ج12: رسالة علم الرقية الشرعية - من هم السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب - ما علاقة حديث "السبعون ألف" بالرقية - ما معنى (لا يسترقون) - ما معنى (لا يتطيرون) - ما معنى (لا يكتوون) - كيف ينهى النبي عن الكي وقد أمر به وفعله بنفسه مع صحابته - لماذا قال النبي (وعلى ربهم يتوكلون) - ما الذي يربط النهي في الحديث بين (لا يَسْتَرْقُونَ ، ولَا يَتَطَيَّرُونَ ، ولَا يَكْتَوُونَ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة 

- علم الرقية الشرعية -

( من القرآن والسنة النبوية )

- الجزء الثاني عشر -

# من فضلك أعد قراءة الموضوع .. حيث تم تغيير فهرسة هذا

 الموضوع بالكامل "ما عدا أول ثلاث أسئلة" يمكنك تركهم

 إن كنت قرأتهم من قبل - وقراءة ما بعدهم من أول (س60) #

* فهرس :

..:: الفصل الحادي عشر ::.. إشكاليات بين أحاديث الرقية والتوكل على الله ::

1- س57: من هم السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ؟

2- س58: ما هو المعنى العام للحديث الخاص بالسبعين ألف ؟

3- س59: لماذا حينما رأى النبي أُمَّة موسى ظن أنها أمته في حين أنه يعرف أمته ؟

4- س60: ما معنى (لا يتطيرون) ؟

5- س61: ما معنى (لا يكتوون) ؟

6- س62: كيف ينهى النبي عن الكي وقد أمر به وفعله بنفسه مع صحابته ؟

7- س63: ما معنى (لا يسترقون) ؟

8- س64: ما الذي يربط النهي في الحديث بين (لا يَسْتَرْقُونَ ، ولَا يَتَطَيَّرُونَ ، ولَا يَكْتَوُونَ) ؟

9- س65: لماذا قال النبي (وعلى ربهم يتوكلون) ؟

10- س66: ما علاقة حديث "السبعون ألف" بالرقية ؟

 ************************* 

..:: الفصل الحادي عشر ::..

:: حل الإشكاليات بين أحاديث الرقية والتوكل ::

*************************

..:: س57: من هم السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- أي مسلم يطمع أن يكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب .. !!

- ويوجد حديث يوضح هذا المعنى ..، وقد جاء الحديث بأوصاف لهؤلاء الناس الذين يدخلون الجنة بلا عذاب ولا حساب .. وعددهم سبعون ألف .. ويزيدون بفضل من الله .. وإليك الدليل :

- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:

(كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ ؟ قُلْتُ: أَنَا، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ، قَالَ: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيْتُ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ فَقَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِيُّ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَةٍ، فَقَالَ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ .. وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ، وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ "، ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟» فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: " ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ؟» ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ») صحيح مسلم .

- وفي رواية أخرى :

عن عبد الله بن عباس قال : (قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النبيُّ والنبيَّانِ يَمُرُّونَ معهُمُ الرَّهْطُ ، والنبيُّ ليسَ معهُ أحَدٌ ، حتَّى رُفِعَ لي سَوَادٌ عَظِيمٌ ، قُلتُ : ما هذا؟ أُمَّتي هذِه؟ قيلَ: بَلْ هذا مُوسَى وقَوْمُهُ، قيلَ: انْظُرْ إلى الأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قيلَ لِي: انْظُرْ هَا هُنَا وهَا هُنَا في آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قدْ مَلَأَ الأُفُقَ، قيلَ: هذِه أُمَّتُكَ، ويَدْخُلُ الجَنَّةَ مِن هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ ألْفًا بغيرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ ولَمْ يُبَيِّنْ لهمْ، فأفَاضَ القَوْمُ، وقالوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا باللَّهِ واتَّبَعْنَا رَسولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ، أوْ أوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا في الإسْلَامِ، فإنَّا وُلِدْنَا في الجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَخَرَجَ، فَقالَ: "هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، ولَا يَتَطَيَّرُونَ، ولَا يَكْتَوُونَ، وعلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" .. فَقالَ عُكَاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ: أمِنْهُمْ أنَا يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقالَ: أمِنْهُمْ أنَا؟ قالَ: سَبَقَكَ بهَا عُكَّاشَةُ) صحيح البخاري .

- معنى (لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ) : أي لم يكن سهري من أجل صلاة الليل .. وإنما بسبب لدغة ..

- معنى (لدغة) : أي إصابة من قرصة عقرب أو تعبان أو ما شابه من ذوات السموم .

- معنى (اسْتَرْقَيْتُ) : أي طلبتُ الرُّقيا من نفسي، أو من غيري .

- معنى (فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ) : أيُّ شيء دعاك إلى الاسترقاء .

- معنى (قد أحسن من انتهى إلى ما سمع) : أي قد أحسنت حيث وقفت عند الذي سمعته .

- معنى (الرهيط) : أي الجماعة أقل من عشرة ..

- معنى (الأفق) : أي الجهة ..

- معنى (لا يرقون) : أي لا يعالجون أنفسهم ولا غيرهم من الأمراض بالقراءة عليهم .. ولا يرقون وهم يعتقدون في أنفسهم أن لهم قدرة على الشفاء .. وقد يقصد أنهم لا يرقون برقى الباطل .. ولا يعتمدون على الرقية بذاتها .. 

- معنى (لا يسترقون): أي ولا يطلبون الرقية لأنفسهم ولا لغيرهم  .. ولا يطلبونها من أحد يفعلها لهم .

- معنى (لا يكتوون): أي لا يستخدمون الكي على الجلد لغلق الجرح .

- معنى (لا يتطيرون) : أي لا يتشائمون ..

- معنى (يتوكلون) : أي لا يأخذون بالأسباب تعلقا بها ولا يعتقدون فيها نفعا ولا ضرا .. مع عقد القلب بالإعتماد على الله ..

- قال الإمام أبو القاسم القشيري : التوكل محله القلب ، وأما الحركة الظاهرة فلا تنافيه إذا تحقق العبد أن الكل من الله تعالى ، فإن تيسر شيء فبتيسيره ، وإن تعسر فبتقديره . والله أعلم .

- وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ". فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ السُّلَمِيُّ وَاللهِ مَا أُولَئِكَ فِي أُمَّتِكَ إِلَّا كَالذُّبَابِ الْأَصْهَبِ فِي الذِّبَّانِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنَّ رَبِّي قَدْ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَزَادَنِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ". قَالَ: فَمَا سِعَةُ حَوْضِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: " كَمَا بَيْنَ عَدَنَ إِلَى عَمَّانَ وَأَوْسَعَ وَأَوْسَعَ ". يُشِيرُ بِيَدِهِ. قَالَ: " فِيهِ مَثْعَبَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ". قَالَ: فَمَا حَوْضُكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ: " مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مَذَاقَةً مِنَ الْعَسَلِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا، وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَدًا) رواه أحمد ، وبن حبان ..،  قال الهيثمي في الزواجر : رواته محتج بهم في الصحيح ، وقال الأرنؤوط :  صحيح، وهذا إسناد قوي .

- معنى (كالذباب الأصهب) : هو تشبيه لقلة العدد .. والذباب الأصهب هو الذي يعلو لونه صُهبة مثل الحمرة في سواد .. وقيل الذباب الأزرق .. وهو قليل بين عموم الذباب ..

- معنى (وزادَني ثلاثَ حَثَياتٍ) : أي: ثلاث غرفات من يدى الرحمن الكريم .. وعبر بلفظ (الحثيات) لأن من شأن المعطي إذا أعطى أن يجمع بملأ كفيه من غير حساب وميزان ..

- معنى (عدن) : هي مَدينةٌ باليمنِ ، (إلى عَمَّانَ) : وهي قريةٌ بالشَّامِ .. ويشير النبي إلى أن حوضه أوسع من هذه المسافة وأكبر بكثير  ..

- معنى (فيه مَثْعَبانِ) : أي مَسِيلانِ للماءِ ...

- وفي رواية من طريق المسعودي قال : حدثني بكير بن الأخنس - عن رجل عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل ، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا) رواه أحمد ..

- وقال الأرنؤوط في تخريج المسند (1/203) : إسناده ضعيف لجهالة الرجل الراوي عن أبي بكر ، والمسعودي اختلط .. (باختصار في كلامه) .

- وقال الألباني في (الصحيحة (3/473)  : هذا سند ضعيف من أجل الرجل الذي لم يسم والمسعودي كان اختلط ..، لكن الحديث صحيح فإن له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة .. (باختصار في كلامه) .

- قلت (خالد صاحب الرسالة) : وتصحيح الألباني للحديث (بشواهده) هو تصحيح غير صائب لأن الشاهد الذي أشار إليه فهو يتكلم عن مع كل ألف سبعين ألف .. وليس مع كل واحد سبعين ألف ..!!

- ولذلك فالحديث (مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعِينَ أَلْفًا) هو يبقى حديث ضعيف كما قال الألباني والأرنؤوط .. وليس له شواهد تؤيد هذا الجزء من الحديث .. والله أعلم ..!!

- والفرق بين الحديثين كبير ..

- فرواية (مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُين أَلْفًا) = 70,000,000 (سبعون مليون) .. يضاف إليهم الحثوات الثلاثة من فضل الله الكريم .

- ورواية (مع كل واحد سبعين ألفا) = 4,900,000,000 (أربعة مليارات وتسعمائة مليون) ..!!

- ولا يخفى أن رواية مع الواحد سبعون ألف .. ستكون الأمة دخلت الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب ..!! وهذا أمر غير معقول .. وإن كان ليس بعيد عن فضل الله ..!! ولكن الحديث ضعيف ..!!

***********************

..:: س58: ما هو المعنى العام للحديث الخاص بالسبعين ألف ؟ ::..

- قال الدكتور موسى شاهين لاشين في شرح معنى الحديث :

[المعنى العام]-

- كان حصين بن عبد الرحمن في مجلس سعيد بن جبير ، صبيحة ليلة سقط فيها شهاب من كوكب فأضاء الأفق، قال سعيد بن جبير لجلسائه: أيكم شاهد الكوكب الليلة ، وهو ينبعث منه شهاب من النار ؟

- فقال حصين: أنا شاهدته ، وكان في النصف الثاني من الليل ، لكن لا تحسبوا أني كنت أصلي ، لا تظنوا أني كنت أقوم الليل وأتهجد ، بل كنت متيقظا من آلام لدغة عقرب ..

- قال له سعيد: فبماذا عالجت نفسك من سم العقرب ؟

- قال: رقيت نفسي ..

- قال: من أنبأك أن الرقية علاج ؟

- قال: حملني على ذلك ودفعني إليه حديث سمعته عن الشعبي، الذي نتلقى حديثه بالقبول.

- قال: بماذا حدثكم الشعبي ؟

- قال: حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي، أنه قال: لا رقية أشفى وأولى من رقية العين الحاسدة، ومن الرقية من لدغ الحية أو العقرب أو ذوات السموم ..

- قال سعيد بن جبير : أحسنت صنعا إذا كنت متبعا لا مبتدعا .. لكني سمعت حديثا يناقض ما سمعت من حديث .. سمعت ابن عباس يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عرض الله علي حال الأمم يوم القيامة، وأتباع كل نبي خلفه في طريقهم إلى الجنة ، فرأيت النبي وليس معه أحد، وليس له تابع ، ورأيت النبي ومعه تابع واحد، والنبي ومعه تابعان ، والنبي ومعه دون العشرة ، إذ عرض علي سواد كثير ، وجمع عظيم ، ففرحت به ؛ وظننت أنهم أمتي فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء قوم موسى ، لكن انظر إلى هذه الجهة ، فنظرت فإذا جمع أكبر ، قيل لي: انظر إلى الجهة الأخرى ، فنظرت فإذا جمع أكبر ، قيل لي: هؤلاء وهؤلاء أمتك الذين سيدخلون الجنة ، وفيهم سبعون ألفا يدخلونها بغير حساب ، ولا عذاب ، يدخلونها أول الداخلين ، وجوههم تضيء كالقمر ليلة البدر، يدخلونها صفا واحدا متماسكين ، يدخلونها في لحظة واحدة ، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، يغبطهم الخلق أجمعون ..

- قال عكاشة بن محصن - وكان بين المستمعين لهذا الحديث-: يا رسول الله . ادع الله لي أن أكون منهم .

- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعل عكاشة منهم ..

- قال رجل آخر من الجالسين: وأنا يا رسول الله . ادع لي الله أن يجعلني منهم ، فخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتوالى الطلبات، فسد الباب ، وقال للسائل: سبقك بالدعوة المستجابة عكاشة. - فقال عكاشة: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: نعم أنت منهم.

- ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد إلى بيت إحدى أمهات المؤمنين، فخاض الناس في صفة هؤلاء السبعين ألفا، من عساهم يكونون؟ قال بعضهم لعلهم السابقون إلى الإسلام، نحن الذين آمنا بالله واتبعنا الرسول فنحن هم، وقال آخرون: نحن ولدنا في الشرك أما أبناؤنا فقد ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا، فلعلهم هم، وقال بعضهم: لعلهم الشهداء، وقال آخرون: لعلهم من رق قلبهم للإسلام.

- فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تفيضون فيه ؟ فذكروا له ما قالوا ، قال: هم الذين يسندون الأمور إلى الله ، فلا يكتوون على أنه العلاج والشفاء ، ولا يسترقون على أن الرقية هي العلاج والشفاء ، بل إن فعلوهما فعلوهما مؤمنين أن الشافي هو الله تعالى ، ولا يتطيرون ولا يتشاءمون وهم في جميع أحوالهم على ربهم يتوكلون.

فتح المنعم شرح صحيح مسلم ج2 ص59

*****************************

  

..:: س59: لماذا حينما رأى النبي أُمَّة موسى ظن أنها أمته في حين أنه يعرف أمته ؟ ::..

- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله المتوفى (852 هـ) :

- قد اسْتَشْكَل الإسماعيلي - رَحِمَهُ اللهُ -: كونه - صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْرِف أمته حتى ظَنّ أنهم أمة موسى - عَلَيْهِ السَّلَام -، وقد ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (كيف تَعْرِف من لَمْ تَرَ من أمتك؟ فقال: إنهم غُرّ مُحَجَّلون من أثر الوضوء) ، وفي لفظ: (سِيمَا ليست لأحد غيرهم) ؟

- وأجاب: بأن الأشخاص التي رآها في الأفق، لا يُدْرك منها إلَّا الكثرة، من غير تمييز لأعيانهم، وأما ما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فمحمول على ما إذا قَرُبُوا منه ، وهذا كما يَرَى الشخص شخصًا على بُعْدٍ ، فيكلِّمه ، ولا يَعْرِف أنه أخوه ، فإذا صار بحيث يتميز عن غيره عَرَفه ، ويؤيده أن ذلك يقع عند ورودهم عليه الحوض .

فتح الباري ج11 ص408

******************************

..:: س60: ما معنى (لا يتطيرون) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) :

- معنى (لا يتطيرون) : أي لا يتشائمون ..

- ولكن ما علاقة التشاؤم بهذا بالطير ؟

- قال الدكتور موسى شاهين في فتح المنعم (2/60) :

- (ولا يتطيرون) الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن: وهي التشاؤم ..

- وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر زجر الطير، فإن طار يمنة تيمن واستمر، وإن طار يسرة تشاءم به ورجع، وكانوا يسمونه السانح والبارح، فالطير السانح ما ولاك ميامنه ، بأن يمر عن يسارك ، وكانوا يتيمنون به، والبارح بالعكس ويتشاءمون منه، وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له، إذ لا نطق للطير، ولا تمييز، حتى يستدل بفعله على معنى فيه، وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله، وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير.

* قلت (خالد صاحب الرسالة) :

عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط : اسناده صحيح رجاله ثقات..

- وفي رواية بلفظ (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ وَمَا مِنَّا إلَّا، وَلَكِنَّ اللَّه يُذْهِبُهُ بِالْتَّوَكُّلِ) رواه أحمد ..

- ومعنى (وما منا إلا) : أي وما منا إلا وقد يصيبه التشاؤم لشيء رآه قبل سعيه .. ولكن هذا أمر معفي عنه طالما تجاهلته وأخذت بالأسباب وسعيت متوكلا على الله ..

- لماذا الطيرة شرك ؟

1- قال العلماء في رأي : بأن الإعتماد على الطير هو توكل على الطير في تدبير مساعي حياتهم .. فكأنهم نسبوا للطير ما كان يجب أن يكون لله ..

2- ولي رأي آخر أضيفه للرأي السابق .. وهو سبب أن الطيرة شرك .. لأنهم جعلوا من الطير وسيلة للتعرف على قدر الله .. فأحسنوا الظن وأساؤوا الظن بأقدار الله من خلال الطير وكأن الطير يعلم القدر المسبق .. فهي كأنها وسيلة من وسائل العرافة الغير مرتبطة بأسباب مشروعة كالعلم .. وإنما هو محض ظن وتوهم وتجربة حظ .. ولا دليل فيها إلا أنها بقايا جاهلية لقوم لم يتوكلوا على الله بل على الطير في اتخاذ قرارهم ..!!

- أمثلة التطير في عصرنا هذا مثل فتح الكوتشينة ، وحظك اليوم ، وهكذا يقول لك برجك اليوم ، وفتح الفنجان .. وما شابه ذلك من وسائل العرافة ..!! .. هذا رأيي والله أعلم ..

3- ولبعض العلماء رأي آخر في أن الطيرة شرك .. فقالوا السبب أن الطيرة تجلب لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًا ؛ فإذا فعلوا بموجبها فكأنهم أشركوا بالله في ذلك .. ويسمى شركًا خفيًّا .

- قلت خالد : هذا الرأي غير مقبول بالنسبة لي لأن الطير ما كان يجلب لهم نفعا ولا يدفع عنهم ضرا .. وإنما هو وسيلة معرفة للغيب .. !!

* انتبه :

- التشاؤم في الحديث مبني قبل السعي بإتخاذ الأسباب معتمدا على الباطل المنهي عنه شرعا .. وليس بعد السعي باتخاذ الأسباب المشروعة ..!!

- لأنك قد تسعى فتجد علامات أو إشارات أو أسباب تدل على ترجيح الرجوع أولى من استكمال السعي فيما تذهب إليه .. ببصيرة وجدتها في قلبك .. أو عن تجربه حياتيه خاصة بك .. فتتراجع وتعود .. فمثل هذا لا يسمى تطير ولا تشاؤم لأنك سعيت بالفعل ثم ترتب على ذلك أحداث مسببه فهمت منها أنه لا داعي لتكمل المشوار .. والله أعلم .

*************************************

  

..:: س61: ما معنى (لا يكتوون) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- معنى (لا يكتوون) : أي لا يتخذون من الكي وسيلة علاج لهم .

- والكي : هو تضميد الجرح بحديدة حامية بالنار .. أو في عصرنا الحالي هناك كي كهربائي وكي بالليزر ..

- وقد جاء أحاديث تفيد أن الكي مكروه .. وفي أحاديث أخرى أن النبي أذن بالكي .. بل وفعله بنفسه لبعض الصحابة ..!!

- أولا : أحاديث تدل على الكراهة :

1- جاء في الحديث عن السبعين الذين يدخلون الجنة بغير حساب .. أنهم (لا يكتوون) صحيح البخاري .

2- وجاء في الحديث عن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنِ اكْتَوَى أَوْ اسْتَرْقَى ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) رواه أحمد وبن ماجه والترمذي وبن حبان والحاكم .. وقال الترمذي والحاكم : حديث صحيح ..، ومن المتأخرين قال الألباني والأرنؤوط : حديث صحيح .

- ثانيا : أحاديث تدل على الإباحة :

1- جاء في الحديث أيضا - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: (رُمِيَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُوِيَ عَلَى أَكْحَلِهِ) رواه أحمد .. قال الأرنؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم ورجاله ثقات .

2- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: (رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ، فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ، ثُمَّ وَرِمَتْ، فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم ورجاله ثقات .

- معنى (أكحله) : هو وريد في وسط الذراع.

- معنى (فحسمه) : قطع الدم عنه بالكي.

- معنى (بمشقص) : نَصْل السهم طويلاَ غير عريض.

- معنى (ثم ورِمت) : وكأنها انفجرت فحسمه (أي كواه) مرة ثانية.

- وهنا يظهر سؤال : كيف ينهى النبي عن الكي وقد أمر به ..، بل وفعله بنفسه ؟

*********************************

..:: س62: كيف ينهى النبي عن الكي وقد أمر به بل وفعله بنفسه ؟ ::..

- قال الإمام بن الأثير رحمه الله (المتوفى: 606هـ) :

 - الكَيُّ بِالنَّارِ مِنَ العِلاج الْمَعْرُوفِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ. وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ النَّهْيُ عَنِ الكَيِّ، فَقِيلَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ أجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمون أمْرَه، ويَرَون أَنَّهُ يَحْسِمُ الدَّاءَ، وَإِذَا لَمْ يُكْوَ العُضْوُ عَطِبَ وبَطَلَ، فَنهاهم إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الوجْه، وأباحَه إِذَا جُعِل سَبَباً للشِّفاء لَا عِلَّة لَهُ ، فإنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُبْرِئه ويَشْفِيه ، لَا الكَيُّ والدَّواء .

- وَهَذَا أَمْرٌ تَكْثُر فِيهِ شُكوك النَّاسِ، يَقُولُونَ: لَوْ شَرِبَ الدَّواء لَمْ يَمُت، وَلَوْ أَقَامَ بِبلدِه لَمْ يُقْتَل.

- وَقِيلَ: يَحتمِل أَنْ يَكُونَ نَهْيُه عَنِ الكَيِّ إِذَا اسْتُعِمل عَلَى سَبِيلِ الاحْتِراز مِنْ حُدوث المَرض وَقَبْلَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا أُبيح للتَداوِي والعِلاج عِنْدَ الْحَاجَةِ.

النهاية في غريب الحديث ج4 ص212

- قال الدكتور موسى شاهين (حفظه الله) :

- قد روى البخاري عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم، أو لذعة بنار، وما أحب أن أكتوي) ..، كما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهي أمتي عن الكي) ..

- فأول هذا الحديث يفيد عموم الجواز، حيث نسب الشفاء إليه، وآخره يفيد الكراهية .

-  وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن عمران قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي، فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا) .

- والنهي في هذا الحديث محمول على الكراهية ، لأنه لو كان للحرمة ما فعلوه.

- وقال الحافظ ابن حجر: إنما نهى عنه مع إثباته الشفاء فيه إما لكونهم كانوا يرون أنه يحسم المادة بطبعه ، فكرهه لذلك، ولذلك كانوا يبادرون إليه قبل حصول الداء، لظنهم أنه يحسم الداء، فيتعجل الذي يكتوي التعذيب بالنار، لأمر مظنون .. وقد لا يتفق أن يقع له ذلك المرض، يقطعه الكي ..

- ثم قال: لا يترك الكي مطلقا، ولا يستعمل مطلقا، بل يستعمل عند تعينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى، وعلى هذا يحمل حديث المغيرة رفعه "من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل" أخرجه الترمذي. اهـ.

- وقال ابن أبي جمرة: علم من مجموع كلامه صلى الله عليه وسلم في الكي أن فيه نفعا، وأن فيه مضرة، فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب، وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع، ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع. اهـ.

- وقال الخطابي: الكي يستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادته إلا به، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها: آخر الدواء الكي، وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره، واكتوى غير واحد من الصحابة. اهـ.

- قال الحافظ ابن حجر: ولم أر في أثر صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتوى. اهـ.

- ومجمل القول في الكي: أنه جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين علاجا، وأنه إذا تعين رفع الحرج عمن يفعله بنفسه، وعمن يفعله بغيره. والله أعلم.

فتح المنعم في شرح صحيح مسلم ج2 ص64 .

* قال الإمام بن عبد البر رحمه الله (المتوفى: 463هـ):

- الْكَيُّ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ التَّدَاوِي وَالْمُعَالَجَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ طَلَبَ الْعَافِيَةِ بِالْعِلَاجِ وَالدُّعَاءِ مُبَاحٌ .. فَلَا يَجِبُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ التَّدَاوِي بِالْكَيِّ وَغَيْرِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ .. وَقَدْ عَارَضَ النَّهْيَ عَنِ الْكَيِّ مِنَ الْإِبَاحَةِ بِمَا هُوَ أَقْوَى .. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِالْكَيِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ .

- فَمَنْ تَرَكَ الْكَيَّ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّ هَذِهِ مَنْزِلَةُ يَقِينٍ صَحِيحٍ وَتِلْكَ مَنْزِلَةُ رُخْصَةٍ وَإِبَاحَةٍ .

التمهيد  لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ج24 ص65

* قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على كلام الإمام بن عبد البر :

- حيث قال الإمام (فمن ترك الكي ثقة بالله وتوكلا عليه كَانَ أَفْضَلَ .....) .. فهذا كلام لا يصح على إطلاقه .. ليه ؟

1- الكي المنهي عنه هو ما كان في غير حاجة إليه في حال الصحة ليمنع مرض .. أو لمن اعتقد فيه الشفاء وليس من الله .

2- من ترك الكي في حالة يتطلب فيها الكي مثل المطعون بسكين أو ما شابه .. وترك الكي فكأنه كان مريدا للإنتحار وليس متوكلا على الله .. وكأنه انتهزها فرصة ليتخلص من حياته ..!! ولذلك كوى النبي أكحل سعد بن معاذ حتى لا يظل ينزف ويموت .. لأنه يوجد طريقة للعلاج ..!!

3- الفاعل للكي والتارك له .. كلاهما متوكل على الله .. طالما قلبه اعتمد على الله راجيا الشفاء من الله سواء كان بالكي أو بغيره .. فلا منافاة بين العلاج والتوكل حينئذ  .. ولا أفضليه حينئذ لهذا على ذاك .. إلا لمن اتخذ من الصبر والدعاء وسيلة لدفع البلاء ..

- قال الإمام بن الأثير رحمه الله (المتوفى: 606هـ) :

مَنْ صَبَر عَلَى البَلاء وانْتظَر الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ كَانَ مِنْ جُمْلة الخوَاصّ وَالْأَوْلِيَاءِ ، ومَن لَمْ يَصْبِرْ رُخِّص لَهُ فِي الرُّقْية والعِلاج والدَّواء .

النهاية في غريب الحديث ج2 ص255

- والله أعلم .

************************************

..:: س63: ما معنى (لا يسترقون) ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- معنى (لا يسترقون) : أي لا يطلبون الرقية .. وهذا الطلب للرقية قد يكون ليفعلها لنفسه وأهله أو يطلب من الآخرين أن يرقوه وأهله .. فاللفظ يحتمل المعنيين .. ويكفيك شاهد على ذلك ما جاء في أول حديث (السبعين ألف) عن حصين بن عبد الرحمن حينما سأله سعيد بن جبير ماذا فعلت فقال له : أسترقيت .. !! أي اتخذت من الرقية وسيلة للعلاج ..

- فلماذا البعض أوقفوا معنى الإسترقاء على طلب فعل الرقية من الغير فقط .. ؟!! ولم يقولوا أن الإسترقاء هو أيضا طلب الرقية من الغير وإن لم يفعلها لك ..؟!!

- ففي حديث (السبعين ألف) نجد أن الذي يدل على أن معنى الاسترقاء هو طلب الرقية دون طلب الراقي .. هو قول الصحابي (قَالَ: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيْتُ) صحيح البخاري ومسلم .

- ومثله حديث عائشة (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ) صحيح مسلم ..

- ومعنى (تَسْتَرْقِيَ) : أي تتخذ من الرقية وسيلة لدفع ضرر الحاسد .. والحديث قال (تسترقي) بفتح حرف التاء وكسر حرف القاف .. أي هي تسعى بنفسها باستخدام الرقية .. ولم يأت لفظ الحديث (تسترقى)  بضم التاء وفتح القاف .. حتى لا يقال أن النبي أمرها أن تطلب من الغير أن يرقيها ..!!

- ومثله حديث كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ دَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ، وَرُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا، وَأَشْيَاءَ نَفْعَلُهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ؟ قَالَ: "يَا كَعْبُ، بَلْ هِيَ مِنْ قدر الله) رواه بن حبان ..

- قلت (خالد صاحب الرسالة): الحديث عموما من طريق كعب بن مالك هو حسن الإسناد .. وذلك للإختلاف على راوي من رواة الحديث في توثيقه .. ويقوي الحديث أن له شاهد من حديث حكيم بن حزام ..

- والشيخ الألباني : قال حسن لغيره – في كتاب "أحاديث مشكلة الفقر" (13/ 11) ..

- ولكن الشيخ الألباني هو حقق الحديث من طريق حكيم بن حزام .. وهذا سند ضعيف .. وإنما الألباني حسن الحديث ليس لذاته وإنما لشاهد له وجده من طريق عبد الله بن عباس ..

- ومن كلام بعض العلماء في فهم كلمة (الإسترقاء) :

1- قال الإمام نور الدين الملا الهروي القاري رحمه الله  (المتوفى: 1014هـ) :

- في حديث أسماء بنت عميس قالت ( يا رسول اللهِ إن ولد جعفر تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم فقال نعم) صحيح الترمذي .

- معنى (أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟) : أَيْ أَطْلُبُ الرُّقْيَةَ أَوْ مَنْ يَرْقِي لَهُمْ (قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ) : تَعْلِيلٌ لِلْجَوَابِ، وَمَعْنَاهُ نَعَمِ اسْتَرْقِي عَنِ الْعَيْنِ، فَإِنَّهَا أَوْلَى وَأَحْرَى بِأَنْ تُسْتَرْقَى .

مرقاة المفاتيح ج7 ص2883

2- قال الشيخ محمد الإتيوبي الولوي (حفظه الله) في شرح حديث السبعين ألف :

(وَلَا يَسْتَرْقُونَ) أي لا يطلبون من أنفسهم، ولا من غيرهم أن يرقيهم .

البحر المحيط الثجاج ج5 ص522

**************************

  

..:: س64: ما الذي يربط النهي في الحديث بين (لا يَسْتَرْقُونَ ، ولَا يَتَطَيَّرُونَ ، ولَا يَكْتَوُونَ) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- في حديث السبعين ألف كان من وصفهم (لا يَسْتَرْقُونَ، ولَا يَتَطَيَّرُونَ ، ولَا يَكْتَوُونَ) وفي رواية مسلم زيادة (لا يرقون) .. فما الذي يربط النهي في الصفات الأربعة ؟

1- سنجد أن العلة التي تربط النهي في الصفات الأربعة السابقة هو المخالفة الشرعية لصحيح الإيمان .. بدليل (الطيرة) .. التي هي شرك كما جاء في الحديث .. و(الرقية) أيضا جاء في الحديث (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا) فدل أنه قد يصاحب الرقية نوع من الشرك .. و(الكي) كان العرب يفعلونه في حال الصحة ظنا منهم أنه يمنعهم العلة والمرض اعتقاد في الكي أنه شافي ..

- فدل ذلك على أن النهي السابق للصفات السابقة هو ما كان فيه مخالفة شرعية ينكرها الشرع .. قد تؤدي إلى خلل في الإيمان والعقيدة لو اعتقدها الإنسان بما فيه مخالفة للشرع وصحيح الإيمان ..

- ولذلك ختم النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات صفة دائمة لهم فيها تعلق دائم بالله وهي التوكل ..

- فثبت بذلك أن المنهي في الصفات السابقة هو ما كان فيه مخالفة شرعية وهي تعلق القلب بالأسباب والإعتقاد فيها .. دون التعلق بالله وأنه المدبر لها ..!!

2- ولا صحة للقول الذي يقول أنك لو استخدمت العلاجات عموما سواء كانت رقية أو كي أو أي علاج .. فهذا يخرجك ويحرمك من أن تكون من السبعين ألف أو ينقص من توكلك على الله أو يقلل من إيمانك .. لأن علة النهي هي ارتكاب المخالفة الشرعية لصحيح الإيمان حين استخدام هذه الأسباب العلاجية ..!!

- فتأمل ما ذكرته لك فإنه نفيس ولم يشير إليه أحد ..!! والله أعلم .

************************

..:: س65: لماذا قال النبي (وعلى ربهم يتوكلون) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1- لما كان المنهي عنه أمور لو فعلها الإنسان بمخالفة شرعية .. تدل على خلل في عقيدته أو ضعف إيمان .. لذلك قال النبي تأكيد بعد هذا النهي السابق .. مثبتا صفة مهمة جدا لهؤلاء السبعين وهي ديمومية التوكل على الله في حياة هؤلاء .. فلا يلتفتون لغيره في قلوبهم مهما كانت حركاتهم في الظاهر ..

2- الفعل المضارع (يتوكلون) يدل على ديمومية الفعل .. أي دوام تعلق القلب بالله في كل أحوالهم صغيرة أو كبيرة ..

3- وقوله (على ربهم يتوكلون) تم تقديم المجرور على الفعل .. لبيان قصر التوكل فقط على الله .. دون الإلتفات لغيره .. وكأنهم أسقطوا عالم الأغيار عن القلب إيمانا بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ..، ويقينا بأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .. راضين بقضاء الله وقدره .. لأنه مدبر حكيم .. حكم عدل .. لأنه الحق ..!!

والله أعلم .

***************************

..:: س66: ما علاقة حديث "السبعون ألف" بالرقية ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- الحديث الذي بدأنا به هذا الفصل وهو حديث السبعون ألف .. ذكرناه لأن له علاقة برسالتنا عن الرقية .. وقد جاء فيه أن ترك الرقية والإسترقاء هو من صفات السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا عذاب ولا حساب ..

- ونجد للعلماء توجهين لهذا الحديث بصفة عامة :

1- فبعض العلماء قالوا .. لو كنت تريد أن تكون منهم فاترك طلب الرقية لنفسك أو من غيرك .. وفوض أمرك لله وهو يدبره لك .. فهذه من علامات هؤلاء السبعين ألف ..!!

- وهؤلاء جعلوا من ترك الرقية والإسترقاء هو من كمال التوكل على الله ..

2- ولكن بعض العلماء قالوا .. أن النهي في الحديث إنما هو للذين يعتقدون في الرقية ذاتها دون الإعتقاد في إذن الله بالشفاء من خلالها .. أي تعلقت قلوبهم في نفعية الرقية أو الراقي بذاته وليس من فضل الله الشافي ..، أو النهي كان عن الرقى المجهولة .. أو التي بها استعانة بغير الله ..

- وقالوا أن أخذك للرقية والإنتفاع بها لا يمنعك أن تكون من السبعين ألف .. لأنك في الحقيقة طلبت النفع من الله بالدعاء من خلال الرقية المباحة .. فهل يعاقبك بالحرمان بما أباحه لك ..؟!!

- وهؤلاء جعلوا الرقية والإسترقاء من جملة التوكل على الله ولا يقدح في توكلهم شيئا طالما قلبه متعلقا بالله في حال الرقية والإسترقاء .

- وهذا يجعلنا نبحث عن مفهوم التوكل أولا .. ثم نبحث عن حقيقة علاقة التوكل بالأسباب  .. ثم نطبق ذلك على الأحاديث .. ونرى من أصاب ومن جانبه الصواب في مسألة (ترك العلاج وفعله وعلاقته بالتوكل) .. 

*********************

..:: الفصل الثاني عشر ::..

:: العلاقة بين الرقية والتوكل على الله ::

********************

..:: س67: ما معنى (التوكل على الله) ؟ ::..

(ما هو التوكل ؟)

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..