ج8: رسالة التعريف بالحقائق والتحذيرات الإيمانية - تكرار الذنب لا يجعلك مستهزيء بربك ولا يجعلك منافق - لا تجعل المشايخ يحبسونك في أوحال ذنوبك - لا تنقطع عن الذكر أبدا .. يا من تفعل العادة السرية – يا أختي غير المحجبة - ويا تارك الصلاة - هل فعل المعصية يجعلك في حجاب عن الله ويجعلك في غير معية الله - هل فعل المعصية أو تكرارها مع الإلتزام بالعبادة معناه تراجع في العلاقة مع الله - أليس الإستمرار عمدا على ترك الحجاب وترك الصلاة يسمى إصرارا.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة التعريف بالحقائق والضوابط الإيمانية

لطالب القرب من الحضرة الإلهية

طريقة ومنهج أهل الإيمان في العلاقة مع الله

(أساسيات واجبة  - وضوابط لازمة – وأصول ثابتة  - وتنبيهات هامة)

(الجزء الثامن)

- تحذيرات إيمانية هامة عليك أن تعرفها وأنت تتبع منهج أهل الإيمان -

* فهرس :

::الجزء الثامن:: تنبيهات إيمانية هامة عليك أن تعرفها وأنت تتبع منهج أهل الإيمان ..

:: تابع: الفصل الثاني والتنبيه العاشر: تنبيهات خاصة ومهمة جدا ::

1- سادسا: تكرار الذنب لا يجعلك مستهزيء بربك ولا يجعلك منافق ؟

2- لا تجعل المشايخ يحبسونك في أوحال ذنوبك ؟

3- سابعا: هكذا يأتيك الشيطان فيخدعك أو يرسل إليك أعوانه من الإنس ؟ فلا تنقطع عن الذكر أبدا .. يا من تفعل العادة السرية – يا أختي غير المحجبة - ويا تارك الصلاة ؟

4- ثامنا: هل فعل المعصية يجعلك في حجاب عن الله ويجعلك في غير معية الله ؟

5- تاسعا: هل فعل المعصية أو تكرارها مع الإلتزام بالعبادة .. معناه تراجع في العلاقة مع الله ؟

6- عاشرا: قد تتسائل فتقول: أليس الإستمرار عمدا على ترك الحجاب وترك الصلاة يسمى إصرارا ؟

  ******************************

(تابع : الفصل الثاني)

تنبيه خاص جدا .. قد يدمرك نفسيا وإيمانيا ::

:: متابعة واستكمال : التنبيه العاشر :: 

(المعصية ولو كبائر لا تسقط عنك محبة الله ورسوله)

- فافهم واعقل ما أخبرك به حتى لا تضيع -

***********************************

:: لا تلتفت لهذه الأقوال لأنها باطلة وغير صحيحة ::

..:: سادسا: تكرار الذنب لا يجعلك مستهزيء بربك ولا يجعلك منافق ::..

(لا تجعل المشايخ يحبسونك في أوحال ذنوبك)

* أخي الحبيب .. أتابع معك ما ذكرناه سابقا عما يواجهك في طريقك الإيماني مع بعض النفوس التي توذي المؤمن العاصي سواء بعمد او بجهل .. وكأنهم يستمتعون بالأذى النفسي له .. حتى يجعلوه يائس من حياته الإيمانية .. حتي يبرهنوا أنهم كانوا على صواب لما آذوه نفسيا ..!!

* من الغريب أن نجد البعض من الدعاة يقولون كلام غير صحيح في الدين .. ويجعلون منه عقيدة ودين .. !! بل أحيانا يتطاول البعض على الشرع ويجعل من كلام بعض الصالحين شريعة وينشرها بين الناس لأنه يظن أنه لو نقل هذا فهو بذلك سيمنع الناس عن فعل الذنب ..!!

- ولكن الحقيقة أنه قام بتخويف الناس من الذنب حتى جعلهم متعلقين بالذنب .. وليسوا متعلقين بالغفور الرحيم ..!! وهذه جريمة في حق الدين لأن هذا الداعية أو الشيخ اتبع هوى نفسه .. وافتتن بكلام بعض الصالحين .. وجعل ينشر بين الناس ما تظنه نفسه أنه نافع للناس .. وتجاهل كلام الله ورسوله .. وكأن كلام بعض الصالحين أصبح شريعة .. فهل هذه هي الدعوة إلى الله ؟!!

- فمن المقولات التي يقولونها للناس ..

1- مقولة: (كيف تكون محب لله ورسوله وتعصيهما .. فلو كنت محبا ما كنت عصيت) .. وقد أثبت لك سابقا أن المعصية حتى ولو كانت كبيرة لا تسقط عن قلبك حبك لله ورسوله .. فلا تسمح لأحد أن يقول لك ذلك .

2- مقولة: (أن تكرار الذنب يجعلك كالمنافق لأنك تبت ورجعت لذنبك .. فلو كنت صادق لكنت التزمت بتوبتك) .. وقد أثبت لك سابقا أن هذا كلام باطل .. لأن المؤمن ممكن أن يستمر على معصية وهو بين حال التوبة وتكرار المعصية .. والله غفور رحيم ..

3- مقولة: (المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه) .. والبعض يظن هذه المقولة أنها حديث وهي ليست حديث نبوي .. وهو غالبا قول منسوب إلى الصحابي عبد الله بن عباس وبسند ضعيف لم يصح .. وروي عنه أيضا بسند ضعيف مقولة (من طلب العلم لغير العمل فهو كالمستهزئ بربه) رواه الديلمي في الفردوس .. وفي كل الأحوال .. هذه ليست أحاديث نبوية .. بل ونسبة صحتها ونسبتها لابن عباس مشكوك فيها أيضا ..!!

- وعموما هذه المقولة وغيرها من المقولات على لسان بعض السلف أو الخلف .. من النظرة إلى أن فاعل الذنب مستهتر بعلاقته بالله لو كرره .. أو أنه كالمنافق مع الله .. فهذا كلام غير صحيح وباطل وليس من الدين .. بل ومعارض لكلام النبي صلى الله عليه وسلم .. ليه ؟

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت الإيمان لمن يأتي الذنب على فترات متباعدة .. وأيضا أثبت الإيمان لمن ظل مغلوب على معصيته حتى يوم وفاته .. !!

- ولكن أين نجد هذا المعنى في كلامه صلى الله عليه وسلم ..؟

- عن عبد الله بن عباس عن النبي قال (ما من عبدٍ مؤمِنٍ إلَّا وله ذنبٌ ، يعتادُهُ الفينَةَ بعدَ الفينَةِ ، أوْ ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يفارِقُهُ ، حتى يفارِقَ الدنيا ، إِنَّ المؤمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا ، توَّابًا ، نَسِيًّا ، إذا ذُكِّرَ ذكَرَ) رواه الطبراني .. وذكره الألباني في الصحيحة وقال: هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات رجال الصحيح - غير الحسن بن العباس الرازي، وهو ثقة .

- ومعنى الحديث تم شرحه في الجزء السابق .. ولكن ما يهمني هو قول النبي (ما من عبد مؤمن) .. فقد أثبت له الإيمان بالرغم استمرار فعل الذنب سواء على فترات أو دائما .. ولم يقل عنه أنه مستهزيء بربه ..!!

- وكيف تكون مقولة المستهزيء بربه والتي يسميها البعض حديث نبوي .. هي مقولة صحيحة .. وهي تتعارض مع الدين .. ؟!!

- فإذا كانت المعصية حتى لو كررتها عن غلبة شهوة قد جعلتني مستهزءا بربي .. فسأكون موصوف بوصف هو خاص بمعاملة الكافر مع الله .. لأن وصف القرآن لم يأت بالإستهزاء إلا لمن جحد أنبياء الله وأوامر الله عن جحود وكفر ..؟

- فإذا كنت مؤمن وأعصي وأتوب وأعصي وأتوب .. قد جعلوني مستهزئا بالله ربي .. فما هو حال وصف الكافر والملحد والمنافق .. إذا كان صفة الإستهزاء من فعل هؤلاء .. يقول تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) الرعد32 ، ويقول تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ) التوبة64 ، ويقول تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) الأنبياء41 ، ويقول تعالى: (فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الأنعام5 .. 
- وغير ذلك كثير من الآيات تفيد بأن الإستهزاء بالله يكون من الكافر بالله ورسله وليس من المؤمن ..!!

- وطالما جعل بعض الدعاة من المؤمن مستهزيء بالله لأنه عصى وتاب ورجع للمعصية بعد توبته ويجاهد نفسه .. فلماذا يكون مؤمن من أساسه طالما هؤلاء الدعاة جعلوه مساويا في الحكم بالكافر والملحد .. 

- وإذا كان تكرار العصيان فيه استهزاء .. فلماذا وصف الله نفسه بأنه الغفور أي دائم المغفرة ؟!! .. فهذا وصف لا يكون إلا بتكرار معصية من العبد ..!!

- وما هي حينئذ فائدة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .. في تكرار الذنب وقبول توبة العبد كما جدد التوبة .. ؟!

- وما هي حينئذ فائدة كلامه تعالى عن أنه يغفر الذنوب جميعا ؟!

* مما سبق بيانه .. لا يصح أن يقال .. أن العاصي المؤمن مستهزيء بربه .. وإلا فمن يظن أن العاصي مستهزيء بربه .. سيكون تكلم بخلاف ما نعرفه من أسماء الله وصفاته وبخلاف ما جائنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..!!

- ختاما: سُئل الحسن البصري رحمه الله وهو من التابعين : (عَنْ رَجُلٍ لَا يَتَحَاشَى مِنْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا أَنَّ لِسَانَهُ لَا يَفْتُرُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَوْنٌ حَسَنٌ) .. نقلا عن جامع العلوم والحكم لابن رجب ص424

- تعقيبا على كلام الحسن : أن ما قال الحسن البصري هو الدين حقا .. لأن اللَّهُ تَعَالَى قال: (خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) التوبة102 ..

* أخي الحبيب وأختي الفاضلة ..

- لا يلتفت أحد إلى كلام يعارض الشريعة ومخالف لكلام الله ورسوله .. لأن هذه الأقوال قد تؤدي لتدمير حياة إنسان في علاقته مع الله .. وتجعله يائس من معاصيه ..!!

- وعند البعض الآخر تظهر مشكلة خطيرة جدااا .. وهي التعلق بالذنب نتيجة التخويف من النار والعقاب الإلهي .. وكأننا نعبد إله العقاب ولا وجود للرحمة والغفران .. والحقيقة المؤلمة أن جماعة عون الشيطان على العاصي المؤمن .. ومن سار على نهجهم .. يعبدون الله على مزاجهم وليس كما طلب منهم الله ..؟!!

- وبدلا من أن يتعلق العبد المؤمن بالرحيم الغفور .. فهذه الجماعة أخذوا يعلمون الناس كيف يتعلقون بالذنوب وليس بالله .. حتى أصبحت الذنوب كالغرفة المظلمة التي لا يستطيعون الخروج عنها .. وأصبحت محبس لأنفسهم ..!!

- ولو كان التوجيه والإرشاد سليم .. لجعلوا الناس تتعلق بالله الغفور الرحيم .. وليس بالذنب الذي سيدخلهم النار .. !!

- وسيأتي مناقشة مسألة التعلق بالذنب .. لأنه لا يصح لك طريق للإيمان وأنت متعلق بغير الله في قلبك ..

- ولكن حتى لا تتأثر بالمجتمع من حولك أثناء سلوكك الإيماني طلبا لله .. فدعنا نستكمل ما يفعله بعض الناس الذين يجعلونه من أنفسهم شركاء لله في حكمه .. ويدخلون هؤلاء النار وهؤلاء إلى الجنة ..!! وهم من الأخسرين أعمالا ..!!

***********************************

..:: سابعا: هكذا يأتيك الشيطان فيخدعك أو يرسل إليك أعوانه من الإنس ::..

(لا تنقطع عن الذكر أبدا .. يا من تفعل العادة السرية – يا أختي غير المحجبة - ويا تارك الصلاة)

* أخي الحبيب .. أختي الفاضلة ..

- قد تغلبك المعصية مرارا وتكرارا .. فقد تعصي مثلا كالذي يفعل العادة السرية .. وتتوب وتعقد العزم أن لا تعود .. ولكن بعد فترة وبعد أن كنت ملتزم ولك أورادك وذكرك .. فإذا بالشهوة تعلو عليك وقد لا تستطيع مجاهدتها .. فتفعل العادة السرية مرة أخرى ..

1- ويأتيك الشيطان هنا فيقول لك: أنت منافق ومستهزيء بربك ولا عزيمة لك ولا فلاح لك في العلاقة مع الله .. بل لو كان الله يحبك لكان ساعدك واعانك على عدم فعل المعصية ؟!!

- فلا تلتفت لكلام الشيطان .. ولا تيأس ولا تتوقف عن الصلاة ولا عن أورادك ولا أذكارك .. ولا تفكر في ذلك أبدا .. وإلا تكون أخطأت خطأ كبير في حق نفسك وتكون خضعت لوسواس الشيطان .. وضللت السبيل فعلا .. !! بل إذا عصيت فاندم واستغفر واطلب من الله أن يعينك على عدم تكرار الفعل .. وهكذا دائما أبدا يكون حالك مع الله كلما عصيت ..

2- أو قد يأتيك الشيطان أخي الحبيب ويراك لا تصلي .. ويقول لك: كيف تذكر الله وأنت لا تصلي فريضته التي افترضها عليك .. ألا تستحي ؟!! فتوقف حتى تتأدب مع الله وتصلي ..!!

- فلا تلتفت لكلام الشيطان .. واذكر الله سواء تعبد لفظي أو عملي بحُسن خلق مع الناس أو بالصدقة .. وفي نيتك أن تفعل ذلك لأن الله يحب ذلك .

3- أو قد يأتيكي الشيطان يا أختي الفاضلة غير المحجبة ليمنعك عن الذكر .. ويقول لك لا يصح لك ذكر الله وأنتي تعصي الله لأنك تسيرين في الشارع وأنتي بشعرك ويراك الناس هكذا .. فكيف تذكري الله وأنت على معصية ؟

- لا تلتفي للشيطان .. واعملي الخير واذكري الله .. وافعلي كل ما تستطيعيه من أعمال الخير من صدقة وصيام وحُسن خلق في المعاملة واذكري الله كثيرا .. لأن الحسنات يذهبن السيئات .

- أيها السادة الأفاضل: انتبهوا لشيء مهم:

- أن نفس هذا الشيطان الذي يؤثر سابقا عليك .. هو الذي يأتيك أيضا ويقول لك: لابد من الخشوع في الذكر .. وإلا فذكرك لله لا يصح ..!! ولكن في مرحلة الذكر ..!!

* وهنا يأتي سؤالين يا أخي الحبيب وأختي الفاضلة وتلك الأسئلة هي:

1- هل فعل المعصية يمنعك عن الذكر ويجعلك في حجاب عن الله ويجعلك في غير معية الله ؟

 2- هل فعل المعصية أو تكرارها مع الإلتزام بالعبادة .. فهذا معناه تراجع في العلاقة مع الله ؟

*************************

..:: ثامنا: هل فعل المعصية يجعلك في حجاب عن الله ويجعلك في غير معية الله ؟ ::..

- لا .. يا أخي الحبيب .. فلا تسمح للشيطان أن يؤثر عليك .. أو من هم عون للشيطان من الإنس الذين يرسلهم الشيطان ليحبطوك .. لأن فعلك المعصية هو عمل .. وفعل الطاعة هو عمل .. ولذلك يقول تعالى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التوبة102 .. فعملك الصالح دليل على مجاهدتك لنفسك بطاعة أخرى لتجبر بها معاصيك التي تفعلها .. كالذي يصلي النافلة اتباعا للنبي ولتكون جبرا له فيما نقص من صلاة الفرض ..

- ولا تسمح لعون الشيطان من الإنس الذي يستتر وراء الملابس الدينية .. أن يقول لك أن الذكر غير مقبول أو أنت لست في علاقة مع الله طالما لا تصلي أو تغلبك العادة السرية أو يا أختي أنتي غير محجبة .. فأعمالك غير مقبولة والله سيحبطها لكم ..!!

- فهذا إنسان جاهل وعون للشيطان ليمنع المؤمن من عبادة الله .. وأبسط دليل لو قلت له هل تصح الصدقة والحج ؟ سيقول لك نعم تصح طالما المال حلال ..!! فإذا كانت الصدقة تم قبولها وهي عبادة فما الذي يمنع أن يقبل الله باقي العبادات ؟!!

- وكيف تخرج عن معية الله وهو يقول لك (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) البقرة152 .. ويقول في الحديث القدسي(أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي) صحيح البخاري..

- وما فائدة قوله تعالى حينئذ الذي يقول فيه: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود114 .

- واعلم أخي الحبيب وأختي الفاضلة .. أنك لو وجدت في نفسك رغبة في صلاة ركعتين لله .. وأنت لا تصلي .. فصلي أخي الحبيب وأختي الكريمة .. واطلبوا من الله ما تريديون .. فأنتم لستم كفار ..!!

- ولا تسمح للشيطان يقول لك: كيف تصلي ركعتين لله وأنت لا تصلي الفرض أصلا ؟ أهذا يصح ؟ وكيف تقرأ القرآن وأنت غير مصلي ؟ او ما شابه هذا الكلام الشيطاني ..!!

- فلا تخضع لهذا الوسواس الشيطاني الذي غالبا سيأتيك من أعوان الشيطان من عالم الإنس .. الذين يزكون أنفسهم على خلق الله ليظهرون أنفسهم أنهم أهل الكمال وأنت أهل النقص ..!! فلا تلتفت لمراسيل الشيطان .. وأقم عبادتك لله كلما استطعت ذلك .. حتى لو كان لديك خلل وتقصير في عبادة أخرى .. فاخلط عملك السيء بعمل صالح لعل الله يجعل الصالح غالبا لعملك السيء فيجعلك من المهتدين .. فانتبه لما قلته لك .. فقد لا تجده في مكان ..!!

- أما عن حبط الأعمال فهي تكون للمصر المستبيح للذنوب كذنب الكفر والإلحاد والنفاق العقائدي .. أو كالذي يستبيح من الشريعة أحكاما هي حرام ويقول هي حلال .. أو كالذي يحارب الدين بأي وسيلة ممكنة .. لذلك يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) آل عمران21-22.

- ويقول تعالى عن المرتد عن دينه الذي رجع للكفر بعد أن كان مؤمن : (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة217.

- ويقول تعالى عن المشرك الذين نسبوا ما لله إلى بعض خلق الله: (وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) الأنعام88.

- ويقول تعالى عن الجاحد للشريعة لأنه لا تعجبه أحكام الله: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة5 .

- ويقول عن الملحد وأشباهه: (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) الأعراف147.

- ويقول تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) محمد9.

- ويقول عن الذي يسيء الأدب مع النبي حتى ولو مؤمن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الحجرات2.

* يبقى أخي الحبيب أو أختي الفاضلة الذي فعلت المعصية .. تجد أن الله يحبط أعمال من ارتد وكفر عن دينه أو جحد احكام شرعية وأنكرها .. أو ممكن يكون مؤمن ومسيء للنبي صلى الله عليه وسلم كما الذين يدعون الناس في زماننا لإنكار عبادة الصلاة على النبي لفظيا وجحدوا كلامه الشريف .. أوكالذي يستمتع باتهام أبواي الرسول أنهما في النار وكأنه يقلل من شان النبي صلى الله عليه وسلم .. وهذا محض توهم من قائله ودلالة على خسيسة نفسية فيه لاستمتاعه بذلك .. ولا حاجة لنا لمناقشته ..!!

- ولكن اعلم أخي الحبيب وأختي الفاضلة أن الأنفاس قليلة ويوم القيامة قريب .. فمتى ستلتزم مع الله يا أخي الحبيب وأختي الفاضلة ..؟!! .. فلا تجعل الحياة تغرك وتجعلك في غفلة حتى لا تضيع أوقاتك فيما لا خير فيه .. وقد تسيء لنفسك بسبب ظلمك لنفسك بابتعادك عن العمل مع الله ..

******************************

..:: تاسعا: هل فعل المعصية أو تكرارها مع الإلتزام بالعبادة .. معناه تراجع في العلاقة مع الله ؟ ::..

- أخي الحبيب .. تكرار المعصية .. ليس دليل عن تراجع علاقتك مع الله .. وإنما دليل على أنك لازلت تريد أن تجتهد أكثر حتى تقهر نفسك .. وليس دليل على بعد الله عنك ولا أنك محجوبا عن رحمة الله وغفرانه .. فافهم حتى لا تندم ..!!

- بل كلما عصيت فارجع إلى الله بالندم واعترف بذنبك واستغفر وتب وكن مؤمنا قويا في طلب الود من الله .. وكلما عصيت .. قم مرة أخرى مع الله وجاهد نفسك .. وقف بقلب مؤمن وقل: أنت حبيبي يارب لأنك الودود .. فأعني على نفسي التي تغلبني ..!!

* وكلما عصيت ورجعت لنفس الذنب .. فجاهد وقف مرة أخرى وقل يارب ساعدني وخد بيدي فإني ضعيف ..!!

* وهكذا طوال حياتك لا تتوقف عن مجاهدة نفسك وإن غلبتك .. وإن غلبتك .. وإن غلبتك .. فارجع إلى الله .. وارجع إلى الله .. وارجع إلى الله .. هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كما سبق في الأحاديث الكثيرة السابقة عن تكرار الذنب ..!!

***************************

..:: عاشرا: قد تتسائل فتقول: أليس الإستمرار عمدا على ترك الحجاب وترك الصلاة يسمى إصرارا ؟ ::..

* قد يجول بخاطرك سؤال مهم: بعد قرائتك للجزئية السابقة الخاصة بترك الحجاب وترك الصلاة .. وهذا السؤال هو: أليس ترك الحجاب وترك الصلاة هو إصرار على المعصية .. فكيف ينال العبد الغفران حينئذ طالما هو مصر على خطيئته ..؟!!

- الجواب:

- لا ينال الغفران فيما هو يصر عليه .. وليس على مجموع علاقاته مع الله .. لأنه من المفترض أن يجتهد ويحاول أن يصلح هذا الخلل في العلاقة مع الله .. لو باعمال صالحة أخرى استرضاءا لله .. كفعل الصدقات أو حسن المعاملات أو النصيحة الصادقة أو مساعدة الناس أو إكرام ضيف أو مساعدة محتاج أو دفع دين أو إطعام طعام أو كسوة مسكين .. أو نشر معلومات فيها خير للناس .. وهكذا ..

- يبقى الإصرار يوقف لك المغفرة على نفس ذات الذنب الذي تفعله وتستغفر منه .. ولكن باب الغفران وتكفير السيئات يظل مفتوح أمام المعاملات الأخرى .. لأن الحسنات يذهبن السيئات ..!!

- ولكن خد بالك .. ما ذكرته لك هو جزء من معاملة الله معنا .. ولكن هناك جزء آخر يمنحه الله للعبد بمحض الفضل وهو الغفران لمن يشاء بغير حساب ..!!

- ودليل ذلك:

1- هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خمسُ صلواتٍ افترضَهُنَّ اللَّهُ علَى عبادِهِ فمن جاءَ بِهِنَّ لم ينتقِصْ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ فإنَّ اللَّهَ جاعلٌ لَه يومَ القيامةِ عَهْدًا أن يُدْخِلَهُ الجنَّةَ ومن جاءَ بِهِنَّ قدِ انتقَصَ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ لم يَكُن لَه عندَ اللَّهِ عَهْدٌ .. إن شاءَ عذَّبَهُ وإن شاءَ غفرَ لَهُ) صحيح بن ماجه.

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- معنى (استخفافا) : أي متهاونا في أدائها .. أو بالترك لها تكاسلا وليس جحودا (والجحود هو أن يقول: أنه ترك الصلاة لأنها ليست فرض ولا من الشرع ومنكرا لها .. فهذا خارج عن سبيل المؤمنين تماما) ..

- معنى (لم يكن له عند الله عهد): لم يكن له وعد مؤكد بأن يدخل الجنة مع الداخلين من البداية .. ولا عهد له بالأمان من العقاب على تركها لأن له أن يعقابه على تركها ..

- وجاء بذكر الصلاة على وجه الخصوص دون سائر العبادات المفروضة والواجبة .. لمزيد الإعتناء بها ودليل على صدق العبودية مع الله .. ولأنها كبيرة على النفوس لتكرارها يوميا خمس مرات فمن يؤديها فهو سيؤدي ما هو أقل منها من العبادات في التكرار حيث يتم فعلها على فترات زمنية بعيدة كالزكاة والحج والصيام ..

- لطيفة: ولو انتبهت لقوله في الحديث (جاءَ بِهِنَّ لم ينتقِصْ منهنَّ شيئًا) .. فيه إشارة ليس فقط انتقاص بترك الصلاة .. وإنما بملحقات الصلاة التي يترتب عليها من إلتزامات من ابتعاد عن الفحشاء والمنكر وفعل للطاعات في سائر العبادات والمعاملات .. لأن المصلي صلاته من المفترض أن تفعل به ذلك .. فكأن سائر الفروض مدرجة تبعا لعبادة الصلاة .. ولذلك اهتم بذكرها دون غيرها .. والله أعلم في كل ما سبق .

* قال الإمام السندي رحمه الله (المتوفى: 1138هـ):

- قوله: "أن يدخله" أي: بأن يدخله من الإدخال، والمراد الإدخال أولًا، وإلا .. فمطلق الإدخال يكفي فيه مجرد الإيمان، وهذا يقتضي أن المحافظ على الصلوات يوفق للصالحات بحيث يدخله الجنة ابتداء "استخفافًا بحقهن" أي: لقلة الاهتمام والاعتناء بها، والحديث يدل على أن تارك الصلاة مؤمن .. "عذبه" أي: بقدر ذنوبه.

كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه ج1 ص427

   

2- وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا ، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ : أتنكرُ من هذا شيئًا ؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ ؟يقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : أفلَكَ عذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلَى ، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً ، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، فيقولُ : احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ ؟ فقالَ : فإنَّكَ لا تُظلَمُ ، قالَ : فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ ، والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ) صحيح الترمذي.

- فالعدل هو أن تعاقب على عصيانك لله .. ولكن الفضل هو أن يتجلى عليك بغفرانه لحكمة هو يعلمها فيك "وسأذكر أمثلة بعد قليل" .. ولكن لا تظن بدون عمل .. لعلك تعمل عملا يقبلك به الله بالرغم من استمرارك على المعصية .. ويكفي لهذا العمل هو الإيمان القلبي الصادق بالله ورسله "في كل الأزمان" ..

* الدليل على أن الله قد يغفر لك حتى ولو كنت مستمر على معصية .. ولكن تفعل طاعة أخرى .. فقد يجبرك بهذه الطاعة الأخرى فيمحو ذلك بذلك فضلا منه.. 

* أولا من القرآن :

1- قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) النّساء48.

- وجملة (لمن يشاء) : تشمل الغفران بمحض الفضل .. كرامة لخضوعك بالإعتراف لربك ومولاك الله .. أنه إلهك الحق ...

- يقول الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله:

والمعنى: إن الله لا يغفر لكافر مات على كفره، ويغفر ما دون الكفر من الذنوب والمعاصي لمن يشاء أن يغفر له إذا مات من غير توبة. فمن مات من المسلمين بدون توبة من الذنوب التي اقترفها فأمره مفوض إلى الله، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة.

التفسير الوسيط ج3 ص177

- ولا تنسى أن التوحيد هو عمل مع الله .. لأنه عمل قلبي .. وأساس العلاقة مع الله .. ثم يتبع ذلك العمل المرتبط بهذا الإيمان ..

* ثانيا من الأحاديث :

1- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ، مَرَّتْ بكَلْبٍ علَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فأوْثَقَتْهُ بخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ له مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بذلكَ) صحيح البخاري .

- معنى (امراة مومس): أي مهنتها هي الدعارة أي تجاهر بالزنا ..

- معنى (رأس ركي) : أي حافة بئر ..

- معنى (خفها) : أي حذائها ..

- معنى (خمارها): أي الطرحة التي عليها خلعتها لتستخدمها كحبل تربط به حذائها وتنزله في البئر لتجلب للكلب الماء .

2- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ له مِنَ الخَيْرِ شيءٌ، إلَّا أنَّه كانَ يُخالِطُ النَّاسَ، وكانَ مُوسِرًا، فَكانَ يَأْمُرُ غِلْمانَهُ أنْ يَتَجاوَزُوا عَنِ المُعْسِرِ، قالَ: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: نَحْنُ أحَقُّ بذلكَ منه، تَجاوَزُوا عنْه) صحيح مسلم وصحيح بن ماجة .

- معنى (موسرا): أي ييسر على الناس .. حيث كان هذا الرجل يذهب إليه الناس ويقترضون منه المال .. وكان ييسر على الناس في سداد الديون ، ويؤخر من تعسر في السداد ولا يطالبه ولا يشق عليه ..

- وفي رواية بلفظ (أنَّ رجلًا لم يعملْ خيرًا قطُّ ، و كان يُداينُ الناسَ ، فيقولُ لرسولِه : خُذْ ما تيسَّر ، و اتركْ ما عَسُرَ و تجاوزْ ، لعل اللهَ يتجاوزُ عنا . فلما هلك قال اللهُ له : هل عملتَ خيرًا قطُّ ؟ قال : لا ، إلا أنه كان لي غلامٌ ، و كنتُ أُدايِنُ الناسَ ، فإذا بعثتُه يتقاضى قلتُ له : خُذْ ما تيسَّرَ ، و اتركْ ما عَسُرَ ، و تجاوزْ ، لعل اللهَ يتجاوزُ عنا . قال اللهُ تعالى : قد تجاوزتُ عنك) صحيح بن حبان.

3- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى راهِبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنَّه قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ به مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى رَجُلٍ عالِمٍ، فقالَ: إنَّه قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَن يَحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ، فانْطَلَقَ حتَّى إذا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتاهُ المَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فقالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاءَ تائِبًا مُقْبِلًا بقَلْبِهِ إلى اللهِ، وقالَتْ مَلائِكَةُ العَذابِ: إنَّه لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فأتاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بيْنَهُمْ، فقالَ: قِيسُوا ما بيْنَ الأرْضَيْنِ، فَإِلَى أيَّتِهِما كانَ أدْنَى فَهو له، فَقاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أدْنَى إلى الأرْضِ الَّتي أرادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ. قالَ قَتادَةُ: فقالَ الحَسَنُ ذُكِرَ لَنا، أنَّه لَمَّا أتاهُ المَوْتُ نَأَى بصَدْرِهِ) صحيح مسلم.

4- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزَعَ رجلٌ لم يَعْمَلْ خيرًا قطُّ غُصْنَ شوكٍ عن الطريقِ، إما كان في شجرةٍ فقَطَعَه وألقاه ، وإما كان موضوعًا فأَماطَه، فشَكَرَ اللهَ له بها؛ فأدَخَلَه الجنةَ) صحيح أبي داوود.

5- عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ، فَلَمَّا احْتُضِرَ قَالَ لِأَهْلِهِ: انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ أَنْ يُحْرِقُوهُ حَتَّى يَدَعُوهُ حُمَمًا، ثُمَّ اطْحَنُوهُ، ثُمَّ اذْرُوهُ فِي يَوْمٍ راحٍ . فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَبْضَةِ اللهِ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: أَيْ رَبِّ مِنْ مَخَافَتِكَ. قَالَ: فَغُفِرَ لَهُ بِهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: اسناده متصل صحيح .. وذكره الألباني في الصحيحة .. وأصل الحديث في البخاري ولكن بدون لفظ (التوحيد) ..

- معنى (حمما): أي أصبح جسده متفحما كالفحم .

- معنى (اطحنوه): أي اجعلوه كالرماد .. "مثل البودره" ..

- معنى (اذروه): أي ألقوا هذا الرماد في الهواء

- معنى (يوم راح) : أي يوم فيه ريح قويه .. حتى يتفرق هذا الرماد في كل مكان شرقا وغربا ..

* سؤال اعتراضي للعقل .. حيث قد يتسائل فيقول: ماذا عن حقوق العباد .. كيف سيأخذون حقهم ممن ظلمهم .. ؟!!

- الجواب : قد يكون للظالم أعمال صالحة فيأخذها المظلوم ليستوفي حقه ممن ظلمه .. فإن لم يعمل خيرا قط إلا التوبة الصادقة مع الله أو عملا ابتغى به وجه الله مخلصا .. فالله يكرم  بسبب التوبة والعمل الصالح .. هذا التائب الصادق وصاحب العمل الصالح في حقوق الآخرين عليه .. وذلك بأن يعوض الله المظلوم بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك كما جاء في بعض الروايات .. والله أعلم .

- ولكن كل هذا يقتضي توبة صادقة تجتهد في الوصول إليها بالمحاولة مرارا وتكرارا حتى آخر نفس في عمرك .. واعمل بالإخلاص مع الله ..

- وتذكر أخي الحبيب وأختي الفاضلة :

إن المؤمن لو مات ولم يتب عن معصية كان يفعلها كترك الصلاة أو ترك الحجاب .. ولكن كان مؤمنا في قلبه بالتوحيد "وهذا عمل مع الله" .. فهو في ذمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .. لأن الله يقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء48 ..

وراجع ما قلناه سابقا عن هذه الآية ..

- ولكن لا تركن في علاقتك مع الله على ذلك الفضل .. فاأنت لا تعلم ما هي الخواتيم وما هو القدر الذي ينتظرك .. فلعلك لا تكون من أهل الفضل في هذه الآية السابقة ..  لأن جملة (يغفر ما دون ذلك) لم يحدد فيها هل كل شيء من الذنوب أم بعض الذنوب أم قليل منها .. وجملة (لِمَنْ يَشَاءُ) قد لا تكون أنت من أهل هذه المشيئة ..؟!! فاجتهد في العمل مع الله واترك الفضل لصاحب الفضل يدبره لك كما يشاء ..  والله ذو الفضل العظيم ..!!

* سؤال آخر: قد تتسائل فتقول .. وكيف نفسر قوله تعالى:(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) النساء18 .. يدل على أن الموت لتارك الصلاة بدون توبة يدخله مع الكفار لأنه فعل سيئة ولم يتب عنها .. ؟!!

- الجواب:

1- أخرج الطبري في تفسيره بإسناده عن الربيع بن أنس قال: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}، قال: نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين، يعني: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ)، والأخرى في الكفار، يعني: (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ). "تفسير الطبري 4/ 303."

2- أخرج الطبري في تفسيره بإسناده عن ابن عباس، في قوله: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) قال: ثم أنزل الله بعد ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء48 .. فحرم الله المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجى أهل التوحيد إلى مشيئته، ولم يُؤيسهم من المغفرة . "تفسير الطبري 4/ 304."

- قال أبو الحسن الواحدي رحمه الله: وإذا كانت الآية نازلة إما في الكفار أو المنافقين، على قول الصحابة والتابعين الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، فلا وجه لحملها على أهل الصلاة .

التفسير البسيط 6/392 .

- فانتبه حتى لا تتهم المؤمن العاصي الذي مات على ذنب يفعله:

- ولا تكن من جماعة التحقيريين الذي امتلأت قلوبهم شرا بتحقير كل من كان يرونه يعصي ومات على معصية .. فيعيبوا فيه تحقيرا له .. وكأنهم هم الذين يزكون أنفسهم بطاعة الله .. ونسوا أن الله يزكي من يشاء ..!!

1- ونسوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ، فإنَّهُمْ قدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا) صحيح البخاري.

- والسب هنا: معناه الإساءة بالكلام على الميت ..

- ومعنى (أفضوا): أي وصلوا إلى المكان الذي سيجدوا فيه جزاء أعمالهم من ربهم إن خيرا فخيرا وإلا خلاف ذلك .. ورب العالمين هو من يحاسب العباد على الأعمال ..

2- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتَ صاحِبُكم فدَعُوه، ولا تَقَعُوا فيه) رواه أبي داوود .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.

- وفي رواية بلفظ (لا تذكروا هلكاكم إلا بخير) رواه النسائي .. وقال الأرنؤوط في تخريج المسند7/261: اسناده صحيح .

- معنى (فدعوه): أي اتركوه لحاله فهو بين يد الله ..

- معنى (لا تقعوا فيه): أي لا تخوضوا فيه بكلام مسيء ..

- معنى (هلكاكم): أي موتاكم .

(لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ، فإنَّهُمْ قدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا)

3- وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ، فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين

4- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذْكُرُوا محاسنَ موتاكُمْ، وكُفُّوا عنْ مساوِيهِم) رواه بن حبان وأبي داوود والترمذي والحاكم .. وقد صححه الحاكم وصححه السيوطي في الصغير وحسنه بن حجر في المشكاة .. وقال الأرنؤوط في تخريج المسند4/467: حسن في الشواهد، وفي تخريجه لأبي داوود قال: صحيح لغيره وهذا سند ضعيف ..، وقال الألباني: ضعيف ..

- قلت (خالد صاحب الرسالة) : الحديث وإن كان فيه ضعف إلا أن له شواهد صحيحه ترتقي به للحسن بشواهده على أقل تقدير .. ولعل الألباني لم ينتبه أو لم يوفق ليضعه في الصحيحة كما فعل مع غيره من الأحاديث المشابهة التي لها شواهد صحيحة .. !!

* أخي الحبيب .. أختي الفاضلة ..
- خلاصة ما سبق .. هي أن استمرارك على الذنب .. هو حقيقة يسمى إصرارا على المعصية وهذا الإصرار قد يحجب عنك غفران هذا الذنب .. ولكن عليك ان تجتهد وتحاول مرارا وتكرارا في مجاهدة نفسك لتمتنع عن العصيان .. واجتهد أن تخلط عملك الطالح بعمل صالح .. فأكثر من الصدقات والمعاملات الطيبة مع الخلق .. عسى الله يجبر لك الخلل الذي فيك بكرامة منه وفضلا .. لأنه لابد أن يكون لك عمل مع الله .. حتى ولو كنت ترجو بصدق دعاء أن يتوب الله عليك حتى وإن لم تستطع مجاهدة نفسك .. والله غفور رحيم ..!!

* وتذكر أخى الحبيب .. أختي الفاضلة .. 
أن الحقيقة المطلقة .. تجدها في قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) الحديد20 ..

- والغُرور: هو مأخوذ من الغِرَّة .. أي الغفلة من حيث لا تنتبه ..

- والغَرور (بفتح الغين) : هو كل ما يستدرجك للغفلة ويصيبك بها من مال وجاه وشيطان .. حتى لا تنتبه للقاء الله ..

- وكأن الله يقول لك: انتبه لأن الدنيا في متعتها غفلة عن الله .. فلا تتعلق بها وتنسى مغفرة الله ورضوانه ولا تنسى أيضا أنه شديد العقاب .. والله أعلم .

**************************

..:: الحادي عشر : ماذا تفعل لو كنت مبتلى في نفسك أو زوجك أو أولادك أو أخواتك أو مالك او سلطتك ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..