ج15: رسالة النفحات في مفهوم الحديث النبوي عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات - حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن - ما هي أدلة الذين منعوا أخذ الأجر على تعليم القرآن - كيف التوفيق بين أخذ الاجرة .. وبين قوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) ، وآية (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) - كيف النبي ممنوع عن أخذ الأجر في دعوته .. وقد أخذ أجرا من الغنائم ونصيبا من رقية أبي سعيد الخدري ؟ (هكذا يأتيك الشيطان قائلا .. فانتبه من وسوسته لك يا مؤمن) - كيف التوفيق بين أخذ الأجرة على تعليم القرآن وبين قول النبي (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ).

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة النفحات

في مفهوم الحديث النبوي

عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات

(مع التعريف بأهل القرآن وبعض من خسروا أجر عبادتهم عند الله)

(الجزء الخامس عشر)

* فهرس:

:: الفصل الخامس عشر:: مسائل متفرقة عن قراءة القرآن ج4 ::

1- س76: حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؟

2- س77: ما هي أدلة الذين منعوا أخذ الأجر على تعليم القرآن ؟  3- س78: كيف التوفيق بين أخذ الاجرة .. وبين قوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) ، وآية (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) ؟

4- س79: كيف النبي ممنوع عن أخذ الأجر في دعوته .. وقد أخذ أجرا من الغنائم ونصيبا من رقية أبي سعيد الخدري ؟ (هكذا يأتيك الشيطان قائلا .. فانتبه من وسوسته لك يا مؤمن !!)

5- س80: كيف التوفيق بين أخذ الأجرة على تعليم القرآن وبين قول النبي (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) ؟

****************

..:: الفصل الخامس عشر ::..

:: مسائل متفرقة عن قراءة القرآن ج4 ::

******************

..:: س76: حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؟ وما أدلة من منعوا أخذ الاجر على تعليم القرآن ؟::..

- أخي الحبيب ..

- ذكرت لك منذ قليل أن:

- هناك من أجاز أخذ الأجر على الرقية وتعليم القرآن كالإمام أحمد والإمام الشافعي والإمام مالك .. شرط الإخلاص في العمل كحال كل الأعمال .. وهذا هو رأي الجمهور من علماء الأمة .. حتى أن كثير من الأحناف مال لهذا الرأي .. خلافا لما كان عليه الرأي الأول عند أبي حنيفة ..

- وهناك من العلماء من رفض أخذ الأجرة على الرقية وتعليم القرآن كالإمام بن شهاب الزهري ..

- وهناك من أجاز أخذ الأجر على الرقية ورفض أخذ الأجرة على تعليم القرآن كالإمام أبي حنيفة ..

**************************

..:: س77: ما هي أدلة الذين منعوا أخذ الأجر على تعليم القرآن ؟ ::..

- إذا كان عموم العلماء اتفقوا على جواز أخذ الأجر على الرقية لدلالة الأحاديث .. إلا أن البعض منهم رفض ذلك في تعليم القرآن ورواية الحديث والأجر على الأذان وخطبة الجمعة وما شابه ذلك .. وكانت لهم أدلة في ذلك .. سأذكر لك أقواها وما اعتمدوا عليه من القرآن والحديث .. ثم أرد على ما استدلوا به .. ثم أذكر لك بعض ما استدلوا به من ضعيف الحديث حتى تكون على علم بما استدلوا به ..

- فمن الأدلة القوية التي استدلوا بها في عدم جواز أخذ الاجر على تعليم القرآن :

أولا: القرآن الكريم ..

1- قوله تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) البقرة41.

2- قوله تعالى: (اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) يس21.

ثانيا: الحديث الشريف ..

1- قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِبْلٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد قوي.

2- عن أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَعْنِي ابْنَ يَسَارٍ السُّلَمِيَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ، فَإِذَا قَدِمَ الرَّجُلُ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا لِيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ، فَدَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا كَانَ مَعِي فِي الْبَيْتِ، وَكُنْتُ أَقْرَأْتُهُ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ لِي عَلَيْهِ حَقًّا، فَأَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مَا رَأَيْتُ أَجْوَدَ مِنْهَا، وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا عِطَافًا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيهَا، فَقَالَ: «جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا أَوْ تَعَلَّقْتَهَا) رواه أحمد أبي داود والحاكم واللفظ له .. وقال الحاكم:  هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ووافقه الذهبي .. وقال الأرنؤوط: حسن .. وقال الألباني (السلسلة الصحيحة 1/516): أخرجه أبو داود وعنه البيهقي وقال:" هذا حديث مختلف فيه على عبادة بن نسي كما ترى ".. يعني أن المغيرة بن زياد سمى شيخ ابن نسي الأسود بن ثعلبة، وبشر بن عبد الله بن يسار سماه جنادة بن أبي أمية، وليس هذا في نقدي اختلافا، لاحتمال أن يكون لابن نسي فيه شيخان، فكان يرويه تارة عن هذا، وتارة عن هذا، فروى كل من المغيرة وبشر ما سمع منه - هذا حَديث مُختَلَف فيه على عُبادَةَ بنِ نُسَىٍّ ..

3- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) أخرجه أبو داود .

- ويدل هذا على أن التعلم والتعليم يشترط فيه الإخلاص، وأخذ الأجرة عليه ينافي ذلك .

4- أما عن استدلال البعض عليهم بحديث الرقية وأن النبي أجاز أخذ الرقية .. فقد اعترضوا عليهم بالآتي:

أ- ان الحديث خاص بالرقية وليس بالتعليم .

ب- أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا كُفَّارًا فَجَازَ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ

ج- أَنَّ حَقَّ الضَّيْفِ لَازِمٌ وَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ

د- أَنَّ الرُّقْيَةَ لَيْسَتْ بِقُرَبَةٍ مَحْضَةٍ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا

* أخي الحبيب ..

- ما سبق هو ملخص ما احتج به بعض بعض من أنكر ولم يجيز أخذ الأجرة في تعليم القرآن .. وإليك مناقشة ما استدلوا به لتعرف لماذا رأي الجمهور من علماء المسلمين هو الأصوب إن شاء الله تعالى .. وسأسرد لك الردود مجزأة في هيئة أسئلة ليسهل عليك الإستيعاب إن شاء الله تعالى ..

********************************

(1- من أدلة المانعين أخذ الأجرة – ومناقشتها)

..:: س78: كيف التوفيق بين أخذ الاجرة .. وبين قوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) ،  وآية (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) ؟ ::..

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- أما عن قوله تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ . وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة42-41 ..

- والمقصد العام هو ..  لا تستبدلوا الإيمان بالحق مقابل منافع دنيوية .. بأن تعرضوا عن الإيمان بهذا النبي وما جاءكم به وهو القرآن .. ولا تخلطوا الحق الذي علمتموه، بالباطل الذي تخترعونه وتكتبونه .. بل ولا تفعلوا جريمة أخرى وهي كتم الحق وأنتم تعلمون .. وليس لكم عذر بالجهل ..!!

- والآيات: هى الدلائل التي أيد الله بها نببه عليه الصلاة والسلام، وأعظمها القرآن ..

- والثمن القليل: هو ما كان رؤَساؤُهم من رجال الدين يحرصون عليه من الرياسة والمنافع المالية.. وما إلى ذلك من الأمور التي خافوا ضياعها لو اتبعوا الرسول صلّى الله عليه وسلم.

- وجعلوا الثمن مشترى ودفعوا الإيمان مقابل له ..!! فقلبوا المسألة وبدلا من أن يكون الثمن مدفوعا جعلوه مشترى ..!! يعني باعوا الإيمان مقابل المحافظة على الرئاسة الدينية .. !!

- ونجد أن الإشتراء مقصوده هو الإستبدال .. وهو أن يأخذوا ثمنا مقابل إيمانهم .. وذلك من خلال التلاعب في التوراة وتحريفها .. فيغيرون أحكام الله وفق الأهواء ويحرفون في كلام الله بكتابة آيات ليست من كلام الله وينسبونها لله أو يحرفون في بعض ألفاظ الآيات .. ودليل ذلك قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) البقرة79.

- وإذا كانت الآية نزلت في اليهود .. فإن الحكم عام لكل من يتبع منهجهم ويفعل فعلهم .. ولا نختلف على ذلك .. ولكن لنا أن نتسائل الآن بعد ما سبق .. ونقول:

* هل معلم القرآن مقابل أجر سواء كان الاجر للتجويد أو التفسير أو الفقه .. يكون فعل كما فعل اليهود ؟!! بكل تأكيد .. لا .. ليه ؟

- لأن المعلم اليهودي باع دينه وإيمانه مقابل أجر وأضر الآخر بتعليمه الباطل .. والمعلم المسلم نفع الآخر في دينه وإيمانه مقابل أجر ونفع غيره بتعليمه الحق .. فما علاقة هذا بذاك ؟!! فهل نساوي الذي ضل ويُضل غيره .. بالذي هو مؤمن ويعين على الإيمان ؟!! كيف يُعقل ذلك ؟

- يبقى الإستدلال بالآية السابقة وهي قوله تعالى: (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) لا يصح الإستدلال بها في إنكار أخذ المعلم المسلم أجر نظير نشر الدعوة .. لأن القياس فاسد في المقارنة بين المعلم اليهودي والمعلم المسلم ..!!

- والله أعلم .

2- أما عن قوله تعالى عن قول الأنبياء .. نوح وهود وصالح ولوط وشعيب: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) الشعراء109-127-145-164 -180 ..، وقوله تعالى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) الأنعام90 .. فهذه كلها ومثلها من الآيات تدل على أن تبليغ الدعوة للآخر لا يكون له مقابل مادي ..!!

- وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورا بقوله (قل) وكان لا يأخذ أجرا على دعوته لله لقوله تعالى (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) الأنعام90 .. والله يقول (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) الاحزاب21.. فهذا يستوجب اتباع النبي في فعله ..؟!!

* قلت لك:

- من أين أتيت بعموم وجوب على الأمة عدم أخذ أجر على التعليم أو التبليغ فيما سبق من الآيات ؟!! في حين أن الأمر الإلهي (قل) للنبي صلى الله عليه وسلم .. دل عليه التخصيص في حق أمته .. وذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجرًا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) صحيح البخاري .. فدل بذلك على أن التبليغ بلا أجر دائما إنما هو خصوصية نبوية وليس تشريع عام لأمته لأن التخصيص جاء في قوله الشريف (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجرًا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).. ويندب إلى عدم أخذ الأجر على الدعوة وذلك أسوة بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ..

- فكونك تريد أن تتشبه باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله بتبليغ الدعوه بلا أجر .. فهذا أمر مندوب إليه .. وإن كنت تريد أن تأخذ أجرا فهذا أمرا قد أقره النبي صلى الله عليه وسلم .. فلا داعي للتكلف بإيجاب ما فيه رخصة ..!!

- فالله قد أوحى لنبيه بأن لا يأخذ أجرا على دعوته .. وهو أيضا الذي أوحى لنبيه بالرخصة لأمته في أخذ الأجر ..!! فلماذا أخذنا ذلك وتركنا ذاك ؟!!

- فضلا عن أن الأنبياء كانوا مأمورين بذلك .. لأن سيكون في ذلك مشقة على النفوس في استقبال الدين .. لأنه سيكون في ذلك غرامة لهم .. ولذلك يتعجب القرآن من عدم استقبال النفوس للقرآن فيقول(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) الطور40 .. أي هل سألتهم أجراً على ما جئتَ به، فأثقلهم ذلك الذي تطلبه منهم فمنعهم عن الاسلام ..؟!!

- وكيف لا يأخذ المعلم أو الداعية أجرا وينقطع عن شئون دنياه ويدعو إلى الله دون عطاء ..؟ فكيف يتعايش في حياته ؟ هل بأن يتكفف ما في أيدي الناس بالسؤال منهم ؟.. فهل هكذا يكون حال المعلم والداعية ؟!! أهذا يعقل ؟!!

 - نعم إذا كان لديه عملا خاص .. يتعايش منه .. فليتعفف حينئذ من أخذ الأجر عن دعوته إلى الله .. ولكن أيضا لا مانع أن يأخذ أجر على تعليمه لو كان عمله الخاص لا يكفيه في تعايشه .. وليأكل بالمعروف .. !!

- ولكن لا يكون رجاءه من التعليم هو كسب المال فقط .. وإلا يكون قد أخذ أجره كاملا في الدنيا .. وإنما يأخذ أجره على الوقت الذي يُعلِّم فيه .. ويجتهد في صدق نيته للدعوة إلى الله والإخلاص في العمل مع الله .

- وبكل تأكيد فإن من يدعو إلى الله بدون أجر .. فهو أكمل حالا مع الله ممن يأخذ أجرا .. إذا كان صادقا في دعوته إلى الله ومخلصا فيها .

- يبقى مما سبق تفهم أن الآية التي استدل بها البعض في عدم جواز الأجر .. هو كلام غير صحيح وإن كان يندب إليه عدم أخذ الاجر كلما استطاع المؤمن أن يفعل ذلك ..

- والله أعلم

****************************

..:: س79: كيف النبي ممنوع عن أخذ الأجر في دعوته .. وقد أخذ أجرا من الغنائم ونصيبا من رقية أبي سعيد الخدري ؟ ::..

(هكذا يأتيك الشيطان قائلا .. فانتبه من وسوسته لك يا مؤمن !!)

- أخي الحبيب ..

- قد يأتيك الشيطان موسوسا لك .. فيقول: كيف النبي ممنوع عن أخذ الأجر في دعوته .. في حين قد أخذ أجرا من الغنائم ونصيبا من رقية أبي سعيد الخدري ؟

* قلت لك:

- أنت لم تنتبه للكلام جيدا .. فهناك فرق بين تبليغ الدعوة للآخر .. وبين مجاهدة الآخر العائق للدعوة .. وبين الآخر الذي تحقق له منفعة دنيوية من خلال فضل الدعوة .

- أولا: فغير مسموح للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يأخذ أجرا مقابل تبليغ دعوته للآخرين .. وإن كان أجاز ذلك لأمته حيث قال: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجرًا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) صحيح البخاري .

- ثانيا: مسموح للنبي صلى الله عليه وسلم ولتابعيه بأن يأخذوا أجرا من مجاهدة الآخر الذي هو عدو لله .. يقول تعالى (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) الأنفال59 .. فهذا الآخر جاهد في منع تبليغ دعوة الله .. !! فكان أجر الغنائم ليس أجرا على دعوة تبليغ الآخر وإنما هو أجرا على مجاهدة الآخر الذي يمنع الدعوة إلى الله ..!! فانتبه ..!!

- ثالثا: مسموح للنبي صلى الله عليه وسلم ولتابعيه بأن يأخذوا أجرا على الرقية بفاتحة الكتاب .. لقول النبي للصحابي أبي سعيد الخدري: (قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا) صحيح البخاري .. لأن الرقية ليس فيها تبليغ دعوة للآخر .. وإنما هي تحقيق منفعة للآخر من خلال كلام الله وليس فيها دعوة الآخر إلى الله بكلام الله ..!! فانتبه !!

- ولذلك فإن أبي سعيد الخدري وعم خارجة بن الصلت رقوا جماعة لم يكونوا مؤمنين ولم يدعوهم إلى الإسلام من خلال رقيتهم .. إنما مجرد رقية دوائية لتحقيق منفعة علاج لهم ..!!

- ولو كان في فعلهم دعوة للإسلام ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ أجرا منهم أبدا ..!!

- والله أعلم .

******************************

(2- من أدلة المانعين أخذ الأجرة – ومناقشتها)

..:: س80: كيف التوفيق بين أخذ الأجرة على تعليم القرآن وبين قول النبي (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) ؟ ::..

- استدل البعض على منع الأجرة على تعليم القرآن بما جاء في الحديث عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شِبْلٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغْلُوا فِيهِ، وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد قوي.

- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- هذا الحديث في ذاته كفيلا بأن يمنع أي شخص من أن يأخذ أجر على أي شيء يتعلق بالقرآن سواء قراءة أو تعليم أو رقية .. ولكن تعالوا أولا نشرح الحديث ونشوف هل معنى قول النبي (لا تأكلوا به) يكون المقصود منه أن لا تأخذ اجرا مقابلا له .. أم المراد شيء آخر ..

- والحديث السابق جاء في رواية بلفظ : (اقرؤوا القرآنَ واعملوا به ، و لا تَجْفُوا عنه ، و لا تغْلوا فيه ، و لا تأْكلوا به ، و لا تسْتَكثروا به) رواه أبي عاصم في آحاد والمثاني برقم 1862 – وذكر الحديث الألباني في صحيح الجامع برقم 1168 ..

* ملحوظة : لم أجد لفظ (اعملوا به) إلا عند أبي عاصم .. وعند أحمد وأبو يعلى بدون (اعملوا به) .. وفي كل الأحوال هو حديث صحيح إن شاء الله ..!!

- قوله (اقرأوا القرآن واعملوا به): أي اغتنموا قرائته وتلاوته بالمواظبة على ذلك سواء من القراءة حفظا أو قراءة من المصحف .. واعملوا بما في القرآن من عبادات ومعاملات .. وافعلوا الأوامر واجتبوا النواهي .

- قوله (لا تجفوا عنه) : من الجفاء والمقصود البعد عنه .

- قوله (لا تغلو فيه): من الغلو وهو التجاوز عن الحد .. والمقصود به لا تتأولوه بباطل فتخرجوه عن حقيقة لفظه ومعناه.

* وجدت غالب العلماء في تفسير (ولا تأكلوا به) (ولا تستكثروا به) .. هو خاص بمن يتخذ القرآن وسيلة للرزق والتكسب .. !!

* ولكن أرى وجها آخر في فهم ألفاظ الحديث .. وهو :

- (ولا تأكلوا به) باطلا .. فتقرأوه رياءا وسمعة فيمدحكم الناس عليه فتأكلون من وراءه .. أو تتعلموه وتتبعوا ما تشابه منه وتبيحوا الحرام ..!!

- (ولا تستكثروا به) في العبادة .. وتتركوا غيره من العبادات ..

- وسبب ما ذهبت إليه من تفسير سابق لمفهوم الأكل والاستكثار .. هو أول الحديث .. حيث يتكلم على القرآءة والعمل به بالقرآن .. فحسبت أن هذا هو الأقرب وليس الأصوب .. في حمل كلام النبي عليه ..!!

والله أعلم ..

* والآن نعود لسؤالنا الأول .. هل قول النبي (لا تأكلوا به) .. هو دليل على أن كل ما يتعلق بالقرآن لا يصح أن يكون له مقابل أو عائد مادي تتعايش به وتأكل منه ؟!!

- الجواب ..  هو أنه من المستحيل أن يكون قول النبي (لا تأكلوا به) .. هو منع أخذ الأجر نتيجة تعليم القرآن .. وذلك للأسباب التالية:

1- ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري الذي عالج بسورة الفاتحة أحد الكفار وقد اتفق معهم على أجر قبل الرقية ثم تم الشفاء فأعطوه أجرا .. فعاد للنبي وقال له: (فرقَيْتُه بفاتحةِ الكتابِ فبرَأ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُمْ عليه أجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) صحيح بن حبان وكذلك رواه البخاري وغيرهما ..

- فقول النبي صلى الله عليه وسلم واضح وصريح حيث قال: (إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُمْ عليه أجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) ..!!

- ولذلك لا يمكن أن يكون قوله (لا تأكلوا به) المقصد منه المنع من أخذ الأجر على تعليم القرآن ..

2- لو كان المقصد من وراء قول النبي (لا تأكلوا به) .. لكان في ذلك اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد أكل به (وحاشاه) .. ونجد ذلك في قوله لأبي سعيد الخدري في ختام أحد الروايات (كُلوا واضرِبوا لي معكم بسَهمٍ) صحيح بن حبان والترمذي .. ، وفي رواية بلفظ: (قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا) صحيح البخاري ..

- وقوله (بسهم): أي اجعلوا لي نصيب من هذا الأجر .

- ولذلك من المستحيل بعد ما سبق بيانه .. أن يكون مقصد النبي من قوله (لا تأكلوا به) .. هو ما ذهب إليه البعض من المنع من اخذ الأجرة عليه ..!!

- وقد أجبت لك على هذه الشبهة في السؤال رقم92 فارجع إليه .

3- ما جاء في الحديث عن عم خارجة بن الصلت وقد كان رقى مجنونا بفاتحة الكتاب وأخذ أجرا على ذلك .. ثم رجع للنبي وذكر له ما فعل .. فيقول الصحابي: (فأتيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبرتُهُ فقالَ هل إلَّا هذا وقالَ مسدَّدٌ في موضعٍ آخرَ هل قلتَ غيرَ هذا قلتُ لا قالَ خُذها فلَعَمري لَمَن أكَلَ برقيةِ باطلٍ ، لقد أكَلتَ برقيةِ حقٍّ قال النبي صلى الله عليه وسلم (لقد أكلت برقية حق) صحيح أبي داود .

- فدل قوله الشريف (لقد أكلت برقية حق) .. أنه يجوز أخذ الأجر على الرقية بكلام الله .. وبالتالي أخذ الأجر على تعليم كلام الله .. لأن في الرقية منفعة للغير وفي تعليم القرآن أيضا منفعة للغير .. فتساوت المسألتين ..

- ولكن هذا الحديث السابق يجعلنا نقول أيضا أنه من المستحيل أن يكون مقصد النبي من قوله (لا تأكلوا به) .. هو أخذ أجرة على كلام الله طالما الأخذ لا مانع منه شرعا ..!! وقد تبين لك من الحديث أنه أجاز أن يأكل من الأجر الذي كان نتيجة الرقية بكلام الله ..

* بعد ما سبق بيانه لك .. هنا يظهر السؤال المهم وهو: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح أكل الأجر من وراء الرقية بكلام الله . بل وطلب منهم أن يجعلوا له نصيب من هذا الأجر الذي جاء عن انتفاع بكلام الله في الرقية .. !! فماذا يكون حينئذ مقصد النبي صلى الله عليه وسلم من قوله (لا تأكلوا به) ؟!!

- والجواب على ذلك يتضح لك .. حينما تعلم أن المقصد من الأكل بالقرآن هو أنما الأكل به باطلا بما فيه ذم شرعا .. وكمثال على ذلك من قوله تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ . وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة41-42 ..

- وتم شرح الآيات السابقة في السؤال رقم 90 .. وقلنا أن الثمن القليل هو ما كان رؤَساؤُهم من رجال الدين يحرصون عليه من الرياسة والمنافع المالية التي كانوا يتحصلون عليها من العوام من خلال اتباع أهواء العامة في إيجاد طريقة لتحليل الحرام .. وما شابه ذلك ..

* وخلاصة القول:

1- هو أن معنى قوله النبي صلى الله عليه وسلم (لا تأكلوا به) .. معناه أن لا تأكلوا به باطلا من خلال فعل ما يحرمه الشريعة .. كالذي يتأول القرآن لإباحة شيء محرم ..

2- ولا يمكن أن يكون معنى (لا تأكلوا به) هو منع أخذ الأجر عليه .. وإلا كان ذلك مخالفا للنصوص الصحيحة والتي ذكرتها لك .. بل وسيكون في ذلك اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم (وحاشاه) .. أنه أكل بالقرآن .. وهذه دعوى شيطانية باطلة بكل تأكيد .

- والله أعلم .

***********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .