إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية - قصة الأبرص والأقرع والأعمى- عن الإبتلاء بالمرض والصحة - والفقر والغنى - من لطائف الإشارة في علم الشريعة - من لطائف الإشارة عن الملائكة - من لطائف الإشارة عن الإبتلاء في القصة - من لطائف الإشارة عن الأدب مع الله - من لطائف الإشارة في كرامة العبودية لله - من لطائف الإشارة في المعاملات مع الله - من لطائف الإشارة في تدبير القدر - من لطائف الإشارة في فهم الحكمة.

بسم الله الرحمن الرحيم
(إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية)
(1)

(قصة الأبرص والأقرع والأعمى)

(عن الإبتلاء بالمرض والصحة - والفقر والغنى)

* فهرس:

1- أولا: من لطائف الإشارة في علم الشريعة ؟

2- ثانيا: من لطائف الإشارة عن الملائكة ؟

3- ثالثا: من لطائف الإشارة عن الإبتلاء في القصة ؟

4- رابعا: من لطائف الإشارة عن الأدب مع الله ؟

5- خامسا: من لطائف الإشارة في كرامة العبودية لله ؟

6- سادسا: من لطائف الإشارة في المعاملات مع الله ؟

7- سابعا: من لطائف الإشارة  في تدبير القدر ؟

8- ثامنا: من لطائف الإشارة في فهم الحكمة ؟

**************************

..:: مقدمة ::..

- بسم الله – اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم .

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

- مع قصة من قصص الحديث النبوي الشريف .. نتعلم منها شيء من الحكمة والإشارات الذوقية والآداب الشرعية .. بأسلوب جديد .. !!

- اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم.

*************************

:: (من الحديث النبوي) ::

..:: قصة الأقرع والأبرص والأعمى ::..

- جاء في الحديث الصحيح .. عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا ، فَأَتَى الْأَبْرَصَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : لَوْنٌ حَسَنٌ ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي ^{(أي اشمئزوا مني ونفروا مني)} النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْإِبِلُ . فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ^{(أي حامل في شهرها العاشر)} ، فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .

فَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : شَعَرٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْبَقَرُ ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .

فَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ . فَمَسَحَهُ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْغَنَمُ . فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا ، فَأُنْتِجَ هَذَانِ (أي من البقر والأبل)  وَوَلَّدَ هَذَا (من الغنم) ،  فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ .

- ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ ^{(أي انقطعت بي الأسباب والحيل وحال صحتي كما ترى مصاب بالبرص ولا شفاء لي - وحالي المادي أني مسكين فقير)} فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ^{(أي توكلت على الله وجعلتك سببا معينا لي على ابتلائي)} ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي . فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ ^{(أي عندي نفقات كثيرة يجب أن أفعلها بهذا المال وهي أولى منك)} . فَقَالَ لَهُ ^{(أي قال له الملك)} : كَأَنِّي أَعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ ؟ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ (^{أي ورثته عن آبائي وأجدادي)} . فَقَالَ ^{(أي قال له الملك)}: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .

- وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا . فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .

- وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ^{(أي ذهب الملك في هيئة شخص أعمى فقير محتاج .. ويرجوه في قضاء حاجته)} .. فَقَالَ ^{(أي قال له الملك)}: رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، وَابْنُ سَبِيلٍ ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي . فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي ، فَخُذْ مَا شِئْتَ ، وَدَعْ مَا شِئْتَ ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ ^{(أي لا أشق عليك في ردّ شيء تطلبه مني أو تأخذه من أجل الله وإكراما له جل جلاله)} .

فَقَالَ ^{(أي قال له الملك)}:أَمْسِكْ مَالَكَ ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ) صحيح البخاري ومسلم .

******************************

..:: أولا: من لطائف الإشارة في علم الشريعة ::..

1- يصح الرواية عن قصص بني إسرائيل طالما فيها حكمة وموعظة .. ولا تخالف عقيدة ولا شريعة ..

- في الحديث : (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً، وَحَدِّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) صحيح البخاري.

- معنى (لا حرج): لا مانع من الرواية عما جاء من أخبارهم كموعظة ولم يخالف الشريعة .. 
- وفي الحديث دلالة على أنه يجوز للمسلم أن ينقل كلامهم وأخبارهم الموجودة في كتبهم دون تقيد بالبحث عن صحة الإسناد، بل تحكى أخبارهم كما هي للعبرة والاتعاظ ، إلا ما علم أنه كذب .

2- وهذا لا يتعارض مع حديث أبي هريرة حينما قال: (كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ وقُولوا: {آمَنَّا باللَّهِ وما أُنْزِلَ} [البقرة: 136] الآيَةَ) صحيح البخاري .

- ومعنى الحديث: لا تُصدِّقْ إلّا ما دلَّ القرآنُ والسنّةُ على صدقِه، ولا تُكذِّبْ إلّا ما دلَّ القرآنُ والسنّةُ على كذبِه .. وما لا يوجد في القرآن ولا الأحاديث دليل عليه وليس فيه ما يعارض الشرع .. فلا يصدق ولا يكذب .. وإنما يبقى مجرد حكاية يتم ذكرها لو فيها موعظة وحكمة ..

- ولكن هناك من القصص الخرافية التي يظهر منها تعارضها مع صحيح الإيمان والشرع .. فهذه يتم تجاهلها ولا تروى نهائيا .. إلا على سبيل التنبيه من الإحتراز منها وبيان عدم صحتها .

*************************

..:: ثانيا: من لطائف الإشارة عن الملائكة ::..

1- إرسال الملائكة يكون من الله وليس لأحد غيره التصرف في إرسال أو جلب وجذب أو دفع أو تواصل أو تحضير واستدعاء أحد من الملائكة . (فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا) ..

2- أن الملائكة ممكن تكون سبب في الإبتلاء الإلهي .. (فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا) .. 
- كما قد يكونوا سبب في العقاب الإلهي كما أرسل الملائكة لهلاك قوم لوط وكانوا أيضا في شكل شباب من اجمل ما يكون .. راجع سورة هود للآيات (68-97) .. 
- وقد تكون الملائكة سبب بنزول الرحمة (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) فصلت31-30 .

3- أنّ الملائكة يتشكلون في صورة الإنسان (سواء في صورة إنسان معافى ورجل صالح خَيِّر أو إنسان مريض فقير محتاج) .. وبالتالي لهم القدرة في الإنتقال من الحالة الروحانية إلى الحالة المادية بإذن من الله.

- ففي حال الصحة وفعل الخير: (فبعث إلَيْهِمْ مَلَكاً) أي في صورة إنسان

- وفي حال المرض والفقر: (أتَى الأبرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ) أي على هيئة إنسان مصاب بالبرص .

4- قد يعطي الله لبعض ملائكته القدرة على مسح المرض فيشفونهم .. بإذن الله .. بدليل (فَمَسَحَهُ) .

5- الملائكة تدعو (بالعطاء والسلب) ودعائها مستجاب ..

- ففي العطاء: ( يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا) وتم الإستجابة: (فكان لهَذَا وَادٍ مِنْ إبلٍ، وَلِهَذا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ) .

- وفي السلب: (إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنْتَ) وتم الإستجابة: (فَقَد رَضِيَ الله عَنْكَ، وَسَخِطَ على صَاحِبَيْكَ) .

6- أن الملائكة ممكن أن يراهم الناس ويتحدثون معهم .. ولا يعلمون أنهم ملائكة .. حتى يعمل الإنسان تحت الإختبار ..

- وفي أحيان أخرى قد يخبرهم الملك بنفسه .. كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له، علَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها ؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ) صحيح مسلم.

- معنى (فأرصد - مدرجته): أي هيأ له واعد له خصيصا له .. ملك من الملائكة على طريقه ليختبره في نوايا زيارته لأخيه .. هل هي لمصلحة أم لمجرد أنه يحبه ؟!

****************************

..:: ثالثا : من لطائف الإشارة عن الإبتلاء في القصة ::..

1- أن الإبتلاء بالمرض من الله .. لا من غيره .. والشفاء من المرض بإذن الله.

2- وأن الإبتلاء هو مرايا لتنكشف فيها حقائق أنفسنا .. يقول تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت 2-3 ..، (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ . أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الزمر49-52..

3- أن الذي أبلى هو الله .. والذي عافى هو الله .. ويحدث هذا في الوقت الذي يريد وليس في الوقت الذي أنت تريد . (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التغابن11.. مصيبة في ماله أو نفسه أو عمله أو ولده أو في أي حاجة له فيها منفعة وانقلبت ضرر عليه ..

4- ليس كل مبتلى صادق في إيمانه .. لأنه غالبا ما تظهر المسكنة وقلة الحيلة وقت السلب والقبض .. وإنما تنكشف حقيقة الإيمان في وقت العطاء والبسط .. يقول تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس12 ..، يقول تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) فصلت51 ..، ويقول تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ . ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) النحل53-54.

*************************

..:: رابعا: من لطائف الإشارة عن الأدب مع الله ::..

1- تحري الأدب مع الله في الألفاظ .. حتى لا ينسب للعبد ما هو لله ..، حيث قال المَلك : (فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ) .. ولا يصح أن تقول (بالله وبك) .. لأن حرف الواو يظهر منه المساواة في قدرة الفعل .. بخلاف لفظ (ثم) الدالة على التراخي الزمني .. وكأن الشخص يقول توكلت على الله وجعلتك سببا من الله في قضاء حاجتي ..

- وفي الحديث .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان) صحيح أبي داوود.

- فمثلا لا يصح أن تقول: لولا فضل الله و فضل فلان ، ولكن قل: لولا فضل الله ثم فضل فلان .. لأن حرف الواو فيه إيحاء بإثبات الفضل لكلا منهما .. ولكن لفظ (ثم) يجعل الفضل من العبد تابع لفضل الله .. والله أعلم .

2- لا تنسب النعمة لنفسك .. واعترف بالفضل لربك .. حتى لا تنقلب النعمة نقمة .. وتكون العاقبة خسرا .، قال تعالى :(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ابراهيم7.

- معنى (تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ): أي أَعْلَمَ إِعْلاَماً لاَ شُبْهَةَ فِيهِ ..

****************************

..:: خامسا: من لطائف الإشارة في كرامة العبودية لله ::..

1- الصدقة تجلب رضا الله وتمنع غضب الله وسخطه ..

2- من أحسن إلى الله في السراء .. نال الرضا في الدنيا ويوم الجزاء ..

*************************

..:: سادسا: من لطائف الإشارة في المعاملات مع الله ::..

1- من أحسن إلى الله في خلقه .. أحسن الله إليه بالرضا عليه .. ومن أساء إلى الله في معاملة خلقه .. حكم بالسخط عليه .

2- من أراد رضا الله عليه .. فعليه بجبر خاطر عباده بالإحسان إليهم .   

***********************

..:: سابعا: من لطائف الإشارة  في تدبير القدر ::..

1- أن الملائكة قد تصادفك وأنت لا تعلم .. فأحسن لله في ظاهرك وباطنك .. فلعله تصيبك دعوة ملك بالإحسان إليك .. فيكرمك الله بها.

2- لطف الله محيط بك .. فاجتهد (في التعلق بالله) حتى تكون أهلا لهذا اللطف (العطاء من باب غير متوقع) حينما يكرمك به .. حتى تؤدي حقه وتشكره عليه ولا تجحده ..

3- لا تدري لعل الخير يكون فيما تكره من مجريات القدر .. (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة216 .

**************************

..:: ثامنا: من لطائف الإشارة في فهم الحكمة ::..

1- ليس كل جميل الهيئة يكون جميل القلب .. وإنما جميل القلب هو الذي اكتملت هيئته برضا الله .

2- لا تنخدع بظاهر الإنسان .. فلعل صاحب الهيئة الجميلة مسخوطا عليه .. ولعل أشعث أغبر مجاب الدعاء .. فتأدب مع الله ولا تحكم على أحد من ظاهره ..

3- ليس العمى من حجب الرؤية العينية .. وإنما العمى من حجب الرؤية القلبية .. فكم من أعمى بصير .. وكم من بصير أعمى ..

4- ليس الأعمى من كف بصره .. وإنما الأعمى من كفت بصيرته ..!!

5- وقت الفتنة تظهر معادن الإنسان .. وينكشف المستور في نفسه .. فمن رضي فله الرضا .. ومن سخط فله السخط .

6- ليس كل ما هو ظاهر بالإنكسار هو غلبان .. فلعل نفسه كالحرباء تتلون مع تغير مجريات الأحداث .. وأنت لا تراه .

7- ستدرك دائما ان الرحمة في اختيار الله لنا .. وليس فيما نختاره لأنفسنا .

8- أن من لم يوفي حق الله .. سلبه وسخط عليه .. ومن شكر الله ووفاه حقه .. أكرمه وبارك له ..

9- كن متعلقا بالله في كل أحوالك ولا تنسى فضل الله عليك .. وأبصر في نفسك ما أعطاه الله لك واحمده عليه ولا تنظر إلى ما سلبه الله منك وتعترض عليه .. فلعل ما سلبه منك هو عين عطاءه لك .. ولعل ما تطلبه منه فيه فتنة لك .. فارضى بما قسمه الله لك حتى يسلم قلبك من أحداث الحياة .

- وكان هذا آخر ما جال بخاطري عن لطائف وإشارات القصة .. والله أعلم ..

*************************

- اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم .

*******************

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .