ج1: رسالة التعريف بطريقة ومنهج المؤمنين في العلاقة مع الله - حقيقة الإيمان هو الإعتقاد بيقين فيما تعتقده عن الله - حقيقة سلوك طريق الإيمان أنه يجب ولازم فيه الإبتلاء - حقيقة إيمانية لا تغيب عنها وهي لا حول ولا قوة إلا بالله - من حقائق الإيمان هي معرفة حقيقة العبودية - من حقائق الإيمان هو معرفة حقيقة الدعاء ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة التعريف بالحقائق والضوابط الإيمانية

لطالب القرب من الحضرة الإلهية

بطريقة ومنهج أهل الإيمان في العلاقة مع الله

(أساسيات واجبة  - وضوابط لازمة)

(الجزء الأول)

(الحقائق الإيمانية الخمسة الواجب توافرها لمريد الله)

* فهرس الرسالة:

1- أولا : حقيقة الإيمان هو الإعتقاد بيقين فيما تعتقده عن الله ؟

2- ثانيا: حقيقة سلوك طريق الإيمان وجوب الإبتلاء ؟

3- ثالثا: حقيقة إيمانية لا تغيب عنها وهي وجوب التفويض والتسليم ؟ "التحقق بلا حول ولا قوة إلا بالله" ..

4- رابعا: من حقائق الإيمان هي معرفة حقيقة العبودية ؟

5- خامسا: من حقائق الإيمان هو معرفة حقيقة الدعاء ؟
6- إياك أن تنسى هذه الأحاديث الهامة جدا ؟

***************************

- بسم الله .. اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. هذه هي أحد الرسائل التي أحببت ان أكتب فيها .. وبالرغم من بساطتها جدا .. إلا أن المادة العلمية فيها تحدد لك كيف تكون حقيقة الإيمان مع الله .. أو بمعنى أدق كيف تبدأ رحلة الإيمان مع الله .. أو كيف تتحقق بالإيمان ..

- وهذه الرسالة التي أكتبها لكم الآن لها وضع خاص قليلا .. ليه ؟

- لأن البعض يريد أن يسلك طريق الإيمان ويطلب منهجا للذكر  .. وهذا شيء جميل جدا .. ولكن ما لا يعرفه البعض أن العلاقة  الإيمانية مع الله لها ضوابط .. وقبل هذه الضوابط لابد من وجود حقائق عليك أن تصححها في نفسك وإلا ستظل دائما تائه في علاقتك مع الله .. ثم هناك تنبيهات عليك أن تعرفها قبل أن تنتهج طريق الإيمان .. وهناك محاذير عليك أن تنتبه منها أثناء طريقك للإيمان .. وهناك أحوال ستصادفها يجب أن تحيط بها علما .. وكل ذلك حتى لا تتراجع عن طريق الإيمان .. !!

- فهذه الرسالة لتوضيح ومعرفة الحقائق والضوابط والتنبيهات والمحاذير والأحوال التي عليك كمؤمن أن تنتبه لها .. حتى يصح ويثبت الإيمان في قلبك بإذن الله .. حتى يستقيم حالك مع الله .. بعيدا عن الترويج لعالم الأنوار والأسرارا والكرامات .. !!

- ولا أفرض منهجي في التزكية على أحد .. فهذه الحقائق والضوابط التي سأكتبها لك .. هو طريقي وخلاصة عمري ومستمدة من الكتاب والسنة .. أحببت تدوينها لكم ولكل مريد لله ويطلب صدق العلاقة مع الله .. حيث قد لا تجد من يرشدك للإيمان الحق .. وإنما ستجد كثيرون منهم من يرشدك لحظوظ نفسك ويغويك بالكرامات .. ومنهم من يرشدك للجن والشياطين .. ونادرا من يعرفك طريق الإيمان الحق لتكون مريد لله حقا ..!! 

- واعلم أن كاتب هذه الرسالة ما كان يوما يزعم أنه عالم ولا شيخ ولا داعية ولا شيخ طريقة صوفية وليس لي عهد بأي طريقة صوفية ..!! 

- بل مجرد مسلم يجتهد في معرفة دينه .. طالما عشق كل ما يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وعشق جمال القرآن في معانية وفهم ألفاظة بقدر ما يكرمه الله به .. وأيضا لم يحب يوما أن يقف شيطانا أخرس صامتا على الباطل وهو يعلم كيف يظهر طريق الحق من بين ظلماته ..!!

- وإذا بلغك هذه الرسالة فاعلم .. أن هذه الرسالة كانت وستكون بإذن الله منهجا لأهل الإيمان في كل الأزمنة .. وخاصة أهل "مدونة الروحانيات في الإسلام" الذين قد تغيب أسمائهم وتفنى أجسادهم عن الدنيا .. ولكن اعلم أن أرواحهم تدعو لك كلما أذن لهم الله بذلك .. فلا تنساهم بالدعاء ..!!

- اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم ..

- كتب هذه الرسالة الراجي عفو ربه .. الأستاذ/ خالد أبوعوف .

- وهذا أوان البدء في كتابة ما أردت الكتابة عنه ..

****************************

(الجزء الأول)

:: خمسة حقائق إيمانية أساس العلاقة مع الله ::

بدون أن تفهمهم فلن يصح لك علاقة مع الله

* لا يصح لك علاقة مع الله بدون الإيمان بيقين .. وليس مجرد بعض معتقدات أنت تعتقدها .. وبخصوص الإنضباط في طريق الإيمان طلبا لله .. حتى تكون مريدا لله حقا وصدقا .. فعليك أن تثبت على معرفة خمسة حقائق :

- وإليك تفصيل وشرح الحقائق الخمسة السابق ذكرها في الرسم السابق ..

********************************

(1)

..:: الحقيقة الأولى : الإعتقاد بيقين ::..

* أولا : حقيقة الإيمان .. الإعتقاد بيقين فيما تعتقده عن الله ..

- اعلم رحمك الله انه لا يصح لك علاقة مع الله .. إلا بالإيمان .. ومعنى الإيمان هو الإعتقاد بيقين فيما تعتقده .. وهذا الإيمان الذي نقصده ليس أن تقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .. فهذا تصديق للألوهية .. وهذه كرامة من الله ولها مكانتها الخاصة عند الله ..

- ولكن الإيمان الذي نقصده هو الإعتقاد بيقين فيما جاءك عن إيمانك بالله ورسوله .. كيف ذلك ؟

- يقول تعالى : (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) الأنفال1 .. بالرغم من أنهم قالوا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .. ولكن أين حق الإيمان بهذا القول .. وهو العمل به .. ؟!!

- ويقول تعالى للمؤمنين بعد معركة أُحد : (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران139 .. كأن الله يقول لهم أن من شروط الإيمان بي وبرسولي هو الثبات على الحق في مواجهة أعداء الله مهما حدث لكم ..!! ولكنه يقول لهم (إن كنتم مؤمنين) بالرغم من كونهم مؤمنين فعلا .. وإنما هذا تحريض لإثبات الإيمان الحق في قلب المؤمن .. بأن ينتج ثمرة إيمانه في الوجود ليعلو بالحق على الباطل ..

* فالناس ليه بتزعل لما بقول لها .. خليك مؤمن صادق ؟!! وتكون ردودهم سخيفة ويقولون : هو أنت شايفنا كفار ..!!

- فهذه نفوس لا سبيل لعلاجها .. لأنها في حقيقة الأمر تعبد نفسها بشدة ولا تعبد الله بحق الإيمان ..!!

- فما أريدك أن تعرفه أن هناك فرق بين ما تعتقد وبين أن تؤمن بما تعتقد ..!! وهو حق الإيمان ..

* فما هو حق الإيمان ؟

- هو أن تؤمن بما تعتقده .. يقينا .. وليس كلاما .. أزاي .. عاوزين أمثلة واقعية ؟!

1- مثال :

- يعني حضرتك تعلم أن الله من أسماءه (العدل) .. فلماذا تظن وقت الإبتلاء أنه ظلمك ؟ أو تقول ما لماذا خلق الله فلان الكافر وهو يعلم أنه سيكون كافر .. ؟ ولماذا جعلني اعصي وهو يعلم أنني ساكون عاصي ثم يحاسبني على ذلك ؟!!
- لا .. أنت غلطان وتخلط المسائل على بعض .. فجعلت نفسك حاكما على أفعال الله .. فأصبحت أنت الخالق وهو المخلوق ..!! وهذا محض خبل عقلي ..!! 
- فلو كنت مؤمن أن الله الخالق هو العدل .. لكنت علمت أن قضاءه وقدره له فيه حكمة .. وطالما فيه حكمة فلن نستطيع أن ندركها لأنه منعنا أن نعلمها إلا بقدر ما يريده لنا .. فلماذا تخوض في مسألة لا علم لك بها ولم يطالبك بالبحث فيها ؟!! أليس هذا من الشك في اسمه العدل ؟!!

- فلو كنت تعتقد بيقين أنه العدل .. ما كنت تفكر أبدا في هذه الأسئلة ..!!

- ففرق بين أن تعرف أن عدل .. وبين أن تعتقد يقينا أنه عدل ..!! فهذا هو الإيمان الحق بالله ..

2- مثال آخر :

- أنت تعلم أنه غفور رحيم .. ولكن مع ذلك .. تجعل الذنب وكأنه حجاب بينك وبين الله .. وبدلا من أن يكون سببا في رفع الهمة والعزيمة والعمل مع الله .. أنت جعلته سببا للإحباط والتراجع في العلاقة مع الله .. لأنك لم تؤمن يقينا بأن الله غفور رحيم ..!! ولو كنت مؤمن في الله بيقين بانه غفور رحيم ما كنت تعلقت بالذنب وجعلته حجاب لك بينك وبين الله ..!!

- وفي الحديث الذي يعلمه كثير من المسلمين .. سنجد أن اليقين مهم جدا في مسألة الغفران .. حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ ..... قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ) صحيح البخاري ..

- فهل أنت الآن موقن أي على يقين تام بأنه يغفر الذنوب وبكل ما دعوت به ؟!! فلماذا تجعل الذنب حجاب يمنعك من العمل مع الله ؟!!

3- مثال آخر:

- هل حضرتك تؤمن بالقضاء خيره وشره .. متأكد ؟!!

- لو كنت تؤمن بيقين .. أن الله هو النافع وهو الضار وهو المعطي وهو المانع وهو الباسط وهو القابض .. لكنت توكلت على الله بحق وبصدق ..!!

- لأن التوكل هو الرضا بالقضاء والقدر قبل الفعل وأثناء الفعل وبما يترتب على هذا الفعل .. وكنت شعرت بلطف الله مصاحب ليك كلما زاد الإبتلاء ..

- وطالما المنع والقبض والضر حدث معك بلا إرادة منك ولا سببية عنك (يعني احداث ليس لك يد فيها كالمرض واتهامات الناس لك بالباطل ورفضك للقبول بعمل أو ما شابه ذلك) .. فاعلم أن لله فيه حكمة أن فعل ذلك بك .. سواء علمت الحكمة أم لم تعلمها ..

4- مثال آخر :

- أنت تعلم أن الله سميع وعليم .. مش كده ؟

- يبقى ليه بتشك أنك لو كلمت الله في نفسك .. أنه لا يسمعك ولا يعلم بحالك .. أو أن الملائكة لا تكتب حسنات .. أو ما شابه هذه الأفكار الغريبة ..!!

- وحينما نقول لإنسان اذكر الله في قلبك أو داخل نفسك .. يظن أن الله لا يسمعه ولا يعلم بحاله .. بل ويتجرأ قائلا بحكم غيبي: بأن الملائكة لا تكتب ما يدور في نفسه .. !! جاب منين الحكم ده ؟!! إذا كان :

* في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله تعالى يقول للحفظة. إذا هم عبدي بسيئة فلا  تكتبوها . فإن عملها فاكتبوها سيئة . وإذا هم بحسنة فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشراً) صحيح البخاري ومسلم .!! .. والهمّ بفعل الحسنة أو فعل السيئة هو عزم القلب وتصميمه على الفعل وتوجهه إلى تنفيذه .

* وصلى الله عليه وسلم قال (الأعمال بالنيات) صحيح البخاري .. يبقى النوايا عمل .. بالرغم من أن النية هي حال نفسي في باطن الإنسان .. ولكن الرسول حكم أنها عمل .. وطالما هي عمل .. يبقى الملائكة بتكتبه ..!!

- يعني ارحموا أنفسكم من الأفكار التي لا وجود لها في الدين .. ولا تصدقوا من يحرم العباد من لذة مناجاة الله ..!!

* يا أخي اجعل عندك يقين بكلام الله فهو يقول لك: (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) البقرة284 .. وفي الحديث القدسي: (يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي) صحيح البخاري ..!!

* يخبرنا ربنا عن مناجاة سيدنا عيسى له وهو يقول: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) المائدة116 ..

- فلو كنت مؤمن بيقين أن الله سميع لظاهرك وباطنك وعليم بحالك .. فلماذا تشك في مناجاتك لله في نفسك ..؟!!

5- مثال آخر :

- مش أنت مؤمن أن الله مجيب الدعاء ؟

- يبقى ليه حينما يمنعك إجابة الدعاء .. تقول هو لم يجيب دعائي ..؟!! هوه أنت بتناقض نفسك ؟!!

- ما هو يا إما أنت مؤمن بهذا الإسم الإلهي .. أو غير مؤمن ؟!!

وقلنا هناك فرق بين أن تعتقد .. وبين أن تعتقد بيقين ..!!

- فيبقى لو كنت معتقد بيقين أنه مجيب الدعاء .. ما كنت تشك أبدا في أنه سيعوض عليك عبادتك في الدعاء بطريقة ما أو بأخرى .. فهو له طرقه الخاصة وتدبيره الخاص في الوصول إليك بافضاله وكراماته ..!!

6- مثال آخر:

- حضرتك مؤمن أن الله هو الباسط .. مش كده ؟

- لكن لما بيضيق عليك الحال .. يبدأ الإضطراب النفسي .. مع أنك مؤمن أنه هو الباسط .. !!

- والغريب أنك آمنت أنه هو القابض (حكم عليك بالضيق) بدليل انزعاجك من ضيق الحال .. لدرجة أنك قد تنفعل غضبا فتقول: (أنت بتعمل فيه ليه كده يارب) .. ولكنك لم تؤمن بأنه الباسط فتقول (ابسطها يارب) أو افرجها يارب ..!!

7- مثال أخير:

- لماذا الملحد بيكون ملحد بالرغم من أنه كان بيقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ؟

- لأنه لم يكن مؤمن بما ينطق به أو لا يعتقد بيقين .. لأنه لو كان مؤمن ما دخل في قلبه الشك .. ولكن لما دخل في قلبه الشك .. كان ذلك دليل على سلب الإيمان منه لأنه في الحقيقة هو غير مؤمن بيقين فيما عرفه عن الله ورسول الله ..!!

*******************************

(2)

..:: الحقيقة الثانية : وجوب الإبتلاء ::..

ثانيا: حقيقة سلوك طريق الإيمان .. أنه يجب ولازم فيه الإبتلاء :

- طريق الله يغلب فيه الابتلاء ويزيد كلما زدت في العلاقة مع الله .. وليس كما يقول لك البعض مقولة .. (صلي عشان ربنا يكرمك في حياتك) .. لا .. هذه مقولة وإن كان ظاهرها صحيح .. ولكن يتم توجيهها للناس بطريقة خاطئة على أن الإكرام هو العطاء والرزق والبسط في الحياة .. وهذا توجيه خاطيء من القائل وفهم خاطيء من المتلقي .. ليه ؟

1- لأن الإكرام يكون في العطاء وفي المنع .. لأن الله قد يمنعك عن شر أنت ذاهب إليه وكنت تحسبه خير .. أو يوجهك لعمل الخيرات وترك المنكرات .. وذلك إكراما لك على عبادتك له من باب الإحسان إليك .. وهذه ثمرة العبادة وليس أجر العبادة ..

2- ولكن جزاء العبادة وأجرها الحقيقي في الآخرة وليس في الدنيا .. ولكن من شروط صدق الإيمان أنك كلما اقتربت من الله كلما زاد الإبتلاء عليك إما لإختبار إيمانك ورفعة مقامك .. وإما تطهيرا لذنوبك .. وإما لتنكشف لك حقيقة إيمانك بوجود خلل .. فتصحح الخلل الإيماني الموجود الذي ظهر وانكشف وقت الإبتلاء ..

- ولذلك اعلم أخي الحبيب .. أنك لو أعلنت الإيمان الصادق مع الله والتزمت بعبوديتك له .. فاستعد للإبتلاء والفتنة لتنكشف لك حقيقة إيمانك أمام نفسك .. هكذا أخبرنا رب العالمين .. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) العنكبوت2 ..

- ويقول سعد بن أبي وقاص : (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: " الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) صحيح الترمذي .

- معنى (الأمثل) : أي الأعلى رتبة ومقام .. والذي فيه خيرية إيمانية أعلى من الآخر ..

- يقول صلى الله عليه وسلم : (إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم ، فمن رضى فله الرضا ، ومن سخط فله السخط )

- وقال صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة ، فما يبلغها بعمل ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها) رواه أبو يعلى وبن حبان .. وذكره الألباني في الصحيحة.

- ولا تنسى أن الإبتلاء بوقف الحال وضيق الحال وقلة الحيلة يحدث لأن الله أراد ذلك .. وليس لأن الشيطان هو من فعل ذلك .. يقول تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة155 ..

* الخلاصة .. أن من حقائق الإيمان .. هو نزول الإبتلاء بالمؤمن .. فكن موقنا بذلك .. واستعد للإبتلاء طالما قررت أن تكون مؤمنا حقا ..!!

* وأقرب قصة أحكيها لكم .. كمثال واقعي وعملي من القرآن .. يدل على حقيقة الإيمان بنزول الإبتلاء ..

- قصة سحرة فرعون ..

- ماذا فعل السحرة بعد أن ظهر الحق وعلموا أن موسى رسول الله ؟

يقول تعالى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى . قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى . قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) طه69-73 ..

- تأمل ماذا حدث بعد أن قالوا (آمنا) .. قال فرعون (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) .. وهنا الإبتلاء والإختبار والفتنة لكشف حقيقة الإيمان ..!!

- والبعض يقول : طالما آمنوا لماذا لم يحميهم الله ؟

- فأقول لهم : لقد حماهم الله بالفعل ولكنك لم تبصر ..!! حيث ثبتهم على الإيمان بالحق وغفر لهم خطاياهم .. وتركوا الدنيا وتعلقوا بالله (والله خير وأبقى)

- والبعض يقول : لماذا لم يقل السحرة كلمة الكفر ليهربوا من العقاب .. ولا حرج لأن قلوبهم مؤمنة ؟

- فأقول لهم: لأنهم لم ينظروا للدنيا وإنما نظروا إلى الله .. فلماذا يهربون وإلى ماذا يهربون .. وهم بالفعل قد فروا إلى الله بقلوبهم ولم يعد للدنيا في قلوبهم ولو نظرة ..؟!!

- والمؤمن وقت الإبتلاء .. لا يقول : لماذا يحدث هذا يا ألله ؟ وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله .. من الله وإلى الله ومع الله وبالله ..

- فمن الله الإبتلاء – وإلى الله الرجاء – ومع الله بالإيمان – وبالله نعتصم في كل حال ... ولا حول ولا قوة إلا بالله .

  

************************************

(3)

..:: الحقيقة الثالثة : التفويض والتسليم ::..
"التحقيق بلا حول ولا قوة إلا بالله"

* ثالثا: حقيقة إيمانية لا تغيب عنها : لا حول ولا قوة إلا بالله ..

- البعض يتوهم أن له قدرة فاعلة له من ذاته على تحقيق أي شيء .. وهذا شيء مضحك .. لأن أبسط شيء أقوله لهذا الغافل عن حقيقة نفسه .. هو : لماذا لم تمنع عنك المرض ؟ ولماذا لم تمنع عنك الموت ؟

- فمن السهل ان تقول للآخر (خلي عندك عزيمة) أو تقول له (غير من قدرك) .. ومن السهل أن تحكم على الناس وأنت جالس أمام التكييف بصحة جيدة وأحوالك طيبة .. ولكن حينما ينقلب الأمر عليك تقول : أنت ما تعرفوش إيه بيحصلي ؟!!

- في عقيدتنا نعلم العزيمة لا تكون إلا بالله والمدد والمعونة من الله .. لأن الله هو القيوم على كل شيء .. !! فكل شيء يكون بحوله وقوته ..!!

- فاجعل نصيحتك لغيرك أن تكون عزيمته بالله وليس من نفسه .. يعني يطلب من الله المدد .. كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك) صحيح أبي داوود ..

- فالإيمان الحق يفرض عليك أن تعتقد بيقين أنه لا حول ولا قوة إلا بالله .. أي لا قدرة فاعلة في الكون كله بفعل النفع أو دفع الضر إلا إن صدر الإذن الإلهي بحدوث هذا الأمر ..!!

- وطالما لا حول ولا قوة إلا بالله .. يبقى التفويض أقوى سلاح للمؤمن ممكن يقابل بيه سيف القضاء والقدر ..

- وكأنك تقول (أعُوذُ بكَ منكَ) أي (أعوذ بجمالك من جلالك) ..

- فإذا جاءك القدر بأمواج الإبتلاء فاركب سفينة التسليم والتفويض ..!!

- وإذا وجدت القدر نزل عليك بسيف القهر .. فقابله بدرع اللطف .. وتوسل إليه باسمه اللطيف ..

- وإذا وجدت في قلبك يقينا أنه لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه .. فاعلم يقينا أن بين يديك اسم الله الأعظم .. الذي هو حقيقته السكون الدائم لله في قلبك ..!!

- لذلك ييعلم النبي صلى الله عليه وسلم أبي موسى الأشعري فيقول له: (قُلْ لا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، فإنَّهَا كَنْزٌ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ) صحيح البخاري .

- وهي كنز من الجنة .. لأنها قد تكون سببا لدخولك الجنة .. وقد تكون سببا لدخولك جنة المعرفة الربانية وتعلم الحكمة بسبب ما يترتب عليك من تجليات هذا التفويض ..

- لأنك بدوام التفويض والتسليم لما يجري به القدر (عن غلبة عنك) .. تكون قد تسببت بحدوث تجلي عليك باسم الله الحسيب والوكيل والكفيل .. لأن هذه الأسماء لا يظهر تجليها عليك إلا بالتفويض والتسليم لما يجري به القدر .. !!

- لذلك حينما فوض المؤمنون الأمر لله وجدوا فضل الله .. (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آل عمران173-174

- ولما فوض مؤمن آل فرعون الأمر لله أنجاه الله .. (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) غافر44-45 .

- وما أجمل التفويض والتسليم في دعاء حبيبنا صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، ووَجَّهْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ ولا مَنْجا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ) صحيح البخاري .

- اضحك مع الجهلاء :

- حينما تقول لشخص تحسبه على خير : تعلم مناجاة الله وتذوق بجمال العلاقة مع الله في أسماءه وصفاته وتذوق هذا الدعاء الجميل (أعوذ بك منك) ؟

- فيقول لك : ما هذا الضلال ؟!! هو أنت بتكلم ربنا كده إزاي ؟ أنت شكلك صوفي ؟!! إزاي تتجرأ وتستعيذ من الله .. إيه الفجور ده ؟!! وإيه "منك" دي .. هو أنت بتكلم واحد صاحبك ؟!!

- ولو كان هذا الشخص تأدب وسأل من أين هذا الدعاء .. لكان خيرا له .. ولكنه ارتضى بالجهل شعارا له في الحياة وعقيدة يأنس بها في نفسه .. بل وقد يضل بها غيره .. فيكون من الأخسرين أعمالا .. !!

- وهذا الدعاء الذي ذكرته سابقا (أعوذ بك منك) هو جزء دعاء نبوي .. وأوله (اللهمَّ إني أعوذُ برضاك من سخطِك ، و بمعافاتِك من عقوبتِك ، و أعوذُ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسِك) صحيح مسلم .

- وحتى يستقيم لك التفويض فلا يكون ذلك إلا بفهمك لعبودية الله ..

******************************

(4)

..:: الحقيقة الرابعة : العبودية لله ثوابها في الآخرة ::..

* رابعا: من حقائق الإيمان هي معرفة حقيقة العبودية .. التي هي مقام عند الله وعمل يكافئك عليه في الآخرة :

- إعلم أن من تعامل مع الله بصدق العبودية .. فقد سمح لقلبه بنزول الفيوضات الربانية .. ، من تعامل مع الله بالشهوة النفسية .. فقد منع قلبه من الإمدادات الربانية ..!!

- وحقيقة العبودية : هي استقامة القلب مع مولاه .. أو تقول : لا إلتفات لمنع ولا عطاء ولا لقبض أو بسط ولا لنفع أو ضر .. وذلك لإنشغال قلبك بالقيوم المانع المعطي القابض الباسط النافع الضار .

- والعبودية عند عموم المؤمنين: تقول هي الخضوع الكامل طلبا للقرب من الله لأنه يستحق ذلك .. لأنه خالقنا ومولانا .. وقد وعدنا لو أطعناه بالجنة والنعيم الأبدي ..

* والعبودية عند قلوب المحبين .. هو طلب القرب بلا عوض إلا من حيث  فضله وما يجود به عليهم دون طلب منهم .. يعني لا يشغلهم أنه سبحانه أعطاهم أو منعهم .. طالما أبقاهم في حضرته ومعيته سبحانه تعالى ..

* فإذا قابلت شخص : يقول لك أنه يصلى ويصوم ويقرأ قرآن ويشكو أحواله .. ويظل يتعبد لله على سبيل التجربة على أمل أن تكون هذه العبادة سبب للعطاء ..!! فهذا لا يتعبد لله وإنما يجرب حظه مع العبادات ..!! ولم يطلب الله تعبدا لله حقا ..!!

* حاول أن تفهم علاقة العبودية مع الله :

- العبودية هي مقام (وظيفة) عند الله .. أجرها وحوافزها وعمولتها وبركتها ومضاعفاتها وترقياتها ومقاماتها .. تأخذه بعد الممات .. كما يقول تعالى : (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة72 .

- والعبودية ليس لها أجر في الدنيا إلا بمددين :

1- مدد معنوي في قلبك .. كسكينة وراحة بال ورضا قلبي .. لو آمنت بحق ورضيت بقضاءه وقدره ولم تسخط .. كما يقول تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل97 .. والحياة الطيبة المقصود بها الإيمان الصادق والعمل مع الله كما يحب الله ويرضى ..

2- مدد وجودي .. وقد يعطيك الله من فضل كرامته جزاء إيمانك الصادق وعملك الصالح ..  كما يقول تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور55 ..

- واعلم يقينا .. أن العبودية لله – على حرف :

لا تجلب لك وظيفة .. ولا تدفع عنك بلاء .. ولا تأتيك بعروسة .. ولا تزيد من رزقك .. ولا تفتح لك أبواب .. ولا تغلق لك أبواب .. ولا تأتيك بمرائي (رؤيات) .. ولا تمنع شيطان من الوصول إليك (لأنه جزء من ابتلاءك في الحياة كالمرض) .. ولا تمنع عنك مرض .. ولا تجعلك تطير في الهواء ولا تمشي على الماء .. ولا تفتح لك كشف روحاني ولا تغلق لك كشف روحاني ..

- فكل ما سبق لا علاقة له بعبودية الحق سبحانه .. وإنما له علاقة بعبودية الحرف .. !!

* ما هي عبودية الحرف ؟

يقول تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج11.

- فاعمل على عبودية الله بحق .. ولا تعبد الله على حرف .. أي طلبا للعطاء – يعني لا تعبده علشان يعطيك ما تريد فقط .. فإذا لم يعطيك فتقول هو إله غير موجود .. أو تقول : ليه بتعمل في كده يارب ..!!  او ما شابه ذلك ... لا .. فهذه عبودية منحرفة وضالة .. وتدل على نفسية فاسدة ممتلئة بالأنانية وحب النفس .. لأنك تعبد النافع المعطي الباسط .. وجحدت عبودية الضار المانع القابض .. كأنك تعبد إله على مزاجك وهواك .. فأنت في الحقيقة تعبد هواك ولا تعبد الله ..

- فاعمل على أن تكون عبد لله .. وأن العبودية وظيفة في الدنيا .. واعلم أن أجرك في الآخرة وليس في الدنيا .. وتذكر قوله تعالى  (وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) المائدة9

* ختاما انتبه .. فالعبودية تشريف:

- لو لم يكن النبي قائم بالعبودية دائما ظاهرا وباطنا في كل الأوقات .. ما كان ليكون خلقه القرآن .. وما كان ليبيت عند ربه يطعمه ويسقيه .. وما كان لتنام عينه ولا ينام قلبه .. وما كان ليرى ربه .. وما كان ليدخل حضرة قاب قوسين أو أدنى .. وما كان الله ليسمح للنبي بالسجود بين يديه يوم القيامة حيث لا تكليف .. لأنه النبي الأمي المتعلق بجناب الله .. في ظاهره وفي باطنه ..!!

- ولذلك هو الإنسان الكامل .. صلى الله عليه وسلم

..

- فهل آن الأوان لك لتتبع رسول الله .. وتكون عبدا لله مؤمنا به حقا ..؟!!

- ولما كان من حقوق العبودية هو أن تدعو الله وتطلب منه .. لقوله تعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً) الفرقان77 ..  

- فكان لازم عليك أن تفهم حقيقة الدعاء ..

***********************************

(5)

..:: خامسا: حقيقة الدعاء ::..

* خامسا: من حقائق الإيمان هو معرفة حقيقة الدعاء ..

- يجب أن تفهم جيدا أن مقولة (ادعي ربنا وهو سيستجيب لك على طول) .. هي مقولة خاطئة أيضا .. وقد تقول ولكن الله يقول (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر60 .. ويقول تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة186 ..

- فأقول لك : كلام الله هو الحق والصدق .. ولكنك لم تفهم كلام الله إلا على مزاجك وليس بما قاله لك .. فالله وعدك بالإجابة ولكنه لم يخبرك متى وكيف ؟!!

- فكن مؤمنا وافهم أنك كعبد لله أنت تدعو وتطلب وترجو وتسأل الله من فضله .. ولكن متى يستجيب ؟ وبأي كيفية سيستجيب (يعني هل سيعطيك ما طلبت فعلا – أم سيكافئك على دعاءك في الآخرة – أم سيدفع عنك من البلاء بقدر ما دعوت) .. فهناك احتمالات ثلاثة لكيفية إجابة الدعاء .. !!

- يقول صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا " قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: " اللهُ أَكْثَرُ). رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط : إسناده جيد .. وذكره الألباني في الصحيحة .

- معنى (الله أكثر) : أي: فضله وعطاؤه أكثر من دعائكم ..

* انتبه : ولا تقل دعوت ولم يستجاب لي .. :

- لأن هذا يخرج من قلبك الإيمان  ويصرفك عن عبودية الله .. يقول صلى الله عليه وسلم (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما الاسْتِعْجَالُ؟ قالَ: يقولُ: قدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذلكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) صحيح مسلم .

- ولذلك حينما تدعو الله أو تطلب من الله شيئا فاعلم يقينا في قلبك .. أن الأمور تحدث في الوقت الذي يريد وليس في الوقت الذي أنت تريد .. وبالكيفية التي يريد وليس بالكيفية التي تريد .. فهو الرب ونحن العبيد .. سبحانه فعال لما يريد بما يريد وقتما يريد كيفما يريد ..!!

- فلك الحق أن تدعوه وتطلب منه وتسأله من فضله .. ولكن مع رضا قلبي بما يترتب على هذا الدعاء من عطاء أو منع .. لأنه فعال لما يريد .. ولا يوجد شيء اسمه (انا دعيت ولم يحدث شيء) .. فهذا دليل على غلبة النفس وأنها كانت تعبد الله على حرف طمعا في العطاء .. ولم تعبد الله المعطي المانع النافع الضار .. فانتبه وافهم ما قلته لك جيدا .

* فإذا أكرمك الله وفهمت ما ذكرته لك سابقا من ضوابط إيمانية .. وأيقنته وعشت بهذه الضوابط مع الله وأنت تعبده لا تنتظر شيء إلا رضوانه ومغفرته ولقاءه في الآخرة .. فأبشر بالثبات على الإيمان إلى يوم أن تلقاه .. بل ومؤيد بمدد من الله في قلبك بالثبات نتيجة إيمانك الصادق ..

*********************************

* الخلاصة للحقائق الخمسة السابقة *

- هذه الحقائق الخمسة هي أصل لمنهجنا في التعامل مع الله وأصل لطريقتنا في علاقتنا مع الله .. ولن نستطيع أن نساعدك في علاقتك مع الله إذا لم تؤمن بيقين فيما أخبرتك به سابقا .. وكيف يمكن مساعدتك وأنت تعتقد غالبا بمعتقدات دينية لا وجود لها في الدين وتريد تحقيقها ..؟!! .. والمصيبة أنك تعتقد أنك عارف ربنا ومتدين ..!!

- فإن كنت تظن أنك بغير اليقين بالحقائق الخمسة السابقة .. تستطيع أن تكون مؤمن لمجرد قراءة قرآن أو صلاة .. فأنت واهم تماما ومخدوع ..!! إنما الوسائل الإلهية من صلاة وصيام وقرآن .. تأتي بثمارها لو آمنت بما أرشدتك إليه .. ما عدا ذلك .. فهيهات هيهات ..!! ستعيش في اضطراب دائم ولو ختمت القرآن كل يوم .. ولعل قاريء للقرآن والقرآن يلعنه لأنه يعمل خلاف ما يأمره به الله ..!!

- وإليك نماذج سأذكرها لك فلا تنساها أبدا ..

********************************

* إياك أن تنسى هذه الأحاديث الهامة جدا *

(لا تغتر بكثرة أعمالك – ولكن افتخر بإخلاصك مع الله)

1- المفلس الذي يزعم أنه متدين وقد شتم وقذف أعراض وأكل ميراث واستباح دماء وأذى الناس :

- قال صلى الله عليه وسلم (أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ .. فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا ... فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه .. أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ) صحيح مسلم .

2- سليط اللسان سواء بقلة الأدب أو الغيبة فيهم والنميمة بينهم :

- قال أبو هريرة: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: " هِيَ فِي النَّارِ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ) رواه أحمد وقال الأرنؤوط: إسناده حسن .. وذكره الألباني في صحيح الأدب المفرد .

- معنى (الأثوار من الأقط) : قطع من اللبن المجفف .. مثل الجبنة القريش ..

3- ولا تنسى أن خير الأعمال ما كان بينك وبين الله ولم يطلع عليه أحد :

- يقول صلى الله عليه وسلم: (غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ، مَرَّتْ بكَلْبٍ علَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فأوْثَقَتْهُ بخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ له مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بذلكَ) صحيح البخاري .

- معنى (مومس) : أي امرأة اتخذت من الزنا مهنة لها وتأكل من ورائها ..

- معنى (ركي) : بئر ماء ..

- معنى (خفها) : أي حذائها ..

- معنى (خمارها) : أي خلعت طرحت كانت عليها .. فجعلته كحبل وربطته بحذائها وأنزلته البئر ليجتمع فيه الماء .. ليكون مثل كوب الماء الذي يشرب من الكلب ..

**********************

- الخلاصة :

* لا تظن أن مجرد حركات عبادتك هي نجاتك .. لا .. وإنما إخلاصك في العبادة هو نجاتك .. والعاقبة للمتقين ..!!

* فإذا علمت الحقائق السابقة جيدا .. فاعلم أن لنا ضوابط في طريقتنا ومنهجنا نلتزم بها .. لو أردت أن تسلك منهجنا في العمل مع الله ..

******************************

(الجزء الثاني)

ضوابط لطالب الطريق إلى الله ويتعبد بالذكر

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..

(الحقائق الإيمانية الخمسة الواجب توافرها لمريد الله)