ج2: رسالة الإحسان خواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية - مصطلح (الحال القلبي الإيماني) - ما هو مفهوم الحال القلبي الإيماني - ما الدليل على مفهوم هذا الحال القلبي الإيماني من القرآن والسنة - هل هناك من ألفاظ الشريعة ما يدل على لفظ الحال القلبي الإيماني - مصطلح (الوجد القلبي الإيماني) - ما هو الوجد القلبي الإيماني.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية

 (الجزء الثاني)

* فهرس:

أولا- مصطلح (الحال القلبي الإيماني) ..

1- س1: ما هو مفهوم الحال القلبي الإيماني ؟

2- س2: ما الدليل على مفهوم هذا الحال القلبي الإيماني من القرآن والسنة ؟

3- س3: ما هو الفرق بين الحال والمقام ؟ 

4- س4: هل هناك من ألفاظ الشريعة ما يدل على لفظ الحال القلبي الإيماني ؟

ثانيا- مصطلح (الوجد القلبي الإيماني) ..

5- س5: ما هو الوجد القلبي الإيماني ؟

**************************

(2)

..:: مصطلح الحال ::..

 

..:: س1: ما هو مفهوم الحال القلبي الإيماني ؟ ::..

  
1- معنى الحال الإنساني في اللغة: لفظٌ يبيَّن الهيئة النفسية التي يكون عليها الإنسان عند فعل شيئا ما حدث معه أو حدث منه ..
 
2- وهنا نتكلم عن الحال الإيماني القلبي للمؤمن في علاقته بالله ..
 
3- معنى الحال الإيماني: هو الوصف القلبي لما يكون عليه الإنسان في علاقته مع الله .. نتيجة انفعال ما حدث في باطنة .. فسبب له خوفا من الله او رجاء من الله أو قبضا سبب له عزلة إلى الله أو بسطا سبب له اجتماع مع الناس لنفعهم إرضاء لله .. وهكذا ..
 
4- وحال الإنسان المؤمن في العموم .. سواء كان حال مؤقت أو حال دائم .. فهو لا يخرج عن الخوف من الله والرجاء منه والرضا به والتوكل عليه والإخلاص له والتوبة إليه .. أي دوام التعلق بالله ..
 

5- ومفهوم التعلق بالله : هو دوام انشغال القلب بالله في حال وجود النعمة وفقدها .

 

6- ولا يصح الحال إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في ظاهرك وباطنك ..!! أي تعمل بأخلاقه في ظاهرك وباطنك ..!!

 

* ملحوظة: حينما أقول لك .. في توصيف مصطلح بأنه (إيماني) .. أي أنه يحدث نتيجة الإيمان .. فمثلا الحال الإيماني .. هو الذي يظهر نتيجة العلاقة الإيمانية مع الله .. !! وهكذا في كل المصطلحات ..

 

******************************

 ..:: س2: ما الدليل على مفهوم هذا الحال القلبي الإيماني من القرآن والسنة ؟ ::..

 

1- يقول تعالى (ادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الاعراف56 .

 

2- ويقول تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر9.

- والمعنى من تفسير المنتخب ص985: أَمَّن هو خاشع لله أثناء الليل يقضيه ساجداً وقائماً، يخشى الآخرة ويرجو رحمة ربه. كمن يدعو ربه فى الضراء وينساه فى السراء؟! قل لهم - يا محمد -: هل يستوى الذين يعلمون حقوق الله فيوحدونه، والذين لا يعلمون، لإهمالهم النظر فى الأدلة؟ إنما يتعظ أصحاب العقول السليمة" أ.هـ

 

- فالأحوال السابقة عن الخوف والرجاء .. هي نوع من الاحوال القلبية التي يجب على المؤمن أن يحافظ عليها في نفسه ليستقيم حاله مع الله .. فلا يطغى الرجاء على الخوف حتى لا تستهين بالمعصية .. ولا يطغى الخوف على الرجاء حتى لا تيأس من رحمة الله ..

 

- وهناك من الأحوال القلبية الكثير في القرآن .. لأن هذه الصفات هي روح القلب في العلاقة مع الله .. مثل الرضا واليقين والتوكل والإخلاص  .. وإنما أعطيت لك فقط مثالا للخوف والرجاء لأنهما جناحي المؤمن في المعاملة مع الله ..

 

- وحتى يصح جناحي المعاملة مع الله .. لابد من خمسة صفات يجتهد الإنسان في تحقيقها من وجهة نظري وهي التوبة والتوكل والإخلاص والرضا واليقين .. أي دوام التوبة إلى الله (مهما اجتهدت بالطاعة مع الله) ، والتوكل على الله في قلبك معتمدا عليه لكونه هو مدبر الأمور ، والإخلاص في العمل مع الله (فلا يظهر الأنا أي لا يظهر حظ النفس في هذه المعاملة) ، والرضا بالله (أي بما يجري به القدر وبما أمرك الله بفعله او بتركه) ، واليقين بان كل شيء بتدبير حكيم ولا يظلم ربك أحدا ..

 

- وبقدر تحصيل الصفات السابقة .. بقدر ما يحدث حالة حالة الحب الإيماني في القلب لله .. والتي عنها يبدأ يستقيم حالة الرجاء والخوف في المعاملة مع الله ..

 

- ولا يخفى أن الأحوال القلبية تظهر بمجاهدتك لنفسك في الإبتعاد عن المعصية، وفعل الطاعة مخلصا فيها لله ابتغاء رضاه .. مع أهمية الدعاء دائما بأن يرزقك الله تحقيق هذه الصفات في قلبك .. فإنه ولي ذلك .. ففي الحديث عن زيد بن أرقم قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَنَفَسٍ لَا تَشْبَعُ، وَعِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَدَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا ".. قَالَ: فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَاهُنَّ وَنَحْنُ نُعَلِّمُكُمُوهُنَّ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

 

- وممكن أن تحدد ما تريد من فضل الله لك ..  كأن تقول اللهم ارزقني دوام التوبة والتوكل والإخلاص والرضا واليقين مع التمكين ..

 

3- وإذا كان هناك حال خوف من المعصية .. فهناك خوف عند عمل الطاعة وهو المسمى بالوجل .. وهو خوف المحبين في ولائهم لربهم .. من أن يكون غير لائق بما يحب الله ويرضاه ..

- قال تعالى:(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) المؤمنون60 ..

 

- المعنى من التفسير الميسر: والذين يجتهدون في أعمال الخير والبر وقلوبهم خائفة ألا تُقبل أعمالهم ، وألا تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب.

 

- عن عائشة رضى الله عنها قال قلت (يا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "الذين يؤتون ما آتَوْا وقلوبهم وَجِلَة" أَهو الَّذى يسرق ويشرب الخمر ويزنى؟ قال: لا يا ابنة الصّديق: ولكنَّه الرّجل يصوم ويصلِّى ويتصدّق ويخاف أَن لا يقبل منه) صحيح الترمذي ..

 

******************

..:: س3: ما هو الفرق بين الحال والمقام ؟ ::..

 
- قد يسأل البعض فيقول ما هو الفرق بين مفهوم لفظ الحال ولفظ المقام ؟
- قلت لك:
أ- أن الحال القلبي .. يقصد به انفعال القلب مع الله نتيجة لاحساس ما أو موقف ما حدث له فجعله ينفعل مع الله في هذا الوقت .. فتتغير كيمياء القلب تبعا لهذا الإنفعال .. مثل الخوف والرجاء والقبض والبسط والحزن من معصية والفرح بطاعة والعزلة عن الناس والإجتماع بالناس والصبر وقت الشدة .. وهكذا .. فهذه أحوال لا تدوم وإنما انفعالات تحدث نتيجة سببا ما حركها في باطن المؤمن .. ويعمل بها مع الله ..
 
ب- أما عن المقام الإيماني .. فهو يقصد به مقام الصفات التي على الإنسان أن يرتقي فيها بقلبه ليثبت في المعاملة مع الله ويتطهر قلبه ويتزكى بها .. كدوام التوبة والإخلاص والتوكل والرضا واليقين والمحبة والصبر مع طول البلاء .. وغير ذلك من صفات مطلوب تحقيقها لتزكية القلب حتى يثبت في المعاملة مع الله .
 
* وخلاصة ما سبق:
- أن الحال لا يدوم لأنه انفعال مؤقت لسبب ما .. ولكن المقام هو حال دائم يسعى المؤمن إلى تحقيقه وله فيه درجات وارتقاءات بقدر اجتهاده في مرضاة الله .. كالرضا واليقين والإخلاص وهكذا ..
 
* ملحوظة هامة:
1- قد تنقلب أحوال إيمانية إلى مقامات .. مثل الصبر .. قد يكون وقت الشدة المؤقتة .. كلحظة الوفاة .. وقد يطول بسبب مرض ما ..!!
- ولكن احذر أن ينقل حال الخوف إلى مقام تسكن فيه وإلا قد يصيبك يئس من رحمة الله .. لأن الخوف من الله في حقيقته سببا للرجاء من الله .. فكلما خاف الإنسان رجا رحمة الله .. ولكن بعض الناس ينقلب عنها الخوف يئسا من رحمة الله لظنه أنه لن يغفر الله له ذنوبه ...!! وهذا سوء ظن بالله .. فانتبه .

2- هناك أحوال قد تسبب لك سلب الإيمان .. مثل السخط على قضاء الله وإنكار فعل الله معك كأنك لا تستحق ما حدث لك .. وهناك أحوال قد تسبب لك حجاب كبير في معاملتك مع الله كالغل والحسد .. وهناك أحوال معصية تسبب لك حجاب مثل دوام فعل الكبائر دون توبة .. !! فانتبه لما ذكرته لك جيدا ..!!

- وكلامنا هنا في هذه الرسالة عن الأحوال الإيمانية الطيبة التي يتكلم عنها أهل الله المؤمنين .. والتي تدل على صدق الإيمان ونقاء القلب في المعاملة مع الله ..

   

***************************

 

..:: س4: هل هناك من ألفاظ الشريعة ما يدل على لفظ الحال القلبي الإيماني ؟ ::..

 

- هناك من الأحاديث ما جاء فيه لفظ الحال بصورة صريحة .. وليس بما يفهم من معناه .. وأحببت أذكره لك حتى لا يقول لك جاهل ضال أنك مبتدع ..!!

 

- فقد جاء عن لفظ الحال الإيماني ..

1- عَن حَنظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ - وَكَانَ مِن كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَقِيَنِي أَبُو بَكرٍ فَقَالَ: كَيفَ أَنتَ يَا حَنظَلَةُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنظَلَةُ، قَالَ: سُبحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأي عَينٍ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عَافَسنَا الأَزوَاجَ، وَالأَولَادَ، وَالضَّيعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلقَى مِثلَ هَذَا، فَانطَلَقتُ أَنَا وَأَبُو بَكرٍ حَتَّى دَخَلنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِندَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ؛ كَأَنَّا رَأيُ عَينٍ، فَإِذَا خَرَجنَا مِن عِندِكَ عَافَسنَا الأَزوَاجَ، وَالأَولَادَ، وَالضَّيعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِندِي، وَفِي الذِّكرِ، لَصَافَحَتكُم المَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وَفِي طُرُقِكُم، وَلَكِن يَا حَنظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) صحيح مسلم.

 

- وفي رواية بلفظ : (نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنَّارِ والجنَّةِ كأنَّا رأيَ عينٍ ، رجَعنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ ونسينا كثيرًا ، قالَ : فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم ، وفي طرقِكُم ، وعلى فُرُشِكُم ، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً) صحيح الترمذي .

 

- فتفهم أمر مهم مما سبق: 

- أن قول النبي: (لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي) .. نفهم منه أن كل حال إيماني يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو ليس بحال صحيح .. حتى ولو صاحبه طار في الهواء ومشى على الماء وزعم أنه يكلم الملائكة والجن ..!

 

* من معاني الحديث السابق:

- معنى (نافق حنظلة): أي أنه يتهم نفسه بسبب أنه يتغير حاله حينما يترك النبي وينشغل بأمور الدنيا .. حيث كان انشغاله بأمور المعيشة وملاعبة الأولاد وقضاء حوائج الأسرة .. ينسيه الحال التي كان فيها عند النبي .. فظن أن هذا يكون نوع من النفاق ..!!

 

- معنى (كَأَنَّا رَأي عَينٍ) : أي كأننا نرى الجنة والنار بالعين .. وهذا دليل على كشف القلوب لاستحضار هذه الحالة .. مما يدل على استقامة الخوف والرجاء في قلوبهم ..

 

- معنى (عافسنا): انشغلنا بأمور الأسرة ، والضيعات التي هي السعي للعمل لكسب المال ..

 

- معنى (نسينا كثيرا): أي ننسى كثيرا مما كنا ننتبه له ونحن جالسون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .. بسبب الأمور الدنيوية.

 

 - معنى (لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي): أي لو داومتم على الإنشغال بالله .. مستحضرون جماله وجلاله في قلوبكم .. فسيترتب على ذلك مصافحة الملائكة لكم .. وهذه المصافحة نوع من التواصل بين الإنسان المؤمن والملائكة ..

 

- معنى (ساعة وساعة): أي اجعل وقت لأمور دنياك لأن فيها حقوق عليك .. واجعل وقت لربك بالعبادة كالذكر والتفكر والمناجاة وغيره ..

 

- معنى (ثلاث مرات) : أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكد مقولة (ساعة وساعة) ثلاث مرات .. وذلك حتى لا تضيع حقوق من هم في مسؤليتك .. وهذه طاعة أخرى مع الله .. فلا يزال الوصل بالله موجود ولكن بطريقة أخرى .

 

2-  ما جاء في حديث النبي للسيدة جويرية أم المؤمنين .. حيث جاء في الحديث: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خَرَجَ مِن عِندِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهي في مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهي جَالِسَةٌ، فَقالَ: ما زِلْتِ علَى الحَالِ الَّتي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قالَتْ: نَعَمْ، قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لقَدْ قُلتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ مُنْذُ اليَومِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) صحيح مسلم.

 

- وفي رواية بلفظ: (ما زلتِ في مجلسِكِ ؟ ) صحيح الأدب المفرد.

 

- وجاء في الحديث: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ كيفَ تجدُكَ قالَ: واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ .. وإنِّي أخافُ ذنوبي .. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ) صحيح الترمذي.

 

- قوله (كيف تجدك): كيف حالك .. والمراد هنا معرفة الحال الإيماني .. فلم يقهره الذنب عن طلب الرجاء منه، ولم يغلبه الرجاء عن الغيبة عن حق الله عليه .. وإنما ساكنا مع الله حسن الظن به ..  

 

- فقد ظهر عليه حسن الظن بالله حين رجاه .. وظهر عليه الإنكسار والإفتقار لله حين خاف من ذنوبه في حق الله .. فاستحق العطاء والأمن من الله ..  

* من انحرافات بعض الناس تحت مسمى الحال:

- والبعض يتطاول به حال الشيطان حتى يغلبه حال الشهوة وقد يفعل ما يفعل مع النساء تحت مسمى غلبه حال الحب والهوى .. ويزعم أنه مغلوب على أمره ..!! وهو كاذب .. لأن في الحقيقة غلبه حال الشيطان حتى فعل ما يحبه الشيطان ..!!

 

- وقد تبين لك من الحديث السابق كيف يكون الحال الإيماني الصادق وهو الخضوع لما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأيضا الرجوع لحال الدنيا بما يتفق مع ما يحبه الله ورسوله في المباح الحلال الطيب .. فانتبه لما قلته لك ..!!

 

*******************

(3)

:: مصطلح الوَجْد ::

..:: س5: ما هو الوجد القلبي الإيماني ؟ ::..

 

- الوَجْد: هو نتيجة انفعال قلبي يغيب فيه الإنسان عن الوجود بالموجود .. نتيجة الحب الزائد لشدة التعلق أو الحزن الزائد لشدة الشوق ..

 

- وكأن المؤمن يكون في هذه اللحظة غائب بقلبه إما حبا في الله أو متألما شوقا لرغبته في البقاء في معية الله والمؤانسة به ..

 

- وبتعبير بسيط: هو حالة تتملك من القلب تجعله حاضرا بين يدي الله إما حبا وإما شوقا ..

 

- وبتعبير أبسط مما سبق .. فالوجد هو جذب القلوب إلى حضرة المحبوب ..

 

- والوجد بدايته شوقا لله وحقيقته بقاء مع الله .. وكرامته تدوم استمرار العمل مع الله حبا لله .. ودليل ذلك قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام75.

 

- والقصة كلها تدور في فلك حدوث جذب قلبي لسيدنا إبراهيم لرغبته القوية وشوقه لمعرفة الحق .. حتى آنسه الله بالبقاء في حضرته جل جلاله ..

 

- والوجد لسنا في حاجة لدليل عليه لأنه يندرج تحت باب الحال .. ويكفيك ما ذكرته لك من قصة سيدنا إبراهيم ..

 

- وانتبه أخي الحبيب ..

- فإن كل فعل ترتب على هذا الوجد فيه انحراف .. فهذا حال باطل ..!! كالذي يقوم يرقص مع الذكر أو نتيجة الذكر .. !! لا .. فهذا ليس وجدا وإنما خللا .. يحتاج لتقويم في سلوكه مع الذكر ليحسن الأدب مع الله .. لأنه خالف حال النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

- فقد كان صلى الله عليه وسلم له حال مع الله دائم .. لم نسمع أن قام رقص أثناء وجوده مع الله وهو دائم الوجود مع الله بقلبه صلى الله عليه وسلم .. !!

 

*********************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .