بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة النفحات
في مفهوم الحديث النبوي
عن نسيان حفظ القرآن والتغني بالآيات
(مع التعريف بأهل القرآن وبعض من خسروا أجر عبادتهم عند الله)
* فهرس:
:: الفصل السادس عشر:: مسائل متفرقة عن قراءة القرآن ج5 ::
1- س81: كيف يتم التوافق بين جواز أخذ
الأجرة وحديث (مَن
قَرَأَ القُرآنَ فليَسأَلِ اللهَ به؛ فإنَّه سيَجيءُ قَومٌ يَقرَؤونَ القُرآنَ يَسأَلونَ
النَّاسَ به) ؟
2- س82: كيف يتم التوافق بين
جواز اخذ الأجرة وحديث (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ
وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ
الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ؟
3- س83: كيف يتم التوافق بين
جواز أخذ الأجرة وحديث (إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا ما كان لهُ خَالِصًا
وابْتُغِيَ بهِ وجْهُهُ)؟ (والدليل على أن أخذ الأجر ينقص من الثواب) - (والفرق بين الإخلاص - وابتغاء وجه الله) - (ما الحكمة من الإخلاص في العلم الديني ؟) .
*****************
..:: الفصل السادس عشر ::..
:: مسائل متفرقة عن قراءة القرآن ج5 ::
******************
(3- من أدلة المانعين
أخذ الأجرة – ومناقشتها)
..:: س81: كيف يتم
التوافق بين جواز أخذ الأجرة وحديث (مَن قَرَأَ القُرآنَ فليَسأَلِ اللهَ به؛ فإنَّه
سيَجيءُ قَومٌ يَقرَؤونَ القُرآنَ يَسأَلونَ النَّاسَ به) ؟ ::..
- استدل
المعترض على عدم جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن .. بما جاء في الحديث عن عمران بن الحصين قال: (مَرَّ برَجُلٍ وهو يَقرَأُ على
قَومٍ، فلمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فقال عِمرانُ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعونَ ..!! إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن قَرَأَ القُرآنَ فليَسأَلِ اللهَ به؛ فإنَّه سيَجيءُ قَومٌ
يَقرَؤونَ القُرآنَ يَسأَلونَ النَّاسَ به) رواه
أحمد والترمذي .. وقال الأرنؤوط: حسن لغيره .. وذكره الألباني في الصحيحة وصحيح
الترمذي .. وقد حسنه الألباني لشواهده وطرقه المتعدده ..
- وللجواب على
ما اعترض به لمعترض .. نقول:
- الحديث لا علاقة له بمسألة التعليم من أساسه .. فما وجه الإستدلال به ؟!! .. فإذا كان شيئا يستدل به
فهو على من يقرأ القرآن ويتسول به ليأخذ ما في أيدي الناس باستعطافهم بقراءة القرآن ..!! ولذلك قال الصحابي عن الذي يقرأ (فلمَّا
فَرَغَ سَأَلَ) .. فكان
يستعطف بقرائته الناس ويرجوهم من خلال قرائته ..!! ولذلك أنكر عليه الصحابي هذا
الفعل وأخبرنا بحديث النبي أن الذي يتم رجاءه وطلب الكرامة منه من وراء قراءة
القرآن إنما هو الله .. لا غيره .. !!
- ملحوظة
وتنبيه:
- هناك من يستدل بهذا الحديث ويقول أن الحديث يشير إلى
من يقرأ القرآن ليأكل به بصفة عامة .. قلت له أنت مخطيء وإلا كان رقية أبي سعيد الخدري وعم خارجة بن الصلت
كانوا يأكلون به حينما قرأوا سورة الفاتحة وأخذوا من ورائها أجر ..!!
- وإنما القراءة في الحديث السابق إنما هي لمن يقرأه متسولا به ويمد يده سائلا الناس أن
يعطوه بكرامة ما قرأه من القرآن .. وكأنه يقرأه ليجذب قلوب الناس حوله وأنه رجل
طيب وغلبان فيعطفون عليه ..!!
******************************
(4- من أدلة المانعين أخذ الأجرة – ومناقشتها)
..:: س82: كيف يتم
التوافق بين جواز أخذ الأجرة وحديث (مَنْ تَعَلَّمَ
عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا
لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ؟ ::..
-
جاء في رواية الحديث .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا
يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ
بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صحيح أبي داود.
-
قوله (عرضا من الدنيا): أي يريد بتعليمه من وراء تعلم
العلم الديني أي مكسب
دنيوي سواء نفسي (رياءا وسمعه) أو مادي (كمال أو منصب) .. وتنكير كلمة (عرضا) يتناول
جميع الأعراض قليلها وكثيرها من الجاه، والمال، والرفعة.
-
قوله (عرف الجنة): يَعْنِي رِيحَهَا.
-
وهذا الحديث لا دليل عليه في منع أخذ الأجرة على معلم القرآن .. وإنما دليلا
على أن المتعلم للعلم الديني يكون ذلك طلبا لرضا الله ..
-
فهذا شرح لنفسية من يتلقى العلم .. أي من يريد العلم .. هل يتعلمه رياءا
وسمعه ليقال عنه أنه عالم وشيخ ويريد منصب ديني ومال .. أم أنه يتعلمه ليكون وسيلة
له يتقرب بها إلى الله ويعلم الناس الخير .. كما جاء في الحديث (ورَجُلٌ
تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما
عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ،
قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ
لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ
في النَّارِ) صحيح مسلم .
-
ثم إن استخدم هذا العلم للكسب الدنيوي .. فهو داخل في الوعيد بلا ريب
.. لأنه إذا كان حاله وهو متعلم كان يريد الشهرة والسمعة والمنصب والمال .. ولم يتب واستمر على أن تكون
عزيمته هي طلب الشهرة والمال والمنصب فقط من وراء تعليم العلم .. فهو أيضا داخل في الوعيد
.. ويكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ
اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا ما كان لهُ خَالِصًا وابْتُغِيَ بهِ وجْهُهُ) صحيح النسائي.
*************************
(5- من أدلة المانعين أخذ الأجرة – ومناقشتها)
..:: س83: كيف يتم
التوافق بين جواز أخذ الأجرة وحديث (إِنَّ اللهَ
لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا ما كان لهُ خَالِصًا وابْتُغِيَ بهِ وجْهُهُ) ؟ ::..
- (والدليل على أن
أخذ الأجر ينقص من الثواب)-
- (والفرق بين الإخلاص - وابتغاء وجه الله) -
- (ما الغرض من الإخلاص في العلم الديني ؟) -
- قد يقال أين الإخلاص حين أخذ الاجرة على تعليم القرآن أو العلم الديني .. في حين أن المحرك
الرئيسي لفعل العبد هو أخذ المال وليس ابتغاء مرضاة الله .. بدليل أن المتعلم لو
طلب من هذا المعلم دون أن يعطيه أجر فلن يذهب إليه .. !! فثبت بذلك أن المحرك له
هو المال وليس ابتغاء وجه الله ..!! فكيف يصح أخذ الأجر حينئذ ؟!!
- قيل في الجواب عن ذلك ..
- أن المجاهد في سبيل الله حينما يجاهد فهو يعلم أن له نصيب في غنائم الحرب
.. ولكن هذا لم يقدح في إخلاصه ..!!
- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- هذا
الجواب السابق غير موفق ولا يصح القياس عليه .. لأن المجاهد إنما يجاهد وفي نواياه نصرة الدين وليس الغنيمة والشهرة .. لأن
لو كانت نواياه الغنيمة لكان طالبا غير الله .. فالقياس على المجاهد في سبيل الله
هو قياس باطل وفاسد ولا يصح ..!! لأن المعلم الذي يذهب نظير تعليمه للآخر إنما
المحرك له هو المال وليس الدين .. بخلاف المجاهد إنما المحرك له نصرة دين الله
وليس المال حتى وإن كان يعلم أنه سيكون له نصيب من غنيمة الحرب .. !! فالفارق كبير
جدا ..
- ولذلك
جاء في الحديث :
1- عن أبي موسى
الأشعري قال: (جَاءَ رَجُلٌ
إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ،
والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فمَن في
سَبيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا فَهو
في سَبيلِ اللَّهِ) صحيح البخاري.
- قوله (يقاتل للمغنم): أي مراده من
القتال ليس لرفع كلمة التوحيد وإنما هو أن يحصل على غنيمة الحرب فقط .
- قوله (يقاتل للذكر): أي ليقال
عنه أنه شجاع .. أي يقاتل ليكون له ذكر مسموع عنه في كل مكان .. أي أن قتاله طلبا
للسمعه.
- قوله (يقاتل ليرى مكانه): أي يقاتل
ليراه الناس كم هو مقاتلا شجعا .. أي يقاتل رياء ..
2- عن أبي هريرة قال:
(أنَّ رجلًا قالَ: يا رسولَ اللَّهِ،
رجلٌ يريدُ الجِهادَ في سبيلِ اللَّهِ، وَهوَ يبتَغي عرَضًا مِن عرَضِ الدُّنيا، فقالَ
رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: لا أجرَ لَهُ. فأعظمَ ذلِكَ النَّاسُ،
وقالوا للرَّجُلِ: عُدْ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فلعلَّكَ لم تفَهِّمهُ،
فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، رجلٌ يريدُ الجِهادَ في سبيلِ اللَّهِ، وَهوَ يبتَغي عرَضًا
من عرَضِ الدُّنيا، فقالَ: لا أجرَ لَهُ. فقالوا: للرَّجلِ عُدْ لرسولِ اللَّهِ صلَّى
اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ لَهُ: الثَّالثةَ. فقالَ لَهُ: لا أجرَ لَهُ) صحيح أبي داود.
- قوله (عرَضًا مِن عرَضِ الدُّنيا): أي مراده أن يكون له نصيب من غنيمة الحرب لينتفع به في دنياه ..
- قوله (عرَضًا مِن عرَضِ الدُّنيا): أي مراده أن يكون له نصيب من غنيمة الحرب لينتفع به في دنياه ..
3- عن أبي أمامة الباهلي قال: (أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ
اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ .. أرأيْتَ رجلًا غَزَا يَلْتَمِسُ
الأَجْرَ والذِّكْرَ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( لا شَيْءَ لهُ
) فَأَعادَها ثلاثَ مراتٍ .. يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( لا شَيْءَ
لهُ ) .. ثُمَّ قال : (إِنَّ
اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا ما كان لهُ خَالِصًا وابْتُغِيَ بهِ وجْهُهُ) صحيح النسائي.
- معنى (رجلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ والذِّكْرَ): أي خرج للجِهادِ
يَطلُبُ الأجرَ مِن اللهِ ويَجمَعُ معه الرَغبةً في المدحِ والثَّناءِ عند النَّاسِ .. ليقولوا عنه أنه مقاتل عظيم ..!!
- معنى (ابتغى وجه
الله): أي قصد بعمله أن يتوجه
به إلى الله طالبا محبة الله ورضاه والثواب منه .. ولا يريد غير ذلك .
- والمقصد
من الحديث السابق – والله أعلم -
هو أن القبول الكامل للعمل .. لا يتم إلا هكذا بإخلاص القلب من الرياء والسمعة مع
عقد العزم على طلب الأجر من الله .. ولكن من خالط نفسه شيئا من العطاء الدنيوي وهو
الغنيمة من الحرب وحصل له ذلك فعلا .. فهذا ينقص من كامل أجره بقدر ما تحصل عليه
إلا الثلث فهو يبقى له عند الله .. كما جاء في حديث مسلم التالي .. الذي يدل على
أن أخذ الأجر ينقص من الثواب الكامل .
- والدليل على أن أخذ الأجر ينقص من الثواب ..
-
هو ما جاء في الحديث عن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من غازية تغزو في سبيل الله
فيصيبون الغنيمة، إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث. وإن لم
يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) صحيح مسلم.
-
قوله (غازية تغزو): أي ما من جماعة غازية تغزو ..
أي تذهب للغزو ..
-
قوله (فيصيبون الغنيمة): أي ينتصرون فيكون لهم غنيمة
من هذا الغزو ..
- وبالعودة للنظر في الحديث الذي استدل به البعض في عدم جواز أخذ الأجر على
التعليم الديني وهو حديث: (إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا
ما كان لهُ خَالِصًا وابْتُغِيَ بهِ وجْهُهُ) صحيح النسائي ..
- فالجواب عليهم يكون بالتوجيه الآتي – والله أعلم - :
- نجد الحديث يتكلم عن شيئين (الإخلاص وابتغاء وجه الله) .. ولكن تم الخلط بينهما على أنه شيء واحد .. ومن هنا
حدث الخلط في الفهم .. :
1- الشيء الأول: الإخلاص في الفعل مع الله:
- الإخلاص هو عمل قلبي .. ومعناه هو خلو القلب من الرغبة في الرياء وطلب الشهرة من وراء هذا الفعل
.. وإلا تم إحباط العمل .. كما في حال التعليم الديني .. أن يكون مرادك هو إرادتك
في توصيل وتفهيم العلم الديني للشخص الآخر كما طلب الله منك دون شهوة نفسية في
فعلك بالرياء والسمعة وحب الظهور والعجب وما شابه ذلك .. مثل أن يكون مرادك هو أن
يقال عنك أحسن معلم وأحسن شيخ وأفضل نابغة .. وما شابه ذلك ..
- والحكمة من الإخلاص في العلم الديني .. هو تعظيم
الله في نفوس الناس .. وليس تعظيم نفسك أمام الناس ..!! ولذلك منع النبي أن تجد لنفسك شهوة نفسية بتعظيم نفسك
أمام الله .. لأن العمل أصبح حينئذ لنفسك وليس لله .. فكنت كالمشرك لله لأنك
ابتغيت تعظيم نفسك .. فانتبه لما ذكرته لك ..
- وانتبه لهذا الكلام النبوي النفيس .. حيث يقول صلى الله عليه وسلم : (إنَّ
أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ،
فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ
فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ،
فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ ..
ورَجُلٌ
تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ،
فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ
العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ
العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ،
ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، .. ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه،
وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها،
قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها
إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ،
فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ) صحيح مسلم
.
- قوله (فَعَرَّفَهُ
نِعَمَهُ فَعَرَفَها): أي كشف الله
له عن نعمته التي أفاض بها عليه في دنيته وهو نعمة نعلم العلم وقراءة القرآن ..
فلما كشفها الله له فهذا العبد حينئذ يتذكر هذه النعمة
ويعرفها .
- ملحوظة هامة عليك أن تنتبه لها
حتى لا تختلط عليك الأمور:
- لك الحق أن تستبشر خير لو وجدت الآخر يمدحك على عمل أنت
تفعله وليس في بالك أن يمدحك الناس عليه وكنت ترغب في حدوث خير منه للناس .. فهذا
لا علاقة له بإخلاصك .. حيث قد جاء في الحديث عن أبي ذرّ الغفاري : (قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ
الرَّجُلَ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عليه؟ قالَ: تِلكَ
عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ ... وفي روايةٍ : "وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عليه")
صحيح مسلم.
-
يبقى الإخلاص في الفعل مع الله هو الذي يكون فيه القلب في حالة صدق
توجه إلى الله دون الحصول على عائد نفسي في باطنك يرضيك من كلام الناس .. لنك
المفروض أن تعمل العمل وتنتظر أن تسمع كلام يرضيك من الله في الآخرة ..
2- الشيء الثاني الذي تكلم عنه الحديث هو .. ابتغاء وجه
الله:
- وابتغاء وجه الله .. هو أنك تريد من وراء هذا العمل الأجر والثواب ظاهرا
بالجنة والبعد من النار .. وباطنا بالرحمة والود والرضا والكرامة من الله ..
-
ولكن إن ابتغيت شيئا من عطاء الدنيا أثناء عملك مع الله فاعلم أن هذا سينقص من
أجرك .. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة، إلا تعجلوا
ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث. وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) صحيح مسلم.
- وخلاصة القول
فيما سبق:
1-
انظر في قلبك إلى إخلاص عملك مع الله .. فهل تجد في فعلك شهوة نفسية
تحرك فعلك ليقال عنك مديحا من الآخر لك على فعلك هذا بما يجعل في نفسك زهو نفسي
وعجب ؟ فإن وجدت في نفسك شيئا من هذا .. فاعلم أن فيه شهوة مذمومة تحبط فيك صفة
الإخلاص وعليك أن تعالجها وإلا أحبط الله عملك كما جاء في الحديث (ورَجُلٌ
تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما
عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ،
قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ
لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ
في النَّارِ) صحيح مسلم .
2-
أخذ الاجر على تعليم القرآن أو العلم الديني .. لا يفقدك الإخلاص إذا كنت مخلصا
في تعليمك .. ولكن هذا ينقص من أجرك بقدر ما أخذت من الأجر .. ولكن مقدار ما يؤخذ
منك ويترك لك لا يعلم مقداره إلا الله .. إلا في الجهاد فيؤخذ منك الثلثين جزاء ما
أخذته من الغنيمة .. وإذا لم تأخذ من الغنيمة شيئا .. فقد أخذت الأجر كاملا من
الله ..
3- هناك بعض المعلمين من يعلمون
مجانا .. ولكنهم فقط يطلبون أجر المواصلات وقد يطلب مكان للسكن لو
كان سيعلم في بلد آخر غير بلدته .. فهذا لا يعتبر أجر على التعليم .. لأنه في
الحقيقة لم يأخذ أجر على التعليم أي على وقته الذي خصصه لتعليم العلم .. بل تحمل
مشقة الإنتقال وتقديم العلم بدون مقابل .. وإنما أجر المواصلات والمسكن إنما هو
معونة انتقال له لعجزه عن القيام بها نظرا لكثرة أعباء تكاليف هذه الأمور ..
-
والله أعلم في كل ما سبق.
***********************
يتبع إن شاء الله تعالى
*****************
والله أعلم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .
السلام على أمة المصطفى محمد صلى آلله عليه وسلم أحببت ات اهناكم من هذا المنبر الكريم بعيدالاضحى المبارك ووقفة عرفات اعادهم الله عليكم بالخير واليمن والبركات اخوكم محمد
ردحذفتحية شكرو تقدير خاص باستاذى الاستاذ خالدابوعوف واستاذتى الأخت هاله نبيل حفظهم الله واعزهم
ردحذفشكر الله لك أخي محمد المنسي ..
حذفوكل عام و أنت و جميع المسلمين في كل مكان بخير و أمن وسلام .. آمين يارب العالمين
تحياتي لك
******************
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي و على آله و سلم
جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل
ردحذفزادنا الله جميعا علما وفهما وحكمة ومعرفة
امين يارب العالمين
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفجزاك الله خيرا استاذ على هذا الفصح في الشرح والعاقبه للمتقين
ردحذفاللهم نسالك الرحمه والغفران والثبات الثبات حتى نلقاك كما تحب وتضى ياارحمن ياحنان يامنان ياذا الجلال والاكرام
اللهم صل على سيدنا محمد وال محمد
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا
🌸💐
جازاكم الله خيرا سيدي الكريم
ردحذفالسلام عليكم ..
ردحذفاخ خالد اود الاتصال بيك صوتيا ...فهل لى ذلك؟
خالد عليم
استاذي خالد صادقت الله فصدقك القول والعمل ونسأل الله عز وجل ان يزيدك من الإيمان والإخلاص
ردحذفودئما أنت تعطينا ضوء النور والإرشاد وتعلمنا زادك الله من علمه وجزاك الله كل الخير
ردحذف