ج2 : رسالة علم الرقية الشرعية - ما هي شروط الرقية الشرعية وضوابطها الصحيحة - ما مفهوم الرقية لغة وشرعا - ما الفرق بين (رقَى ، رقِي) - هل جاء لفظ الرقية في القرآن - هل تنفع الرقية في كل وقت - تحت أي تصنيف يندرج علاج الرقية - لماذا قال تعالى في الآية (راق) ولم يقل طبيب - هل الرقية الشرعية هي علم يحتاج لدراسة متخصصة

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة 

- علم الرقية الشرعية -

( من القرآن والسنة النبوية )

- الجزء الثاني -

* فهرس :

..:: الفصل الأول ::.. التعريف بالرقية ::

1- س1: هل الرقية الشرعية هي علم يحتاج لدراسة متخصصة ؟

2- س2: ما مفهوم الرقية لغة وشرعا ؟

3- س3: ما الفرق بين (رقَى ، رقِي) بفتح القاف وكسرها ؟

4- س4: هل لفظ الرقية مشتق من الريق ؟

5- س5: تحت أي تصنيف يندرج علاج الرقية ؟

6- س6: هل جاء لفظ الرقية في القرآن  ؟

7- س7: لماذا قال تعالى في الآية (راق) ولم يقل طبيب ؟

8- س8: هل تنفع الرقية في كل وقت ؟

..:: الفصل الثاني :: شروط الرقية وضوابطها في الشريعة الإسلامية ::

9- س9: ما هي شروط الرقية الشرعية وضوابطها الصحيحة ؟

 **********************

..:: الفصل الأول ::..

:: التعريف بالرقية ::

**********************

..:: س1: هل الرقية الشرعية هي علم يحتاج لدراسة متخصصة ؟ ::..

  

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

ــ كل فروع الفقه تسمى "علم الفروع" .. أي أنها علم يتم تدريسه وفق قواعد وضوابط تحكمه ..

- والرقية هي فرع كبير من فروع الفقه وتندرج تحت علم أكبر وهو علم الدواء أو الطب .. 

- فالرقية هي علم يجب أن يُحترم تدريسا وتعليما .. ويأخذ حقه في هذا الزمن الذي نعيشه .. خاصة مع انتشار الفتنة الروحانية التي طالت الغني والفقير والمتعلم والجاهل ..!!

- وعلم الرقية يحتاج إلى صبر في تحصيله ، وإلى تفصيل وشرح معتبر أي مصحوبا بالدليل .. طالما نريد أن نعرف حقيقة الرقية الشرعية .. وليس كما يصورها البعض أنها شيء بسيط وسهل وواضح وأنها مجرد دعاء وانتهى الموضوع ..!!

- ولو كان الأمر بسيط وسهل كما تصور البعض .. فلماذا حدثت الفتنة وانتشر الباطل ..؟!!

- وإنما الفتنة والباطل ظهرتا نتيجة إهمال وتقصير في تعليم وتوضيح حقيقة الرقية ووضع ضوابطها .. وتدريسها كما يجب أن يكون .. وتوضيح مسائلها التي طالما يفكر فيها الإنسان .. مثل متى تنفعل الرقية مع الراقي أو المصاب ومتى لا تنفعل ..!!

- وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالرقية .. التي طالما تجاهلها بعض أهل الحق حتى ضاع العوام في غيابات جماعات الظلام ..!!

- ولذلك أخي المؤمن .. عليك أن تدرك أن الرقية هي علم ديني واسع .. له ضوابط تحكمه .. لا بد للمسلم أن يعرفها حتى يكون على بصيرة من أفعاله مع الرقية حتى لا يفعل أمور يحسب أنها رقية أو يرى أفعال من البعض .. فيظن أنها رقية وهي ليست برقية .. وحتى لا يفعل أمور فيها معصية لله ..!!

* وبما أننا قلنا أن الرقية هي علم .. فكل علم وله مصدر وله موضوع وله غاية ..

- فأما عن مصدر علم الرقية الشرعية : فهو الشريعة الإسلامية .. كتاب وسُنَّه .

- وأما عن موضوع علم الرقية : فهو الراقي والمرقي له أي المصاب بعلة عضوية أو نفسية أو روحانية .. وطرق الرقية أي طرق العلاج المشروعة لذلك .

- وأما غاية علم الرقية : هو علاج المصاب بما ليس فيه مخالفة للشريعة الإسلامية ..

* وطالما الرقية هي علم شرعي .. فهو له ضوابط .. عليك الإلمام بها .. حتى تقف على أرض اليقين من العلم .. بما يدفع عنك أي شك أو خلط أو توهم في هذا العلم ..

* لذلك كان لابد أولا أن نتكلم عن الرقية كمفهوم عام في اللغة ، وكتعريف خاص بالشريعة الإسلامية مع توضيح بعض المسائل والضوابط الخاصة بها .. ثم نتكلم بعد ذلك عن الراقي والمصاب وما يجب أن يتوافر في كلاهما من مسائل وضوابط وفق الشريعة الإسلامية .. حتى تكون على بصيرة من الحق .. فلا يخدعك أو يضللك أحد بعد ذلك ..

- وأسأل الله أن يعينني .. في أن لا أترك في هذه الرسالة العلمية أي فكرة أو سؤال إلا وأكون قد أجبتك عنه بما يرضي الله وبما يمحو عنك أي خلط أو غلط أو شبهة أو سوء فهم .. آمين يارب العالمين .

*******************************

..:: س2: ما مفهوم الرقية لغة وشرعا ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- لو نظرنا لمفهوم الرقية في اللغة والشرع .. فلا اختلاف بينهما .. لأن كلاهما له مدلول واحد .. وهو طلب الإستشفاء .. ولا يقال للرقية إنها رقية إلا إن كانت عن كلام منطوق .. سواء كلام حق أو باطل ..

- فلو كانت الرقية بألفاظ ربانية كقرآن أو دعاء نبوي أو مستمد منهما أو تكون بألفاظ ليس فيها مخالفة للشريعة .. فهذه رقية حق ..

- ولو كانت رقية جاهلية بألفاظ مجهولة تحتمل أن تكون شركا أو فيها استعانة بجن أو غير ذلك مما هو مخالف للشريعة .. فهذه رقية باطل .. 

* ومفهوم الرقية بصفة عامة .. هي عَوْذة كلامية مؤثرة .. وقد يصاحبها وسائل طبيعية .. وتستخدم في العلاجات مما يضعف الإنسان (عضويا أو نفسيا أو روحانيا) .. ويقرأها المصاب أو تُقرأ له .. !!

- وإليك جملة من أقاويل أهل العلم عن مفهوم الرقية ..

1- جاء في الموسوعة الكويتية :

- الرُّقْيَةُ : وَجَمْعُهَا الرُّقَى ، وَهِيَ أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ يَحْدُثُ عِنْدَ قَوْلِهَا الشِّفَاءُ مِنَ الْمَرَضِ ، إِذَا كَانَتْ مِنَ الأْدْعِيَةِ الَّتِي يَتَعَوَّذُ بِهَا مِنَ الآْفَاتِ مِنَ الصَّرْعِ وَالْحُمَّى .. وَفِي الْحَدِيثِ (أَعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ) صحيح مسلم - وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ (لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) رواه أحمد .

- وَمِنَ الرُّقَى مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَرُقَى الْجَاهِلِيَّةِ .. وَأَهْل الْهِنْدِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَشْفُونَ بِهَا مِنَ الأْسْقَامِ وَالأْسْبَابِ الْمُهْلِكَةِ .

- قَال الْقَرَافِيُّ : الرُّقْيَةُ لِمَا يُطْلَبُ بِهِ النَّفْعُ ، أَمَّا مَا يُطْلَبُ بِهِ الضَّرَرُ فَلاَ يُسَمَّى رُقْيَةً بَل هُوَ سِحْرٌ .

موسوعة الفقه الكويتية ج24 ص261

2- قال بن الأثير رحمه الله  (المتوفى: 606هـ) :

- الرُّقْيَةُ : العُوذة الَّتِي يُرْقَى بِهَا صَاحِبُ الْآفَةِ كالحُمَّى والصَّرع وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ .

النهاية في غريب الحديث ج2 ص254

3- قال الشيخ أبو حيان الأندلسي رحمه الله (المتوفى: 745هـ):

- الرقية : وَهِيَ مَا يُسْتَشْفَى بِهِ لِلْمَرِيضِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ .

البحر المحيط ج10 ص342

4- قال الشيخ شهاب الدين أبو العباس الحلبي رحمه الله (المتوفى: 756هـ) :

- الرقية : وهو كلام معد للاستشفاء يرقى به المريض ليشفى .

الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ج10 ص580

5- قال الإمام جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ) :

- (الرقية): كلام يستشفى به من كل عارض .

التوشيح شرح الجامع الصحيح ج4 ص1611

6- قال نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ):

- رقى جمع رقية : وَهِيَ مَا يُقْرَأُ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ .

مرقاة المفاتيح 1/174 .. بتصرف قليل ..

7- قال الشيخ شهاب الدين الخفاجي (المتوفى: 1069هـ) :

الرقية : بالضم كالعوذة ما يتكلم به عند الملسوع والمريض من آيات الشفاء ونحوها .

حَاشِيةُ الشِّهَابِ عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوِي ج8 ص283

8- قال الإمام الزرقاني رحمه الله  (المتوفى: 1122هـ) :

- الرُّقْيَةِ : وَهِيَ الْعُوذَةُ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - مَا يُرْقَى بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ .

شرح الزرقاني على الموطأ ج4 ص511

9- قال الإمام الألوسي رحمه الله (المتوفى: 1270هـ) :

الرقية وهي ما يستشفى به الملسوع والمريض من الكلام المعد لذلك ومنه آيات الشفاء .

روح البيان ج15 ص162

10- قال الشيخ  شرف الحق العظيم آبادي (المتوفى: 1329هـ) :

- الرُّقْيَةُ : كَلَامٌ يُسْتَشْفَى بِهِ مِنْ كُلِّ عَارِضٍ ..

عون المعبود ج9 ص206

11- قال الشيخ  محيي الدين درويش (المتوفى : 1403هـ) :

- الرقية : وهو كلام معد للاستشفاء يرقى به المريض ليشفى .

 إعراب القرآن وبيانه ج10 ص302

12- قال الإمام المباركفوري رحمه الله (المتوفى: 1414هـ) :

- الرُّقْيَةِ : هي ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء ..

مرعاة المفاتيح ج1 ص187

13- قال الدكتور أحمد مختار رحمه الله (المتوفى: 1424هـ):

- رقَى يَرقي ، ارْقِ رَقْيًا ورُقْيًا ، فهو راقٍ .. والمفعول مَرقِيّ

- رقَى المريضَ : عوَّذه وقرأ له ليَشْفَى من ضررٍ ألمَّ به أو قال له: باسم الله أرقيك ، والله يشفيك " ..

معجم اللغة العربية المعاصرة ج2 ص930

*******************************

..:: س3: ما الفرق بين (رقَى ، رقِي) بفتح القاف وكسرها ؟ ::..

* يقول ابن بطال رحمه الله  (المتوفى: 633هـ) :

- يقال: رَقِى بكسر القاف ، وبالياء في الماضى يرقى بفتحها والألف في المستقبل رَقْيًا ورُقِيًّا : إذا صعد ، وارتقى: مثله ..

- ولا يقال: رَقَى بفتح القاف إلا من الرُّقْيَةِ ، فإنه يقال رَقَى يَرْقَى رُقْيَةً .

النَّظْمُ المُسْتَعْذَبُ فِي تفْسِير غريبِ ألْفَاظِ المهَذّبِ ص28

*************************

..:: س4: هل لفظ الرقية مشتق من الريق ؟ ::..

- قد يخطر على بال البعض .. أن لفظ الرقية مشتق من الريق .. لأنه يقرأ في بعض كتب أهل العلم يقولون عن الرقية : على أنها النفث في الماء .. !!

- فيظن البعض بذلك أن الرقية جاءت من وضع الريق في الماء ..!! وهذا خطأ .. لأن أهل العلم يذكرون هذا التعريف باعتبار ما يصاحب الرقية غالبا .. ولذلك يشرحون الرقية بعدها على أنها كلام يقصد به الإستشفاء .. !! ..

- ولفظ ريق .. من مادة : روْق ..

- ولكن لفظ رقية .. من مادة : رقا ..

- ولو كانت الرقية من الريق لكان قيل : ريقه وليس رقية ..!!

*****************************

..:: س5: تحت أي تصنيف يندرج علاج الرقية ؟ ::..

- تصنيف الرقية عموما : يندرج تحت وصف الأدوية التي يستخدمها الإنسان كأسباب للتداوي والعلاج ..

- تصنيف الرقية في الشريعة : هي علم فرعي من علم الدواء في الشريعة ..

- فالرقية : هي نوع من التداوي وطلب الاستشفاء من الأضرار التي تصيب الإنسان نتيجة مرض (عضوي) أو أذى (نفسي) أو مس (روحاني) .. وسيأتيك الدلائل في أسئلة متقدمة على أن الرقية جائزة لكل ما سبق من إصابات عضوية أو نفسية أو روحانيه ..

* وإجمالا فإن الغرض من الرقية : أن تكون سبب في أن ترتقي بالإنسان من حال المرض إلى حال الصحة ..!!

************************

..:: س6: هل جاء لفظ الرقية في القرآن  ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- البعض يعلم أن لفظ الرقية كثيرا ما تكرر في ألفاظ الحديث الشريف .. مثال ذلك :

1- عن عوف بن مالك الأشجعي عن النبي قال (لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ) صحيح مسلم .

2- عن أنس بن مالك قال (رَخَّصَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ ، وَالْحُمَةِ ، وَالنَّمْلَةِ) صحيح مسلم ..

- ومعنى (العين والحمه والنملة) : فالعين مقصود بها الحسد ، والحُمه : المقصود بها لدغات كل ذي سم مثل العقرب والثعبان وما شابه ، والنملة : وهي البثور أو الحبوب المتقرحة التي تظهر على الجسم ...

- ولا ينتبه البعض إلى أن لفظ الرقية قد تمت الإشارة إليه في القرآن من خلال ممارسها وهو الراقي .. حيث يقول تعالى  (كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ . وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) القيامة27-28 ..

- قال الشيخ الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- وَمَعْنَى (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) : وَقَالَ قَائِلٌ: مَنْ يَرْقِي هَذَا رُقْيَاتٍ لِشِفَائِهِ ؟ أَيْ سَأَلَ أَهْلُ الْمَرِيضِ عَنْ وِجْدَانِ أَحَدٍ يَرْقِي ، وَذَلِكَ عِنْدَ تَوَقُّعِ اشْتِدَادِ الْمَرَضِ بِهِ ..

- وَالْبَحْثُ عَنْ عَارِفٍ بِرُقْيَةِ الْمَرِيضِ عَادَةٌ عَرَبِيَّةٌ .. وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ السَّرِيَّةِ الَّذِينَ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَيِّ ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ ؟

إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي الْرُقْيَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.

- وَالْرُقْيَا بِالْقَصْرِ ، وَيُقَالُ بَهَاءِ تَأْنِيثٍ : هِيَ كَلَامٌ خَاصٌّ مُعْتَقَدٌ نَفْعُهُ يَقُولُهُ قَائِلٌ عِنْدَ الْمَرِيضِ وَاضِعًا يَدَهُ فِي وَقْتِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَوْضِعِ الْوَجَعِ مِنَ الْمَرِيضِ أَوْ عَلَى رَأْسِ الْمَرِيضِ، أَوْ يَكْتُبُهُ الْكَاتِبُ فِي خِرْقَةٍ، أَوْ وَرَقَةٍ وَتُعَلَّقُ عَلَى الْمَرِيضِ، وَكَانَتْ مِنْ خَصَائِصِ التَّطَبُّبَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَشْفِي مِنْ صَرَعِ الْجُنُونِ وَمِنْ ضُرِّ السُّمُومِ وَمِنَ الْحُمَّى.

- وَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهَا نَاسٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَهَا مِنْ عَارِفِينَ فَلِذَلِكَ سَمَّوُا الرَّاقِيَ وَنَحْوَهُ عَرَّافًا ..

- قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:

بَذَلْتُ لِعَرَّافِ الْيَمَامَةِ حُكْمَهُ ... وَعَرَّافِ نَجْدٍ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي

فَمَا تَرَكَا مِنْ عُوذَةٍ يَعْرِفَانِهَا ... وَلَا رُقْيَةٍ بِهَا رَقَيَانِيِ

- وَقَالَ النَّابِغَةُ يَذْكُرُ حَالَةَ مَنْ لَدَغَتْهُ أَفْعَى:

تَنَاذَرَهَا الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سَمْعِهَا ... تُطْلِقُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا تُرَاجِعُ

- وَكَانَ الرَّاقِي يَنْفُثُ عَلَى الْمَرْقِيِّ وَيَتْفُلُ ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْحَرِيرِيُّ فِي الْمَقَامَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَلَاثِينَ بِقَوْلِهِ: «ثُمَّ إِنَّهُ طَمَسَ الْمَكْتُوبَ على غَفلَة، وَتفل عَلَيْهِ مِائَةَ تَفْلَةٍ» .

- وَأَصْلُ الرُّقْيَةِ: مَا وَرِثَهُ الْعَرَبُ مِنْ طَلَبِ الْبَرَكَةِ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ .. فَأَصْلُهَا وَارِدٌ مِنَ الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا سُوءُ الْوَضْعِ عِنْدَ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَأَلْحَقُوهَا بِالسِّحْرِ أَوْ بِالطِّبِّ .. وَلِذَلِكَ يَخْلِطُونَهَا مِنْ أَقْوَالٍ رُبَّمَا كَانَتْ غَيْرَ مَفْهُومَةٍ ، وَمِنْ أَشْيَاءَ كَأَحْجَارٍ أَوْ أَجْزَاءَ مِنْ عَظْمِ الْحَيَوَانِ أَوْ شَعَرِهِ ، فَاخْتَلَطَ أَمْرُهَا فِي الْأُمَمِ الْجَاهِلَةِ .

- وَقَدْ جَاءَ فِي الْإِسْلَامِ الِاسْتِشْفَاءُ بِالْقُرْآنِ وَالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ الْمُتَقَبَلَّةِ مِنْ أَرْبَابِهَا وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الدُّعَاءِ.

التحرير والتنوير ج29 ص358-357

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- معلومة : وهناك وجه آخر في تفسير الآية السابقة لمعنى كلمة (راق) .. وهو ليس بمعنى الرقية وإنما بمعنى الرُّقِي .. أي الصعود بالروح .. ويكون هذه الآية من كلام الملائكة ..  ولكن هذا التفسير أراه رأيا مرجوحا عند جماعة المفسرين ..!! والله أعلم .

- قال الشيخ شهاب الدين أبو العباس الحلبي رحمه الله (المتوفى: 756هـ) :

- (راقٍ) اسمُ فاعلٍ: إمَّا من رَقَى يَرْقَى من الرُقية وهو كلامٌ مُعَدٌّ للاستشفاء، يُرْقَى به المريضُ لِيُشْفَى. وفي الحديث: «وما أدراكَ أنها رُقْيَةٌ» ؟ يعني الفاتحةَ وهو مِنْ أسمائِها، وإمَّا مِنْ رَقِيَ يَرْقَى ، من الرُّقِيِّ وهو الصعودُ، أي: إنَّ الملائكةَ لِكراهتِها في رُوْحِه تقول: مَنْ يَصْعَد بهذه الروح ؟ يقال: رَقَى بالفتحِ من الرُّقْيَةِ ، وبالكسرِ من الرُّقِيِّ.

 الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ج10 ص580

*************************

..:: س7: لماذا قال تعالى في الآية (راق) ولم يقل طبيب ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- بعض العلماء قال أن كلمة (راق) في الآية (وقيل من راق) .. إشارة إلى كل طبيب ..

- ولكن إن نظرنا لكلمة (راق) وأخذناها بمعناها اللغوي والشرعي .. فهي تدل على علاج منطوق مؤثر .. حتى وإن صاحبه مساعدة أخرى كالماء أو أعشاب أو غيرهم ..

- فلماذا قال سبحانه (راق) دون غيره من الألفاظ التي تدل على العلاجات مثل طبيب أو معالج أو مداوي ..؟!

- والحقيقة وجدت مبتغاي عند بعض العلماء وكأنهم انتبهوا لخصوصية هذا اللفظ (راق) في تفسيرهم لقوله تعالى (من راق) .. حيث أنهم قالوا ما معناه .. أن كلمة (راق) تشير إلى أنهم يأسوا في عالم الطب الدوائي فلجأوا إلى الرقى عسى أن يجدوا من ورائها نفعا ..

- وإليك بعض أقوالهم ..

- قال الإمام أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885هـ) :

(من راق) أي من هو الذي يتصف برسوخ القدم في أمر الرقى الشافية ليرقيه فيخلصه مما هو فيه .. فإنه صار إلى حالة لا يحتمل فيها دواء .. فلا رجاء إلا في الرقى .

 نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج21 ص110

- قال الشيخ السعدي رحمه الله  (المتوفى: 1376هـ) :

(وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) أي: من يرقيه .. لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية ، فلم يبق إلا الأسباب الإلهية .

تيسير الكريم الرحمن ص900

*****************************

..:: س8: هل تنفع الرقية في كل وقت ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- لا يخفى أن مدلول الآية (وقيل من راق) .. يشير إلى نفع الرقية بلا ريب وأنه من عالم الأسباب المباحة .. ولو لم تكن الرقية لها شأن وتأثير قوي .. لما كان الحق سبحانه قد اختار ذكرها تحديدا دون غيرها في وقت الإحتضار .. وهو الوقت الذي لا ينفع فيه عالم الأسباب جملة وتفصيلا .. وكأن يرشدك إلى أنها من أقوى درجات عالم الأسباب في العلاجات .. ولكنها لن تفيد في وقت الإحتضار ..!!

- إذن وقت الإحتضار .. لا ينفع معه رقية ولا دواء طبي ولا شيء من عالم الأسباب .. لأنه قد جاءت سكرة الموت بالحق ..!!

- ولذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة من الرقية وقت احتضاره صلى الله عليه وسلم ..

حيث جاء في الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : (كُنْتُ أُعوِّذُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدعاءٍ كان جبريلُ يُعوِّذُه به إذا مرِض: ( أذهِبِ البأسَ ربَّ النَّاسِ، تُنزِلُ الشِّفاءَ لا شافي إلَّا أنتَ اشْفِ شفاءً لا يُغادِرُ سَقمًا ) فلمَّا كان في مرَضِه الَّذي توفِّي فيه جعَلْتُ أدعو الدُّعاءَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (ارفَعي يدَكِ فإنَّها كانت تنفَعُني في المدَّةِ) رواه بن حبان .. وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط (7/229) : إسناده حسن في الشواهد .. وقد أشار لشاهدين ..، وقال الألباني : صحيح لغيره .. كما ذكر التعليقات الحسان (5/8) ..، وقال في الصحيحة (7/286-285) ما ملخصه : إسناده ضعيف .. والزيادة الأخيرة من الحديث (ارفعي يدك ......) قد صحت هذه الزيادة من طريقين آخرين عن عائشة ..

- قلت (خالد صاحب الرسالة) : الحديث وإن كان إسناده ضعيف إلا أن هناك طرق أخرى صحيحة تؤكد معناه .. ولذلك فهو حديث يحتج به لشواهده الصحيحه .. فانتبه .

- ومعنى (تنفعني في المدة) : أي كانت تنفع في مدة بقائي حيا بينكم .. أي في حال استمرار الحياة .. ولكن في حال الإحتضار .. فلا وجود نافع لعالم الأسباب ..!!

***********************

..:: الفصل الثاني ::..

:: شروط الرقية وضوابطها في الشريعة الإسلامية ::

*****************************

..:: س9: ما هي شروط الرقية الشرعية وضوابطها الصحيحة ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- معنى قولنا "الرقية الشرعية" : أي الرقية المشروعة المباح لنا استخدامها وفق ضوابط الشريعة الإسلامية  .

- وهذه الرقية المشروعة والمباحة التي يجوز استخدامها بلا حرج ودون مخالفة للشريعة .. قد وضع لها العلماء ضوابط .. استنبطوها من الشريعة .. وإليك البيان ..

* قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله :

- وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى عِنْدَ اجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ :

1- أَنْ يَكُونَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ

2- وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ .

3- وَأَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ لَا تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا بَلْ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .

فتح الباري ج10 ص195

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

وحتى لا تكون هذه الشروط مبهمة للبعض .. أو يأتي معترض ويظن أن العلماء اخترعوها من أفكارهم الخاصة .. فإليك دليل كلام العلماء .. حيث أن ضوابط الرقية عندهم مستمدة من دعاء وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ..

# أولا : دليل شرط الرقية بكلام الله :

1- فقد جاء في الحديث : عن أبي سعيد الخدري قال (بعَثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَريَّةٍ فمرَرْنا على أهلِ أبياتٍ فاستضَفْناهم فأبَوْا أنْ يُضيِّفونا فنزَلوا بالعَراءِ فلُدِغ سيِّدُهم فأتَوْنا فقالوا : هل فيكم أحَدٌ يَرقي ؟ قال : قُلْتُ : نَعم أنا أَرقي قالوا : ارقِ صاحبَنا قُلْتُ : لا قد استضَفْناكم فأبَيْتُم أنْ تُضيِّفونا قالوا : فإنَّا نجعَلُ لكم جُعْلًا قال : فجعَلوا لي ثلاثينَ شاةً قال : فأتَيْتُه فجعَلْتُ أمسَحُه وأقرَأُ بفاتحةِ الكتابِ حتَّى برَأ فأخَذ الشَّاءَ فقُلْنا : نأخُذُها ونحنُ لا نُحسِنُ نَرقي فما نحنُ بالَّذي نأكُلَها حتَّى نسأَلَ عنها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأتَيْناه فذكَرْنا ذلك له قال : فجعَل يقولُ : ( وما يُدريكَ أنَّها رُقْيةٌ ) ؟ قال : قُلْتُ : يا رسولَ اللهِ ما درَيْتُ أنَّها رُقْيةٌ شيءٌ ألقاه اللهُ في نفسي فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( كُلوا واضرِبوا لي معكم بسَهمٍ ) صحيح بن حبان واللفظ له ، والبخاري ومسلم .

* أما : عن الرقية بالأسماء الحسنى ودعاء النبي :

- فقد جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرقي فقال : (اللهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْباسِ إشْفِ أنْتَ الشَّافِي لَا شافِيَ إلاَّ أنْتَ شِفاءً لَا يُغادِرُ سَقَماً) صحيح البخاري .

* فقول النبي (أنت الشافي) .. فيه رقية دعاء وتوسل بأسماءه الحسنى ..

# ثانيا : دليل الشرط بأن الرقية لا تؤثر بذاتها وإنما بإذن الله :

هو ما جاء في الحديث السابق من قول النبي : (لا شافي إلا أنت) .. دليل على أن المؤثر في الأشياء هو الله .. ولا مؤثر لها من ذاتها .. لا رقية ولا غيره .. فلا توفيق إلا من الله .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. ولا فعل في الوجود إلا بإذن الله ..!!

* وكذلك حديث السيدة عائشة قالت : (عن عائشةَ قالَت : كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ للإنسانِ إذا اشتَكَى يقولُ بريقِهِ ثمَّ قالَ بهِ في التُّرابِ تُربَةُ أرضِنا بِريقةِ بعضِنا يُشفَى سَقيمُنا ، بإذنِ ربِّنا) صحيح أبي داوود .

* قال الشيخ شهاب الدين أبو العباس الرملي رحمه الله (المتوفى: 844 هـ) :

والمعنى: أنه يأخذ من ريق نفسه على السبابة ، ثم يضعها على التراب فيتعلق بها شيء منه ، ثم يمسح به الموضع الجريح أو العليل ، ويقول هذا الكلام في حال المسح.

* (يشفى سقيمنا بإذن ربنا) نسب الشفاء إلى إذن اللَّه تعالى دون الريق والتراب والأسماء ؛ فإنها لا تفعل بذاتها دون إرادة اللَّه تعالى، فإن اللَّه تعالى هو شافي السقيم سبحانه بأسباب أعلم خلقه بها وأجرى العادة بها ..

شرح سنن أبي داود لابن رسلان ج15 ص635-636 .. باختصار في كلامه ..

# ثالثا : اما عن شرط أن تكون َبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ ..

فجاءوا به من حديث عوف بن مالك حيث قال : (كُنَّا نَرْقِي في الجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَرَى في ذلكَ فَقالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ.) صحيح مسلم .

* فدل قوله (نرقي في الجاهلية) مع قوله (لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ ) .. على مشروعية الرقية بغير القرآن والأسماء الحسنى والدعاء النبوي .. ولكن بشرط أن تكون مفهومه ومعلومة بيقين حتى يتبين حقيقتها هل فيها شرك أو مخالفة شرعية أم لا ..!!

* ولكن ما كان بألفاظ غامضه أو غير معلومة فهذا يحتاج في إثبات صحته إلى وحي لأنه أمر غيبي .. ولا وحي بعد رسول الله .. ولذلك لا يصح الرقية بالمجهول الغامض لأنه يكون مظنة الشرك والكفر بالله ..!! ولا عذر بالجهل في ذلك ..!! فانتبه .

***********************

..:: الفصل الثالث ::..

:: أنواع الرقية في الشريعة الإسلامية ::

*****************************

..:: س10:  ما هي أنواع الرقية في الشريعة الإسلامية ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..