ج10: رسالة علم الرقية الشرعية - هل كان النهي عن الرقى خاص برقى الجاهلية فقط أم على العموم - هل كان هناك نهي عام عن الرقية ولم ينسخ - هل كان هناك نهي عام عن الرقى ثم تم نسخه بالإباحة - هل الرقية منهي عنها إلا فقط للعين والحُمه والنزيف - هل كانت زوجة عبد الله بن مسعود تعلق الحجاب وترقي عند يهودي .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة 

- علم الرقية الشرعية -

( من القرآن والسنة النبوية )

- الجزء العاشر -

* فهرس :

..:: الفصل التاسع ::.. النهي عن الرقية ::

1- س47: هل كان هناك نهي عام عن الرقية ولم ينسخ ؟

2- س48: هل كانت زوجة عبد الله بن مسعود تعلق الحجاب وترقي عند يهودي ؟

3- س49: هل كان هناك نهي عام عن الرقى ثم تم نسخه بالإباحة ؟

4- س50 : هل الرقية منهي عنها إلا فقط للعين والحُمه والنزيف ؟ 

*****************************

..:: الفصل التاسع ::..

:: النهي عن الرقية ::

********************************

 ..:: س47: هل كان هناك نهي عام عن الرقية ولم ينسخ ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- لو نظرنا إلى الأحاديث سنجد أن هناك أحاديث تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الرقية ..!!

- ولكن في حقيقة الأمر أن هذا النهي كان على رقي الجاهلية والتي أسميناها رقى تجريبية أي ليست ربانية .. ولم يكن النهي عن الرقي الربانية (بالقرآن أو الأسماء الحسني أو الدعاء النبوي) ..

- ثم سمح النبي صلى الله عليه وسلم ورخَّص فيما بعد ذلك في الرقى التجريبية بضوابطها التي شرحناها سابقا ..

* قال الإمام البغوي رحمه الله (المتوفى: 516هـ):

- وَالْمَنْهِيُّ مِنَ الرُّقَى مَا كَانَ فِيهِ شِرْكٌ ، أَوْ كَانَ يُذْكَرُ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ، أَوْ مَا كَانَ مِنْهَا بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَلا يُدْرَى مَا هُوَ ، وَلَعَلَّهُ يَدْخُلُهُ سِحْرٌ ، أَوْ كُفْرٌ ، فَأَمَّا مَا كَانَ بِالْقُرْآنِ ، وَبِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ مُسْتَحَبٌّ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، (كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ).

شرح السنة ج12 ص159

* ولكن حتى لا يختلط عليك الأمر حينما تقرأ في كتب أهل العلم .. وتجد مناقشات حول أن هناك نهي للرقية أو كان هناك نهي وتم نسخه أو لم يكن هناك نهي عام وإنما خاص برقى معينة .. فتعالوا معا نستعرض بطريقة منظمة ما قاله أهل العلم .. وأترك لكم رأي الخاص تعقيبا أسفل استدلال كل فريق .. الذي هو لم يكن هناك نهي لعموم الرقى وإنما لرقى أهل الجاهلية فقط وسيكون مصحوب بالدليل كما هو الحال دائما .. علما بأن رأيي هذا قد ذكره بعض أهل العلم أيضا مثل ما ذكرناه سابقا عن الإمام البغوي رحمه الله .. وإنما ما يزيد هنا هو تدعيم هذا الرأي بالدليل القاطع على أن النهي كان خاص لرقى الجاهليه ..

* أولا : تعالوا نستعرض الحديث الذي ظن بعض العلماء أنه دليل نهي عن عموم الرقية .. وقد استدلوا بالحديث الآتي :

- عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوْلِةَ مِنَ الشِّرْكِ) رواه الحاكم ..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1- (قلت خالد) (الرقى) : أي رقى الجاهلية .. وهذا الحديث يثبت أنه قد نهى عن رقى الجاهلية نهي عام في أول الأمر .. ثم رخص بعد ذلك فيها النبي بعد ذلك بدليل قوله في حديث آخر (اعرضوا علي رقاكم) ..

- قال الإمام نور الدين الملا الهروي القاري رحمه الله (المتوفى: 1014هـ) :

- (الرُّقَى) : أَيْ: رُقْيَةٌ فِيهَا اسْمُ صَنَمٍ أَوْ شَيْطَانٍ أَوْ كَلِمَةِ كُفْرٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ شَرْعًا ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهَا .

2- (قلت خالد)(التمائم) : وهي ما يتم تعليقه على الصبي لدفع الشر عنه .. ولم يكن بكلام الله أو أسماءه أو دعوات ربانية ..

- قال الإمام نور الدين الملا الهروي القاري رحمه الله (المتوفى: 1014هـ) :

 (التمائم) : جَمْعُ التَّمِيمَةِ وَهِيَ التَّعْوِيذَةُ الَّتِي تُعَلَّقُ عَلَى الصَّبِيِّ أَطْلَقَهُ الطِّيبِيُّ .. لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَآيَاتُهُ الْمَتْلُوَّةُ ، وَالدَّعَوَاتُ الْمَأْثُورَةُ ..

وَقِيلَ: هِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتْ لِلْعَرَبِ تُعَلَّقُ عَلَى الصَّبِيِّ لِدَفْعِ الْعَيْنِ بِزَعْمِهِمْ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ..

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج7 ص2878 .. مختصرا

3- (قلت خالد) (التَّوَلة) : وهي ما تفعله بعض النساء لأزواجهن أو من يرغبن في زواجه .. ويسمى حاليا ب (جلب الحبيب) وهو في الحقيقة يسمى بسحر المحبة .. وقد يكون معقودا على خيط أو كتابة على ورق أو مأكول أو مشروب أو منفوسا على أثر لهذا المطلوب ..!!

- قال الإمام نور الدين الملا الهروي القاري رحمه الله (المتوفى: 1014هـ) :

- (وَالتِّوَلَةَ) : بِكَسْرِ التَّاءِ وَيُضَمِّ وَفَتْحِ الْوَاوِ نَوْعٌ مِنَ السِّحْرِ ..

- قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ مَا يُحَبَّبُ بِهِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ ، أَوْ خَيْطٌ يُقْرَأُ فِيهِ مِنَ السِّحْرِ ، أَوْ قِرْطَاسٌ يُكَعَّبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ السِّحْرِ لِلْمَحَبَّةِ أَوْ غَيْرِهَا .

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج7 ص2878 .. مختصرا.

 * قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- أن الحديث السابق الذي استدلوا به على مطلق النهى للرقى هو غير صحيح واستدلال خاطيء .. لسببين :

- السبب الأول :- هو قول النبي في آخر الحديث (من الشرك) .. أي كل واحدة من (الرقى والتمائم والتولة) فعلها يؤدي إلى الشرك ..

- وبما أن الرقى الربانية ليس فيها شرك لأنها من كلام الله وأسماءه ودعوات نبيه .. فقد ثبت بذلك أن المقصود من النهي كانت عموم رقى الجاهلية .. ولا تدخل الرقية الربانية في هذا النهي أبدا .

- السبب الثاني :- ويؤكد لك بكل يقين ما ذكرته لك هو ما رواه عَوفِ بنِ مَالِكٍ الأَشجَعِيِّ قَالَ: ( كُنَّا نَرقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيفَ تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: اعرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُم ، لَا بَأسَ بِالرُّقَى مَا لَم يَكُن فِيهِ شِركٌ) صحيح مسلم .

- فتأمل قول الصحابي (كُنَّا نَرقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ) .. فثبت أن النهي عن الرقى إنما هو عن رقى الجاهلية .. فكن بصيرا وتأمل ..!!

- فدل ذلك على أن المقصود من النهي العام للرقى كان مخصوص برقى الجاهلية .. تخوفا من أن يكون بها توسل بجن أو شرك بالله أو ما شابه ذلك ..

****************************

..:: س48: هل كانت زوجة عبد الله بن مسعود تعلق الحجاب وترقي عن يهودي ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- سبب وجود هذا السؤال هنا .. لأنه يتعلق بحديث (أَنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوْلِةَ مِنَ الشِّرْكِ) .. وهذا الحديث له قصة تسبقه ..

- فهناك قصة تروى في الحديث عن واقعة حدثت بين عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل وزوجته .. وجاء فيها أنها كانت تذهب إلى يهودي ليرقيها .. والمشكلة من وجهة نظري ليست في أنها كانت يرقيها يهودي .. وإنما المشكلة أن القصة ليست صحيحة فضلا عن تعليق الحجاب فهذا أيضا أمر خطأ وهذا هو الذي أثار حفيظة الصحابي وليس مجرد الرقية ..!!

* وجاءت هذه القصة من روايتين أحدهما صحيحة والأخرى ضعيفه (قال بتضعيفها المتأخرين مثل الألباني والأرنؤوط) .

1- أما عن الرواية الصحيحة فهي :

- عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: (دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى امْرَأَةٍ فَرَأَى عَلَيْهَا حِرْزًا مِنَ الْحُمْرَةِ فَقَطَعَهُ قَطْعًا عَنِيفًا ثُمَّ قَالَ : إِنَّ آلَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الشِّرْكِ أَغْنِيَاءُ وَقَالَ: كَانَ مِمَّا حَفِظْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوْلِيَةَ مِنَ الشِّرْكِ» أخرجه الحاكم (4 / 217) .. وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " .. وقال الذهبي معلقا عليه : صحيح .

2- وأما عن الرواية الضعيفة فهي :

- عبد الله بن مسعود : ( أن عبد الله رأى في عنقي خيطًا، فقال: ما هذا؟ فقلت: خيط رقي لي فيه ، قالت: فأخذه فقطعه ، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك ! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" ، فقلت: لِمَ تقول هكذا ؟ لقد كانت عيني تُقذف ، فكنت اختلف إلى فلان اليهودي ، فإذا رقاها سكنت ! فقال عبد الله : إنما ذلك عمل الشيطان ، كان ينخسها بيده ، فإذا رقي كفّ عنها .. إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا") رواه أبي داوود واللفظ له .. ورواه أحمد وبن ماجه ..

* وقد تراجع الألباني عن تصحيح هذه الرواية .. واكتفى بما رواه الحاكم مختصرا ووافقه الذهبي ..

- وراجع ما قاله في آخر الحديث رقم  2972 .. حيث قال : ذاك المجهول الذي لم يعرف حتى في اسمه ، وعليه دارت أكثر طرق الحديث ، وبعضهم أسقطه سهوا أو عمدا لجهالته .

- وأخيرا أقول : العمدة في تصحيح حديث الترجمة إنما هو طريق قيس بن السكن الأسدي .

- ثم قال الألباني : 

- (تنبيه) : على ضوء هذا البيان والتحقيق والتفصيل أرجو من إخواني الكرام الذين قد يجدون في بعض مؤلفاتي القديمة ما قد يخالف ما هنا أن يعدلوه ويصوبوه على وفق ما هنا)

راجع السلسلة الصحيحة ج6 ص1167

* وقد قام الشيخ الأرنؤوط بتخريج كل أطراف القصة على مسند أحمد برقم 3615 ، وتخريجه على سنن أبي داوود برقم 3883 .. وقد أثبت ضعف رواية القصة أيضا بكل طرقها .. وإن كان كما يفهم من كلامه أنه وافق على رواية الحاكم المختصرة (عن قيس بن السكن الأسدي) .. وإن لم يصرح بذلك وأيضا لم يعترض .. فكان عدم اعتراضه موافقه .. والله أعلم ..!!

 - قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* سبب ضعف رواية القصة (عند أحمد وأبي داود وبن ماجه) هو بن أخت زينب (زوجة عبد الله بن مسعود).. وبن أخت زينب هذا  .. هو مجهول لا يعرف حاله .. ولذلك يترك الحديث احترازا ..!!

* وبالرغم من تضعيف الشيخ الألباني والشيخ الأرنؤوط للحديث الذي رواه أحمد وأبي داوود وبن ماجه .. إلا أنه يظل صحيحا لغيره (دون القصة ذاتها) وهو حديث الحاكم .. هذا لو تكلمنا بضوابط أهل الحديث .. ولا أدري لماذا لم يذكرا ذلك .. !!

* وبالرغم من ضعف الحديث (ما رواه أحمد وأبي داوود وبن ماجه) .. ولكن أحب أن أوضح شيء .. وهو أن رقى أهل الكتاب مباحة .. بشرط أن لا تكون بما يخالف الشريعة الإسلامية .. وسيأتي بيان ذلك في فصل قادم إن شاء الله تعالى ..

* كما أود أن أوضح لك أمر(على افتراض صحة الحديث الذي رواه الثلاثة)  ..وهو أن سبب انزعاج عبد الله بن مسعود لم يكون بسبب رقية اليهودي لزوجته (حيث أن هذا الأمر كان يعتبر نوع من الطب الرباني أيضا في وقتها لأنهم أهل كتاب وطالما يرقي بما هو لا مخالف له لشريعتنا) ..

- وإنما أحسب أن كان سبب انزعاج الصحابي هو ما قامت زوجته من تعليق حرز مربوط بخيط تعلقه على رقبتها أو على مكان الحُمرة (وهو مثل إلتهاب أو تورم يصيب الجلد باحمرار) ..

- ويؤكد حقيقة هذا الإنزعاج ذلك الرواية الأولى الصحيحة التي رواها الحاكم  ولم يختلف على صحتها أحد ..!! فانتبه ..!! 

- والله أعلم .

******************************

..:: س49: هل كان هناك نهي عام عن الرقى ثم تم نسخه بالإباحة ؟ ::..

 * قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

* وقال بعض العلماء .. أن الرقى كانت منهي عنها .. ولكن تم نسخ هذا الحكم وأصبحت مباحة طالما لا تخالف الشريعة .. واستدلوا على النهي ونسخ الحكم بالأحاديث التالية :

1- عن جابر بن عبد الله (كانَ لي خَالٌ يَرْقِي مِنَ العَقْرَبِ ، فَنَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الرُّقَى ، قالَ : فأتَاهُ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللهِ ، إنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى ، وَأَنَا أَرْقِي مِنَ العَقْرَبِ .. فَقالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) صحيح مسلم .

2- عن جابر بن عبد الله قال : (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَن الرُّقَى ، فَجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب ، وإِنَّكَ نَهَيتَ عَن الرُّقَى ! قال: فعرضوها عليه ، فقال: لا أرى به بأسا ، مَن استَطَاعَ مِنكُم أَن يَنفَعَ أَخَاهُ فَليَفعَل) صحيح مسلم .

* قال الإمام النووي رحمه الله  (المتوفى: 676هـ) :

وَأَمَّا قَوْلُهُ (يا رسول اللَّهِ إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى) فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عنه بأجوبة :

أحدها : كان نهى أول اثم نَسَخَ ذَلِكَ وَأَذِنَ فِيهَا وَفَعَلَهَا وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى الْإِذْنِ ..

وَالثَّانِي : أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ كَمَا سَبَقَ ..

وَالثَّالِثُ : أَنَّ النَّهْيَ لِقَوْمٍ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَنْفَعَتَهَا وَتَأْثِيرَهَا بِطَبْعِهَا كَمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ .

شرح النووي على مسلم ج14 ص168 .. بتصرف

3- عن جابر بن عبد الله قال : (كانَ أَهْلُ بيتٍ منَ الأنصارِ ، يقالُ لَهُم آلُ عمرو بنِ حزمٍ ، يَرقونَ منَ الحُمةِ ، وَكانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، قد نَهَى عنِ الرُّقى ، فأتوهُ فقالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، إنَّكَ قد نَهَيتَ عنِ الرُّقى ، وإنَّا نَرقي منَ الحُمَةِ ، فقالَ لَهُم : اعرِضوا عليَّ فعرَضوها علَيهِ ، فقالَ : لا بأسَ بِهَذِهِ ، هذِهِ مواثيقُ) صحيح بن ماجه .

* معنى (الحُمَةِ) : هي ذوات السموم .. مثل لدغة الأفعى والعقرب ..

4- عن جابر بن عبد الله قال (أنَّ عَمْرَو بنَ حَزْمٍ دُعِيَ لِامرأةٍ بالمَدينةِ لَدَغَتْها حَيَّةٌ لِيَرْقيَها ، فأبى ، فأُخبِرَ بذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فدَعاه، فقال عَمْرٌو: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ تَزجُرُ عن الرُّقى، فقال: اقْرِأْها عليَّ ، فقَرأها عليه ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: لا بَأسَ، إنَّما هي مَواثيقُ فارْقِ بها) رواه أحمد – وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند برقم 15235: حديث صحيح ، وهذا إسناد ضعيف ..

* ومقصد الشيخ (والله أعلم) .. أي صحيح لغيره كالذي رواه بن ماجه .. وذكرناه سابقا ..

5- عن جابر بن عبد الله قال : (جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بْنُ حَنَّةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنَ الْحَيَّةِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، وَأَنَا أَرْقِي مِنَ الْحَيَّةِ ، قَالَ: " قُصَّهَا عَلَيَّ ". فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: " لَا بَأْسَ بِهَذِهِ، هَذِهِ مَوَاثِيقُ ".

قَالَ: وَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ، فَقَالَ: " مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ") . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ .. وقال الإمام الهيثمي في الزوائد : هُوَ فِي الصَّحِيحِ بِاخْتِصَارٍ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، خَلَا قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ ، وَقَدْ وَثَّقَهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ .

6- وعن جابر بن عبد الله قال: (رَخَّصَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِآلِ حَزمٍ فِي رُقيَةِ الحَيَّةِ .. وَقَالَ لِأَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ : مَا لِي أَرَى أَجسَامَ بَنِي أَخِي - ضَارِعَةً تُصِيبُهُم الحَاجَةُ ؟ قَالَت : لَا ، وَلَكِن العَينُ تُسرِعُ إِلَيهِم! قَالَ: ارقِيهِم . قَالَت: فَعَرَضتُ عَلَيهِ ، فَقَالَ: ارقِيهِم) صحيح مسلم .

- (أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ) : زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم ..

- وقوله (ما لي أرى أجسام بني أخي) ويعني بهم بني جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم.

- ومعنى (ضارعة) : أي ضعيفة نحيلة ..

- ومعنى (فعرضت عليه) : أي عرضت عليه رقية .. فأذِن لي بها .. 

7- عن عَائِشَةَ قَالَت: (رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقيَةِ مِن كُلِّ ذِي حُمَةٍ) صحيح البخاريُّ .

8- وعَن أَنَسٍ قَالَ: (رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقيَةِ مِن العَينِ وَالحُمَةِ وَالنَّملَةِ) رواه أحمد ومسلم .

* قال الشيخ أبو العباس القرطبي رحمه الله ( 656 هـ) :

- قول عائشة رضي الله عنها (رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرُّقية من الحُمَة) ، وقول أنس (رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرُّقية من العين والحُمَة والنملة) - دليلٌ على أن الأصل في الرّقي كان ممنوعًا كما قد صرَّح به ، حيث قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرُّقى) . وإنَّما نهى عنه مطلقًا لأنَّهم كانوا يرقون في الجاهلية بِرُقًى هو شركٌ وبما لا يفهم ، وكانوا يعتقدون أن ذلك الرُّقى يؤثر، ثم إنهم لما أسلموا وزال ذلك عنهم نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك عمومًا ليكون أبلغ في المنع وأسدّ للذريعة ، ثم إنهم لما سألوه وأخبروه أنهم ينتفعون بذلك رخص لهم في بعض ذلك وقال: (اعرضوا علي رقاكم) ، (لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شرك) ، فجازت الرُّقية من كل الآفات من الأمراض والجراح والقروح والحمة والعين وغير ذلك إذا كان الرُّقى بما يفهم ولم يكن فيه شرك ولا شيء ممنوع ، وأفضل ذلك وأنفعه ما كان بأسماء الله تعالى وكلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

- وقوله (من كل ذي حمة) أي: من لَسع كل دابَّة ذات سُمٍّ.

- و(الحُمِة): السُّم - والمشهور فيه ضم الحاء ، قال بعضهم: وقد تفتح . وهي مخففة الميم على كل حال .

- و(النملة) قال ابن قتيبة: هي قروح تكون في الجنب وغير الجنب .

المُفْهِم لما أَشْكَلَ من تلخيص كتاب مسلم ج5 ص580-581

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1- الذي يتضح لي من تتبع الأحاديث السابقة أن النهي عن الرقية كان لرقية الجاهلية كما سبق وأوضحت .. حيث كان الشرك منتشر والإستعانة بالجن أمر عادي .. ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن رقى الجاهلية المجهولة .. وهي التي أسميناها الرقى التجريبية المذمومة شرعا ..

- ولذلك جاء النهي عن الرقى الغير مفهومة من خلال قول النبي (اعرضوا علي رقاكم) .. لمظنة الشرك فيها والإستعانة بالجن والشيطان .. وهم كانوا حديثي عهد بجاهلية .. وكثير من الرقى مجهولة المعنى ..!!

2- يؤكد ما سبق أن الرقى التي نهى عنها كانت رقى الجاهلية ..  حديث عَوفِ بنِ مَالِكٍ الأَشجَعِيِّ قَالَ: ( كُنَّا نَرقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيفَ تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: اعرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُم ، لَا بَأسَ بِالرُّقَى مَا لَم يَكُن فِيهِ شِركٌ) صحيح مسلم .

3- كيف ينهي النبي صلى الله عليه وسلم عن عموم الرقية  .. وهو كان يرقي بالقرآن كالمعوذتين والأسماء الحسنى كقوله (لا شافي إلا أنت) .. وكان يرقي المرضى الذين يذهب لزيارتهم أو الذين يأتوه .. كما قالت السيدة عائشة : (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَرْقِي بهذِه الرُّقْيَةِ : أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، بيَدِكَ الشِّفَاءُ، لا كَاشِفَ له إلَّا أَنْتَ) صحيح مسلم .. ، وفي رواية البخاري بلفظ : (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَرْقِي يقولُ: امْسَحِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، بيَدِكَ الشِّفَاءُ، لا كَاشِفَ له إلَّا أنْتَ) صحيح البخاري ..!!

4- ولو تتبعت الأحاديث التي استدلوا بها وجاء فيها النهي ثم الرخصة فيها فيما بعد .. ستجدها تتكلم عن الرقى التجريبية في الجاهلية وليس الرقى الربانية .. ولذلك قال لهم النبي (اعرضوا علي رقاكم) .. كرقية العقرب والحية وما شابه ذلك .. فهي كانت معلومة لهم في الجاهلية ولا علاقة لها بالرقى الربانية .. فانتبه ..!!

* مما سبق نجد أن الحقيقة .. لم يكن هناك نهي عام للرقية ثم تم النسخ كما ظن بعض العلماء .. وإنما النهي ونسخ الحكم كان خاص من البداية لما ليس مفهوما أو معلوما من رقى الجاهلية .. ثم سمح النبي بذلك بعد أن علم أن بعض الرقى لا مانع منها حينما عرضوها عليه ووافقهم عليها .

- هذا والله أعلم .

**************************

..:: س50 : هل الرقية منهي عنها إلا فقط للعين والحُمه والنزيف ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- قال بعض العلماء .. أن الرقية لا تكون إلا من الإصابة بالعين أي الحسد .. ومن ذوات الإصابة السم وهو ما يسمى (بالحُمه) .. أو من نزيف الدم .. وما عدا ذلك فلا رقية فيه .. ودليل ذلك قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) رواه أحمد وغيره ..، ولحديث (لا رقية إلا من عين أو حُمة أو دم يرقأ) رواه أبي داوود والحاكم والطبراني .. !!

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1- لا يصح أن يقال أن الرقى فقط من العين والحُمه (أي من لدغات ذوات السموم) .. لورود السنة النبوية بخلاف ذلك .. حيث ان الرقية كانت من كل الإصابات العضوية والنفسية والروحانية .. كما سبق وأوضحنا لكم مرارا وتكرارا .. ويكفيك مطلق الإباحة للرقى من حديث عوف بن سالم الأشجعي حيث قال (كُنَّا نَرْقِي في الجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تَرَى في ذلكَ فَقالَ : اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ)  صحيح مسلم .

- وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ) .. قول حاسم في مطلق الرقية ما لم يكن فيها مخالفة للشريعة ..!!

2- أما عن الحديث الذي جاء عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) رواه أحمد وغيره ..

- قال الأرنؤوط في تخريج المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين .. وقال الألباني : صحيح .. وذكره في صحيح الأدب المفرد .

- ومعنى الحديث قال العلماء فيه :

- أنه لا رقية أحق وأولى إلا لمن تصيبه العين أو لدغة ذوات السموم كالعقرب والحيَّة .. لشدة الضرر الملحق منهما .. كما ذكر ذلك الإمام السندي وغيره ..

- وليس المقصود بالنهي هنا قصر الرقية على هذا وذاك .. وإلا كان ذلك مخالف لما هو أثبت منه من أحاديث الرقى .. بل ومخالف لكلام الله كما ذكرنا ذلك في أسئلة سابقة ..!!

3- أما عن حديث (لا رقية إلا من عين أو حُمة أو دم يرقأ) رواه أبي داوود والحاكم والطبراني ..

- قال الأرنؤوط في تخريج سنن أبي داوود : حديث ضعيف .. فيه شريك النخعي وهو سيء الحفظ .. وسقط من إسناد الطبراني شريك ..

- وقال الألباني في تخريج المشكاة وسنن أبي داوود : حديث ضعيف .

- (قلت خالد) : وبالتالي لا يلتفت لهذا الحديث لضعفه .. وإن كان صحيحا لغيره دون قوله (دم يرقأ) ..!!

- ومعنى (دم يرقأ) : أي لا ينقطع عن النزيف ..

4- وجاء في الحديث عن أنس بن مالك قال (رَخَّصَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في الرُّقْيَةِ مِنَ العَيْنِ ، وَالْحُمَةِ ، وَالنَّمْلَةِ) صحيح مسلم ..

- فجاء في هذا الحديث بزياة لفظ (النملة) وهي القروح أو الحبوب التي تظهر على الجسم .. فلماذا من أوقف الرقية على العين والحمة لم يستدل بهذا الحديث في الرخصة لما خلاف ما استدلوا به ؟!!

- فدل حديث أنس بن مالك على أنه وإن كان هناك نهي فهذا كان في باديء الأمر وكان خاص برقى الجاهلية .. ثم رخص النبي بعد ذلك في الرقى بعد أن يعرضوها عليه .. بل وقال (لا بأسَ بالرُّقى ما لَم تَكُن شِركًا) صحيح أبي داوود .

- وراجع ما جاء في السؤال رقم (42-43-44 .. 48-49) ..

- ملحوظة : وإنما وضعت هذا الحديث هنا (لا رقية إلا من عين أو حُمة) .. دون فصل الرقية التوقيفية .. لغلبة لفظ النهي فيه .. فأثبته هنا في فصل النهي عن الرقى .. مع الإشارة إلى مثيله في فصل الرقية التوقيفية لترجع إليه .. والله المستعان .

*****************************

..:: الفصل العاشر ::..

:: الذين استخدموا الرقية في عهد النبي ::

********************************

..:: س48: من هم الذين استخدموا الرقية في الشريعة الإسلامية ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..