ج6: رسالة لطائف وإشارات ذوقية في فهم الأمثلة القرآنية - هل قوله تعالى (صم بكم عمي) مرتبط بمثل المستوقد أم بالمنافقين - لماذا كانت النتيجة (صم بكم عمي) - كيف هم (صم بكم عمي) في حين أنهم كانوا يسمعون ويبصرون ويتكلمون - لماذا لم يقل تعالى (صم و بكم و عمي) - ما الذي أفاده قوله تعالى (فهم لا يرجعون) ؟ وماذا أفاد حرف الفاء في كلمة (فهم) - هل هناك إشارت صوفية عن مثل (الذي استوقد نارا) - ما هو سبب ظلمة الحجاب التي يتكلم عنها أهل الله

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

لطائف وإشارات ذوقية

في شرح وفهم الأمثلة القرآنية

(الجزء السادس)

* فهرس:

:: الفصل السادس :: عن مفهوم (صم بكم عمي) ::

1- س36: هل قوله تعالى (صم بكم عمي) مرتبط بمثل المستوقد أم بالمنافقين ؟

2- س37: لماذا كانت النتيجة (صم بكم عمي) ؟

3- س38: لماذا جاء ترتيب الآية هكذا (صم بكم عمي) ؟

4- س39: كيف هم (صم بكم عمي) في حين أنهم كانوا يسمعون ويبصرون ويتكلمون ؟

5- س40: لماذا لم يقل تعالى (صم و بكم و عمي) ؟

6- س41: ما الذي أفاده قوله تعالى (فهم لا يرجعون) ؟ وماذا أفاد حرف الفاء في كلمة (فهم) ؟

7- س42: هل هناك إشارت صوفية عن مثل (الذي استوقد نارا) ؟ 

8- ما هو سبب ظلمة الحجاب التي يتكلم عنها أهل الله ؟

 ******************

:: الفصل السادس ::

..:: عن مفهوم (صم بكم عمي) ::..

***************************

..:: س36: هل قوله تعالى (صم بكم عمي) مرتبط بمثل المستوقد أم بالمنافقين ؟ ::..

 - يقول تعالى: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ . صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) البقرة17-18.

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- الأصل عند عموم المفسرين أن هذه الآية نتيجة مترتبة على بقائهم في الظلمات .. سواء كان المقصود استكمال المثل أم المقصود ما حدث لجماعة المنافقين.

2- (صُمٌّ) خبر أول لمبتدأ محذوف تقديره (هم) صم ..

3- ولكن اختلفوا في هذه الآية هل الضمير المحذوف (هم) .. يعود إلى جماعة المستوقدين فتكون الصفات حقيقية (صم بكم عمي) .. أم الضمير يعود إلى المنافقين وتكون الصفات مجازية للدلالة على شيء آخر ..؟

- غالب المفسرين على أن (صم بكم عمي) ليس استكمالا للمثل .. وإنما هو نتيجة لما حدث مع المنافقين ..

- وهناك رأي يقول أن هذه الآية (صم بكم عمي) متعلقة بمثل الذي استوقد نارا .. وهذه الآية استكمالا للمثل وهي نتيجة لما حدث له بعد ذهاب النور عنه .

4- وفي الحقيقة لا خلاف بين الرأيين .. لأن النتيجة التفسيرية واحدة .. وهو مطابقة المثل على المنافقين .. فحتى لو الآية (صم بكم عمي) استكمال للمثل .. فسيتم مطابقتها على حال المنافقين لأنهم المقصودين من ضرب المثل وليس المقصود هو مستوقدي النار ..

- وإليك بعض كلام العلماء .. غفر الله لهم ..

* قال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفى:1431 هـ) :

- والآية الكريمة خبر لضمير مقدر يعود على المنافقين .. أى: هم صم بكم عمى .

التفسير الوسيط ج1 ص65

* قال الإمام أبو السعود العمادي (المتوفى: 982هـ):

- إذا جَعَلْتَ الضمير للمنافقين على أن الآية فذلكة "خلاصة" التمثيل ونتيجته ..

- وإن جعلته للمستوقدين، فهي على حقيقتها. والمعنى: أنهم لما أوقدوا ناراً فذهب الله بنورهم، وتركهم في ظلماتٍ هائلة أدهشتهم بحيث اختلت حواسهم وانتقصت قواهم.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ج1 ص52

* قال الإمام محمد ثناء الله المظهري رحمه الله (المتوفى: 1225 هـ) :

- (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) اى هم صم بكم عمى- يعنى الّذى استوقد نارا- لما ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات ادهشتهم واختلت حواسهم فالكلام على الحقيقة.

- وإن كان ضمير (بنورهم) راجعا الى المنافقين فالمعنى أنهم لما لم يصغوا الى الحق وأبو أن ينطقوا به وأن يتبصّروا الآيات ويتفكّروا فيه صاروا كأنهم انتفت مشاعرهم وقواهم .

تفسير المظهري ج1 ص30

- وقد رد الإمام بن عاشور (كما غيره من المفسرين) على الرأي القائل بأن الآية استكمالا للمثل .. بأنه لا يصح ذلك .. وإليك ما قاله ..

* قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) أَخْبَارٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضمير (مَثَلُهُمْ) [الْبَقَرَة: 17] وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى (الَّذِي اسْتَوْقَدَ)الْبَقَرَة17 .. لِأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ بِهِ أَوَّلُ التَّشْبِيهِ وَآخِرُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْتَوْقِدَ ذُو بَصَرٍ وَإِلَّا لَمَا تَأَتَّى مِنْهُ الِاسْتِيقَادُ.

التحرير والتنوير ج1 ص313

***********************

..:: س37: لماذا كانت النتيجة (صم بكم عمي) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة): 

- لأن الله صرف عنهم عنايته وسلبهم معيته ووكلهم إلى أنفسهم .. لأنهم جحدوا الإيمان بالحق بعد أن عرفوه ..

- والله أعلم .

********************

..:: س38: لماذا جاء ترتيب الآية هكذا (صم بكم عمي) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الصم: الذين لا يسمعون ، والبكم: الذين لا يتكلمون ، والعمي: الذين لا يبصرون ..

- وسبب ترتيب الصفات هكذا .. لأن أول مدارك الإستقبال تكون بالأذن فيسمع دعوة الحق سماع من يريد الحق .. ثم ينطق بهذا الحق .. ثم يسير على هدى الحق ..

- والله أعلم .

************************

..:: س39: كيف هم (صم بكم عمي) في حين أنهم كانوا يسمعون ويبصرون ويتكلمون ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- هذا تشبيه لعدم استفادة المنافقين من هذه الحواس .. مما جعلهم كالصم والبكم والعمي ..

- أي لمَّا لم ينتفعوا بهذه الحواس في قبول الحق .. نزلوا بمنزلة من لا يسمع الحق ولا يتكلم بحق ولا يهتدي للحق ..

- وإليك بعض مما قاله علماؤنا غفر الله لهم ..

1- قال الفخر الرازي رحمه الله :

- اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْلُومُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَيَنْطِقُونَ وَيُبْصِرُونَ امْتَنَعَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا تَشْبِيهُ حَالِهِمْ لِشِدَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِالْعِنَادِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَمَّا يَطْرُقُ سَمْعَهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَا يُظْهِرُهُ الرَّسُولُ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْآيَاتِ بِمَنْ هُوَ أَصَمُّ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَسْمَعُ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْجَوَابِ، فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْكَمِ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِالْأَدِلَّةِ وَلَمْ يُبْصِرْ طَرِيقَ الرُّشْدِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْمَى.

مفاتيح الغيب ج2 ص315

2- قال الإمام البيضاوي رحمه الله (المتوفى: 685هـ):

(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) لما سدوا مسامعهم عن الإصاغة إلى الحق وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ويتبصروا الآيات بأبصارهم، جُعِلُوا كأنما أنتفت مشاعرهم وانتفت قواهم.

 أنوار التنزيل وأسرار التأويل ج1 ص50

3- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفى:1431 هـ) :

- ووصف المنافقون بهذه الصفات لأنهم وإن كانت لهم آذان تسمع، وألسنة تنطق ، وأعين تبصر ، إلا أنهم لا يسمعون خيرا . ولا يتكلمون بما ينفعهم ، ولا يبصرون مسلكا من مسالك الهداية، ومن كان كذلك كان هو ومن فقد حواسه سواء .. فقد صرف الله عنهم عنايته ووكلهم إلى أنفسهم.

التفسير الوسيط ج1 ص65

4- قال الإمام بن القيم رحمه الله (المتوفى: 751هـ) :

- شبه سبحانه أعداءه المنافقين بقوم أوقدوا نارا لتضيء لهم، وينتفعوا بها فلما أضاءت لهم النار فأبصروا في ضوئها ما ينفعهم وما يضرهم، وأبصروا الطريق بعد أن كانوا حيارى تائهين. فهم كقوم سفّر ضلوا عن الطريق، فأقدوا النار تضيء لهم الطريق، فلما أضاءت لهم فأبصروا وعرفوا طفئت عنهم تلك الأنوار، وبقوا في الظلمات لا يبصرون، قد سدت عليهم أبواب الهدى الثلاث.

- فإن الهدى يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب، مما يسمعه بأذنه، ويراه بعينه ويعقله بقلبه. وهؤلاء قد سدت عليهم أبواب الهدى، فلا تسمع قلوبهم شيئا، ولا تبصره، ولا تعقل ما ينفعها.

- وقيل: أن أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم نزّلوا منزلة من لا سمع له ولا بصر ولا عقل. والقولان متلازمان.

تفسير بن القيم ص114

5- قال الإمام الشنقيطي رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

 (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) الْآيَةَ، ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مُتَّصِفُونَ بِالصَّمَمِ، وَالْبُكْمِ، وَالْعَمَى. وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مَعْنَى صَمَمِهِمْ، وَبُكُمِهِمْ، وَعِمَاهُمْ، هُوَ عَدَمُ انْتِفَاعِهِمْ بِأَسْمَاعِهِمْ، وَقُلُوبِهِمْ، وَأَبْصَارِهِمْ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) .

أضواء البيان في تفسير القرآن ج1 ص13

* قلت (خالد صاحب الرسالة) ..  تعليقا على بعض كلام الإمام بن القيم والإمام الشنقيطي رحمهما الله :

1- أن بعض كلام الإمام بن القيم فيه نظر .. وهو الخاص بأبواب الهدي الثلاثة ..!!

- لأنه لم يتكلم عن وصف البكم .. واستبدلها بالقلب العاقل .. !! وإنما كان يصح منه قوله الذي قاله عن (أبواب الهدى الثلاثة) عند قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الأحقاف26 .

2- كذلك الكلام عن تفسير الإمام الشنقيطي فيه نظر .. "ولعله أخذه من كلام بن القيم" .. حيث قال الشنقيطي : (أَنَّ مَعْنَى صَمَمِهِمْ، وَبُكُمِهِمْ، وَعِمَاهُمْ .. هُوَ عَدَمُ انْتِفَاعِهِمْ بِأَسْمَاعِهِمْ، وَقُلُوبِهِمْ، وَأَبْصَارِهِمْ) .. !!

- وتعليقا على كلامه فأقول: أين يتساوى وصف البكم في آية (صم بكم عمي) مع ألفاظ الآية التي أشار إليها ..؟!!

- ولذلك أحسبه تفسير بعيد الصواب حينما ظن آية الاحقاف موضحة لآية البقرة ..!!

- والله أعلم .

********************************

..:: س40: لماذا لم يقل تعالى (صم و بكم و عمي) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- حذف حرف العطف يشعرك بأن هذه الصفات أصبحت صفات ملازمة لهم .. كأنه يريد توكيدها في أنفسهم .

2- حذف حرف العطف يدفع عنك توهم أن يكون البعض صم والبعض بكم والبعض عمي .. بل أن كل منافق مصبوغ بصبغة هذه الأوصاف الثلاثة ..

- والله أعلم .

- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفى:1431 هـ) :

- وردت هذه الصفات مجردة من حرف العطف، فلم يقل: صم وبكم وعمى، لما عرف من استعمالات البلغاء. أن تجريد أمثال هذه الأوصاف من حرف العطف يفيد تأكيدها، حيث إن المتكلم قد قصد إلى تقرير كل صفة منها على حدة.

التفسير الوسيط ج1 ص65

*************************

..:: س41: ما الذي أفاده قوله تعالى (فهم لا يرجعون) ؟ وماذا أفاد حرف الفاء في كلمة (فهم) ؟ ::..

- قال علماؤنا غفر الله لهم ..

1- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى: 606هـ):

- أَمَّا قَوْلُهُ: (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) فَفِيهِ وُجُوهٌ:

- أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالنِّفَاقِ الَّذِي لأجل تمسكهم به وصفهم الله تعالى بهذا الصِّفَاتِ فَصَارَ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى نِفَاقِهِمْ أَبَدًا.

- وَثَانِيهَا: أَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ إِلَى الْهُدَى بَعْدَ أَنْ بَاعُوهُ، وَعَنِ الضَّلَالَةِ بَعْدَ أَنِ اشْتَرَوْهَا.

- وَثَالِثُهَا: أَرَادَ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَحَيِّرِينَ الَّذِينَ بَقُوا خَامِدِينَ فِي مَكَانِهِمْ لَا يَبْرَحُونَ، وَلَا يَدْرُونَ أَيَتَقَدَّمُونَ أَمْ يَتَأَخَّرُونَ وَكَيْفَ يرجعون إلى حيث ابتدءوا منه.

مفاتيح الغيب ج2 ص315

2- قال الإمام أبو السعود العمادي (المتوفى: 982هـ):

(فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) الفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها أي هم بسبب اتصافِهم بالصفات المذكورة لا يعودون إلى الهدى الذي تركوه وضيّعوه أو عن الضلالة التي أخذوها والآيةُ نتيجةٌ للتمثيل مفيدةٌ لزيادة تهويلٍ وتفظيع.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ج1 ص52

3- وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى:1393هـ):

- وَقَوْلُهُ: (فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) لِأَنَّ مَنِ اعْتَرَاهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ انْعَدَمَ مِنْهُ الْفَهْمُ وَالْإِفْهَامُ وَتَعَذَّرَ طَمَعُ رُجُوعِهِ إِلَى رُشْدٍ أَوْ صَوَابٍ.

- وَالرُّجُوعُ الِانْصِرَافُ مِنْ مَكَانِ حُلُولٍ ثَانٍ إِلَى مَكَانِ حُلُولٍ أَوَّلٍ وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي الْإِقْلَاعِ عَنِ الْكُفْرِ.

التحرير والتنوير ج1 ص314

3- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفى:1431 هـ) :

ومعنى (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو لا يرجعون عن الضلالة بعد أن اشتروها.

- والفاء في قوله- تعالى- (فَهُمْ) للتفريع أو التسبيب، لأنها توحى بأن عدم رجوعهم عما هم فيه من النفاق متفرع على تلك الآفات، ومسبب عن هذه العاهات.

التفسير الوسيط ج1 ص65

***************************

..:: س42: هل هناك إشارت صوفية عن مثل (الذي استوقد نارا) ؟  ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة): 

- سأذكر لك بعض الإشارات الصوفية عن المثل الذي شرحناه .. ثم انتبه لما سأقوله لك بعد ذلك ..

- فقال بعض علمائنا غفر الله لهم ..

* قال الشيخ إسماعيل حقي النازلي رحمه الله (المتوفى: 1127هـ):

- وفي التأويلات النجمية الإشارة في تحقيق الآيتين:

- أن مثل المريد الذي له بداية جميلة يسلك طريق الارادة مدة ويتعنى بمقاساة شدائد الصحبة برهة حتى تنور بنور الارادة فاستوقد نار الطلب فاضاءت ما حوله فرأى اسباب السعادة والشقاوة فتمسك بحبل الصحبة فلازم الخدمة والخلوة وعرفت نفسه عن الدنيا واقبل على قمع الهوى فشرقت له من صفاء القلب شوارق الشوق وبرقت له من أنوار الروح بوارق الذوق .. فأمِنَ مكر الله وانخدع بخداع النفس .. فطرقته الهواجس وأزعجته الوساوس .. ثم رجع القهقرى الى ما كان من حضيض الدنيا ..  فغابت شمسه واظلمت نفسه وانقطع حبل وصاله قبل وصوله واخرج من جنة نواله بعدد دخوله ..

- فبقَدَمَي سأمه وملاله عاد الى أسوأ حاله كما قال تعالى (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (صُمٌّ) يعنى بآذان قلوبهم التي سمعوا بها خطاب الله تعالى يوم الميثاق (بُكْمٌ) بتلك الالسنة التي أجابوا ربهم بها بقولهم بلى (عُمْيٌ) بالأبصار التي شاهدوا بها جمال ربوبيته فعرفوه (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) الى منازل حظائر القدس بل الى ما كانوا فيه من رياض الانس ..

- وذلك لأنهم سدوا روزنة قلوبهم التي كانت مفتوحة الى عالم الغيب يوم الميثاق .. بتتبع الشهوات واستيفاء اللذات والخدعة والنفاق .. فما هبت عليهم من جناب القدس الرياح وما تنسموا نفحات الأرواح .. فمرضت قلوبهم .

تفسير روح البيان ج1 ص69

- قال الشيخ بن عجيبه رحمه الله (المتوفى: 1224هـ):

- الإشارة: مَثَلُ مَنْ كان في ظلمات الحجاب قد أحاطت به الشكوك والارتياب، وهو يطلب من يأخذ بيده ويهديه إلى طريق رشده، فلما ظهرت أنوار العارفين، وأحدقت به أسرار المقربين، حتى أشرقت من نورهم أقطارُ البلاد، وحَيِيَ بهم جلّ العباد، أنكرهم وبَعُدَ منهم، فتصامم عن سماع وعظهم، وتباكَمَ عن تصديقهم، وعَمِيَ عن شهود خصوصيتهم، فلا رجوع له عن حظوظه وهواه، ولا انزجار له عن العكوف على متابعة دنياه، مثله كمن كان في ظلمات الليل ضالاً عن الطريق، فاستوقد ناراً لتظهر له الطريق، فلما اشتعلت وأضاءت ما حوله أذهب الله نورها، وبقي جمرها وحرّها.

تفسير بن عجيبة ج1 ص83-84

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- مع كامل احترامي لأصحاب هذه الإشارات التي تم ذكرها سابقا .. ولكن عن نفسي أرفض هذه الإشارات .. حيث لا يصح الآتي:

1- أن يتم تشبيه حال المريد المؤمن (حتى ولو كان عاصيا) .. بحال المنافق ..!!

- لأن حتى ولو دخل المريد في ظلمة الحجاب .. حتى وإن زني وإن سرق .. فسيظل معه نور (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض على الله ..

2- فضلا عما سبق لماذا يتم حمل الإشارة على المريد بأنه هو الذي يدخل ظلمة الحجاب وكأن الشيخ معصوم من أن ينقلب على عقيبه ..!! شيء عجيب ..!!

- وسبب ظلمة الحجاب التي يتكلم عنها أهل الله ..

1- إما ان تكون معصية مستديمة مع هجر العبادات والمعاملات الطيبة .. وهذا شيء معلوم ومعروف أن الغفلة عن الله تسبب حجاب ..

2- وإما ان تكون عن طاعات يتولد عنها عجب ورياء .. هي تكون عن الإعتقاد في النفس بأن يزكي نفسه على الله ويمدحها بالخيرية والصلاح والتقوى .. وأن ما هو فيه من خير الدين والدنيا نتيجة جهده وتعبه .. وتعرف حقيقة هذه النفس من ظواهر كلامها وأفعالها .. فتجده يبدأ في السخرية من عبادة الآخرين .. وينظر لنفسه بعين الكمال ولغيره بعين النقص .. ويتهم العاصي وقد يحكم عليه بأنه من أهل النار .. ويعتقد في رأيه الصواب فقط دون غيره فينكر على الآخرين صدق معرفتهم وحجتهم الواضحة .. لأن الله أعماه عن رؤية الحقائق لأنه توكل على نفسه فوكل الله إليه نفسه .. !!

- وللخروج من ظلمة الحجاب .. يتوب إلى الله من هذه النفسيات السابق ذكرها ويتوجه إلى الله بصدق توجه .. ويتهم نفسه بالتقصير في العبادة مهما بلغ .. ويؤمن بيقين أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، ويجتهد في أن يجعل دائما قلبه ولسانه يقول بدعاء النبي الذي كان يدعو به: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه البزار وقال الهيثمي: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ ..

  

- واعلم أخي الحبيب ..

- ليست النجاة  لمن يعتقد في نفسه وفي عمله .. وإنما النجاة لمن يتهم نفسه ويحسن الظن بربه ويسأله من كرامة رحمته وفضله .. والعاقبة للمتقين .

- وكان هذا ختام الكلام على المثل الأول في القرآن .. والحمد لله رب العالمين .

***********************

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .