ج13: رسالة الإحسان مفاهيم وخواطر قلبية - مصطلح ( حقيقة الإيمان ) - ما هي حقيقة الإيمان - كيف تبلغ حقيقة الإيمان في نفسك - هل من الرضا الإيماني هو الإستسلام للواقع - كيف أرضى وأرى من أفعال الله في الوجود ما يجعلني ساخط - هل حقيقة الإيمان هي اليقين - هل يصح الإستدلال بحديث (كيف أصبحت يا حارثة) على الحقيقة الإيمانية.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية

 (الجزء الثالث عشر)

* فهرس:

:: مصطلح ( حقيقة الإيمان ) ::

1- س1: ما هي حقيقة الإيمان ؟

2- س2: كيف تبلغ حقيقة الإيمان في نفسك ؟

3- س3: هل من الرضا الإيماني هو الإستسلام للواقع ؟

4- س4: كيف أرضى وأرى من أفعال الله في الوجود ما يجعلني ساخط ؟ (مناقشة في مسألة القدر) .. 

5- س5: هل حقيقة الإيمان هي اليقين ؟

6- س6: هل يصح الستدلال بحديث (كيف أصبحت يا حارثة) على الحقيقة الإيمانية ؟

*************************

..:: مصطلح (حقيقة الإيمان) ::..

**************************

..:: س1: ما هي حقيقة الإيمان ؟ ::..

 

- كثيرا ما نسمع البعض يتكلم عن حقيقة الإيمان .. فما هو الإيمان .. وما هي حقيقته ؟

 

- أما عن الإيمان:

- يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: (أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ) صحيح مسلم.

 

- والإيمان: هو الاعتقاد بيقين فيما أخبرنا به القرآن وصح عن النبي ..

- أو تقول: هو التصديق المؤكد في القلب بهذه الأمور السابقة دون أي شك في أي منها .. أي أن تكون على يقين مؤكد بوجود الله وما له من صفات جمالية وجلالية كمالية .. وعلى يقين من وجود ملائكته وأن لا سلطة حاكمة عليهم إلا من الله وحده .. وأن الله انزل الكتب السماوية وفيها الحق .. وأرسل الرسل بالحق .. وتؤمن أنك ستقابل الله ويحاسبك على أعملك في الدنيا .. وتؤمن يقينا بأن الله قدر عليك الخير والشر .. لأنه لا خالق في الوجود غيره ..

 

- أما عن حقيقة الإيمان:

- ويقصد بها الحال الإيماني للإنسان مع الله كيف يكون في قلبك ..؟!!

 

- وهذه الحقيقة الإيمانية قد أظهرها النبي صلى الله عليه وسلم في جانبين مهمين:

 الأول: هو الرضا بالقدر خيره وشره ..

الثاني: في حب الخير للغير ..

- يعني حقيقة الإيمان تظهر في قلبك من حيث الرضا بالله وحب الخير للغير ..

 

- أي أن حقيقة الإيمان له جانب خاص بالخالق وجانب خاص بالمخلوق .. أي عبادة ومعاملة ..

 

- هيا نستوضح كلا جانبي حقيقة الإيمان من خلال كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

 

- أولا: حقيقة الإيمان في المعاملة مع الله:

- جاء في الحديث عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لكلِّ شيءٍ حقيقةٌ ، و ما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلمَ أنَّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئَه ، و ما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه) رواه أحمد والبزار والطبراني .. وقال البزار: اسناده حسن ..، وقال الهيثمي: رجال الطبراني ثقات ..، وذكره الألباني في تحقيق السنة لابن أبي عاصم بأن إسناده صحيح .. وذكره في صحيح الجامع وفي الصحيحة بأن رجاله ثقات كلهم ولا كلام فيهم ..، ولكن قال الأرنؤوط: اسناده ضعيف ..!!

 

- وفي رواية بلفظ: (لَا يَسْتَكْمِلُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ ...) رواه الفرياني في كتاب القدر .. وذكره الشهاب القضاعي في مسنده .

 

- ولذلك كانت وصية الصحابي عباد بن الصامت لابنه حينما كان في مرض شديد .. فقال لابنه: (يا بُنَيَّ، إنَّكَ لنْ تَطعَمَ طَعمَ الإيمانِ، ولنْ تَبلُغَ حَقَّ حَقيقةِ العِلمِ باللهِ حتى تُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه، قال: قُلْتُ: يا أبتاه، وكيف لي أنْ أعلَمَ ما خَيرُ القَدَرِ مِن شَرِّه؟ قال: تَعلَمُ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُنْ ليُصيبُكَ، وما أصابَكَ لم يَكُنْ ليُخطِئُكَ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: صحيح.

 

- وفي رواية بلفظ: (يا بُنَيَّ، إنَّك لن تَجِدَ طَعمَ حقيقةِ الإيمانِ حتى تعلَمَ أنَّ ما أصابَك لم يكُنْ لِيُخْطِئَك، وما أخطَأَك لم يكُنْ لِيُصيبَك) رواه أبو داود .. وقال الارنؤوط: حسن .

 

- ثانيا: حقيقة الإيمان في المعاملة مع الناس:

- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الإيمَانِ حَتى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ) صحيح بن حبان .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب بأنه صحيح .. وقال حسين أسد في تخريج موارد الظمآن: إسناده صحيح ..

 

* والحقيقة الإيمانية .. التي شرحها لنا النبي صلى الله عليه وسلم .. في أصلها هي حقائق إيمانية قرآنية ..  وأجد ذلك في آيتين:

1- الآية الأولى وهي قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد22-23.

 

- والمعنى من تفسير المنتخب ص807: ما نزل من مصيبة فى الأرض من قحط أو نقص فى الثمرات أو غير ذلك، ولا فى أنفسكم من مرض أو فقر أو موت أو غير ذلك إلا مكتوبة فى اللوح مثبتة فى علم الله من قبل أن نوجدها فى الأرض أو فى الأنفس. إن ذلك الإثبات للمصيبة والعلم بها على الله سهل لإحاطة علمه بكل شئ.

- أعْلمناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما لم تحصلوا عليه حزناً مفرطاً يجركم إلى السخط، ولا تفرحوا فرحاً مُبطراً بما أعطاكم. والله لا يحب كل متكبر فخور على الناس بما عنده.

 

2- الآية الثانية وهي قوله تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) الزخرف32.

 

- والمعنى من تفسير المنتخب ص726: نحن تولينا تدبير معيشتهم لعجزهم عن ذلك، وفضلنا بعضهم على بعض فى الرزق والجاه، ليتخذ بعضهم من بعض أعواناً يسخرونهم فى قضاء حوائجهم، حتى يتساندوا فى طلب العيش وتنظيم الحياة والنبوة وما يتبعها من سعادة الدارين خير من أكبر مقامات الدنيا.

 

**************************

 

..:: س2: كيف تبلغ حقيقة الإيمان في نفسك ؟ ::..

 

- بلوغ حقيقة الإيمان يكون من خلال الرضا بما قسمه الله لك .. بما يجريه عليك من أقداره .. وبالتالي ستجد نفسك محبا للخير لغيرك لأنك تعلم أن كل شيء يسير بتدبير إلهي .. وله سبحانه في هذا التدبير حكمه هو يعلمها .. وهذا التدبير لا يظلم به أحدا .. وبالتالي لا يوجد سبب يجعلك لا تحب الخير لغيرك طالما أن مؤمن أن هذا ما قسمه الله له ..

 

- يبقى الرضا بالمقسوم .. يجعلك تبلغ حقيقة الإيمان .. لأنه يكسبك هدوء في نفسك وسكينة .. ان كل شيء بتدبير إلهي .. وهذا التدبير الإلهي له فيه حكمه هو يريد إثباتها ..

 

- وكلما أدركت خطوة أو درجة من حقيقة الإيمان في قلبك .. كلما تذوقت من حلاوة الإيمان .. كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا) صحيح مسلم.

 

- قوله (ذاق): أي وجد أثر حلاوة الإيمان في باطنه أي قلبه .. كما يجد آكل الطعام تذوقا حين بداية استطعامه للأكل ..

 

- (طعم): هو ما يجده الذائق من حلاوة أو مرارة حين تذوق الأكل .. وكذلك المؤمن الراضي حين فعل العبادات والمعاملات لله .. سيجد حلاوة الإيمان .

 

* وارجع لما قلناه عن مصطلح (التذوق الإيماني) ..

 

***************************

 

..:: س3: هل من الرضا الإيماني هو الإستسلام للواقع ؟ ::..

 

- قد تظن أخي الحبيب أن الرضا هو استسلام للواقع .. لا .. الرضا هو حال قلبي وليس حال مادي ..!! يعني إيه الكلام ده ؟

- يعني حضرتك لما تحصل لك مشكلة .. فانت تأخذ بالأسباب في دفع هذه المشكلة .. ولكن في قلبك راضيا بما قسمه الله لك بل وتسأله من فضله أن يعافيك من هذه المشكلة ..

 

- ولكن فائدة الرضا هنا .. هي عمل سكينة في القلب بالخضوع لما يجري به القدر .. فتتعامل مع أسباب الحياة بهدوء ..

 

- كأنك تقول: سأسعى يارب بالأسباب في الدنيا .. وانت تعلم أني راضي يارب بما تكتبه لي وتقسمه لي من فعلك معي .. فأسألك أن تراضيني وتجبر بخاطري فيما جرت به المقادير .. واعلم أنك ماض فيَّ حكمك وعدل في قضاؤك .. ولا غني لي عن فضلك وعفوك ..

 

- وكذلك الحال بالنسبة للتوكل .. فنجد بعض العلماء الذين جعلوا من التوكل ترك العلاج .. لا .. فهذا كلام غير صحيح ومخالف لحقيقة التوكل تماما .. لأن التوكل هو عمل قلبي مصحوب بسعي كسبي .. فأنت تسعى أدبا مع الله في الأخذ بالأسباب .. ولكن قلبك يقول توكلت عليه يارب طالب معونتك في أن تنفعني بهذه الأسباب وتيسرها لي .

 

- وكذلك في كل أحوال الصفات القلبية .. لا تخلطها بحال السعي الدنيوي .. لا .. هذا خطأ كبير .. فهناك عمل للقلب وهناك سعي للبدن .. ومسئول عن ذلك سعيك بالأسباب أمام الله .. وعن حال القلب وقت سعيك بهذه الأسباب .. ولا تلومن سوى نفسك ..

 

**************************

 

..:: س4: كيف أرضى وأرى من أفعال الله في الوجود ما يجعلني ساخط ؟ ::..

 (مناقشة عن القدر)

- للإجابة أخي الحبيب على هذا السؤل .. فانتبه للآتي:

- أولا: هناك فرق بين أن تغضب لله .. وبين أن تغضب من فعل الله ..!!

- فأن تغضب لله بسب انحراف يفعله الناس .. فهذا اسمه غضب لله .. لأنك تريد أن تجد حق الله هو الموجود في الوجود .. وهذا غضب محمود ويكافئك عليه الله .

 

- ولكن تغضب من فعل الله .. لأنك ترى أنك كنت تستحق الافضل ؟ أو لأن غيرك لا يستحق النعمة التي يعيش فيها ؟ فهذا غضب مذموم وسيحاسبك الله عليه .

 

- ثانيا: أما عن كونك تسخط لأنك في حالة ضيق . وغيرك في حال بسط :

- فأمرك غريب يا أخي ..

- ألا ترى معي أنه يوجد خلل طريقة تفكيرك .. يدل على خلل كبير في نفسك .. كيف ذلك ؟

- فخلل طريقة التفكير .. لأنه ما أدراك أن الذي يظهر بأنه في حال بسط .. هو سعيد ؟!!

- وخلل النفس .. لأن غيرك الذي هو في مثل حالك .. لماذا هو راضي وليس ساخط مثلك ..؟!!

 

- مناقشة أولى: دعني أناقشك بطريقة عقلية إيمانية ..

 

1- أسأل نفسك قائلا : هل الله حكيم في فعله حينما قدر عليك بالرزق أم جاهلا في فعله ؟

- فلو قلت أنه حكيم .. فلماذا تسخط طالما قد آمنت أن فعله له حكمة وتدبير ..؟!!

- وهل سخطك سيغير من الأمر شيء ..؟!!

 

- ولو قلت هو إله غير حكيم .. فأنت حينئذ كفرت بالله .. لأنك اتهمته بالنقص وكأنه مخلوق جاهل لا يدري ما يفعل في ملكه لأنه لا علم له وإدراك ..!!

 

2- أسأل نفسك قائلا : هل الله عادل أم ظالم ؟

- فلو قلت أنك مؤمن بأنه إله عادل .. فلماذا تتهمه بالظلم وتقول أنك لا تستحق ما أنت عليه ..؟!!

فاتهامك له فيه اعتراف منك أنك تظنه إله ناقص لأنك تعتبره ظالم .. !! فاستغفر الله وتب إليه ..!!

 

- فلو قلت ظالم واعتقدت ذلك يقينا .. فأنت تكون كفرت بالله يقينا لأنك تكون جعلته كمخلوق جاهل أحمق .. !!

 

 * مناقشة ثانية: دعنا نرفع مستوى المناقشة لما تبوح به غضبا في داخلك :

 

* فيأتيك الشيطان موسوسا ليقول لك في نفسك :

- لماذا لم يجعلك الله غنيا ؟

- لماذا لم يجعلك بصحة وعافية ؟

- لماذا لم يجعلك في أسرة راقية ؟

- لماذا لم يعطيك جمالا ؟

- لماذا لم يمنحك علما ومالا ؟

 

* ثم يأتيك الشيطان فيقول لك عن المجتمع :

- لماذا خلق بعض الناس على غير الاسلام .. ثم يحاسبهم ؟

- ما ذنب من نشأ في بيئة منحرفة أن يحاسبه الله ؟

- لماذا ليس هناك مبدأ تكافيء الفرص في العطاء ؟

- لماذا جعلك مذنبا وغيرك مطيعا ؟

 

* ثم يرتقي معك الشيطان ليطعن في القدر صراحة :

- طالما الله كان يعلم فلان شقي ومن أهل النار .. فلماذا خلقه ؟ هل خلقه ليعذبه ؟ فما هو ذنبه إن كان الله حكم عليه بهذا ؟

 

- وغير ذلك من الأسئلة التي كثيرا ما تتردد في داخلك .. ويستبيح ترويجها شياطين الإنس من الملحدين ..!!

 

* والإجابة ببساطة على كل ما سبق .. وبمنتهى الهدوء :

- هل أنت مؤمن بالله ؟

- ستقول : نعم .

- إذن أنت أنه عدل في حكمه ؟ اليس كذلك ؟

- ستقول : نعم .

- وطالما هو عدل في حكمه فهو حكيم في تدبيره ؟ اليس كذلك؟

- ستقول :  نعم .

 

- وطالما أنت مؤمن بما سبق ..

- فالآن دعني أسالك مستوضحا منك بعض الأمور:

1- طالما هو الله العادل .. ومن عدله الإنصاف بين الناس ولا يظلم أحد .. فلماذا تغضب على فعله في الوجود .. طالما أنت مؤمن أنه العدل ؟!!

2- أليس ما يفعله الله في وجوده الذي خلقه هو حر فيه وله فيه حكمة وتدبير .. طالما انت تعتقد أنه ليس جاهل وليس ظالم ؟!!

3- لماذا تقبل على الله ما ترفضه أنت على نفسك ؟ كيف ذلك ؟

- فأنت لا تسمح لأحد أن يتدخل في شئون إدارة حياتك الشخصية .. وتعتبره نوع من الجهل والإعتداء ..!!

- فلماذا تتدخل في إدارة شئون الكون التي هي ملك لله .. أليس هذا نوع من الجهل منك والإعتداء على الله بهذا الجهل ؟!!  

 

* يبقى خلاصة ما سبق:

1- لو أنت مؤمن بأنه سبحانه وتعالى حَكم عدل بين خلقه .. فمستحيل أن تفكر ولو للحظة أنه ظالم لأحد من خلقه .. أو تقول لماذا خلق فلان في بيئة كافرة أو غير مسلمة .. أو لماذا خلق فلان مريضا أو مصابا بمشكلة ما ..؟!!

- لأنه كيف تفكر فيما ليس لك فيه علم ولا إدراك عقلي .. إذا كنت أنت لا تعرف الحكمة فيما يحدث لك من أفعال في نفسك ؟!! فهل ستعرف حكمة تدبير الكون ؟!! فهل تصح هذه المنهجية العقلية في التفكير ؟!! بكل تأكيد لا ..!!

- وكما لا تسمح لأحد أن يتدخل في تدبيرك لمنزلك أو عملك الخاص .. فمن باب أولى أن لا تعترض على من يدبر ملكه بما شاء وكيفما شاء .. !!

 

2- ولو كنت مؤمن حقا بأنه سبحانه وتعالى حكيم في منعه لك وبسطه عليك .. وأنه يرزق هذا وذاك بحكمة وحسن تقدير .. فمستحيل أن تفكر في الله أنه إله غير حكيم أو أنه معتدي عليك وتظن أنه حرمك ظلما من رزق في الدنيا .. بل تكون بصيرا بأن مفهوم الرزق متسع لعطاء الدنيا والآخرة .. والجزاء الحق في دار الحق وهي الآخرة .. لأن الرزق ليس في الدنيا فقط .. بل دنيا وآخرة .. يقول تعالى: (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) طه131.   

 

* نهاية المناقشة أخي الحبيب :

1- لا تغضب على فعل الله في الوجود .. لأنك بذلك جعلت من نفسك حاكما على الله .. وجعلت الله محكوم عليه .. فجعلت من الخالق مخلوق .. واتهمته بالنقص والجهل والظلم والاعتداء .. !!

 

2- أنت لم تنتبه لخدعة الشيطان أنه يجرك إلى أن تتهم الله وتظن فيه السوء .. مما يترتب على ذلك دخول ظلام في صدرك وقلبك .. ثم تقول لماذا لا تشعر بحلاوة الإيمان .. !!

- فكيف ستتذوق وستشعر بحلاوة الإيمان بعد سوء الظن الذي ظننته بالله ؟!!

 

3- فاحترم عقلك وقلبك .. ولا تخوض في الغيبيات التي لا علم لك فيها .. ولا أسباب لك في الوصول إليها لتدركها .. وقف مؤمنا على أنه سبحانه حكم عدل مدبر حكيم ..

 

4- أما إذا لم تكن مؤمنا بالله .. فلماذا تتكلم عن مسألة أنت كافر فيها بالله وبما يتعلق به ؟!! فأنت بذلك تكون متهما في عقلك .. لأنه كيف تسأل عما أنت تعتقد في غير وجوده أصلا ؟!! أفلا تعقلون ؟!!

 

**************************

 

..:: س5: هل حقيقة الإيمان هي اليقين ؟ ::..

 

- قال الصحابي عبدُ اللهِ بن مسعود: (الصَّبْرُ نِصْفُ الإيمانِ ، واليَقِينُ الإِيمانُ كلُّهُ) رواه البيهقي والطبراني والحاكم .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب وقال: صحيح موقوف.

 

- ونجد أن كلام الصحابي هو كلام صحيح جدا .. لأن من بات اليقين فيه مما هو مطلوب منه الإيمان به .. فهو المؤمن حقا .. لأنه جعل من إيمانه واقع لا يفارقه .. لأنه على يقين به .. ومن ذلك الرضا بالمقسوم لك أو عليك ..!!

 

- واليقين هو استقرار الشيء في المكان .. والإيمان لا يكتمل ثبوته إلا بثباته في القلب ..

 

* وهناك علاقة وثيقة بين الإيمان واليقين .. كيف ذلك ؟

- فهناك علم يقين: هو المعرفة بالخبر الصادق .

- وهناك عين يقين: وهي المعرفة بالرؤية الصادقة .

- وهناك حق يقين: وهو التحقق بالمعرفة الخبرية والمرئية ..

 

- ومثال للتوضيح على ما سبق:

- أنت تعرف من الدين أن في الآخرة يوجد جائزة للمؤمنين تسمى الجنة .. فهذا علم يقين .. وحينما تراها فهذا عين يقين .. وحينما تدخلها وتنتفع بها فهذا حق اليقين ..

 

- وكلما تحققت من الإيمان كلما تحقق اليقين في نفسك .. وإذا أردت أن تتحقق من الإيمان .. فعليك بالرضا بما يجري به القدر لك أو عليك .. وقل: يارب ماض في حكمك وعدل في قضاءك .. رضيت يارب بما قسمته لي ..!!

 

*************************

 

..:: س6: هل يصح الإستدلال بحديث (كيف أصبحت يا حارثة) على الحقيقة الإيمانية ؟ ::..

 

- حينما يتم الكلام عن الحقيقة الإيمانية أو الحال الإيماني .. تجد البعض يستند لحديث سنده ضعيف .. وإن كان صحيح في معناه .. وهو حديث – روي عَنْ أَنَسٍ بن مالك قال: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَجُلا يُقَالُ لَهُ حَارِثَةُ، فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟» ، فَقَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ إِيمَانٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟» ، قَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَأَسْهَرْتُ لَيْلِي، وَكَأَنِّي بِعَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ، وَأَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْتَ فَالْزَمْ .. مُؤْمِنٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ») . رواه البزار "وقال: تَفَرَّدَ بِهِ يُوسُفُ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ" ..، ورواه الطبراني والبيهقي وبن حميد .. بأسانيد ضعيفة ..

 

- وجاء في رواية بلفظ: (دخل حارثة الأنصاري صلاة الغداة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل حق حقيقة؛ فما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بدأ بالداء فحسمه..، قال: وصرت كأني أنظر إلى عرش ربي؛ وإلى أهل الجنة يتزاورون؛ وإلى أهل النار يتعاوون فيها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مؤمن، نور الله قلبه؛ عرفت فالزم) رواه الأصبهاني في الترغيب.

 

- وفي رواية بلفظ: بلفظ: (لكل قول حقيقة) ..

 

- ومعنى قوله (عزفت نفسي): أي صرفتها عن متع الدنيا .. حتى ألزمها بالعمل مع الله ..

 

- ومعنى قوله (لكل حق حقيقة): أي لكل ادعاء تزعم له الثبوت في نفسك .. يجب أن يكون لك شاهد عليه .. أي لكل ادعاء دليل وشاهد عليه فما دليلك على ما تقول ؟!!

 

- ولا مانع من الإستدلال بالحديث السابق كفضيلة عمل وليس كحجة شرعية !! مع بيان وتوضيح أن الرواية ضعيفة ..

 

* ومجمل القول في رواية حارثة .. أنه حديث ضعيف الإسناد .. ولم أجد أحد من أهل الحديث (فيما توافر عندي من مصادر) .. قد صحح هذا الحديث ..!!

 

- وليس معنى الحديث ضعيف .. أنه لا يستدل به .. بل لا مانع من الاستدلال به كفضيلة لأنه يشير إلى فضيلة بعض الصحابة نتيجة اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم .. وهذه الفضيلة هي ترك التعلق بالدنيا في قلبه مما سمح بدخول نور الإيمان في القلب لانشغاله بالله ..

 

- وطالما الحديث لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما وليس له معارض من الشريعة .. فلا مانع من الاستدلال به كفضيلة وليس كحجة ..!!

 

- ومن يجد غضاضة في نفسه من الإستدلال بحديث حارثة السابق ذكره كفضيلة .. فيكفيه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لحقيقة الإيمان من صحيح الأحاديث ..

 

- وبهذا يكون ختام الكلام على مصطلح (حقيقة الإيمان) .. والحمد لله رب العالمين .

 ****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .