ج4: رسالة لطائف وإشارات ذوقية في فهم الأمثلة القرآنية - ما هو مفهوم الوقود والنار والنور والإضاءة والظلمة وما هو حول الشخص - ما هي علاقة المثل بين جماعة المنافقين ومستوقد النار - ما الذي أفاده تنكير لفظ (نارا) في الآية - لماذا تم ضرب المثل بالنار للمنافقين - ما الذي أفاده قوله تعالى (ما حوله) - لماذا قال تعالى (ذهب الله بنورهم) .. ولم يقل "أذهب نورهم" - ما دلالة وفائدة جملة (ذهب الله بنوره) - ما الذي أفاده حرف الباء في قوله (ذهب الله بنورهم) - لماذا أسند فعل الذهاب إلى (الله) .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

لطائف وإشارات ذوقية

في شرح وفهم الأمثلة القرآنية

(الجزء الرابع)

* فهرس:

:: الفصل الخامس :: تذوقات العلماء ::

1- س18: ما هو مفهوم الوقود والنار والنور والإضاءة والظلمة وما هو حول الشخص ؟

2- س19: ما هي علاقة المثل بين جماعة المنافقين ومستوقد النار ؟

3- س20: ما الذي أفاده تنكير لفظ (نارا) في الآية ؟

4- س21: لماذا تم ضرب المثل بالنار للمنافقين ؟

5- س22: لماذا قال تعالى (أضاءت) ولم يقل (أنارت) ؟

6- س23: ما الذي أفاده قوله تعالى (ما حوله) ؟

7- س24: لماذا قال تعالى (ذهب الله بنورهم) .. ولم يقل "أذهب نورهم" ؟

8- س25: ما دلالة وفائدة جملة (ذهب الله بنوره) ؟

9- س26: ما الذي أفاده حرف الباء في قوله (ذهب الله بنورهم) ؟

10- س27: لماذا أسند فعل الذهاب إلى (الله) ؟ 

 *************************

:: الفصل الخامس ::

..:: تذوقات العلماء ::..

*************************

 ..:: س18: ما هو مفهوم الوقود والنار والنور والإضاءة والظلمة وما هو حول الشخص ؟ ::..

 

* قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله (المتوفى: 606هـ):

- مَا الْوُقُودُ؟ وَمَا النَّارُ؟ وَمَا الْإِضَاءَةُ؟ وَمَا النُّورُ؟ مَا الظُّلْمَةُ؟

- الْجَوَابُ:

- أَمَّا وُقُودُ النَّارِ فَهُوَ سُطُوعُهَا وَارْتِفَاعُ لَهَبِهَا ..

- وَأَمَّا النَّارُ فَهُوَ جَوْهَرٌ لَطِيفٌ مُضِيءٌ، حَارٌّ مُحْرِقٌ، وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ نَارَ يَنُورُ إِذَا نَفَرَ، لِأَنَّ فِيهَا حَرَكَةً وَاضْطِرَابًا ..

- وَالنُّورُ مُشْتَقٌّ مِنْهَا وَهُوَ ضَوْؤُهَا .. 

- وَالْإِضَاءَةُ فَرْطُ الْإِنَارَةِ، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) يُونُسَ5 ..

- وَأَمَّا مَا حَوْلَ الشَّيْءِ فَهُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ، تَقُولُ دَارَ حَوْلَهُ وَحَوَالَيْهِ، وَالْحَوْلُ السَّنَةُ لِأَنَّهَا تَحُولُ.

- وَالظُّلْمَةُ عَدَمُ النُّورِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْتَنِيرَ، وَالظُّلْمَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ النُّقْصَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) الْكَهْفِ33 .. أَيْ لَمْ تَنْقُصْ .. وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ، أَيْ فَمَا نَقَصَ حَقَّ الشَّبَهِ .. وَالظُّلْمُ الثَّلْجُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِصُ سَرِيعًا .

مفاتيح الغيب ج2 ص314 . باختصار شديد في كلامه

 

******************************

..:: س19: ما هي علاقة المثل بين جماعة المنافقين ومستوقد النار ؟ ::..

 

- قال تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ . مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ) البقرة16-17 .

 

1- في أحد أوجه التفسير قال الإمام الزمخشري رحمه الله (المتوفى: 538هـ):

- أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى، عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم بذهاب اللَّه بنورهم وتركه إياهم في الظلمات.

- وتنكير النار للتعظيم.

تفسير الكشاف ج1 ص75

 

2- قال الإمام بن القيم رحمه الله (المتوفى: 751هـ):

- تأمل مطابقة هذا المثل لما تقدمه من قوله: (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) كيف طابق بين هذه التجارة الخاسرة التي تضمنت حصول الضلالة والرضى بها، وبذل الهدى في مقابلتها، وحصول الظلمات التي هي الضلالة والرضى بها ، بدلا عن النور الذي هو الهدى والنور، فبذلوا الهدى والنور، وتعوضوا عنه بالظلمة والضلالة .. فيا لها من تجارة ما أخسرها .. وصفقة ما أشد غبنها..

التفسير القيم ص118-119

 

3- قال الإمام شهاب الدين الحلبي رحمه الله (المتوفى: 756هـ):

- وقوله: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا) شبَّهَ من أتاه الله ضربًا من الهدى والمعونة فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد من استوقد نارًا في ظلمة. فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد في ظلمته التي كان فيها.

عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ ج4 ص69

 

4- قال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله (المتوفى: 1332هـ) جامعا تفسير الآيات بأوجه التشبيه:

أ- (مَثَلُهُمْ) أي: مثالهم في نفاقهم، وحالهم فيه (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ) أي أوقد ناراً في ظلمة- والتنكير للتعظيم- (فَلَمَّا أَضاءَتْ) أي: أنارت النار ما حَوْلَهُ فأبصر، واستدفأ، وأمن مما يخافه (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) أي: أطفأ الله نارهم- التي هي مدار نورهم- فبقوا في ظلمة وخوف- وجمع الضمير مراعاة لمعنى الذي كقوله (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) التوبة69 .. (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) ما حولهم- متحيّرين عن الطريق، خائفين ..

 

- فكذلك هؤلاء استضاءوا قليلا بالانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، حيث أمنوا على أنفسهم وما يتبعها. ثم وراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة- ظلمة النفاق- التي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله، وظلمة العقاب السرمد، ومحصوله: أنهم انتفعوا بهذه الكلمة مدّة حياتهم القليلة، ثم قطعه الله تعالى بالموت.

 

ب- ونقل- عن كثير من السلف- تفسير آخر، وهو: تمثيل إيمانهم أوّلا، ثم كفرهم ثانيا. فيكون إذهاب النور في الدنيا، كما قال تعالى: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) المنافقون3 ..، فلمّا آمنوا أضاء الإيمان في قلوبهم- كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا نارا- ثمّ لمّا كفروا، ذهب الله بنورهم: انتزعه كما ذهب بضوء هذه النار ..

 

- وعلى هذا فالتمثيل مرتبط بما قبله. فإنهم- لمّا وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى- مثّل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد ..، والضلالة التي اشتروها وطبع بها على قلوبهم .. بذهاب الله بنورهم، وتركه إيّاهم في الظلمات.

محاسن التأويل ج1 ص256-257.. مع بعض التصرف في تمييز الرأيين بحرفي الألف والباء.

 

* قال الشيخ محمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ):

- التشبيه التمثيلي: في قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) حيث أشبهت حالهم بحال مستوقد انطفأت ناره.

الجدول في إعراب القرآن ج1 ص62

 

**********************

 

..:: س20: ما الذي أفاده تنكير أو تنوين لفظ (نارا) في الآية ؟ ::..

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- جاء لفظ النار بالتنكير للتعظيم .. والتنوين أفاد التمكن .. أي لتفهم أن هذه النار تمكنوا من إيقادها وكانت لها إشتعال عظيم جدا .. وبالتالي لها أثر كبير في الضوء ..

 

- وكأن هؤلاء المنافقين (سواء كانوا مؤمنين فكفروا أو منافقين من البداية) .. قد تمكنوا من الإيمان (أو تمكنوا من الظهور بمظهر الإيمان) .. حتى انتفعوا بالجانب المشرق من الإيمان .. ولكن لما ارتضت قلوبهم حال الجحود بهذا الإيمان .. فقد سلب الله منهم هذا الإشراق .. ليبقيهم في ظلمات جحودهم التي اختاروها على نور الحق .. وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم هم الظالمين ..!!

- والله أعلم .

 

*************************

..:: س21: لماذا تم ضرب المثل بالنار للمنافقين ؟ ::..

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لعل سبب ضرب المثل (بالنار) .. لأن النار يكون فيها إشراق وفيها إحراق .. وضرب مثل النار للمنافقين .. حتى يبين أنهم باعوا إشراقهم .. واشتروا إحراقهم ..

 

- وكأن كل من يجحد الإيمان .. ويرضى بالكفر دينا له .. فقد حرم نفسه نور القلب .. واستبدلها بنقمة ظلمة القلب .. فقد باع النور الذي كان ينفعه .. واستبدله بالظلمة الذي هي ستؤذيه .. وذلك في إشارة إلى قوله تعالى (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) البقرة108 ..

- فلما جحدوا نعمة الجمال .. أنزل الله بهم سطوة الجلال ..

- والله أعلم .

 

********************

..:: س22: لماذا قال تعالى (أضاءت) ولم يقل (أنارت) ؟ ::..

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- جاء بلفظ (أضاءت) .. ولم يقل أنارت .. لأن المقصد من المثل هو توضيح قوة ما أكتسبه أو ما اكتسبوه موقدي النار من قوة توهج عظيمة جدا لهذه النار .. التي ترتب عليها إضاءة قوية جدا ..

 

- وبتطبيق ذلك على المنافقين .. (على الرأي الأول في التفسير) يتضح ما اكتسبه المنافقين من منافع جليلة حققوها من وراء إيمانهم قبل أن يكفروا .. أو (على الرأي الثاني في التفسير) فيكون المعنى توضيح ما اكتسبوه من منافع جليلة حققوها من وراء تسترهم بالإيمان .. حيث كانوا يعاملوا بمعاملة المؤمنين .

- والله أعلم .

 *********************

..:: س23: ما الذي أفاده قوله تعالى (ما حوله) ؟ ::..

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

أفادت جملة (ما حوله) .. على أن هذا المستوقد أو جماعة المستوقدين .. قد اتضحت لهم بوضوح تام معالم الطريق أو معالم المكان الجالسين .. حتى إذا تحولوا بأعينهم إلى أي جهة كانوا لها مبصرين .

 

- وبتطبيق المثل على المنافقين .. سنجدهم أنهم كانوا قد آمنوا بالفعل فكان هذا الإيمان لهم نجاة في الدنيا والآخرة .. (وعلى الرأي التفسيري الآخر) فسنجدهم قد تحققوا من التظاهر بالإيمان ليكتسبوا منافع أهل الإيمان في كل أحوالهم كلما أكرمهم الله بخير .

- والله أعلم .

 

**********************

..:: س24: لماذا قال تعالى (ذهب الله بنورهم) .. ولم يقل "أذهب نورهم" ؟ ::..

 

1- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى: 606هـ):

- لِمَ قَالَ: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) وَلَمْ يَقُلْ "أَذْهَبَ اللَّهُ نُورَهُمْ" ؟

- وَالْجَوَابُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَذْهَبَ وَذَهَبَ بِهِ أَنَّ مَعْنَى أَذْهَبَهُ أَزَالَهُ وَجَعَلَهُ ذَاهِبًا، وَيُقَالُ ذَهَبَ بِهِ إِذَا اسْتَصْحَبَهُ، وَمَعْنَى بِهِ مَعَهُ، وَذَهَبَ السُّلْطَانُ بِمَالِهِ أَخَذَهُ قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) يُوسُفَ15 ..، (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) الْمُؤْمِنُونَ91 ..، وَالْمَعْنَى أَخَذَ اللَّهُ نُورَهُمْ وَأَمْسَكَهُ (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ) فَاطِرٍ2 .. فَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْإِذْهَابِ .

مفاتيح الغيب ج2 ص3141

2- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى1393هـ):

- أَصْلَ "ذَهَبَ بِهِ" أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُمَا ذَهَبَا مُتَلَازِمَيْنِ فَهُوَ أَشَدُّ فِي تَحْقِيقِ ذَهَابِ الْمُصَاحِبِ كَقَوْلِهِ: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) يُوسُف15 ..، وَأَذْهَبَهُ جَعَلَهُ ذَاهِبًا بِأَمْرِهِ أَوْ إِرْسَالِهِ .. فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يُرِيدُ إِذْهَابَ شَخْصٍ إِذْهَابًا لَا شَكَّ فِيهِ يَتَوَلَّى حِرَاسَةَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُوقِنَ بِحُصُولِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ صَارَ "ذَهَبَ بِهِ" مُفِيدًا مَعْنَى أَذْهَبَهُ .

التحرير والتنوير ج1 ص310

 

  * قلت (خالد صاحب الرسالة):

- وكما أفهم من كلام الطاهر بن عاشور .. الفرق بين (ذهب ب) .. و(أذهبه) .. أن الذهاب بالشيء يدل على مراقبتك وحراستك أنت للشيء بنفسك دلالة على إحكام القبضة والسيطرة عليه .. ولكن فعل (اذهبه) قد يكون بأنك أذهبته بأمرك أو أرسلته عن طريق فلان .. ولكن الله قال (ذهب ب) وهذا يرشدك إلى أنه كان الرقيب عليهم وحينما تجلى عليهم بعطاء الإيمان وتحققوا به .. ثم جحدوه .. فاستحقوا سلب نعمة الإيمان منهم  .. 

 *********************

..::س25: ما دلالة وفائدة جملة (ذهب الله بنوره) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- حرف الباء في (بنورهم) مع كلمة (ذهب) .. أفاد سلب معية الإمداد منهم .. حيث أن لفظ (ذهب الله بنورهم) .. تعني أنه سلبهم بقهر ما أعطاه لهم بفضل .. لأنهم جحدوه .. فلم يعد لهم معية إمداد للقلوب لما عموا عن التعلق بعلام الغيوب .. والله أعلم .

- أي أن لفظ (ذهب ب) يجعلك تشعر بأن سلب النور الإيماني قد تم بقدرة قاهرة مصحوبة بغضب .. كأنه يقول: أنهم لا يستحقون نعمتي ورحمتي .. والله أعلم .

 - وإليك ما قاله سادتنا غفر الله لهم ..

1- قال الشيخ محيي الدين بن أحمد درويش (المتوفى : 1403هـ):

قال (ذهب بنورهم) ولم يقل: "أذهب نورهم" والفرق بينهما أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا ومعنى ذهب به استصحبه ومضى به معه .. والغرض إفادة أنه لم يبق مطمع في عودة ذلك النور إليهم بالكلية إذ لو قيل: "أذهب الله نورهم" ربما كان يتوهم أنه إنما أذهب عنهم النور وبقي هو معهم فربما عوضهم بدل ما فاتهم .. فلما قال: ذهب الله بنورهم كان ذلك حسما وانقطاعا لمادة الاطماع من حصولهم على أي خير لهم أو منهم وهذا من أسمى ما يصل إليه البيان .

إعراب القرآن وبيانه ج1 ص46

 

2- قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله (المتوفى: 1354هـ) :

- وَإِنَّمَا قَالَ: (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وَلَمْ يُقَلْ: ذَهَبَ نُورُهُمْ، أَوْ أَذْهَبَ اللهُ نُورَهُمْ، لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ مَعَهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ عِنْدَمَا اسْتَوْقَدُوا النَّارَ فَأَضَاءَتْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَائِمِينَ عَلَى سَبِيلِ فِطْرَتِهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا، مُعْتَقِدِينَ صِحَّةَ شَرِيعَتِهِ الَّتِي دَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا، وَبِأَنَّهُ تَخَلَّى عَنْهُمْ عِنْدَمَا نَكَبُوا عَنْ تِلْكَ السَّبِيلِ، وَعَافُوا ذَلِكَ الْمَوْرِدَ السَّلْسَبِيلَ.

تفسير المنار ج1 ص144

 

3- قال الإمام بن القيم رحمه الله (المتوفى: 751هـ):

- قال سبحانه وتعالى: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل: "ذهب نورهم"..

- وفيه سر بديع، وهو انقطاع سر تلك المعية الخاصة التي هي للمؤمنين من الله تعالى، فإن الله تعالى مع المؤمنين، و (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة153 ..، و (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل128 .. فذهاب الله بذلك النور هو انقطاع المعية التي خصّ بها أولياءه، فقطعها بينه وبين المنافقين، فلم يبق عندهم بعد ذهاب نورهم ولا معهم، فليس لهم نصيب من قوله: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) ولا من (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ).

التفسير القيم ص118

 

****************************

..:: س26: ما الذي أفاده حرف الباء في قوله (ذهب الله بنورهم) ؟ ::..

 

* قال الشيخ أبو السعود العمادي رحمه الله (المتوفى: 982هـ):

- تعديةُ الفعل بالباء دون الهمزة لما فيه من معنى الاستصحاب والإمساك يقال ذهب السلطان بما له إذا أخذه .. وما أخذه الله عز وجل فأمسكه فلا مرسلَ له من بعده .

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ج1 ص51

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفى:1431 هـ ) :

ومعنى: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) سلبه منهم، وفي إسناد ذهب إلى الله تعالى- إشعار بأن النور الذي سلب عنهم لن يستطيع أحد أن يرده عليهم، لأن الذي سلبه عنهم إنما هو الله الغالب على أمره.

التفسير الوسيط ج1 ص64

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- جاء مع الإذهاب حرف الباء ليزيد من قوة الإذهاب .. وذلك حتى تعلم الآتي :

1- حتى تعلم أن الله قد أذهبه بقدرة قاهرة ولا راد لقدرته القاهرة .. ولا أسباب تمنع عنك قدرته النازلة بك مهما ملكت من الأسباب ..  يقول تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس107 ..

 

2- وحتى تعلم أن الله سلبهم مدد العطاء الإلهي الموصول بالإيمان .. لأنهم لما جحدوه بهوى من أنفسهم .. فقد تركهم لأنفسهم .. ومن تركه الله لنفسه فقد وكله إلى نفسه .. ومن كانت النفس له مدبرة .. فقد انقطعت عنه إمدادات الله المؤيدة .. والله وكيل من هو حسبه الله .. وليس الله بوكيل لمن هو حسب نفسه وهواه .. والله أعلم .

 

********************

..:: س27: لماذا أسند فعل الذهاب إلى (الله) ؟ ::..

 

* قال الإمام الزمخشري رحمه الله (المتوفى: 538هـ) :

- فما معنى إسناد الفعل إلى اللَّه تعالى في قوله: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) ؟

- قلت: إذا طفئت النار بسبب سماوي ريح أو مطر .. فقد أطفأها اللَّه تعالى وذهب بنور المستوقد.

الكشاف ج1 ص74

 

* قال الشيخ أبو السعود العمادي رحمه الله (المتوفى: 982هـ):

وإسنادُ الإذهاب إلى الله تعالى إما لأن الكل بخلقه تعالى وإما لأن الانطفاءَ حصل بسبب خفيّ أو أمر سماوي كريح أو مطر وإما للمبالغة .

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ج1 ص51

 

***************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .