ج7: رسالة التعريف بالحقائق والضوابط والتنبيهات الإيمانية - المعصية ولو كبائر لا تسقط عنك محبة الله ورسوله - ما هو الذنب الذي يحجبك عن مولاك - المعصية لا تسقط عن العبد محبة الله - المعصية المتكررة لا تحجبك عن الله طالما تتوب وترجع إلى الله - تكرار الذنب لآخر يوم في حياتك مع مجاهدة النفس له فهذا لا يخرجك عن دائرة الإيمان - احترس من النفوس التحقيرية الذين هم "عون الشيطان".

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة التعريف بالحقائق والضوابط الإيمانية

لطالب القرب من الحضرة الإلهية

طريقة ومنهج أهل الإيمان في العلاقة مع الله

(أساسيات واجبة  - وضوابط لازمة – وأصول ثابتة  - وتنبيهات هامة)

(الجزء السابع)

2- تنبيهات إيمانية هامة عليك أن تعرفها أثناء سلوك منهج أهل الإيمان -

* فهرس :

::الجزء السابع:: تنبيهات إيمانية هامة عليك أن تعرفها أثناء سلوك منهج أهل الإيمان ..

 ::الفصل الثاني :: تنبيهات خاصة ومهمة جدا (من رسالة الغفران) لمن طلب طريق الإيمان ::

1- التنبيه العاشر: المعصية ولو كبائر لا تسقط عنك محبة الله ورسوله ؟

2- أولا: ما هو الذنب الذي يحجبك عن مولاك ؟

2- ثانيا: المعصية لا تسقط عن العبد محبة الله ؟

3- ثالثا: المعصية المتكررة لا تحجبك عن الله طالما تتوب وترجع إلى الله ؟

4- رابعا: تكرار الذنب لآخر يوم في حياتك مع مجاهدة النفس له فهذا لا يخرجك عن دائرة الإيمان ؟

5- خامسا: احترس من النفوس التحقيرية الذين هم "عون الشيطان"؟

******************************

(الفصل الثاني)

:: ثانيا:  تنبيه خاص جدا .. قد يدمرك نفسيا وإيمانيا ::

- فافهم واعقل ما أخبرك به حتى لا تضيع -

*****************************

(التنبيه العاشر)

(المعصية ولو كبائر لا تسقط عنك محبة الله ورسوله)

هذا الفصل منقول كثير منه من رسالة الغفران للأستاذ / خالد أبوعوف .. (الجزء الثاني الذي لم يرفع على المدونة حتى الآن) .. ولعل الله أراده هنا في هذه الرسالة ..!!

 ************************

..:: مقدمة ::..

- أخي الحبيب - أختي الفاضلة .. هذا التنبيه مهم جدا ليك ولغيرك .. لأنك ستجد فيه من العلم .. الذي طالما أحببت نشره بينكم .. خاصة وأنه نادرا أن تجد مثلما سأكتبه لك .. وهو باب الرحمة التي بلا حدود للمؤمن العاصي .. فما بالك بالمؤمن المطيع ..!! 

- وهو كان مقدرا له أن يكون استكمالا لرسالة الغفران .. ولكن لسبب ما تم ارشادي ليكتب هنا .. إلى حين استكمال رسالة الغفران إن شاء الله تعالى .. 

- ستجد في هذا الجزء أحاديث يحلو للبعض إخفائها .. ممن ينتسبون للدين ويزعمون أنهم دعاة أو مشايخ .. وهم في الحقيقة عون الشيطان على المؤمن العاصي .. ويخفونها تحت عباءة وستار باب سد الذرائع .. لأنهم يقولون: لو الناس عرفوها هيستخفوا بالمعصية ويفعلوها .. لأنهم علموا سعة رحمة الله ..!!

- فهل هذا كلام ناس عاقلة أم ناس كاذبة على الله ورسوله وكاتمة للعلم الديني عمدا .. ؟!!

- فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي نطق بها إلينا .. فلماذا كتمها من يزعمون أنهم مشايخ ودعاه ..؟!!

- من فضلك اخي الحبيب .. اقرأ كلام حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم .. جيدا .. وتأمله جيدا .. وستعلم كم أن ديننا جميل وحلو ومبهج ويدعو للأمل والتفاؤل .. وأنه دائما يوجد خلاص طالما هناك إخلاص ..!!

- وستعلم أخي الحبيب .. أن هذه الأحاديث عن الرحمة والمغفرة لو كنا تربينا عليها ونقلناها للآخرين بدلا من الزجر والتخويف بالنار فقط .. لكان هذا ساهم بشكل كبير في استقرار نفسية المؤمن في العلاقة مع الله بين مقامي الخوف والرجاء في القلب .. 

- بل وكان ساهم في الحد من التجاهل الديني الذي وصلنا إليه .. لأن كثير ممن تجنبوا الدين .. لأنهم يأسوا أن يجدوا رحمة الله .. بعد أن وجدوا أنهم موصوفين كالمنافقين والمستهزئين بربهم .. من خلال كلام جماعة "عون الشيطان" .. التي لم تتقي الله في نقل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم .. فكانوا عون للشيطان على كل عاص .. وحسابهم عند ربهم ..!!

- ومصطلح :"عون الشيطان" .. مأخوذ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال لمن أساء بزجر المؤمن العاصي: (لا تَكونوا عَوْنَ الشَّيطانِ علَى أخيكُم) .. ولذلك وجدت أن هذا المصطلح لهؤلاء الجماعات التحقيرية لكل من تراه يعصي ..  والكاتمة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .. لأنهم فعلا عون للشيطان على كل مؤمن مذنب أو عاصي ..!!

- أخي الحبيب .. قد تكلمت في هذه الرسالة "رسالة التعريف" عدة مرات عن الذنوب وعلاقتها بك سواء في نفسك أو مع غيرك أو بينك وبين الله .. وذلك لأهمية الموضوع ..

1- في الجزء الأول والمثال الأول عند الكلام على حقيقة الإعتقاد بيقين .. تكلمنا أن اليقين في أسماء الله الغفور الرحيم أمر مهم في طلب الغفران ..

2- وفي الجزء الثاني .. تكلمنا على الذنب والحجاب عند (الضابط الحادي عشر): لا تجعل الذنب حجاب في العلاقة بينك وبين الله ؟

3- وفي الجزء الثالث .. تكلمنا على أن لا تحتقر أحد لمعصيته .. عند (الضابط الثالث): لا تتهم الناس بمعاصيهم ولا تحكم عليهم كأنك إله ؟

4- وفي الجزء الرابع : تكلمنا على عبادة الاعتراف بالذنب لله رب العالمين ..

5- ويتبقى أن نتكلم عن أن المعصية لا تسقط عنك محبة الله ولا تسلبك الإيمان .. وهو أمر مهم أن يعرفه طالب طريق الإيمان بالله .. لأنه أحيانا تصيبه وساوس بسبب جهل من بعض الدعاة أو بسبب الشياطين .. مما تمنعه من دوام علاقته مع الله .. فيصيبه ذلك بالإحباط النفسي والإيماني في أنه غير مرغوب فيه في هذا الطريق الإيماني .. وأن ذنوبه قد استولت عليه حتى أصبح محجوبا ومحروما وغير محبوب عند ربه ومولاه ..!!

- وكل ما سبق عن الحجب والحرمان عن محبة الله لك ومحبتك لله .. ما هو إلا كلام مغلوط  وغير صحيح في العلاقة مع الله لو جعلناه على إطلاقه .. وإليك بيان ما يهمك أن تعرفه .. ونبدأ بتعريف من قد تحجبه الذنوب عن رحمة الله ..!!

 ***************************

..:: أولا : ما هو الذنب الذي يحجبك عن مولاك ؟ ::..

- يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران135 ..

- وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ ، وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده حسن.

- ما هو معنى الإصرار؟ 

- معناه المداومة على فعل الذنب بعزيمة وقصد .. ودون استغفار ..

- ومعنى (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا) أي: لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين وحالهم أنهم نادمين ..

- معنى (وهم يعلمون): أي يعلمون أنهم مذنبين وما فعلوه كان لا يصح فعله لأنه خطيئة في المعاملة مع الله فيعترفون لله بأنهم مخطئين ويطلبون الغفران .. أو يعلمون أن الله يغفر الذنوب ولذلك يتوقفون عن المعصية فيسرعون لطلب المغفرة .. والله أعلم .

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله :

وقوله (وَلَمْ يُصِرُّوا) عَلى ما (فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) بيان لشروط الاستغفار المقبول عند الله- تعالى-.

أى أن من صفات المتقين أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ، سارعوا بالتوبة إلى الله- تعالى- ، ولم يصروا على الفعل القبيح الذي فعلوه ، وهم عالمون بقبحه ، بل يندمون على ما فعلوا ، ويستغفرون الله – تعالى - مما فعلوا ، ويتوبون إليه توبة صادقة .

* وقوله (وَلَمْ يُصِرُّوا) معطوف على قوله (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ).

* وقوله (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) جملة حالية من فاعل «يصروا» أى ولم يصروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه .

ومفعول يعلمون محذوف للعلم به .. أى يعلمون سوء فعلهم ، أو يعلمون أن الله يتوب على من تاب ، أو يعلمون عظم غضب الله على المذنبين الذين يداومون على فعل القبائح دون أن يتوبوا إليه .

التفسير الوسيط ج2 ص266-267

- فالذي يذنب ويتوب بصدق ويعقد العزم على أنه لن يعود .. ولكن بعد فترة (حتى ولو بعد يوم) قد يضعف ويرتكب نفس الذنب فيتوب ويلتزم .. ثم يضعف ويرتكب نفس الذنب .. وهكذا ..

* فهذا ليس مُصِرَّا على المعصية .. لأنه كل مرة يرجو أن تكون آخر مرة ولا عودة لها لأنه نادم على ما فعله .. ولكن بسبب ضعفه فهو يذنب مرة ثانية ..!!

- والذي يحجبك عن مولاك بسبب الذنوب حجاب مؤقت حتى تتوب .. هو أن تكون مصر مستبيح أو مصر غير نادم ..  

- وإليك تفصيل ما سبق .. وهذا التصنيف الذي أكتبه لك .. ليس من كلام العلماء وإنما اجتهاد مني تجتمع معه كل نصوص الشرع إن شاء الله :

1- أما المُصِرّ المستبيح : فهو الفاجر قلبه باستباحة المعصية معتديا على الشريعة .. أي يستبيح الحرام (فمثلا يقول أن الزنا حلال وليس حرام) .. أي معتدي على الشريعة بهواه وما تراه نفسه فيحرم بمزاجه ويحلل بمزاجه .. فهذا الإنسان في طريق الكفر إن لم يتراجع .. لأنه جحد وأنكر أوامر الله عمدا وجعل هواه هو شريعته فيبيح ويحرم من الشرع ما تراه نفسه .. وهؤلاء قال الله فيهم (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) النحل116 ..

- وهناك من اتبع منهجية التلاعب في الشرعية .. فيؤمنون بما يريدوا ويكفرون بغيره .. كما فعل بعض اليهود الذين قال فيهم سبحانه وتعالى:(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة 85 ..

- وهذا التلاعب بجحود بعض الأحكام الشرعية هو الطريق الغالب لما يسمون أنفسهم حاليا بجماعة القرآنيين .. الذين وصفهم الرسول بالشبعانين .. أي الذين شبعوا من الباطل حتى تجرأوا على الله في شريعته .. وجحدوا رسول الله استكبارا أن يكون لهم مرشدا ..!! ففي الحديث (إنِّي قد أُوتيتُ الكِتابَ وما يَعدِلُه، يُوشِكُ شَبْعانُ على أريكَتِه يقولُ: بيْنَنا وبيْنَكم الكِتابُ، فما كان فيه من حَلالٍ أحْلَلْناه، وما كان فيه من حَرامٍ حَرَّمْناه، وإنَّه ليس كذلك، لأنَّه لا يَحِلُّ أكْلُ كُلِّ ذي نابٍ منَ السِّباعِ، ولا الحِمارُ الأهْليُّ ...) رواه الدارقطني واللفظ له .. ورواه أبي داوود .. وقال الأرنؤوط: صحيح ..

- ومعنى (شبعان على أريكته): أي مترف في حياته لا يذهب لتحصيل العلم ولا سؤال أهل الذكر .. واكتفى من نفسه بنفسه .. وجحد كلام النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيه ..

- وأظن أن كلمة (شبعان): لها إشارة إلى أن مثل هؤلاء قد شبع قلبه استكبارا من سماع أو اتباع قول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم .. ولذلك تجرأوا على شريعة الله بجحود أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والله أعلم ..

- ونخشى على هؤلاء أن يختم لهم بخاتمة السوء ..!!

2- وأما المُصِرّ غير نادم: فهو الغافل الذي لا يصيبه ندم بعد فعل الذنب .. فهو يفعل الذنب ويكرره ويعتاده غير نادما على فعله كلما فعله .. بالرغم من أنه معترف بأن ما يفعله هو ذنب ..!!

- ويندرج تحت هذا المصر غير النادم .. هو الظالم لنفسه ولغيره .. فالظالم لنفسه مثل أكل الحرام والمبتعد عن طاعة الله تكاسلا وليس جحودا ..، والظالم لغيره كالذي له حق للعباد في رقبته كالذي يأكل الميراث ، والساعي بالغيبة بنشر المعايب عن الناس كالذي يتهم الناس بفعل الأسحار وفي أعراضهم وشرفهم ، وكالساعي بالنميمة بنشر أسرار الناس للوقيعة بينهم .. وكالمرأة التي تتجاهل حقوق زوجها والرجل الذي يتجاهل حقوق زوجته .. إلى آخره ..!!

- وهذا المصر غير النادم على فعله .. قد لا تدركه أبواب التوبة ولا الغفران لأن قلبه لا يندم على ما فعله .. وكأن قلبه فارغ من الله .. وعليه إحياء قلبه بالندم والإنكسار نتيجة فعله للمعصية ..!!

- ونعوذ بالله أن نكون من أي من هؤلاء .. ونسأله سبحانه أن يكفينا به عن غيره .. وأن يجعلنا من المتقين المحسنين حتى نحظي بمعيته سبحانه .. آمين يارب ..

- فإذا كنت من هؤلاء المستبيحين للذنوب أو الفرحين بالذنوب أو من لديهم حقوق للعباد في رقبته .. فأنت في حجاب عن وصول رحمة الله إليك إذا لم تستغفر وتتوب إلى الله .. لأن الله يقول (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) النساء175 .. فهؤلاء ليسوا من الذين اعتصموا بالله .. حتى وإن كان ظاهرهم الإيمان .. بل ولو كنت من الطائفة الأولى أو الثانية فنخشى عليك سوء الخاتمة .. والآيات السابقة شاهدة على ذلك ..!!

*******************************

..:: ثانيا: المعصية لا تسقط عن العبد محبة الله ::..

- اعلم أخي الحبيب .. أن المعصية لا تسقط عن العبد محبة الله ولا تسلب العبد محبته لله .. ودليل ذلك ..

- عن عمر بن الخطاب قال : (أن رجلًا على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان اسمُه عبدَ اللهِ ، وكان يُضحِكُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ جلَدَه في الشَّرابِ ، فأُتيَ بهِ يومًا فأمَرَ بِهِ فجُلِدَ ، فقال رجلٌ مِنَ القَومِ : اللَّهُمَّ العَنْهُ ، ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ ؟

فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (لا تَلْعَنُوه ، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه) صحيح البخاري .

- فتأمل كلام الصحابة : (ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ) .. دليل على تكرار الفعل منه ..

- وتأمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم بالله أن هذا العاصي يحب الله ورسوله ..!!

- فعلمنا من ذلك أن المعصية حتى ولو كبيرة لا تسقط المحبة عنك لله ورسوله .. وإنما يقال غلبتك شهوة في نفسك فسببت لك غفلة .. فاستغفر وتب إلى الله لأنه رحيم ودود .. ودليل ذلك (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) هود90 ..

* فلا تجعل أحد يسلب منك محبتك لله في قلبك لو أنت عصيت .. فلا تلتفت لكلام أحد يقول لك أنت غير محب لله .. أو أنك في حجاب لأنك عصيت وفعلت معصية كبيرة .. فهذا إنسان معتدي على الشرع ، مخالف لكلام الله ورسوله ..!!

* فطالما أنت تعترف بخطيئتك وذنوبك .. وتجتهد في إصلاح حالك .. فأبشر بكل الخير لك .. واعلم أن الله إن لم يكن يحبك لما أوجد الندم في قلبك .. فالندم هو دليل على إنكارك لفعلك ودليل على أن قلبك حي بالإيمان .. وإنما غلبة الشهوة في نفسك هي التي دفعتك للمعصية . فاستغفر وتب .. ستجده رحيم ودود .. والله يحب التوابين .

********************************

..:: ثالثا: المعصية المتكررة لا تحجبك عن الله طالما تتوب وترجع إلى الله ::..

أولا: انتبه لشيء مهم:

- أن الندم على المعصية المتكررة ليس معناه أن يكون في بالك أنك ستفعل المعصية مرة أخرى حين التوبة منها .. وإنما نتكلم عن المعصية التي تصيب الإنسان عن غفلة أو غلبة شهوة بعد أن كان عاقد العزم على أن لا يعود .. !! فانتبه لما قلته لك جيدا وأكرره عليك .. (بعد أن كان عاقد العزم على أن لا يعود) .. لأن التوبة عن الذنب ويكون في بالك أنك ستذنب مرة أخرى يسمى إصرار على الذنب .. فانتبه ..!!

ثانيا: أخي الحبيب وأختي الفاضلة .. 

- تكرار الذنوب ليس معناه تراجع في العلاقة مع الله وليس معناه أنه لا طريق لك مع الله .. فهذه مفاهيم خاطئة .. وعلشان تصدق ما أخبرتك به .. فإليك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ليطيب قلبك بكلامه .. ومنها أحاديث قد تكون أول مرة تقرأها .. فاستمتع بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

1- جاء في الحديث الصحيح (عن الذنب المتكرر): 

- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا - ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا - فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ - ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ - فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ..

ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ - أوْ أصَبْتُ - آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ..

ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ - أوْ قالَ أذْنَبْتُ - آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا .. فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ.) صحيح البخاري .

* معنى (فليعمل ما شاء): أي طالما كلما أذنب تاب من ذنبه واستغفر .. ويعترف بأنه مذنب وينكسر بقلبه لي نادما .. ويرجع نادما راجيا عفو الله وغفرانه .. فسيجدني غفورا رحيما ..

- وكأن الله يقول لك: كن لي كما أحب .. أكن لك كما تحب  ..!! 

- والله أعلم .

* وفي رواية بلفظ آخر .. عن أبي هريرة (عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فِيما يَحْكِي عن رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قالَ:

أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ..

ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ..

ثُمَّ عَادَ فأذْنَبَ فَقالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، فَقالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ..

قالَ عبدُ الأعْلَى: لا أَدْرِي أَقالَ في الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: اعْمَلْ ما شِئْتَ) صحيح مسلم .. و"عبد الأعلى" هو أحد رواة الحديث ..

* فتأمل قول النبي (اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) .. فكأنما الله يتطلف بضعفك .. ويخبرك أنه يعلم بحالك .. ولكن إذا غفلت وعصيت فسارع بطلب الغفران وإرجع إلي طالبا غفراني .. وستجدني غفور رحيم .

2- عن الذنب المتكرر:

- يقول تعالى في الحديث القدسي:(يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً) صحيح الترمذي .

- معنى (عنان السماء): السحاب أو حتى حدود السماء التي لا نعرفها حتى الأن ..!! والمعنى: أنَّه لو كَثُرَت ذُنوبُك كثرةً تَملَأُ ما بينَ السَّماءِ والأرضِ من شرقها لغربها .. واستغفرت فإن الله سيغفر لك .

- معنى (قراب الأرض): بمليء الأرض .. والمعنى: أنه لو كثرت ذنوبك وأصبحت بقدر ما تحمله الأرض في باطنها وعلى ظاهرها .. واستغفرت فإن الله سيغفر لك .

3- عن الذنب المتكرر:

- ويقول تعالى في الحديث القدسي (يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ) صحيح مسلم .

4- عن الذنب المتكرر:

- عن عقبه بن عامر عن النبي قال: (أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم –

فقال: يا رسول الله، أحدُنا يذنبُ .

قال: "يُكتبُ عليه"..

قال: ثم يستغفرُ منه .

قال: "يغفرُ له، ويُتابُ عليه" ..

قال: فيعودُ فيذنبُ .

قال: "يكتبُ عليه" ..

قال: ثم يستغفرُ منه ويتوبُ .

قال: "يغفرُ له ، ويتاب عليه، ولا يمَلُّ اللَّهُ حتَّى تملُّوا) رواه الحاكم والطبراني في الكبير .. وقال الحاكم: هَذَا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي وقال: صحيح .. وقال الهيثمي: إسناده حسن .. قال الحافظ ابن حجر في  الأمالي المطلقة: إسناده حسن وله شاهد في الصحيحين ..

- معنى (لا يمل) : أي لا يتوقف عن إحسانه عليك بالتوبة والغفران .. حتى تتوقف أنت عن طلب التوبة والغفران .

  

5- عن الذنب المتكرر:

- عن شطب الممدود أبي الطويل قال (أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلَا دَاجَةً إِلَّا أَتَاهَا فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ ؟

قَالَ: " فَهَلْ أَسْلَمْتَ؟ "

قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ] وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.

قَالَ: [نَعَمْ] " تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ "

قَالَ: وَغَدَرَاتِي وِفَجَرَاتِي ؟

قَالَ: " نَعَمْ ".

قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ...،  فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى) رواه الطبراني والبزار .. قال الهيثمي:رواه البزار بنحوه ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هرون أبي نشيط وهو ثقة ، وقال المنذري: إسناده جيد قوي ، وقال بن حجر في الأمالى المطلقة: حسن صحيح غريب ، وذكره الألباني في صحيح الترغيب .

- ومعنى (حاجة) : أي وَهوَ الَّذي يقطعُ الطَّريقَ على الحاجِّ إذا توجَّهوا ..

- ومعنى (داجة) : أي وَهوَ الَّذي يقطعُ عليهم إذا رجَعوا ..

- وقيل معناهما : لا صغيرة ولا كبيرة إلا فعلها ..

6- عن الذنب المتكرر:

- عن أبي هريرة قال: (أن رجلًا على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان اسمُه عبدَ اللهِ ، وكان يُضحِكُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ جلَدَه في الشَّرابِ ، فأُتيَ بهِ يومًا فأمَرَ بِهِ فجُلِدَ ، فقال رجلٌ مِنَ القَومِ : اللَّهُمَّ العَنْهُ ، ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (لا تَلْعَنُوه ، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه) صحيح البخاري .

- تأمل اخي الحبيب .. قول الصحابة للشخص العاصي: (ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ) .. دليل على تكرار فعله .. ومع ذلك أثبت له النبي محبته لله ورسوله .!!

7- عن الذنب المتكرر:

عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: (إن الشيطانَ قال: وعزِّتِكَ يا ربِّ، لا أَبرَحُ أُغوي عِبادَكَ ما دامتْ أَرْواحُهم في أَجْسادِهم، قال الرَّبُّ: وعزَّتي وجَلالي، لا أَزالُ أَغفِرُ لهم ما استَغْفَروني) رواه الحاكم وقال صحيح ووافقه الذهبي ..، ورواه أحمد وقال الأرنؤوط: حسن بمحموع طرقه ، وذكره الألباني في الصحيحة ويظهر من حكمه أنه حسن رواية الحاكم بمتابعة رواية أحمد .. والله أعلم .

8- عن الذنب المتكرر:

- عن عبد الله بن عباس عن النبي قال (ما من عبدٍ مؤمِنٍ إلَّا وله ذنبٌ ، يعتادُهُ الفينَةَ بعدَ الفينَةِ ، أوْ ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يفارِقُهُ ، حتى يفارِقَ الدنيا ، إِنَّ المؤمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا ، توَّابًا ، نَسِيًّا ، إذا ذُكِّرَ ذكَرَ) رواه الطبراني .. ذكره الألباني في الصحيحة وقال: هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات رجال الصحيح - غير الحسن بن العباس الرازي، وهو ثقة .

9- عن الذنب المتكرر:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَوْ أَخْطَأْتُمْ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكُمُ السَّمَاءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ، لَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) صحيح بن ماجه.

10- عن الذنبي المتكرر:

عن أبي هريرة عن النبي قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لو لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهم) صحيح مسلم.

11- عن الذنب المتكرر:

- عن أبي بكر الصديق عن النبي قال : (ما أصَرَّ مَن استغفَرَ، وإنْ عادَ في اليومِ سبعينَ مرَّةً) رواه أبي داوود والترمذي .. وقال بن حجر في الفتح والمشكاة :إسناده حسن، وحسَّنه الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف، وحسنه بن مفلح في الآداب الشرعية، وقال ابن كثير في التفسير: قول الترمذى: وليس إسناده بالقوى، قال والظاهر أنه لأجل جهالة مولى أبي بكر ولكن جهالة مثله لا تضر لأنه تابعى كبير ويكفيه نسبته إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فهو حديث حسن ، وقال ابن مفلح في كتاب "الآداب الكبرى": هذا حديث حسن وكون راويه عن أبي بكر لم يسم لا يضر لأن المتقدمين حالهم حسن، وقال الأرنؤوط: حسن .. وقال الألباني: ضعيف ..

- وللطبراني سند آخر .. وقال الألباني على رواية الطبراني : وهذا إسناد جيد؛ رجاله ثقات .. ولكن الألباني عاد وتشكك في أحد الرواه قد يكون أحد آخر .. فضعف الرواية على الشك ..!! والله أعلم.

12- عن الذنب المتكرر:

- عن السيدة عائشة قالت: (جَاءَ حَبِيبُ بْنُ الْحَارِثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ مِقْرَافٌ لِلذُّنُوبِ؟ قَالَ: «فَتُبْ إِلَى اللَّهِ يَا حَبِيبُ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَتُوبُ ثُمَّ أَعُودُ؟ قَالَ: «فَكُلَّمَا أَذْنَبْتَ فَتُبْ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا تَكْثُرُ ذُنُوبِي؟ فَقَالَ: «فَعَفْوُ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ ذُنُوبِكَ يَا حَبِيبَ بْنَ الْحَارِثِ) رواه الطبراني .. وقال الهيثمي: فيه نوح بن ذكوان وهو ضعيف ..

- وفي رواية بلفظ (عفو الله أكبر من ذنوبكم) رواه العسكري وأبو نعيم والديلمي .

- ومعنى (مقراف للذنوب): مقراف أي مفعال للذنب .. أي متكرر منه فعل الذنب .. أي أنا رجل كثير الذنب ..

* قلت (خالد صاحب الرسالة) :

- والذي أراه – والله أعلم - أن الحديث السابق وإن كان ضعيفا سندا إلا أنه يقال عنه حسن لغيره لشواهده .. لأن له شاهدين ..

1- الشاهد الأول : بسند صحيح .. وهو ما ذكرته قبل قليل .. عن عقبة بن عامر عن النبي قال: (أنَّ رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، أحدُنا يذنبُ .. قال: "يُكتبُ عليه".. قال: ثم يستغفرُ منه .. قال: "يغفرُ له، ويُتابُ عليه" .. قال: فيعودُ فيذنبُ .. قال: "يكتبُ عليه" .. قال: ثم يستغفرُ منه ويتوبُ .. قال: "يغفرُ له ، ويتاب عليه، ولا يمَلُّ اللَّهُ حتَّى تملُّوا) رواه الحاكم والطبراني في الكبير .. وقال الحاكم: هَذَا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي وقال: صحيح .. وقال الهيثمي: إسناده حسن .. قال الحافظ ابن حجر في  الأمالي المطلقة: إسناده حسن وله شاهد في الصحيحين ..

- معنى (لا يمل) : أي لا يتوقف عن إحسانه عليك بالتوبة والغفران .. حتى تتوقف أنت عن طلب التوبة والغفران .

2- الشاهد الثاني: وهو ما رواه البزار .. عَن أَنَس بن مالك قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فقال: يارسول اللَّهِ إِنِّي أُذْنِبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: إِذَا أَذْنَبْتَ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ قَالَ: فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأُذْنِبُ قَالَ: فَإِذَا أَذْنَبْتَ فَعُدْ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ قَالَ: فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأُذْنِبُ قَالَ: فَإِذَا أَذْنَبْتَ فَعُدْ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ فَقَالَهَا فِي الرَّابِعَةِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورُ) رواه البزار .. وقال الهيثمي : وفيه بشار بن الحكم الضبي .. ضعّفه غير واحد ..

- معنى (المحسور): أي المنقطع عن الشيء العاجز عن الحصول عليه .. والشيطان قد انقطعت عنه رحمة الله بعد ان طرده .. فالمحسور في الحقيقة هو الشيطان لانقطاع التوبه عنه وعجزه عن حصول الغفران .. لأنه استكبر على الله ورد الأمر عليه .. بخلاف آدم الذي تاب وندم وطلب العفو والغفران ..

- فكأن النبي يريد من يرشدك إلى أنه بسبب توبتك وندمك وطلبك للغفران .. فهذا يخرجك من وصف الحسر الذي هو وصفا لازما للشيطان ..!! فلا تكن مثل الشيطان محسورا وتكون من حزبه .. فانتبه .. لأن أبواب الرحمة والغفران مفتوحة لك .. !! - والله أعلم.

***************************

..:: رابعا: تكرار الذنب لآخر يوم في حياتك مع مجاهدة النفس له فهذا لا يخرجك عن دائرة الإيمان ::..

- اعلم أخي الحبيب .. أن استمرارك على ذنب حتى وفاتك .. لا يخرجك عن دائرة الإيمان .. طالما أنت غير مستبيح للمعصية ..

- فتكرارك للذنب لا يخرجك عن دائرة الإيمان .. لأن النبي أثبت لك الإيمان بالرغم من تكرارك أو مداومتك للذنب .. ودليل ذلك:

- عن عبد الله بن عباس عن النبي قال (ما من عبدٍ مؤمِنٍ إلَّا وله ذنبٌ ، يعتادُهُ الفينَةَ بعدَ الفينَةِ ، أوْ ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يفارِقُهُ ، حتى يفارِقَ الدنيا ، إِنَّ المؤمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا ، توَّابًا ، نَسِيًّا ، إذا ذُكِّرَ ذكَرَ) رواه الطبراني .. وقال الهيثمي: رجاله ثقات .. وذكره الألباني في الصحيحة وقال: هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات رجال الصحيح - غير الحسن بن العباس الرازي، وهو ثقة .

- معنى (يَعتادُه الفَينَةَ بعدَ الفَينَةَ): أي يقع في الذنب حينا بعد آخر على فترات متقطعه ..

- معنى (أو ذَنبٌ هو مُقيمٌ عليه، لا يُفارِقُه): أو ذنب هو دائمُ الوُقوعِ فيه، يديم عليه ولا يجاهده ..

- معنى (حتى يُفارِقَ الدُّنيا): فيكونُ على تلك الحالِ حتى يَأتيَه المَوتُ.

- معنى (إنَّ المؤمنَ خُلِقَ مُفتَّنًا)، أي: مُمتحَنًا يختبره اللهُ بالبَلاءِ والذُّنوبِ والفِتَنِ .

- معنى (توَّابًا): من طبيعته أنه يُكثِرُ مِن التَّوبةِ إلى اللهِ .. لأنه يكثر من الأخطاء والغفلة .. فيعود لربه تائبا في محاولة منه لعدم تكرار الذنب .

- معنى (نَسيًّا): أي: أنَّه يَنسى ويغفل عن بعضَ ما يجِبُ فِعلُه كما نَسيَ أبوه آدَمُ مِن قبلُ.

- معنى "(إذا ذُكِّرَ؛ ذكَرَ): والمُرادُ أنَّه إذا ذُكِّرَ باللهِ وحساب الآخرة .. تذكَّرَ فيَرجِعُ عن ذَنبِه .. ويتوب عنه ..

- فمعنى الحديث: أن هناك من الذنوب ما قد يتعلق به الإنسان حتى لا يستطيع أن يجاهده لغلبة الغفلة عليه أو لضعفه .. ولكن مقابل هذا يتوب .. ثم ينسى ويغفل .. فيعود .. ثم يتذكر الله واليوم الاخر .. فيتوب .. وهكذا .. في حالة صراع مع نفسه طلبا لله واليوم الآخر .. ولا ييأس من رحمة الله مهما غلبه الذنب .. إلا أنه يغلب الذنب بدوام التوبة وطلب الغفران ..

- وطبعا الحديث لا يشير إلى المصر على العصيان .. وإنما يشير إلى غلبة طبع الإنسان المؤمن أنه يخطيء  ولكنه يتوب ويرجع .. ويخطيء ويتوب ويرجع .. ويخطيء ويتوب ويرجع .. يعني في حال مجاهدة مع نفسه حتى يفارق الدنيا .. فافهم !!

**************************************

..:: خامسا: احترس من النفوس التحقيرية الذين هم "عون الشيطان" ::..

- أخي الحبيب .. احترس وابتعد عن الذين امتلأت قلوبهم بتحقير وشتم والدعاء على من يراه يعصي ..!!

- فحتى لا تسقط فعلا في متاهة اليأس .. إياك أن تلتفت لمن يحتقرك لمعصيتك .. أو لمن يقول لك أنت لست مؤمنا لأنك تعصي .. أو لمن يقل لك أنت لست محب لله ورسوله طالما أنت عصيت وارتكبت كبيرة .. فهذه جماعة قد امتلأ قلبها بالشر كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال (بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ) صحيح مسلم . 

- فلا تلتفت لهؤلاء التحقيريين "عون الشيطان" .. واعلم أنهم تعمدوا عصيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بل والبعض منهم يتجرأ على الله ويدخل العاصي في النار ..!!

- فما يفعله هؤلاء التحقيريين ليس حكم الله ورسوله حتى لا تنخدع بهيئتهم الدينية .. وإنما حكم أنفسهم الضالة والمنحرفة التي أرادت أن تحتقر الآخر وتنتقص منه .. ليزكي نفسه أمامك على أنه الورع والتقي ..!!

- وإليك حكم الله ورسوله في الذي يعصي ولو بكبيرة .. حتى لا يخدعك تحقيري هو عون للشيطان على المؤمن العاصي ..

أولا:- ففي حديث قصة شارب الخمر (قد يكون هو عبد الله صاحب الرواية السابق ذكرها الذي أثبت له الرسول المحبة .. وقد يكون غيره .. على اختلاف بين العلماء) .. المهم تأمل القصة التالية ..

- فعن أبي هريرة قال:(أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَقَالَ: «اضْرِبُوهُ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ») صحيح أبي داوود.

- وفي رواية البخاري: (أتي بسكران) وفي آخرها (لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ) ..

- وفي رواية بلفظ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «بَكِّتُوهُ» فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ، مَا خَشِيتَ اللَّهَ، وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرْسَلُوهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " وَلَكِنْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) صحيح أبي داوود.

- وحتى تجمع الروايات فتكون القصة هكذا عن أبي هريرة قال: (أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَقَالَ: «اضْرِبُوهُ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ) (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِأَصْحَابِهِ: بَكِّتُوهُ .. فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ: مَا اتَّقَيْتَ اللَّهَ، مَا خَشِيتَ اللَّهَ، وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ثُمَّ أَرْسَلُوهُ) (فَلَمَّا انْصَرَفَ .. قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ .. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَا تَقُولُوا هَكَذَا)(لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ) (وَلَكِنْ قُولُوا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) ..

* بعض المستفاد من مجموع أحاديث قصص شارب الخمر:

1- النهي عن لعن مرتكب الكبيرة ..

2- النهي عن الدعاء على مرتكب الكبيرة ..

3- التوجيه بالدعاء المغفرة والرحمة لمرتكب الكبيرة ..

4- تكرار الكبيرة لا يسلبك محبتك لله ورسوله ..

5- مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان .. بدليل لفظ (أخيكم) ..

6- لا تكون عون للشيطان على أي عاص .. وإلا لو قمت بلعنه والدعاء عليه وزجره بما تهواه نفسك وليس تبكيت بالحسنى .. كنت من الذين هم عون للشيطان .. وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تَكونوا عَوْنَ الشَّيطانِ علَى أخيكُم) .. ليه ؟

- لأن أخوة الإيمان ليس من صفاتها تحقير الآخر ولعنه والدعاء عليه لمعصية .. وهذا فعل من هو عون للشيطان ..!!

7- وفي هذا الحديث دلالة على أن الشيطان يستغل نقاط الضعف في الإنسان ليدخل له منها .. وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تَكونوا عَوْنَ الشَّيطانِ علَى أخيكُم) .. ليه ؟

- لأن ذلك سيحطم نفسيته مما يجعله فريسة سهلة لوسواس الشيطان . لأنهم بذلك سيدفعوه لعمل المعصية مرة أخرى .. حينما يجد الرحمة قد تم نزعها ممن حوله .. فيصبح فريسة سهلة للشيطان ليتلاعب به ويقول له : افعل ما تريد طالما أنت أصبحت منبوذا هكذا والناس يكرهوك .. فافعل ما تشاء .. طالما أنت مكروها عند الناس وملعونا في نظرهم ..!!

* مما سبق يتبين لك أن ما يفعله هؤلاء التحقيريين من هم "عون للشيطان" على المؤمنين .. ما هو إلا محض أهوائهم الضالة والمنحرفة .. وليس عن فعل النبي ولا توجيهه .

ثانيا: أما عن اجترائهم على الله وجعل أنفسهم شركاء لله في حكمه .. حيث يحكمون على خلق الله بأنهم أصحاب النار لفعل فعلوه .. فإليك كلام النبي في هؤلاء المغرورين الضالين .. الذين جعلوا من أنفسهم أوصياء على حكم الله .. فيقول صلى الله عليه وسلم: (أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ) صحيح مسلم .

- معنى (يتألى) : أي حلف بالله وحكم على الله أنه سيدخل فلان النار .. أو أن الله لن يغفر لفلان نتيجة معصية فعلها ..

* وماذا كانت عاقبة هؤلاء المتألين على الله ؟

- أن الله أحبط أعمالهم .. وأصابهم بالخيبة جزاء سوء نفوسهم الضالة التحقيرية التي اتخذوا منها عون للشيطان على المؤمن بدلا من أن يعينوا المؤمن ويأخذوا بيديه ويبكتوه تأنيبا له بأن ما كان عليه أن يفعل ذلك لأن هذا خطيئة في حق الله .. ثم يدعو له بالمغفرة والرحمة ..!!

- من فضلك أخي الحبيب: لا تعتقد إلا في كلام الله ورسوله .. ومن وافق كلامه صحيح الكتاب والسنة .. وخلاف ذلك فلا تسمع ولا تلتفت إليه ..!!

- ولا تنسى أخي الحبيب .. أن المعصية لا تحجب المحبة في قلب عبد الله ورضي برسوله .. سواء لغلبة شهوة أو لحدوث غفلة .. طالما لا يستبيح المعصية .. ولا يعتدي على حقوق العباد ..

********************************

..:: سادسا: هكذا يأتيك الشيطان فيخدعك أو يرسل إليك أعوانه من الإنس ::..

(لا تنقطع عن الذكر أبدا .. يا من تفعل العادة السرية – يا أختي غير المحجبة - ويا تارك الصلاة)

 يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..