ج5: رسالة علم الرقية الشرعية - لماذا لا تتبع كلام النبي ولا تفعل مثل النبي وتتداوي بالأسباب الطبية للأمراض العضوية - ما هي أحوال النبي في التداوي والعلاج - تأدب مع الله في أسبابه ولا تركن إلى بركات الصالحين والأولياء المقربين وتترك أسباب الله في عالم الظاهر .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة 

- علم الرقية الشرعية -

( من القرآن والسنة النبوية )

- الجزء الخامس -

* فهرس :

..:: تابع الفصل الثالث :: استدراج وتعقيب على الفصل الثالث  ::

1- س23: لماذا لا تتبع كلام النبي ولا تفعل مثل النبي وتتداوي بالأسباب الطبية للأمراض العضوية ؟

2- تأدب مع الله في أسبابه ولا تركن إلى بركات الصالحين والأولياء المقربين وتترك أسباب الله في عالم الظاهر ؟

3- س24: ما هي أحوال النبي في التداوي والعلاج ؟

****************************

..:: استدراج وتعقيب على الفصل الثالث ::..

**************************

..:: س23: لماذا لا تتبع كلام النبي ولا تفعل مثل النبي وتتداوي بالأسباب الطبية للأمراض العضوية ؟ ::..

 * قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- البعض ظن من كلامي في إثبات أن القرآن فيه شفاء .. فهذا يغنيه أو يكفيه من الذهاب للطبيب وأخذ الدواء .. لا .. فهذا لم يكن توجيه كلامي أبدا .. وإنما كلامي كان عن إثبات كرامة للقرآن أراد البعض في زماننا إنكارها ..!!

- وأذكر لك بعض الأحاديث في مشروعية العلاج والتداوي بالطب الحديث أو القديم في علاج الأمراض العضوية أو علاج الظاهر :

- أما عن العلاج من الأمراض العضوية التي تكشفها الإشاعات والتحاليل والكشف الطبي وفق علم الطب الحديث .. فهناك توجيه نبوي عام للتداوي .. حيث يقول صلى الله عليه وسلم (تداوَوا عبادَ اللَّهِ فإنَّ اللَّهَ سبحانَهُ لم يضع داءً إلَّا وضعَ معَهُ شفاءً إلَّا الْهرمَ ) صحيح بن ماجه ..

- فهذا يجعلنا أن نأخذ بأسباب الظاهر لأنها من فضل الله على عباده ، كما أن القرآن من فضل الله على عباده ..

- وقد يجمع المؤمن كرامة الله من فضله ظاهرا وباطنا .. فيأخذ بأسباب الظاهر الطبية لأنها من فضل الله .. ويأخذ أيضا من كرامة الله القرآنية لأنها من فضل الله .. فيكون قد جمع الفضل كله من الله .. ودليل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم .. حينما لدغته عقرب وهو كان يصلي .. ماذا فعل ؟ 

- جاء في الحديث أنه : (دَعَا بِمَاءٍ وَمِلْحٍ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا" وَيَقْرَأُ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ - وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ .. قال الهيثمي : وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .. وذكره الألباني في الصحيحة (548) ..

- فأنت تجد مما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بالأسباب المادية الطبية الملائمة للإصابة مع الأسباب الربانية وهي التبرك برقية من كتاب الله ..

- وإليك أدلة بخلاف ما سبق .. واضحة على أهمية التداوي بالأسباب الطبية :

- الدليل الأول :- عن جابر بن عبد الله قال (أن رسول الله عاد مريضا فقال: " ألا تدعو له طبيبا ؟ ". قالوا: يا رسول الله وأنت تأمرنا بهذا ؟ قال: فقال:إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء) رواه ابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته .. وقال الألباني :وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الشيخين .

- وفي روايه : عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ:  (عَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِهِ جُرْحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا لَهُ طَبِيبَ بَنِي فُلَانٍ "، قَالَ: فَدَعَوْهُ فَجَاءَ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا ؟ فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللهِ، وَهَلْ أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ فِي الْأَرْضِ، إِلَّا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً) رواه أحمد .. قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .. وقال الأرنؤوط : إسناده صحيح .. وذكره الألباني في الصحيحة .. وقال معلقا عن جملة السند (رجل من الصحابة) : ولا أستبعد أن يكون هو جابر بن عبد الله الذي في الإسناد الأول، فإنه من الأنصار. والله أعلم.(الصحيحة 6/876) .

- الشاهد في القصة السابقة .. أن البعض ظن أن طالما الرسول جاء فسيدعو وينتهي الأمر .. !! فأراد النبي أن يكشف لهم أن الحياة هي سعي وأخذ بالأسباب لتصل إلى نتائج .. وليس الحياة تكاسلا وإهمالا لعطايا الله في الحياة ..

- ومن هذه الأسباب هي التداوي وطلب الطبيب أو الذهاب إليه ، وأخذ الدواء والعلاج المناسب لك .. وهذا فعل النبي وتوجيه النبي لنا حيث قال: (تداووا عباد الله) ..

- فمن لم يأخذ بالأسباب فقد تواكل (أي ترك الأسباب) ولم يتوكل على الله (سعيا في الأخذ بالأسباب) ..، ويكون بذلك قد انحرف عن طريق الصواب ..!!

* انتبه جيدا وتأدب مع الله في أسبابه : 

- فلا يخفى عليك أن الحديث السابق الذي فيه قول النبي (ادعو له طبيب) .. فيه دليل قاطع .. لوجوب الأخذ بالأسباب ، وعدم الإرتكان على بركات أهل الله والصالحين .. لأن هذا منافي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .. فانتبه ..

- فالأخذ بالأسباب يكون بالأسباب الظاهرة أولا .. ثم نتبارك بدعوات الصالحين كأسباب أخرى من أسباب الله .. عسى أن يكرمنا الله بدعوة مستجابة من أحد الصالحين .. من باب لطفه الخفي .. 

الدليل الثاني :- عن أسامة بن شريك قال (شَهدتُ الأعرابَ يسألونَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ أعلينا حرجٌ في كذا ، أعلَينا حرجٌ في كذا .. فقالَ لَهم عبادَ اللَّهِ وضعَ اللَّهُ الحرجَ إلَّا منِ اقترضَ من عرضِ أخيهِ شيئًا فذاكَ الَّذي حُرِجَ ..

فقالوا : يا رسولَ اللَّهِ هل علينا جناحٌ أن لا نتداوى ..؟

قالَ : تداوَوا عبادَ اللَّهِ فإنَّ اللَّهَ سبحانَهُ لم يضع داءً إلَّا وضعَ معَهُ شفاءً إلَّا الْهرمَ ..

قالوا : يا رسولَ اللَّهِ ما خيرُ ما أعطِيَ العبدُ ..؟

قالَ : خُلُقٌ حسنٌ) صحيح بن ماجه .

- معنى (الأعراب) : سكان الصحراء .

- معنى (حرج) : إثم أو ذنب .

- معنى (اقترض من عرض أخيه) : أي اغتابَ أخاه أو أذاه في نفسه أو شتمه .. مما سيترتب عليه أن الله سيقتص من المؤذي لأخيه في الآخرة . ولذلك جاء بلفظ (اقترض) .. لأن المؤذي للمؤمن سيدفع حق خطأه في حق أخيه .. فيعاقب على أفعاله في الأخرة .. حتى يكون مفلسا يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم (إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ) صحيح مسلم .

- معنى (تداووا) : أي خذوا الدواء والعلاج لتتعالجوا من أمراضكم .

- معنى (الهرم) : التقدم في السن حتى الشيخوخة .. وتم تسمية  هذه مرحلة الشيخوخه بالداء .. لأنه يأتي بعدها الموت ..!!

- معنى (خلق حسن) : إشارة إلى اتباع الرسول تطبيقا عمليا .. لأنه الأسوة الحسنة ..

- الدليل الثالث : فعل الصحابة :

- عن عبد الله بن عمر قال (لمَّا طُعِن عمرُ أرسَلوا إلى طبيبٍ فجاء رجلٌ من الأنصارِ فسقاه لبنًا فخرَج اللَّبنُ من الطَّعنةِ الَّتي تحتَ السُّرَّةِ فقال له الطَّبيبُ أعهَدْ عهدَك فلا أراك تُمسِي فقال صدَقْتَني) رواه الطبراني في الكبير – وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .

- فسيدنا عمر بن الخطاب لم يطلب من أحد أن يرقيه .. وإنما أتوه بالطبيب المعالج ..!!

- يتبين لك مما سبق .. أن الأخذ بالأسباب العلاجية الطبيه من أرشاد النبي صلى الله عليه وسلم .. بل ومن فعله صلى الله عليه وسلم ومن فعل أصحابه رضي الله عنهم ..!!

- نقلا عن رسالة الدواء في الشريعة .. أ/ خالد أبوعوف .

****************************

..:: س24: ما هي أحوال النبي في التداوي والعلاج ؟ ::..

  * قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

 - رأيت أن اكتب لك أيضا تعريفا بفعل النبي في العلاج والتداوي لتكون على بصيرة أكثر مما سبق .. فتفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أحوال في تعامله مع المرض .. وهم ثلاث حالات كما يتبين لي ..

- الحالة الأول : الرقية الربانية فقط ..

ودليل ذلك : عن السيدة عائشة قالت : ( أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ ، وَيَنْفُثُ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عليه ، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا . وفي روايةٍ : أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى نَفَثَ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عنْه بيَدِهِ ) صحيح مسلم .

- الحالة الثانية : الرقية الربانية مع الأسباب الطبية ..

ودليل ذلك : عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: (لَدَغَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقْرَبٌ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ لَا تَدَعُ مُصَلِّيًا وَلَا غَيْرَهُ " ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ وَمِلْحٍ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا" وَيَقْرَأُ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ - وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ .. قال الهيثمي : وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .. وذكره الألباني في الصحيحة (548) ..

- الحالة الثالثة : الأسباب الطبية فقط ..

- هناك مواقف استخدم فيها النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب المادية دون الأسباب الإلهية .. ودليل ذلك .. ما رواه عبد الله بن عباس قائلا (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ في رَأْسِهِ، مِن شَقِيقَةٍ كانَتْ بهِ) صحيح البخاري ..

- معنى (حجامه) : هي جرح سطحي (يفعله الحجام أو الطبيب الممارس) على الجلد في مكان محدد لإخراج الدم .. ومن أسباب استخدامها الارتفاع المفاجيء لضغط الدم .. ولها استخدامات أخرى ..

- ومعنى (شقيقه) : أي صداع يأتي في منتصف الرأس .. والذي نسميه الآن بالصداع النصفي .. وسمي بالشقيقة لأنه يشق الرأس بالألم من المنتصف .. والله أعلم .

- فكل الأحاديث السابقة ترشدنا إلى أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن دائما التبرك بالرقية .. وإنما كان مرة يتبرك بالرقية ومرة بالتداوي مع الرقية .. ومرة بالتداوي فقط بدون رقية ..

- فالذي ينكر التداوي بالطب .. فقد أنكر فعل النبي في التداوي وأنكر قوله (يا عباد الله تداووا) .. ويكون بذلك عصى رسول الله صل الله عليه وسلم .. وتعمد أن يتجاهل توجيهاته الشريفه .. إلى ما تهواه نفسه الأمارة بالسوء في تضليل عباد الله عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

- نقلا عن رسالة الدواء في الشريعة .. أ/ خالد أبوعوف .

**************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..