَى يوشك أَن يقع فيه"، "لا يبلُغُ الرّجل أَن يكون المتَّقين حتى يَدَع ما لا بأْس به حذرا مّما به البأْس" .

* ومَنازِل التقوَى ثلاثةٌ :

تَقْوَى عن الشِّرْك ، وتَقْوَى عن البِدْعَة ؛ وتقوَى عن المعَاصِى الفرعيّة . وقد ذكرها الله سبحانه في آية واحدة وهى قوله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا إِذَا مَا اتقوا وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ والله يُحِبُّ المحسنين) ..

1- التَّقْوَى الأُولَى : تَقْوَى عن الشِّرْك ، والإِيمانُ في مقابَلَة التوحيد ..

2- والتَّقْوَى الثانية : عن البِدْعَة .. والإِيمانُ المذكورُ معها إِقرارُ السُنَّةِ والجمَاعة ..

3- والتَّقْوَىَ الثالثة : عن المعاصِي الفرعيّة .. والإِقرار في هذه المنزلة قابَلَها بالإِحْسانِ وهو الطَّاعة والاستِقامة عليها.

* وورد فى التنزيل على خمسة أَوجهٍ:

الأَوّل: بمعنى الخوف والخشية: ( اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) النساء 1 .

الثَّانى: بمعنى التحذير والتخويف: (أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) النحل2 .

الثَّالث: بمعنى الاحْتراز عن المعصية: (وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ) البقرة189 .

الرّابع: بمعنى التَّوحيد والشِّهادة: ( اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) الأحزاب70 .. أَي وحّدوا الله .

الخامس: بمعنى الإِخلاص واليقين: (فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج23 ، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) الحجرات3 .

* وقوله - تعالى -: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة27 .. يُشْعِر بأَنَّ الأَمرِ كلَّه راجع إِلى التَّقوى . وقوله تعالى (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) النساء131 .. يُفهِم أَنَّه لو كانت في العالم خَصْلة هي أَصلح للعبد، وأَجمع الخير، وأَعظم للأَجر، وأَجَلّ في العُبوديّة، وأَعظم في القدر.

* فلمّا أَوصى بهذه الخَصْلة الواحدة جميعَ الأَوّلين والآخرين من عباده، واقتصر عليها، علمنا أَنَّها الغاية الَّتي لا متجاوَز عنها، ولا مقتصر دونها، وأَنه - عز وجلّ - قد جمع كلّ محض نُصْح، ودلالة، وإِرشاد، وسُنَّة، وتأْديب، وتعليم، وتهذيب في هذه الوصيّة الواحدة. والله ولىّ الهداية.

بصائر ذوي التمييز ج2 ص116 .. مختصرا .

* فإذا وجدت للتقوى مكان في قلبك ونجحت في تجنب المعصية .. فعليك الإخلاص في فعلك مع الله حتى يستمر مدد التقوى والتوكل والتوبة واليقين وصدقك مع الله صفات أنت ممدودا بها ..

***************************

..:: 6- الإخلاص ::..

6- الإخلاص : دليل على صدق المعاملة مع الله حيث أنك لا ترى غيره في فعلك .. يقول تعالى ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ) الزمر11 ..

* جاء في الحديث : ( جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: أرأَيْتَ رجلاً غَزَا يَلتمِسُ الأَجْرَ والذِّكْرَ ما له؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا شيءَ له، فأَعادَها ثلاثَ مِرَارٍ ويقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا شيءَ، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إلَّا ما كان خالِصًا وابتُغيَ به وَجهُه ) .

* ومعنى الأجر والذكر : أي ما حُكمُ الرَّجلِ الَّذي يَخرُجُ للغَزوِ والجِهادِ يَطلُبُ الأجرَ مِن اللهِ ويَجمَعُ معه رَغبةً في المدحِ والثَّناءِ عند النَّاسِ ..

* ومعنى " إلَّا ما كان خالِصًا وابتُغيَ به وَجهُه " : أعتقد هو إشارة لقوله تعالى ( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف110 ..

أي فمن كان يرجو لقاء ربه وهو راضيا عنه ومحسنا إليه .. فليعمل عملا فيه الخير مصحوبا بالإخلاص ابتغاء وجه الله .. ولا يخلط عبادته بالشرك الأكبر (مثل عبادة الجن والملائكة والأصنام) ، أو الشرك الأصغر (مثل فعل الخير للرياء والسمعة والشهرة لمدح الناس له) ..

والله أعلم .

* وجاء في الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة تحت ظل رحمته منهم رجلين ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) رواه البخاري ..

فكلاهما كان مخلصا في صدق معاملته مع الله .. ولم يبتغي من وراء فعله إلا مرضاة الله ...

* وجاء في الحديث : ( نادى رجلٌ فقال يا رسولَ اللهِ ما الإيمانُ قال الإخلاصُ ) صحيح الترغيب ..

لأن العبد إذا أخلص ( أي صفا عمله ) من رؤية الأغيار في معاملاته وعباداته ( أي لا يرى سوى الله ابتغاء مرضاة الله من وراء فعله ) .. فهو بهذا كان مؤمنا حقا لأنه لم يرجو إلا الله في عباداته مع الله ومعاملاته مع خلق الله ..

* قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله :

" علامة إخلاصك أنك لا تلتفت إلى حمد الخلق ، ولا إلى ذمهم ، ولا تطمع فيما في أيديهم ، بل تعطي الربوبية حقها ، تعمل للمنعم لا للنعمة ، للمالك لا للملك ، للحق لا للباطل "

* فإذا علمت ما سبق .. وحتى يكتمل الإيمان بصفاتك السابقة مثل التوكل والإخلاص واليقين بثمرتهم في نفسك .. فلابد من الرضا بما يترتب على ما سبق ..

***************************

..:: 7- الرضا ::..

7- الرضا : دليل على قبولك للشريعة (خضوع طاعة) وقبولك لمجريات القضاء والقدر عليك (كابتلاء وليس كخضوع)  .. قال تعالى ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ ..) التوبة109 ، وقال الله تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) المائدة119 ..

يتبع إن شاء الله تعالى

**********************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..