ج8: رسالة لا تلتفت عن الله - صفة الإخبات - صفة الخشوع - صفة الوَجَل - من هم المخبتين إلى ربهم - المُخبت ظاهرا وباطنا - ما هو الخشوع - خشوع الظاهر والباطن في القرآن - حتى لا يخدعك الشيطان ويقول عمل غير مقبول لأنك غير خاشع - كيف تصل للخشوع - ما هو معنى الوجل القلبي مع الله - الوجل القلبي عند سماع ذكر الله وعند تطبيق منهج الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

تنبيهات في الطريق إلى الله

حتى لا تسقط نفسيا وتنحرف عن الطريق

(الرسالة الثانية)

لا تلتفت .. عن الله

إذا أردت الوصول لرضوان الله

" الجزء الثامن"

* فهرس :

..:: الفصل الثامن ::..

:: من علامات الصفات القلبية ::

1- صفة الإخبات ؟

2- ما معنى الإخبات ؟

3- من هم المخبتين إلى ربهم ؟

4- المُخبت جمع مقومات العلاقة مع الله ظاهرا وباطنا ؟

5- ما هو الخشوع ؟

6- لماذا قال تعالى عن الخاشعون أنهم يظنون ولم يقل يوقنون ؟

7- خشوع الظاهر والباطن في القرآن ؟

8- خشوع الجوارح – خشوع الجمادات – خشوع القلوب ؟

9- ما هي أحوال خشوع الإنسان في القرآن ؟

10- كيف تصل للخشوع ؟

11- حتى لا يخدعك الشيطان .. يأتيك وسواس فيقول: كيف تذكر وأنت غير خاشع ؟

12- ما هو معنى الوَجَل القلبي مع الله ؟

13- الوجل القلبي عند سماع ذكر الله وعند تطبيق منهج الله ؟

******************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. مع فصل جديد نستكمل فيه الكلام عن علامات الصفات القلبية التي سبق الحديث عنها ..

* نتكلم هنا عن علامة الرضا .. وهي الإخبات ، وما يدل علي على الإخبات والخشوع والوجل القلبي ..

* وأعتقد أن هذه صفات نادرا ما تجد أحد يتكلم عنها .. حتى في كتب التزكية القلبية .. لم أجد في سابق قرائتي أن تكلم أحد عن الإخبات والوجل القلبي .. حتى الخشوع يتم ذكره وكأنه صفه مفهومة للعقل .. ولذلك أفردتها بتفصيل لم يدون من قبل حسب ما فهمت من آيات الله تعالى .. حتى تعرف أنك لم تكن تعرف عن الخشوع إلا جانب واحد فقط .. وقد فاتك جوانب أخرى .. وأحسب أن البعض لا يعرف معنى الخشوع أصلا ..!! 

* وهناك سبب آخر لعدم تداول هذه الصفات ومعرفتها وهو أن بعض الناس قد انصرفت عن تزكية النفس بكلام الله .. إلى تزكية النفس بشهوة النفس (مثل من يريد طاقة روحانية) .. ويحسبون أنها تزكية .. وما هي بتزكية بل اتباع شهوة .. ويا ليتها شهوة محمودة بل مذمومة لطلب الجن من ورائها .. !!

* وهناك سبب وجيه لقلة تداول هذه الصفات وهو عدم القدرة التمييز بين هذه الصفات .. حتى تجنبوا الكلام عنها .. !!

* والغريب حينما تسمع داعية يتحدث عن الخشوع ويطالبك به .. وكأنها صفة من السهولة أن تصل إليها .. والأشد عجبا حينما يجعل من الخشوع صفة قلبية فقط .. وهذا كلام غير صحيح .. وستعرف ذلك في متن الموضوع إن شاء الله تعالى ..!!

* سيدي المؤمن .. حتى تكون خاشعا فعليك أن تكون مؤدبا .. أي تزكي قلبك طلبا لله .. ثم اسأل بعد ذلك عن الخشوع ..!!

وحتى تكون وَجلا فعليك أن لا تلتفت أي تخشع ..

* نبدأ بسم الله .. توكلت على الله ..

******************************

..:: الفصل الثامن ::..

***********************

..:: 7- الإخبات ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

7- الإخبات : قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) هود23 ..

* الإخبات من الصفات التي تدل على رضا العبد في معاملته مع الله لأن المخبت هو الذي يسعى إلى الله بتواضع قلب عن رضا واطمئنان  في المعاملة مع خشوع ووجل .. 

* وهذه الصفة الكريمة لم تأخذ حقها في كتب أهل العلم الخاصة بالتزكية .. وأظن أن بعض المسلمين لم ينتبهوا لهذا الوصف الكريم .. وإنه لوصف حق لأهل الحق ..

* أولا نتعرف على معنى الإخبات .. ثم نوضح كيف تكون دلالة على الرضا ..

* قال العلامة الفيروزآبادي رحمه الله :

الخَبْتُ : وهو المطمئن من الأَرض . وأَخبت الرّجل . قصد الخَبْت أَو نزله ، ثمّ استعمل الإِخبات استعمال اللِّين والتَّواضع . قال تعالى: (وَبَشِّرِ المخبتين) الحج34 .. أَي المتواضعين .

وقيل معناه: المخلصين . وقوله تعالى: (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) الحج54 .. أَي تلينَ وتخشع . وقيل: معناه تطمئن ..

* والإِخْبَات : ههنا قريب من الهبوط في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله) البقرة74. وقوله تعالى: (وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ) هود23 .. أَي سكنوا إِليه وتواضعوا له .

بصائر ذوي التمييز ج2 ص521.. مختصرا .

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

والإخبات : هو خضوع تام عن اطمئنان للعمل مع من تعمل معه .. وكأنك راضي ومطمئن لفعلك معه لأنك وجدت أن راحتك معه .. وهو من الأعمال القلبية .. التي تجعلك مشغول بالله ولا تلتفت لغيره ..

ولذلك جعلت الإخبات من الصفات الدلالية على الرضى ..

* ولا يخفى أن هناك علامات دلالية أخرى للرضا .. مثل الحمد والشكر والصبر والقناعة .. ولكن أحسب أنها علامات تندرج تحت مظلة الإخبات .. كيف ذلك ؟

* يقول تعالى ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ..

فتجد من كلام الله أن الإنسان المخبت إلى ربه .. من صفاته الخوف من الله مع الصبر على المكاره مع دوام العلاقة مع الله في العبادة وفي معاملة الناس ..

* فله باطن مع الله : بالوجل منه "الخوف" ، وصبر على مجريات القضاء والقدر .

* وله ظاهر مع الله : بإقامة الصلاة وصدق المعاملة مع الله في خلقه .

* فالمُخبت يكون بذلك قد جمع مقومات العلاقة مع الله كاملة .. بما يؤهله لمقام الرضا .. ولا يصل إنسان لهذا الإخبات إلا بقناعة مصحوبة بالحمد والشكر لله رب العالمين ..

* ونجد أن الإخبات يتم بمجموع صفتين وهما الخشوع (ظاهرا وباطنا) مع صفة الوجل القلبي في المعاملة مع الله .. فما هو الخشوع ، وما هو هذا الوجل القلبي الذي هو علامة قلبية واضحة للمخبتين كما أوضح لنا ذلك رب العالمين ؟

**********************************

..:: الإخبات يتم بوصفين كريمين للمؤمن ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* قلنا أن الإخبات هو عمل قلبي وبدني : وهذا الإخبات له صفتين حتى يصح بهما الخبت وتكون من المخبتين :

1- الصفة الاولى : الخشوع .. وهو خضوع انتباه وعدم الإلتفات .. والخشوع صفة للظاهر والباطن ..

2- الصفة الثانية : الوَجَل .. صفة قلبية .. وهو تخوف من عدم قبول العمل لكونهم مقصرين مع حسن ظنهم بالله ، مع نزول هيبة جلالية عند سماعه لذكر الله .. فيستبشروا بالبشارات ويخافون من المنذرات عند ذكر الله ..

* ومن الخشوع والوجل .. ينتج الإخبات .. 

والله أعلم .

* فما هو الخشوع وما هو الوجل .؟

***************************

..:: ما هو الخشوع ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

قال تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) المؤمنون2 ، وقال تعالى : ( وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ ) الأحزاب35 ..

1- ما معنى الخشوع ؟

معناه الخضوع والسكون "عدم الإلتفات" ..
ولفظ الخشوع فعلا يمكنك أن تقول عنه أنه ينطق بعبارة :
(انتبه ولا تلتفت) ..!!

2- ما معنى الخشوع لله ؟

معناه الخضوع والإنقياد لذكر الله وما نزل من الحق .. في ظاهرك وباطنك .. حتى يجعلك لا تلتفت عنه لغيره ..

3- من هم الخاشعون لله ؟

هم الذين يستحضرون معية الله لهم حينما يتواصلون معه .. فتخضع له قلوبهم وقوالبهم بسكينة ورضا عما هو مطلوب منهم ..

يقول تعالى ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة45-46

* فكان سبب خشوعهم هو أنهم على يقين أنهم سيلاقون ربهم راضى عنهم ورحيما بهم .. وأنهم سيقابلوه بأعمالهم ولو بها نقصان سيغفرها لهم .. فخشعوا له في الدنيا ليأمنوا من عقابه ويفوزوا برضوانه في الآخرة  .

4- لماذا قال تعالى عن الخاشعين أنهم يظنون ؟

* وجاء بلفظ الظن هنا .. بدل اليقين .. لأن الخاشعين يظنون بأنفسهم بالتقصير مع حسن الظن بالله .. في أنهم سيجدوا مرضاة ربهم الله يوم ملاقاته ..

* وسبب الظن هو أنهم لا يعلمون هل تم قبول أعمالهم أم لا .. لأنهم يتهمون أنفسهم بالتقصير فيرون أعمالهم أصابها النقص .. ولا يدرون أسيقبلها مولاهم بما يؤهلهم بالدخول في مرضاته أم لا ..  

* ولذلك لا يجزمون باليقين أدبا مع الله .. مع حسن ظنهم بالقبول .. ولذلك أهل الله يتهمون أنفسهم ولكنهم يظنون الخير بمولاهم .. ولا يجزمون بيقين في قبول أعمالهم لأنه تعالى يقول : ( فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى )  النجم 32.. !!

* ويمكنك أن تقول اختصارا لما سبق : أنهم يظنون ظنا حسنا بربهم أنه ملاقيهم بالرضا والرحمة والغفران .

والله أعلم .

********************************

..:: ما هي أحوال خشوع الإنسان في القرآن ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* والإنسان له حالين من الخشوع في القرآن ..:

1- خشوع العز والكرامة عن رضا :

يقول تعالى :

( الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة45-46

( خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) آل عمران199 ..

( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء90 ..

( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) المؤمنون2 ..

( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) الحديد16 ..

2- وخشوع الذل والمهانة عن قهر :

يقول تعالى : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ) الشورى45 ..

( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) القلم43 ..

( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) المعارج4 ..

( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ) الغاشية2 .. أي ذليلة مهانة ..

* ففي القرآن نوعين لخشوع الإنسان :

1- خشوع (خضوع) عن رضا بالمنهج الإلهي .. ترتب عليه عز إيماني وكرامة من الله ..

2- خشوع (خضوع) عن قهر لتجاهلهم المنهج الإلهي .. ترتب عليه مذلة ومهانة ..

*****************************

..:: خشوع الظاهر والباطن في القرآن ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* وهناك نوعين من الخشوع في القرآن :

# النوع الأول : خشوع الظاهر ..

وهو على صنفين .. خشوع الجوارح وظاهر الإنسان ، وخشوع الجمادات .. وإليك التفصيل ..

الصنف الأول : خشوع الجوارح ..

وهو أغلب ما يستخدم في العين واللسان .. ودل عليهما بما ينتج عنها .. وهو البصر والصوت .. وهناك خشوع الوجه وخشوع الهيئة بالكامل ..

1- مثال على خشوع الأصوات : ( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) طه108

2- مثال على خشوع الأبصار : ( خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) المعارج4  

3- مثال على خشوع الوجه : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ) الغاشية2

4- مثال على خشوع هيئة الإنسان كاملة : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ ) الشورى45  

الصنف الثاني : خشوع الجمادات ..

1- مثال على خشوع الجبال : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) الحشر21

2- مثال على خشوع الارض : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ) فصلت39

# النوع الثاني : خشوع الباطن ..

وهو خشوع القلوب ..

وذلك في آية واحدة .. وهي قوله تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) الحديد16

* انتبه في آية خشوع القلوب ..  هذا عتاب لقوم من المؤمنين ضعفت هممهم عن القيام بما ندبوا له من الخشوع ..

ولكن هذا الكسل وضعف الهمة في حضور القلب وقت العمل لم يخرجهم عن كونهم مؤمنين بدليل خطاب الله لهم ( للذين آمنوا) .. !!

* يبقى عرفنا أن الخشوع أغلب ما يستخدم هو للجوارح والجمادات في عموم القرآن .. أي للأمور الملموسة .. وتم استعارته مجازا للقلوب لأن إذا كان الماديات تخشع من هيبة الله .. فمن باب أولى أن يحدث هذا للقلوب ..

**********************************

..:: هل لو ما خشع القلب فسد إيمانك ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* مما سبق بيانه نعلم الآن أن الخشوع ليس للقلب فقط كما تعلمنا في المساجد .. وإنما يحدث للجوارح أيضا .. !!

فالجوارح لها خشوع .. والقلب له خشوع .. وقد تخشع الجوارح دون القلب ..!!

* ولذلك هناك من لا يستطيع أن يخشع قلبه .. عن تكاسل أو لضعف همتة وعزيمة (بسبب ذنوبه تراكمت عليك فاسعى لتتخلص منها) ..

* ولكن هل هذا التكاسل أو ضعف العزيمة في العمل مع الله .. يجعلك غير مقبول عند الله أو يحرمك صفة الإيمان ..؟!!

لا .. لأن جوارحك خشعت بالعمل مع الله .. ولكن دوام الوصل القلبي هو ما لم تستطيعه .. لأنها تقتضي سقوط الاغيار والتعلقات من القلب .. وهذا يحتاج لعزيمة إيمانية متقدمة في العلاقة مع الله وليس لمبتديء في العلاقة مع الله ..!!

* ومثال ذلك :

فأنت حركاتك في الصلاة لها خشوع وهو الإلتزام بشكلية الصلاة .. وهناك خشوع آخر وهو خشوع القلب بدوام الوصل مع الله أثناء الصلاة ..

فإذا فقدت خشوع القلب نقص من صلاتك بقدر نقص خشوعك .. ولكن لا تبطل الصلاة .. وسنوضح ذلك تفصيليا بالدليل القاطع في (فقه الإلتفات) .. بعد الجزء القادم إن شاء الله تعالى ..

* ولذلك لم يخرج الله من دائرة الإيمان الذين ضعفت همتهم عن الوصول للخشوع القلبي .. كما أوضحنا في آية الحديد .. لأن الله خاطبهم فقال ( ألم يأن للذين آمنوا ) .. فأثبت لهم صفة الإيمان .. وإنما كان قوله لهم هو تحريضا لهم على الاجتهاد في الوصول للخشوع القلبي حتى لا تقسو قلوبهم كما حدث مع بعض أهل الكتاب حين غرهم طول الأمل فماتت قلوبهم عن الإستجابة لله وماتوا وهم كفار ..!!

* وهذا التحريض من الله .. لأن القلب يفقد الإحساس والتذوق الإيماني مع دوام الكسل وضعف الهمة والعزيمة مع الله .. بل وقد يؤدي هذا الكسل لمرحلة الضلال والضياع مما يسبب لهم قسوة القلب التي تنزع عنهم صفة الإيمان ...!!

* وحينما سنأتي عند جزء الإلتفات في السنة النبوية ونتعرف على (فقه الإلتفات) .. سيأتي مزيد بيان وتوضيح لهذه المسائل الخاصة بخشوع الظاهر والباطن .. وآراء فقهاء المسلمين ..

******************************

..:: الفرق بين الإخبات والخشوع ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

قد يتسائل أحد متفكرا فيما سبق ويقول :  أن الإخبات هو خضوع الظاهر والباطن لله .. وكذلك الخشوع يشير معناه لذلك .. فكذلك نضع حدا لفهم كلا الصفتين ؟

* وأجيب عليه ..

أن الإخبات عمل قلبي وبدني ..

والخشوع صفة لهذا العمل .. قلبيا وبدنيا ..

فالخشوع صفة لازمة للمخبت .. كما أن الوجل صفة مصاحبة للمخبت الخاشع ..

**************************

..:: كيف تصل للخشوع ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1- أنك تعلم أن الله ينظر إليك .. فتنكسر أدبا مع ربك حين تتواصل معه .. فلا تلتفت عنه ..

2- أن ترى أعمالك ناقصة ونفسك معيوبة .. فلا تجد إلا أن تتأدب معه حين التعامل معه .. وبذلك لا تلتفت عنه ..

3- احتياجك وافتقارك إلى الله .. يجعلك تخشع بين يديه .. مثل الذي يتألم فيتأدب إلى الله ليرفع عنه الألم ..

4- أن تتيقن أنه مطلع عليك حينما تسمع ذكره .. فتتادب بالإستجابة له .. مثلما تسمع الأذان فتستجيب للصلاة ..

والله أعلم ..

**************************

( حتى لا يخدعك الشيطان )

..:: يأتيك وسواس فيقول: كيف تذكر وأنت غير خاشع ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* كثير من الناس تيأس من ذكر الله .. بالرغم من أنه يمحو القساوة عن القلب .. وذلك لأنهم خضعوا لوسواس الشيطان حينما قال لهم في خاطرهم : كيف تذكر وأنت غير خاشع ؟

وهذا تدليس من الشيطان في العلم .. لأن الذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب .. وقد يجمع الله لك بينهما ..

* فأنت خشعت بلسانك مع الله .. كيف ذلك ؟

كأنك أوقفت عمل هذه العضلة على ذكر الله وجعلتها خاضعة للذكر .. ولكن لم يرزقك الله مع ذلك خشوع القلب في نفس الوقت .. وهذا رزق يأتي في موعده .. واحمد الله أن سمح لك بذكره وتفضل عليك بخشوع جارحة من جوارحك للعمل معه .. فهذه والله نعمة لوحدها تستحق الحمد .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..!!

* فانتبه حتى لا يخدعك الشيطان ( إنس أو جن ).. ويخلط عليك الأمور .. فتيأس وترجع عن الذكر بسبب هذه الحيلة القديمة التي طالما استخدمها مع مريدي ذكر الله .. فيصيبهم بإحباط ..!!

* واعلم أن ذكر مع الغفلة خير من غفلة عن الذكر .. وكل باب يفتحه الله لك ويكون سببا لك في ذكره فلا تقطعه .. فقد يكون ذكر لله هو عمل الخيرات .. أو مجاهدة نفس .. أو دفع سوء .. أو ابتسامة في وجوه الخلق .. أو دفع مال لأحد لمساعدته .. أو ذكر باللسان .. أو عبادة بالليل ... أو غير ذلك كثير ..

فلا تنظر إلى ما أكرم الله به غيرك .. بل اهتم بما أنعم به عليك حتى يديم نعمته عليك ويمدك بالمزيد ..

* وسنأتي لتوضيح هذه الجزئية الشيطانية بطريقة أخرى في آخر الرسالة .. إن شاء الله تعالى .

* وهنا يكون ختام الكلام على صفة الخشوع .. والتي ينتج من خلالها صفة الوجل القلبي .. 

***************************

..:: ما هو الوجل القلبي ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* قلنا أن من علامة المخبتين هو ظهور صفة الوجل القلبي عليهم .. يقول تعالى : ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ . الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) الحج34-35

* ما هو معنى الوجل القلبي مع الله ؟

هو استشعار الخوف .. نتيجة هيبة لذي الجلال والإكرام تحدث في القلب .. كلما ذُكر الله وكلما تعاملوا مع الله ..

والوجل لا يحدث إلا مع انتباه وعدم التفات (خشوع) .. حتى تنصت فتتأثر وتنفعل مع الذكر وتنفعل وقت المعاملة مع الله .. 

* فهناك وجل قلبي يحدث حين استقبال عبادة الله "سماعا" .. ووجل قلبي يحدث حين تطبيق وفعل عبادة الله:

1- الوجل القلبي حين استقبال عبادة الله "سماعا".. نجده في قوله تعالى :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الأنفال2 ..

2- الوجل القلبي حين تطبيق وفعل عبادة الله .. نجده في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) المؤمنون60 ..

* عن عائشة رضى الله عنها قال قلت ( يا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "الذين يؤتون ما آتَوْا وقلوبهم وَجِلَة" أَهو الَّذى يسرق ويشرب الخمر ويزنى؟ قال: لا يا ابنة الصّديق: ولكنَّه الرّجل يصوم ويصلِّى ويتصدّق ويخاف أَن لا يقبل منه ) رواه الترمذي صحيحا ..

* ولماذا يحدث لقلوبهم حالة وجل .. فيستشعرون الخوف عند سماع الذكر :

1- خوفا من أن ينظر الله في قلوبهم هذه اللحظة فيجدها منشغلة بغيره .. 

2- أو خوفا من حدوث شاغل يشغلهم عن لقاء مولاهم حينما يطلبهم .. مثلما يسمعون الاذان فيذهبون للصلاة ..

* ولماذا يحدث لقلوبهم حالة وجل .. فيستشعرون الخوف عند العمل :

1- خوفا من عدم القبول لأفعالهم الصالحة لأنهم ينظرون إليها بأنهم مقصرين فيها وهذا لا يليق هذا بذا الجلال والإكرام .. 

2- أو خوفا من وجود شهوة في النفس تنقص من إخلاصهم لله ..

* وما فائدة استحضار هذا الوجل في القلب .. ؟

حتى لا ينقطع الوصال مع الله .. فينحجبوا عن تذوق لذة مناجاته والوقوف بين يديه .. ولذلك تجد صفة الوجل في الإخبات والإخبات في الرضا .. وكأنهم يقولون : يارب نحن راضون بعلاقتنا معك  وبما أوجبته في منهجك .. فهل أنت يارب راض عنا ..؟!

والله أعلم .  

* وهنا ختام الكلام على صفة الوجل القلبي .. إحدى صفتي المخبتين ..

* ولما كان الإخبات خضوع في المعاملة عن رضى قلب وصدق معاملة وإخلاص توجه .. نتج عنه حالة خشية لهيبة ذي الجلال والإكرام .. ونتج عن هذه الخشية حالة وجل بين يدي الله .. فقد دل ذلك على المحبة لله .. ودليل المحبة هو ......... 

********************************

..:: الفصل التاسع ::..

**************************

..:: 8- ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

**********************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..