ج7: رسالة النفحات في مفهوم الحديث النبوي عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات - هل التغني بالقرآن هو تحبير القرآن الذي قصده الصحابي أبو موسى الأشعري - ما الذي جعل أبو موسى الأشعري يقول: (لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا) - لماذا آية الكرسي من أعظم آيات القرآن - هل ترجيع القرآن من التغني بالقرآن - ما هو ترجيع الأذان - هل التباكي والتحزين من التغني.- يأتيك الشيطان ويزين في نفسك صوتك الجميل ليمدحك الناس.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة النفحات

في مفهوم الحديث النبوي

عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات

(مع التعريف بأهل القرآن وبعض من خسروا أجر عبادتهم عند الله)

(الجزء السابع)

* فهرس:

:: الفصل الثامن :: المراد بالتحبير والترجيع والتحزين والتباكي في مفهوم التغني بالقرآن  ::

1- س33: هل التغني بالقرآن هو تحبير القرآن الذي قصده الصحابي أبو موسى الأشعري ؟ 

2- س34: ما الذي جعل أبو موسى الأشعري يقول: (لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا) ؟

3- س35: لماذا آية الكرسي من أعظم آيات القرآن ؟

4- س36: هل ترجيع القرآن من التغني بالقرآن ؟

5- س37: ما هو ترجيع الأذان ؟

6- س38: هل التباكي والتحزين من التغني ؟  

7- س39: هل يأتيك الشيطان ويزين في نفسك صوتك الجميل ليمدحك الناس ؟

  *************************

 *************************

..:: الفصل الثامن ::.. 

:: المراد بالتحبير والترجيع والتحزين والتباكي في مفهوم التغني بالقرآن  ::

***********************

..:: س33: هل التغني بالقرآن هو تحبير القرآن الذي قصده الصحابي أبو موسى الأشعري ؟  ::..

- جاء في الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: (لَوْ رَأَيتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ! لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) صحيح مسلم .

- وفي رواية بلفظ: (اسْتَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَتِي مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، قَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى، اسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَكَ اللَّيْلَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ، لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا) صحيح بن حبان .. وقال الأرنؤوط: إسناده على شرط مسلم .. وقال الألباني: حسن صحيح.

* قال الإمام ابن الأثير رَحِمَهُ اللَّهُ (المتوفى: 606هـ):

- الْمَزْمُورُ- بِفَتْحِ الْمِيمِ وضمِّها- والْمِزْمَارُ سَواء، وَهُوَ الآلةُ الَّتِي يُزَمَّرُ بِهَا ..، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى (سَمِعه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فَقَالَ لَقَدْ أُعْطِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاودَ) .. شبَّه حُسنَ صَوته وَحَلَاوَةَ نَغْمَته بِصَوْتِ الْمِزْمَارِ. وداودُ هُوَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَيْهِ المُنْتَهى فِي حُسْن الصَّوت بالقراءةِ.

النهاية في غريب الحديث والأثر ج2 ص312

* قال الشيخ محمد الأمين العَلَوي الهَرَري (المتوفى:1441هـ) :

- المعنى: (لو رأيتني) يا أبا موسى (وأنا) أي والحال أني (أستمع لقراءتك البارحة) أي في الليلة الماضية المتصلة بهذا اليوم، وجواب لو محذوف تقديره: لأعجبك ذلك الاستماع الواقع منّي، والله (لقد أوتيت) أي أُعطيت يا أبا موسى (مزمارا) أن صوتًا حسنًا (من مزامير آل داود) أي من جنس أصوات داود - عليه السلام.

- قال القرطبي: المزمار والمزمور الصوت الحسن وبه سميت آلة الزمر مزمارًا، آل داود نفسه، وآل صلة والمراد به داود نفسه، وفي غير مسلم "قال أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبَّرته لك تحبيرًا" أي لحسنته ولجملته .

الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم ج10 ص124

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- التحبير على هذا التفسير .. وهو تحسين الصوت وتجميله .. يندرج تحت معاني التغني بالقرآن .. والله أعلم .

2- يتضح من الحديث أن لسيدنا داوود قدرات صوتية مميزة ومتعددة في الأداء الصوتي للزبور .. لقول النبي (من مزامير آل داود) .. على افتراض أن المقصود من قوله (آل داود): هو داود نفسه .. والله أعلم .

- وقد يكون (آل داود): يقصد بها أنه كان هناك من أهل بيته داود من كان حسن الصوت حيث لا يمتنع توارث حسن الصوت .. وقد يقصد بها أن كل حسن الصوت في تلاوة كلام الله يكون من آل داود .. لاشتراكهم معه في خاصة حسن الصوت .. والله أعلم .

- ويكون التزمير الذي في الحديث .. أظن – والله أعلم- أنه يقصد به حسن الأداء الصوتي لكلام الله بشيء فيه لحن يجذب القلوب لسماعه .. كما يجذب آلة المزمار قلوب أهل الهوى .. والله أعلم .

***************************

  

..:: س34: ما الذي جعل أبو موسى الأشعري يقول: (لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا) ::..

- قد تتسائل في نفسك حينما تقرأ كلام الصحابي أبي موسى وتقول: هل كان يقرأ القرآن بقراءة غير متقنة ؟ ولو كان متقن لها (بدليل سعادة النبي بقرائته) فما الذي أفاده بقوله (لَحَبَّرْتُ لَكَ تَحْبِيرًا) ؟

- قال أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى 656 هـ) :

1- وهذا محمول على أبي موسى: على أنه كان يزيد في رفع صوته وتحسين ترتيله، حتى يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعرفه أنه قَبِلَ عنه كيفية أداء القراءة، وأنه متمكِّن منها، فيحمده النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - ويدعو له، فتحصل له فضيلة ومنقبة، كما فعل بأبيٍّ حيث سأله فأجابه، فقال: (لِيَهنِكَ العلم أبا المنذر) .

2- ويحتمل أن يكون ذلك ليبالغ في حالةٍ يطيب بها القرآن له؛ فإن الإنسان قد يتساهل مع نفسه في أموره، ويعتني بها عند مشاركة غيره فيها، وإن كان مخلصًا في أصل عمله.

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج2 ص424 .. مع التصرف بوضع ترقيم في كلام القرطبي ليسهل على القاريء استيعابه .

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- قال العلماء .. دل الحديث على أنه لا مانع من أن تقول لأحد أسعدنا بسماع القرآن بصوتك الجميل .. ولا مانع أن يقول القاريء للقرآن للآخرين سأسمعكم من كلام الله ما يسعد قلوبكم .. أو ما شابه هذا الكلام .. ولكن شرط أن لا يكون ذلك يسبب عجب في نفس القاريء ..!! لأنه لو شعر بالإعجاب وإطراء الناس في نفسه فقد أصابه العجب .. وستكون قرائته حينئذ رياء لأنه قرأ منتظرا إعجاب الناس له وثناؤهم عليه .. وبالتالي يحبط عمله لأنه سيكون حينئذ فيه رياء ..!! فانتبه لحالك يا قاريء القرآن ..!!

- والله أعلم .

2- الحديث الذي أشار إليه القرطبي لأبي بن كعب .. هذا هو نصه: (يا أبا المُنْذِرِ، أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ. قالَ: يا أبا المُنْذِرِ أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هو الحَيُّ القَيُّومُ} [البقرة:255]. قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ) صحيح مسلم.

- (أبا المنذر): هي كنية أُبي بن كعب .

- (فضرب في صدري): إشارة إلى تثبيت العلم والحكمة في صدره .. وكأنه يقول له ثبتك الله على ما منحك من العلم في صدرك .

- (ليهنك): وهو تهنئة له بما وصله من العلم .. وكأن النبي يقول له : مبارك عليك ما بلغك من العلم .

- وفي هذا الحديث إشارات كثيرة ..

1- منها أن الله قد يفتح على عبد بخصوصية علم عن بعض آيات القرآن ..

2- ومنها أن هناك من الآيات ما هو أعظم من بعضه ..

3- ومنها أدب تلقي العلم .. حيث أن أبا المنذر قال في البداية (الله ورسوله أعلم) .. ثم لما كرر عليه النبي السؤال .. ففهم أن النبي يريد ما يظنه هو في نفسه .. ولذلك أجابه أيضا أدبا لتكرار السؤال عليه لأنه فهم أن النبي يريد إجابة منه موجوده في نفسه .. والله أعلم .. 

*******************************

  

..:: س35: لماذا آية الكرسي من أعظم آيات القرآن ؟ ::..

- قد تتسائل في الحديث السابق وتقول ما سبب عظمة آية الكرسي ؟

- قال بعض العلماء أن العظمة مقصود بها كثرة الثواب .. وهذا تفسير لا أجده صحيحا .. لأن ثواب آية أو سورة مخصوصة يحتاج لوحي .. ولم يكن النبي قد أعلم أبا المنذر بذلك ؟!!

- ولكن ما أظنه (خالد صاحب الرسالة) – والله أعلم -  من إجابة أبي بن كعب على النبي .. هو أن هذه العظمة أتت من غلبة الأسماء الجلالية المودعة في آية الكرسي .. ولا يخفى أن آية الكرسي فيها خمسة أسماء عظام جلالية (الله – الحي – القيوم – العلي – العظيم) ..

- وهذا لا يمنع أن يكون آية الحشر هي أيضا من أعظم آيات الله لما فيها من أسماء جمالية وجلالية .. وهي قوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) الحشر23 ..

- وسبب قولي السابق هو أن وصف الأعظم للآية .. إنما هو باعتبار الأسماء العظيمة الجلالية الموجودة فيها .. هو أنه جاء في الأحاديث لفظ الأعظم مع اسماء الله كما في هذا الحديث (اسمُ اللَّهِ الأعظمُ في هاتينِ الآيتينِ (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وفاتِحةِ سورةِ آلِ عمرانِ ( الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) صحيح أبي داوود.. ، وكذلك في حديث (سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقولُ: اللهم إني أسألُك بأني أشهدُ أنك أنت اللهُ لا إلَه إلا أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ. قال فقال والذي نفسي بيدِه لقد سألَ اللهُ باسمِه الأعظمِ الذي إذا دُعيَ به أجابَ وإذا سُئِلَ به أعطى) صحيح الترمذي.

- هذا رأيي .. والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم .

2- مع التنبيه على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ) ؟ ليس معناه ما هي أعظم آية في كتاب الله ... لا .. وإلا كان قال له (أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ هي الأعظم) ؟!!

- وإنما المراد هو السؤال عن أعظم آية هو يعلمها .. في حدود علمه هو رضي الله عنه .. والله أعلم .

3- وقد يكون مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ) .. ليس المقصود بها عموم كلام الله .. حيث لم يكن الوحي القرآني قد اكتمل .. وإنما كان يسأله في حدود ما بلغه من آيات الله ولذلك قال له (معك) .. وليس المقصود بالأعظم في كامل القرآن .. والله أعلم .

- نعود لمسائل التغني بالقرآن ..

****************************

..:: س36: هل ترجيع القرآن من التغني بالقرآن ؟ ::..

1- عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قال: (رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ وهو علَى نَاقَتِهِ أوْ جَمَلِهِ، وهي تَسِيرُ به، وهو يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ - أوْ مِن سُورَةِ الفَتْحِ - قِرَاءَةً لَيِّنَةً يَقْرَأُ وهو يُرَجِّعُ) صحيح البخاري.

2- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ، قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ - أَوْ مِنْ سُورَةِ الفَتْحِ -» قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا .. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ: يَحْكِي قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ .. وَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ، يَحْكِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آآآ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ) صحيح البخاري.

- معنى (يرجع): أي ترديد القراءة في الحلق مع اشباع المد في حروف المد .

- والترجيع معناه : ترديد الصوت ..

- (قراءة لينة): أي قراءة هادئة فيها تذوق للكلام .. وكأن فيها بطء قليل في القراءة .

- هناك رأي يقول .. بأن الترجيع كان سببه أنه كان جالس على ناقته فحدث اهتزاز في الصوت مع حركة الناقة .. وهذا رأي بعيد تماما عن الصواب .. ويكفيك حديث أم هاني الذي قالت فيه (كنتُ أسمعُ صوتَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلم وهو يقرأُ ، وأنا نائمةٌ على فِراشي يرَجِّعُ القرآنَ) ذكره المروزي في قيام الليل .. ذكره الألباني في أصل صفة الصلاة بأنه حسن .. وفي رواية بلفظ (وهو يصلي يُرَجِّع بالقرآن) ذكره العيني في نخب الأفكار ..

- وقال كثير من العلماء أن الترجيع .. يكون باشباع حروف المد في موضعها ..

- ولكن هذا الرأي القائل باشباع المد فقط .. لا أراه رأي منضبط .. لأن الصحابة كانوا يعرفون المد .. ففي الحديث (عَنْ قَتَادَةَ قال: سألتُ أنسَ بنَ مالِكٍ عن قِراءةِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: كانَ يمدُّ صوتَهُ مدًّا) صحيح بن ماجه.

- فيتبين أن الصحابة كانوا يعرفون الفرق بين المد والترجيع .. وأن الترجيع شيء آخر غير المد .. أو شيء مصاحب للمد ولكنه يغلب عليه معنى آخر اسموه بالترجيع ..!!

- قلت (خالد صاحب الرسالة) ولعل هذا الترجيع .. هو إشباع المد فعلا ولكن بطريقة أداء مختلفة بأن يكون ليس على وتيرة واحدة .. كما يفعل بعض القراء .. مثل: السماء .. فيقول: السماآآآآء ، بمعنى أنه إذا مدّ فلا يجعل المد على وتيرة واحدة وطبقة واحدة ، وإنما يجعله على عدّة طبقات .. فيعلو وينخفض بالطبقة الصوتية في المد ..

3- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. والله أعلم ..

- أن الترجيع يقصد به حالتين :

- الأولى: هي ما ذكره حديث البخاري .. وهو ما نجده من ترديد الصوت في الحلق مع اشباع حرف المد .. وترديد الصوت في الحلق لا يكون إلا مع تغيير في طبقة الصوت مع المد .. كما يحدث مع كبار القراء في القراءات التجويدية وليس في قراءات الترتيل .. والله أعلم .

- الثانية: (وهو وجه لم يذكره العلماء) .. ولكن أظن أنه لا مانع أن يكون المقصود من الترجيع هو ترجيع الآيات مصحوبا بطريقة لينة أي هادئة فيها بطيء قليل في القراءة .. مع الإلتزام بضوابط الترتيل وأحكامه .. فيقرأ مرة بصوت عادي ثم يرجع القراءة بصوت أعلى فيه تحسين للصوت مع هدوء في القراءة ..!! والله أعلم .

- ودليل ذلك رواية أم هانيء السابقة أنه كان يصلي ويرجع في صلاته .. وقد يكون المقصود هو ترديد الآيات تارة بصوت عادي ثم يعيدها بصوت أعلى .. كما ورد ذلك في ترجيع أذان أبي محذورة الذي علمه له النبي صلى الله عليه وسلم .. ولا حرج أن نجد النبي يردد الآيات .. كما جاء في الحديث: (قام النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بآيةٍ حتى أصبحَ يُرددُها والآيةُ "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ") صحيح بن ماجه.

- ودليل آخر: في الحديث عن علقمة بن قيس قال: (بتُّ معَ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ ليلةً فقامَ أوَّلَ اللَّيلِ ثمَّ قامَ يصلِّي فكانَ يقرأُ قراءةَ الإمامِ في مسجدِ حيهِ يرتِّلُ ولا يرجِّعُ يسمعُ من حولَهُ ولا يرجِّعُ صوتَهُ) رواه الطبراني .. وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح .

- فتأمل قول الصحابي: (يسمعُ من حولَهُ ولا يرجِّعُ صوتَهُ): دليل على تتابع قراءته دون إعادة لشيء منها .. والله أعلم .

- ولكن ما أظنه في طريقة النبي في ترجيع القرآن .. هو ترديد الآيات بطريقة الترجيع مرة بصوت متوسط ثم مرة يعيدها بصوت أعلى ويكون فيها لين في القرآءة مع إشباع المدود .. ولعل ذلك يولد في النفس حالة انبساط وانشراح مع هذه الكيفية .. ويرشدك ذلك فعل النبي ذلك وهو على ناقته أو وهو يصلي .. أن فعله هذا جذب السامعين القريبين له .. وكأنه كان حالة فيها انبساط .. وهذا الإنبساط باللين في القرآءة مع الترجيع هو نوع من التغني .. وإن شئت قلت هو طريقة أداء لقراءة كلام الله ..

- والله أعلم .

**************************

..:: س37: ما هو ترجيع الأذان ؟ ::..

- قد تتسائل عن ماهية ترجيع الأذان وما هو المقصود به ؟

- قلت لك .. جاء في الحديث : (عَن أَبِي مَحذُورَةَ أَنَّ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَهُ هَذَا الأَذَانَ: اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلا اللهُ (مَرَّتَين)، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ (مَرَّتَين)، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ (مَرَّتَين)، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ (مَرَّتَين)، اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، لا إِلهَ إِلا اللهُ) صحيح مسلم .

* ترجيع الأذان يقصد به تكراره ولكن له طريقة خاصة .. وهي أن تقول (الله أكبر ألله أكبر "مرتين فقط" – ثم تقول أولا بصوت منخفض (أشهد أن لا إله إلا الله "مرتين" ثم أشهد أن محمد رسول الله "مرتين") - ثم ثانيا تقول بصوت مرتفع ومسموع للجميع (أشهد أن لا إله إلا الله "مرتين" ثم أشهد أن محمد رسول الله "مرتين") .. ثم تكمل باقي الأذان .. وهذا غالبا تجده عند أهل المغرب .

- وطريقة الأذان السابقة في التشهد هي التي تسمى الترجيع .. إلا أن المالكية: يسمون النطق بهما بصوت مرتفع: ترجيعًا، والشافعية: يسمون النطق بهما بصوت منخفض: ترجيعًا..!!

- وهناك أذان آخر وهو الأذان الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا بلال .. وهو أن تقول بصوت مسموع (الله اكبر "أربع مرات" – ثم التشهد مرتين بصوت مسموع "ولا يوجد خفاء بالتشهد في هذا الاذان" ) .. ثم يكمل باقي الأذان .. وهو الذي يفعله أهل مصر .

* وطبعا كل أذان وله دليله في الصحيح .. ولكن اكتفيت بذكر الأذان الذي عليه مصطلح الترجيع لتكون على علم بالمعلومة (حينما ذكرت لك في السؤال السابق جملة "ترجيع أذان أبي محذورة") فأحببت أن أشرح لك المراد من كلامي وتفهمه .. وليس الغرض هو سرد أدلة الأذان ومناقشة فقهية لدليل كل فريق .. ولكن ما يهمك هو أن تعلم أن كلاهما جاءا بطريق صحيح .. وكلاهما صواب.

**********************

..:: س38: هل التباكي والتحزين من التغني ؟ ::..

- أخي الحبيب .. هناك حديث طالما سمعناه في خطب الجمعة كثيرا .. ولكن هو في الحقيقة حديث ضعيف من حيث كونه حديث نبوي .. ولكن بعض الصحابة قد قاله .. وهو حديث عن قراءة القرآن (هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ، فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا) .. وقد حاولت أن أجمع من هذه الاحاديث ما وضع تحت يدي ووجدت جميع ألفاظه لم يأتي رواية صحيحة ..!!

- التحزين: وهو أن يقرأ أحدهم بهيئة حزينة وكأنه يتباكى خاشعا.

- التباكي: هو استحضار هيبة جلال الآيات في القلب فيظهر أثر ذلك على الوجه.

- وبعض كتب التجويد تضع (تحزين القرآءة) من ضمن طرق الأداء المشبوهة والمنحرفة ..!!

- والذي أراه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. أن هذا التعريف السابق للتحزين بهذه الكيفية السابقة فقط .. !! فهذا لا يعد انحراف في القراءة .. لأنه نوع من طرق أداء القرآن بصوت مؤثر في النفس بطريقة لينة .. طالما لم يخرج التلاوة عن ضوابطها المعروفة ولم يلحد في أداه لإفساد المعنى .. فضلا عن أن هذا الإنكار على التحزين لم يكن عند بعض السلف لأنه كان ممدوحا ومندوبا إليه عند البعض منهم .. وكان الإمام الشافعي يفضله لأنه أجمع للخشوع .. !!

- والغريب أن البعض يضع قواعده الخاصة في القرآن ظنا منه أنه يحمي القرآن من التلاعب .. ولكن في الحقيقة هو من يتلاعب بالقرآن ويضع عليه ضوابط من دماغه لم يقل بها الله ورسوله بل وتخالف ما عليه ظاهر الأحاديث .. وإنما لأنه هو من يرى ذلك وليس الدين هو ما أرشد لذلك ..!!

- ثم نقول: من قال له أن التباكي .. هو انحراف في الأداء .. وبالرغم من كونه قد يكون ليس عن خشوع إلا أنه محاولة من فاعله في التخشع مع كلام الله .. ولكن أقول أيضا : إن كان يفعل ذلك التخشع تكلفا منه وتصنعا بغرض أن يمدحه الناس عليه فهذا يسمى رياء في الأداء ولا علاقة له بمفهوم التباكي أو التحزين ..!!

 

* أما عن أحاديث التحزين والتباكي (وكلها ضعيفة) ..

1- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ:(قَدِمَ عَلَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنِ أَخِي، بَلَغَنِي أَنَّكَ حَسَنُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ، فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِهِ فَلَيْسَ مِنَّا) رواه بن ماجه وابو يعلى .. وقال الأرنؤوط: اسناده ضعيف..، وقال الألباني ضعيف .. وقال الشيخ العراقي إسناده جيد ..!! ولكن الحق أنه حديث ضعيف كما حققه الأرنؤوط والألباني وغيرهم ..

2- حديث آخر بلفظ: (إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن به فليس منا) رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة .. ذكره الألباني في ضعيف الجامع .

3- حديث آخر عن طاووس عن بن عباس بلفظ: (أنّ أحسن الناس قراءةً من إذا قرأ .. يتحزَّن) رواه الطبراني .. وذكره الألباني في الضعيفة (14/32- رقم 6512) وقال: إسناد ضعيف، ابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه.

4- حديث آخر عن طاووس عن بن عباس بلفظ: (إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن .. يَتَحَزَّن فيه) رواه الطبراني .. وذكره الألباني في الضعيفة(4/359- رقم 1882) وقال: وهذا إسناد ضعيف، فإن ابن لهيعة سيء الحفظ.

5- عَن أبي بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ - قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:(اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِالْحُزْنِ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْحُزْنِ) رواه الطبراني وأبو يعلى  وأبو نعيم في الحلية .. رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي ضُعَفَائِهِ وَأعله بِعُوَيْنٍ بن عَمْرو وَقَالَ لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه.

6- حديث آخر عن بن عباس بلفظ: (إِن الْقُرْآن نزل بحزن فَاقْرَءُوهُ بحزن) أخرجه ابْن مرْدَوَيْه في آخر تفسيره .. وفي سنده محمد بن يونس "الكديمي" .. وهو ضعيف ..

* أما من الاحاديث الصحيحة المروية عن الصحابة:

- ورد بسند صحيح موقوف عن عبدالله بن أبي مليكة قال:(جَلَسْنا إلى عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو في الحِجْرِ فقال : ابْكُوا ، فإنْ لمْ تَجِدُوا بُكَاءً فَتَباكَوْا ، ولَوْ تعلمُوا العلمَ لَصلَّى أحدُكُمْ حتى يَنْكَسِرَ ظَهْرُهُ ، ولَبَكَى حتى يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ ) رواه الحاكم .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب بأنه صحيح موقوف..

- وخلاصة القول ..

1- طالما لا يوجد رياء في الأداء بالتحزين .. فالتحزين هو طريقة تغني بالقرآن بطريقة مؤثرة فيها لين وتخشع وتحسين صوت بالقرآن لتجمع القلب على السماع ..، ولا مانع منها .. طالما القاريء يحافظ على ضوابط القراءة المعلومة وأحكامها دون تحريف في الألفاظ أو معانيها .. وطالما لا يفعله رياء لجذب مديح الناس لك .

2- وإذا لم تستطيع البكاء حين قراءة المصحف (وهذا ليس لكل الناس وليس في كل الأحوال) .. فاظهر احترامك له في أنك متأثر بما تقرأ عندما تقرأ ما فيه جلال لله مثلما تقرا سورة هود أو الزمر .. فهذا التأثر هو يسبب رهبة في النفس قد يترتب عليها بكاء عند البعض ولكن لا يحدث ذلك البكاء عند آخرين .. وهذا التأثر هو مظهر وطريقة التباكي .. وليس التباكي هو أن تتصنع البكاء وتمثل أنك تبكي .. لا يا أخي ليس التمثيل بالتباكي هو المقصود .. وإنما المقصود هو ما شرحته لك من حدوث رهبة في النفس من جلال بعض الآيات قد يظهر معها تأثير على وجه الإنسان ..!!

- وأيضا كما تظهر التأثر بالجلال فعليك ان تظهر التأثر بالجمال فتستبشر .. ودليل ذلك (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) التوبة124 ..

- إذن كما أنك تتأثر بالجلال فيصيبك رهبة تدل على التباكي أو قد تبكي فعلا .. فكذلك عليك حينما ترى آيات رحمة وفضل من الله أن تستبشر وتسعد ويحدث لك انبساط .. فانتبه لما ذكرته لك .

- والله أعلم في كل ما سبق ..

****************************

..:: س39: هل يأتيك الشيطان ويزين في نفسك صوتك الجميل ليمدحك الناس ؟ ::..

- من الأمور التي يفتنك الشيطان بها في مسألة التغني بالقرآن .. هو أن يأتيك ويزين لك في نفسك أن تطيل القرآءة على الناس لأنهم يحبون صوتك الجميل .. ثم تبدأ في القراءة وفي نفسك تقول: الآن الناس يقول ما أجمل هذه القراءة ، وما أجمل هذا الصوت الجميل ..!!

- فإذا استشعرت هذا الفكر في داخلك .. فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم .. لأنك لو ظل بداخلك هذا الفكر دون مقاومة منك .. فهذا معناه أنك متقبله وراضي به .. وهذا معناه أنك تقرأ رياء وليس في قرائتك إخلاص لله ..

- وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا ما كان لهُ خَالِصًا وابْتُغِيَ بهِ وجْهُهُ) صحيح النسائي.

- فاجعل قرائتك لله وليس للناس .. أي اجعل قرائتك أن تكون خالصة لوجه الله ليكافئك عليها في الآخرة .. ولا تجعل قرائتك في أن يكون ثمرتها هو أن تجد الناس تمدحك عليها ..

- ولا تلتفت لمن يمدحك وإلا هلكت ..!! ولكن كن كمن لا يسمع مديحهم بل واطلب منهم أن لا يمدحك أحد .. لأن المديح وسيلة للشيطان في أن يؤثر بها عليك بعد مدح الناس لك ليجعل عملك رياء .. فانتبه أخي الحبيب لما ذكرته لك .

*******************

***********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .