ج31: رسالة التعريف بأحوال الذاكرين في طريق الإيمان - حال القبض والبسط - ما هي أسباب القبض الشديد مع كثرة الذكر - كيف يكون الحجاب عن العطاء هو نعمة العطاء - أسباب ربانية تسبب لك القبض عن الذكر - ما هي مخاطر القبض ومخاطر البسط - الشيطان يحدثك في نفسك - كيف تتعامل مع القبض - كيف تتعامل مع البسط - كيف تعرف أن القبض ليس نتيجة عقاب لك - إذا تم القبض على اللسان فانظر لقلبك - ما هو القبض القلبي - تصحيح مفهوم آية وتوضيح دقة اللفظ القرآن - معنى قوله تعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) - لا تجعل الشيطان يخدعك ويقول لك أنك من القاسية قلوبهم من ذكر الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة التعريف بالحقائق والضوابط الإيمانية

لطالب القرب من الحضرة الإلهية

طريقة ومنهج أهل الإيمان في العلاقة مع الله

(أساسيات واجبة  - وضوابط لازمة – وأصول ثابتة  - وتنبيهات هامة)

(الجزء الحادي والثلاثون)

5- أحوال تحدث للذاكرين في طريق الإيمان -

* فهرس :

::الجزء الحادي والثلاثون:: أحوال تحدث مع الذاكرين الله كثيرا ..

:: الفصل الرابع ::

1- من الأحوال: حال القبض والبسط ؟

2- ما هو المقصود من حال القبض عن الذكر وحال البسط للذكر؟

3- ما هي أسباب القبض الشديد مع كثرة الذكر ؟

4- ما هو سبب التفرقة بين ما هو سبب نفسي وسبب رباني للقبض مع عبادة الذكر ؟

5- أولا: الأسباب النفسية التي تحدث لك قبض عن الذكر؟

6- كيف يكون الحجاب عن العطاء هو نعمة العطاء ؟

7- ثانيا: أسباب ربانية تسبب لك القبض عن الذكر ؟

8- ما هي مخاطر القبض ومخاطر البسط ؟

9- الشيطان يحدثك في نفسك ؟

10- كيف تتعامل مع القبض ؟

11- كيف تتعامل مع البسط ؟

12- كيف تعرف أن القبض ليس نتيجة عقاب لك ؟ إذا تم القبض على اللسان فانظر لقلبك ؟

13- ماذا تفعل إن لم يستطع لسانك النطق بالذكر بسبب شدة القبض ؟

14- ماذا تفعل لو لم تستطع الذكر باللسان ولا بالقلب ؟

15- ما هو القبض القلبي ؟

16- معنى قوله تعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) ؟

17- لا تجعل الشيطان يخدعك ويقول لك أنك من القاسية قلوبهم؟

18- هل المؤمن الغافل عن الذكر يدخل في قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) ؟

19- ما الفرق بين (من ذكر الله) ، (عن ذكر الله) ؟ 

 ***************************

(تابع: الجزء السابع من تقسيم الرسالة)

:: الفصل الخامس::

.. أحوال تحدث مع الذاكرين الله كثيرا ..

*******************************

 (8)

..:: 8- من الأحوال: حال القبض والبسط ::..

- أخي الحبيب ..

- هناك من الأحوال ما يظهر عليك أثناء الذكر .. وتحتاج فيه إلى انضباط فيه حتى لا يغلب حال على الآخر فيصيبك خلل إيماني .. كما في حالي الخوف والرجاء .. وقد تكلمنا عليهما سابقا .. (راجع التحذير السابع - إياك أن تتعلق بالذنب - كن طائرا بجناحي الخوف والرجاء إلى الله) .

- وهناك من الأحوال ما قد تفهمه خطأ وقد يؤثر عليك نفسيا .. وبالتالي قد يؤثر على حالك الإيماني .. وعلاقتك مع الله ..!!

- من هذه الأحوال .. حال القبض عن الذكر وحال البسط للذكر..

* ما هو المقصود من حال القبض عن الذكر وحال البسط للذكر ؟

- القبض: هو إمساك العزيمة في النفس عن ظاهرك .. حتى تمنع اللسان عن الذكر ظاهريا .. وله أسباب منها السماح للقلب بالتوجه إلى الله باطنيا (تذكره في نفسك) ..

- البسط: هو سهولة جريان الذكر على ظاهرك وباطنك .. بتيسير مطلق العزيمة فيك .. وذلك للجمع بين الظاهر والباطن مع الله .

* وحالي البسط والقبض .. عليك أن تفهم أنهما من التجلي الجمالي والجلالي الرباني على العبد .. من خلال اسمي الباسط القابض ..

- فالبسط هو يغلب عليه تجلي الجمال .. والقبض يغلب عليه تجلي الجلال .. وذلك حتى تتعرف على الله .. بأنه المتصرف في قلبك دون غيره .. فتظل بين خوف ورجاء .. طالبا منه ثبات القلب على الإيمان دون تقليب مع فتن الزمان .

- تعالوا نتعرف على القبض والبسط بصورة أوسع .. ولكن فقط من خلال العلاقة الإيمانية دون العلاقة الدنيوية ..

****************************

..:: ما هو معنى القبض والبسط لغويا ؟ ::..

- اعلم أخي الحبيب ..

- أن القبض معناه لغويا: جمع اليد على الشيء بقصد الإمساك به والتصرف فيه ..

- أما عن البسط لغويا: فمعناه التوسعة في العطاء .. ويأتي بمعان أخرى ..

- والقبض في أصله إنكسار في السلام الداخلي في النفس .. ثم يؤثر ذلك بحدوث ضيق في صدرك .. ثم يؤثر ذلك على ظاهرك فتمتنع عن الكلام .. كالذي يزيد الحزن فيه حتى يصل لمرحلة اكتئاب فيعتزل الناس والحياة .. !!

**************************

..:: ما هو معنى القابض والباسط ؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- يقول تعالى: (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة245 ..

- يقول تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر2 ..

- وسبب الإستدلال بالآية الثانية .. هو أن من معاني القبض هو .. الإمساك باليد .. وهناك قبض الأرزاق بإمساكها ومنعها .. ورحمة الله من جملة أرزاق الله على العباد .

- القبض له صور مختلفة .. مثل الحزن والضيق والهم والغم والكرب والخوف والموت وغير ذلك .. فهذه الصور السابقة قد سلبت منك الفرح والرجاء والسكينة والطمأنينة والحياة التي هي أوصاف من أوصاف البسط ..

- يبقى لا تقف مع القبض والبسط كصور جامدة عند حدود اللفظ فقط .. وإلا لن تبصر معاني تجليات اسم الله الباسط والقابض في حياتك .. لأنك أوقفتها على الرزق فقط .. حتى وإن يغلب ظهور تجلي هذين الإسمين غالبا في الرزق .. وذلك حتى تعلم أنه لا يوجد مخلوق في العالمين يسلبك عطاء ولا يمنحك عطاء إلا بإذن الله ..!!

* والقابض جل جلاله:

- والقابض هو المانع غيره من التصرف في قبض الأرزاق .. أو قبض الأرواح .. أو قبض القلوب .. لأنه وحده المتصرف في تضيق الأرزاق وقبض الأرواح وقبض القلوب وتقليبها .. لأنه القائم على ذلك وفق حكمته ..

- فمثلا: الله قد يقبض عنك الشر ويبسط لك الخير .. يقول تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فاطر2 ..

- وقد يقبض عنك رزقك المادي فيمسكه عنك فلا تستطيع إليه سبيلا مهما كانت لديك أسباب علمية وعقلية .. يقول تعالى: (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة245 ..

- وقد يقبض قلبك عن الإيمان عقوبة لك لشدة جحودك بعد بيان أدلة الإيمان لك .. يقول تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) الأعراف175 ..

- انتبه للآتي:

- قد يكون اسم الله القابض له تجلي جمالي حيث قد يقبضك عن المعصية حتى لا تعصي لحبه لك .. يقول تعالى: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء83 ..

* أما عن الباسط جل جلاله:

- هو الذي يبسط لك في العطاء بما لا قدرة لأحد أن يبسطه لك غيره سبحانه ..

- واسم الله الباسط قد يكون له تجلي جمالي بالعطاء المصحوب بخير عاقبة لصحة نواياك .. وقد يكون له تجلي جلالي بالعطاء المصحوب باستدراج لفساد نواياك ..

- واختصارا :

- يطلق اسم القابض على التضييق في العطاء ..، وعلى إمساكك عن المعصية ..، وعلى سلب الروح من الجسد ..، وعلى أحكام السيطرة والتصرف بسلب قانون الأسباب من الوجود ..

- ويطلق اسم الباسط على التوسعة في العطاء .. إما لخير لك أو لشر فيك .. كقوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام44..

- ومعنى (مبلسون): أي آيسون منقطعون من رحمة الله .

***************************

..:: القابض والباسط أسماء تحتاج ليقين في القلب ::..

- أخي الحبيب ..

- من علم أن الله هو القابض الباسط .. وتيقن من ذلك في قلبه .. فقد أدرك أنه لا قدرة لمخلوق على حجب رزق ولا جلب رزق له .. بل ويقوى في القلب الإعتماد على الله وصدق التوكل عليه .. لأنه لو قُبض الرزق عنك أو بُسط لك .. فاعلم أنه من الله سبحانه وتعالى .. وطالما من الله يبقى فعله فيه حكمة .. لأنه مدبر حكيم ..

- والقبض تعامل معه على أنه رسالة من الله موجهة إليك .. من فوائدها أنك قد تكون في حالة غفلة .. فيحدث القبض في نفسك ليسبب لك إنكسارا .. حتى تتوجه إلى الله ليدفع عنك هذا الهم والغم والحزن والضيق القابض على صدرك .. ويبدله بحالة بسط حتى يعود السلام في نفسك مرة أخرى وتهدأ وترتاح ..!!

- والبسط أيضا تعامل معه على أنه رسالة موجهة إليك .. للإختبار في عطاء الله لك .. ماذا أنت فاعل فيه ؟ ولتخاف من عطاء الله حتى لا يكون استدراج لك وفتنة ..!!

******************************

..:: ما هي أسباب القبض الشديد مع كثرة الذكر؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- أحيانا يحدث قبض شديد مع كثرة الذكر .. حتى يكاد صدرك يضيق بك وتشعر وكأنه لم يعد لديك عزيمة لتذكر الله على لسانك .. وتتسائل لماذا يحدث هذا معك ؟!!

* والقبض عن الذكر يكون له أسباب إما من الله وإما من نفسك:

- وحينما أقول القبض يحدث من نفسك .. أقصد به نتيجة مقاومة نفسك لك حتى تحبطك عن ذكر الله .. ولكن النفس في الحقيقة لا قدرة لها على أن تمنعك عن الذكر .. وإنما هي سبب والله هو القابض في الحقيقة ..

* ما هو سبب التفرقة بين ما هو سبب نفسي وسبب رباني للقبض؟

- وذلك حتى تفهم كيف تتعامل مع القبض حينما يحدث لك ..

- ولذلك أردت أن أوضح لك ما هو من سبب نفسك لأنه يكون ناتج عن طباعك التي تحاول أن تغيرها .. للتوافق مع مراد الله .. وهذا يكون في الستة أشهر الأولى من الذكر .. حيث تحاول النفس إحباطك عن الذكر بشتى الطرق التي سبق وشرحناها في جزئي التنبيهات والتحذيرات .. فتخدعك بأنك لست في حاجة للذكر الكثير ويكفي أن تقول يارب فقط .. أو تشعر بالملل .. أو ما شابه ذلك .

- أما عن الأسباب الربانية القابضة لك عن الذكر .. فأنت تشعر بأنها نتيجة سبب خارجي ليس للنفس فيه تدخل .. وعليك أن تخاف حينئذ لأن القبض قد يكون بسبب مخالفة فعلتها .. فاعترف بذنوبك لله واستغفر وتب وفوض أمرك لله .. وأبسط مثل على ذلك سيدنا يونس عليه السلام ..!!

********************************

..:: أولا: الأسباب النفسية التي تحدث لك قبض عن الذكر ::..

1- قد يحدث القبض يكون بسبب مجاهدتك للنفس بكثرة الذكر .. فالنفس يصيبها ضيق منك .. فيحدث لك مثل ضيق شديد في الصدر .. وكأن تريد أن تقول: "أف .. أنا زهقت .. هو أنا هفضل أعمل كده كل يوم" ؟!!

- وهذا لأن النفس تنزعج من القيود والإلتزام .. فيحدث في داخلك حالة هياج أو صراع يترتب عليها قبض وابتعاد عن الذكر .. أو إصرار على الدوام على الذكر لقهر النفس وعدم تنفيذ رغباتها ..!!

2- قد يحدث القبض نتيجة شعورك بالملل .. وهذا لأنك لم تفهم أن العبودية وظيفة لك عند رب العالمين .. وأجرها ستجده في الآخرة .. فإصابتك .. وقلنا سابقا أن سبب الشعور بالملل هو مؤشر على أنك كنت تنتظر عطاء .. فلما لم يحدث ما ترجو .. فيصيبك الملل ما أصابك .. فتنصرف عن العبادة ..!!

- في الحديث (يا أيُّها النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الأعْمَالِ ما تُطِيقُونَ، فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا، وإنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إلى اللَّهِ ما دَامَ وإنْ قَلَّ) صحيح البخاري .. أي أن الله لا ينقطع بمدده عنكم حتى تنقطعوا أنتم عن التواصل به ..

- فكثير من الطيبين يرجون مشاهدة رؤية طيبة تكون وسيلة نفسية للإستمرار .. (وهذه رغبة محمودة) ولا مانع منها .. ولكن يتوقف الأمر عند حد أننا نرجو ذلك من فضل الله .. فإن أعطانا فهذا فضل منه .. وإن حجب عنا ذلك العطاء فهو أيضا أعطانا ..

******************************

..:: كيف يكون الحجاب عن العطاء هو نعمة العطاء ::..

- أخي الحبيب ..

- قد تتسائل في ختام الكلامي السابق عن أنه كيف يكون المنع هو عين العطاء ؟ يعني إزاي الحجاب أو المنع عن بعض العطاءات يكون نعمة عطاء كبيرة من الله لك ؟

- اعلم أخي الحبيب أن الله كما يعطينا بفضل عطاءه فهو يعطينا أحيانا بالمنع أوالحجاب عن بعض مطالبنا .. وذلك لحكمة ربانية وهي:

- حتى يبعدك عما هو شر لك .. في حين أنت كنت تحسب أنه خير لك .. ومثال ذلك كالذي كان يريد وظيفة معينة .. فيحجبه الله عنها .. ويكتشف بعد زمن أن بعده عن هذه الوظيفة كان خير وهو عين العطاء من الله ..، او كالذي يسعى لعلاقات روحانية وهو يحسب أنه سيكون بذلك على خير ولكن يكتشف بعد فترة أن الله حجبه عن هذا العالم لأن أراد أن يحجبه عن بوابة كبيرة ومدخل عظيم من مداخل الشيطان ..، وقد يمنعك المال أو العلم أو الصحة لعلمه أن هذا هو الخير لك في هذا الوقت الذي أنت تطلبه .. خوفا من أنت تحدث لك فتنة ويصيبك عجب في قلبك ورياء في عملك .. فتضيع في علاقتك مع الله .. ولذلك كان هذا المنع عنك هو عين العطاء لك ..

- فكن بصيرا بحكمة الله في تدبيره معك .. فما منعك إلا ليعطيك .. !!

- وكل ما سبق يندرج تحت قوله تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) البقرة216 ..، وقوله تعالى (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء19 ..، وقوله تعالى (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) الإسراء11.

***********************************

..:: ثانيا: أسباب ربانية تسبب لك القبض عن الذكر ::..

- أخي الحبيب ..

1- قد يكون القبض عن الذكر للتأديب بسبب ذنب ارتكبته .. ويحدث هذا غالبا بسبب علاقتك بالآخرين .. بسبب الحقد أو الحسد .. أو الغيبة على الآخرين بإظهار عيوبهم وفضحهم أو تحقيرهم والنظر إليهم بنظرة دونية .. أو ما شابه ذلك .. 

- فأراد أن يؤدبك بمنعك عن الذكر قليلا حتى ترجع إليه وتعترف له بالتقصير وبالإستغفار لك ولغيرك .. وتتوب عن الذنب وتتوقف عن الكراهية بلا سبب .. حتى ولو لم تتذكر ماهية هذا الذنب .. ولكن من كمال العبودية هو اتهام النفس بالتقصير بين يدي ذا الجلال والإكرام .. فتعترف أنك مذنب بين يدي الله في سجودك .. وتكون في سجودك متخوفا من أن تكون قد فعلت أمرا فيه معصية ولذلك قبض لسانك عن الذكر ليؤدبك فتنتبه لحالك وتظل في حالة يقظة لكل أفعالك مع الله ..

- (وراجع الجزء السادس – التحذير السادس تحت عنوان "تأدب حتى لا تسلب") ..

2- وقد يحدث القبض عن الذكر عقابا لك لأنك استخدمت الذكر في غير ما طلبه الله منك .. مثل طلب الجن والشيطان .. فتكون جعلت من كلام الله وأسماءه وسائل استحضار لهذا العالم افتراءا على الله وكذبا عليه .. ولذلك تسلب من مقام الذاكرين وتنقلب حياتك رأسا على عقب وكأن الخراب قد أحاط بك .. حتى تظن أن هناك من فعل بك سحرا .. وفي الحقيقة أنت الذي دمرت نفسك بنفسك .. يوم أن استخدمت العبادة المشروعة لتحقيق أغراض غير مشروعة ..!!

- وهناك بعض الناس من كثرة قرائتهم لكرامات الأولياء .. أو سماعهم .. فقد غلب على قلبهم حب الكرامة عن حب الله .. فاتخذوا الذكر وسيلة للكرامة وليس ابتغاء مرضاة الله أو وسيلة لطلب ما أحله الله ..

- وفرق بين أن تتوسل إلى الله بكلامه وأسماءه إما للعبادة  أو لطلب قضاء حاجة مشروعة (كطلب الشفاء) .. وبين أن تستغل كلامه وأسماءه في طلب كرامة منه لتظهر بها على الناس .. ..!!

- ففي الحالة الأولى قد طلبت مولاك فعلا كما طلب منك .. والحالة الثانية فأنت طلبت شهوة نفسك فعلا لتظهر بنفسك ولم تطلب ربك .. فلا تلومن سوى نفسك .. ولا تنسى أن نتائج الأعمال بالنيات ..!!

3- وقد يكون القبض عن الذكر اختبارا من الله .. فهل سترضى بهذا الابتلاء أم ستقول: .. أف .. أنا مش مكتوب لي أكمل مع الله .. ليه كل ما أبدأ ببعد تاني ومش بكمِّل ؟!! 

- فلو قلت مثل هذا الكلام السابق .. فأنت سقطت في الإختبار .. لأنك أسأت الظن بالله .. ووقفت مع ما تريده أنت وليس مع ما أراده الله فيك ..!!

4- وقد يحدث لك القبض عن الذكر ليحدث الله لك إنكسارا في النفس .. حتى تظل خاضعة في محراب العبودية بدون عُجب وبالتالي بدون رياء .. وكذلك حتى يمنعك أن تخبر أحد عن حالك مع الله لأنه سر بينك وبين الله ..!! 

5- وقد يحدث القبض عن الذكر ليجعلك تتطهر فتتذوق ذكره في القلب بدون لسانك .. حتى لا تظل عبدا للظاهر وتحسب أنه يتجلى على ظاهرك فقط .. فقبضك حتى تعلم أنه الباطن .. حتى لا تغفل أن الله عليم بما في الصدور وأنه يعلم السر وأخفى .. وأنه يحصي أعمال الظاهر والباطن .. حتى تتأدب بكمال العلاقة الإيمانية مع الله .. فيكون قد عرَّفك به في ظاهرك وفي باطنك .. فتتذوق الإيمان ظاهرا وباطنا .. !!

- ولعل سبب تطهيره لك لتتذوق الذكر الباطني .. هو علمه بوجود مشكلة عقائدية في نفسك .. فتحسب أن المنطوق باللسان هو الذي تكتبه الملائكة وماعدا ذلك .. فلا .. !! وكأن الله يعلم ظاهرك دون باطنك ..!! وهذا خلل في عقيدتك ونقص في إيمانك إن كنت تظن ذلك .. !!

- ولذلك يقبضك الله .. ليؤدبك .. أن تتعلم أن تذكر بقلبك .. حتى تتحرر من هذا الخلل النفسي الإيماني ..!!

- للجزئية الأخيرة (التطهير بغرض التذوق) .. راجع الجزء الأول من هذه الرسالة (الحقيقة الأولى: الاعتقاد بيقين – المثال الرابع ..)

- وراجع الجزء الحادي عشر من هذه الرسالة تحت هذه العناوين ( لماذا ينقطع الذكر عن الإنسان ؟ الذكر في النفس ظاهرا وباطنا ؟ ولماذا غلب على العلماء أن يكون ذكر الباطن هو القلب ؟) 

*************************

..:: ما هي مخاطر أحوال القبض والبسط ؟ ::..

(الشيطان يحدثك في نفسك)

- أخي الحبيب ..

1- هناك خطورة في حالة القبض .. وهو أن الشيطان يستغلها ويوسوس لك بأن الله لم يكتب لك طريق الذاكرين بسبب خطاياك .. فيحدث لك إحباط نفسي .. فتتراجع عن طريق الله وتعود لطريق الغفلة مرة أخرى ..!!

- فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وأحسن الظن بالله .. وراجع أحوالك مع الله .. واستغفره وتب إليه ..

  

2- وهناك خطورة في حالة البسط .. وهو أن الشيطان يستغل هذا الحال ويوسوس لك بأن ما أنت فيه بسبب مجاهدتك لنفسك .. وأنك أصبحت متمكنا من مقام الذاكرين وأنه لا يوجد مثيل لك في زمانك .. وهكذا ما شابه هذه الأمور ..

- حتى إذا نجح في وصول نفخ العجب في نفسك فيصيبك الغرور .. فهذا يكون أوان سلب عزيمة الذكر من نفسك .. لأنك اعتقدت في نفسك أنك الفاعل للفضل الذي وصلت إليه بمجهودتك وتعبك وكأنك جحدت فضل الله عليك .. وغفلت عن أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ..!!

  

*****************************

..:: كيف تتعامل مع القبض ؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- من أشهر القصص التي توضح لك حالة القبض الشديد .. هو ما حدث في قصة سيدنا يونس .. حيث يقول تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الأنبياء87 .. 

- ومعنى (لن نقدر عليه): أي ظن أن الله لن يضيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة التي فعلها والتي كانت بسبب أنه ترك أهل قريته دون إذن من الله .. فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس في بطن الحوت .

- ويقول تعالى:(وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) القلم48 ..أي وهو مغموم في بطن الحوت يرجو فرجا من الله ..

- يبقى لما يصيبك ضيق وخنقة وهم وغم فعليك بتكرار دعاء سيدنا يونس (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ..

- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) صحيح الترمذي..

- ومعنى (في شيء قط): المقصود بها في شيء يخص الكرب والشدة والضيق والهم والغم .. وليس على الإطلاق بدليل رواية البيهقي (لَمْ يَدَعُ بِهَا مُسْلِمٌ فِي كَرْبِهِ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) رواه البيهقي في الدعوات الكبير .. وكذلك جاء في رواية أخرى:(أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرِبٌ، أَوْ بَلَاءٌ مِنْ بَلَايَا الدُّنْيَا دَعَا بِهِ يُفَرَّجُ عَنْهُ؟» فَقِيلَ لَهُ: بَلَى، فَقَالَ: " دُعَاءُ ذِي النُّونِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) رواه الحاكم وبن عساكر وبن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة .. وذكره السيوطي في الجامع الصغير بأنه صحيح ..، وذكره الألباني في الصحيحة..

- ولا يمنع أن يكون للدعوة استجابة على الإطلاق دون تخصيص حال دون حال (أي سواء في دفع بلاء أو جلب منفعة) .. والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم ..!!

* س1: وماذا تفعل إن لم يستطع لسانك النطق بالذكر بسبب شدة القبض .. ؟

- انطقها بقلبك أو كررها في نفسك .. وأكثر من السجود والتسبيح .. فهذا من أنجح الوسائل لرفع الضيق ..

- يقول تعالى لنبيه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) الحجر97-98.

* س2: وماذا تفعل لو لم تستطع الذكر باللسان ولا بالقلب ؟

- هنا يكون قد حدثت معصية سببت ذلك .. وسيظل باب الغفران مفتوحا لك لتدخل منه إلى الله .. فاسجد لله واعترف بأنك مذنب .. وناجيه بقلبك واطلب منه أن يردك إليه مردا جميلا .. واستغفر لنفسك وللمؤمنين أحياءا وأمواتا .. 

* أخي الحبيب :

- تعامل بقلبك في حال القبض مع الذكر الكثير الذي قد يترتب عليه منع لسانك عن الذكر .. بالتسليم والرضا .. لو تحققت أن ذكر الله لازال يجري في نفسك وقلبك ولم ينقطع عنك .. 

- في هذه الحالة اجعل قلبك مع الله في حال القبض هو التسليم لحكمه .. وإياك والسخط ..

- فاذا واجهك القدر بسيف القبض فقابله بدرع التسليم .. يعنى سلم أمرك لله وارض بما أنت عليه من حالة القبض التى أتت على لسانك حتى لم تعد تستطيع الذكر به .. وقل: "رضيت يارب .. وأسألك أن لا يكون عقابا منك" ..

- وأكثر من مناجاة الله في سجودك بالإستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ..

- ولا يمر عليك في حال القبض هذا سوى ثلاثة أيام الى أسبوع على الأكثر وتعود الى حالة الذكر اللسانى مرة أخرى ويحدث لك بسطا مرة أخرى مع الذكر ..

- وطبعا في أثناء حالة القبض .. أنت تكون مداوم على أذكارك وأورادك في أوقاتها .. ولكن تنطق بها في نفسك أو قلبك .. خلال فترة منع اللسان عن الذكر ..!! 

- وفي مراحل متقدمة في الذكر .. قد يغلب الذكر على القلب دون اللسان .. دون أي قبض .. وكأن الذكر أصبح حاله قلبي ويغلب على صاحبه ذلك .. وأحيانا يجمع له الله ذكر القلب واللسان .. والله ذو الفضل العظيم .

***************************

..::  كيف تعرف أن القبض عن الذكر ومنع اللسان ليس نتيجة عقاب لك ؟ ::..

(إذا تم القبض على اللسان فانظر لقلبك)

- أخي الحبيب ..

- قد يخطر على بالك سؤال: كيف أعلم أن إحساس قبض اللسان عن الذكر هو ليس عن عقاب ؟

- الجواب:

- إذا وجدت ذكر الله الذي تقوله كل يوم .. تنطقه في نفسك وصدرك كما هو .. فاعلم أن القبض حدث لك لأنه أراد منك أن تذكره في نفسك ..

- ولكن لو شعرت أن الذكر لم يعد تنطقه في نفسك .. فاعلم أنك في خطر وقد فعلت معصية بلا ريب .. وغالبا في حق من حقوق العباد ..!! وفي هذه الحالة اسجد لله واستغفره لنفسك ولكل من له حق عليك وللمؤمنين أحياءا وأمواتا .. والله غفور رحيم .

**********************************

..:: كيف تتعامل مع البسط ؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- قد يحدث لك إنبساط مع الذكر الكثير حتى تشعر وكأنك ستطير من على الأرض لعلو العزيمة الإيمانية في نفسك .. !!

- ففي هذا الحال خاف من نفسك .. أن تجعلك تنسى أن ما أنت عليه هو من فضل الله عليك وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله .. وإلا سيسلبك نعمة الذكر ..!!

- فخاف أن يكون هذا استدراجا لك .. والتزم بباب الإفتقار والإنكسار بين يدي الله .. وللمحافظة على حال البسط فتعامل معه بالمزيد من شكر الله وحمده على نعمته التي أنت عليها لأنه يقول: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم7..

- وأكثر من هذا الدعاء النبوي الذي روي عن بن عباس عن النبي قال:(اللهم لا تُؤمِّنِّي مَكرَكَ ، ولا تَولَّنِي غَيرَكَ، ولا تَنْزَعْ عنِّي سِتْرَكَ، ولا تُنْسِنِي ذِكْرَك، ولا تَجْعَلْنِي من الغافلين) رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس .. من حديث ابن عباس دون قوله (ولا تولني غيرك) بإسناد ضعيف .

- وأكثر من هذا الدعاء النبوي بعد كل صلاة:(اللهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك) صحيح أبي داوود .

- وإياك أن تنسى أن ما انت عليه هو من فضل الله عليك .. وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله .

- وإياك أن تنشر حالك بين أصحابك وأقاربك بان لك ذكر وأوراد .. لأن هذا بينك وبين الله .. وليس للشهرة بين الناس .. وإلا فقد يسلبك نعمة الذكر لأنك لم تحافظ على الأمانة التي أعطاها لك .. (وراجع التنبيهات والتحذيرات في هذه الرسالة) ..

* وبمناسبة الكلام على البسط .. فخاف أيضا أخي الحبيب من بسط النعمة باداء حقوق الله فيها . وإلا فقد يسلبك هذه النعمة ويقبضها عنك:

- يقول تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) النحل112 .

***************************

..:: ما هو القبض القلبي ؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- هناك نوع من القبض لم أتحدث عنه سابقا .. وأردت إفراده في جزء خاص حتى لا يختلط عليك الأمر .. وتظن أنه يحدث للمؤمن .. لا .. وإنما يحدث للجاحد للإيمان والمستكبر عن الإقرار بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله .. وقد يحدث لمن يسلب الله منه الإيمان وينقله للخروج من الدين إلى الإلحاد مثلا ..

1- من أمثلة القبض القلبي .. يقول تعالى: ( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الزمر22-23 .

- معنى (متشابها): أي قد تشابهت آياته في الصدق والحق والفصاحة وقوة الدلالة في المعنى .. لأنها وحي الله ..

- معنى (مثاني): أي تثنى وتكرر فيه القصص والمواعظ، والأمثال والأحكام والوعد والوعيد .. بأساليب مختلفة ومتنوعة لتتبصر منها ما فاتك في مثيلاتها وتتذوق ما لم تتذوقه في مثيلاتها .. فلا يفوتك شيء من عطاء القرآن .. والتكرار فيه تنبيه على ضرورة التحقق مما كرره عليك لتزداد فهما من معانيه حيث أن ما لم تفهمه في آية فقد تشرحه لك آية أخرى لتزداد بيانا منها .. كذلك التكرار فيه دلالة على أن القلب قد ينتبه إلى آية ولكنه ينتبه إلى أخرى لأن الألفاظ فيها جاذبية للقلوب .. وكذلك التكرار فيه أيضا مزيد من المعاني وتثبيتها في العقل والقلب .. والله أعلم.

* في الآيات السابقة ستجد لفظي (اللين والقسوة):

- واللِّيِن من تجليات اسمه الباسط .. والقسوة من تجليات اسمه القابض .. ولكن ليس من أسماء الله (اللَّيِّن ولا القاسي) ..!!

2- وأيضا من أمثلة القبض القلبي .. يقول تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) الْأَنْعَامِ125 ..

* في الآية السابقة ستجد لفظي (الشرح والضيق):

- والشرح من تجليات اسمه الباسط .. والضيق من تجليات اسمه القابض .. ولذلك لا يقال أن من أسماءه (الشارح ولا المضيِّق) ..!!

******************************

..:: هل المؤمن الغافل عن الذكر يدخل في قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) ؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- في الجزء الخاص بالقبض القلبي استدللنا بآية وهي قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) الزمر22 .. وحتى لا يتلاعب الشيطان بعقلك ويوسوس لك في هذه الآية بكلام قد يصيبك بإحباط .. حين حدوث القبض لك .. فيوهمك أن الله منعك عن الذكر لقسوة قلبك وفساده .. أو حتى قد تجد داعية جاهل يستدل بها بالخطأ .. فإليك بعض البيان عنها لتفهم مراد الله منها .. والله أعلم بمراده .

1- معنى (من ذكر الله): المقصود بها الجحود عن الإعتراف بالإيمان من أساسه .. وكأن القسوة حدثت من أجل ذكر الله حينما استمعوه .. فسبب لهم انفعال داخلي وسخط لوجود الكراهية في قلوبهم أن يخضعوا لحكم الله .. لتمكن الرغبة النفسية في ثبات على ضلالهم وإصرارهم عليه .. ولذلك ختم الله الآية (أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) .. أي في ضلال شديد .. وذلك لتوضيح أن سبب القسوة هو تمكن الضلال منهم.

2- ونجد أن مفهوم (فويل لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) الزمر22 .. توضحه لك آية أخرى حينما كانت تنزل سورة من القرآن على هؤلاء القاسية قلوبهم .. فيقول تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ) التوبة125.. ، والرجس هو وصف خبيث إذا تعدد في النفس أوصافه فهو يؤدي إلى الكفر .. كالنفاق مع الشك مع الضلال مع هوى النفس .. وهكذا ..

- وكذلك مفهوم القاسية قلوبهم توضحه لك آية أخرى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) فصلت5 .. أي يوجد على قلوبنا غطاء عن إدراك الحق وفي أذننا صمم عن سماع الحق وبيننا وبينك يوجد حجاب .. فكن على دينك ونحن على ديننا ..!!

3- وجاء الحق سبحانه بجملة (من ذكر الله) ولم يقل (من الإيمان بالله) .. حتى يخبرك أن كل ما يتعلق بالله في نفوس هؤلاء هو مرفوض جملة وتفصيلا .. حتى ولو مجرد ذكرت اسم (الله) أمامهم ..!! ويظهر ذلك من قوله تعالى: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) الزمر45 ..

4- يبقى تفهم أخي الحبيب مما سبق أن القاسية قلوبهم من ذكر الله هم الكفار غير المؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم .. 

5- ولذلك لو أصابتك حالة غفلة عن أن تذكر الله بالقرآن أو بأي ذكر باللسان .. فلا تجعل الشيطان يخدعك ويقول لك أنك من القاسية قلوبهم من ذكر الله ..!! لأنه بذلك يريد إحباطك ويصيبك بيأس في علاقتك مع الله حتى لا تعمل مع الله .. فانتبه لما قلته لك .

*****************************

..:: ما الفرق بين (من ذكر الله) ، (عن ذكر الله) ؟ ::..

- أخي الحبيب ..

- قد تتسائل فتقول : ما الفرق بين قوله تعالى:(فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) ، ولو قال بدلا منها: (عن ذكر الله) ؟

- الجواب:

- معنى (من ذكر الله): أي من استقبال أي شيء عن الله . أي أن قلوبهم في حجاب بينها وبين الله حتى أنكرت الإيمان به وأنكرت رسوله صلى الله عليه وسلم .. لأن حجاب الكفر قد تمكن من قلوبهم .

- ويشبه ذلك قوله تعالى:(وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) الأنبياء97 ..

- فقوله تعالى (غفلة من هذا): أي منكرا لله وللبعث والنشور والحساب والوقوف بين يدي رب العالمين ..، ولم يقل الله (غفلة عن هذا): لأنه سيكون معناه أنه كان مؤمن بهذه الأمور ولكنه غفل عنها لتعلقه بالدنيا .. ولكنه أتي بلفظ (من) حتى يوضح لك أن هؤلاء خالفوا الإيمان الحق فأنكروا وجحدوا عالم الغيب إما كله أو بعضه أو إلحادا فيه بالباطل .

- أما لو قال تعالى (عن ذكر الله): فسيدخل في حكمها الكافر والمؤمن ..!! ولكان أصبح الويل والوعيد في الآية يشمل المؤمن الغافل عن الذكر .. الذي بينه وبين الذكر جفاء أو بعيدا عنه ..!!

- والحمد لله أن الله لطف بنا .. وقال (من) ولم يقل (عن) ..!!

*******************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..