ج6: رسالة التعريف بالحقائق والضوابط والتنبيهات الإيمانية - لا سعي في طريق الإيمان بدون حسن خلق ومجاهدة وهجرة - العبادة عمل شاق على النفس فاصطبر عليها - لا تتهم الله في أفعاله - هو النافع الضار – المعطي المانع – القابض الباسط - حكم عدل - مدبر حكيم - لا تشك في الله أو رسول الله - لتعلق بالله يمنعك عن التعلق بالأسباب - اعتصم بالله ليهديك صراطا مستقيما - لا سبيل للوصول بدون اتباع الرسول - لا تهجر القرآن بل اقرأ واعمل به - ما معنى (لا تجفوا عنه - لا تغلو فيه - لا تأكلوا به - لا تستكثروا به) - إذا جلست بين يدي مولاك فاجلس كما الأحباب.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة التعريف بالحقائق والضوابط الإيمانية

لطالب القرب من الحضرة الإلهية

طريقة ومنهج أهل الإيمان في العلاقة مع الله

(أساسيات واجبة  - وضوابط لازمة – وأصول ثابتة  - وتنبيهات هامة)

(الجزء السادس)

1- تنبيهات إيمانية هامة عليك أن تعرفها أثناء سلوك منهج أهل الإيمان -

* فهرس :

::الجزء السادس:: تنبيهات إيمانية هامة عليك أن تعرفها أثناء سلوك منهج أهل الإيمان ..

 ::الفصل الأول : تنبيهات عامة ::

1- (التنبيه الأول):لا سعي في طريق الإيمان بدون حسن خلق ولا مجاهدة ولا هجرة ؟

2- (التنبيه الثاني(: العبادة عمل شاق على النفس فاصطبر عليها ؟

3- (التنبيه الثالث): لا تتهم الله في أفعاله - هو النافع الضار – المعطي المانع – القابض الباسط - حكم عدل - مدبر حكيم ؟

4- (التنبيه الرابع): لا تشك في الله أو رسول الله ؟

5- (التنبيه الخامس): التعلق بالله يمنعك عن التعلق بالأسباب ؟

6- (التنبيه السادس): اعتصم بالله ليهديك صراطا مستقيما ؟

7- (التنبيه السابع): لا سبيل للوصول بدون اتباع الرسول ؟

8- (التنبيه الثامن): لا تهجر القرآن – بل اقرأ واعمل به ؟ - ما معنى (لا تجفوا عنه -  لا تغلو فيه - لا تأكلوا به - لا تستكثروا به)

9- (التنبيه التاسع): إذا جلست بين يدي مولاك فاجلس كما الأحباب ؟

 *************************

(الجزء السادس)

 ********************************

:: الفصل الأول ::

..:: أولا: تنبيهات عامة ::..

***********************************

..:: مقدمة ::..

- أخي الحبيب .. إذا علمت الحقائق الخمسة والضوابط اللازمة في عبادتك ومعاملاتك .. وعلمت الأصلين الواجب عليك أن لا تنساهم أبدا وأنت في طريق الإيمان طلبا لله .

- فأحببت أن أنبهك لبعض التنبيهات الواجب عليك أن لا تنساها وتتمسك بها وتعتقدها .. حتى تفهم حقيقة طريق الإيمان الذي تسير فيه .

*******************************

(التنبيه الأول)

(لا سعي في طريق الإيمان بدون حُسن خلق ومجاهدة وهجرة)

* أخي الحبيب ..

 - يقول تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال2-4.

- معنى (وجلت قلوبهم): أي اضربت خوفا من جلالة وانتفضت رجاء في جماله ..

* ويقول تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال2 .

- معنى (الوجل): هو الخوف من أن لا تقبل منهم الأعمال الصالحة .. لأن المؤمن ينظر لأعماله بعين التقصير وليس بعين الكمال ..!! ويصاحب هذا الخوف أيضا رجاء بالقبول ..

* وقال النبي - صلى الله عليه وسلم : (ذاقَ طعمَ الإيمانِ ، من رضيَ باللَّهِ ربًّا ، وبالإسلامِ دينًا ، وبمحمَّدٍ رسولًا) صحيح مسلم .

- معنى (الرضا بالله والإسلام والرسول) : هو الخضوع لمراد الله منك وقبول التشريع واتباع الرسول برضا ..

- أخي الحبيب .. من الجميل للمؤمن أن يتذوق الإيمان في قلبه ويشعر به .. لأنه يشعر معه بمعاني جديدة في الحياة أهمها الرضا والطمأنينة .. بل يصبح قلبه قابلا لزيادة الإيمان لأنه في دوام توكل على الله .. 

- والسؤال الآن : كيف تصل لتذوق الإيمان والإحساس به حتى تجد لذكر الله وعلاقتك مع الله ثمرة في قلبك ويزداد الإيمان في قلبك ؟

- أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) صحيح البخاري.

- فبوجود ثلاث صفات في الإنسان المؤمن لو اجتمعوا سيجد طعم الإيمان في قلبه ..  وهي حب الله ورسوله – الإخلاص في المعاملة – كراهية العودة إلى النفس الأمارة بالسوء طلبا للعصيان والجحود مرة أخرى ..

* ولكن كيف نصل للمحبة والإخلاص في المعاملة ونبغض كفر الجحود وكفر النعمة ..؟!!

- يوجد حديث من إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم .. قد ذكره قبل موته بقليل على الملأ من الناس في حجة الوداع .. ليرشدنا بكيفية سلوك الطريق إلى الله .. من خلال توجيه لطيف جدا في الدين والدنيا .. بأبسط عبارة ..

- عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ) رواه الحاكم والطبراني وبن حبان .. وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة .. وقال الأرنؤوط في تخريج صحيح بن حبان :إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

* تنبيه : لقد اجتهدت في شرح الحديث السابق كما سيأتي بيانه .. حيث لم أجد له شرح معتبر يظهر الجمال الذي في إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم .. فضلا عن أنه لا شرح له بالرواية الكاملة التي سأذكرها لكم .. وإنما الشرح على الروايات المختصرة الآتي ذكرها .. والله أعلم .!!

- وعبد الله بن عمرو: (إنَّ المُهاجرَ مَن هجرَ ما نَهَى اللَّهُ عنهُ والمسلمُ مَن سلِمَ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط:  إسناده صحيح على شرط الشيخين

- وفي رواية بلفظ: (المهاجرُ مَن هجَر السَّيِّئاتِ والمسلِمُ مَن سلِم المسلِمون مِن لسانِه ويدِه) صحيح بن حبان ..قال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم

* أخي الحبيب :

- اعلم أن صدق طريق الإيمان طلبا لله .. نفهمه من خلال حديث النبي صلى الله عليه وسلم .. لا يكون إلا بطريقين .. وهما مجموع أبواب الشريعة من (المعاملات والعبادت):

أولا : طريق الإيمان بالمعاملات .. وله طريقين :

1- الطريق الأول: هو أن تكون أمينا وأمانا في علاقتك مع الناس .. فلا تخونهم ولا تخيفهم في أموالهم ولا أنفسهم وأعراضهم .. فمن كان أمينًا بحيث يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم ولا يخاف منه أحد فهو المؤمن حقا ..

- الطريق الثاني: هو أن لا تكون مؤذيا لهم بلسانك أو بيدك .. سواء بكلمة سوء من لسانك أو بفعل سوء من يدك .. وهذا هو المسلم حقا .

- والطريق الأول معناه : أن يُحسن إلى الناس .. بإظهار الخير لهم ..

- والطريق الثاني معناه : أن لا يسيء إلى الناس .. بمنع الشر عنهم ..

- فالطريق الأول طريق إيجاب للخير .. والطريق الثاني طريق سلب للشر ..

* أخي الحبيب .. لا يخفى عليك أن طريق المعاملات هو طريق حسن الخلق .. وعن حُسن الخلق يقول صلى الله عليه وسلم: (ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ) صحيح الترمذي.

- والمقصد بالصلاة والصوم في الحديث : هما النوافل وليس الفرائض .. أي أن صاحب حسن الخلق يبلغ درجة ومقام المُكثِرِ مِن صيامِ النَّفْلِ وصلاةِ التَّطوُّعِ ..

ثانيا : طريق الإيمان بالعبادات .. وله طريقين:

1- الطريق الأول: أن تجاهد نفسك الأمارة بالسوء حتى تستقيم في علاقتك مع الله .. فتجتهد في صرف هواها لما يحبه الله ورسوله .. فتقوم بتنفيذ ما أراده الله منك ولو كراهة منك في البداية .. حتى تستقيم نفسك وتتعود على الطاعة وتخضع لمراد الله ..

- ولا يخفى أنه طالما هناك مجاهدة .. سيكون هناك جهد مبذول وتعب ومقاومة بينك وبين نفسك .. فاطلب العون دائما من الله على نفسك لأنك لا طاقة لك على مجاهدة نفسك بنفسك .. وإنما مجاهدة نفسك تكون بطلب معونة الله لك ..

2- الطريق الثاني: وهو أن تهجر أي تترك وتتحرر من الذنوب المتكررة والخطايا المتعمدة .. طاعة لله وحبا فيه .. إذا أردت تصحيح لمسارك الإيماني .. فإن غلبتك معصية فلا تيأس ولا ترجع .. بل أكمل وجاهد حتى تستقيم هجرتك إلى الله قدر المستطاع .. ومهما غلبتك شهوتك وانحرفت بها وفعلت خطأ .. فارجع وقف وأكمل هجرتك .. فكل خطوة تخطو بها في هجرتك لله .. هي خطوة نحو مرتبة ودرجة ومنزلة تقربك من الجنة وتبعدك عن النار .

  

* والطريق الأول طريق إيجاب بفعل الطاعة .. والطريق الثاني طريق سلب بمنع المعصية ..

* الخلاصة لما سبق .. أنه لا يصح لك طريق للإيمان طلبا لله بدون الطرق الأربعة السابقة الخاصة بالعبادات والمعاملات .. وبقدر ما تنقص منهما بقدر ما يكون النقص في طريقك إلى الله .. فافهم ..!!

* وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بطريق المعاملات .. لبيان أهمية طريق المعاملات مع الناس .. وأنه لا يستقيم لك وصف الإسلام والإيمان إلا بحسن الخلق مع الناس .. ولا يستقيم لك طريق إلى الله إلا بمجاهدة النفس بفعل الطاعة وهجر المعصية ..

* ملحوظة :

- هناك رواية قد تجدها في بعض الكتب وهي بلفظ (المُهاجِرُ مَن هجَرَ السُّوءَ، والمُجاهِدُ مَن جاهَدَ هواهُ) .. وهذه رواية بمعنى الحديث السابق ولكنها ليست بلفظ الحديث .. فلا يصح أن تقول على هذه الرواية السابقة بعد ما جاءك من العلم .. أن من قالها هو رسول الله .. وإلا ستكون كذبت .. فانتبه ..!!

- وقد تجد على بعض المواقع أن هذا حديث وقد صححه الشيخ الأرنؤوط  في تحقيق سير أعلام النبلاء .. وهذا خطأ .. لأن الشيخ شعيب الأرنؤوط  كان يقصد صحة معناه وليس صحة لفظه كحديث .. !!

- والله أعلم .

* الخلاصة : بدون عمل إيماني في العبادات والمعاملات .. كيف تطمع أن يصح لك أن تجد الطريق المستقيم ؟!!

- يقول تعالى ((رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) الطلاق11 .

- فتأمل قوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) وقوله (وَيَعْمَلْ صَالِحاً) .. أن الإيمان الحق يرافقه عملا بحق .. وإلا ستظل في أوحال الظلمات تتخبط يمنا ويسارا .. لأنك فقدت روح الإيمان وهو اليقين .. وفقدت جسد الإيمان وهو السعي بالعمل .. فماذا تبقى لك كإنسان ..؟!!

- فحاول أخي الحبيب .. أن تجتهد في عباداتك ومعاملاتك .. قدر استطاعتك .. ولا تستصغر عملك مهما كان قليل .. واصبر على العبادة .. وستجده توابا رحيما ..

*****************************

(التنبيه الثاني)

(العبادة عمل شاق على النفس فاصبر عليها)

- أخي الحبيب .. اعلم أن العبادة ليست بالأمر السهل .. بل هو أمر شاق على النفس أن تفعله لأن فيه مخالفة لطباعها المعتادة عليها من الخمول والكسل وحرية الفعل كما تشاء ..

- ولذلك يصف لنا هذه الحقيقة الله تبارك وتعالى فيقول لنبيه: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) .. والخطاب له ولأمته بالتبعيه ..

- ولكن ما معنى الإصطبار ؟

- هو التمسك بصفة الصبر والثبات عليها بقوة وحزم لتقهر بها استعلاء النفس وتمردها .. حتى تجعلها خاضعة لمراد الحق سبحانه وتعالى ..

- وهذا الإصطبار .. مقصوده الثبات في كل طرق الإيمان المطلوب منك أن تؤديها ابتغاء مرضاة الله .. أي في طريق العبادات مع الحق وطريق المعاملات مع الخلق ..

- يعني ليس صبر على عبادة دون أخرى  .. وإنما ديمومية صبر بعزيمة وقوة وهمة عالية وثبات .. لأنك ستواجه أمام ذلك طغيان النفس التي ستحاول بكل الطرق أن تعود بك إلى الراحة الجسدية وعدم التقيد بأي التزامات والتحرر من المنهج الديني .. لإشباع اللذة من خلال الرغبات والشهوات دون أي قيد أو حدود - ولو بطريقة حرام أو فيها غفلة عن الله -  .

- ثم يأتي بعد ذلك الشيطان ليزين لك أفكارك النفسية السابقة ويعينك عليها بتزيينها لك .. ولكن لا تنسى أن النفس هي من استحضر الفكرة وليس الشيطان .. واقرأ قوله تعالى عن يعقوب لما كذب بعض أبناءه عليه وقالوا أن يوسف أكله الذئب فقال لهم:(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً) يوسف18 .. وقوله تعالى عن السامري حيننما صنع العجل قال:(وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) طه96 .. وقال تعالى عن قابيل حينما قتل أخيه : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة30 .. ويكفيك العلم بأن الإنسان توسوس له نفسه كما قال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق16 ..!!

* ولذلك يقول تعالى عن حساب يوم القيامة: (أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات40-41

* قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:

- وَالِاصْطِبَارِ: شِدَّةُ الصَّبْرِ عَلَى الْأَمْرِ الشَّاقِّ، لِأَنَّ صِيغَةَ الِافْتِعَالِ تَرِدُ لِإِفَادَةِ قُوَّةِ الْفِعْلِ .

- وَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يُعَدَّى الِاصْطِبَارُ بِحَرْفِ (عَلَى) كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) طه132 .. وَلكنه عُدِّيَ هُنَا بِاللَّامِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الثَّبَاتِ. أَيِ اثْبُتْ لِلْعِبَادَةِ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مَرَاتِبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ ، وَقَدْ يَغْلِبُ بَعْضُهَا بَعْضَ النُّفُوسِ فَتَسْتَطِيعَ الصَّبْرَ عَلَى بَعْضِ الْعِبَادَاتِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ: «هِيَ أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ» .

- فَلِذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْعِبَادَةِ كُلِّهَا وَفِيهَا أَصْنَافٌ جَمَّةٌ تَحْتَاجُ إِلَى ثَبَاتِ الْعَزِيمَةِ ، نُزِّلَ الْقَائِمُ بِالْعِبَادَةِ مَنْزِلَةَ الْمُغَالِبِ لِنَفْسِهِ ، فَعُدِّيَ الْفِعْلُ بِاللَّامِ كَمَا يُقَالُ: اثْبُتْ لِعُدَاتِكَ.

التحرير والتنوير ج16 ص142

*****************************

( التنبيه الثالث)

"لا تتهم الله في أفعاله"

(هو النافع الضار – المعطي المانع – الباسط القابض)

(عدل في قضاءه – حكيم في تدبيره)

- أخي الحبيب .. في أثناء سعيك ومجاهدتك لله .. احترس من أنه تتهم الله .. وقد تكلمنا سابقا عن القدر ووجوب الإيمان به وأن قدره يكون عن تدبير له فيه حكمه ..

- ولكن أعيد عليك عشرة أسماء لا تنساهم .. وآمن بهم بيقين .. وهم أصل في العلاقة الإيمانية مع الله .. فلعلك ينزل بك ابتلاء .. فتنسى حقيقة من الفاعل بك هذا .. وهذه الأسماء العشرة هي (النافع الضار – المعطي المانع – القابض الباسط – حكم عدل – مدبر حكيم) ..

- فإذا وجدت عسرا أو ضيقا أو ضر .. فاعلم أن الله هو من سمح بذلك ان يحدث لك .. لأنه الضار المانع القابض ..

- وإذا وجدت يسرا أو بسطا أو نفعا .. فاعلم أن الله هو من سمح بذلك ان يحدث لك .. لأنه الباسط النافع المعطي ..

- وإذا وجدت ما يسؤوك .. فاعلم أنه حكم عدل في قضاءه وقدره وتدبيره له فيه حكمه .. فتعامل مع القدر على ما هو مفروض عليك بدوام الأدب مع الله .. ولا تفارق عبوديتك له سبحانه .

- فلا تغفل أبدا عن قدرة الله في الوجود .. لأن هذه الأسماء السابقة تندرج تحت مسمى القدرة الإلهية .. فلا تنسى أنه القادر القاهر .. لا إله إلا هو .. له الأمر وإليه ترجعون .

- إياك أن تتهم الله .. فطالما هو صاحب القدرة الغالب على أمره .. ففعله دائما له فيه حكمه .. سواء علمناها أم لم نعلمها .. ولكن إياك أن تتهم الله بأنه ظالم أو لم ينصفك أو أنك دعوته فلم يجيبك ..!!

- عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَتَّهِمِ اللهَ في شيٍء قَضَى لكَ بهِ) رواه أحمد .. وقال البوصيري في لاحاف الخيرة : روي بإسنادين أحدهما حسن ..، وذكره الألباني في الصحيحة بأنه حسن بمجموع الطرق .. وقال الأرنؤوط: حديث محتمل للتحسين لشواهده ..

* فاعبد الله وتوكل عليه .. واتركه يدبر لك الأمر .. ومهما ابتلاك فلا تبتعد عن مولاك .. واجعل قلبك نابضا دائما قائلا: يارب ما لي سواك .. !!

***************************************

(التنبيه الرابع)

(لا تشك في الله أو رسول الله)

- قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحجرات 15 .

- قال تعالى: (أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ) إبراهيم10 .

- قال صلى الله عليه وسلم: (أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ .. لا يَلقى اللهَ بهما عبدٌ غيرُ شاكٍّ .. فيُحجَبَ عنِ الجنَّةِ) صحيح مسلم وبن حبان وأحمد ..

- أخي الحبيب .. أثناء سعيك ومجاهدتك لله .. لا تشك في الله .. ولا في قدرته .. ولا تشك في رسوله كونه رسول أو تظن به سوءا .. !!

- والشك قد يكون في وجود الله أو الإعتراف بأن سيدنا محمد رسول الله ... وهذا شك مصيره أن تكون كافر بالله وبرسوله ..

- وهناك نوع آخر من الشك يظهر نتيجة اضطراب إيمان وليس عن كفر .. مثل أن يشك أحد في أن الرسول لم يكن منصفا في حكمه وكلامه .. كما تفعل كثير من النساء الآن ويشككون في أن النبي لم ينصفهم .. !! فكيف لهؤلاء أن يشموا رائحة الإيمان في القلب ..؟!!

- وكذلك عند اضطراب الإيمان يحدث نوع من الشك في أسماء الله وصفاته .. ناتج عن قلة اليقين في أسماء الله وصفاته ..

- فمثلا إذا حدث معك ذنبا فأنت تشك هل الله سيغفره لو استغفرته أم لا ؟!! فهذا شك منك في أن الله غفور رحيم .. وبالتالي فأنت سيئ الظن بالله ..!! فكيف سيغفر لك وأنت تشك فيه ومسيء به ظنك ؟!!

- وفرق بين أن تتهم نفسك أنك قد لا تستحق الغفران (فهذا مقام الخوف) .. وبين أن تكون مؤمن بربك أنه قادر على أن يغفر لك ذنوبك (فهذا مقام الرجاء) .. فلا تخلط هذا بذاك فتسقط في إيمانك مع الله ..!!

- وكذلك لا تكون كالملحد الذي يمسك العصا من المنتصف .. ويقول: سأعترف بالشهادتين احتياطيا .. فلو جاء يوم القيامة وكان كلام المسلمين صح .. فسأكون معهم .. وإن لم يكن صح فلم أخسر شيء !!

- لا يا شاطر .. فمثل نفسيتك هذه ظهرت أيام النبي صلى الله عليه وسلم .. يقول تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) العنكبوت10 ..

- والشك في وجود الله أوالشك أن سيدنا محمد رسول الله .. فهذا يحجبك عن رحمة الله ويمنعك الجنة .. والآية السابقة (آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) والحديث (لا يَلقى اللهَ بهما عبدٌ غيرُ شاكٍّ) .. شاهدين عليك ..

- فيا أخي الحبيب: انتبه في علاقتك بالله .. ولا تشك فيما اخبرك به .. لأن هذا يسبب لك حجاب كبير في العلاقة مع الله ويفقدك ثمرة الإيمان .. فكن مؤمنا بالله ورسوله ولا تشك .. واتركه يدبر لك كيفما شاء .. وأنت كن على عبوديتك لله كما أنت .. ثم يوم القيامة سيكافئك على عبوديتك له بمحض الكرم الإلهي .. فلا تشك ..!!

*****************************

(التنبيه الخامس)

(التعلق بالله يمنعك عن التعلق بالأسباب)

- قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة22 ..

- أخي الحبيب .. بعض الناس تفهم التعلق ببعض الأشياء الدنيوية يحجبهم في سلوك طريق الإيمان .. ويتصورون أن تعلقهم بحب الأبناء أو الوالدين أو رغبتهم في التفوق أو في الإنجاب .. يجعلهم متعلقين بغير الله .. مما يجعلهم في حجاب أو مقصرين بذلك في علاقتك مع الله .. وهذا أمر خطأ ومفهوم غير صحيح للتعلق ..!!

 * ما هو مفهوم التعلق بالله ؟

- التعلق بالله هو دوام انشغال القلب بالله في حال وجود النعمة وفقدها .. وسر التعلق يكمن في ثبات الإيمان في القلب .. فيسكن مع مجريات القضاء والقدر .. وتكون من حزب الله المفلحون ..

- أي مهما كانت الأحداث من حولك .. سواء بسطا أو قبضا .. خيرا أو شرا .. فأنت مع الله .. لأنك تعلم أنه القابض الباسط .. النافع الضار .. المعطي المانع .. ولذلك يكون لك تعلق إيماني بالله في قلبك .

* ما هو مفهوم التعلق بغير الله ؟

- فمفهوم التعلق بغير الله هو أحد أنواع الإلتفات عن الله .. ومعناه هو صرف الهمة مع الأسباب حتى تتوكل عليها وتغفل عن الله .. أي تعتقد في الأسباب .. ولذلك يقول تعالى للنبي (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) الأحزاب3 ..

- يبقى نفهم أن التعلق المذموم : هو الذي يترتب على فقده معصية لله .. ويترتب على وجوده غفلة عن الله ..

- ونشرح ما سبق بأمثلة :

- مثال على (ما يترتب على فقده معصية لله): كالذي يموت له قريب ويظل يلطم الخدود عليه وقد يريد الموت وراءه منتحرا .. او كالذي يكون معه مال ويعيش في بسطة من الحياة ثم تحدث له خسارة فيسخط على حاله ويتهم الله في قضاءه وقد ينتحر .. أو ما شابه ذلك .. فهذه نفوس نعرف منها أن كان لها تعلق بالأشياء ولم يكن لها تعلق إيماني بالله في قلبها ..

- مثال على (ما يترتب على وجوده غفلة عن الله): كالذي تشغله النعمة عن أداء حق الله عليه .. فيكون معه مال ويصرف في أمور حرام .. أو يكون معه الموبايل ويظل في لهو به على النت حتى ينسى صلاته وعمله مع الله .. أو ما شابه ذلك .. فهذه نفوس يظهر منها أن لها تعلق بالنعمة حتى غفلت عن المنعم جل جلاله .. ولم يكن لها تعلق إيماني بالله في قلبها ..  

- فالمشكلة ليست في أن تتعلق بتحصيل العلم أو كسب المال أو  السلطة والقيادة أو تتعلق بحب أولادك أو والديك .. وإنما المشكلة تظهر حينما يتحول هذا التعلق إلى ما فيه معصية لله .. أو غفلة عن الله .. فهنا يكون هذا التعلق تسبب في خلل في العلاقة مع الله .. لذلك يقول تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) الأنفال28 .. ويقول عن الوالدين (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) العنكبوت8 .

- فتعلق بالله تعالى في كل أحوالك .. واعلم أن التعلق بالله هو دليل على قوة إيمانك ويقينك بالله .. ولذلك قال الله لنبيه في أخذه للاسباب أن يتوكل عليه ولا يلتفت للأسباب لأن الأسباب كلها فانية ويبقى الحي الذي لا يموت .. يقول تعالى (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) الفرقان58 .. ويقول تعالى (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هود123 .

- والتعلق في القلب يكشفه التوكل على الله .. حيث أن التوكل هو الأخذ بالأسباب مؤمنا أنها من الله .. وتسعى فيها بتيسير من الله .. ونتيجتها هي من مراد الله .. فتخضع لمراد الله في قلبك .. ولكن تواجه مراد الله بظاهرك كما يقتضي الأمر وطلب منك الله .. لأنه قد يكون هناك ظلم واقع عليك .. فلا تسكت عنه .. وإنما اجتهد في محاولة دفعه عنك .. ولكن باطمئنان قلب لما يجري به القدر في كل الأحوال .. لأن تدبيره له فيه حكمه ..

*****************************

(التنبيه السادس)

(اعتصم بالله ليهديك صراطا مستقيما)

- قال تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) آل عمران101 .

- قال تعالى :(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) النساء175 .

* أخي الحبيب .. في سعيك ومجاهدتك .. هناك صفة يجب أن تتحلى بها وجوبا مثل الصفات السابق ذكرها في التنبيهات .. وهي الإعتصام بالله ..

- لأن الأعتصام بالله يدخلك في رحمة الله وينعم عليك بفضله ويرشدك موفقا لك لما تثبت به على طريق الحق بلا انحراف .. كما قال تعالى:(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) النساء175 .

* ولكن ما هو معنى الإعتصام بالله ؟

- هو من لفظ (عصم) بمعنى (منع) ويأتي بمعنى الحماية .. ففلان معصوم بالجبل أي محمي به ، والنبي معصوم أي ممنوع عن المعصية وفي حماية من ارتكابها .

- فمعنى الإعتصام بالله هو أن تجعل الله الوسيلة الوحيدة في حياتك لتحتمي بها وتلجأ إليها .. وذلك من خلال اتباع كلامه وكلام نبيه .. ليمنعك من شر نفسك وشر الشيطان .. ويخرجك من الظلمات إلى النور .. ويوفقك إلى الثبات على طريق الحق الذي لا باطل فيه ولا انحراف عنه ولا اعوجاج فيه .. لأنه طريق موصول بالله الحق وكله نور .. وفي ذلك يقول تعالى:(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) البقرة257 ..

- فلن تنال ولاية الله بالتطهير من ظلمة العقل والقلب والنفس والشيطان وفتنة الأسباب .. إلا إن اعتصمت به ولجأت إليه واحتميت به .. كما قال تعالى فيمن أرادوا الرجوع إليه بالتوبة بعد حجابهم عنه .. ماذا فعلوا (وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة118 .. والظن هنا بمعنى اليقين .. فلجئوا إليه واعتصموا بجماله وتوسلوا إليه طالبين غفرانه .. ولم ييأسوا .. حتى تاب الله عليهم .. وهو التواب الرحيم .

- وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (لا مَلْجَأَ ولَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ) صحيح البخاري .

- ومن يريد أن يبتعد عن معصية ويمتنع عنها . فعليه أن يعتصم بالله .. ليمنعه منها .. بدوام التوسل إليه والطلب منه سبحانه ..

- فالمعتصم بالله .. هو الذي دخل حصن الله المنيع الذي لا يصل إليه أحد .. فأصبح في مناعة تمنع عنه شر نفسه وشر الشيطان وشر النفوس من حوله .. وشر كل ذي شر .. وفق مقتضى علمه وحكمه ..

  

- ولذلك كل من يسعى للتخلص من أذى غيبي ويعتصم من كيد الشيطان ويقوم باستحضار الجن .. ويجعل له من الجن عاصما ومغيثا ومعيذا من الأذى الغيبي كشر نفسه والشيطان وشر الحاسد والساحر.. فهو قد جعل للجن ما هو لله .. ولا ينفعه صلاته ولا صيامه .. لأنه أصر أن يجعل لله شريكا فيما اختص الله به ذاته ..!!

- فلا تكن خادما حقيرا وليا للجن .. تتوسل إليه لمساعدتك فيما لا سلطان له عليه .. لأن الله سلبه القدرة على المساعدة في دفع شر النفوس من إنس وشيطان ..!!

- وكيف لا تعتصم بالله .. ومن المفترض أنك مؤمن بأسماءه وصفاته .. التي منها أنه القوي القادر القاهر ؟!!

- فمن أراد دفع شر النفوس من إنس وجان وطير وحيوان .. فليعتصم بالله .. أي فليدخل في حصن الله المنيع .. من كل الشرور .. وذلك باتباع كلامه واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم .

- فالإعتصام بالله .. يدخلك في رحمة الله أي الإحسان منه إليك .. ويزيدك من نعمته من فضل عطاءه .. ويرشدك إلى طريق الحق النور الذي لا ضلال فيه ولا ظلمات .. كما قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) النساء175 .

- والذي يعتصم بغير الله فهو في حجاب .. إلا إن تاب ..!!

- والله مولى الذين آمنوا والكافرين لا مولى لهم ..!!

********************

(التنبيه السابع)

(لا سبيل للوصول بدون اتباع الرسول)

- اعلم أخي الحبيب .. أن أصل طريق منهجنا في طريق الإيمان هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم .. قدر المستطاع .. لقوله تعالى (وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) الأحزاب71 ..

- ومن يستكبر عن اتباع الرسول فيما يرشده إليه .. فهو بكل تأكيد متبع هوى نفسه .. وفي ذلك يقول تعالى: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) القصص50 .

- وكيف لا تتبع الرسول .. وهو موصوف بالنور (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) المائدة15 .. وهو قد أعطاه الله الوسائل والطرق التي يخرجك بها من ظلمات العقل والقلب والنفس .. إلى نور الحق ..؟!! ولذلك يقول تعالى (رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) الطلاق11 .

- فنور النبي الذي يخرجك به من ظلماتك إلى نور الحق .. هو نور النبوة والقرآن .. ولذلك يقول تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) المؤمنون73 .

- ولذلك قال العلماء .. لا وصول بدون اتباع الرسول ..!!

- واعلم أخي الحبيب .. أنه لا يصح لك سلوك طريق الإيمان دون أن تغير من نفسك لتتفق مع مراد الله منك .. وسبق وقلنا عليك بمجاهدة نفسك وهجر المعصية والإلتزام بالطاعة .. ولكن كيف يتم لك ذلك ؟

- يتم لك ذلك باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله .. وتعمل بها في باطنك وظاهرك .. لقوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب21 .. وهذه الأسوة هي التي نسميها نور النبي الذي من يتبعه فقد وفقه الله للطريق الحق المستقيم ..

- فتعمل بأقواله وأفعاله في باطنك : أي في قلبك فتطهر قلبك بحسن الظن وصدق الإيمان وكمال الرجاء في الله وبالإخلاص والرضا واليقين والمحبة والتوبة والتوكل والشكر ، ودوام العبودية في الرخاء والشدة لأنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .. ومثل هذه الأمور التي أخبرنا بها القرآن وتعلمناها من النبي صلى الله عليه وسلم ..

- وتعمل بأقواله وأفعاله في ظاهرك : بحسن العبادة مع الخالق وحسن الخُلق مع المخلوق .

- فإذا اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم .. فأبشر بمحبة الله لك .. يقول تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران31 ..

- وكيف لا تتبعه والله يقول: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الشورى52 .

- وكيف لا تتبعه وكمال الإيمان لا يكون إلا باتباعه حيث يقول صلى الله عليه وسلم (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ) أخرجة الخطيب في تاريخ بغداد – وبن أبي عاصم في السنة - والحكيم الترمذي في نوادر الأصول .. وقال بن حجر في الفتح :رجاله ثقات ، وقال النووي في الأربعين :حسن صحيح ، وقال الذهبي في الكبائر: إسناد صحيح.

- بل أن غلبة محبته على عقلك وقلبك فوق كل ما هو مخلوق من كمال الإيمان .. حيث يقول صلى الله عليه وسلم (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ) صحيح البخاري.

- ولما كان اتباع النبي لإرشاداته وكونه صاحب فضل علينا في الإرشاد للإيمان والصراط المستقيم .. فكان حقه علينا أن نكافئه .. فلما علم الله منا عجزنا عن مكافئته صلى الله عليه وسلم .. فأخبرنا أن ندعوه هو سبحانه ليكافئه بمقتضى كرمه وإحسانه .. فأخبرنا أن نصلي عليه صلى الله عليه وسلم .. ولذلك كانت الصلاة على  النبي أصل أصيل في منهج الذكر الخاص بنا في أول الطريق وأوسطه وختامه .. اعتراف بالفضل له صلى الله عليه وسلم واتباعا لأمر الله تبارك وتعالى .. حيث قال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب56 .

**************************

(التنبيه الثامن)

(لا تهجر القرآن – بل اقرأ واعمل به)

- قال تعالى:(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم1 .

- وقال تعالى:(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) سبأ6 .

- وقال تعالى:(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) المائدة16 .

- أي أن الله يهدي بالقرآن من اتبع ما فيه مرضاة الله وذلك بالإيمان الصادق .. فيرزقه سبل السلام في ظاهره وباطنه .. ويخرجه من ظلمات العقل والقلب والنفس .. ويوفقه للثبات على طريق الحق والنور ..

- وصيغة الفعل المضارع {يَهْدِي} و {يُخْرِجُهُمْ} و {يَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} تدل على استمرارية العطاء معهم طالما هم ثابتون على اتباع ما فيه مرضاة الله .. فسيستمر هذا العطاء مستمر معهم .. والله أعلم .

- أخي الحبيب .. من منهجنا في طريق الإيمان هو أن نقرأ يوميا ما تيسر من القرآن ولو بقدر صفحة واحدة من القرآن (وجهها وظهرها) .. فإن لم تستطع في البداية فاقرأ سورة الإخلاص لعل الله يرزقك منها خلاص إلى العمل بما يحب ويرضى ..

(وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) المائدة16

- واعلم أخي الحبيب .. أن في هجر القرآن خطورة كبيرة جدا .. ومعنى الهجر هو الإنقطاع عنه وتركه .. فلا تقرأه ولا تسمعه ولا تتدبره ولا تعمل به ..!!

- ويكفى أن تسمع أن الرسول يشكو إلى الله إلى أن قومه هجروا القرآن .. يقول تعالى حاكيا عن سيدنا محمد (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) الفرقان30 .. فلا يكن فعلك كفعل من كفر برسول الله ..

- ولا تنسى أخي الحبيب .. أن القرآن حجة لمن اتبعه وعمل بما فيه ، وحجة على من أعرض عنه ولم يعمل به ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (القرآن حجة لك أو عليك) صحيح مسلم.

* وقد خطر على بالي سؤال وهو كيف سيكون حجة لنا أو علينا ؟

- فوجدت ذلك في شفاعة القرآن لمن يقرأه ويعمل به ..

- فقد قال صلى الله عليه وسلم (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ) صحيح مسلم .

- ومعنى (البطلة) : قيل هم السحرة لا يستطيعون أذى من يقرأها .. وقيل أن البطلة هم الكسالى الذين لا يستطيعون قرائتها .. وقيل أنهم أهل الباطل عموما لا يوفقهم الله بقرائتها ولا العمل بها .. والله أعلم .

- وقال صلى الله عليه وسلم (يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به .. تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما) صحيح مسلم ..

- ومعنى كلمة (شرق) : أي نور وضياء . كأنه ضوء الشروق ..

- ومعنى كلمة (حزقان) : أي جماعتان ..

- ومعنى (تحاجان) : أي تدافعان وتشفعان عن قارئهما العامل بما فيهما من عبادات ومعاملات ..

- ونجد كيفية شفاعة القرآن لقارئه العامل به .. كما جاء في الحديث (يَجيءُ القرآنُ يومَ القيامةِ فيَقولُ: يا ربِّ حلِّهِ، فَيلبسُ تاجَ الكَرامةِ ..، ثمَّ يقولُ: يا رَبِّ زِدهُ ، فيلبسُ حلَّةَ الكرامةِ ..، ثمَّ يقولُ: يا ربِّ ارضَ عنهُ، فيقالُ لَهُ: اقرأْ وارْقَ، وتزادُ بِكُلِّ آيةٍ حسنةً) صحيح الترمذي .

* وقراءة القرآن والعمل به أمر مهم .. يقول صلى الله عليه وسلم : (اقرؤوا القرآنَ و اعملوا به ، و لا تَجْفُوا عنه ، و لا تغْلوا فيه ، و لا تأْكلوا به ، و لا تسْتَكثروا به) رواه أبي عاصم في آحاد والمثاني برقم 1862 .. وذكر الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم 1168 ..

* ملحوظة : لم أجد لفظ (اعملوا به) إلا عند أبي عاصم .. وعند أحمد وأبو يعلى بدون (اعملوا به) .. وفي كل الأحوال هو حديث صحيح إن شاء الله ..!!

- معنى (لا تجفوا عنه) : من الجفاء والمقصود البعد عنه .

- معنى (لا تغلو فيه): من الغلو وهو التجاوز عن الحد .. والمقصود به لا تتأولوه بباطل فتخرجوه عن حقيقة لفظه ومعناه .

- معنى (ولا تأكلوا به): أي باطلا .. فتقرأوه رياءا وسمعة فيمدحكم الناس عليه فتأكلون من وراءه .. أو تتعلموه وتتبعوا ما تشابه منه وتبيحوا الحرام ..!!

- معنى (ولا تستكثروا به) أي في العبادة .. وتتركوا غيره من العبادات ..

- والله أعلم بمراد نبيه ..

* واعلم أخي الحبيب أن المؤمن في قراءة القرآن على صنفين:

- قال صلى الله عليه وسلم : (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ: كالأُتْرُجَّةِ طَعْمُها طَيِّبٌ، ورِيحُها طَيِّبٌ ، والذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ: كالتَّمْرَةِ طَعْمُها طَيِّبٌ ولا رِيحَ لَها) صحيح البخاري..

- والأترجة: هي ثمرة من الفاكهة لها طعم طيب وريحه طيبة من فصيلة الموالح كالليمون والبرتقال واليوسفي .. والله أعلم .

* ولو صعب عليك قراءة القرآن في الأول فاقرأ كل يوم سورة الأخلاص :

- قال صلى الله عليه وسلم: (أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَقْرَأَ في لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قالوا: وكيفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ القُرْآنِ؟ قالَ: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ) صحيح مسلم .

- ومعنى (تعدل ثلث القرآن): لأن القرآن ثلثه توحيد وثلثه قصص وثلثه أحكام وآداب .. وسورة الإخلاص تمثل التوحيد في القرآن .

 - رجاء منك : اقرأ سورة الإخلاص وأنت فاتح المصحف (أو أي سورة) .. لأن في هذا بركة وهي النظر إلى المصحف مع القراءة .. وقراءة سورة الإخلاص لا يستغرق عشرون ثانية .. ولو زدت في قرائتها كذا مرة فهذا خير زيادة .. ومع الوقت سيفتح الله عليك في قراءة باقي المصحف إن شاء الله تعالى ..

* ونصحية لك: احترس أخي الحبيب من أن تكون من جماعة (الأنا) المظلمة قلبها بخيرية النفس على الناس لأنهم يقرأون القرآن ويتعلمونه .. !!

- عن أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيَظْهَرَنَّ الْإِيمَانُ حَتَّى يُرَدَّ الْكُفْرُ إِلَى مَوَاطِنِهِ، وَلَتُخَاضَنَّ الْبِحَارُ بِالْإِسْلَامِ .. وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَتَعَلَّمُونَ فِيهِ الْقُرْآنَ، يَتَعَلَّمُونَهُ وَيَقْرَءُونَهُ، وَيَقُولُونَ: قَدْ قَرَأْنَا وَعَلِمْنَا، فَمَنْ ذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَّا؟ فَهَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ ضُرٍّ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ أُولَئِكَ؟ قَالَ: " أُولَئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولَئِكَ وَقُودُ النَّارِ) رواه الطبراني .. وذكره الشيخ الألباني في الصحيحة .. وفي صحيح الترغيب .

****************************

(انتبه لما سبق)

1- ستجد أن في الإعتصام بالله .. يخرجك من الظلمات إلى النور ويهديك للصراط المستقيم .

2- ستجد أن في اتباع النبي .. يخرجك من الظلمات إلى النور ويهديك للصراط المستقيم .

3- ستجد في اتباع القرآن .. يخرجك من الظلمات إلى النور ويهديك للصراط المستقيم .

- وذلك حتى تعلم أن أصل الإيمان هو الإعتصام بالله واتباع كلامه ورسوله .. بلا أهواء .. وأن المتبع له كرامة الخروج من ظلمات الحياة إلى نور الحق .. وله كرامة التوفيق والتمكين على الطريق المستقيم .. بشرط دوام الإتباع والإعتصام بالله .

- والله أعلم .

***********************************

(التنبيه التاسع)

( إذا جلست بين يدي مولاك .. فاجلس كما الأحباب)

- أخي الحبيب .. حينما تتعامل مع الله .. وتسلك منهج طريق الإيمان .. فمن منهجنا .. أن تؤمن أن الله يحبك مهما كنت عاصي .. طالما أنت تعود إليه طالبا التوبة والغفران والرحمة .

* قال تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) البروج14 .. أي أن الله هو الواسع المغفرة لمن تاب وآمن .. و(الودود) هو الكثير المحبة والود لمن أطاعه واتبع هداه ..

- وكأنه يقول لك: هو محب للتائبين .. ويتودد إليهم بالمغفرة ..

- وقال تعالى عن لسان شعيب لقومه: (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) هود90 .. أي واسع الرحمة لمن تاب إليه .. (وَدُودٌ) أى: كثير الود والمحبة لمن أطاعه .. وجاء في هذه الآية بتنوين الأسماء بدلا من الألف واللام .. لأن التنوين دل على عظمة وسعة الفعل الإلهي .. لتحبيب النفوس في الإقبال على الله .. فكأنه يقول مهما كانت الذنوب منك فإنه واسع الرحمة محب لكل تائب وعائد إلى الله ..

- الودود (في رأي غالب العلماء) : 

- أن الودود : على وزن فعول بمعنى فاعل .. 

- وهو المُحب المتودد إلى المؤمنين بالمغفرة والرحمة والجزاء الحسن .. فيزكيهم ويطهرهم ويقربهم منه ويدخلهم في معيته ويذكرهم في الملأ الأعلى .. فهو سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين .

- وقيل (في رأي منفرد للبعض) :

- أن الودود: على وزن فعول بمعنى مفعول ..

- وهو المحبوب من المؤمنين المتوددين إليه بصدق العبودية لما علموا كماله .. ورأوا ذلك في جميل وجليل أفعاله وإحسانه وأفضاله ..

* وتأمل كيف جمع الله بين وصف المغفرة والود .. حتى تتيقن أنه يقبلك بخالص الود والمحبة مهما كانت ذنوبك وعصيانك .. فلا تشك بعد ذلك في أنه الغفور الودود .. وأقبل على الله .

- وكلما اقتربت إلى الله (الودود) .. كلما قربك إليه .. وقد يزيدك قربا فيصيبك بموج الإبتلاء .. حتى يراك تركب سفينة الرضا بقدره ..

- فتناجيه قائلا: رب اجعل قلبي ساكنا مطمئنا في رحاب معيتك .. فلا أخاف ولا أشقى .. وكيف أخاف وكيف أشقى وأنت مولاي وحبيبي ..

* ففي منهجنا أخي الحبيب .. لا يصح أن تشك في أنه غفور ودود .. بل اجلس في حضرة الله وناجية بلسانك وقلبك واطلب غفرانه .. وأنت على يقين أنه غفور رحيم ودود .   

***************************

(الفصل الثاني)

:: ثانيا:  تنبيه خاص جدا .. قد يدمرك نفسيا وإيمانيا ::

- فافهم واعقل ما أخبرك به حتى لا تضيع -

*****************************

(التنبيه العاشر)

(؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)

*******************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..