ج2: رسالة جواز اللجوء إلى سجود التلاوة والشكر بغير وضوء - هل يصح سجدة التلاوة بغير وضوء (خارج الصلاة) - بخصوص سجدة الشكر والتعظيم - رأي عبد الله بن عمر الصحابي ورأي الشيخ بن تيميه والشيخ بن حزم والشيخ بن حجر والشيخ الشوكاني وبعض آل البيت النبوي - خلاصة مسألة جواز السجود خارج الصلاة غير وضوء - هل يجوز السجود في غير الصلاة بغير حجاب.

بسم الله الرحمن الرحيم

..:: رسالة جواز اللجوء ::..

:: إلى سجود التلاوة وسجود الشكر بغير وضوء ::

(الجزء الثاني)

* فهرس:

- (الفصل الرابع): عن جواز السجود في غير الصلاة بغير وضوء ::

1- (الرأي الأول): هل يصح سجدة التلاوة بغير وضوء (خارج الصلاة) ؟

2- (الرأي الثاني): هل يصح سجدة التلاوة بغير وضوء (خارج الصلاة) ؟

3- رأي عبد الله بن عمر الصحابي ورأي الشيخ بن تيميه والشيخ بن حزم والشيخ بن حجر والشيخ الشوكاني وبعض آل البيت النبوي؟

4- بخصوص سجدة الشكر والتعظيم ؟

5- خلاصة مسألة جواز السجود خارج الصلاة غير وضوء ؟

6- هل يجوز السجود في غير الصلاة بغير حجاب؟

***************************

(الفصل الرابع)

..:: عن جواز السجود في غير الصلاة بغير وضوء ::..

********************

..:: هل يصح سجدة التلاوة بغير وضوء (خارج الصلاة) ؟ ::..

( الرأي الأول)

- هناك رأي يقول بأنه لا يصح سجدة التلاوة إلا بوضوء واستقبال القبلة وستر العورة .. سواء كنت تقرأ القرآن في الصلاة أو خارج الصلاة ..!! وهذه الشروط السابقة هي رأي الجمهور والغالب على المذاهب الأربعة .. لأنهم جعلوا من هذه السجدة توصيف لها بأنها صلاة .. وبالتالي ينطبق عليها أحكام الصلاة .. وسبب قولهم هذا هو أن سجدة التلاوة تكون في الصلاة ويكون الإنسان فيها على وضوء واستقبال قبلة وستر عورة .. !!

* ولكن هل هي صلاة حتى يقيدوها بشروط الصلاة ..؟!!

- لا .. ليست صلاة .. ولكنها قد تكون جزء من عبادة الصلاة .. فهي تبعا لها في الحكم أثناء تأدية الصلاة .. مثلها مثل سجود السهو .. فيكون أصل الحكم هو للصلاة .. وسجدة التلاوة أو سجود السهو قد اكتسبا هذه الشروط لارتباطهما بالصلاة ..

- وسجدة السهو لا تسمى صلاة .. لأنها جبر لخلل حدث في الصلاة .. ولا يتم السجود للسهو منفردا كما في سجدة التلاوة .

- وذلك لأن سجدة التلاوة هي عبادة مستقلة بذاتها .. وذلك حينما تقرأ القرآن منفردا بغير صلاة ..!!

* ولنا أن نتعجب من الذين وصفوا سجدة التلاوة بأنها صلاة .. لأنه لا دليل لهم على ذلك بل الدليل خلاف ذلك .. ثم صبغوها بأحكام الصلاة ... ولا دليل لهم على ذلك .. ثم جعلوا سجدة التلاوة داخل الصلاة كخارج الصلاة في الحكم ولا دليل لهم على ذلك ..!! إلا مجرد قياس سجدة التلاوة خارج الصلاة بفعلها داخل الصلاة ..!! وقد قرأت للبعض أنه قاس ذلك على سجدة السهو أيضا ..!!

- وقد فصلنا القول في الفصل السابق على أن من ذهب إلى أن يجعل عبادة السجود هي صلاة .. فإنما هو مخطيء وقد جانبه الصواب .. وخلط الأمور ببعضها حتى ساوى بين سجود التلاوة في الصلاة .. وسجود التلاوة خارج الصلاة .. في حين أن كلاهما مختلف عن الآخر ..!! لأن سجدة التلاوة في أثناء الصلاة مرتبطة أصلا بالصلاة التي لا تصح إلا بوضوء واستقبال قبلة ستر عورة ..!! وإنما سجدة التلاوة التي خارج الصلاة والتي تفعلها أثناء قرائتك للقرآن فهذه لها حكم آخر .. لأنك لست في الصلاة حينئذ .. وإنما تسجد لله سجدة منفردة ومنفصلة عن الصلا تماما ..!!

****************************

..:: هل يصح سجدة التلاوة بغير وضوء (خارج الصلاة) ؟ ::..

( الرأي الثاني)

- جاء في البخاري تحت عنوان :

 -بَابُ سُجُودِ المُسْلِمِينَ مَعَ المُشْرِكِينَ ، وَالمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ .

- وَكانَ ابنُ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما (يَسجدُ على غير وُضوءٍ) صحيح البخاري.

- ثم ذكر البخاري بعد هذا العنوان حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ) صحيح البخاري.

1- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852 هـ):

- قال بن رشيد: مَقْصُودَ الْبُخَارِيِّ تَأْكِيدُ مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ قَدْ أَقَرَّ عَلَى السُّجُودِ وَسَمَّى الصَّحَابِيُّ فِعْلَهُ سُجُودًا مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ .. فَالْمُتَأَهِّلُ لِذَلِكَ أَحْرَى بِأَنْ يَسْجُدَ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ ..

- وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ الَّذِي مَا سَجَدَ عُوقِبَ بِأَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَعَلَّ جَمِيعَ مَنْ وُفِّقَ لِلسُّجُودِ يَوْمَئِذٍ خُتِمَ لَهُ بِالْحُسْنَى فَأَسْلَمَ لِبَرَكَةِ السُّجُودِ .

- قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّرْجَمَةِ وَأَثَرِ بن عُمَرَ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْآيَةِ عَلَى وُضُوءٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ إِلَى السُّجُودِ خَوْفَ الْفَوَاتِ بِلَا وُضُوءٍ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ .. اسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ بِلَا وُضُوءٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ بِالْوُضُوءِ ..

- وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ الْمَتْنِ (وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ) .. فسوى بن عَبَّاسٍ فِي نِسْبَةِ السُّجُودِ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ .. فَيَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ السُّجُودُ مِمَّنْ كَانَ بِوُضُوءٍ وَمِمَّنْ لَمْ يَكُنْ بِوُضُوءٍ .. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فتح الباري ج2 ص554 ..

- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الإمام بن رشيد الذي استدل بكلامه الإمام بن حجر .. هو أبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي المالكي (المتوفى:712).. والله أعلم.

- ولا يخفى على من قرأ الحديث السابق يعلم بالبداهة أنه من غير المعقول أن يكون جميع الحاضرين من المسلمين (إنس وجن) على وضوء في نفس اللحظة ..!!

- بل وليس يوجد توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب الوضوء لمثل هذا السجود ..!!

- فلما سكت علمنا أن الوضوء ليس شرطا في هذه السجدة ..!!

- ولم يأت إنكار من النبي يرشدنا فيه أن سجود التلاوة لا يصح إلا من مؤمن متوضيء ..!!

- فضلا عن أن المشرك فعلها وهو لا يصح منه وضوء .. ولم يأت إنكار من النبي على فعلهم ..!!

2- قال الإمام بن حزم الظاهري رحمه الله (المتوفى: 456هـ):

- أَمَّا سُجُودُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ صَلَاةً أَصْلًا .. لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا ثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الْأَزْدِيَّ - وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ ثِقَةٌ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ».

- فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ صَلَاةً.

- وَالسُّجُودُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَيْسَ رَكْعَةً وَلَا رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ صَلَاةً، وَإِذْ لَيْسَ هُوَ صَلَاةً فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا وُضُوءٍ، وَلِلْجُنُبِ وَلِلْحَائِضِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الذِّكْرِ وَلَا فَرْقَ، إذْ لَا يَلْزَمُ الْوُضُوءُ إلَّا لِلصَّلَاةِ فَقَطْ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ.

- فَإِنْ قِيلَ: إنَّ السُّجُودَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَبَعْضَ الصَّلَاةِ صَلَاةٌ.

- قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَعْضُ الصَّلَاةِ صَلَاةً إلَّا إذَا تَمَّتْ كَمَا أُمِرَ بِهَا الْمُصَلِّي، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً كَبَّرَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَطَعَ عَمْدًا لَمَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ صَلَّى شَيْئًا، بَلْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، فَلَوْ أَتَمَّهَا رَكْعَةً فِي الْوِتْرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَالسَّفَرِ وَالتَّطَوُّعِ لَكَانَ قَدْ صَلَّى بِلَا خِلَافٍ.

- ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إنَّ الْقِيَامَ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَالتَّكْبِيرَ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَقِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَالْجُلُوسَ بَعْضُ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامَ بَعْضُ الصَّلَاةِ، فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لَا تُجِيزُوا لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ وَلَا أَنْ يُكَبِّرَ وَلَا أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ وَلَا يَجْلِسَ وَلَا يُسَلِّمَ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ، فَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ .. فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

- فَإِنْ قَالُوا هَذَا إجْمَاعٌ، قُلْنَا لَهُمْ: قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِ حُجَّتِكُمْ وَإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ .. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

المحلى بالآثار ج1 ص97

- وقال الإمام بن حزم رحمه الله في مكان آخر :

- وَلَيْسَ السُّجُودُ فَرْضًا لَكِنَّهُ فَضْلٌ وَيَسْجُدُ لَهَا فِي الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ، وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَاسْتِوَائِهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَعَلَى طَهَارَةٍ وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ .

المحلى ج3 ص323

- تعليق (خالد صاحب الرسالة) على بعض كلام بن حزم السابق :

- قوله (ليس السجود فرضا) : يقصد في كلامه سجود التلاوة .

- قوله (ليست فرضا لكنه فضل): لأن النبي ترك فعلها كما في حديث زيد بن ثابت ..

- قوله (وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَعَلَى طَهَارَةٍ وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ): لأنها ليست صلاة ولم يأت فيها نص بذلك ..!!

3- قال الشيخ بن تيمية رحمه الله (المتوفى: 728هـ):

- حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ التَّكْبِيرُ، قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ) . وَفِي لَفْظِهِ: (حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِجَبْهَتِهِ) .

- فَابْنُ عُمَرَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ تَسْلِيمًا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ (يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ).

- وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ، لَكَانَ هَذَا مَا يَعْلَمُهُ عَامَّتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ مَعَهُ، وَكَانَ هَذَا شَائِعًا فِي الصَّحَابَةِ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَوْجَبَ الطَّهَارَةَ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَعْلَمِهِمْ، وَأَفْقَهِهِمْ، وَأَتْبَعِهِمْ لِلسُّنَّةِ، وَقَدْ بَقِيَ إلَى آخِرِ الْأَمْرِ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، كَانَ هُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ لَهَا .

- وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا أَوْجَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ ذَلِكَ شَائِعًا بَيْنَهُمْ كَشِيَاعِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَابْنُ عُمَرَ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْجَبَ الطَّهَارَةَ فِيهَا. وَلَكِنْ سُجُودُهَا عَلَى الطَّهَارَةِ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

- وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُكْرَهُ سُجُودُهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَيَمَّمَ، وَقَالَ: «كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» . فَالسُّجُودُ أَوْكَدُ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ.

- لَكِنْ كَوْنُ الْإِنْسَانِ إذَا قَرَأَ وَهُوَ مُحْدِثٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّجُودُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ إلَّا بِطَهَارَةٍ .. قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج1 ص349

* ثم قال الشيخ بن تيميه في موضع آخر:

- وَلَمَّا كَانَ الْمُحْدِثُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فَلَهُ أَنْ يَسْجُدَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .. فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ سَجَدُوا ..

الفتاوى الكبرى ج1 ص361

- تعليق (خالد صاحب الرسالة) على بعض كلام بن تيميه السابق :

- يقصد بن تيميه بكلمة (الْمُحْدِثُ): أي الذي أصابه حدث أصغر .. أي ليس على وضوء .. ولكن المحدث حدث أكبر (كالذي على جنابة) لا يصح له قراءة القرآن .. حتى يغتسل .

- و (الْمُحْدِثُ): هو الذي حدث له عارض أخرجه عن الطهارة اللازمة لأداء عبادة لا تصح إلا بهذه الطهارة ..

- ويقصد الشيخ بن تيميه بقوله (وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ سَجَدُوا) .. إشارة للحديث الذي قال عبد الله بن عمر عند قراءة سورة النجم .. وقد سبق ذكره .

4- قال الإمام الشوكاني رحمه الله (المتوفى: 1250هـ):

- (فَائِدَةٌ) : لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ السَّاجِدُ مُتَوَضِّئًا وَقَدْ كَانَ يَسْجُدُ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَضَرَ تِلَاوَتَهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْوُضُوءِ، وَيَبْعُد أَنْ يَكُونُوا جَمِيعًا مُتَوَضِّئِينَ. وَأَيْضًا قَدْ كَانَ يَسْجُدُ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ وَهُمْ أَنْجَاسٌ لَا يَصِحُّ وُضُوؤُهُمْ .

- وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عبد الله بن عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) . وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

- وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ: صَحِيحٌ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَسْجُدُ الرَّجُل إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) ..، فَيُجْمَع بَيْنهمَا بِمَا قَالَ ابْنُ حَجْرٍ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى أَوْ عَلَى حَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الضَّرُورَةِ، وَهَكَذَا لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ طَهَارَةِ الثِّيَابِ وَالْمَكَانِ .. وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَقِيلَ: إنَّهُ مُعْتَبَرٌ اتِّفَاقًا.

- قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمْ يُوَافِقْ بن عُمَرَ أَحَدٌ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ بِلَا وُضُوءٍ إلَّا الشَّعْبِيَّ .. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

- وَأَخْرَجَ أَيْضًا بسند حسن عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ يَسْجُدُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ يَمْشِي يُومِئُ إيمَاءً) ..

- وَمِنْ الْمُوَافِقِينَ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَبُو طَالِبِ وَالْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ ..

- (فَائِدَةٌ أُخْرَى) : رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ.

- وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّلَاةِ.

نيل الأوطار ج3 ص125-126.. بتصرف بسيط .

*********************************

..:: بخصوص سجدة الشكر والتعظيم ::..

- قد تتسائل وتقول أننا تكلمنا عن سجدة التلاوة .. ولكن أين سجدة الشكر والتعظيم ومطلق السجود ..؟!!

- أنت لم تنتبه أن الكلام على سجدة التلاوة يشمل معه الكلام على سجدة السجود والتعظيم أو مطلق السجود .. حيث أن ما يقال على سجدة التلاوة عند كل أصحاب الرأي فهو يندرج على كل أنواع السجود المنفردة ..

* فمثلا بعد أن ذكر الشيخ الشوكاني مجموعة من الأحاديث التي تدل على سجود الشكر فقال رحمه الله:

- وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ.

- وَقَالَ مَالِك وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ يُكْرَهُ إذَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَوَاتُرِ النِّعَمِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

- وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ وَإِنْكَارُ وُرُودِ سُجُودِ الشُّكْرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مِثْلِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مَعَ وُرُودِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ الطُّرُق الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا مِنْ الْغَرَائِبِ.

- وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ سُجُودِ الشُّكْرِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّم فِي سَجْدَةِ (ص) (هِيَ لَنَا شُكْرٌ وَلِدَاوُد تَوْبَةٌ).

- وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوُضُوءِ وَطَهَارَةِ الثِّيَابِ وَالْمَكَانِ.

- وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْإِمَامُ يَحْيَى أَبُو طَالِبٍ.

- وَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالنَّخَعِيِّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ.

نيل الأوطار ج3 ص127

- قلت (خالد صاحب الرسالة) :

- الإمام يحيى الذي ذكره الشوكاني .. هو يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (المتوفى:125هـ) .. وهو من أئمة آل البيت النبوي .

- يوجد خطأ في بعض النسخ المطبوعة حيث تم كتابة (وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْإِمَامُ يَحْيَى وأَبُو طَالِبٍ) وهو خطأ من الناسخ في كتابة حرف الواو بين اسمي يحي وأبو طالب .. لأن الإمام يحيى يكنى باسم (أبو طالب يحيى بن زيد) ..!! والله أعلم .

**********************

..:: خلاصة مسألة جواز السجود خارج الصلاة غير وضوء ::..

( وهل يجوز السجود في غير الصلاة بغير حجاب؟ )

1- هناك كثير من العلماء قالوا أن سجود التلاة أو سجود الشكر .. لا يصح إلا بوضوء واستقبال قبلة وستر عورة .. ولها أحكام الصلاة ..!!

2- وهناك من قالوا أن سجود التلاة أو سجود الشكر أو أي سجود منفرد خارج الصلاة .. فهو يصح بدون وضوء وبدون استقبال قبلة ولا يلزم له ما يلزم في الصلاة .. لأنها سجدات وليست صلاة حتى يطبق عليها أحكام الصلاة .. !! ومن الذين قالوا بذلك من الأئمة هم: عبد الله بن عمر والشعبي والسلمي وبن حزم وبن تيميه وبن الرشيد السبتي ومال إلى ذلك بن حجر العسقلاني والشوكاني ..

- وبالتالي يصح عند أصحاب الرأي الثاني السجود في غير صلاة بدون حجاب للمرأة البالغة .. وبدون القيود المانعة عن الصلاة .. لأن السجود المنفرد عندهم ليس صلاة من أساسه .. فلماذا تم اشتراط ما لم يشترطه النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!

- حتى أن الإمام بن حزم أجاز سجدة التلاوة وأي سجود منفرد عن الصلاة .. أن تفعلها الحائض والجنب لأنها ليست صلاة .. وله في ذلك تفصيل وردا على مخالفيه من أصحاب المذاهب الأخرى ..!!

- فلك أن تختار ما يطمئن لك قلبك وتفعله .. دون أن تعترض على الآخر .. وإن كان من رأيي أن اصحاب الرأي الثاني حجتهم أقوى ..

************************

- وبهذا يكون ختام هذه الرسالة -

- اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم -

************************

- وكان هذا ختام الرسالة ..  والحمد لله رب العالمين –

تم البدء في كتابتها بتاريخ 3/2/2020 .. ورفعها في ذات التاريخ على شبكة الإنترنت على مدونة الروحانيات فى الاسلام .. وتم الإنتهاء منها بتاريخ 5/2/2020 .

********************

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات .. في كل زمان ومكان .. آمين يارب العالمين .

-  اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم -

******************************

اللهم عفوك ورضاك

وأسألك القبول

ولا حول ولا قوة إلا بالله

*****************

************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..