ج5: إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية - بعض الإشارات واللطائف الإيمانية والشرعية في قصة جريج الراهب - ما الإشارة في قصة جريج بين (المومس والراهب) - ما هي بعض اللطائف الإيمانية في قصة جريج - ما اللطيفة الشرعية التي نفهمها من فعل جريج الراهب (فتوضأ فصلى).

  بسم الله الرحمن الرحيم

(إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية)

(2)

(قصة الثلاثة الذين تكلموا في المهد)

(عن قدرة الله – كرامات الأولياء – إظهار الحق)
(الجزء الخامس للقصة)

* فهرس:

 :: الفصل الخامس :: بعض الإشارات واللطائف الإيمانية والشرعية في قصة جريج الراهب ::

1- س29: ما الإشارة في قصة جريج بين (المومس والراهب)؟

2- س30: ما هي بعض اللطائف الإيمانية في قصة جريج ؟

3- لا تستخف بكيد النساء .. فإن كيدهن لا تصل إليهم عقول أعظم الرجال دهاء ؟ قصة لطيفة لتفهم شيئا من كيد النساء .

4- س31: ما اللطيفة الشرعية التي نفهمها من فعل جريج الراهب (فتوضأ فصلى) ؟

5- س32: هل صح الحديث أن جريج كان جاهلا بدينه ؟

  ****************************

:: الفصل الخامس ::

:: بعض الإشارات واللطائف الإيمانية والشرعية في قصة جريج الراهب ::

*********************

..:: س29: ما الإشارة في قصة جريج بين (المومس والراهب) ؟ ::..

 

- قد تتأمل قصة جريج .. وتنتبه إلى وجود وصفين في القصة مهمين جدا .. وصف (راهب) .. ووصف (مومس) .. وكأن وصف الراهب إشارة إلى الولاء لله .. ووصف المومس إشارة لابتلاء الله ..

 

- فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لك من خلال هذه القصة ..  أن البلاء من الله يدفعه الولاء لله .. أي التعلق بالله بدوام التوبة إليه والتوكل عليه والإخلاص له واليقين فيه والرضا بما قسمه لك فيما جرى به القدر عليك .. مع حسن ظنك فيه أنه بك رحيم وليس ظالم لك فيما يجريه عليك من أحكام .

 

- ودائما الشدائد ليس لها من دون الله كاشفة .. فتعلق بالله في كل أحوالك ..

 

- والله أعلم.

 

*************************

 

..:: س30: ما هي بعض اللطائف الإيمانية في قصة جريج ؟ ::..

 

1- لا تتجاهل من لهم عليك حقوق في المحبة .. فلعل هذا يسبب لك نزول البلاء عليك لجفاءك لهم ..

- كما دعت أم جريج عليه وكأنها في دعائها تقصد أن تقول: اللهم كما امتنع أن ينزل ليرى أمه التي تحبه .. فأنزله من صومعته قهرا ليرى ما تكرهه نفسه .. حتى يعلم أن من كمال الأدب مع الله هو الوفاء بحق من لهم حق عليه عند الله ..

 

2- مَن كان مع الله كان الله معه .. فمن كان مع الله بالرعاية .. كان الله معه بالعناية ..

- كما كان جريج يراعي حق الله بصدق الرعاية في عبادته .. كانت له من الله حق العناية في محنته .

 

3- دعاء الأم في حال الغضب قد يكون مجاب لو معها حق .. والمؤمن الصادق أيضا مجاب الدعاء لو معه حق .. فإذا كان جريج قد أخطأ .. إلا أن خطأه لم يمنعه من دوام الوصل بالله يقينا في فضله .

 

4- وفي هذا الحديث إرشاد إلى أن الله يجري على يدي بعض عباده من خوارق العادات كرامة لهم وإظهارا لمكانتهم .. ووسيلة ذلك أن يلقي في قلوب بعض عباده المخلصين بما ينجيهم به من فتنة البلاء .. (وجريج ليس بنبي ولا رسول) ..!!

 

5- ليس معنى أنك قريب من الله حتى ولو كنت من الأصفياء .. أن هذا يمنع عنك البلاء والابتلاء ..!!

 

6- إذا ضاقت عليك الأرض وانقطعت عنك الأسباب ولم يعد لك مخرج  .. فقل : (أعوذ بك منك) .. وأنت أرحم الراحمين .. ولا ملجا ولا منجا منك إلا إليك .. ولا حول ولا قوة لي إلا بك .. (ماض فيَّ حكمك وعدل فيَّ قضاؤك) .. ولك العتبى حتى ترضى .. (لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين) .. فأخرجني مما فيه يا أرحم الراحمين ..

 

7- ليس معنى أن يُستجاب فيك الدعاء .. هو أن تكون أنت محجوب الدعاء .. لأن دعاء الأم كان قدر .. ودعاء ابنها جريج كان قدر آخر .. فهذا لم يمنع ذاك .. ولله في خلقه شئون .. فانتبه.

 

8- مهما كان الكيد محكم والمكر شديد .. فإن الله ليس بغافلا عنه بل وقادرا عليه  .. لأنه قيوم .. وهو خير الماكرين ومكر أولئك هو يبور .

 

9- لا تستخف بكيد النساء .. فإن كيدهن لا تصل إليهم عقول أعظم الرجال دهاء ..!!

 

- قصة لطيفة: أن امرأة عجوز تقف على حافة بئر مساوي للأرض وبجوارها جردل به ماء من هذا البئر .. ومر بها شاب وسألها سؤال .. ما هو كيد المرأة ؟

- فرفعت العجوز جردل الماء وصبته على نفسها فبللت ملابسها بالكامل ..!! وأخذت تصرخ بصوت عالي .. فسمعها أبنائها وكانوا ثلاثة رجال شداد .. فحينما جاؤوا ظنوا أن الشاب حاول اغراقها وإلقائها في البئر .. فقالت لهم الأم: كنت سأغرق في البئر ولكن هذا الشاب هو من أنقذني واخرجني منه ..!!

- فتأسف له الأبناء .. وشكروا له فعله ..

- ثم انفردت الأم بالشاب على جنب وقالت له هل فهمت ما هو كيد النساء يا ولد ؟

- فقال لها: لا ..

- فقالت له: أنها هي من تدخلك فيه .. وهي فقط من تستطيع إخراجك منه .!!

 

***************************

 

..:: س31: ما اللطيفة الشرعية التي نفهمها من فعل جريج الراهب (فتوضأ فصلى) ؟ ::..

 

- جاء في الحديث عن فعل جريج الراهب: (فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى .. ثُمَّ أَتَى الغُلَامَ، فَقالَ: مَن أَبُوكَ يا غُلَامُ؟ قالَ : الرَّاعِي) صحيح البخاري.
 
- قال بعض العلماء أن الوضوء هو من خصائص أمة النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن كثير من العلماء رد كلامهم بفعل جريج الراهب حينما توضأ وهو من بني إسرائيل .. وأن هذه الأمة ليست مخصوصة بالوضوء من سائر الأمم .. ووضح أن الذى خصت به هذه الأمة من بين سائر الأمم إنما هو أنهم يأتون غرا محجلين يوم القيامة ليمتازوا بذلك من بين سائر الأمم.
 
- جاء في الحديث عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: (أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ") صحيح مسلم .
 
- قوله (المنكب): بفتح الميم وكسر الكاف بينهما نون ساكنة .. هو مجتمع رأس الكتف والعضد، وأسفله الإبط.. والمقصد أنه كان يطيل غسل الذراع حتى يشمل الغسل للعضد ويكاد أن يصل بالغسل إلى المنكب وهو مفصل الذراع عند الكتف .. يعني يغسل الذراع كله قدر استطاعته ..
 
- وفي رواية أخرى عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ قَالَ: (رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ "، ثُمَّ قَالَ: " هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْباغِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ") صحيح مسلم.
 
- قوله (العضد): هو ما بين المرفق إلى الكتف.. وهو الجزء الذي ما بين كوع الذراع الأوسط إلى أعلى الذراع ..
 
- في شرح الحديث السابق .. قال الدكتور موسى لاشين رحمه الله (المتوفى:1430 هـ) :
- (أنتم الغر المحجلون) قال أهل اللغة: الغرة البياض في جبهة الفرس .. والتحجيل بياض في يديها ورجليها .. والغر بتشديد الراء جمع أغر .. أي ذو غرة.
 
- قال الحافظ ابن حجر: وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.
 
- وقال العيني: في الكلام تشبيه بليغ، حيث شبه النور الذي يكون على موضع الوضوء يوم القيامة بغرة الفرس وتحجيله، ويجوز أن يكون كناية بأن يكون كنى بالغرة على نور الوجه. اهـ.
 
- وظاهر الحديث أن النور ينبعث من أماكن الوضوء .. لكن قال الأبي: إن الغرة والتحجيل كناية عن إنارة كل الذات، لا أنه مقصور على أعضاء الوضوء. اهـ. ويبعد هذا القول الترغيب في إطالة الغرة والتحجيل ليزداد النور، ولو كان كما يقول الأبي لما كان للإطالة فائدة.!!
 
- (فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) مفعول "استطاع" محذوف أي من استطاع إطالة غرته وتحجيله فليطل ..
 
- وإطالة التحجيل: أي إطالة سبب التحجيل، بإطالة الغسل واضحة بالشروع في العضد والساق، إذ لهما طول ظاهر ..
 
- أما الغرة: فيمكن أن يراد من الإطالة التوسع بزيادة الغسل طولا بالشروع في منابت الشعر وصفحة العنق وعرضا بشحمة الأذنين.
 
- ولما كان الكل -غالبا- يستطيع ذلك كان الهدف من التعبير الحث على الإطالة، أي فأطيلوا الغرة والتحجيل، وليس المقصود التعليق على الاستطاعة.
فتح المنعم في شرح مسلم ج2 ص146
 

***************************

 

..:: س32: هل صح الحديث أن جريج كان جاهلا بدينه ؟ ::..

 
- جاء في الحديث .. عند الحسن بن سفيان من حديث يزيد بن حوشب عن أبيه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لو كان جريج فقيهًا لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد والترمذي في نوادر الأصول .. وفي سنده يزيد بن حوشب وهو مجهول .. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة هو : حديث ضعيف .
 
- والحديث لا يصح كما أوضحت لك .. وكيف يكون جريج جاهلا وهو رجلا موصول بالله .. ولم تمنعه الشدة في أن يصلي لله ويدعوه ..!! فهل مثل هذا الرجل يكون جاهلا بالله ؟!!
 
- إنما كان سبب خطأ جريج هو أنه اعتمد على استخارة الله في قلبه ماذا يفعل ؟ هل يقطع الصلاة أم يجيب أمه .. فوجد راحته في أن يكمل صلاته .. !!
 
- والذي أراه هنا .. أن جريج الراهب فعل خلاف الأولى .. أي فعل ما هو بخلاف ما كان عليه أن يفعله من باب أولى وهو أن يرد على أمه ويرى مطلبها ..
 
- ولعله قرر الإستمرار في الصلاة أفضل وذلك لأنه يقف بين يدي الله .. فاستحى أن يترك حضرة الله أدبا مع الله .. ولعل هذا كان هو الأولى في شريعته .. والله أعلم .

 
- وفي شريعتنا .. فمساعدة الإنسان مقدمة على العبادة في حالة تحقق نزول الضرر بالآخر إذا لم تقوم بتنبيهه أو مساعدته .. فلو كنت تصلي وشاهدت ثعبان يريد أن يؤذي شخص وهو لا ينتبه .. فيجب أن تقطع صلاتك لتغيث هذا الشخص .. أو وجدت شخص أصابته سيارة وينزف .. هنا تجب عليك قطع صلاتك لمساعدته .. أما لو كان الموضوع لغير أهمية فلا يصح قطع الصلاة كأن يقول لك أحد تعال اتفرج على المسلسل أو المبارة أو ما شابه ذلك ..

 *******************************
:: الفصل الخامس ::
(3)
:: قصة الطفل البصير بالحق ::
*********************************

..:: س33: ما هي قصة الطفل البصير بالحق ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .