ج2: رسالة المناجاة في جواز السجود بغير صلاة - ما معنى السجود - هل يجوز السجود في غير الصلاة - هل السجود ينفع في كل وقت في غير سجود تلاوة وشكر - رأي الشيخ بن تيميه في السجود المطلق - رأي الشيخ الشوكاني السجود المطلق - مسألة ختامية : هل السجود أفضل أم القيام أم الركوع - خلاصة مسألة جواز السجود على إطلاقه دون تقييد - تزكية نفس وفوائد روحية وإيمانية مع قول النبي (أعني على نفسك بكثرة السجود) - هل تريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

..:: رسالة المناجاة ::..

:: في جواز الإستخارة والسجود بغير صلاة ::


(الجزء الثاني)

* فهرس:

1- ما معنى السجود ؟

2- هل يجوز السجود في غير الصلاة ؟

3- هل السجود ينفع في كل وقت في غير سجود تلاوة وشكر ؟

4- رأي الشيخ بن تيميه في السجود المطلق ؟

5- رأي الشيخ الشوكاني السجود المطلق ؟

6- تعليق بسيط على بحث الشيخ الشوكاني ؟

7- مسألة ختامية : هل السجود أفضل أم القيام أم الركوع ؟

8- خلاصة مسألة جواز السجود على إطلاقه دون تقييد ؟

9- ختامها مسك: تزكية نفس وفوائد روحية وإيمانية مع قول النبي (أعني على نفسك بكثرة السجود) ؟

10- هل تريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ؟

*****************************

:: الفصل الثاني ::

..:: ثانيا: مسألة هل يجوز السجود بين يدي الله في غير سجود صلاة أو تلاوة أو شكر ::..

*************************

..:: معنى السجود ؟ ::..

- يقال شجرة ساجدة .. أي شجرة مائلة ..

- فالسجود معناه: انحناء أو ميل .. والمقصود به هنا الخضوع والإنقياد لله طواعية أي باختيارك .. ويكون السجود بوضع الجبهة على الأرض لإظهار صدق العبودية أمام عظمة الربوبية ..

****************************

..:: هل يجوز السجود في غير الصلاة ؟ ::..

- نعم يجوز السجود في غير سجود الصلاة .. وذلك كما في سجود التلاوة وسجود الشكر ..

- ودليل ذلك :

1- سجود التلاوة: عن عبد الله بن عمر قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقرأُ علينا السُّورةَ ، في غيرِ الصَّلاةِ ، فيسجدُ ونسجدُ معَهُ حتَّى لا يجِدَ أحدنا مَكانًا لموضعِ جبْهتِهِ) صحيح أبي داوود.. وفي البخاري بدون لفظ (في غير الصلاة) ..

2- سجود الشكر: عن أبي بكرة نفيع بن الحارث قال عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كانَ إذا أتاهُ أمرٌ يسرُّهُ أو بشِّرَ بِه خرَّ ساجدًا شُكرًا للَّهِ تبارَك وتعالى) صحيح بن ماجه .. وقد حسنه الألباني.

***********************

..:: هل السجود يصح فعله في غير سجود الصلاة والتلاوة والشكر ؟ ::..

- نعم .. السجود لله يصح كعبادة مطلقة ودون تقييد – والله أعلم - .. أي دون تقييد بأن يكون في سجود صلاة أو سجود تلاوة أو سجود شكر .. ولكن هناك بعض العلماء من قيده بسجود الصلاة وسجود التلاوة وسجود الشكر ..

- وهناك من قيده بسجود الصلاة فقط لأن كثيرا من ألفاظ القرآن تشير إلى أن المراد من السجود هو الصلاة كقوله تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق19 ..

- ولكن فات على هؤلاء أنه ليس عموم القرآن يقصد من وراء لفظ السجود هو الصلاة ذات القيام والركوع والسجود .. لأن الله قال لملائكته (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة34 ..!!

* والدليل على أن السجود يصح في غير سجود الصلاة وسجود التلاوة وسجود الشكر .. هو الآتي:

1- يقول تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا . قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا . وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الإسراء106-109.

- فإذا كان عظمة الآيات يجد القلب فيها عظمة ليسجد لله تعظيما وشكرا على كلامه الذي نهتدي به .. وهذا يحدث مع أهل الكتاب الذي يتحولون للإيمان بالإسلام حينما يسمعون كلام الله .. فما بالنا بالمؤمن المصدق لكلام الله .. ألا يسجدون لله تعظيما له خوفا منه ورجاء فيه ؟!!

- والآيات غير مختصة بسجدة تلاوة معينة وإنما تتكلم عن مطلق آيات القرآن ..

- فثبت بذلك أن السجود منفردا هو عبادة خاصة بذاتها .. ومنها السجود لآيات الله في غير سجود تلاوة أو سجود شكر .. وهذه العبادة قد سمح بها الله جل جلاله طالما كانت قائمة على التعظيم والخشوع لله رب العالمين .

2- عن عكرمة مولى ابن عباس (قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَاتَتْ فُلَانَةُ لِبَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَجَدَ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَسْجُدُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا»، فَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صحيح الترمذي وأبي داوود.

- ولو كان السجود فقط لسجدة التلاوة أو سجدة الشكر .. ما كان بن عباس سجد حينما علم وفاة بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .. لأنه بالتأكيد لم يسجد للتلاوة .. وبالتأكيد لم يسجد لله شكرا على وفاة بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

- ويكفيك قولا قاطعا في المسألة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا) .. أي إذا رأيت ما فيه عظمة لفعل الله .. فاسجدوا لله تعظيما له وإجلالا ..

- ويكفي من الآيات أن الله عظيما جليلا .. وترى نفسك صغيرا حقيرا .. أمام ربك العظيم الجليل .. فتجد نفسك ساجدا بين يديه معظما له جل جلاله ..!!

3- عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأسلمي قَالَ: (كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ! قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) صحيح مسلم .. ورَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد .

* قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى:656 هـ):

- قوله (أعِنِّي على نفسك بكثرة السجود): أي الصلاة؛ ليزداد من القرب ورفعة الدرجات، حتى يقرب من منزلته، وإن لم يُساوِهِ فيها.

المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم ج2 ص94

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قوله (بكثرة السجود): لا دليل فيه هذا الحديث أنه النبي صلى الله عليه وسلم يقصد سجود الصلاة أو حتى سجود التلاوة والشكر .. فلا تخصيص فيه .. بل هو كلام مطلق عن السجود .. ومن يقول بالتخصيص فعليه بالدليل اليقيني على ذلك وليس بمحض الظن .. وإلا فالحديث لفظه مطلق وعام سواء كان سجود صلاة أو تلاوة أو شكر أو سجود لتعظيم الله بصورة مطلقة دون تخصيص ..

4- عَنْ ثَوْبَانَ مولى رسولِ الله صلَّى الله عليه قَالَ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ بِهَا عَنْكَ خَطِيئَةً) . صحيح مسلم .. وكذلك رواه أحمد وأبي داوود.

- وفي رواية : عن مَعْدانُ بنُ أبي طَلْحةَ قال: (لقيتُ ثوبانَ مولى رسولِ الله صلَّى الله عليه فَقُلتُ: أخْبِرْنِي بعَمَلٍ أعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ به الجَنَّةَ؟ أوْ قالَ قُلتُ: بأَحَبِّ الأعْمَالِ إلى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقالَ: سَأَلْتُ عن ذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: "عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً"- قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته. فقال لي مثل ما قال لي ثوبان) صحيح مسلم.

* مع آراء شرَّاح الحديث ومناقشتها:

* قال الإمام المظهري رحمه الله (المتوفى: 727 هـ):

 - (عليك بكثرة سجود) أراد بـ (السجود): أن يسجدَ في الصلاة، أو سجدة التلاوة أو الشكر، وأما السجود في غير الصلاة وغير سجود السهو والتلاوة والشكر - كما هو عادة بعض الناس - فالأصحُّ أنه لا يجوز .

المفاتيح في شرح المصابيح ج2 ص15.

* قال بن الملك رحمه الله (المتوفى: 854 هـ):

- (عليك بكثرة السجود لله): أراد به سجود الصلاة، أو سجود التلاوة، أو الشكر.

شرح مصابيح السنة ج2 ص19

- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا على كلام الشيخين المظهري وبن الملك رحمهما الله:

- لا تخصيص في الحديث على سجود الصلاة أو سجود التلاوة أو سجود الشكر .. فلا يصح أن نقول أن مراد الحديث هو كذلك .. طالما لا يوجد ما يؤكد هذا التخصيص .. وهذا هو قول الإمام المحب الطبري رحمه الله ..!!

* قال الإمام الصنعاني رحمه الله (المتوفى: 1182هـ):

(أنك لا تسجد لله) مخلصًا بها له (سجدة) يحتمل واحدة من السجدات فتؤخذ منه مشروعية السجدة مفردة عن الصلاة لغير التلاوة والشكر ..، ويحتمل أن يراد بها الصلاة كما قد عبر بها عنها في غيره من إطلاق الجزء على الكل .

التنوير شرح الجامع الصغير ج2 ص510 .. باختصار

- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا على كلام الصنعاني رحمه الله:

- إذا تطرق الإحتمال .. يتم تحميل الحديث على الإجمال .. أي يشمل كلا الرأيين دون تخصيص لأحد دون الآخر .. فيحتمل سجود التلاوة والشكر وغيرهما من مطلق السجود كلما أراد المؤمن السجود لله .

* ثم قال الإمام الصنعاني رحمه الله (المتوفى: 1182هـ):

- (بكثرة السجود) أي في الصلاة بأن يطيله أكثر من غيره من الأركان أو بكثره الصلاة فأطلقه عليها .. أو السجود نفسه مجردًا عن الصلاة .. إلا أنه صحح الرافعي أنَّ التقرب بسجدة فرده بلا سبب حرام ..!!

- وتعقبه المحب الطبري: بأن جواز ذلك أولى بل لا يبعد ندبه .. فإنه عبادة مشروعة استقلالًا مطلقًا، قال: والحديث يقتضي كل سجود .. وحمله على السجود في الصلاة خلاف الظاهر.

التنوير شرح الجامع الصغير ج7 ص280

- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا على فتوى الرافعي رحمه الله:

- سواء قائل هذا التحريم هو الرافعي أو غيره  .. فهذا التحريم الذي زعمه الرافعي لا دليل عليه .. وفتوى باطلة يسأل عنها صاحبها أمام الله .. لأنه أفتى بالتحريم دون حجة له ولا دليل ولا برهان على هذا التحريم .. وقام بتأثيم من يسجد لله منفردا بلا دليل لديه .. وكأنه يتألى على الله في الحكم على عبادة المؤمنين .. وكل من يوافقه هذا الرأي ولم يأت بالدليل على التحريم فقد كذب على الله في الحكم .. ويندرج حاله تحت قوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) النحل116 ..!!

- والله أعلم في كل ما سبق ..

*************************

..:: رأي الشيخ بن تيميه في السجود المطلق ::..

* قال الشيخ بن تيميه رحمه الله (المتوفى: 728هـ):

- وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ السُّجُودَ يُشْرَعُ مُنْفَرِدًا عَنْ الصَّلَاةِ: كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَسُجُودِ الشُّكْرِ، وَكَالسُّجُودِ عِنْدَ الْآيَاتِ .. فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ سَجَدَ، وَقَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنَا إذَا رَأَيْنَا آيَةً أَنْ نَسْجُدَ» .

- وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي السُّجُودِ الْمُطْلَقِ لِغَيْرِ سَبَبٍ، هَلْ هُوَ عِبَادَةٌ أَمْ لَا؟

- وَمَنْ سَوَّغَهُ يَقُولُ: هُوَ خُضُوعٌ لِلَّهِ، وَالسُّجُودُ هُوَ الْخُضُوعُ، قَالَ تَعَالَى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: السُّجُودُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْخُضُوعُ.

- وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا رُكَّعًا مُنْحَنِينَ، فَإِنَّ الدُّخُولَ مَعَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ لَيْسَ سُجُودُ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَضْعَ جِبَاهِهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، لَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ: إنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

- فَعُلِمَ أَنَّ السُّجُودَ اسْمُ جِنْسٍ، وَهُوَ كَمَالُ الْخُضُوعِ لِلَّهِ، وَأَعَزُّ مَا فِي الْإِنْسَانِ وَجْهُهُ، فَوَضْعُهُ عَلَى الْأَرْضِ لِلَّهِ غَايَةُ خُضُوعِهِ بِبَدَنِهِ، وَهُوَ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَقَالَ تَعَالَى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) العلق19 .. فَصَارَ مِنْ جِنْسِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُشْرَعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ: كَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ .. وَكُلُّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ فِعْلُ ذَلِكَ ..، بِخِلَافِ مَا لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الصَّلَاةِ: كَالرُّكُوعِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ.

الفتاوى الكبرى ج1 ص353-354

****************************

..:: رأي الشيخ الشوكاني في السجود المطلق ::..

* قال الشيخ الشوكاني رحمه الله (المتوفى: 1250هـ) .. في بحث له كتبه تحت عنوان :

- "بحث في أن السجودَ بمجرّده من غير انضمامه إلى صلاةٍ عبادةٌ مستقلةٌ يأجر اللهُ عبده عليها" ..

- بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الأكرمين- ورضي الله عن الصحابة أجمعين-.

- اعلم أن السجود لمجرده من غير انضمامه إلى صلاة ودخوله فيها .. هو عبادة مستقلة يأجر الله عبده عليها والنصوص على ذلك في الكتاب العزيز معروفة والحمل في بعضها على السجود الكائن في الصلاة أو على نفس الصلاة هو مجاز لابد فيه من علاقة وقرينة ودليل ومن ذلك السجودات للتلاوة .. فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينها بالسجود المنفرد وغيرها مثلها يحمل على السجود المنفرد.

- وهكذا يحمل المنفرد على السجود أو على نفس الصلاة ما ثبت في الصحيح من حديث معدان بن طلحة اليعمري قال (لقيت ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلني الجنة أو قال قلت ما أحب الأعمال إلى الله عز وجل فسكت ثم سألته فسكت ثم سألته الثالثة فقال سألت عن ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة» ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ما قال لي ثوبان) هذا لفظ مسلم .

- وكل عربي لا يفهم من قوله سجدة إلا السجدة المنفردة وأما السجود الذي في الصلاة فأجره داخل في أجر الصلاة.

- وثبت في الصحيح من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي: (كنت أبيت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: «سل» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة فقال: «أو غير ذلك» فقلت هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود) هذا لفظ مسلم .

- فصدق هذا السجود على السجود المنفرد هو المعنى الحقيقي .

- ومثل هذا حديث عائشة رضي الله عنها الثابت عنها في الصحيح : (أنها فقدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدها على بطن قدمه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك») أخرجه مسلم.

- وهكذا يصدق على السجود المنفرد ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) أخرجه مسلم.

- وأخرج النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إحدى عشرة ركعة فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر سوى ركعتي الفجر ويسجد قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية).

- وقد أخطأ صاحب كتاب عدة الحصن الحصين (لابن الجزري) في الحكم منه بأن هذه السجدة موضوعة فقد نبهت على ذلك في شرحي على العدة .

- وأخرج ابن أبي شبيبة في مصنفه عن أبي سعيد أنه قال: (ما وضع رجل جبهته لله ساجدًا فقال يا رب اغفر لي ثلاثًا إلا رفع رأسه وقد غفر له)  وهذا وإن كان موقوفُا عليه فله حكم الرفع لأن ذلك لا يقال من طريقة الرأي ..

- وأخرجه الطبراني عن أبي مالك عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير من رواية محمد بن جابر عن أبي مالك هذا قال ولم أر من ترجمهما.

- وأخرج بن ماجه بإسناد صحيح عن عبادة بن الصامت: (أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة ورفع له بها درجة فاستكثروا من السجود)

- وأخرج أحمد وابن ماجه بإسناد جيد عن أبي فاطمة قال: (يا رسول الله أخبرني بعمل استقيم عليه وأعمل قال عليك بالسجود فإنه لا يسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة) ولفظ أحمد (أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: «يا أبا فاطمة إن أردت أن تلقاني فأكثر السجود»).

- وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد رجاله ثقات من حديث حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما من حالة يكون العبد أحب إلى الله من أن يراه ساجدًا يعفر وجهه في التراب).

- وأخرج أحمد والبزار بإسناد صحيح من حديث أبي ذر قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (من سجد لله سجدة كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة).

- ومعلوم أن المراد بهذه السجدات المذكورة في هذه الأحاديث .. هي السجدات المنفردة كما هو المعنى الحقيقي ..، وصدقه مجازا على السجود الكائن في الصلاة لا يضرنا .. ولا يدفع صدقه على السجود المنفرد.

- والحاصل أن السجود نوع من أنواع العبادة .. مرغب فيه بهذه الأحاديث وغيرها يتقرب به العبد كما يتقرب بالصلاة لورود الترغيب والوعد النبوي بالأجر الجزيل عليه .

- وفعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض أنواعه لا يمنع من فعل غيره كما هو شأن الترغيب العام بالقول ومثل هذا لا يخفى .. فيسجد في أي وقت شاء على أي صفة أراد ومن أنكر عليه ذلك فهو لا يدري بهذه الأحاديث التي ذكرناها وأشرنا إلى غيرها أو يدري بها ولكنه لا يفهم أن المشروعية ثبتت بدون ذلك ..

- ومن قال بأن المشروع من السجود إنما هو بعض أنواعه مثل سجود التلاوة، والشكر، ونحو ذلك .. فيقال له يلزم هذا في الصلاة .. ويقال ليس له أن يتنفل ألا النفل الذي وقع منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يزيد عليه في عدد ولا صفة ولا يفعله في زمان غير الزمان الذي فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه ..، ولا يخفى عنك أن هذا القول جهل عظيم ..، لأن الترغيبات في مطلق النفل من الصلاة تدل على أن الاستكثار من صلاة النفل سنة ثابتة وشريعة قائمة ما لم يكن الوقت وقت كراهة .. فهكذا مجرد السجود فإنه ثبت الترغيب فيه والأجر العظيم لفاعله كما تقدم ولا سيما وهو من أسباب القرب من الرب عز وجل كما تقدم من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ..

- ثم أمره بإكثار الدعاء عند هذا القرب الكائن للساجد بسجوده ما أحق طالب الخير وقارع باب الإجابة أن ينحط عند أن يدعو ربه ساجدًا فإنه يفتح له باب الرحمة التي تجاب عندها الدعوات وترفع بها الدرجات وتكفر بها الخطيئات لأنه قد صار في مقام القرب من ربه في مقام أقرب القرب من الجناب العالي عز وجل.

- كتبه قائله الشوكاني غفر الله له.

الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني ج5 ص2649-2643

**************************

..:: تعليق بسيط على بحث الشيخ الشوكاني ::..

* تعليق على بعض الأحاديث الذي استدل بها الشيخ الشوكاني في بحثه:

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) صحيح مسلم.

- فهذا الحديث لأن له قرينة عليه تشير أن المقصود به هو سجود الصلاة .. (إنِّي نُهِيتُ أنْ أقْرَأَ القُرْآنَ رَاكِعًا، أوْ سَاجِدًا، فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) صحيح مسلم..

- ومعنى (فَقَمِنٌ): أي حقيق وجدير ..

- وإن كان لا مانع للإحتجاج به على مطلق السجود أيضا .. لأن التخصيص بهذه القرينة بأن نجعله خاص بالصلاة إنما هو محض ظن وليس محض يقين .. والله أعلم .

2- عن السيدة عائشة قالت: (كانَ رسولُ اللَّهِ يصلِّي فيما بينَ أن يفرغَ من صلاةِ العشاءِ إلى الفجرِ إحدى عشرةَ رَكعةً، ويوترُ بواحدةٍ ويسجدُ سجدةً قدرَ ما يقرأُ أحدُكم خمسينَ آيةً قبلَ أن يرفعَ رأسَهُ) صحيح النسائي وأبي داوود.

* قال الشيخ محمود خطاب السبكي رحمه الله (المتوفى:1352 هـ):

(قوله ويسجد سجدة الخ) تعنى أن صلي الله عليه وآله وسلم كان يمكث في كل سجدة من سجدات الركعات قدر قراءة خمسين آية كما تشعر به الرواية السابقة.

- ويحتمل إبقاء الحديث على ظاهره فيكون المعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ما يوتر بركعة يسجد سجدة طويلة بقدر قراءة خمسين آية ..

- ومن هذا قال البيضاوي فيه دليل علي أنه يتقرب إلى الله تعالى بسجدة فردة غير سجدة التلاوة والشكر.

المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود ج7 ص266

- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- ولكن الذي يغلب على ظني هو أن رواية النسائي وأبي داوود بهذا اللفظ فيها توهم من الرواي .. لأن هناك روايات أخرى في النسائي وأبي داوود تشير إلى أن السجدة الواحدة في كل سجدة من سجدات قيام الليل هي بمقدار خمسين آية .. والرواية في صحيح البخاري جاءت بلفظ (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلكَ صَلَاتَهُ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِن ذلكَ قَدْرَ ما يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً، قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ) صحيح البخاري .

- ولذلك أرى أن الإحتجاج بهذا الحديث ليس في محله .. لأن الروايات الأخرى تثبت أن السجود خاص بسجود صلاة قيام الليل .. والله أعلم .

**************************

..:: مسألة ختامية ::..

..:: هل السجود أفضل أم القيام أم الركوع ؟ ::..

- حينما تقرأ الاحاديث التي تحثك على السجود والإكثار منه والدعاء فيه .. فقد تتسائل وتقول أن هناك أحاديث أخرى تشير أيضا إلى فضيلة القيام والتطويل بقراءة القرآن .. فأيهما أفضل ؟!!

* قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى:656 هـ):

قوله في حديث ثوبان – (وقد سئل عن أحب الأعمال إلى الله؟ فقال: عليك بكثرة السجود) . الحديث دليل على أن السجود أفضل من طول القيام، وهي مسألة اختلف العلماء فيها.

- فذهبت طائفة إلى ظاهر هذا الحديث، وذهبت طائفة أخرى إلى أن طول القيام أفضل؛ متمسكين بقوله - عليه الصلاة والسلام -: (أفضل الصلاة القنوت)، وفسّروا القنوت بالقيام كما قال تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ذكر هذه المسألة والخلاف فيها الترمذي .. والصحيح من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يطوِّل في قيام صلاة الليل، وداوم على ذلك إلى حين موته، فدلّ على أن طول القيام أفضل.

- ويحتمل أن يُقال: إن ذلك يرجع إلى حال المصلي؛ فرب مصلٍّ يحصل له في حال القيام من الحضور والتدبر والخشوع ما لا يحصل له في السجود ، ورب مصلٍّ يحصل له في السجود من ذلك ما لا يحصل له في القيام ، فيكون الأفضل في حقه: الحال التي حصل له فيها ذلك المعنى؛ الذي هو روح الصلاة ..

- والله تعالى أعلم.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج2 ص93

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- البحث في أفضلية عبادة عن أخرى .. هو أمر لا فائدة من البحث فيه .. لأن عبادة الصلاة في ذاتها هي فضيلة كبيرة .. وهذه العبادات التي بداخل الصلاة قد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضلها لتفهم أن عليك الإهتمام بها .. فافعل ما تستطيعه منها وما تطيقه نفسك .. لأنك في نهاية الأمر في نيتك أنك تتقرب إلى الله ابتغاء مرضاته .. وكفى بهذا فضيلة وكرامة ..!!

- والله أعلم .

********************************

..:: خلاصة مسألة جواز السجود على إطلاقه دون تقييد ::..

1- هناك كثير من العلماء من قالوا أن السجود كعبادة لله لا يكون إلا في سجود الصلاة أو سجود التلاة أو سجود الشكر ..

2- وهناك من قالوا أن السجود لله كعبادة هو أمر مطلق دون تقييد بهؤلاء الثلاثة السابق ذكرهم .. ومن الذين قالوا بذلك من الأئمة هم: المحب الطبري وبن تيميه والبيضاوي والشوكاني.. وسبقهم الإمام عبد الله بن عباس في سجوده عند علمه بآية من آيات الله .. بل واستدل في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم .. وهي أقوى حجه لأصحاب هذا الرأي (من وجهة نظري) ..

3- وبعض العلماء توقفوا دون ترجيح في المسألة .. كالصنعاني والمناوي ..

- فلك أن تختار ما يطمئن لك قلبك وتفعله .. دون أن تعترض على الآخر .. وإن كان من رأيي أن اصحاب الرأي الثاني حجتهم أقوى ..

- ولا يصح لأصحاب الرأي الأول الإعتراض على أصحاب الرأي الثاني .. لأن أصحاب الرأي الثاني حجتهم قوية وهم الذين يقولون بجواز السجود في صورة مطلقة كما يريد المؤمن أن يفلعها كلما أراد ذلك لأنه لا تخصيص في كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن السجود خاص فقط بسجود الصلاة والتلاوة والشكر .. والله أعلم .

************************

:: ختامها مسك ::

..:: تزكية نفس وفوائد روحية وإيمانية مع قول النبي (أعني على نفسك بكثرة السجود) ::..

(هل تريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم)

- جاء في بعض روايات الأحاديث التي ذكرناها قبل قليل .. عن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأسلمي قَالَ: (كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ! قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) صحيح مسلم.

1- قال بن الملك رحمه الله (المتوفى: 854 هـ):

- (قال: فاعنِّي على نفسك): أي كُنْ عونًا لي في إصلاح نفسك لِمَا تطلب.

- (بكثرة السجود): أي أَكثِرِ السجدةَ في الدنيا حتى ترافقَني في الجنة.

- وفيه: إشارة إلى أن هذه المرتبةَ العليا لا تحصل بمجرد السجود، بل به مع دعائه - عليه الصلاة والسلام - له إياها من الله تعالى ..

- وفي قوله: (على نفسك): إيذان بأن نيلَ المراتب العَلِيَّة إنما يكون بمخالفة النفس وكسر الشهوة.

شرح مصابيح السنة ج2 ص18

2- قال المناوي رحمه الله (المتوفى: 1031هـ):

- قوله (فأعني على نفسك بكثرة السجود): وفيه أن مرافقة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة من الدرجات العالية التي لا مطمع في الوصول إليها إلا بحضور الزلفى عند الله في الدنيا بكثرة السجود ..

- انظر أيها المتأمل في هذه الشريطة وارتباط القرينتين لتقف على سر دقيق .. فإن من أراد مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يناله إلا بالقرب من الله .. ومن رام قرب الله لم ينله إلا بقرب حبيبه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ..

- أوقع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المحبتين .. وذلك أن محبة العبد منوطة بمتابعته ومحبة الله العبد متوقفة على متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فيض القدير ج4 ص334 ..

- معنى قول المناوي (من رام قرب الله): أي من طلب ورغب في قرب الله ..

- معنى قول المناوي (لم يناله): أي لم يحصل عليه إلا بالقرب من حبيبه وذلك من خلال اتباعه صلى الله عليه وسلم.

3- قال المباركفوري رحمه الله (المتوفى: 1427 هـ):

- شرح  (سل) أي اطلب مني حاجة. قال ابن حجر: أتحفك بها في مقابلة خدمتك لي، لأنَّ هذا هو شأن الكرام، ولا أكرم منه - صلى الله عليه وسلم - (أو غير ذلك) بفتح الواو ويجوز إسكانها، والمعنى: تسأل ذلك أو غير ذلك؟ وقيل: المعنى سل غير ذلك (هو ذاك) أي مسئولى ذلك لا غير (فأعني على نفسك) أي على تحصيل حاجة نفسك التي هي المرافقة (بكثرة السجود) في الدنيا حتى ترافقني في العقبى.

- والمعنى أني أطلب ذلك لك من الله سبحانه وتعالى، ولكنه لا يستجيب إلَّا إذا كنت أهلًا له وموضعًا لإجابته، ولا تتأهل لذلك إلَّا إذا أصلحت نفسك وتقربت إلى الله بكثرة السجود، فأعني بذلك حتى يستجاب دعائي فيك.

منة المنعم في شرح صحيح مسلم ج1 ص316

4- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- معنى (أعني على نفسك): في هذا تنبيه له على أن النفس هي المعرقلة للعبد في طريق الإيمان وهي التي تسبب له حجاب ، وأنه إذا قهرها وغلبها فقد تيسرت له أسباب الكمال.

- قوله (على نفسك): تنبيه على أن النفس هي الحجاب الأكبر في منعك عن الوصول لمراتب الكمال الإيماني .. ولذلك عليك بمخالفة النفس.

* يتبين لك مما سبق أن مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بقهر النفس ..، ومحبة الله تكون باتباع النبي ..،، يبقى اتبع النبي واقهر نفسك بالطاعة زي ما قال لك .. علشان تنال محبة ومرافقة النبي .. !!

 *********************

- وبهذا يكون ختام هذه الرسالة -

**********************
- اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات في كل زمان ومكان .. آمين يارب العالمين .
- اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم -

************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..