ج12: رسالة الإحسان مفاهيم وخواطر قلبية لمعلتي فلبية وروحية - مصطلح ( الفناء ) - ما هو حال الفناء - ما هو توصيف حال الفناء وقت بداية حدوثه - ما هي كيفية تحقيق قراءة عثمان بن عفان للقرآن كاملا في ركعة واحدة - هل عدم حدوث حالة الفناء يدل على وجود مشكلة في قلب المؤمن - هل يصح حال الفناء بغير اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية

 (الجزء الثاني عشر)

* فهرس:

:: مصطلح ( الفناء ) ::

1- س1: ما هو حال الفناء ؟

2- س2: ما هو توصيف حال الفناء وقت بداية حدوثه ؟

3- س3: ما هي كيفية تحقيق قراءة عثمان بن عفان للقرآن كاملا في ركعة واحدة ؟

4- س4: هل عدم حدوث حالة الفناء يدل على وجود مشكلة في قلب المؤمن ؟

5- س5: هل يصح حال الفناء بغير اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ؟

***********************

ثانيا: من أحوال جذبة الذكر – حال الفناء

:: مصطلح ( الفناء ) ::

*******************

..:: س1: ما هو حال الفناء ؟ ::..

 

- أخي الحبيب ..

1- الفناء .. هو أن يغيب قلبك بصدق توجه إلى الله .. نتيجة غلبة الذكر على القلب .. أو نتيجة غلبة انشغال القلب بالله تفكرا في جماله وجلاله أو الدعاء إلي مخلصا في صدق التوجه إليه ..

- فتغلب روحيتك على ماديتك فيحدث لك جذبة قلبية شديدة تشعر بها وكأنك جالس بين يدي الله ليؤنسك به وأنت تناجيه .

 

2- وحال الفناء يحدث كثمرة الخشوع مع الله .. أو كثمرة لانشغال القلب بالله ..

 

* فتستطيع القول أن :

- الفناء هو ثمرة خشوع القلب بين يدي الله ..

- لأن الفناء بدايته هي حضور القلب بين يدي مولاه غير ملتفتا لغيره .. وهذه البداية هي الخشوع ..

 

3- وبعبارة أبسط تستطيع ان تقول أن الفناء:

- هو ثمرة انشغال القلب بالله حتى لا يعد الإنسان يدرك ما حوله من الموجودات .. أي يغيب عنها بالله ..!!

 

- ولذلك جاء في الحديث:

1- جاء في الحديث القدسي .. عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقا، يا ابن آدم! لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا) رواه الحاكم وقال: " صحيح الإسناد "..، ووافقه الذهبي ..، ووافقهما الشيخ الألباني في الصحيحة ج3 ص347.

 

- قوله (تفرغ لعبادتي): أي متبعا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .. وليس بمزاجك أنت ..!!

- قوله (املأ قلبك غنى): أي أكفي قلبك بذكري فلا تلتفت لغيري.

- قوله (أملأ يديك رزقا): أي لا تحتاج لأحد لأني متفضلا عليك من أبواب فضلي .

 

2- وفي الحديث النبوي .. عَن حَنظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ - وَكَانَ مِن كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَقِيَنِي أَبُو بَكرٍ فَقَالَ: كَيفَ أَنتَ يَا حَنظَلَةُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنظَلَةُ، قَالَ: سُبحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأي عَينٍ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَافَسنَا الأَزوَاجَ، وَالأَولَادَ، وَالضَّيعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلقَى مِثلَ هَذَا، فَانطَلَقتُ أَنَا وَأَبُو بَكرٍ حَتَّى دَخَلنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِندَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ؛ كَأَنَّا رَأيُ عَينٍ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِكَ عَافَسنَا الأَزوَاجَ، وَالأَولَادَ، وَالضَّيعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِندِي، وَفِي الذِّكرِ، لَصَافَحَتكُم المَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وَفِي طُرُقِكُم، وَلَكِن يَا حَنظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) صحيح مسلم.

 

- وفي رواية أخرى بلفظ: (كنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قالَ: ثُمَّ جِئْتُ إلى البَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ المَرْأَةَ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذلكَ له، فَقالَ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما تَذْكُرُ فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بالحَديثِ، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما فَعَلَ، فَقالَ: يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ولو كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كما تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ، حتَّى تُسَلِّمَ علَيْكُم في الطُّرُقِ. وفي رواية : كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَذَكَّرَنَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ) صحيح مسلم.

 

- معنى (نافق حنظلة): أي أنه يتهم نفسه بسبب أنه يتغير حاله حينما يترك النبي وينشغل بأمور الدنيا .. حيث كان انشغاله بأمور المعيشة وملاعبة الأولاد وقضاء حوائج الأسرة .. ينسيه الحال التي كان فيها عند النبي .. فظن أن هذا يكون نوع من النفاق ..!!

 

- معنى (كَأَنَّا رَأي عَينٍ) : أي كأننا نرى الجنة والنار بالعين .. وهذا دليل على كشف القلوب لاستحضار هذه الحالة .. مما يدل على استقامة الخوف والرجاء في قلوبهم ..

 

- معنى (عافسنا): انشغلنا بأمور الأسرة ، والضيعات التي هي السعي للعمل لكسب المال ..

 

- معنى (نسينا كثيرا): أي ننسى كثيرا مما كنا ننتبه له ونحن جالسون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .. بسبب الأمور الدنيوية.

 

 - معنى (لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي): أي لو داومتم على الإنشغال بالله .. مستحضرون جماله وجلاله في قلوبكم .. فسيترتب على ذلك مصافحة الملائكة لكم .. وهذه المصافحة نوع من التواصل بين الإنسان المؤمن والملائكة ..

 

- معنى (ساعة وساعة): أي اجعل وقت لأمور دنياك لأن فيها حقوق عليك .. واجعل وقت لربك بالعبادة كالذكر والتفكر والمناجاة وغيره ..

 

- معنى (ثلاث مرات) : أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد مقولة (ساعة وساعة) ثلاث مرات .. وذلك حتى لا تضيع حقوق من هم في مسؤليتك .. وهذه طاعة أخرى مع الله .. فلا يزال الوصل بالله موجود ولكن بطريقة أخرى .

 

3- من طريق عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِى عَنْ مَسْألَتِى أَعْطَيْتُهُ أفْضَلَ مَا أُعْطِى السَّائِلِينَ) رواه البزار والدارقطني والطبراني في الدعاء والبخاري في خلق أفعال العباد وبن شاهين في  الترغيب في الذكر وأَبو نعيم في المعرفة .. بإسناد لا بأس به .. لوجود الراوي (صفوان بن أبي الصهباء) .. وقد اختلف عليه ما بين توثيق وتضعيف .. ولكن للحديث شواهد تقويه بما لا ريب فيه .. بحديث مرسل قد أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بسند صحيح عن عمرو بن مرة رفعه: (من شغله ذكري عن مسألتي ؛ أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) .. وكذلك روي عن مالك بن الحارث صحيحا موقوفا بنفس اللفظ عند بن أبي شيبه والبيهقي في الشعب .. والحديث له طرق أخرى ضعيف ولكن أكتفيت لك بما ذكرت .. والحديث حسن لشواهده بلا ريب .. ولذلك قد حسنه الترمذي وبن حجر في أماليه .. قد احتج به بن تيميه في الفتاوي .. واحتج به بن القيم في الوابل الصيب .. وضعفه الألباني في الضعيفه .

 

* وخلاصة ما سبق :

- هو أن من خشع قلبه وانشغل بالله .. أكرمه الله من عطايا فضله .. ومنها أن تحدث له جذبه حضور بين يدي الله .. فيشعر فيها المؤمن وكأنه في معية الله .. وكأن يتذوق الحديث القدسي الذي جاء فيه (أنا معهُ إذا ذَكَرَنِي) صحيح البخاري.

 

- وبلسان التذوق كأن الله يقول لك: من ذكرني في نفسه بالتعظيم .. ذكرته في نفسي بخصوصية التكريم ..

- فيشعر العبد من وراء هذه المعية بعناية الله ولطفه ومحبته في نفسه .. فيأنس بمجالسة مولاه .. حتى يجد نفسه يعود شيئا فشيئا لعالم الإحساس بالموجودات .. فيعلم أنه قد عاد لعالم المادة ليكمل حياته الكسبيه ..

 

**************************

 

..:: س2: ما هو توصيف حال الفناء وقت بداية حدوثه ؟ ::..

 

1- مع كثرة الذكر وحضور القلب أي انشغاله بالله وخشوعه له جل جلاله .. قد يحدث لك جذبة لطيفه

وتشعر وكأنك انفصلت عن الإحساس بمكانك الذي أنت جالس فيه أي انفصلت عن الأغيار (الموجودات) .. وانتقلت لعالم آخر في فضاء فسيح لا حدود له ولا أشكال فيه .. كأنك تقف في عتمة في الفضاء الفسيح .. وتعلم يقينا أنك قريبا من الله .. فتناجيه وتدعو أو تظل على ذكر الذي أنت كنت تقوله .. وأنت تشعر بسلام عجيب في داخلك .. وكأنه جذبك إليه بمعية خاصة وعناية خاصة ليؤانسك بالجلوس بين يديه .. (وإن كنت لا ترى شيئا) .. ولكن القلب يدرك ذلك ويفهمه جيدا ..

 

- وهذه اللحظات لا مجال للوسواس فيها بأي حال من الأحوال .. لا يوجد سوى أنت ومولاك ..!!

 

- وبالرغم من أنك قد تشعر أنك جلست طويلا .. ولكن في الحقيقة حينما تعود لواقعيتك وماديتك .. قد تجد ان الأمر لم يستغرق سوى دقيقة أو بعض دقائق ..!!

 

- ولا تتعجب لأن الزمن عند الله .. يختلف عن زمنك أنت الذي يحكمك ..

 

2- وأبسط دليل على ذلك .. عالم الأحلام الذي تنتقل فيه وتسافر لبلاد بعيده .. بل وتقابل فيه عالم الأرواح .. وأنت تكون نمت بعض دقائق .. فكيف حدث ذلك ؟ لا إجابة عليه بقوانين المادة ..!! لأن القوانين الروحية تختلف عن القوانين المادية تماما ..

- حيث أن النائم يدرك من الأمور في المنام ما لا يمكن تحقيقة بقوانين عالم المادة ..!! فقد يسافر لبلاد بعيدة وقد يطير في السماء أو يغوص في البحر .. وفي الحقيقة هو كان نائم على سريره مدة دقائق أو ساعة أو ساعات ..!! ولكن ما رآه في منامه لا يمكن تحقيقة في عالم المادة إلا في أيام بل وقد لا يحدث مطلقا لاستحالته كطيرانه في السماء كالطير بلا أدوات أو بقاءه في البحر يتنفس كالسمك بلا أدوات ..!!

 

- بل وقد يكون للقوانين الروحية سلطة قهر في عالم المادة .. كما حدث في الإتيان بعرش ملكة سبأ في لحظة ..!! ولله في خلقه شئون ..!!

 

3- وأحيانا في حالات الفناء .. يكشف لك مولاك عن عوالم الملكوت لانشغالك الكامل بالله .. ويريك كيف يتجلى بأسماءه في الوجود ليجعلك تتحقق بها وينقلك من مرحلة علم اليقين إلى حق اليقين .. من باب أن يعرفك عليه بما لم يكن يحيط به فهمك ولم يبلغه علمك .. كرامة منه وفضلا عليك كجزاء على طهارة قلبك في المعاملة معه جل جلاله ..

- أو قد يدهشك الله فجاة بأن يجعلك تتذوق من جماله وجلاله ما لم تكن تتصوره ..!!  

 

4- من القصص التي تفهم منها حدوث فناء .. هي قصة الصحابي عثمان بن عفان وسعيد بن جبير وغيرهم في حال قرائتهم للقرآن في ركعة واحدة .. بل وجاء عن بعض الصالحين ختمته للقرآن مرة صباحا ومرة مساءا .. وجاء عن البعض ختمته للقرآن في كل صلاة .. وكل هذا ليس بمستغرب في حالة الفناء ..!! فافهم وانتبه لما قلته لك جيدا عساك لا تجده في مكان آخر مكتوب ..!! لأنه يحل لك مشكلات كثيرة جدا مع "جماعة الملحدين" و"جماعة القرآنيين مكذبي الحديث النبوي الصحيح" .. وغيرهم من المعترضين على كرامة الله وفضله .. ويثبتك على إيمانك بيقين .

 

5- أما الذي يحسب ختمة القرآن بالورقة والقلم .. فهذا قد فاته من العلم الكثير .. وعليه سؤال أهل الذكر لما كانوا لا يعلمون ..!!

 

- ولا أدري ما الذي يقوله هؤلاء .. حينما يقول لك أنه ممكن قراءة القرآن بسرعة في ستة ساعات .. ويظل يحسبها بالورقة والقلم .. !! حتى قال بعض المعترضين ؟ هل أنتم تعقلون ما تكتبون ؟!! فلو كان ما قلتموه صحيحا فكيف وقف عثمان ستة ساعات متواصلة على قدمه ؟ وكيف يكون عثمان ختم القرآن في ركعة وهو بذلك قد أثبت على نفسه قلة الفهم والإدراك بدليل الحديث (لم يَفقَهْ من قرأ القرآنَ في أقَلَّ من ثلاثٍ) صحيح الترمذي .. ؟!! بل وكيف يظهر إيمان أو حلاوة من وراء هذه القرآءة التي الغرض منها مجرد الغنتهاء من قراءة نصوص ..؟!!

 

- ولا يخفى عليك أخي الحبيب ..

- أن الكلام السابق مردود على قائله .. لأننا نتكلم عن حالة فناء وليس عن حالة بقاء (مادة) .. وفي حالة الفناء كما يختلف حال الزمن فالإدراك العقلي والقلبي يختلف كذلك للمؤمن .. فإذا كان الإدراك والفهم يختلف من شخص لآخر في عالم المادة .. مثل من يحل مسألة حسابية في دقيقة ومن يحلها في ساعة ..!! فما بالك بمن له حال مع الله وقلب طاهر .. فهل تظن أن مقاييس إدراكه وفهمه وهو بين يدي الله في معيته .. مثل إدراك وفهوم أهل المادة .. أفلا تعقلون ؟!!

 

- طيب تعالوا كده نبحث قصة عثمان بن عفان بأسلوب شرعي مبسط .. حتى تستقيم الامور في نفسك وعقلك .. إن شاء الله تعالى ..

 

*****************************

 

..:: س3: ما هي كيفية تحقيق قراءة عثمان بن عفان للقرآن كاملا في ركعة واحدة ؟ ::..

 

(حال سيدنا عثمان بن عفان مع قراءة القرآن في ركعة واحدة)

 

- جاء في الأثر الصحيح: أن عثمان بن عفان أوتر بالقرآن كله في ركعة واحدة في قيام الليل .. وهذا جاء في السنن الكبرى للبيهقي ومصنف عبد الرازق ومسند الشافعي وتاريخ الإسلام للذهبي وتاريخ دمشق لابن عساكر .. ومن هذه الروايات عن محمد ابن سيرين قال (أن عثمان كان يقرأ القرآن في ليلة في ركعة) رواه بن عساكر في تاريخ دمشق .. والأثر له طرق عديدة وقد صححه بن كثير في التفسير وبن حجر في نتائج الأفكار .. وصححه الذهبي في تاريخ الإسلام .. ومن المتأخرين الشيخ الألباني ..

 

- بل وثبت القراءة في ركعة واحدة كذلك عن تميم الداري الصحابي وسعيد بن جبير التابعي ..

 

- ولكن كيف يحدث ذلك ؟

 

- أولا: جاء عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْنَا بِالسِّوَاكِ .. فَقَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَتَاهُ الْمَلَكُ فَقَامَ خَلْفَهُ، فَيَسْمَعُ الْقُرْآنَ وَيَدْنُو فَلَا يَزَالُ يَسْتَمِعُ وَيَدْنُو حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَلَا يَقْرَأُ آيَةً إِلَّا كَانَتْ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ) رواه البيهقي في شعب الإيمان والسنن الكبرى .. وذكره الألباني في الصحيحة .. وصححه لشواهده .

 

- وفي رواية عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَسْتَكْ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَرَأَ فِي صَلَاةٍ وَضَعَ مَلَكٌ فَاهُ عَلَى فِيهِ) رواه البيهقي في شعب الإيمان .

- معنى (يدنو): أي يقترب منه .

- معنى (فاه): أي فمه .

- (الملك): قال العلماء قد يكون ملك الحسنات وقد يكون ملك مخصوص بمن يقرأ القرآن .. الله أعلم .

 

- لو كان حرف (على) بمفهوم الإستعلاء الحقيقي .. فيكون استعلاء نوراني أو ملائكي له طابع روحاني أو نوراني (وهذا حال غيبي يصفه النبي) .. ويكون هذا الإستعلاء بمعنى أن الملك كلما استمع، كلما اقترب، حتى يصبح وكأن الملك قد غلب على جسمانية قاريء القرآن وغشيه بنورانيته .. وفي هذه اللحظة يحدث له وصل روحاني مع المَلك .. فيستمد المَلك منك القرآن ويمدك الملك ببعض خصائصة الملائكة .. وبالتالي لا تتعجب في هذه اللحظة أن تجد نفسك نتيجة هذا الوصل الملائكي أن تنتقل روحانيا إلى لا زمان حيث الأحوال العوالم الملائكية .. وتدرك من أنوار القرآن المنطوق في هذه اللحظات ما لم تكن تستطيع أن تتصوره ولا تتخيله ولا تستطيع وصفه .. حتى إذا انتهيت من قراءة القرآن فينفصل عن الملك وتعود لماديتك .. وحينئذ تدرك كيف كان عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره كانوا يختمون القرآن في ركعه .. بمدد من الله ملائكي .. والله أعلم .

راجع رسالة النفحات سؤال رقم 78-79 للتعرف على شرح الحديث السابق تفصيليا .. لو أردت ذلك ..

 

- ثانيا: سبق وشرحنا أن حالة الفناء هذه قد تحدث بسبب ديمومية مجاهدة النفس وكثرة الذكر وكثرة العمل مع الله خاصة في منفعة الناس .. فيظهر عليك حال عجيب جدا .. وهو انتقال روحي "في حال اليقظة" لتكون في مكان ليس فيه أي مشاهد سوى أنك في مكان كأنه في الفضاء الواسع .. محاط به ظلام ينعكس من وراء هذا الظلام شيء بسيط جدا من النور غير مدرك لقوة الساتر المظلم المحيط بالمكان .. (مثلما تغمض عينك في مكان مضيء حولك) .. ولا يوجد شيء في هذا المكان تستطيع أن تنظر أو تلتفت إليه .. وتدرك يقينا في هذه اللحظة أنك في مكان قريب جدا من الله .. وقد أذن لك أن تذكره في حضرته بلا خلق .. أي أنت في مكان بلا أي موجودات على الإطلاق حيث لا ملائكة ولا غيره .. وتبقى فيه ذاكرا ليس برغبة منك أنت .. وإنما لأنه هو من جذبك لهذا المقام .. وترجو لو أنك لا ترجع لعالم الحس .. ولكن هو من جذبك وهو من يعود بك .. ولله في خلقه شئون .. وليس لك من الأمر شيئا ..!!

 

- ولا يوجد في هذا المكان إلتفات لأي شيء لأنه لا يوجد فيه شيء سوى سكينة مبهرة .. وفي هذا المكان ينقطع الزمن عنك .. وقد تجلس فيه وتشعر أنك جلست ساعات طويلة وحدثت مناجاة طويلة بينك وبين الله .. وفي الحقيقة قد تكون دقيقة من العالم المادي ..!!

 

- وهذه الدقيقة ممكن أن تفعل فيها ما يحدث في ساعات طويلة وأيام .. فلا تتعجب أن تسمع من احد أن ختم القرآن مرة في الصباح ومرة في المساء .. لأنه لا يختمه بما تتوهمه أنت بمقياس الوقت الخاص بك .. وإنما بمقدار الفضل الذي أنعم به الله عليه من خلال كرامة ذكره لله ..!! ولا تنسى قوله تعالى (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) الحج47.

 

- فلا تتعجب من فضل الله .. ولا غرابة في أن يذكر أحد الله آلاف المرات في زمن يسير .. أو يختم القرآن في ركعة وهو واقف .. لأن الزمن بالنسبة له قد يكون مجرد دقيقة أو ساعة .. أو أقل أو أزيد .. حسب حال قلب الذاكر مع الله ومراد الله في هذا القلب ..

نقلا عن رسالة التعريف للأستاذ خالد ابوعوف .. ص 1227 .. تحت عنوان :من الأحوال : حال الإنتقال الروحي أثناء الذكر. 

 

*************************

 

..:: س4: هل عدم حدوث حالة الفناء يدل على وجود مشكلة في قلب المؤمن ؟ ::..

 

- قد يوهمك الشيطان بفكرة ليؤذيك نفسيا .. فيأتيك ويقول لك .. لماذا لا تظهر عليك إشارة فناء كالتي تحدث لبعض الذاكرين .. ألا تظن أنك غير مقبول ؟ أم يوجد خلل كبير عندك في معاملتك مع الله صنعت لك حجاب كبير يمنعك من تذوق هذا الحال ؟

 

- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- اخي الحبيب .. ظهور علامة أو إشارة ليس دليل على أنك قريب أو بعيد عن الله .. لا .. وإنما صدق التوجه إلى الله دائما برضا عما يجريه عليك من اقدار .. هو أصدق العلامات على سلامة قلبك ودليل على حُسن قربك من الله بصدق إيمان منك .. وإنما أذكر لك بعض الاحوال .. إذ ربم تشعر بشيء من ذلك .. فلا تقلق ولا تخف ولا تظن بنفسك شيئا .. ولكن ليس بالضرورة يحدث هذه الأحوال مع كل واحد ..

 

2- واعلم أن الله قد يحفظك من حدوث فتنة لك .. بأن لا يجعلك تشعر بأحوال معينة حتى لا تفتن بها .. بل قد يصبح عملك ليس خالصا لله كما كنت تعمل ويصيب عجب في نفسك ورياء في عملك لاعتقادك في نفسك انك صاحب ولاية .. مما يترتب على هذه الفتنة تراجع منك في المعاملة مع الله بل وقد يسلبك من مقامك تماما وتقعد ملموما محسورا .. ولذلك يحجبك الله .. ليحافظ لك على منزلتك ومقامك عنده كما هو في ارتقاء .. فيكون المنع هنا هو عين العطاء .

 

3- مقامك لا يختلف عند الله لمجرد حدوث حال معين لك .. فقد يتساوى طرفين في نفس المقام .. ولكن هذا يعيش حال معين وهذا لا يعيشه .. ولكن تظل المقامات واحدة .. بل قد يزيد من لا يشعر بتذوقات الأحوال عن الذي يعيشها .. بسبب أن له أعمال مقبولة أكثر من الآخر .. !! فلا تحسب الدرجات بمقاييس الأحوال والعلامات والمرائي .. لا .. وإنما اجعل قياسها بمدى تعلق قلبك بالله في السراء والضراء والعسر واليسر والفرح والحزن .. وهكذا .. وهنا تنكشف لك حقيقة نفسك الإيمانية في مدى تعلقك بالله في كل أحداث حياتك.

 

* اخي الحبيب ..

- انتبه لحقيقتين .. أريدك أن لا تنساهم .. ودائما أذكرك بهما ..

- الحقيقة الأولى هي أن رؤيتك لمرائي أو إحساسك بمجالسة عالم الأنوار لك أو من حولك .. ليس دليل ولاية وإن كان الظاهر يقول بذلك .. وأبسط دليل على ذلك هو إبليس وكذلك الذي أتاه الله علما وإيمانا وكفر بعد ذلك ..

 

- والحقيقة الثانية هي أن فعلك لمعصية عن غلبه نفس .. لا يسلبك حب الله ورسوله من قلبك .. فلا يصيبك حالة اضطراب نفسي وتوهم بأنك أصبحت محجوبا عن رحمة الله ..!! وابسط دليل على ذلك اصحابي الذي كان شرب الخمر وأمسكه الصحابة وأخذوا يلعنوه وجاءوا به للنبي فقال لهم النبي ناهيا لهم: ("لا تَلْعَنُوه ، فواللهِ ما عَلِمْتُ إلَّا أنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه ") صحيح البخاري.

 

* خلاصة ما سبق :

- لا تنزعج اخي الحبيب لو لم يظهر عليك حال من الاحوال التي تقرأ عنها أو تسمع أنها تحدث للبعض .. لأنها ليست علامة على أنها كرامة ..

- وإنما دائما الكرامة كل الكرامة هي الإستقامة .. والإستقامة هي دوام الحال مع الله بصدق التوجه إليه بالطاعة مخلصا له وراضيا بما قسمه لك .

 

*********************

..:: س5: هل يصح حال الفناء بغير اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ ::..

 

- من الأخطاء التي تجدها منتشرة .. أن البعض يجعل حال الفناء صحيحا حتى ولو لم يكن الشخص متبعا لله ورسوله ولا مانع أن يكون مجنونا لا صلاة له ..!!

 

- فكيف يحدث هذا .. وحال الفناء مبني على جذبة محبة من الله للعبد .. لأن الله أحبه .. وكيف يحبه .. لو لم يكن متبعا ؟!!

 

- يقول تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء13-14.

 

- يقول تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور52.

 

- يقول تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران31.

 

- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يكونَ هواه تبعًا لما جئتُ به)

- ومعنى الحديث .. هو أنه لا يكتمل إيمان أحدكم حتى يكون نفسيته قد خضعت بالتسليم لطاعة الله ورسوله .

 

- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ) صحيح البخاري.

- معنى (لا يؤمن أحدكم): أي لا يكتمل إيمانه ..

- وفي هذا الحديث السابق تشعر وكأنك يجب أن تفنى في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكتمل إيمانك .

 

* خلاصة ما سبق:

- هو أن حال الفناء أو أي حال له وصف إيماني .. حتى تعلم أن الحال صادق أم له .. فاجعل قياسك على نفسك هو اتباع الله ورسوله في ظاهرك وباطنك .. وقياسك على الآخرين لو زعموا له حالا إيماني معين .. فليس لك من الحكم عليهم إلا بظاهرهم .. هل يتبعون الله ورسوله في عبادتهم ومعاملاتهم ..؟!!

 

* وبهذا يكون ختام الكلام على مصطلح الفناء .. وأكون شرحت لك جذبتين من جذبات الذكر التي تحدث نتيجة ذكر الله .. وهما حال الذهد وما يتبعه من (عزلة أو خلوة أو اعتكاف) .. وحال الفناء اذي يكون نتجة خشوع وانشغال القلب بالله أثناء الذكر.. وأرجو من الله القبول .. آمين يارب العالمين .

  ****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .