ج4: رسالة النفحات في مفهوم الحديث النبوي عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات - ما هو فضل قراءة القرآن - ولو قلت أن المؤمن في الجنة له (الملك والخلد) فما فائدة تخصيص ذلك للعاملين بالقرآن - كيف تقرأ القرآن وأنت راضي ومنسجم مع القرآن - سيأتيك الشيطان موسوسا لك فيقول: لماذا لا تستطيع أن تقرا القرآن كله مثل فلان - لماذا هناك سور تكون ثقيلة على النفس في قرائتها ؟ ( ستخدعك النفس ويخدعك الشيطان – فانتبه) .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة النفحات

في مفهوم الحديث النبوي

عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات

(مع التعريف بأهل القرآن وبعض من خسروا أجر عبادتهم عند الله)

(الجزء الرابع)

* فهرس

:: الفصل السادس :: فضل القرآن ::

1- س17: ما هو فضل قراءة القرآن ؟

2- س18: ولو قلت أن المؤمن في الجنة له (الملك والخلد) فما فائدة تخصيص ذلك للعاملين بالقرآن ؟

3- س19: كيف تقرأ القرآن وأنت راضي ومنسجم مع القرآن ؟

4- س20: سيأتيك الشيطان موسوسا لك فيقول: لماذا لا تستطيع أن تقرا القرآن كله مثل فلان ؟

5- س21: لماذا هناك سور تكون ثقيلة على النفس في قرائتها ؟ ( ستخدعك النفس ويخدعك الشيطان – فانتبه) .

 **************************

..:: الفصل الثالث ::..

:: فضل القرآن ::

**************************

..:: س17: ما هو فضل قراءة القرآن ؟ ::..

- اعلم يا صديقي المؤمن أن للقرآن فضائل كثيرة لمن يقرأه ويعمل به .. والقراءة قد تكون من خلال المصحف وقد تكون من خلال المحفوظ في الذاكرة .. 

- واكتفى بذكر بعض الفضائل لك عن قراءة القرآن .. مع توضيح كيف تتفاعل فيك هذه الفضائل .. حتى تعلم أن الفضيلة القرآنية لا تأتي إلا بالعمل الصادق مع الله وليس بمجرد القراءة فقط .. 

-  فمن فضائل القرآن :

1- يخرجك من الظلمات إلى النور لو اتبعته .. حيث يقول تعالى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) إبراهيم1 .

- ويقول تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) المائدة16 .

- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431هـ):

 - مدح الله- تعالى- رسوله، وما جاء به من الخير والهدى فقال: (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ).

- والمراد بالنور هنا: محمد صلّى الله عليه وسلّم فهو نور الأنوار- كما يقول الآلوسى.

- والمراد بالكتاب: القرآن الكريم الذي أنزله- تعالى- على نبيه صلّى الله عليه وسلّم والجملة الكريمة مستأنفة مسوقة لبيان أن فائدة مجيء الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه، بل له منافع أخرى لا تحصى.

- قال ابن جرير ما ملخصه، قوله: تعالى- (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يقول- جل ثناؤه- لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: «قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نور هو محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك» قوله وَكِتابٌ مُبِينٌ يعنى: «كتابا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم من توحيد الله، وحلاله وحرامه وشرائع دينه وهو القرآن الذي أنزله على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم» « تفسير ابن جرير ج 6 ص 161» .

التفسير الوسيط ج4 ص90

* وقال رحمه الله بعد كلام :

- ثم بين- سبحانه- الغاية من رسالته صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى- (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ).

- والضمير في قوله (بِهِ) يعود إلى مجموع ما ذكر، أو إلى الكتاب المبين باعتباره أقرب مذكور .

- (وسُبُلَ) جمع سبيل بمعنى طريق.

- و(السَّلامِ) مصدر بمعنى السلامة.

- والمعنى: قد جاءكم- يا معشر أهل الكتاب- من الله نور وكتاب مبين. يهدى الله- تعالى- بذلك أو بالكتاب (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) أى: من علم- سبحانه- منه أنه يريد اتباع ما يرضي بأن يخلص له العبادة ويستجيب للحق الذي أرسل به أنبياءه فإنه متى كان كذلك، أوصله- سبحانه- إلى (سُبُلَ السَّلامِ) أى: إلى طرق السلامة والنجاة من كل خوف وشقاء، بأن يثبته في الدنيا على طريق الحق، ويكرمه في الآخرة بمثوبته وجنته هذه هي الثمرة الأولى من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من نور وكتاب مبين.

- أما الثمرة الثانية فقد بينها- سبحانه- بقوله: (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) .. والضمير المنصوب في قوله (وَيُخْرِجُهُمْ) وهو (هم)  يعود إلى مَنِ في قوله (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) باعتبار المعنى.

- أى: ويخرج- سبحانه- هؤلاء الأخيار الذين علم منهم اتباع ما يرضيه يخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الحق والإيمان بِإِذْنِهِ أى: بإرادته وعلمه.

وقوله: (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) بيان للثمرة الثالثة من ثمار اتباع ما جاء من عند الله من حق وخير.

- أى: ويهدى- سبحانه- هؤلاء الذين علم منهم اتباع ما يرضيه إلى صراط مستقيم، وطريق قويم لا اعوجاج فيه ولا اضطراب، وهو طريق الإسلام الذي يوصل إلى الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

التفسير الوسيط ج4 ص91-90

* قال الشيخ المراغي رحمه الله (المتوفى: 1371هـ):

- (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) ..

- النور: هو النبي صلى الله عليه وسلم، وسمى بذلك لأنه للبصيرة كالنور للبصر، فكما أنه لولا النور ما أدرك البصر شيئا من المبصرات، كذلك لولا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والإسلام لما أدرك ذو البصيرة من أهل الكتاب ولا من غيرهم حقيقة الدين الحق، ولا ما طرأ على التوراة والإنجيل من ضياع بعضها أو نسيانه، وعبث الرؤساء بالبعض الآخر بإخفاء شىء منه أو تحريفه، ولظلّوا فى ظلمات الجهل والكفر لا يبصرون.

- والكتاب المبين: هو القرآن الكريم وهو بيّن فى نفسه، مبيّن لما يحتاج إليه الناس لهدايتهم.

تفسير المراغي ج6 ص80

- يبقى علشان تاخد من فضل وكرامة القرآن وتجد ثمرة عطاء القرآن في قلبك .. لازم يكون عند النبية الصادقة في إخلاص التوجه إلى الله ابتغاء مرضاته .. فلو فعلت ذلك وجدت من فضل الله وكرامته ما يدهشك في نفسك ويحول الظلمات النفسية والعقلبة والقلبية إلى أنوار تمنحك كرامة الوصل بالله وتعود عليك بالسلام الداخلي والسكينة والطمأنينة ويكون حجاب لك عن الإنحراف بتثبيك على الصراط المستقيم ..

- فاعمل بالقرآن حتى تجد فضيلة القرآن في نفسك .. ولا تكتفي بالقراءة فقط ..!! لأن العبرة بالعمل .. فهذا دليل الصدق مع الله ..

- وكذلك من فضائل القرآن نجد ما يلي ..

2- مزيد من الحسنات في رصيدك يوم القيامة .. قال صلى الله عليه وسلم (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها ، لا أقولُ آلم حرفٌ ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ ولام حرف وميمٌ حرفٌ) صحيح الترمذي ..

3- يأتي شفيعا لك يوم القيامة .. يقول صلى الله عليه وسلم: (تعلَّموا القرآنَ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شافعًا لأصحابِه) صحيح بن حبان.. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات .

4- حفظ القرآن يجعلك شبيها للملائكة الكرام مما يكسبك مزيد عناية من الأجر عند الله .. بل أن قرائتك للقرآن بصعوبة تكسبك أجران .. أجر القراءة وأجر المشقة على القرآءة لو كانت صعبة عليك .. لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، وهو حافِظٌ له مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ، وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ فَلَهُ أجْرانِ) صحيح البخاري .

- وفي رواية بلفظ (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ. [وفي رواية]: والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْرانِ) صحيح مسلم .

- معنى (يتعاهده): أي يديم على قرائته .. سواء كان مواظب على قرائته فقط أو مواظب على قرائته ويحاول حفظه ..

- معنى (أجران) : أي أجر القرآءة وهو أن له بكل حرف عشر حسنات ، وأجر المشقة على القرآءة .. لصعوبة ألفاظه عليه في نطقها .. إما لضعف في تعليمه اللغة العربية أو لعلة في لسانه أو لكونه مسلم غير متحدث بالعربي ..

- معنى (يتتعتع فيه): يتعثر في القراءة وكأن لسانه لا يستطيع نطق الكلام إلا بصعوبة لأنه ضعيف في القراءة لقلة حظه فيها أو لسبب عضوي في لسانه يجعله يتعثر في الكلام أو لكونه غير ناطق باللغة العربية .. ولذلك يجد مشقة في قرائته .. ولكنه يجاهد ويحاول ابتغاء مرضاة الله .

- معنى (وهو حافِظٌ له مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ) : أي متقن في حفظه فهو مع درجة الملائكة الحافظة للقرآن .. من حيث إتقان الحفظ وليس من حيث مكانة الملائكة ..!!  فهو كالسالك مسلك الملائكة .. والله أعلم .

5- سببا لك في إظهار كرامتك وكرامة والديك أمام الخلق يوم القيامة .. فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال:(كنتُ جالِسًا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسمِعْتُهُ يقولُ تعلَّمُوا البقرةَ فإنَّ أخْذَها بَرَكَةً وتَرْكَهَا حَسْرَةً ولَا يستطيعُها البطَلَةُ .. قال ثمَّ سَكَتَ ساعَةً ثمَّ قال تعلَّمُوا البقرةَ وآلَ عمرانَ فإنَّهما الزهراوانِ يُظِلَّانِ صاحِبَهما يومَ القيامةِ كأنَّهما غمامتانِ أو غيابَتانِ أو فِرْقانِ من طيرٍ صوافٍّ ..  وإنَّ القرآنَ يَلْقَى صاحِبَهُ يَومَ القيامةِ حينَ ينشقُّ عنه قبرُهُ كالرَّجلِ الشاحبِ فيقولُ هلْ تَعْرِفُنِي فيقولُ ما أعْرِفُكَ فيقولُ أنا صاحِبُكَ القرآنُ الذي أظمأتُكَ في الهواجرِ وأسْهَرْتُ ليلَكَ وإنَّ كلَّ تاجرٍ من وراءِ تجارتِهِ وإنكَ اليومَ من وراءِ كلِّ تجارَةٍ فيُعْطَى الملْكَ بيمينِهِ والخلدَ بشمالِهِ ويوضَعُ على رأسِهِ تاجُ الوَقَارِ ويُكْسَى والداه حلَّتَيْنِ لا تقومُ لهما الدُّنيا فيقولانِ بِمَ كُسِينَا هذا فيُقالُ بأخذِ ولدِكُما القرآنَ ثمَّ يقالُ اقرأْ واصْعَدْ في دَرَجِ الجنةِ وغُرَفِها فهو في صُعودٍ ما دامَ يقرأُ هَذًّا كان أوْ تَرْتِيلًا) رواه احمد وأبو نعيم .. وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح .. وقال الأرنؤوط:  إسناده حسن في المتابعات والشواهد.

- وفي رواية بلفظ: (يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْقُرْآنُ كَالرَّجُلِ الشَّابِّ فَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ) رواه الحاكم وقال : حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

- وفي رواية بلفظ: (من قرأ القرآنَ وتعلَّمه وعمِل به ؛ أُلبِسَ والداه يومَ القيامةِ تاجًا من نورٍ ، ضوؤه مثلُ ضوءِ الشمسِ ، ويُكسَى والداه حُلَّتانِ لا تقوم لهما الدُّنيا ، فيقولان : بمَ كسبْنا هذا ؟ فيقال : بأخْذِ ولدِ كما القرآنَ) رواه الحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .. وذكره الالباني في صحيح الترغيب بانه حسن لغيره .

- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- اختلاف لفظ الروايتين بين (الشاحب والشاب) .. يجعلني أظن أن الأصل هو ما جاء في رواية الحاكم بلفظ (الشاب) .. وإنما تم تصحيف الكلمة عند مسند أحمد أو لعل الراوي سمعها خطأ .. والله أعلم .

- ولو كان القول بلفظ (الرجل الشاحب): بمعنى الرجل المجهد والمتعب .. كما كان المؤمن يجاهد بالقرآن في حياته .. ويدل عليه ألفاظ الحديث (صاحِبُكَ القُرآنُ الذي أظْمأتُكَ في الهَواجِرِ، وأسْهَرتُ لَيْلَكَ) .. والله أعلم .

- ولو كان القول بلفظ (الرجل الشاب): أي الشاب الحسن الهيئة الجميل الوجه المبشر بالخير .. بدليل ما سيأتي عد ذلك في قوله (وإنكَ اليومَ من وراءِ كلِّ تجارَةٍ) ..

- وقوله (الهَواجِر): جمع هاجرة، وهو نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، عند اشتداد الحَرِّ .. ويقصد بذلك قراءة القرآن وقت الصيام .. والله أعلم .

- قوله (أسهرت ليلك): لقيامك ليلا بقرائتك للقرآن سواء في صلاة القيام أم مجرد القراءة .

- قوله (وإنَّ كلَّ تاجرٍ من وراءِ تجارتِهِ): أي يبتغي الربح من وراء تجارته .

- قوله (وإنكَ اليومَ من وراءِ كلِّ تجارَةٍ): معناه وأن ربحك اليوم أعظم من ربح كل تجارة .

- قوله (الملك بيمينه): لفظ "الملك" يجعلك تفهم أنما هو التحرر من التكليف مع التمتع بالتصرف في الجنة بما يريد من النعيم.

- قوله (الخلد بشماله): وهو عدم الموت بدوم البقاء كرامة من الله وفضلا .

- وهناك إشارة لطيفة لسبب إعطاء الملك والخلد للمؤمن المديم لقراءة القرآن والعامل به .. إنما هو نكاية بالشيطان لما غوى به آدم من تحقيق (الخلد والملك) بمجرد الأكل من الشجرة .. يقول تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) طه20.. فلما سعى المؤمن تحقيقا بكلام الله .. فحقق له الله كرامة الملك والخلد .. حتى تعلم أن العناية لا تأتي من الجناية .. وإنما العناية تأتي لأهل العمل والولاية .. والله أعلم .

- قوله (تاج الوقار) : أي تاج العزة بالله والكرامة من الله ..

- قوله (حلتين) : أي عبائتين أو جلبابين كرامة من الله لهما .. وفي رواية أخرى للحاكم جاء فيها مزيد كرامة للوالدين بإلباسهما تاجا من نور (من قرأ القرآنَ وتعلَّمه وعمِل به ؛ أُلبِسَ والداه يومَ القيامةِ تاجًا من نورٍ ، ضوؤه مثلُ ضوءِ الشمسِ ، ويُكسَى والداه حُلَّتانِ لا تقوم لهما الدُّنيا ، فيقولان : بمَ كسبْنا هذا ؟ فيقال : بأخْذِ ولدِ كما القرآنَ) رواه الحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .. وذكره الالباني في صحيح الترغيب بانه حسن لغيره .

- قوله (لا تقومُ لهما الدُّنيا): أي لا يمكن أهل الدنيا تحديد قيمتها.

- قوله (هَذَّا أو ترتيلا) وفي روية بلفظ (حَدْرَا بدلا من هَذَّا): والهَذَّ أو الحَدْر هو القراءة بطريقة فيها سرد وسرعة، أما عن الترتيل فيكون بطريقة فيها تغني بالقرآن وتمهل ..

- والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم .. وقد شرحت هذا الحديث باجتهاد مني حيث لم يتوافر فيما لدي من شروحات للأحاديث أن وجدت شرح لهذا الحديث تفصيلا كما ذكرته لك ..!!

- وسيأتيك شرح أول ألفاظ الحديث المخصوصة بسورة البقرة وآل عمران .. بعد قليل إن شاء الله تعالى .. عند هذا السؤال (هل يكفي حفظ القرآن أم قرائته مع العمل به ؟) .

**************************

..:: س18: ولو قلت أن المؤمن في الجنة له (الملك والخلد) فما فائدة تخصيص ذلك للعاملين بالقرآن ؟ ::..

- مسألة مهمة :

- بعد قرائتك للحديث السابق عند جزئية (فيُعْطَى الملْكَ بيمينِهِ والخلدَ بشمالِهِ ويوضَعُ على رأسِهِ تاجُ الوَقَارِ) .. فقد يخطر على بالك سؤال فتقول ما فائدة تخصيص قاريء القرآن بالمُلك والخُلد .. في حين أن هذا متاح لعموم المؤمنين لما يؤول إليه أمرهم حتى بعد حساب العاصي منهم ؟

- قلت لك: أن العاملين بالقرآن هم درجات عند الله .. أدناهم من أصر على شهادة التوحيد مؤمنا بها إلى يوم مماته حتى وإن كان من أهل الكبائر.. فهذا قد تعلق بأمر قرآني مثل قوله تعالى (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) التغابن8 .. وهذا له سببا في الخلد والملك .. ولكن كل مؤمن وله درجته ومقامه .. ولكن أهل القرآن وخاصته يظهر عليهم ذلك قبل دخول الجنة من باب الوقار لهم أي إظهار الكرامة لهم وفضيلتهم على غيرهم جزاء بما كانوا يعملون .. والله أعلم .

**********************

..:: س19: كيف تقرأ القرآن وأنت راضي ومنسجم مع القرآن ؟ ::..

- في الحديث قال صلى الله عليه وسلم (اقرَؤُوا القُرآنَ ما ائْتَلفتْ عليهِ قُلُوبُكُمْ، فإذا اخْتَلَفْتُمْ فقومُوا عنهُ) صحيح البخاري.

* قال الإمام المُظْهِري رحمه الله (المتوفى: 727 هـ):

قوله: (اقرؤوا القرآنَ ما ائتلفتْ قلوبُكم)؛ يعني: اقرؤوا القرآنَ ما دام لكم منه ذوقٌ، وخواطرُكم له مجموعةٌ، فإذا حصل لكم ملالةٌ وتفرقُ القلوبِ، فاتركوه، فإنه أعظمُ من أن يقرأه أحدٌ من غير حضورِ القلبِ.

المفاتيح في شرح المصابيح ج3 ص98

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- ولذلك اقرأ من القرآن ما تحب نفسك وتميل إليه حتى ولو ستكرره كل ليلة .. فاغتنم هذه الفرصة المفتوحة لك مع هذه السورة وتعلق بها وواظب عليها .. لعل الله يجعل لك من وراء قرائتها فتحا لك في قراءة باقي القرآن .. !!

- ولا تلتفت لمن يفرض عليك قراءة القرآن من بدايته حتى تختمه .. لا .. فهو قد اخترع فرضا ليس في كتاب الله ولم يقل به النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

- لكن اعلم يا صديقي ما سأخبرك به .. وهو أنه ليس كل النفوس لديها المقدرة ختم القرآن من بدايته إلى نهايته بالترتيب .. إلا من كان له مداومة واستمرار على ذلك شهور طويلة .. ولكن ..!!

- اجتهد فيما رزقك الله به وفتح به عليك ويسره لك .. حتى ولو كانت سورة الإخلاص .. فطالما أنت تحب السورة (مهما كانت) فاجتهد فيها بدوام التعبد بها إلى الله .. من خلال تكرارها حبا في كلام الله وتقربا بها إليه .. وصدقني بسبب ما تحب ستجد الله يفتح لك ما كنت عنه لا تستطيع أن تقرأه .. لأنه يفتح مسامع قلبك لذكره كلما اجتهدت في تعبده إليك ورضيت بما قسمه الله لك .

- خلاصة الكلام .. اجتهد فيما أتاك الله من رزق القرآن .. ولو سورة واحدة صغيرة جدا أو جزء معين من لقرآن أو حزب معين أو حتى آية مثل (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) آل عمران2 ..

- ولا تبحث عما هو غير متاح لك (وهو قراءة القرآن بأكمله) .. فتكون كالذي يترك طوق النجاة ويبحث عن سفينة لا وجود لها ..!!

- وارجع لكلام حديث حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم .. الذي ذكرته لك في هذا السؤال .. حتى تفهم ما قلته لك .. فتغنم غنيمة كبيرة ..

***********************

..:: س20: سيأتيك الشيطان موسوسا لك فيقول: لماذا لا تستطيع أن تقرا القرآن كله مثل فلان ؟ ::..

- نظرا لعدم فهمك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق ذكره وهو ((اقرَؤُوا القُرآنَ ما ائْتَلفتْ عليهِ قُلُوبُكُمْ، فإذا اخْتَلَفْتُمْ فقومُوا عنهُ) صحيح البخاري..

- سيأتيك الشيطان موسوسا لك فيقول: لماذا لا تستطيع أن تقرا القرآن كله مثل فلان ؟ أو لماذا سورة كذا ثقيلة عليك في حين كل المسلمين بيقرأوها فلماذا أنت لا تقرأها ..؟ أليس هذا غضب من الله عليك وحرمان لك لأنك بكل تأكيد غير مقبول عند الله ؟

- الجواب :

- المشكلة ليست في الشيطان وإنما فيك أنت .. لأنك لم ترضى بما هو مفتوح لك .. وتصر على ما هو مغلق لديك .!! فهل لو كان الله غاضب عليك أو حرمك من القرآن .. كان أعانك عن حب آية معينه أو سورة معينة ؟!! كيف يُعقل ذلك ؟!!

- ولكن لأنك لم ترضى بما قسمه الله لك وفتح به عليك بما تيسر لك من قراءة القرآن ولو سورة مثلا كسورة الإخلاص أو سورة يس .. فترتب على عدم الرضا بما منحة الله لك أن تسلط عليك الشيطان موسوسا لك فيما أنت ساخط عليه وهو ما لم يرزقك الله به وهو قراءة القرآن كاملا ..!!

- المشكلة فيك أنت ..!! كيف ذلك ؟

- فأنت تريد ما ليس لك من رزقك الآن .. بل وتسخط على ما رزقك به وفتح به عليك من قراءة ما هو ميسر لك ..!! فكيف سينصرف الشيطان عنك وأنت غير راضي بما هو لديك من عطاء الله بل وساخط على ما ليس متاح لك من فضل الله ..!!

- فاجتهد يا صديقي المؤمن .. وتعلق بما رزقك الله به حتى يفتح لك ما هو مغلق عندك .. وكلما ارتقيت كلما فتح لك بمزيد من فضله .. حتى تجد القرآن كله مفتوحا لديك .. وهذا الأمر قد يستغرق وقتا .. فاصبر مع الله وأخلص له .. وبقدر إخلاصك يكن خلاصك .. وبقدر اجتهادك يكن إمدادك .. والعاقبة للمتقين .

************************

..:: س21: لماذا هناك سور تكون ثقيلة على النفس في قرائتها ؟ ::..

( ستخدعك النفس ويخدعك الشيطان – فانتبه)

- صديقي المؤمن .. هناك ثلاث أمور أجدهم أسباب في ثقل بعض السور القرآنية على النفوس المؤمنة ..

- السبب الأول: صعوبة نطق أو قلة فهم الألفاظ والأحكام ..

- وغالبا هذا يكون في السور التي تحمل أحكاما شرعية كسورة النساء ..

- السبب الثاني: الذنوب سبب يؤثر في مريد القرآن ..  

- عليك أن تفهم أن القرآن يحمل بين الجمال والجلال .. أي يحمل طهارة تحيا بها النفوس بهذا الجمال والجلال .. وهذا الجمال والجلال له استقبال في النفوس .. ونظرا لأن النفوس ليست كلها له قوة في استقبال هذا الجمال والجلال الإلهي وذلك لأن بعض النفوس غلب عليها العصيان للأوامر القرآنية مما تسببت الذنوب في عمل حجاب بينها وبين الكمال القرآني .. ولذلك بقدر طاعتك للأوامر القرآنية أو عصيانك لها .. بقدر ما ستجد نفسك قادرة على قراءة القرآن .. فمثلا لو كنت مطيعا لله في بعض حيات ومخالفا له في البعض الآخر .. ستجد نفسك تقرأ بعض القرآن بسعادة، وستجد في باقي القرآن المتبقي مشقة في قرائته وكأنه ثقيلا عليك لمخالفتك لله ..  لأن القرآن طاهر ويحتاج لنفس طاهرة لينفعل معه بروح كلماته .. وهذه الطهارة تأتي من دوام من صدق توجهك إلى الله باستمرار دون يأس من رحمته .. وكلما صدقت في توجهك لله كلما ارتقى قلبك في استقبال الروح القرآني ..، والروح القرآني هو كلام الله الذي تحيا به النفوس في ظاهرها وباطنها بدوام الإستقامة مع الله .

- ولا تنخدع بما توسوس به نفسك إليك .. حيث تقول لك: ولكن فلان يقرأ القرآن كله وهو إنسان له من سوء معاملة الناس ما هو ظاهر جدا .. فلماذا لم تمنعه الذنوب ؟

- وللجواب على ذلك .. من الذي قال لك أن القرآن لا يلعنه .. وأن هذا ليس استدراجا له ليكون مزيد إهانة له يوم القيامة لأنه لم يعمل به ؟!! بل ويكون يوم القيامة محسورا حينما تؤخذ من حسنات القرآن الذي كان يقرأه ويعطي الله هذه الحسنات لمن أساء معاملتهم .. فيصبح كالمفلس الذي حكى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ) صحيح مسلم .

- والمفلس الحقيقي كما في مفهوم الحديث النبوي هو الذي سُلبت منه أعماله الصالحة في الآخرة لسوء معاملته وظلمه لعباد الله .

- فلا تظن بعد ما سبق لك أن مجرد قراءة البعض للقرآن أو على أي عبادة .. وهو مسيء في معاملاته .. بأنه هكذا يكون ممدود من الله .. لا .. فهذا إنسان مفلس ورصيده سيكون بالخسران عليه يوم القيامة .. وإنما جعله الله يعمل بالعبادات ويظلم من حوله .. ليكون هذا سببا لحسرته يوم القيامة وسببا لكرامة من أساء إليهم ..!! وسيأتيك بعد قليل نماذج متعددة لمن يتزينون بالعبادات وهم في الآخرة من الأخسرين أعمالا ..

- فانتبه وأبصر الحكمة فيما ذكرته لك حتى لا تشك في عدل الله .. فهو سبحانه مدبر حكيم عدل ..

- السبب الثالث: الإبتعاد عن القرآن فترات طويلة .. (الجفاء نتيجة طول البعد عن القرآءة) ..

- الإبتعاد عن القرآن فترات طويلة يولد بينك وبين القرآن حالة جفاء .. فيصبح تعاملك مع القرآن كلما حاولت تقرأه كأنه ثقيلا عليك .. وعليك أن تثبت رغبتك الصادقة في دوام الوصل مع الروح القرآني أي الوصل مع كلام الله لتجد محبة الكلام في قلبك فتأنس به .. وينير في قلبك بركة التعلق بدوام قرائته حتى آخر يوم في حياتك .. وهذا لا يحدث إلا بصدق توجه إلى الله وطلب ذلك من الله ..

- وإياك أن تعتمد على نفسك في أن تقول سأجعل لي عزيمة وسأظل اقرأ القرآن ..! فهذا كلام شيطان النفس .. لأن القدرة على الطاعة والبعد عن المعصية لا يكون إلا بالله .. فمن يقل لك "أوجد في نفسك العزيمة لتطيع الله".. فلا تستمع لهذا الكلام .. ليه ؟

- لأن هذا توجيه فاسد حيث جعلك تعتمد على نفسك في الإتصال بربك .. وفاقد الشيء لا يعطيه ..!! فكيف ستمدك نفسك بشيء وهي لا تريدك أن تعمل من البداية مع الله ؟!! بل وكيف تحقق ما ليس في مقدرتك أن تحققه إلا بالله ؟!! أليس لا حول ولا قوة إلا بالله ؟!!

- بل دائما اعتمد على الله واطلب منه ذلك .. وسواء كنت على عبادة أو تريد أن يحقق لك عبادة لا تستطيع فعلها .. فقل دائما بصدق توجه لله هذا الدعاء الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) .. فهو مقلب القلوب ومدبر الأمور .. والمد مدده فكيف تطلب المدد من نفسك لتعينك على طاعة ربك ؟!!

- فتأدب مع الله وخذ عزيمتك من الله وليس من نفسك .. حتى تغنم من فضل الله ويديم عليك بركته على الدوام في وصلك به .

* خلاصة الكلام :

- أن هذه الأسباب السابقة (الذنوب – الجفاء – الصعوبة في الفهم) .. غالبا تكون سببا في ثقل بعض سور القرآن على لسان البعض .. وحجبها عن قراءة بعض القرآن دون بعض .. والله أعلم .

********************

***********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .