ج7: رسالة لا تلتفت عن الله - ما علامة الإخلاص - من هم الأخفياء - علاج قلة الإخلاص والرياء ورؤية الأعمال - ما الفرق بين ابتغاء مرضاة الله وابتغاء وجه الله - لمحات من حياتي : إياك والإلتفات عن الله .. إياك ورؤية الأعمال - أمثلة على كيفية الإخلاص في المعاملة - إياك والإنصات للمدح أو انتظاره - إياك أن تنتظر مدح أو شكر أو حتى دعاء - اعمل بالإخلاص وكن على يقين أن العاقبة للمتقين - إخلاصك في عملك مع الله هو نجاة لك ولو كان قليل وقد يجعلك مستجاب الدعاء أو يغفر لك - ما الفرق بين (المخلِصين) بكسر اللام ، و(المخلَصين) بفتح اللام ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

تنبيهات في الطريق إلى الله

حتى لا تسقط نفسيا وتنحرف عن الطريق

(الرسالة الثانية)

لا تلتفت .. عن الله

إذا أردت الوصول لرضوان الله

" الجزء السابع"

* فهرس :

..:: الفصل السابع ::..

:: من علامات الصفات القلبية ::

1- من العلامات التي تدل على الإخلاص ؟

2- لماذا ابتغاء وجه الله في العمل ؟

3- علاج قلة الإخلاص والرياء ورؤية الأعمال ؟

4- من هم الأخفياء ؟

5- دليل الإخلاص وغايته هو ابتغاء وجه الله ومرضاته ؟

6- ما الفرق بين ابتغاء مرضاة الله ، وابتغاء وجه الله ؟

7- لمحات من حياتي : إياك والإلتفات عن الله .. إياك ورؤية الأعمال ؟

8- كيف يكون الإخلاص في المعاملة ؟

9- كلما أنكرت نفسك .. كلما ارتقيت بإخلاصك ؟

10- هل رؤية الفرحة  يعتبر من رؤية الأعمال ؟

11- لا تلتفت لرؤية الأعمال فتُسلب نعمة تجلي المعطي عليك ؟

12- أمثلة على كيفية الإخلاص في المعاملة ؟

13- إياك والإنصات للمدح أو انتظاره ؟

14- اهجر كل صاحب لك يمدح لك فعلك ؟

15- لا تمدح أحد فتميت قلبه بالعُجب والرياء ؟

16- إياك أن تنتظر مدح أو شكر أو حتى دعاء ؟

17- فاعمل بالإخلاص وكن على يقين أن العاقبة للمتقين ؟

18- إخلاصك في عملك مع الله هو نجاة لك ولو كان قليل ( وقد يجعلك مستجاب الدعاء أو يُغفر لك ) ؟
19- ما الفرق بين (المخلِصين) بكسر اللام ، و(المخلَصين) بفتح اللام ؟

*******************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. مع فصل جديد نستكمل فيه الكلام عن علامات الصفات القلبية التي سبق الحديث عنها ..

* نتكلم هنا عن علامة الإخلاص وغايته وهي ابتغاء مرضاة الله ..

* بسم الله .. توكلت على الله ..

********************************

..:: الفصل السابع ::..

*******************************

..:: 6- ابتغاء وجه الله ::..

6- ابتغاء وجه الله :

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

من العلامات التي تدل على الإخلاص : هي ابتغاء وجه الله من وراء العمل .. ودليل ابتغاء وجه الله يكون بالإخفاء وعدم رؤية الأعمال وإسقاط المدح ..

* فالإخلاص مع الله : هو صفاء القلب من تلوث الأعمال بما لا يحبه الله .. أو خلوص القلب من رؤية غير الله حين العمل مع الله ..

وهذا الإخلاص .. حتى تكون فيه ابتغاء وجه الله .. فيجب أن تسلك فيه مسلك أهل الخفاء وعدم رؤية الأعمال واسقاط المدح من نفسك ..

* قال النبي : ( إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إلَّا ما كان خالِصًا وابتُغيَ به وَجهُه ) ..

* ولكن لماذا ابتغاء وجه الله في العمل ؟

لأنه دليل خلو القلب من الرياء .. ويوضح ذلك ما جاء في الحديث عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَاعِدًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يُبْكِينِي شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ .. وَمَنْ عَادَى لِلَّهِ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ .. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ .. الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا ، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى ، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ ) رواه الحاكم بسند صحيح .. ولكن سند بن ماجه ضعيف ولذلك ضعفه الألباني .. ولكن سند الحاكم صحيح ووافقه الذهبي ولم ينتبه الألباني لسند الحاكم .. فانتبه .. والاحتجاج برواية الحاكم وليس برواية بن ماجة ..

* معنى (اليسير من الرياء شرك) : لأنه أشرك في نية العمل مع الله .. غير الله .. وهو يزعم أنه خالصا لله .. ويوضح هذا المعنى الحديث الآخر ( جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: أرأَيْتَ رجلاً غَزَا يَلتمِسُ الأَجْرَ والذِّكْرَ ما له ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا شيءَ له ، فأَعادَها ثلاثَ مِرَارٍ ويقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا شيءَ، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إلَّا ما كان خالِصًا وابتُغيَ به وَجهُه ).

* ومعنى (الأجر والذكر) : أي يطلب الثواب من الله ويطلب المدح والشهرة بين الناس ليقولوا عنه أنه مقاتل ومحارب ..!!

* فطالما دخل في نفسك أنك تعمل العمل لأنك منتظر مدح الناس لك عليه .. فأنت تكون خسرت أجرك مع الله ..

وسبب رغبتك في رؤية أعمالك في وجوه الناس وكلامهم .. هو أنك رأيت الأعمال في نفسك وأنك صاحب منة وفضل على الآخرين ..!!

************************************

..:: سؤال : من هم الأخفياء ؟ ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) .. 

أخبرنا الرسول أن الله يحب هؤلاء وجعلهم من أولياءه ويحارب من يحاربهم : ( مَنْ عَادَى لِلَّهِ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا ، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى ، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ) ..

الأبرار : الذين يفعلون كل أعمال الخير طلبا لله ..

الأتقياء : الذين يراقبون أفعالهم وأقوالهم طلبا لله ..

الأخفياء : وهؤلاء لهم وصفين : حال مع الناس وحال مع الأحداث ..

1- الأول :- فأما الحال الذي مع الناس :

كأنهم مجهولون للناس ولا ينتبه لحضورهم أحد .. وكأنهم لا يبنون علاقات اجتماعية في المجالس الدينية والأعمال الخيرية .. لأنهم لا يعلنون حضورهم .. فلا يلتفت إليهم أحد .. لأنهم يأنسون بمعاملتهم مع الأحد .. ولذلك وصفهم النبي (الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا ، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا) ..

2- الثاني :- وأما الحال مع الأحداث :

فتجد لهم قلوب تصرفهم عن الفتن .. كما قال الحديث ( قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الهدى .. يَخْرُجُونَ مِنْ كلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ ) .. فلهم قلوب من نور تنير بالهداية لكل من صاحبهم ولازمهم .. ويخرجون بهذا النور من كل مشكل وشبهة تؤدي إلى فتنة .. !!

وكأن الحديث يشير إلى قوله تعالى ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) الأنعام122

وإلى قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الحديد28

* ولا يخفى أن الأخفياء يكونوا أتقياء وأبرار .. ليستحقوا الولاية .. 

عموما هذا كان فهمي للحديث .. والله أعلم ..

* وإليك رأيين للعلماء في فهم الحديث :

* قال الشيخ السندي رحمه الله  (المتوفى: 1138هـ):

(الأخفياء) جمع خفي وهو المعتزل عن الناس الذي يخفي عليهم مكانه (لم يفتقدوا) أي ما يلتفت أحد إلى معرفة حالهم ومكانهم ولا ينظر أحد إلى أنهم أحياء أو أموات (لم يدعوا) أي إلى المجالس والأمور المهمة. (يخرجون من كل غبراء مظلمة) أي من عهدة كل مسئلة مشكلة وبلية معضلة ..

حاشية السندي على سنن بن ماجه ج2 ص478

* والشيخ الطيبي رحمه الله (743هـ) كان له توجيه آخر في فهم الحديث .. فقال رحمه الله :

وقوله: ((إن الله يحب الأبرار)).. استئناف مبين لحقيقة الولي .. وذكر لهم أحوالا ثلاثة : إذا كانوا سفرا لم يتفقدوا ، وإذا كانوا حاضرين لم يدعوا إلى مأدبة ، وإن حضروها لم يقربوا ، وتركوا في صف النعال . وهذا تفصيل ما ورد: (رب أشعث أغبر لا يؤبه له) .

وقوله: (يخرجون من كل غبراء مظلمة) كناية عن حقارة مساكنهم وأنها مظلمة مغبرة لفقدان أداة ما يتنور به ويتنظف به ..

مشكاة الطيبي ج11 ص3375-3376

***************************************

..:: علاج قلة الإخلاص والرياء ورؤية الأعمال ؟ ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

1- بأن ترى أن أعمالك ناقصة ومقصر فيها مهما فعلت .. ولكنك ترجو من الله القبول .. فإن الذي يقدم شيء يحسبه ناقصا يولد فيه انكسارا نفسيا .. يمنعه من الرياء .. لأنه كيف يرائي بشيء ناقص ..!!

وتتذكر الحديث ( الْيَسِيرُ مِنَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ ) .. فيعمل ليكون من الذين مدحهم النبي في نفس الحديث فقال عنهم ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الأَبْرَارَ الأَتْقِياءَ الأَخْفِياءَ ) ..

2- أن تفعل العمل في خفاء عن الناس .. فعن أبو هريرة .. قال النبي : ( سبعةٌ يُظلِّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه : الإمامُ العادلُ . وشابٌّ نشأ بعبادة اللهِ . ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ في المساجدِ . ورجلان تحابّا في اللهِ ، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه . ورجلٌ دعَتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ ، فقال : إني أخاف اللهَ .. ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم يمينُه ما تنفق شمالُه ، ورجلٌ ذكر اللهَ خاليًا ، ففاضت عيناه ) .. رواه مسلم ..

* يبقى صدق المعاملة مع المخلوق في الخفاء .. وصدق المعاملة مع الخالق في الخفاء .. تعطيك مصداقية أنك إنسان مخلص فعلا في علاقتك بالله .. حتى أنها تجعلك من المرحومين تحت ظل الله يوم القيامة ..

3- أن لا تنتظر مدحا على فعلك ولا عطاء في مقابل ما فعلت .. وهذا يجعلك من أهل البر فعلا .. يقول تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً . عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً . يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً . وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً . إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ) الإنسان5-11

* ومعنى (لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) : أي يقولون لهم بلسان الحال أو المقال : إنما نطعمكم ابتغاء وجه الله- تعالى- وطلبا لمثوبته ورحمته ..

*******************************

..:: دليل الإخلاص وغايته هو ابتغاء وجه الله ومرضاته ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

1- يقول تعالى : ( فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى . لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى . الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى . وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى . الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى . وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى . إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى . وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) سورة الليل 14-20

* قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

وَالِابْتِغَاءُ: الطَّلَبُ بِجِدٍّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ الْبَغْيِ.

وَالْوَجْهُ : مُسْتَعْمَلٌ مُرَادًا بِهِ الذَّاتُ .. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) الرَّحْمَن27 .

وَمَعْنَى ابْتِغَاءِ الذَّات : ابْتِغَاء رضَا اللَّهِ .. (التحرير والتنوير30/329)

2- ومثله قوله تعالى : ( وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) البقرة272

* وَمَعْنَى (ابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ) : ابْتِغَاءُ رِضَاهُ كَأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا يَطْلُبُ بِهِ إِقْبَالَهُ عِنْدَ لِقَائِهِ .. (التحرير والتنوير 13/129) .

3- ومثله قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد22

* ومعنى (الذين صبروا) : هم الذين صبروا على الأذى ، وعلى الطاعة ، وعن المعصية طلبًا لرضا ربهم .. (من التفسير الميسر) .

4- ومثله قوله تعالى : ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) النساء114

* والمعنى نقلا عن التفسير الميسر : لا نفع في كثير من كلام الناس سرّاً فيما بينهم .. إلا إذا كان حديثًا داعيًا إلى بذل المعروف من الصدقة ، أو الكلمة الطيبة ، أو التوفيق بين الناس ، ومن يفعل تلك الأمور طلبًا لرضا الله تعالى راجيًا ثوابه ، فسوف نؤتيه ثوابًا جزيلا واسعًا .

********************************

..:: ما الفرق بين ابتغاء مرضاة الله ، وابتغاء وجه الله ؟ ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

جال بخاطري سؤال .. لماذا يقول القرآن مرة (مرضاة الله) ، ومرة (وجه الله) .. طالما المراد واحد .. وهو صدق الإخلاص في المعاملة ؟!!

* من وجهة نظري واجتهادي .. حيث لم أجد الفرق في أي مرجع علمي مما توافر عندي .. فأقول :

الفرق هو باعتبار فعلك مع الله .. وفعل الله معك ..

1- الأول : باعتبار فعلك مع الله : فيقال أن تقصد بذلك وجه الله وليس وجه الناس .. (ابتغاء وجه الله) ..

2- والثاني : باعتبار فعل الله معك : فهو أن يرضى عليك وعنك .. نتيجة إخلاصك في فعلك معه .. (ابتغاء مرضاة الله)

والله أعلم .

**************************************

..:: لمحات من حياتي ::..

:: إياك والإلتفات عن الله .. إياك ورؤية الأعمال ::

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

* حينما كنت معتزلا في غرفتي في العقد الثاني من عمري ولم أكن أتممت العشرين .. فكانت تأتيني خواطر ترشدني إلى وجوب التحقق من الصفات القلبية .. ومن ذلك كان الإخلاص ..

* فسألت في عقلي : كيف يكون الإخلاص في المعاملة ؟

فهاتفتي خاطر فقال لي :

يتضح الجواب بالمثال .. فانتبه للأمثلة التالية ..

* مثال أول :

نفترض شخص تعرفه وكان مريض .. وقد أرهقه المرض وأنت تعرف أنه يحتاج لمال .. فماذا ستفعل ؟

1- هل ستذهب إليه وتترك له المال على أنه شخص أعطاه لك لتوصله إليه وترفض ذكر اسمه .. (فما أنت إلا مرسال ولا تظهر بمظهر المعطي بالرغم من أنك صاحب المال !!) ..

2- أم هل ستذهب إليه وتترك له المال في مظروف وتضعه بين يديه .. (وهنا ستظهر أنك أنت صاحب العطاء) ..

3- أم سترسله مع صديق وتطلب منه أن لا يخبر المريض عن مصدر هذا المال ..

4- أم سترسله عن طريق وسيلة مجهولة مثل البريد أو تترك له ظرف المال أسفل باب شقته ..

* في جميع الأحوال كل الطرق صحيحة وفيها الإخلاص .. طالما قلبك يبتغي وجه الله .. لأنك لا تلتفت إلى الطرق وإنما تلتفت إلى الله ..

* واعلم أنه كلما أنكرت نفسك .. كلما ارتقيت بإخلاصك .. وحاول أن تتحقق دائما من الاختيار الأول .. حتى تطمئن من جهة العطاء مع إنكار نفسك ..

* ولكن إن كان هناك ضرورة أن تظهر على الاختيار الثاني فتخرج مالا من جيبك لضرورة الموقف .. فافعله بعيدا عن الناس .. ولا تنظر في عين من تعطيه فتكسر عزة نفسه .. وقل لمن تعطيه هو هدية من الله وليس منك .. ولا تجعله يمدحك أبدا وإن مدحك فقاطعه فورا .. واطلب منه أن يحمد الله ..!!

فتكون بذلك نسبت المدح لمستحقه الحقيقي وهو الله ..

* فقلت للخاطر : أحب أرى الفرحة في وجوه من يتم رفع الضيق عنه .. فهل هذا يعتبر من رؤية الأعمال ؟

فقيل لي : فرق بين أن ترى الفرحة .. وبين أن ترى نفسك فاعلا لهذه الفرحة .. !!

بل الله هو الفاعل وقد جعلك وسيلته لهذه الفرحة .. وهذا أمر يستحق الحمد وطمس ذاتك .. حتى لا يحول نعمته عنك ويكرم بها غيرك .. !!

* ولذلك لا تلتفت لرؤية الأعمال .. وإلا أصابك عُجب يصحبه ظن أنك كنت فاعل فتُسلب نعمة تجلي المعطي عليك .. فيحرمك من أن تكون أهل قضاء حوائج الخلق !!

* تعليق على كلام الخاطر :

أعتقد أن الخاطر كان يشير لحديث النبي ولم أكن أعرفه حينئذ هو (إن لله عبادًا اختصَّهم بالنعم لمنافع العباد ، يُقرهم فيها ما بذلوها ، فإذا منَعوها نزعها منهم ، فحوَّلها إلى غيرهم) رواه الطبراني بسند حسن ..

* ثم قال الخاطر متمما كلامه : 
وانتبه من نفسك لأنك لو انتظرت رد فعل لمن فعلت معه الخير حينما تعطيه العطآء ليمدحك ويشكرك أو ليخبر الناس أنك فعلت معه ذلك .. فاعلم أنك طلبت أن ترى المدح منه والشكر والشهرة .. ولم تكن مخلصا في عملك ..

* ثم قال الخاطر .. مثال آخر :

حارس العمارة اذا طلبت منه أن يأتيك بطلبات لمنزلك .. ثم أعطيته إكرامية (بقشيش) ..فهل أنت تعطيها له لتحافظ على خدمته لك .. فتجده كلما تطلبه .. أم أنت أعطيته إكراما لله ونظير معروف فعله معك .. ؟

فلو كنت منتظرا دوام خدمته لك .. فأنت لست مخلصا في عطاءك وإنما تحافظ على حظوظ نفسك ..

ولو كانت الأخرى فالإحسان جزاءه الإحسان ..

* ثم قال الخاطر .. مثال آخر :

اذا ذهبت لشراء سندوتشات من مطعم .. فهل أنت تعطي البقشيش للذي يصنع لك السندوتشات بأي نية ؟

هل بنية أن يهتم بعمل السندوتشات بمزيد عناية ؟

أم بنية الإحسان لمن يصنع السندوتشات في المطعم ؟

فلو كانت بنية الاهتمام بالسندوتشات .. فأنت أدخلت حراما في بطنك بقدر هذا الاهتمام لأن هذا الرجل مجرد عامل في مطعم وليس صاحب المطعم حتى يفعل ما يحلو له ..!!

ولو كان بنية الإحسان .. فجزاك الله خيرا ..

ولكن الأصوب أن تعطي بعد أن يعطيك طلبك .. وليس قبل أن يعطيك طلبك .. حتى لا تكون شبهة ..!!

2- إياك والإنصات للمدح أو انتظاره .. فإنه مسلك الشيطان لتنشيط وتحريض العُجب بالنفس .. فالمدح لعنة تصيب القلب بالرياء وتقطع عنه التأييد الروحاني .. !!

* ثم قال الخاطر : يا ولد اهجر كل صاحب لك يمدح لك فعلك .. فإنه عونا للشيطان عليك ..!!

وأخبر من حولك برفضك للمدح .. واطلب منهم أن لا يمدحوك أبدا .. ويكفي من الآخرين الإحترام في المعاملة فقط .. ولا تنتظر منهم دعاء و جزاء ولا شكور .. حتى تكون مع الله ولا تنتظر شيء من غير الله .. فلا تنزعج نفسك ولا يحزن قلبك من أفعال الناس .. لأنك كنت تعمل مع رب الناس وليس مع الناس .

* وكذلك لا تمدح أحد فتميت قلبه بالعُجب والرياء .. ولكن كن حكيما واكسر شوكة العجب في أي نفس بأن لا تجعله يسمع ما يريد سماعه ..!! فإذا وجدت خيرا من أحد فقل له : فاشكره بكلمة "شكرا" أو ادعو له فقل : جزاك الله خيرا أو أكرمك الله أو الله يرضى عنك أو ما شابه ذلك ... وتوقف ولا تزيد ..

* فلا تكن معينا لشيطان أنفسهم عليهم .. ولا تسمح لأحد أن يكون معينا على شيطان نفسك ... !!

* فإياك وأن يدخل العجب في نفسك .. فإنه كان خطيئة إبليس ..!!

* ولا تنسى : إياك أن تنتظر مدح أو شكر أو حتى دعاء .. بل افعل الخير وكأنك لم تفعل .. بل وكأنك لم ترى من فعلت معه .. بل كأنه حدث لم يحدث ..!!

* فلا تفارق الإخلاص لله في قولك وفعلك .. وكن على يقين أن العاقبة للمتقين .!!

***********************************

..:: إخلاصك في عملك مع الله هو نجاة لك .. ولو كان قليل !! ::..

( وقد يجعلك مستجاب الدعاء أو يُغفر لك )

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

1- جاء في الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَتَى النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ - رضي الله عنه - إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ( يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا .. أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ 

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " نَعَمْ "

فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا ) .

* والنعمان بن قوقل : أحد الصحابة المشهور عنهم أنه مستجاب الدعاء .. وقد قال يوم أحد ( أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ أَنْ لَا تَغِيبَ الشَّمْسُ حَتَّى أَطَأ بِعَرْجَتِي فِي الْجَنَّة , فَاسْتُشْهِدَ ذَلِكَ الْيَوْم، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْجَنَّة ". راجع فتح الباري (ج 8 / ص 435)

2- ( غُفِرَ لِامرَأةٍ مُومِسةٍ ، مرَّت بِكَلبٍ عَلى رَأسِ رَكِيٍّ (بئر) ، يَلهَثُ ، قال: كاد يَقتَلُه العَطَشُ ، فنَزَعَت خُفَّها ، فأَوثَقتْه بِخِمارِها ، فنَزَعَت له مِنَ الماءِ ، فغُفِر لَها بذلكَ ). رواه البخاري ..

* فإذا كان إخلاص امرأة مومسة (تحترف بالزنا وتكتسب منه طعامها وشرابها) .. لوضعها بعض الماء للكلب ليشرب .. تسبب ذلك في مغفرة لها .. ( ولم تكن تنتظر منه جزاء ولا شكورا ) .. !!

فما بالك بمن يخلص المعاملة مع الناس لله .. !!

بل ما بالك بمن يخلص المعاملة مع الله ظاهرا وباطنا ..!! 

***********************************

..:: ما الفرق بين (المخلِصين) بكسر اللام ، و(المخلَصين) بفتح اللام ؟ ::..

* قلت ( خالد صاحب الرسالة ) ..

1- المخلِصين "بكسر اللام" : هم الذين أخلصوا في معاملاتهم وعبادتهم وتوجههم لله ولم يشركوا به شيئا ..

و(مخلِص) اسم فاعل .. وهو وصف يدل على فعل العبد مع الله ..

2- المخلَصين "بفتح اللام" : هم الذين أدخلهم الله في حفظه ورعايته نتيجة إخلاصهم ..

و(مخلَص) اسم مفعول .. وهو وصف يدل على فعل الله مع العبد ..

* ووصف (المخلَص) لا يأتي لأصحاب الولاية الخاصة فقط مثل الرسل والأنبياء والأولياء .. وإنما يأت لأصحاب الولاية الإيمانية العامة .. فقد يأتي لمن خصه الله بالإيمان عن الكفر .. فهذا يسمى (مخلَص) .. لأنه الله خلصه من العذاب الأبدي بعد أن أنعم عليه برحمته وجعله مؤمنا .. !!

* ولذلك كان يقول الكفار قبل بعثة النبي لو أن عندنا كتابا من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل لكنا بسبب وجود هذا الكتاب من عباد الله الذين يخلصون له العبادة والطاعة . فلما جائهم النبي بكتاب الله كفروا به .. كما وصف ذلك القرآن فقال : ( لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنْ الْأَوَّلِينَ . لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ . فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الصافات 168-170 ..

* فإذا أردت أن تكون عبدا مخلَصا "بفتح اللام" .. فكن عبدا مخلِصا "بكسر اللام" في إيمانك وعملك .. فالجزاء من جنس العمل .. وليس للإحسان جزاء إلا الإحسان .. !!

* ولذلك الشيطان ليس له سبيل على المخلَصين "بفتح اللام" .. ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ص82-83 .. ليه ليس له سبيل على المخلَصين ؟

* لأنهم باتوا في رعاية الله وحفظه بسبب إيمانهم وإخلاصهم .. ولا سبيل للشيطان إليهم إلا لو فقدوا الإخلاص في عملهم مع مولاهم .. أو فقدوا الإيمان عموما ..

* فكأن الإيمان والإخلاص في المعاملة هو حال عباد الله المخلِصين .. حتى أخلَصهم الله بدوام الحفظ والرعاية من الشيطان .. فاستحقوا وصف (المخلَصين) "بفتح اللام" ..

والله أعلم ..

******************************

..:: الفصل الثامن ::..

***********************

يتبع إن شاء الله تعالى

**********************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..