ج6: رسالة علم الرقية الشرعية - ما الدليل على مشروعية الرقية للإصابات النفسية في الشريعة الإسلامية - ما الدليل على مشروعية الرقية بالقرآن للأمراض النفسية .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة 

- علم الرقية الشرعية -

( من القرآن والسنة النبوية )

- الجزء السادس -

* فهرس :

..:: الفصل الرابع :: مشروعية الرقية للإصابة النفسية ::

1- س25: ما الدليل على مشروعية الرقية من الإصابات النفسية في الشريعة الإسلامية ؟
2- س26: ما الفرق بين وسوسة النفس ووسوسة الشيطان ؟ 
3- س27: هل هناك رابط بين وسواس النفس ووسواس الشيطان ؟ 

4- س28: ما الدليل على مشروعية الرقية بالقرآن للأمراض النفسية ؟

**********************

..:: الفصل الرابع ::..

:: مشروعية الرقية للإصابات النفسية ::

*********************

..:: س25: ما الدليل على مشروعية الرقية من الإصابات النفسية في الشريعة الإسلامية ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

أولا: الإصابة النفسية بتأثير باطني خفي نتيجة نفوس الآخرين .. ودليل رقيتها ..

- أقصد بالإصابة النفسية من نفوس الآخرين .. هو الإصابة بضرر بتأثير خفي من بعض النفوس وهو ما نسميه الحسد .. وهو حدث غيبي ما كنا لنعرفه إلا بوحي من الله .. ولذلك جعلته قسم خاص .. بالرغم من أنه يندرج ضمن أحداث الحياة العامة التي تؤثر على الإنسان .. ولكن جعلته جزء خاص لأنه جزء غيبي وله عقيدة خاصة .. خلاف أحداث الحياة فإنها ظاهرة ومعلوم أسبابها ..

- وقد جعلت تأثير حسد الجن على الإنسان في فصل الإصابات الروحانية .. في الفصل القادم إن شاء الله تعالى ..

- والحسد من الإصابات المؤثرة بضرر من نفس في نفس .. وقد أمرنا الله أن نستعيذ منها .. لأنه يتسبب في ضرر الآخرين نتيجة ما تحمله نفسية الحاسد من حقد تجاه الآخر .. ويظهر نتيجة الحسد في مظاهر متعددة مثل الخمول والكسل المفاجيء أو الإنقطاع عن الذكر فجأة أو الإكتئاب والضيق بلا سبب .. بل وقد يتعدى الأمر إلى الضرر البدني أيضا .. (وسيأتيك تفصيل عن كل شيء عن العين والنفس والحسد في رسالة خاصة بذلك إن شاء الله تعالى) ..

- وإليك دليل الإصابة النفسية من تأثير نفسك ونفوس الآخرين :

- أولا : من القرآن ..

- إصابة من وسوسة نفسك :

1- وسوسة نفسك .. يقول تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق16 .

- إصابة من الآخرين :

- حيث قد جعل الله من سورة الفلق وسيلة تحصين و رُقية في ذات الوقت من الحسد ..

1- قال تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِن شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ . وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) الفلق1-5 ..

2- قال تعالى : (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) القلم51 .

- معنى (يزلقونك) : أي ينظرون إليك بأعينهم كإنهم يريدون أن يروا فيك مكروها يحدث لك حقدا وغلا من أنفسهم .. (كأنهم يصيبوه بأعينهم) ..!!

- ثانيا : من الأحاديث .. ما يدل على الإصابات النفسية من نفسك ونفوس الآخرين .. ودليل الرقية منها ..

- إصابة من نفسك :

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ) صحيح البخاري ..

- إصابة من الآخرين :

2- عن السيدة عائشة قالت : ( كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ) صحيح مسلم .

3- عن جابر بن عبد الله قال : ( رَخَّصَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِآلِ حَزْمٍ في رُقْيَةِ الحَيَّةِ ، وَقالَ لأَسْمَاءَ بنْتِ عُمَيْسٍ: ما لي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي .. ضَارِعَةً ؟ .. تُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ !! قالَتْ: لَا ، وَلَكِنِ العَيْنُ تُسْرِعُ إليهِم ، قالَ: ارْقِيهِمْ قالَتْ: فَعَرَضْتُ عليه، فَقالَ: ارْقِيهِمْ ) صحيح مسلم .

- (أَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ) : زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم ..

- وقوله (ما لي أرى أجسام بني أخي) ويعني بهم بني جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم .. وجعفر رضي الله عنه هو ابنُ عم النبي صلى الله عليه وسلم .

- ومعنى (ضارعة) : أي ضعيفة نحيلة ..

- ومعنى (فعرضت عليه) : أي عرضت عليه رقية .. فأذِن لي بها .. 

4- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الْعَيْنُ حَقٌّ) . رَوَاهُ مُسلم .

- معنى (العين حق) : أي حقيقة ثابته .. يحدث الضرر منها أو من خلالها حيث أنها السبب في تحريك أحقاد النفس غالبا .. والله أعلم .

5- عن أبي سعيد الخدري قال : (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ من عينِ الجانِّ ، وعينِ الإنسِ ، فلما نزلتِ المُعوِّذتانِ ، أخذ بهما ، وترك ما سوى ذلك) صحيح النسائي وصحيح بن ماجه – وقال الأرنؤوط في تخريج المسند (24/468) في التعليق : إسناده صحيح ..

6- عن أبي سعيد الخدري قال (أنَّ جِبْرِيلَ ، أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ ؟ فَقالَ : نَعَمْ قالَ : باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ ، مِن كُلِّ شيءٍ يُؤْذِيكَ ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ ، اللَّهُ يَشْفِيكَ باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ) صحيح مسلم .

- قلت خالد .. أن (النفس أو العين) .. يرتبط كلاهما بالحسد .. أي سواء يخرج هذا الحسد من نفس ضامرة أو عين ظاهرة .. والله أعلم .

7- عن عبد الله ابن عباس قال: ( كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعوِّذُ حسَنًا وحُسينًا: (أُعيذُكما بكلماتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ ومِن كلِّ عينٍ لامَّةٍ ) ثمَّ يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( كان إبراهيمُ صلواتُ اللهِ عليه يُعوِّذُ به ابنَيْهِ إسماعيلَ وإسحاقَ ) رواه بن حبان واللفظ له .. وأبي داوود وأحمد والبخاري .

8- عن جد عمرو بن شعيب قال (قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُنا كلماتٍ نقولُهنَّ عندَ النَّومِ مِن الفَزعِ: بِسمِ اللهِ، أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِن غَضبِه وعِقابِه، وشرِّ عِبادِه، ومِن هَمزاتِ الشَّياطينِ، وأنْ يحضُرونِ، قال: فكان عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو يُعلِّمُها مَن بلَغَ مِن وَلدِه أنْ يقولَها عندَ نَومِه، ومَن كان منهم صغيرًا لا يعقِلُ أنْ يحفَظَها، كتَبَها له فعلَّقَها في عُنقِه) رواه أحمد – وقال الأرنؤوط : محتمل للتحسين وهذا إسناد ضعيف .. وذكره الألباني في صحيح الترمذي (8/28) وقال: حسن دون قوله (فكان عبد الله بن عمرو ..) ..

* تنبيه هام :

- يوجد للعلاجات من أصابات نفوس الآخرين ما هو كان بغير رقية .. بل كان باستخدام العناصر الطبيعية كالماء والغُسل .. مثل علاج الحسد في بعض الحالات كانت باستخدام الماء مع غُسل الآخر ثم صبه على المصاب بالحسد .. كما جاء في الحديث :

عن  أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري قال (مرَّ عامرُ بنُ ربيعةَ بسَهلِ بنِ حنيفٍ وَهوَ يغتسلُ فقالَ لم أرَ كاليومِ ولا جِلدَ مُخبَّأةٍ فما لبثَ أن لُبِطَ بِهِ فأتيَ بِهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقيلَ لَهُ أدرِك سَهلًا صريعًا قالَ من تتَّهمونَ بِهِ قالوا عامرَ بنَ ربيعةَ قالَ علامَ يقتلُ أحدُكم أخاهُ إذا رأى أحدُكم من أخيهِ ما يعجبُهُ فليدعُ لَهُ بالبرَكةِ ثمَّ دعا بماءٍ فأمرَ عامرًا أن يتوضَّأَ فيغسلَ وجْهَهُ ويديْهِ إلى المرفقينِ ورُكبتيْهِ وداخلةَ إزارِهِ وأمرَهُ أن يصبَّ عليْهِ) صحيح بن ماجه .

- فهذه إصابة نفسية من صحابي لآخر .. ولكن استخدام العلاج فيها لم يكن بالقرقية وإنما باستخدام أدوات اخرى وهي الماء مع الغُسل ..!!

- ولذلك لم أذكرها هنا في فصل الرقيات من نفوس الآخرين لأنها ليست رقية .. وإنما وسيلة علاجية أخرى خلاف الرقية .. وسيتم ذكرها في فصل خاص عن الأدوات المستخدمة والمصاحبة للرقية كما جاء في الشريعة ..

- التنبيه على القصة السابقة كان للتوضيح .. حيث قد يخطر على بال أحد لماذا لم يتم ذكر القصة السابق كدليل على الرقية .. حيث أنها ليست رقية .. وإنما وسيلة علاجية .

ثانيا : الإصابة بالألام النفسية من أحداث الحياة ودليل الرقية منها :

أولا : من القرآن ..

- وسوسة الآخرين لك ورقيتها تكون بالإستعاذة بالله ..

1- يقول تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ) الناس4-6 ..

- فكما أن الجن يوسوس بالشر .. فالإنسي يوسوس كذلك بالتحريض على العصيان ومحاربة الحق ونشر الباطل .. وعمل المكائد والمؤامرات والاغتيالات والسرقات وغير ذلك ..

2- يقول تعالى : (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) فصلت25 ..

- معنى (ما بين أيديهم وما خلفهم) : أيديهم من الحياة الدنيا بتزيين الأعمال الفاسدة .. وخلفهم من أمر الآخرة بإنكار البعث والنشور بل وإنكار وجود إله ورب للوجود ..

3- يقول تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) الأنعام112 ..

- من تأثير أحداث الحياة على نفسيتك ..

1- يقول تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر 97-99 .

وفي الآية أن ضيق الصدر غالبا هو ألم نفسي ، والتسبيح بحمد الله والسجود لله وقراءة القرآن وغير ذلك من العبادات .. من وسائل دفع هذا الألم النفسي عنك ..

2- قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) القلم48 .. ، (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء87 .

- ومعنى (مكظوم) : أي مملوء غَمَّاً ..

- فكان الدعاء إلى الله وسيلة لدفع هذا الألم النفسي ..

- وقد ذكرت لك في السؤال رقم (13)  .. أن من الدعاء ما يكون رقية .. فارجع إليه ..

- ثانيا : من الأحاديث .. التي تدل على الإصابات النفسية من أحداث الحياة والرقية منها بالدعاء ..

1- عن عبد الله بن مسعود قال عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( كان إذا نزل بهِ همٌّ أو غمٌّ قال : يا حَىُّ يا قيُّومُ برَحمتِك أستَغيثُ ) رواه الحاكم .. وذكره الألباني في صحيح الجامع ..

2- عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ وحَزَنٌ :

اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أَمَتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علَّمتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزْني وذَهابَ هَمِّي ..

إلا أذهب اللهُ عز وجل هَمَّه وأبدله مكانَ حُزْنِه فَرَحًا قالوا : يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هؤلاء الكلماتِ قال : أجلْ ينبغي لمن سمعهنَّ أنْ يتعلَّمَهن )

3- عن أسماء بنت عميس قالت : (علَّمَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كلِماتٍ أقولُهُنَّ عندَ الكَربِ : "اللَّهُ اللَّهُ ربِّي لا أشرِكُ بِهِ شيئًا") صحيح بن ماجه وصحيح أبي داوود ..

- وفي رواية بلفظ (اللَّهُ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه الدارقطني في مخطوط له بإسم (جزء من حديث الذهلي) .. 

- وفي روايه بلفظ (مَنْ أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ أَوْ سَقَمٌ أَوْ شِدَّةٌ أَوْ أَذًى ، فَقَالَ: اللَّهُ رَبِّي لَا شَرِيكَ لَهُ .. كُشِفَ ذَلِكَ عَنْهُ) رواه الطبراني في الدعاء .. 

- وفي رواية بلفظ : (إِنْ نَزَلَ بِأَحَدٍ مِنْكُمْ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ أَوْ كَرْبٌ أَوْ سَقَمٌ أَوْ لَأْوَاءُ أَوْ بَلَاءٌ فَلْيَقُلِ: "اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رواه الطبراني في الدعاء .

- معنى (لأواء) : أي ضيق في المعيشه ..

- وفي رواية بلفظ (إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ غَمٌّ أَوْ هَمٌّ فَلْيَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ .. اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) رواه الطبراني في الدعاء .. 

- وسبب اهتمامي برواية الحديث الأخير .. لأني وجدت فيه بركة كبيرة جدا جدا في مواقف كثيرة من حياتي .. ودائما أكرر بلا عدد (الله الله ربي .. لا أشرك به شيئا) .. سواء في موقف فيه خنقه أو ضيق أو تعسير أو قبض .. فأكرر هذا الذكر النبوي العجيب في كرامته .. ويكون بإذن الله الفرج الكريم من رب رحيم ..

****************************

..:: س26: ما الفرق بين وسوسة النفس ووسوسة الشيطان ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

النفس تتشابه مع الشيطان في شيء مهم جدا .. وهو الوسوسة .. فيقول تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق16 .

* فما الفرق بين وسوسة النفس ووسوسة الشيطان ؟

- وسوسة النفس : تكون عن إلحاح لشيء معين وتكون في اشباع رغبات .. مثل الرغبة في الطعام ولا تفكر في غيره حتى تقضي ما تريد ..

- أما الشيطان فهو لا يتوقف عن الحيلة .. بل ينتقل ولا يصر لك على فعل واحد .. فإذا لم يجد معك طريق للغواية مع النساء فيأتيك في المال أو العلم أو السلطة أو غير ذلك ..

نقلا عن الجزء الثاني من الرسالة الثالثة من سلسلة (هكذا يحدثك الشيطان في نفسك) / خالد أبوعوف .

************************

..:: س27: هل هناك رابط بين وسواس النفس ووسواس الشيطان ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- نعم هناك رابط قوي بين وسوسة الشيطان ووسواس النفس .. وهو أن الرابط بينهما أن وسوسة الشيطان مبنيَّة على وسوسة النفس .. !!

* أمثلة على ذلك :

- الإنسان قد يوسوس لنفسه بالإنتقام من فلان .. فيأتي الشيطان ليزكي في نفسه هذه الفكرة ويقول له : فعلا لازم تعمل كده !!

- أو الإنسان يكون كسول عن الصلاة ويقول لنفسه : أف هو لسه هقوم أتوضأ وأصلي ..؟!! فيأتيه الشيطان فيقول له : عندك حق يا أخي نام شوية وريَّح جسمك وبعدين ربنا غفور رحيم ..!!

- أو الإنسان يرى في نفسه الخيرية وأنه أحسن ممن حوله .. فيأتيه الشيطان فيزكي له نفسه أنه لا مثيل له ولا نظير بخلاف فلان وفلان الذين يعصون الله .. ولكن أنت ما شاء الله عليك أحسن من الجميع .. فهؤلاء ساقطون وأنت من الناجون ..!!

- ويظل الشيطان يوسوس له بذلك حتى يصيبه بمرض العُجب (الإعجاب بعمله) .. فينقلب إلى رياء وإلى احتقار الآخرين وإلى استحسان فعله مع الله وأنه وليا لله ..!! وفي الحقيقة هو من الهالكين .

* أو الشيطان يرى في الإنسان الرغبة أنه يريد أن يكون روحاني ومعه خدمة روحانية .. فيأتيه ليؤكد له أن معه روحانيات ويسلط عليه أولياؤه من الإنس وكل مرة يقول له هذا الشيخ هو الذي فيه السر .. !! وفي الحقيقة كلهم شياطين في بعض .. وهو الفريسة التي ارتضت بغير الله ناصر ومعين ..!!

*  وهكذا يظل الشيطان يتصيد ما تهواه النفس أو تفكر فيه وترغبه .. فيحاول أن يغويه فيه ..!!

* يبقى مما سبق تفهم لماذا العارفين والصالحين يهتمون بقهر النفس .. حتى لا ترغب .. فيرغب الشيطان فيما رغبت فيه ..!!

وبالتالي طالما لا رغبة .. فلا فتنة ..!!

* ولذلك في الصيام يفقد الإنسان قواه مع مرور الوقت .. حتى لا يجد في نفسه قوة على فعل شيء .. ومهما جاءه الشيطان فالإنسان لا يستجب لأنه لا يوجد قوة في النفس تساعد الشيطان على الإستجابة لوسوسته ..!!

نقلا عن الجزء الثاني من الرسالة الثالثة من سلسلة (هكذا يحدثك الشيطان في نفسك) / خالد أبوعوف .

*****************************

..:: س28: ما الدليل على مشروعية الرقية بالقرآن للإصابات النفسية ؟ ::..

- إذا كان ما جاء في السؤال (25) هو كافي جدا لأرباب البصائر والعقول .. ولكني أحببت أفرد سؤال خاص بعلاج القرآن للأمراض الباطنية على وجه الخصوص .. إضافة لما سبق بيانه ..

- مع التذكرة بأن القرآن لا ينفع إلا المؤمن بالقرآن .. ويتبع أوامر القرآن ويجتنب نواهيه .. ويجتهد مع الله قدر استطاعته ..

- والقرآن يصحح لك معتقداتك وسلوكياتك ويرتقي بك من النفس الأماره بالسوء إلى النفس المطمئنة .. طالما تبتغي وجه الله ...

- فهو ليس شفاء من إصابات نفسية فقط .. بل وتعديل سلوك وتصحيح مفاهيم وعقائد .. وهذا التصحيح هو أيضا يسمى شفاء على سبيل المجاز ..

- وإليك بعض الأدلة القرآنية .. على دليل رقية القرآن للألم النفسي :

1- قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) يونس57 .

- وهذه الآية جاءت لإظهار خصوصية فعل قرآني في النفوس المؤمنة .. أي أنه وسيلة يستخدمها المؤمن كشفاء لما في الصدور من هموم وغموم ومخاوف ووساوس وآلام نفسية .. أو تصحيح لسلوكيات وانحرافات عقائديه ..

- وكما قلنا كثيرا .. أنه لا يجد أحد أثر كرامة القرآن في العطاء إلا لو تعامل مع القرآن باليقين دون أدنى شك .. ولا ينفعل القرآن بعطاءه مع الذي يقرأ القرآن على سبيل التجربة وكأنه يشك هل سينفع ما يقرأه أم لا ..؟!!

2- قوله تعالى : (قلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) فصلت44 ..

- وهذه الآية قال فيها أغلب العلماء أنها خاصة بأمراض الباطن أو النفوس عموما ..، وإن كان بعض العلماء جعلها أنها شفاء عام ظاهرا وباطنا .

- وما أحسن ما قاله أبو منصور الماتريدي رحمه الله (المتوفى: 333هـ):

- وصف اللَّه تعالى هذا القرآن بالشفاء وللرحمة والهدى ، وسماه مرة عزيزًا كريمًا مجيدًا حكيمًا ، ونحوه ..

فهو هدى من الضلالة والحيرة والشك وكل شبهة ، وشفاء لكل داء وسقم يكون في الدين والأنفس جميعًا ، هو شفاء لذلك كله ، وهو هدى.

تأويلات أهل السنة ج9 ص90

- وقال الإمام بن الجوزي رحمه الله (المتوفى: 597هـ):

(قُلْ هُوَ) يعني القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) من الضلالة (وَشِفاءٌ) للشُّكوك والأوجاع .

زاد المسير ج4 ص55

- كما قال الشيخ محمد صديق خان (المتوفى: 1307هـ) :

يهتدون به إلى الحق ويستشفون به من كل شك وشبهة ، ومن الأسقام والآلام .

فتح البيان ج12 ص261

- وكما قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله (المتوفى : 1393هـ) :

يَشْمَلُ كَوْنَهُ شِفَاءً لِلْقَلْبِ مِنْ أَمْرَاضِهِ .. كَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَكَوْنَهُ شِفَاءً لِلْأَجْسَامِ إِذَا رُقِيَ عَلَيْهَا بِهِ .

أضواء البيان ج3 ص181 ..

 - قلت (خالد صاحب الرسالة) : وعن نفسي أميل لهذا الرأي السابق في تفسير هذه الآية كما في آية الإسراء أي أن لفظ الشفاء هو لفظ مطلق ظاهرا وباطنا .. لأنه لا مخصص في الآيه لهذا الشفاء في نفس المؤمن .. بخلاف غير المؤمن فهو لا يدرك القرآن بظاهره ولا باطنه ..!!

- وإن كان النص القرآني أثبت أن للقرآن أثر معنوي سلبي في قلوب الذين لا يؤمنون .. إلا أنه لا يدل على أنه مقابل للفظ الشفاء السابق للمؤمنين .. !! ..

- وإليك أسبابي في ترجيح أن لفظ (شفاء) هنا مطلق العطاء ظاهرا وباطنا :

1- لأن ما جاء من خصوصية أثر للقرآن مع المؤمنين هو خبر منفصل .. عن خبر أثر القرآن في قلوب الذين لا يؤمنون .. فلا يصح أن نجعل هذه المقابله متطابقه .. لأن الوقر (الثقل في السماع) ليس مقابل الهدى .. والعمى ليس مقابل الشفاء ..

- بل يقال أن القرآن أثبت تعطيل مدارك الإيمان فاستعار بلفظي الوقر والعمي للدلالة على إعراضهم عن قبول الحق  .. كقوله تعالى (فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ) المائدة71 .. وقد استعير هنا للإعراض عن دلائل الهدى والرشاد التي جاء بها الرسل.

- بناء على ما سبق أرى والله أعلم : أن نقول أن القرآن مع المؤمنين له أثر خاص في نفوسهم ظاهرا وباطنا .. وله أثر خاص في نفوس الذين لا يؤمنون فلا يدركون بظاهرهم ولا باطنهم كرامة القرآن ..

2- لفظ (شفاء) يدل على مطلق الفعل القرآني ظاهرا وباطنا .. ولم يأت فيه بمخصص بعده مثل آية يونس57 (وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ) ..

3- التنوين في كلمة (شفاء) يزيد اللفظ قوة في المعنى  .. وهذه القوة تعني الظاهر والباطن معا وليس الباطن فقط ..

4- ولفظي الشفاء والمرض في أصلهما يكون للظاهر ثم استعير اللفظين للأمراض الباطنية النفسية .. وهذا يقوى من أخذ اللفظ على إطلاقه حال كونه علاج للظاهر والباطن .. وليس للباطن فقط .

5- حرف اللام في لفظ (للذين) .. يدل على الخصوصية .. فما المانع أن تكون خصوصية كرامة لظاهرهم وباطنهم في النفع من القرآن .. خلاف لفظ (عليهم) الدال على استيلاء العمى على الذين لا يؤمنون ..  ولذلك لا ينتفعون به في ظاهرهم ولا باطنهم .. والله أعلم ..!!

- ومن التفاسير التي ذكرت الرأيين دون ترجيح :

- قال الإمام علاء الدين المعروف بالخازن (المتوفى: 741هـ) : - (هُدىً) يعني من الضلالة ، (وَشِفاءٌ) يعني لما في القلوب من مرض الشرك والشك وقيل (شفاء) من الأوجاع والأسقام .. تفسير الخازن ج4 ص90

- قال الإمام بن عادل رحمه الله (المتوفى: 775هـ):

- (هدى) من الضلالة (وشفاء) لما في القلوب . وقيل: (شفاءٌ) من الأوجاع.

اللباب في علوم الكتاب ج17 ص150 .

- ولكن غالب العلماء : قالوا أن كلمة شفاء في آية فصلت جاءت لعلاج الباطن أو نفسية الإنسان .. بدليل ما بعدها من الكلام على فعل القرآن في باطن الذين لا يؤمنون : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) وهذا عمى القلوب .. فكان معنى الآية للمؤمنين : (هُدىً) يعني: القرآن هدى للمؤمنين من الضلالة ، (وَشِفاءٌ) أي: شفاء لما في الصدور من العمى ..

- فالآية بالنسبة إليهم في محل الكلام عن أمراض القلوب أو الأمراض الباطنية أو النفسية عموما مثل الغل والحقد والكراهية والوسواس والجهل .. وإجمالا هي شفاء من الإنحرافات السلوكية والعقائديه التي تدور في نفس الإنسان .. ولذلك ستجد غالب العلماء يشيرون فيها إلى ذلك المعنى .. حيث يكون القرآن وسيلة إرشاد وتوجيه لتقويم النفس وإعادتها للطريق المستقيم .

- وهؤلاء العلماء هم أيضا الذين قالوا في آية الإسراء وهي قوله تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) الإسراء82 .. أنها أثبتت مطلق الشفاء دون تخصيص ظاهرا أو باطنا .. ولا تخصيص لفضل الله في عطاءه إلا بدليل يخصص ذلك الفضل .. بل الدليل قائم على مطلق الشفاء .. ويظهر ذلك من خلال الأحاديث النبوية التي أكدت مطلق الشفاء بالقرآن الكريم .. من فعل النبي وتقريره صلى الله عليه وسلم .. فانتبه ..!!

- واتباعا لغالب قول العلماء في لآية فقد جعلت الآية هنا في قسم العلاج النفسي دون العلاج العام .. وإن كنت صاحب الرسالة لا تختلف عندي عن كونها مطلق الشفاء دون تخصيص .. وقد أثبت لك أسبابي في ذلك ..

3- ومن الحديث ما يشهد بصحة الرقية القرآنية .. ما جاء عن سعد بن أبي وقاص عن النبي قال (دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ : (لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ) .. فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له) صحيح الترمذي .

- فأنت تدعو بكلام الله من خلال دعوة سيدنا يونس .. ليفك عنك كل كرب وهم وغم وضيق وعسر ومرض ظاهرا وباطنا .. بل في كل طلب قضاء حاجة .. وبإذن الله يستجاب لك ..

- فقط قل الآية .. وفي داخلك مستشعر هذه المعاني (أنك معترف لله بأنه النافع الضار المتصرف في الوجود وحده .. ومعترف بأنه لم يظلمك أبدا لأنه منزه عن النقص .. ومعترف بأنك مذنب ومقصر مع الله ولكنك تسأله رجاء في فضله العظيم) .. 

- ثم ادعو بعد الآية بما تريد ..

************************

..:: الفصل الخامس ::..

:: مشروعية الرقية للإصابات الروحانية ::

******************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..