ج13: رسالة لا تلتفت - حالة الفناءة والحضور بين يدي الله - الفناء هو من الأحوال الإحسانية الشريفة - كيف لسيدنا عثمان أن يختم القرآن بركعة الوتر - ماذا حدث حينما صرف الله النبي ليعود لبشريته - القلب وإدراك الحق ظاهرا وباطنا - هل رؤية الرسول للمصلين خلفه تنافي الخشوع - هل كان سهو الرسول عن غفلة تفكير في هموم دنيوية أم عن انشغال بالله - أليس إنشغال النبي بالعباءة والتبر والفارس دليل انشغال بغير الله - كيف يلتفت النبي بنظره في الصلاة وفي أماكن أخرى ينهى عن النظر - ألا يعتبر إلتفات سيدنا عمر انشغال عن الله - ما الفرق بين الالتفات والغفلة والخشوع .

بسم الله الرحمن الرحيم

تنبيهات في الطريق إلى الله

حتى لا تسقط نفسيا وتنحرف عن الطريق

(الرسالة الثانية)

لا تلتفت .. عن الله

إذا أردت الوصول لرضوان الله

" الجزء الثالث عشر "

* فهرس :

..:: الفصل السادس عشر ::..

1- شبهة 1 : أليس إنشغال النبي بالعباءة أو القرام الملونة فيه غفلة عن الخشوع ؟

2- شبهة 2 : ألا يعتبر إلتفات النبي بتفكيره في التبر .. دليل على أنه مشغول بغير الله ؟

3- شبهة 3 : ألا يعتبر إلتفات النبي بنظره للفارس الذي أرسله .. دليل على أنه مشغول بغير الله ؟

4- شبهة 4 : كيف يلتفت النبي بنظره في الصلاة وفي أماكن أخرى ينهى عن النظر؟

5- شبهة 5 : هل رؤية الرسول للمصلين خلفه تنافي الخشوع ؟

6- شبهة 6 :  شبهة السهو في الصلاة ؟

7- كيف يسهو رسول في صلاته .. أليس هذا دليل غفله وانشغال عن الله ؟

8- هل كان سهو الرسول عن غفلة فكر في هموم دنيوية أم عن انشغال بالله ؟

9- حالة الفناءة والحضور بين يدي الله ؟

10- الفناء هو من الأحوال الإحسانية الشريفة ؟

11- كيف لسيدنا عثمان أن يختم القرآن بركعة الوتر ؟

12- ماذا حدث حينما صرف الله النبي ليعود لبشريته ؟

13- شبهة 7 : ألا يعتبر إلتفات سيدنا عمر أنه مشغول بغير الله ؟

14- القلب وإدراك الحق ظاهرا وباطنا ؟

15- ما الفرق بين الالتفات والغفلة والخشوع ؟

*******************************

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. مع فصل جديد نستكمل فيه الكلام عن رسالة الإلتفات ..

وفي هذا الجزء نكمل الحديث عن الإلتفات في السنة النبوية .. من خلال شرح الحكمة في إلتفاتات النبي في الصلاة .. ولا نشرح فقه الإلتفات لأننا قد شرحناه في الفصول السابقة .. وإنما هنا أوضح لكم بعض الحكم النبوية في الإلتفات النبوي وأنه ليس عن غفلة أو انشغال عن الله كما يتوهم البعض من فهم الاحاديث ..!!

* وهي إجابات عن شبهات نفسية قد تتعلق في نفس المؤمن حينما يقرأها .. وتصيبه بالحيرة والشك مما تسبب له إعاقة في السلوك أو حجاب ..

* وقد تعلمت طوال عمري أن الفعل النبوي له حكمة وكذلك القول النبوي له حكمة وكذلك التقرير النبوي له حكمة .. ولكن ما رأيته في كتب كثير من أهل العلم أنهم نادرا ما يبحثون عن الحكمة ويقفون مع الألفاظ ..!!

ولذلك اختفى روح الإيمان من العلم .. لفقد الحكمة .. وصدق الله العظيم ( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) البقرة269 ..!!

* وتعجب أكثر حينما تعلم أن السنة النبوية من الحكمة التي تفضل بها على المؤمنين .. يقول تعالى  ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) آل عمران164 ..

* فأين الحكمة النبوية في شرح السنة النبوية ؟!!

ليس لها وجود في زماننا أو حتى في الأزمان السابقة إلا نادرا ..!! ولذلك لما فقدنا الحكمة .. فقدنا روح الإيمان .. الذي هو العزيمة القلبية للثبات على الحق ..

* عموما نحن في هذا الجزء لا نشرح الحكم الشرعي أو الفقهي للإلتفات لأنه سبق بيانه .. وإنما نشرح الحكمة من الإلتفات النبوي .. فانتبه ..!!

* وقد أدرجت شبهة تتعلق بالسهو في الصلاة وإن كانت ليست من الموضوع .. إلا أنها شبيهة به .. حتى نغلق هذا الباب تماما ونطمس أي شك ممكن يدور في نفس أي شخص ..

ورجاء مراجعة هذه الشبهة بالذات لأن فيها علم شريف جدا ..

* نبدأ بسم الله .. توكلت على الله ..

********************************

:: الفصل السادس عشر ::

..:: شبهات نفسية عن أحاديث الإلتفات والخشوع والسهو ::..

****************************

شبهة : (1)

..:: إنشغال النبي بالعباءة أو القرام الملونة فيه قلة خشوع ::..

1- ( شَغَلَتْنِي أَعْلامُ هَذِهِ ، اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ ). رواه البخاري

ومعنى (الإنبجانية) : نوع من العباءات فيها ألوان كثيرة ..

2-  ( كان قِرامٌ لعائِشَةَ ، ستَرَت به جانِبَ بَيتِها، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أميطي عَنَّا قِرامَكِ هذا، فإنَّه لا تَزالُ تَصاويرُهُ تَعرِضُ في صلاتي ) رواه البخاري .

ومعنى (القرام) : هو ستارة عليها ألوان أو نقوش ..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* أولا : الانشغال معناه : مجاهدة الإلتفات إلى هذه الألوان .. لأن كثرتها وزخرفتها تسبب جذب للعين  فتكون سبب للإلتفات الظاهر بلا سبب موجب لذلك الإلتفات ..

* يبقى النبي لم يلتفت وإنما كان منشغلا بصرف الإلتفات عن الصور الظاهرة .. حتى لا يؤثر في باطنة .. وهذه المجاهدة أو الإنشغال بصرف الصور عن مخيلته .. هو لا يخرجه عن الخشوع .. بل هو في عين الخشوع لدوام عزيمته مع الله بدليل صرف همته عن الإلتفات لهذه الألوان أو زخارف العباءة .. ليحافظ على خشوع الظاهر مع خشوع الباطن .

* ثانيا : أما بالعقل البسيط :

فهل يعقل أن النبي الذي لا ينام قلبه أبدا .. ويسكن عند ربه يطعمه ويسقيه .. يقال عنه أنه إلتفت بقلبه عن مولاه بألوان عباءه ..!! أفلا تعقلون ..!!

* ثالثا : انشغال النبي بصرف ظاهره عن الإلتفات  بالألوان .. له إشارة وله حقيقة :

1- أما عن الإشارة في الحديث :

* هو أن الألوان تذكرك بعالم الأغيار .. وهذا وقت مناجاة وليس وقت أغيار .. وهذا يجعلك تفهم الآتي :

* في وقت الصلاة : لا تصلي في مكان أو على شيء فيه زخارف أو ألوان متعددة حتى لا تلتفت عينك إلى الزخارف فتنشغل بها حتى تؤثر في باطنك فتنشغل به عن مولاك ..!!

* في عملك : ويجعلك تفهم أنه كلما كثرت عليك زخارف الحياة كلما أنشغلت بها عن مولاك وقد يؤثر ذلك في باطنك .. فانتبه .

* في مجتمعك : ويجعلك تفهم أن الألوان المتعددة كالآهواء المتعددة مثل جماعات التفرقة الدينية .. كلها باطلة .. فدائما هناك هوى واحد فقط هو ما تطمئن له نفسك .. ينتج عن إله واحد ونبي واحد .. أي الله ورسوله .

* في عالم الكشف القلبي : ويجعلك تفهم أن الواحدية قد تجعلك تنشغل بها وتفتن فيها وقد تنحرف فيها .. ولكن الأحدية لا إلتفات عنها .. حيث أن الواحدية تحمل مظاهر متعددة .. والأحدية لا مظهر لها لأنها وصف الذات ..!!

2- أما عن حقيقة الحديث : هو أن مجاهدة الظاهر لله لا تقطع وصل الباطن مع الله .. !! ولما كان القلب محل نظر الله .. وكان قلب النبي منشغلا بالله .. حتى وهو نائم بجسمه .. فقد كان النبي لم يفارق مولاه طرفة عين .. ولذلك كان انشغاله جهادا لمولاه وليس عن مولاه .. فافهم .

* أما من يقول أن النبي انشغل لأنه معجب بها وافتتن بها فانشغل عن مولاه .. فهذا شخص يحتاج إلى تأهيل عقلي وقلبي ..!!

*****************************

شبهة : (2)

..:: ألا يعتبر إلتفات النبي بتفكيره في التبر .. دليل على أنه مشغول بغير الله ؟ ::..

* عن عقبة بن الحارث قال : ( صَلَّيتُ مَع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم العَصرَ ، فلمَّا سلَّم قام سَريعًا ، دَخَل على بَعضِ نِسائِه ، ثُمَّ خَرَج ، وَرَأى ما في وُجوهِ القومِ مِن تَعجُّبِهم لِسُرعتِه، فَقال: ذَكَرتُ وَأنا في الصَّلاةِ تِبْرًا عِندَنا ، فكَرِهتُ أن يُمسيَ ، أو يَبيتَ عِندَنا ، فأَمَرتُ بِقِسمتِه ) . رواه البخاري .

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

لعلك لم تنتبه لفهم الحديث جيدا .. هل الذي تذكره النبي أمر يحبه الله أم لا يحبه الله ؟ وهل كان ذكره للصدقة لنفسه أم لربه ؟

بالتأكيد الصدقة يحبها الله .. وأنه يفعلها لله وليس لنفسه ..

* فتبين من ذلك أن (خاطر الفكرة) أي الخاطر الذي جعله يتذكر هذا التبر (الذهب) كان خاطر خير من الله .. لأنه كان في صلاة أي في معية مولاه سبحانه .. فكأن الله ألهمه بتذكيره بفعل واجب تنفيذه في حقه .. ففعله ..

فأين الإلتفات عن الله في الصلاة .. إذا كان إلتفاته كان لله ولفعل طاعة الله ..!!

* ولو كان فعله فيه إلتفات عن الله لعاتبه الله .. !!

أفلا تعقلون ..!!

**********************************

شبهة : (3)

..:: ألا يعتبر إلتفات النبي بنظره للفارس الذي أرسله .. دليل على أنه مشغول بغير الله ؟ ::..

* عن سهل بن الحنظلية قال: (ثوب بالصلاة (أي أقيمت الصلاة) يعني صلاة الصبح، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو يلتفت إلى الشِّعْب) رواه أبو داود بِإِسْنَاد صَحِيح ..

* وكان النبي يوم حنين قد أرسل فارسا وهو (أنسِ بنِ أبي مَرثدٍ الغنويِّ رضِيَ اللهُ عنه ) إلى الشِّعب ( الطرق ما بين الجبال ) في الليل ليحرس ويسهر على منافذ هذه الطرق تخوفا من ظهور أي عدو عليهم .

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

هل كانت إلتفات النبي عن نفسه أم عن ضرورة وحاجة ؟ بل كان لضرورة ومصلحة لازمة ..

1- فلما كان إلتفات النبي هو متابعة لشئون أمته في حال الحرب وخوفا عليها .. كان هذا إلتفات طاعة لله وليس غفلة عن الله ..

فكان ظاهره طاعة لله .. وباطنه مع الله .. فكيف تقول أنه غفل عن مولاه ..!!

2- ولو كان إلتفاته عن غفلة عن الله لعاتبه الله ..

* فتبين مما سبق أن الإلتفات .. الذي يكون عن مصلحة أو مهمة أو ضرورة لا يبطل الصلاة ولا ينقص منها .. فما بالك بمَن كان ظاهرة ملتفت إلى طاعة الله جهادا .. وباطنه ملتفت إلى مولاه حبا ..!!

* فلا تقيس أفعال عموم المؤمنين بفعل النبي .. لأن فعله حكمة .. ولا يغيب عن مولاه لا ظاهرا ولا باطنا .. وكيف يغيب إذا كان في نومه لا يغيب ..!! أفلا تعقلون ..!!

**********************************

شبهة : (4)

..:: كيف يلتفت النبي بنظره في الصلاة .. وفي أماكن أخرى ينهى عن النظر؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* قد يقول قائل .. أليس الإلتفات بالنظر جائز فلماذا نهى عنه النبي بقوة .. في الحديث التالي .. عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ( لَيَنْتهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعاءِ في الصَّلاةِ إلى السَّماءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُم) .. وما الحكمة في هذا الزجر النبوي ؟

* أنت لم تنتبه لما سبق .. فقد قلنا أن الإلتفات الجائز للنظر هو يمينا ويسارا ويكون لحاجة ضرورية أو لسبب ما يدفعك لذلك ..

* ولكن جاء النهي في الحديث السابق عن رفع النظر للسماء وليس يمينا ويسارا ..!!

* وهذا كان له حكمتين ..:

الأولى : وهو أن النبي قد نهاه الله عن ذلك .. كما جاء عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ( أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َكَانَ إِذا صَلَّى رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَنزلت (الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون) فطأطأ رَأسه ) .. رَوَاهُ الْحَاكِم ..

وبالتبعية هو نهى أمته عن ذلك .. فخاف عليهم أن يكون عصيانهم أمر الله ورسوله .. سببا في حدوث العقوبات لهم .. كما قال تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور63 ..

* كما حدث مع طائفة من اليهود في قصة أصحاب السبت حينما تعمدوا المخالفة .. يقول تعالى ( فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) الأعراف166 ..

* ولذلك قال النبي في حديث آخر عند من يتعمدون مخالفة الإمام في الصلاة (أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه قبلَ الإمامِ أن يجعلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ أو يجعلَ اللهُ صورتَه حمارٍ) ..

وهذه الزواجر النبوية حتى لا تستخف بالأوامر الإلهية والتوجيهات النبوية .. لأن لها عقوبات .. وأشبه شيء على ذلك قصة أصحاب السبت ..

* الحكمة الثانية : أنت في الصلاة تقف موقف المنكسر الذليل الفقير إلى الله .. فيجب أن ينكسر ظاهرك وباطنك بين يدي مولاك .. ولا ترفع عينك أمام الأعلى سبحانه وتعالى تواضعا له وانكسارا بين يديه .. أدبا بين يديه سبحانه ..

* أما خارج الصلاة فارفع نظرك ووجهك توددا ومحبة طلبا من مولاك (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء) البقرة144 .. لأن هذا موقف أنت طالبه فسمح لك بذلك القرب والتودد .. ولكن في الصلاة هذا موقف جلال هو طالبه منك أن تكون منكسرا ومفتقرا إليه .. ولم يسمح لك برفع النظر وأنت منكسرا لجلاله لما في ذلك من إساءة الأدب للجلال الإلهي ...!!

والله أعلم .!!

* ملحوظة هامة : أن النهي فقط عن رفع النظر للسماء وقت الدعاء خاص بحالك وأنت تصلي .. أما خارج الصلاة فافعل ما تريد ولا حرج في رفع وجهك إلى السماء .. !!

* والإشارة في الأحاديث السابقة :

إلى أن مَن أَذنبَ بعضوٍ فَلْيَخَفْ أن يَلْحَقَ ذلك العضوَ عقوبةٌ .

****************************

شبهة (5)

..:: هل رؤية الرسول للمصلين خلفه تنافي الخشوع ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

فهل كان الرسول يلتفت للمصلين عن نفسه أم عن ربه ؟

بالتأكيد عن أمر ربه .. لأنه هو الذي أعطاه هذه الخصوصية .. ومأذون من الله باستخدامها لإرشاد العباد وتوجيههم .. ولا يخفى ما في ذلك من كرامة كبيرة للنبي صلى الله عليه وسلم ..

* فكان يرى بأمر الله حتى يصحح للناس أخطائهم فيرشدهم .. فهو التفات إلى تعليم الله لهم .. فهي رؤية تشريعيه ..

* وطالما كان يرى بربه (بإذن من ربه) .. فكيف يكون التفت عن ربه ؟ أفلا تعقلون ؟!!

* شرح لكيفية حدوث هذه الرؤية :

وحتى تستطيع أن تفهم كيف تحدث هذه الرؤية .. فإليك الآتي :

1- عن البراء بن عازب : ( لمَّا أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن يُحفَرِ الخندقَ عرضَ لنا حجَرٌ لا تأخُذُ فيهِ المعاولُ فاشتكينا ذلِكَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فجاءَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فألقى ثوبَهُ وأخذَ المعولَ وقالَ بسمِ اللَّهِ فضربَ ضربةً فَكسرَ ثلُثَ الصخرة ثم قال اللَّهُ أَكبرُ أعطيتُ مفاتيحَ الشَّامِ واللَّهِ إنِّي لأبصِرُ إلى قصورِها الحمراءِ الآنَ من مكاني هذا قال ثمَّ ضربَ أخرى وقال بسمِ اللَّهِ وكسر ثُلثًا آخرَ وقالَ اللَّهُ أَكبرُ أعطيتُ مفاتيحَ فارسَ واللَّهِ إنِّي لأبصرُ قصرَ المدائنِ الأبيضَ ثمَّ ضربَ الثَّالثةَ وقالَ بسمِ اللَّهِ فقطعَ الحجرِ وقالَ اللَّهُ أَكبرُ أعطيتُ مفاتيحَ اليمنِ واللَّهِ إنِّي لأبصر باب صنعاءَ ) رواه النسائي بسند صحيح ..

* فكيف أبصر النبي هذه الأماكن التي قال عنها أنه أبصرها وهي تغيب عنه مئات الأميال ؟

فهل كان بالعين ؟ مستحيل ..

وإنما رؤية كشفية بالروح من خلال القلب .. وطالما الأمر يتعلق بالروح فلا يوجد اتجاهات .. لأنك ترى بروحك في كل الإتجاهات .. لأن الروح عين كشفية مثل الكرة الكريستال .. وكأن الروح مرآة ينعكس عليها الأحداث المحيطة بها من كل الإتجاهات ..

2- لماذا كان النبي يرى جبريل والصحابة لا يروه حين نزول الوحي ؟ فهل كان يراه بعينه ؟ طبعا .. لا .. وإلا كان رآه الصحابة .. بل يراه بروحه نتيجة طهارة قلبه الشريف .. !!

* فهل تعتقد أن النبي الأمي الذي يرى الملائكة والجن يقظة .. لا يستطيع أن يرى من خلفه ..!!

فهذا كلام لا يقوله إلا مجنون أو جاهل بالعلم الروحي .. لأن عالم الأرواح تدركه الأرواح .. وعالم الأرواح لا حدود كشفية لها ..!!

3- أما بالعقل :

فإذا كان الله أعطى البشر من العلم فاخترع كاميرات مراقبة بدرجة 360 درجة لتصور كل الإتجاهات في نفس اللحظة .. فهل العليم الذي خلق العالم ونشر العلم يعجز أن يجعل لحبيبه طريقة ليرى بها من خلفه ..؟!!

أفلا تعقلون ..!!

4- وبطريقة عقلية أخرى :

فالحرباء ترى بزاوية 360 درجة ، وحشرة اليعسوب (الدبور) يرى بزاوية 360 درجة .. دون أن يلوي أي منهما رأسه للخلف ..!!

فهل تظن أن الحيوانات والحشرات أشرف من الأنبياء والرسل .. !!

أفلا تعقلون ..!!

*****************************

شبهة (6)

..:: شبهة السهو في الصلاة ::..

* قد يتساءل البعض فيقول :

كيف يسهو رسول في صلاته .. أليس هذا دليل غفلته وانشغاله وتسلط الشيطان عليه ؟

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود ( صلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ صلاةً فزادَ فيها أو نقصَ فلمَّا سلَّمَ قلنا يا نبيَّ اللَّهِ هل حدثَ في الصَّلاةِ شيءٌ قالَ وما ذاكَ فذَكرنا لَهُ الَّذي فعلَ فثنى رجلَهُ فاستقبلَ القبلةَ فسجدَ سجدتيِ السَّهوِ ثمَّ أقبلَ علينا بوجْهِهِ فقالَ لو حدثَ في الصَّلاةِ شيءٌ لأنبأتُكم بِه ثمَّ قالَ إنَّما أنا بشرٌ أنسى كما تنسَونَ فأيُّكم شَكَّ في صلاتِهِ شيئًا فليتحرَّ الَّذي يرى أنَّهُ صوابٌ ثمَّ يسلِّم ثمَّ يسجُد سجدتيِ السَّهوِ ) رواه النسائي بسند صحيح ..

* ونجد أن الرسول قد علل نسيانه ببشريته .. وليس من حيث كونه نبي .. وإلا لكان صحح له الوحي أنه أخطأ في الصلاة ..!!

* ولكن لماذا جعل الله لبشرية الرسول أن تتحكم فيه في هذا الموقف ؟ خاصة وأنه محاط بالملائكة بل واتصاله بربه قد ينبه إلى أنه سها ؟ فما الحكمة في ذلك ؟

* لأنه لو ظل الرسول يصلي بكيفيته النبوية .. ما كان ليستطيع أن يشرع للناس ماذا يفعلون لو أخطأوا .. لأنهم ليسوا معصومين من الخطأ .. ولذلك نجد أن الله جعله ينسى ليشرع للناس ماذا يفعلون لو نسوا سهوا .

2- هل كان سهو الرسول عن غفلة تفكير في هموم دنيوية أم عن انشغال بالله ؟

وهذا سؤال مهم جدا .. لأن فعل السهو يدفعنا لنسأل ما الذي يجعل نبي رسول .. أن يسهو في أعظم عبادة هي صلة بينه وبين مولاه ؟!! 

* ولكن الحقيقة خلاف ما تظن أو تتوهم .. لأن من ينشغل بالله فهو يفقد كثير من إدراكاته البشرية .. وكمثال بسيط لتفهم .. فهذا حال السكران الذي يشرب الخمر حتى يفقد إدراك التمييز ولا يتذكر شيئا حينما يعود لوعيه ..!!

ما بالك بالذي اختمر عقله وقلبه بحب مولاه .. فماذا سيبقى له من بشريته ؟!!

* حالة الفناءة والحضور بين يدي الله (شهود الحق) :

* ولذلك في حال الصلاة يحدث كثيرا حال الفناء .. وهو حال يغيب فيه الإنسان ببشريته ويبقى بروحه في حضرة مولاه .. مناجيا لمولاه .. وكأنه في عالم آخر .. مثال ذلك من يدخل في غيبوبة وعي وفقد الإحساس بكل من حوله .. وحينما يعود لوعيه يكون قد فقد الزمن الذي غاب فيه وكأنه لازال عند آخر مشهد فقد عنده الوعي لأن هذا المشهد هو آخر ما أدركه عقله وقام بتسجيله ..!!

* فحال الفناء في الله .. أو الغيبة في حب الله .. أو الحضور بين يدي الله .. وهو المشار إليه بقول النبي عن الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه ) .. وكأنك أسقطت الأغيار عن قلبك فلم يبقى سواه ..!!

* فحال الفناء هو من الأحوال الإحسانية الشريفة التي نادرا ما تحدث للمؤمن العادي ..

وقد تأتي في لحظات .. وقد تستمر لدقائق .. وقد تزيد عن ذلك .. فالمقام الإحساني درجات .. !!

وهذا الحضور القلبي والروحي بين يدي الله يزيد بزيادة المحبة القلبية والشوق لله .. حتى تغيب بالله عن الدنيا .. فحينئذ تنسى ما كانت عليه بشريتك .. ويتوقف الزمن بالنسبة إليك .. وقد ينعم الله عليك في هذه اللحظات بعلوم ومعارف تحتاج إلى مئات السنين لتعقلها فقط .. ولكنه يمنحها لك في ثواني بسيطة .. لأنه لا زمن عند الله ..!!

* سيدنا عثمان وختم القرآن بركعة الوتر ؟

ولعل ما سبق هذا يوضح لك كيف كان سيدنا عثمان يختم القرآن كله بركعة واحدة في الليل .. لأنه يفنى عن بشريته في الله .. فينتقل بروحه لعالم لا زمن له يقرأ في كلام الله .. وحينما ينتهي من قرائته ويعود لبشريته مرة اخرى يجد أنه لم يمضي على صلاته سوى ساعة واحدة قرأ فيها القرآن ..!!  

* نعود لسهو النبي فنقول :

لعلك قد فهمت الآن أن السهو حدث لفناءه في مولاه .. أي لغيبته في حضرة مولاه .. أي لحضوره بين يدي مولاه ..

* ولكن حينما صرفه الله ليعود لبشريته ليكمل رسالته التشريعية للناس .. قد منعه هذه المرة أن يتذكر ما كان عليه في آخر مشهد له حينما كان متصلا ببشريته .. وذلك حتى يشرع للناس تشريع جديد ..!!

* ولذلك علل النبي نسيانه ببشريته .. لأنه يريد أن يقول لك .. لو كنت على هيئتي النبوية ما كنت لأنسى أبدا ..!!

* وكيف يُعقل أن يكون الأمي ناسيا ..!! وهو الأصل المتلقي عن مولاه .. ومدار الآخرة يدور حول فلكه الشريف ليتوسط لهم في بدء الحساب ..!! (راجع رسالة النبي الامي) ..!!

* أرجو أن أكون قد فتحت لك بابا شريفا لتجتهد في الوصول إليه .. وقد فهمتك حال شريف جدا .. قد تضل فيه لو قرأته في بعض كتب التزكية ..!! فانتبه لما وصل إليك .. فإنه علم شريف .. وفهم لطيف .. وما أجمل أن تستمتع بالمعرفة والحكمة النبوية ..!!

* ولذلك قلت لك .. في مقدمة هذا الفصل .. حينما فقدنا الحكمة النبوية في (قوله وفعله وتقريره) .. فقدنا روح الإيمان .. لأنه لم يعد لدينا معرفه وحكمة .. بل مذهبيات وتعصبات جاهلية ..!!

****************************

شبهة (7)

..:: ألا يعتبر إلتفات سيدنا عمر .. أنه مشغول بغير الله ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

أنه لا مانع من انشغال العقل بفكرة فيها مصلحة يحبها الله .. لأن هذا يجعلك لازلت مع الله ..!!

* ولكن بشرط أن لا تخرج عن المنهج النبوي في فعلك التعبدي ..!!

ولذلك حينما كان عمر إماما بالناس في صلاة المغرب ولم يقرأ جهرا .. أعاد الصلاة لمخالفته الفعل النبوي وهو الجهر بالقرآءة .. وليس لأنه كان يفكر في تجهيز الجيش أثناء الصلاة ..!!

* يقول النبي ( وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ) . رواه البخاري .

* فتأمل كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى تفهم أن مقام المحبة يجعل كلك (ظاهرك وباطنك) يعمل مع الله .. أي يعمل مع الحق بالحق للحق .. فيكون فعل الإنسان كله حقا .

* ولذلك لما كان قلب سيدنا عمر مع الله .. فقد جعل عقله مشغولا بالحق في عالم الظاهر .. وقلبه في عالم الباطن مع الله .. وإلا ما كان انشغل بتحقيق مراد الله في أمور الظاهر .. فكان مع الله ظاهرا وباطنا .. إلا أنه غلبه الحال فسها عن الجهر بالقرآءة .. !!

* بل لو تأملنا كلام عمر (راجع أحاديثه) .. لفهمنا منه أنه كان كأنه يحدث له كشف يعلم منه كيف يرتب أمور خلافته .. وكأنه قد دخل حضرة الله بالتكبير ويسأل مولاه كيف يدبر شئون ملكه .. فيرشده الله إلى ذلك .. والله أعلم .  

**********************************

..:: القلب وإدراك الحق ظاهرا وباطنا ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

*القلب له اعتبارات مع الحق باعتبار العقل واعتبار القلب .. أو باعتبار إدراك الظاهر وإدراك الباطن ..

* فالشخص قد يجالس الناس بجسده وقلبه يقول (يا رب) .. وقد يتحد العقل والقلب في قول (يا رب) .. فتحدث غيبة عن الشهود ..

* فالرسول يجالس الناس بظاهره .. وباطنه مع الحق .. وظاهره ينام .. وباطنه مع الحق ..

بل كان ظاهره حق لأنه ينطق بالحق وينظر بالحق ويستخدم كله (ظاهره وباطنه) بالحق للحق .. فكان فعله حقا ..

* إذن فهناك اعتبارات للقلب مع الحق (ظاهرة وباطنة) .. ولكن القلب له وجهة واحدة حين العمل مع الله .. وهو الله .. ثم يسخر هذا القلب كل أدوات الإنسان في العمل مع الله تبعا لوجهة القلب .. وذلك يحدث في مقام المحبة .. وتفهم ما قلته لك سابقا من حديث النبي ( إنَّ اللهَ قال : من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ) . رواه البخاري .

* فتأمل كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى تفهم أن مقام المحبة يجعل كلك (ظاهرك وباطنك) يعمل مع الله .. أي يعمل مع الحق بالحق للحق .. فيكون فعل الإنسان كله حقا .

* ولذلك لما كان قلب سيدنا عمر مع الله .. فقد جعل عقله مشغولا بالحق في عالم الظاهر .. وقلبه في عالم الباطن مع الله .. وإلا ما كان انشغل بتحقيق مراد الله في أمور الظاهر .. فكان مع الله ظاهرا وباطنا .. إلا أنه غلبه الحال فسها عن الجهر بالقرآءة .. !!

**************************************

..:: ما الفرق بين الالتفات والغفلة والخشوع ؟ ::..

1- فالإلتفات : يكون عن حركة جسدية .. أو حركة باطنية كمن يلتفت لتحقيق أطماع كشفية أو روحانية لم يطلبها منه الشرع ..!!

2- والغفلة : تكون عن نسيان أو انشغال بالبال .. فالانسان قد يغفل في الصلاة أو الذكر لمشاغل الحياة .. ولكن يظل عمله مع الله ابتغاء مرضاة الله ..!!

3- الخشوع : يكون عن عدم إلتفات وعدم غفلة .

والله أعلم ..

*******************************

..:: الفصل السادس عشر ::..

***************************

..:: خطة الشيطان في الإلتفات عن الله ؟ ::..

 ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ) النساء120

يتبع إن شاء الله تعالى 

**********************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..